مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٧ فبراير ٢٠١٥
كيف تحوّلت من مدرّسة إلى داعشيّة؟

لقاء أجرته شبكة CNN الأخبارية مع منشقّة داعشية

7/10/2014

Arwa Damon and Gul Tuysuz
ترجمة: حارثة مجاهد ديرانية

فتحت الفتاةُ ذات الخمسة وعشرين ربيعاً باب غرفة الفندق -حيث اتفقنا على اللقاء- بتردد. وعلى الرغم من أنها غطت وجهها بالكامل إلا أن لغة جسدها كانت تفضح ما يعتريها من قلق؛ رفعت حجابها ببطء مبديةً وجهها الفتيّ، وبدت عيناها البنيتان الواسعتان الممتلئتان بالشعور بالذنب وبالذعر تحت حواجبها المنسّقة تنسيقاً بديعاً.

كانت تسمي نفسها خديجة، وهو اسم مستعار لأنها مهدورة الدم. بعدما كانت خديجة تعمل مع داعش (تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام)، فإنها اليوم منشقة عنهم نتيجة لما انشكف لها من وحشية هذا التنظيم. وقد كان لقاؤها مع قناة سي إن إن المرة الأولى التي تكشف فيها عن قصتها.


"لقد فررت إلى ما هو أسوأ"

نشأت خديجة في سوريا، وحرص أهلها على أن تنال قسطها من التعليم، حيث حصلت شهادتها الجامعية وأخذت تدرّس في مدرسة ابتدائية، وهي تصف أسرتها وأسلوب والديها في التربية على أنه "لم يكن متشدداً دينياً".

حين اندلعت الثورة السورية منذ ثلاث سنوات ونصف انضمّت خديجة إلى جموع الجماهير الذين هتفوا ضد حكومة بشار الأسد. تقول خديجة: "لقد كنا نخرج ونتظاهر في الشوارع، وتلاحقنا قوات الأمن نتيجة ذلك. كنا نكتب احتجاجاتنا على الجدران ونحن نحمل ملابس إضافية لنبدل إليها بسرعة. كم كانت تلك الأيام رائعة!"

ثم كان تحول الثورة إلى التسلح -كما تقول- هو الوقت الذي بدأت تفقد فيه روحها وإنسانيتها. تقول خديجة بكلمات متهدجة: "كل ما حولنا كان عبارة عن فوضى مرعبة: النظام، البراميل المتفجرة، فصائل الجيش الحر المحاربة، الإضرابات، الجرحى، المشافي، الدماء... كنت لتريد أن تنتزع نفسك من هذا المكان، أن تجد ما تلجأ إليه. وكانت مشكلتي أني فررت إلى ما هو أسوأ".

الاستدراج

ألفت خديجة نفسها مأخوذة ببيان شاب تونسي التقت به على شبكة الإنترنت، ولما أعجبت بأخلاقه فقد بدأت تثق به مع الوقت حتى أغراها بالانضمام إلى داعش، وجعل يطمئنها بأن نظام داعش ليس كما يروَّج له بين الناس على أنه نظام إرهابي. قال: "إننا سنقوم بتطبيق تعاليم الإسلام. نحن الآن في حالة حرب، في وقت نحتاج فيه إلى السيطرة على البلد ولذلك لا بد لنا من انتهاج القسوة في هذه المرحلة".

أخبرها أنه كان قادماً إلى مدينة الرقة وأنهما قد يتزوجان أيضاً.

تقول خديجة: "تواصلت مع ابنة عمي فقالت لي: "تستطيعين الالتحاق بنا في لواء الخنساء". وقد كانت تعيش في الرقة مع زوجها الذي كان ضمن تنظيم داعش. أما اللواء المذكور فإنه قوة أمن مرهوبة الجانب تابعة لتنظيم داعش جميع أعضائها من النساء.

أقنعت خديجة عائلتها بالانتقال إلى الرقة متذرعة بأن تعليم إخوتها الصغار سيكون أيسر وأنهم سيحصلون على معونة أقاربهم. وبفضل وجود ابنة عمها في اللواء فقد تم قبول خديجة عضواً جديداً في لواء الخنساء.

داخل لواء داعش النسائي

يتكون لواء الخنساء من نحو 25 أو 30 امرأة، وتتلخص مهمته في التجول في شوارع الرقة للتأكد من أن النساء يلتزمن بالزي اللائق لهن كما حددته الدولة الإسلامية. تمنع العبايات المزركشة أو الضيقة التي تصف البدن، وتُجلَد كل من تخالف تلك التعليمات.

كانت امرأة يدعونها أم حمزة هي من تطبق عقوبة الجلد على من تخالف التعليمات. وقد ذعرت خديجة لما رأت أم حمزة أول مرة. تقول خديجة: "إنها ليست امرأة عادية. لقد كانت عملاقة، ومعها رشاش كلاشنكوف ومسدس وسوط وترتدي النقاب".

شعرت قائدة اللواء أم ريان بذعر خديجة، "فاقتربت مني وقالت لي جملة لن أنساها، قالت: نحن غلاظ على الكفار ولكننا رحماء بيننا"، كما تقول خديجة.

دُرِّبت خديجة على تنظيف الأسلحة وتفكيكها وإطلاق النار بها، وكانوا يدفعون لها مئتي دولار شهرياً ويوفرون لها مؤونتها من الطعام.

شعرت عائلة خديجة بأنها كانت تنجرف أكثر مما ينبغي، ولكنهم كانوا عاجزين عن وضع حد لذلك، وجاءتها أمها تحذرها. "لقد كانت تقول لي بإلحاح: افتحي عينيك ولا تفرطي بنفسك، إنك تمضين الآن ولكنك لا تعرفين إلى أين سيفضي بك الطريق".

الارتياب

في البداية لم تُلقِ خديجة بالاً لتحذيرات أمها لأنها كانت مخدوعة بمنطق القوة، ولكنها بدأت أخيراً ترتاب بما أقدمت عليه وبالمبادئ التي قام عليها تنظيم داعش. تقول خديجة: "لقد كنت في البدء مسرورة بوظيفتي، لقد شعرت بأني امتلكت القوة والسطوة في الشوارع، ثم بدأ الخوف يتملكني، الخوف من وضعي، بل إني بدأت أخاف من نفسي أيضاً".

وبدأت خديجة تفكر: "أنا لست كذلك. لدي شهادة جامعية في التربية والتعليم. لا ينبغي علي أن أكون هكذا. ماذا جرى لي؟ ما الذي جرى لعقلي وأتى بي هنا؟"

وبدأت الصورة المثالية التي في ذهنها لتنظيم داعش بالانهيار. انطبعت في ذهنها مشاهدُ بشعة لفتى يبلغ من العمر ستة عشر عاماً قُتل بسبب اتهامه بالزنا، فبدأت تشكك بصواب انتمائها إلى مجموعة قادرة على ارتكاب هذه الفظائع. تقول خديجة: "أسوأ ما شاهدته كان قطع رأس أحد الرجال أمامي".

العنف ضد النساء

وعلى مستوى أقرب شهدت خديجة أسلوب داعش الخاص في العنف مع النساء، فلقد كان لواؤها النسائي جاراً في المبنى نفسه لرجل متخصص في تدبير الزيجات لمقاتلات داعش النساء.

تقول خديجة عن الرجل الذي أوكل بمهمة تدبير زوجات للمقاتلين المحليين والوافدين: "لقد كان من أسوأ الناس". وتقول: "لقد كان المقاتلون الوافدون بالغي القسوة مع النساء، حتى مع اللائي يتزوجونهن. لقد عرفنا حالات أُخذت الزوجة فيها إلى قسم الطوارئ بسبب العنف، العنف في الفراش".

لقد اطلعت خديجة على مستقبل لا يمكن لها أن تريده. ومع ضغط قائدها الشديد من أجل أن تذعن للزواج به قررت أنه قد آن أوان ترك اللواء. تقول خديجة: "تلك هي النقطة التي قررت عندها أني قد كفاني ما رأيت، بعد كل ما شهدته بصمت وأنا أحاول إقناع نفسي بأنها كانت "ظروف الحرب وأن الأمور ستكون أفضل بكثير بعد ذلك"، ولكني عند ذلك الحد جزمت أمري وقررت أن عليّ الترك بلا تردد".

فرَّت خديجة قبل الغارات الجوية بأيام معدودة، بقيت عائلتها في سوريا، بينما تمكنت هي من العبور -تهريباً- إلى الأراضي التركية.

الحياة بعد داعش

لا تزال خديجة ترتدي النقاب حتى الآن، ليس من أجل إخفاء هويتها فحسب، بل لأنها لا زالت تكافح من أجل التأقلم مع حياتها الجديدة خارج كنف "الدولة الإسلامية".

رغم ندمها على تحولها إلى التشدد المفرط لبعض الوقت إلا أنها الآن منتبهة ألا تقع ضحية ردة فعل عنيفة في الطرف الآخر. تقول خديجة: "يجب على أوبتي أن تكون تدريجية كيلا أتحول إلى شخص آخر، كيلا تدفعني ردة فعل غير مكبوحة إلى القفز إلى الطرف المضاد، إلى رفض الدين بالكلية بعدما كنت مفرطة التشدد إلى تلك الدرجة".

وحينما تكلمنا في نهاية لقائنا عن نجاح داعش في التغلغل في مناطق واسعة من سوريا كان لخديجة وقفة عند هذا الموضوع. قالت: "كيف سمحنا لهم بالمجيء؟ كيف سمحنا لهم بأن يحكمونا؟ لقد كان ضعفنا وعجزنا عن التمييز هو السبب".

تقول خديجة إنها التقت بنا لأنها تريد للناس -وخاصة النساء- أن يعرفوا حقيقة نظام داعش. تقول: "لا أريد لأي أحد أن يخدع بهم. الكثير من الفتيات يحسبون أن داعش تمثل دين الإسلام الصحيح".

إن خديجة بالغة الحرص الآن على أن تعود كما كانت قبل أن تقع في حبائل نظام داعش وسحر بيانه الكاذب. تقول: "فتاة مرحة تحب الحياة والضحك، تعشق السفر والرسم والتجول في الشوارع وقد وضعت سماعاتها على أذنَيها تستمع إلى أعذب الألحان دون أن تكترث بأي مخلوق آخر... هكذا أريد أن أكون مرة أخرى".

 

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
«التحالف العربي» أفضل استراتيجية ضد الإرهاب

غداة جريمة إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حياً، شكّل اندفاع الأردن إلى تصعيد دوره في التحالف الدولي ثم توسعه في ضرب مواقع «داعش» ردّاً كاملاً وحاسماً على هذا التنظيم. وسواء احتُسب ذلك في إطار «الثأر» أو في سياق المشاركة الأردنية في الحرب على الإرهاب، فإن الأردن أظهر أيضاً عدم تهاونه حيال التعرّض لأبنائه، ليحافظ على وحدة المجتمع في وقوفه ضد التنظيم الإرهابي. وعندما بادرت دولة الإمارات بإرسال سرب طائرات حربية لمؤازرة الأردن، وبالعودة إلى المشاركة في الضربات الجوية، شكّلت الدولتان خطّاً جديداً جدّياً في عمل «التحالف»، وسط سيل انتقادات شبه يومية بأن هذا «التحالف» لا يزال يفتقد استراتيجية واضحة بالنسبة لأهدافه.

وأتاح المؤتمر السنوي للأمن في ميونيخ فرصة لرصد الثغرات العسكرية والسياسية للحرب التي تقودها الولايات المتحدة. فحتى الأمين لحلف «الناتو» يقول إن الضربات الجوية لا تكفي، لافتاً إلى ضرورة تأهيل الجيش العراقي ومساعدته. لكن هذا لا يغطّي سوى جانب من الصورة، إذ إن النقص الأهم في استراتيجية الحرب يتمثّل في عدم وجود استراتيجية واضحة الأهداف والآليات لمواجهة تنظيم «داعش» والسيطرة عليه وهزيمته والتخلص منه. ثم إن الاعتماد على الجيش العراقي حتى بعد إعادة تأهيله، في ظل نظام سياسي تهيمن عليه إيران وفريق مذهبي واحد، لا يعني سوى بداية تأسيس لـ«الإرهاب ما بعد الداعشي»، وكذلك الأمر بالنسبة للتعاون مع قوات النظام السوري. كما أن تقليل أهمية انتشار «داعش» وتهديده مصر من خلال سيناء، وتجاهل خطره على لبنان، والتعامي عن وجوده وعملياته في ليبيا، لم يعد مجرد ثغرة في الاستراتيجية، بل أصبح سياسة أميركية متعمّدة ومثيرة للشكوك والتساؤلات.

في سياق تلك «اللا استراتيجية» جاء القرار الأخير لمجلس الأمن الرامي إلى «تجفيف مصادر التمويل» التي يستند إليها «داعش»، إلا أن القرار نفسه لا يتضمن آليات تنفيذ يمكن أن تحقق أهدافه بوقف تجارة النفط التي كانت تؤمّن للتنظيم دخلاً يومياً كبيراً بنحو 1.65 مليون دولار يومياً قبل أن يبدأ بالتراجع بسبب انخفاض أسعار النفط وبفعل الغارات الجوية. ذلك أن صفقات «داعش» لبيع النفط أو تهريب الآثار أو نقل الفديات لقاء تحرير رهائن أو تمرير شحنات الممنوعات، تتم عبر سماسرة ووسطاء مباشرين. من الناحية المبدئية كان لابد من هذا القرار الدولي، لكنه بدا نجاحاً لروسيا في تسجيل نقطة لمصلحة محور طهران- بغداد- دمشق أكثر منه تصميماً على سعي حقيقي إلى «تجفيف المصادر». صحيح أنه يصب في الاستراتيجية الشاملة المنشودة لكنه لا يجيب عن التساؤلات الكثيرة المطروحة.

قبل واقعة الإحراق، كان للعاهل الأردني اقتراح لم يحظَ بالنقاش الذي يستحقه، إذ دعا إلى بناء «تحالف عربي إسلامي لمحاربة الإرهاب». ولعل الملك عبد الله الثاني انطلق من أن الولايات المتحدة وضعت الاستراتيجية التي تلائمها وأن الجدل مهما احتدم لن يتمكّن من بلورة استراتيجية تستجيب لهواجس العرب والمسلمين. فبعد تحذيره من أن التنظيمات المتطرفة لن تقف عند سوريا والعراق إذا قويت شوكتها بل ستمتد إلى مختلف الدول العربية والإسلامية والعالم، رأى وجوب التصدّي لها بـ«منهج شمولي واستراتيجي وتشاركي»، خصوصاً أن «الحرب ضد الإرهاب هي حرب داخل الإسلام بالدرجة الأولى»، وبالتالي فهي «شأن عربي وإسلامي» لابدّ أن يمرّ بالحرب العسكرية على المدى القصير، فالأمنية على المدى المتوسط، فالإيديولوجية بـ«منهج فكري مستنير» على المدى البعيد، ويعني ذلك أن هذه الجهود يمكن أن تتفاعل في آنٍ إلا أن وتيرة ظهور نتائجها ستكون متفاوتة.

تلك دعوة إلى اعتماد العرب والمسلمين على أنفسهم وقدراتهم واستشعارهم للخطر وإدراكهم للمصلحة العامة والخاصة، ذاك أن التعويل على الآخرين لابدّ أن يستدعي أيضاً أجنداتهم ومصالحهم التي قد تتفق أو لا تتفق مع ما يطمح إليه العرب. وهي اقتراح يصبّ في تطلعات العديد من الدول ودعواتها إلى تنسيق جهودها سواء في الشأن الأمني أو في مكافحة الفكر المتطرّف وتحديث الخطاب الديني، فالجهود الفردية لا تؤدي إلا إلى نتائج محدودة أو هامشية. والأكيد أنها يجب ألا تُلقى على عاتق مؤسسات تقليدية -كالجامعة العربية مثلا- بل تتطلّب تحالفاً استثنائياً بين حكومات مقتنعة بأن مستقبل دولها وشعوبها بات رهن التغلّب على خطر الإرهاب.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٥
الحريري "هجوميّاً" من بيروت

فاجأ سعد الحريري اللبنانيين بعودته مساء 14 فبراير/شباط الجاري إلى بيروت، للمشاركة في إحياء الذكرى العاشرة لغياب والده، رفيق الحريري، وألقى خطاباً هجومياً على حزب الله، على الرغم من الحوار القائم بين الطرفين منذ شهر ونصف، مسلطاً الضوء على الدور الذي يلعبه الأخير في تعطيل الحياة السياسية، وإبقاء موقع رئاسة الجمهورية شاغراً منذ تسعة أشهر، وواصفاً مشاركته في القتال دفاعاً عن بشار الأسد بـ"الجنون".
هل خطاب الحريري مجرد خطاب تعبوي، من أجل شد عصب جمهوره، الذي يغيب عنه منذ نحو أربع سنوات، وتتنازعه منذ بداية الثورة في سورية رغبة المشاركة والالتحاق بصفوف مقاتلي المعارضة، وتنفخ رياح التكفيريين في الاحتقان السني-الشيعي الذي يغذيه حزب الله منذ سنوات؟ وهل هي مجرد زيارة عاطفية خاطفة، أم أنه عاد لأسباب أبعد من المناسبة؟
حرص زعيم تيار المستقبل الذي صعد على موجة التعاطف والمد الشعبي الجارف الذي حظي به إثر اغتيال والده، على تبديد مخاوف وشكوك قسم كبير من اللبنانيين تجاه الحوار مع حزب الله، المتهم عملياً باغتيال رفيق الحريري، والذي يرفض تسليم خمسة من كوادره المتهمين (أحدهم مصطفى بدر الدين، تفيد مصادر المعارضة بأنه يقود حالياً معركة جيش الأسد ومقاتلي حزب الله في درعا) بتنفيذ الاغتيال إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي، والذي يشل عملياً الحكم والمؤسسات الدستورية عبر التلطي وراء الزعيم المسيحي رئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون، الحالم والطامح الدائم لرئاسة الجمهورية.
فقد أكد الحريري أنه لن يعترف لحزب الله بأية حقوق تتقدم على حق الدولة بقرارت الحرب والسلم، مؤكداً، في الوقت عينه، تمسكه بالحوار الذي وصفه بـ"الحاجة الإسلامية لتخفيف الاحتقان، وضرورة لتحصين المسار السياسي، وإنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية، ورفض

"خطاب الحريري يؤكد أن لبنان سيبقى عرضة لحرائق نيران الحرب السورية، وستبقى الأزمة الدستورية مفتوحة على الفراغ الرئاسي"


تحكيم الشارع بالخلافات السياسية"، إلا أن الحريري أعطى لكلمته (ومهمته؟) توجهاً وبعداً إقليميين، إذ بدا لافتاً أنه أتى بجرعة سعودية إضافية، مستهلاً خطابه بالترحيب، أولاً، بمبايعة الملك السعودي الجديد، سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد مقرن بن عبدالعزيز، على الرغم من أنه قام بالتهنئة والمباركة يوم التنصيب في السعودية، حيث يقيم حالياً. ومنه انطلق ليشن هجوماً على بشار الأسد الذي قال عنه إنه "كسّر سورية على رؤوس أهلها، وقتل مئات الألوف وشرد الملايين"، في استعادة لما نقل عن الأسد نفسه، عندما هدد رفيق الحريري، في أغسطس/آب 2004، قبل أربعة أشهر من اغتياله: "إذا رفضت التمديد للرئيس إميل لحود فسأكسر لبنان على رأسك...".
بدا وكأن الهدف هو التصويب على ما يسمى "محور الممانعة"، انطلاقاً من واقع الساحة اللبنانية. فقد تساءل الحريري عن معنى "اختزال العرب في نظام الأسد ومجموعة مليشيات مسلحة تعيش على الدعم الإيراني، لتقوم مقام الدول في العراق وسورية ولبنان واليمن ونفي الجامعة العربية"، رافضاً تحويل لبنان إلى ساحة أمنية وعسكرية، يسخرون، من خلالها، إمكانات الدولة اللبنانية، لإنقاذ النظام السوري وحماية مصالح إيران. وتساءل: "أين هي المصلحة في ذهاب شباب لبنان للقتال في سورية والعراق، والتدخل في شؤون البحرين...؟"، مؤكداً أن "مصلحة لبنان من كل ذلك صفر". وكرر الحريري دعوته حزب الله إلى الانسحاب من سورية، رافضاً ربط الجولان بالجنوب، و"يكفي استدراج الحرائق من سورية إلى لبنان".
وعلى الرغم من اللهجة الحادة للخطاب، ومضمونه العالي النبرة، إلا أن الحريري حرص على تأكيد تمسكه بالاعتدال خياراً في مواجهة العنف والتطرف والتكفير. وزعيم "تيار المستقبل" من رموز الإسلام المعتدل على الصعيدين، اللبناني والعربي، كما كان والده. وبدا في خطابه الجديد كأنه الناطق بلسان الدول العربية والإسلامية التي تدعم معركة إسقاط بشار الأسد، في وجه من يحاول إنقاذ نظامه:"الرهان على إنقاذ النظام السوري وهمٌ يستند إلى انتصارات وهمية، وقرار إقليمي بتدمير سورية".
فهل يمكن قراءة ذلك على أنه مؤشر ورسالة سعودية واضحة حول توجهات العاهل الجديد في ما يخص الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية، وصعوبة توقع أي انفراج في العلاقات السعودية-الإيرانية في المدى القريب، وبالتالي، بقاء المنطقة في حال من التوتر والفوضى. وفي المقابل، يمكن توقع أن المواجهة بين المعسكرين مستمرة، في العراق واليمن وسورية، على الرغم من التقاء الطرفين على ضرورة محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، كلٌ انطلاقاً من مصالحه وحساباته.
ويشكل كلام الحريري من دون شك إحراجا لحزب الله، المتورط بقرار إيراني في أكثر من جبهة قتال في سورية، إلى جانب النظام وفي الجولان، وفي العراق، وفي تدريب الحوثيين في اليمن، وفي جنوب لبنان، والذي يبحث، في الوقت عينه، عن متنفس داخلي لتهدئة الساحة اللبنانية البالغة التعقيد والحساسية. ولذلك، يلتقي الطرفان على ضرورة استمرار الحوار من أجل تنفيس الاحتقان المذهبي.
وطالما أن المشهد الإقليمي، والإيراني-الأميركي تحديداً، ما زال متوتراً وشديد الضبابية، فإن خطاب الحريري يؤكد أن لبنان سيبقى عرضة لحرائق نيران الحرب السورية، وستبقى الأزمة الدستورية مفتوحة على الفراغ الرئاسي، وأن انتخاب رئيس للجمهورية مؤجل إلى أجل غير مسمى، وهو الموقع المسيحي الوحيد في العالم العربي. وستبقى الحكومة الحالية، بتوازناتها الدقيقة، تصارع من أجل البقاء، يقابلها تمسك الجميع بغطائها، لأن لا مصلحة لأحد في قلب الطاولة، أقله في هذه المرحلة.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٥
هل تريد إيران أن تبني إمبراطوريتها على أشلائنا؟

ليس المقصود من العنوان أعلاه القول إن البلاد العربية التي اقتحمتها إيران كانت في وضع مثالي، ثم جاءت إيران لتخربها، لا أبداً، فقد فعل الطواغيت العرب في تلك البلدان الأفاعيل، ولولا فسادهم وبطشهم واستبدادهم لما تدخلت إيران ولا غيرها أصلاً في تلك الدول. لكن هل تحسنت الأوضاع في البلاد التي غزتها إيران بطريقة أو بأخرى؟ أم إنها زادت في معاناتها وتأزمها وتشرذمها؟ لا بل راحت تدق الأسافين بين مكوناتها المذهبية باستخدام المبدأ الاستعماري الشهير: "فرق تسد"، وقد نجحت إيران حتى الآن في استغلال الصراع المذهبي والطائفي في تلك البلدان لإحكام قبضتها على تلك الديار التعيسة.
سمعت من عرب كثيرين، خاصة الذين يتضامنون مع إيران مذهبياً بأنه لا مانع لديهم أن تأتي إيران لتحكمهم، وتنهض ببلدانهم بعد أن حوّلها الطغاة إلى دول فاشلة على كل الأصعدة. "أهلاً بإيران"، يقول أحدهم، "لو أنها ستفعل لنا ما فعلته أمريكا لليابان بعد الحرب العالمية". صحيح أن أمريكا تدخلت في اليابان بعد ضربها بالقنبلة النووية، لكن تدخلها كان حميداً للغاية. فقد أسهمت أمريكا في نهضة اليابان الصناعية والاقتصادية، لا بل وضعت لها القوانين التي تنظم مختلف جوانب الحياة، ولا ينكر فضل أمريكا على اليابان بعد منتصف القرن الماضي إلا جاحد، هل إيران مستعدة لتفعل للبلدان التي وضعت يدها عليها كما فعلت أمريكا لليابان؟ على ضوء ما نراه في العراق مثلاً منذ أكثر من عشر سنوات، لم نلحظ أبداً أن إيران تريد الخير للعراق بقدر ما تريده بلداً محطماً مهشماً ضعيفاً متناحراً ليبقى لعبة في يديها، ومجرد حديقة خلفية لها بعد أن كان في عهد الرئيس الراحل صدام حسين شوكة في خاصرتها وتهديداً عسكرياً واستراتيجياً لها.
لا شك أن الاحتلال الأمريكي فعل الأفاعيل بالعراق، وكاد أن يعيده إلى العصر الحجري، كما توعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد ذات يوم. لكن ماذا فعلت إيران حتى لأزلامها من العراقيين الشيعة؟ صحيح أنها ساعدتهم في الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، لكن في الوقت نفسه وضعتهم في مواجهة مذهبية طاحنة مع السنة، بحيث لا يمر أسبوع على العراق منذ سنوات إلا وتشهد البلاد أعمال عنف طائفية رهيبة تفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى الآن، وتجعل من العراق دولة فاشلة بامتياز. تصوروا أن العراقيين حتى الآن لا يجدون الماء النظيف أو الكهرباء أو حتى الوقود، بينما يعوم العراق على بحر من النفط، ماذا فعلت إيران للعراقيين لتساعدهم للخروج من محنتهم؟ لا شيء يذكر سوى تكريس الصراع المذهبي والطائفي كي تعيش على تناقضات العراقيين المذهبية والعرقية. إنه تصرف استعماري مفضوح، ولا تلم إيران إلا نفسها عندما تبدأ الجماعات السنية المتطرفة بإزعاجها وإزعاج بيادقها في العراق، فلا يمكن لأي شعب أن يستقبل مستعمراً بالرياحين والورود.
ولو نظرنا إلى سوريا لوجدنا أن السيناريو الإيراني في العراق يتكرر هنا بحذافيره، لقد تحولت سوريا بسبب التدخل الإيراني وغير الإيراني إلى ساحة للصراع المذهبي والطائفي البغيض، وبسبب التغول الإيراني في سوريا يتدفق على هذا البلد المنكوب عشرات الجماعات السنية المتطرفة لمحاربة ما تسميه الاستعمار الصفوي، ولو زرت دمشق هذه الأيام لوجدت أنها تحولت إلى مستعمرة إيرانية مفضوحة، ويقال إن أكثر من أربعين بالمائة من المدينة اشترته إيران لتحوله إلى ما يشبه دويلتها في لبنان، والبعض يتحدث الآن عن ضاحية جنوبية في جنوب دمشق على طراز ضاحية حزب الله في بيروت، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتوقع الخير لسوريا تحت السيطرة الإيرانية على هذا الحال، والمثال العراقي أمامنا يصدمنا كل يوم، وكما أن العراق سيبقى ساحة للاحتراب المذهبي والطائفي لزمن طويل طالما إيران موجودة هناك، سيكون الوضع في سوريا ربما أسوأ، خاصة أن أكثر من تسعين بالمائة من السوريين لا يوالون إيران مذهبياً، وبالتالي، سيكون الصراع في سوريا ضد إيران أكثر حدة، خاصة أن الكثير من المسلمين السنة يعتبرون إيران عدواً مذهبياً صارخاً.
وليس بعيداً عن سوريا، هل استقر وضع لبنان يوماً بوجود دويلة إيرانية داخل الدولة اللبنانية؟ صحيح أن لبنان بلد يتصارع طائفياً منذ نشأته، لكن هل أصبح أفضل حالاً بعد استفحال النفوذ الإيراني فيه؟ بالطبع لا. لا بل تتهم إيران وجماعتها في لبنان بأنهم قضوا على رفيق الحريري لأنه كان يحمل مشروعاً عربياً يهدد النفوذ الإيراني في لبنان.
والآن في اليمن: ألم يزدد وضع اليمن سوءاً بعد سيطرة أنصار إيران على البلاد؟ ألم يصبح اليمن على كف عفريت؟ ألم يصبح نسخة طبق الأصل عن العراق؟ فكما أن إيران لعبت على التناقضات المذهبية في العراق، وحولته إلى ساحة صراع مذهبي رهيب، هاهو اليمن يتحول إلى ساحة أخرى للتناحر المذهبي بسبب إيران تحديداً. فكما أن داعش تحارب جماعة إيران في العراق، فإن القاعدة وأخواتها في اليمن سيتصدون بشراسة للحوثيين أزلام إيران في اليمن ليتحول اليمن إلى محرقة مذهبية بامتياز.
لا تهمنا شعارات إيران، بل يهمنا ما آلت إليه بلداننا بسبب التدخل الإيراني الذي زاد الطين بلة، بدل أن يساعدنا في الخروج من المستنقع، من المضحك أن إيران تتظاهر بحماية الشيعة العرب، بينما في الواقع، تخوض معاركها الاستعمارية للسيطرة على المنطقة بأشلائهم في العراق ولبنان وسوريا واليمن. صحيح أن قوى إقليمية وعربية أخرى عبثت، وتعبث بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن الناس عادة توجه اللوم للقوة الأكثر نفوذاً وسيطرة في تلك البلدان، ألا وهي إيران. سؤال للجميع: ماذا جنى العراق وسوريا ولبنان واليمن من التدخل الإيراني غير الخراب والدمار والانهيار والضياع، وربما قريباً التشرذم والتفكك على أسس مذهبية وطائفية وعرقية قاتلة؟

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٥
الليرة السورية بعد تراجع دور «المركزي»

تبدو أحوال الليرة السورية أكثر ما يشغل السوريين المقيمين في مختلف مناطق البلاد، إذ يؤثر حال الليرة السورية على عموم الحياة اليومية للمواطنين. والثبات النسبي لقيمة الليرة السورية قبل الثورة، كان مرهوناً على نحو ما بأداء «مصرف سورية المركزي»، الذي سعى إلى الوصول إلى توازن بين واردات سورية من القطع الأجنبي، عبر عائدات تصدير النفط وبعض المواد الأولية، وإيرادات قطاع السياحة، وصادرات القطاع الخاص، وتحويلات المقيمين في الخارج وغيرها، وبين القطع الأجنبي الخارج من البلد لتسديد قيمة كل ما يستورد من الخارج، سواء كان بتمويل من القطاع العام أو الخاص.

ووفق أرقام المصرف المركزي، نجح الأخير اعتباراً من 2004 وحتى ما قبل الثورة بعام، في زيادة احتياط العملة الأجنبية ليقارب خمسة بلايين دولار عام 2010. إلا ان المصرف المركزي والليرة السورية، مع انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية، أصبحا تحت ضغط متواصل، ما أدى إلى اختلال التوازن وتراجع دور المصرف، فواردات الدولة من العملة الأجنبية انخفضت في شكل متزايد، ابتداءً بتوقف إيرادات النفط والسياحة وانتهاءً بشح الصادرات السورية، بالإضافة إلى ما استنزف من عملة أجنبية عبر هروب رؤوس الأموال، فقد ازدادت تلك العملية في شكل واضح، إذ نجح المئات من رجال الأعمال والمصارف الخاصة في إخراج الأموال من سورية، فضلاً عن حاجة النظام إلى صرف مبالغ طائلة على صفقات أسلحة ووقود ورواتب لضمان استمرار عمليات جيشه والميليشيات التابعة له.

ما يرجح هنا هو ان المصرف المركزي كان مجبراً، على رغم الدعم المالي الإيراني (العيني والمباشر)، على تغطية العجز الناتج من تفاوت الأرقام بين طرفي المعادلة باستخدام الاحتياط الأجنبي المتوافر لديه بالإضافة إلى ما تضخه المنظمات الدولية ومؤسسات المعارضة. وباستمرار نزيف الاحتياط المذكور فقدَ المصرف أهم أدواته وأمسى غير قادر على إيقاف الانحدار التدريجي لقيمة الليرة السورية، حتى تجاوز سعر الصرف في السوق 230 ليرة سورية للدولار بداية 2015، بينما كان سعر الصرف 48 ليرة للدولار نهاية 2010.

هذا التدهور للعملة السورية سيستمر طالما مدخول المصرف المركزي من العملة الأجنبية بهذا الشح، خصوصاً في ظل غياب أي حل سياسي أو عسكري في أفق الصراع. وأمّا مناورات المصرف المركزي السوري وتدخله لشراء العملة السورية من السوق وضخ نظيرتها الأجنبية، فإنها لا تتعدى كونها مثبطات مؤقتة.

إن تدهور الليرة السورية بالمحصلة يضعف النظام، لكنه يضرّ أيضاً بالآلاف من الموظفين الذين ظلت رواتبهم كما هي، في حين تهاوت القوة الشرائية للّيرة، وعليه فقد خسر كل من كانت مدخراته بالليرة السورية. من البديهي ان تضرر السوريين بسبب تدهور الليرة يعد شيئاً ثانوياً مقارنةً بحجم العنف الذي استخدم من قبل النظام، وأدى إلى تشريد الملايين من المدنيين وتدمير أجزاء واسعة من مدن وبلدات وقرى سورية، ناهيك عن تأثر الكسبة بالانهيار الذي أصاب الاقتصاد والبنية التحتية، الأمر الذي يبرر جزئياً حملات مقاطعة الليرة السورية وشعارات مثل «كيف نتداول عملة النظام الذي يقتلنا وندعم اقتصاده؟».

وبهذا الخصوص يصح القول ان جزءاً من العملة الأجنبية الآتية من مساعدات الدول للمعارضة، لا يزال ينتهي إلى المصرف المركزي السوري. فالأموال المرسلة إلى المناطق التي يحاصرها النظام أو التي تقع تحت سيطرته تحوّل إلى العملة السورية لشراء البضائع من السوق المحلية، أي ان هذه الأموال تدخل السوق ويذهب جزء منها لدعم اقتصاد النظام. ويبقى تأثير هذه العملية محدوداً بكمية الأموال المحوّلة، ويتراجع بفعل النقص الهائل لدى النظام من العملة الأجنبية وابتكار السكان المحليين في بعض المناطق المحاصرة، مثل الغوطة، لمشاريع محلية للاكتفاء الذاتي، أي بقاء العملة في شكل أكبر ضمن تلك المنطقة المحاصرة.

أما بالنسبة إلى المناطق الشمالية المحررة وتجارتها مع تركيا والعالم من خلالها، فساهمت هذه التجارة في الحدّ من التبادل الاقتصادي مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وبالتالي تقليص تدفق العملة الأجنبية إليها. فالتعامل يجري بالدولار بدلاً من الليرة السورية، حتى التجار من الفئة الوسطى باتوا يتعاملون بالدولار بدلاً من الليرة، وكذلك باتت تقتضي سياسة القوى المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد والعديد من المنظمات، الأمر الذي ساهم في تقليص دور الليرة السورية. وهكذا تسير الدولرة الجزئية للاقتصاد في الشمال المحرر بطريقة تدريجية لكن مؤكدة، فإذا استقر الأمن في هذه المناطق وأصبح الإنتاج فيها ممكناً لينافس ما ينتج في مناطق النظام، أمكن ان تصبح العملية عكسية، أي دخول العملة الأجنبية من مناطق النظام إلى المناطق المحررة.

أمّا الأزمة الأخرى التي يعانيها المصرف المركزي فهي عجزه عن طباعة الليرة السورية التي كانت تطبع في النمسا بسبب العقوبات الأوروبية، ما أدّى إلى ظهور طبعة جديدة من فئة 500 ليرة في 2014، والتي لا تشبه النسخ القديمة ويمكن تمييزها. الليرة الجديدة طُبعت على الأرجح في روسيا، ولا قيمة فعلية لها بسبب انهيار الاقتصاد السوري، إذ يستبعد ان تكون هذه العملة قائمة على سندات من العملة الأجنبية أو الذهب لدى النظام.

ويبدو ان ضخ «الطبعة الروسية» في السوق يعتبر احد العوامل التي سرّعت من تدهور الليرة، لكن بما أنها قابلة للتمييز عن «الطبعة النمسوية»، بدأت قوى المعارضة على الأرض بمقاطعتها والتحذير من تداولها، وان استمر المصرف المركزي في ضخ النسخة الروسية فقد يؤدي الأمر في نهاية المطاف إلى طرح سعرين للصرف، سعر للنسخة النمسوية، وسعر للنسخة الروسية.

نهايةً، يبدو ان لا خيار أمام السوريين في المناطق المحررة سوى الدولرة الجزئية للاقتصاد والتقليص التدريجي لتداول الليرة، من المؤسف القول ان معاناة الشعب ستستمر إلى ان توجد إرادة دولية لإيجاد حلّ للمأساة السورية. عندها يمكن طبع عملة جديدة، لتصبح الليرة التي تحمل صورة الأسد من الماضي.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٥
كيف يرى الأسد "الحرب الأهلية" في سوريا ؟

هل هو كاذب مستهزئ أم رئيس يقاتل من أجل مصلحة بلاده؟ في الوقت الذي تدخل فيه سوريا عامها الخامس على الصراع الدائر بها، ما هو قدر ما يحمله الرئيس بشار الأسد من مسؤولية بحسب اعتقاده فيما يتعلق بأزمة بلاده؟

أتساءل لماذا قال بشار الأسد لي، خلال مقابلتي الخاصة معه، شيئا ليس حقيقيا كما كان واضحا بالنسبة لي.

فخلال مقابلة حصرية أجرتها معه بي بي سي في دمشق سألته بشأن البراميل المتفجرة، وهي تحوي مزيجا من المواد الحارقة والمتفجرة، التي تسقطها القوات المسلحة السورية على مناطق تسيطر عليها المعارضة، وهو ما يحدث أيضا في مناطق يقطنها مدنيون، وقال الأسد إن مزاعم قتل مدنيين ببراميل متفجرة محض هراء.

لكن هناك العديد من اللقطات المصورة التي تبين إسقاط براميل متفجرة، ويمكنكم رؤية بعضها على الموقع الالكتروني لبي بي سي. كما توجد الكثير من الشهادات التي أدلى بها شهود عيان.

ورأيت، مثلما رأى الكثيرون، آثار تلك الهجمات. وفي حالتي كانت الواقعة في دوما، التي تسيطر عليها المعارضة، ودمر التفجير بنايتين متواجهتين في منطقة سكنية.

والبراميل المتفجرة يجري إسقاطها بدون هدف. وهو ما يجعلها بمثابة سلاح يقتل بلا تمييز.

ويدعو القانون الإنساني الدولي الأطراف المتحاربة إلى بذل قصارى الجهود الممكنة لحماية المدنيين. لذا إسقاط براميل متفجرة بدون هدف لا يمكن أن نعتبرها ضمن تلك الجهود المبذولة.

وأشار الأسد، وبالطبع هو على حق، إلى أن المعارضة تهاجم الحكومة وتستولي على أراض وتقتل مدنيين بلا تمييز. وقال إن الموت يأتي مع الحروب. ومرة أخرى هذا صحيح. ولكن خطأ جانبين لا يجعل مما يفعلانه صوابا. فالغرض من القانون الإنساني الدولي هو تنظيم استخدام القوة لحماية الأطراف غير المقاتلة.

وربما كانت تصريحات الأسد بشأن البراميل المتفجرة تستهدف أنصاره في المنازل، لأنه يعلم أن هذه المقابلة ستذاع على التلفزيون السوري وقناة بي بي سي.

وربما كان غير مكترث للأوساط خارج سوريا التي تستقبل تصريحاته بتشكك كما أصفها بلباقة. الأسد شخصية مهذبة، وهو يتمتع بطبيعة ودودة.

ربما يؤمن الرئيس بما يقوله. وربما يقول له جنرالاته إنه لا يقتل مدنيين وهو يصدقهم. ربما هو كاذب مستهزئ. لست أدرى. إنه مجرد تخمين.

حافظ الأسد مع قرينته والأنجال (من اليسار) ماهر وبشار وباسل وماجد وبشرى

منذ أن ورث منصبه من والده حافظ الأسد عام 2000، قضى دبلوماسيون وصحفيون وكل من له اهتمام بسوريا وقتا طويلا لسبر غوار بشار. وأثيرت الكثير من التساؤلات طوال 15 سنة ماضية بشأن قضية محورية هي هل بشار الأسد يزاول مهامه بالفعل؟

ففي بداية توليه الرئاسة، كانت هناك مصاعب أمام بشار، فوالده كان رجلا بارزا وقاسيا، جاء من خلفية فقيرة وبرز نجمه في صفوف القوات الجوية وحزب البعث وجاء إلى السلطة خلال حكم عسكري في عام 1963. وبحلول عام 1970 تولى مقاليد السلطة في البلاد.

ومنذ نهاية الحكم الاستعماري الفرنسي في أربعينيات القرن الماضي، كانت سوريا غير مستقرة وتترنح من انقلاب إلى انقلاب، وكان حافظ الأسد قادرا على تمرير السلطة إلى نجله، لكنه ليس الابن الذي أعده لهذه المهمة.

كان من المفترض أن يخلف باسل، الشقيق الأكبر لبشار، والده في تولي السلطة، لكن في عام 1994 لقي مصرعه في حادث سيارة كان يقودها بسرعة وتحطمت نتيجة الضباب في طريق مؤدي إلى مطار دمشق. كان باسل وسيما وفارسا شهيرا كما كان يتولى قيادة الأمن الشخصي لوالده.

وكان بشار الأسد طبيبا وليس جنديا، وعندما تولى السلطة كان لا يحظى بالاهتمام مثل شقيقه الأكبر ووالده.

بشار الأسد خلال مقابلته مع جيرمي بوين

وتحدث بشار عن الإصلاح. وبدا متناسيا الماضي. وسعى قادة الغرب إلى إقامة علاقات صداقة معه. وفكر توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا السابق، في منحه لقب فارس . لكنه بعناده لم يكف الأسد عن معارضته لإسرائيل ودعمه لأعداء اسرائيل.

أعتقد أن بشار على علم بما يفعله، فسوريا هي الشغل الشاغل لعائلة الأسد وقد ورث هو قيادة البلاد . إلا أن هناك إجماعا على حكمه ، فالعائلة وأصدقاؤها الدائمون لديهم فيها مصالح كبرى وكلمة مسموعة.

ويمكن أن يكون أفضل تخمين لي، بالنظر لما أخبرني به، هو أن بشار الأسد يؤمن بشدة أنه في معركة يسعى فيها للحفاظ على كل شيء يهمه، ويمكن لأي أحد أن يستخدم هذه الفكرة لتبرير أي صفقة كبرى.

أما بالنسبة للطريقة الذي ينظر بها بقية العالم إليه، لا أعتقد أن الأسد يولي ذلك أي اهتمام.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٥
آية الله ... أم آية الإرهاب

لعلنا بحاجة لأسفارٍ مسطّرةٍ من الكتب ، و فضاءٍ واسعٍ من مواقع النت للحديث عن أي جانب من جوانب الإرهاب التي مارستها منظومة الديكتاتورية الدينية – العسكرية في  إيران ,على الشعب الإيراني المأسور في مغارة -كحالِ مهدي ملالي الإرهاب و التخلف - و على عدد من شعوب المنطقة الأخرى .

محطتنا اليوم هي المرأة الإيرانية نصف المجتمع و شقيقة الرجل ، و مدرسة تعد شعباً طيبَ الأعراق، المرأة الإيرانية التي قُمعت حدَّ الرجمِ و القتل و الرش بالأسيد ، و الَّتي هدرت كرامتها حدَّ المتعة .

هل لأحدنا أن يتخيلَ أنه في القرن الحادي و العشرين ، و في بلدٍ تعاورتهُ أيادي الحضارات المتلاحقة الواحدة تلو الأخرى، يتمُ رش النساء و البنات بالأحماض أو الأسيد ليس لعدم ارتدائهن الحجاب ، و إنما لعدم ارتدائه بالطريقة التي فرضها  "آية الله" الذي يتصرف على أنه "الله" و هو في حقيقة الأمر "آية الإرهاب"  ، و هنا نستعرض قول الإرهابي الملَّا علم الهدى ، خطيب جمعة النظام في مدينة مشهد: «مواجهة سوء التحجب والانبطاح أمام الغرب والثقافة الغربية تأتي في اطار مهمة قوات الأمن الداخلي». وأكد يقول: « قوة النظام والاحتفاظ على الاحكام الشرعية والمذهبية على عاتق قوات الأمن الداخلي وقائدها هو الخامنئي وعلينا ان نعمل حسب أوامر قائدنا» .

وسبق وأن أكد الإرهابي الملا موحدي كرماني ، من عصابة الخامنئي قائلا: « ظهو ر السافرات في البلد يعتبر ضحكاً على ذقون النظام… وعلى مسؤولي النظام ان لا يرضوا على ذلك… سوء التحجب ليس ذنبا سرياً لا علاقة له بأحد… اذا ظهر ذنب يسري على الجميع فالجميع يصبحون مذنبين. لذلك يجب اتخاذ اجراءات ضرورية لتجفيف بيئة الذنب».

(وكالة أنباء تسنيم التابعة لقوة القدس الارهابية- 6 تشرين الأول/ أكتوبر -2013).

هذا ما عدا تجنيد النساء في تنظيمات إرهابية خارجة عن نطاق مؤسسات الدولة ، و كثير منهن في كتائب فدائية تمارس القتل في دول الخارج و هي في غالب الأحيان دول الجوار تحت مسميات ثارات الحسين و ثارات زينب ، عدا عن منع المرأة من الترشح للانتخابات في دولة يدعي نظامها بأنه جمهوري ، و هنا نشير إلى ما يحويه الدستور الإيراني في هذا الشأن :

«الرئيس يجب ان يتم اختياره من بين رجال السياسة والدين في البلاد».

عدا عن أعمال الجلد و الرجم العلني ، و في كافة المناطق الإيرانية ، و أعمال الخطف و الاعتقال لا سيما أثناء الثورة الخضراء التي شهدت مشاركة نسائية لافتة للانتباه.

عدا عن الفتاوى الضلالية و التي أصبحت معروفة للقاصي و الداني باسم "فتاوي المتعة " التي تحط من قدر المرأة ، و تبخسها حقها ، و تنال من جوهر دورها و قيمتها.

كل ذلك يتم في إيران باسم الدين الإسلامي الحنيف ، و باسم الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي محمد صلى الله عليه و سلم.

فلا غريب بعد كل ذلك أن نرى ممارسات مماثلة في سوريا تقوم بها كتائب الأسد و قطعان الشبيحة التي تتلمذت في عهد الإرهابي بشار الأسد على يد نظام الملالي في إيران ، فكلنا نتذكر كمية النساء و البنات السوريات المعتقلات و المختطفات و المغتصبات و المفقودات ..

كلنا نتذكر هديل كوكي و يمان القادري و دلال العوف وطل الملوحي و مي سكاف و لبنى مرعي و فدوى سليمان وغيرهن الكثير من البنات و النساء اللواتي كُنَّ ضحايا غلمان الملالي في سورية كل واحدة بحسب نصيبها ..

كل ذلك التمادي ما كان ليتم لولا صمت "المجتمع الدولي" بكل مؤسساته و فعالياته و إعلامه ، و تعاميه عن كل ذلك الإرهاب المروع ، تحت ذريعة "التفاوض على حل سلمي للملف النووي ".

اقرأ المزيد
١٤ فبراير ٢٠١٥
يا إيران... حنا معاكي للموت

لقد نجح الغرب في تمكين نظام عرف عنه الإرهاب و الإجرام و الاستبداد و التخلف في بلدٍ اشتهر بمخزونه الحضاري الضخم ، و تنوعه الجميل ، و غناه الاقتصادي و الفكري.

نحن نتحدث عن إيران ، بلد الحضارات المتلاحقة ، و شعب أوكسجينه حب المعرفة ، إيران التي شاء لها الطغيان العالمي و أدعياء الحضارة و حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحرية أن تُحكم بمنظومة هي الأكثر تخلفاً و ظلاميةً ، منظومةٌ امتهنت التجارة بالشعارات و الأديان ، البشر فيها ليسوا أكثر من أرقامٍ ، و المرأة فيها ليست لأكثر من المتعة ، و التاريخ فيها ليس أكثر من مزبلة ، و الثقافة عندها لا تتعدى اللطم و الضرب و الرفس و التطبير و التلبيط و السب و الشتم و اللعن ، و رجال الدين فيها هم نخبة اللصوص و الفاسدين المفسدين.

و منذ ذلك اليوم و الإيرانيون أشقاؤنا في التاريخ و الأمجاد و الحضارة كما هم في أحرف الأبجدية ، لا أحد يعلم عنهم شيء!!

و منذ ذلك اليوم و المنطقة تغلي بالفتن و الاستنزاف و الحروب العبثية.

و منذ ذلك اليوم ، أصبحت رؤية أشلاء طفلٍ في أي مكان في شرقنا العظيم أمرٌ جد اعتيادي.

و بعد قيامة الثورة الخضراء المجيدة في إيران ، على يد الشباب الإيراني الأكثر من رائع و الذي فاجأ الدنيا كلها بأنه شعب حي ، شعب لم يتأثر بكل ما خُطط له و بكل ما مورس عليه ، لجأت المنظومة الإرهابية المُنتدبة على إيران إلى لعب الدور المنوط بها و ممارسة ما كان متوقع منها من أساليب قمع و قتل و اعتقال و نفي و تهجير و تشريد....

الحرية لإيران و لشعب إيران و لشباب الثورة الخضراء في إيران.

اقرأ المزيد
١٤ فبراير ٢٠١٥
خنق الثورة ..!؟

شهرٌ وبضع أيام ونبدأ في سنة جديدة من سني الثورة السورية، الثورة التي تعتبر سباقة في كل شيء فهي الأكثر دموية والأكثر تعامل ضدها همجيةً وعنفاً والأكثر خذل والأكثر خسائر.

السنة الجديدة، وقبل بدايتها، قد تكون هي الأصعب والأشد، فالمقدمات تنبئ بأن العالم أجمع سواء أكان دولاً أم على شكل منظمات أو تجمعات قد وصل إلى قرار فعلي وعلني، أن هذه الثورة يجب ان يتم وأدها، كونها تشكل خطراً على كتلة المصالح والمساومات الدولية، التي تسير وفق مبدأ ذهبي " على المرء أن يسير مع مصالحه لا مع مبادئه".

الأيام الأخيرة كشفت الأمور بشكل فاضح، قرار بمجلس الأمن لتجفيف منابع الإرهاب وخص علناً "داعش" وحمل في طياته ابهاماً يجعل أي ثائر، هدفاً مباحاً لقانون تمت صياغته بمنتهى المكر من روسيا ومساندة أمريكية بشكل يجمل كل من يحمل السلاح في وجه نظام الأسد هي مستهدف.

القرار الأممي رافقه تصريحات خبيثة صدرت من دي مستورا المبعوث الأممي والذي اعتبر أن الأسد جزء من الحل ليقلب الطاولة ويبعثر الأوراق من جديد ويعيدنا لنقطة البدء.

و بين هذا و ذاك بدأت في درعا معركة ما يسمى "محور المقاومة" باشتراك فعلي و علني و رسمي من إيران التي لم تتوان عن الإعلان عن تدخلها، ليس كما كانت تدعي كإشراف و مساندة سياسية، إنما هذه المرة بشكل كامل "مال – عتاد – مقاتلين" الغاية المعلنة (وطبعاً كاذبة) هي السيطرة على المناطق المحيطة بالحدود السورية الإسرائيلية، و إن كان الهدف ذو شقين الأول توسيع الطوق الآمن حول دمشق، و الثاني ضرب الثورة من مشكاتها "درعا"، وهو نصرٌ يسعى إليه محور الشر و الإرهاب (بقيادة إيران).

إذاً الحالة في مجملها عبارة عن عملية خنق كامل للثورة خارجياً وداخلياً وتضييق الخناق عليها بكل مكوناتها البشرية والمالية ، كله لكي ترضخ وتقبل بأن تدفن في التراب.

الوضع يدفع للتشاؤم أكثر مما يدفع للتفاؤل في ظل معطيات تتجه نحو الأكثر سلبية، لكن لازال الأمل موجود، وقد تكون تلك المقدمات طريق الخلاص والاعتماد على الذات والموارد المتوافرة.

فالخذلان اعتدنا عليه والتخلي عنا في أحلك الظروف كذلك من ضمن المعتاد، ورغم كل ذلك لم تتراجع الثورة عن مشوارها، قد توهن أو ترهق، لكنها تعود من جديد.

اقرأ المزيد
١٣ فبراير ٢٠١٥
حيث تلتقي واشنطن والنظام السوري.. و'داعش'

لا يمكن عزل تمدد 'داعش' دون معالجة الأساس. هذا الأساس متمثل في وجود نظام سوري لا يقل خطورة عن 'داعش' ووضع عراقي يساهم، بدعم من إيران، في إثارة الغرائز المذهبية.

التقط النظام السوري الرسالة الأميركية. كشف أنّه في مركب واحد مع واشنطن… ومع “داعش”، وذلك بعد إحراق التنظيم الإرهابي الطيار الأردني معاذ الكساسبة.

هناك، بكل بساطة، غياب للمنطق الأميركي في شأن كلّ ما له علاقة بالحرب على “داعش”. غياب المنطق الأميركي حمل النظام السوري على الإعلان بلسان وزير الخارجية وليد المعلّم أنّه ضد أي عمليات برّية تستهدف “داعش”. هذا يعني، في طبيعة الحال، وجود وحدة حال بين النظام السوري والإدارة الأميركية في ما يخصّ التنظيم الإرهابي. الجانبان مع إطالة الحرب على “داعش” إلى ما لا نهاية.

بعد إحراق الطيّار، يتصدّى الأردن وحده تقريبا بإمكاناته المحدودة لهذا التنظيم الإرهابي الذي دلّت تصرفاته على أن هناك من يريد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين قبل أيّ شيء آخر.

في الواقع، لم يكن الأردن وحيدا تماما، ذلك أن دولة الإمارات العربية المتحدة سارعت إلى إرسال سرب من طائراتها إلى المملكة الأردنية الهاشمية. ونفّذت طائرات من السرب سلسلة طلعات ووجّهت ضربات إلى “داعش”. جاء ذلك لتأكيد أنّ هناك بين العرب من يسعى إلى أن تكون هناك استراتيجية متكاملة في شأن كلّ ما له علاقة بتخليص المنطقة من وباء “داعش” السنّية والدواعش الشيعية.

لعب التحالف الدولي دوره في التصدي لـ“داعش” والحد من تمدّده. نجح في ذلك نسبيا. ما لم ينجح فيه هو الخروج بأجندة حقيقية تؤدي إلى اقتلاعه من جذوره. لا وجود لرغبة في عمليات برّية للانتهاء منه. وهذا ما جعل النظام السوري يلتقي مع الإدارة الأميركية في إطالة الحرب على “داعش” خدمة لمصالحه.

اعتمدت الإدارة الأميركية، أقلّه إلى الآن، على توجيه ضربات إلى مواقع التنظيم الإرهابي من دون أخذ في الاعتبار للأسباب التي مكنته من إيجاد بيئة حاضنة له في سوريا والعراق. أكثر من ذلك، هناك رغبة أميركية، ظهرت من خلال تصرّفات المسؤولين في الإدارة، في اقتصار الدور العربي على ما تطلبه واشنطن وما يخدم توجّهاتها فقط. يبدو مطلوبا، أميركيا، من العرب توفير الغطاء لضربات جوّية أميركية من دون أي مشاركة فعلية في القرار السياسي.

بكلام أوضح، مطلوب من العرب أن يكونوا تابعين للولايات المتحدة، وليسوا شركاء لها. وهذا ظهر بوضوح عندما أسرت “داعش” الطيار الأردني. كشف ذلك، غياب ما يمكن وصفه بإجراءات يمكن أن توفرّها الإمكانات العسكرية الكبيرة التي تمتلكها الولايات المتحدة من أجل حماية الطيارين المشاركين في العمليات.
    
    

هناك باختصار رفض عربي للعب دور التابع المساهم في المماطلة التي لا تخدم سوى النظـام السوري مـن جهة، والميليشيات التابعة للأحزاب المذهبية العراقية التي تلعـب دورا مهما في انتعاش “داعش”. همّ هـذه الميليشيات يبـدو محصـورا في تطهيـر بعض المنـاطق العـراقية، على رأسهـا بغداد والمناطق المحيطة بها من أي وجود سنّي تحت غطـاء محـاربة “داعـش”.

يعبّر السرب الإماراتي الموجود في الأردن عن رفض لكلّ هذه التوجّهات الخاطئة. هذا السرب يؤكّد وجود قرار عربي مستقلّ يخدم المصلحة العربية التي لا تفرّق بين إرهاب وإرهاب، بغض النظر عن توجّه الإدارة الأميركية الحائرة التي تعتبر أنّ الملف النووي الإيراني يختزل كلّ قضايا المنطقة ومشاكلها.

ليس سرّا أنّه سبق للعرب الواعين أن رفضوا سيطرة الإخوان المسلمين على مصر خلافا لتوجّه إدارة باراك أوباما التي كانت تمتلك كمّية لا بأس بها من الأوهام في شأن دور الإخوان وما يمثّلونه في الدول العربية، خصوصا في مصر.

كان رأي إدارة أوباما، وربّما لا يزال، أنّ في استطاعة الإخوان لعب “دور إيجابي” على صعيد تعزيز الديمقراطية في كلّ دول المنطقة.

كان لا بدّ من ثورة مصر كي يتبيّن أن هذا ليس صحيحا، وأنّ المصريين يرفضون، بأكثريتهم الساحقة، رفضا قاطعا حكم الإخوان الذي لا يختلف في شيء عن حكم العسكر. بل إنّه أكثر تخلّفا بكثير من حكم العسكر. الفارق الوحيد بين الانقلابات العسكرية وحكم الإخوان يتمثّل في أنّ العسكر يستولون على الحكم عن طريق الانقلابات والبيان رقم واحد، في حين أنّ الإخوان يتسللون إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ويرفضون، بعد ذلك، أيّ تداول سلمي عليها.

كان تأييد ثورة الشعب المصري بمثابة نقطة تحوّل على الصعيد العربي. كشف هذا التأييد الذي جاء على الرغم من الموقف الأميركي المؤيّد للإخوان أنّ هناك موقفا عربيا مستقلّا.

هذا الموقف قادر على مقاومة الضغوط الأميركية وتأكيد أنّ لا شيء يعلو على الأجندة العربية، مهما فعلت إدارة أوباما ومهما مارست من ضغوط.

ما نشهده، حاليا، هو متابعة لتكوين القرار العربي المستقلّ في ما يخصّ الحرب على “داعش”.ليس هناك من يستخفّ بالدور الأميركي والقدرات العسكرية للولايات المتحدة. على العكس من ذلك، سيكون هناك دور أميركي حاسم في هزيمة “داعش” ولكن لا يوجد هناك، بين العرب الواعين، من لديه أيّ وهم في شأن الحاجة إلى مقاربة شاملة للحرب على هذا التنظيم الإرهابي المتخلّف. مثل هذه المقـاربة تتطلّب أوّل مـا تتطلّب الاعتراف بأنّه جزء من المشكلة وليس كلّ المشكلة. لا يمكن عزل تمدّد التنظيم من دون معالجة الأساس. هذا الأساس متمثّل في وجود نظام سوري لا يقلّ خطورة عن “داعش” ووضع عراقي يساهم، بدعم من إيران طبعـا وتشجيع منها، في إثارة الغرائز المذهبية.

ليس أمام العرب الواعين، على رأسهم دولة الإمارات والأردن، سوى أخذ العلم بذلك وبأنّ لا مجال للاكتفاء بلعب دور الغطاء لسياسة أميركية ليس معروفا هل هي مع “داعش” أو ضدّه.

جاء إحراق الطيّار الأردني، لحسن الحظ أو لسوئه، ليكشف كم الحاجة كبيرة إلى أجندة عربية مستقلّة وإلى دور أميركي مختلف في حال كان مطلوبا اجتثاث “داعش” بدل الرهان على احتوائها خدمة لأهداف أخرى. من بين هذه الأهداف تفتيت سوريا، بدل السعي إلى لملمة الوضع فيها عن طريق حلّ سياسي يؤمّن أساسا قيام دولة مدنية بعيدا كلّ البعد عن النظام الطائفي القائم الذي لا مستقبل له.

ليس ما يخدم النظام الذي أخذ على عاتقه الانتهاء من الكيان السوري بشكله الحالي، سوى إطالة عمر “داعش”. ولذلك يقف وزير خارجية النظام، الذي لا حول له ولا قوّة، في وجه أي عملية برّية. هل “داعش” نقطة التقاء بين النظام السوري، الذي لم يعد سوى دمية إيرانية، والإدارة الأميركية؟ يبدو أن على العرب الواعين لخطورة “داعش” التفكير في هذا السؤال طويلا ومليّا.

اقرأ المزيد
١٢ فبراير ٢٠١٥
"درعا" يجب أن ..

تثير معركة درعا حالياً و لنقل معركة الجنوب السوري حالة من جديدة في مسيرة الثورة السورية و قد تكون المنعطف الأهم لأول منطقة أعلنت تمردها الفعلي و أخذت حريتها بالدم، و أثبت أنها قادرة على إدارة المناطق المحررة وإدارة الحياة العامة و ضبط الأمن .....الخ.

قتل لعناصر لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، بيد شريك الخفاء (إسرائيل)، يتلوه رد قزيم في لبنان، حمل في إعلانه أنه البيان رقم واحد، دعوة لإكمال الردود ولكن هذه المرة ليس على الشريك الخفي، بل على العدو المشترك، السوريين طبعاً.

معركة درعا اليوم لم تعد من تلك المعارك التي اعتدنا، نحارب قوات الأسد مع بعض المرتزقة تزيد أو تنقص نسبتهم على حسب أهمية المنطقة المستهدفة من الناحية الطائفية.

لكن اليوم في درعا شهدنا أول إعلان رسمي و علني و على الملء من جميع المليشيات الطائفية على رأسها حزب الله الإرهابي، و الحرس الثوري الإيراني، الذي قال أن الرد على مقتل جنراله " الله دادي" سيكون هنا.

إذا معركة درعا لها تبعيات خطيرة سواء استراتيجية أو معنوية ولا تقتصر على فئة معينة أو منطقة، بل قد تكون كما اعتدنا درعا، نقطة التحول في مسيرة الثورة ووضع المنطقة ككل من حيث التوزع الطائفي الهادف لإنهاء وجود السنة أو الحد من سلطاتهم ليكونوا عبارة عن أداة لاحول ولا قوة لها.

لست هنا أبحث عن بث روح التفاؤل المفرط أو التشاؤم القاتل، ولكن درعا اليوم بحاجة لوقفة حقيقة وليس وقفة من خلال شحن وأحاديث ومؤتمرات صحفية وطبعاً بيانات وما إلى ذلك، فمقتل النظام وكل من يسانده يتمثل في تعدد الجبهات وانتشارها سواء في المنطقة الواحدة أو في مناطق متقاربة أو متباعدة.

ولا بد ان يتم ضرب النظام سواء في مناطق أخرى في درعا وريف دمشق والقلمون وفي كل رقعة على أرض سوريا، ليكون اختيار مكان المعركة بأيدي الثوار على اختلاف ايدولوجياتهم لا بيد المليشيات الشيعية، وهنا يكون الخروج من دائرة الدفاع للهجوم.

درعا اليوم كما هي دوماً .. لن تنكسر .. بل تنتصر

اقرأ المزيد
١٠ فبراير ٢٠١٥
دوما تضعنا أمام مفترق طرق ..

تخطئ الحروف دوماً في وصف دوما .. فليست حالة أو أمر عابر اعتدناه على مدى السنوات الأربع التي قاربت على النهاية.

مررنا بلحظات أشد حنقاً و ألماً و لكن لم يعد للوجع مكان .. فجاءت دوما لتملئ ما تبقى من قلوب السوريين على الخصوص والشعوب العربية على وجه العموم.

دوما التي تتربع في غوطة دمشق .. عُرف عنها النخوة و المروءة، الشهامة و الرجولة، العفاف و الكرامة.

يمكن صفاتها دفعت وحرّضت، وشجعت كل أسفاه الأرض لضربها، لحصارها، لإيلامها ... ليقرروا الآن إبادتها.

لا أظن أن دوما خصوصاً والغوطة على وجه العموم بحاجة لكلماتي أو كلماتكم ، إنما هي بحاجة لما يشبه المعجزة لتنجو.

المعجزة الحقيقة هي الصادرة عن الله بأن يؤلف بين قلوب من يحمل السلاح و يمتلكه لينتفض من جديد بعيداً عن أي توجيه أو خوف من الطعن بالظهر.

فدوما إما أن تكون أطلال نشاهدها من بعيد أو بعد حين لنراجع ذكريتنا أو تكون منارة لإعادة الحياة من جديد للثورة لتكمل المشوار.

دوما تضعنا أمام مفترق طرق .. إما الانتفاض أو الاندثار ...

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان