مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٩ فبراير ٢٠١٥
إيران تسعى لحدود مع الأردن وتستكمل هلالها الطائفي!!

المفترض أن الذين تابعوا هذه المسألة قد لاحظوا أن بشار الأسد ومعه وزير خارجيته وليد المعلم قد بادرا فورا، بعد مباشرة الأردن بالغارات الجوية على تنظيم داعش ومواقعه في منطقة الرقة السورية ردا على الجريمة التي ارتكبها هذا التنظيم الإرهابي فعلا بحق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، إلى اتهام المملكة الأردنية الهاشمية بمساندة الإرهاب، وهذا لا يدل فقط بل يؤكد على أن هناك أرضية مشتركة بين النظام السوري وهذه «الدولة» الشيطانية التي هي، إذا أردنا قول الحقيقة، صناعة إيرانية كانت بدأت مبكرا حتى قبل الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.
لقد جاءت هذه الاتهامات مقدمة لاستيراد مزيد من التشكيلات المذهبية والطائفية، ومن بينها تشكيل جديد باسم «الفاطميون»، وتركيزها في الجنوب والجنوب الغربي من العاصمة دمشق ليس في اتجاه الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية، وإنما في اتجاه الحدود الأردنية التي تضم مدنا رئيسية من بينها مدينة إربد التي تعتبر المدينة الثانية، بعد عمان، في المملكة الأردنية الهاشمية.
إن كل هذه التشكيلات، وضمنها بالطبع حزب الله و«فيلق أبو الفضل العباس»، تشكيلات إيرانية تم إحضارها لتتمركز في هذه المنطقة الحساسة في إطار «فيلق القدس» بقيادة الجنرال قاسم سليماني لتحويل الحدود الأردنية - السورية إلى حدود أردنية – إيرانية، وهذا من غير الممكن أن يقبل به الأردن حتى وإن أدى الأمر إلى اندلاع حرب فعلية من المؤكد أنها إن اندلعت فإنها لن تبقى محصورة في مناطق الحدود، وأنها ستصل إلى دمشق وإلى أبعد من دمشق، وعندها فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!!
كان هذا النظام الذي أدخل سوريا في هذا النفق المظلم قد سحب قواته من مناطق التماس الحدودية مع الأردن على أمل أن «داعش» هو الذي سيملأ الفراغ بعد انسحاب القوات السورية، لكنه فوجئ بأن الجيش السوري الحر ومعه بعض فصائل المعارضة المعتدلة التي كل منتسبيها من السوريين، هو الذي قام بهذه المهمة، وهذا هو ما جعل بشار الأسد يتخذ هذه الخطوة الأخيرة التي هدفها تحويل الحدود الأردنية - السورية إلى حدود أردنية – إيرانية، والهدف بالطبع هو استنزاف هذا البلد ونقل داء الإرهاب إليه وفقا لتهديدات سابقة كان قد أطلقها الرئيس السوري بقوله مرارا وتكرارا إن هذه التنظيمات الإرهابية لن تسلم منها أي من الدول المجاورة!!
في كل الأحوال، فإن الواضح أن إيران التي غدت تحتل العراق وسوريا احتلالا مباشرا، باتت تسعى، ربما بصفقة سرية مع إسرائيل وبتواطؤ أميركي أصبح واضحا ولا لبس فيه، لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وإلا فما معنى أن تقوم بكل هذا التحشيد العسكري على الحدود الأردنية وعلى حدود الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية في ظل صمت الإسرائيليين المريب؟ وما معنى أن تحقق كل هذا الاختراق الاستراتيجي في جنوب الجزيرة العربية وبحجة أنها دعمت سيطرت الحوثيين على اليمن لمواجهة «القاعدة» هناك على غرار مواجهتها للإرهاب على الأراضي السورية؟!!
كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد أبدى تخوفه في حديث لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في عام 2004 من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد ستتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي (والحقيقة أنه قال يخضع للنفوذ الفارسي) يمتد إلى لبنان ليخل بالتوازن القائم مع السنة.. وليبرز هلال شيعي (فارسي) في المنطقة سيؤدي إلى تغيرات في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول هذه المنطقة.
إنه استشراف مبكر للمستقبل، ولعل ما يحصل الآن في اليمن من سيطرة «الحوثيين» على العاصمة صنعاء وعلى مناطق واسعة من البلاد، يؤكد أن «الهلال الشيعي» أو «الهلال الفارسي» قد قام فعلا، وأن طرفه الأول قد بدأ بالبصرة في العراق، في حين أن طرفه الآخر قد وصل إلى شبوة، واقترب من حضرموت ومأرب وحتى من عدن، مرورا بسوريا التي أصبح قرارها، كما هو قرار بلاد الرافدين، عند الولي الفقيه علي خامنئي، وبلبنان الذي أصبح تحت سيطرة ضاحية بيروت الجنوبية.
وبهذا، فقد أصبحت إيران ليس رقما رئيسيا، وإنما الرقم الرئيسي في هذا المنطقة الذي تعترف به إدارة الرئيس باراك أوباما ولا تعترف بغيره إلا بإسرائيل، ويقينا فإنه إذا صمد نظام بشار الأسد، وإذا تمكن من سحق المعارضة السورية التي عانت ولا تزال تعاني الأمرين من شح الدعم العربي ومن ميوعة الموقف الأميركي ومواقف دول الاتحاد الأوروبي عموما، فإنه على كثير من الدول العربية في مشرق الوطن العربي وفي مغربه أن تتلمس أعناقها، فهي لم تأخذ بحكمة: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض» وهي لم تدرك أن «من يتغدى بشقيقك، فسوف يتعشى بك لا محالة»!!
إن هذه مسألة في غاية الأهمية والخطورة. أما المسألة الأخرى التي لا تقل عنها خطورة، فهي أن إيران الشيعية على المذهب الجعفري الاثني عشري قد استطاعت بالترغيب وبالترهيب، ووفقا لسياسة النفس الطويل وتناول الوجبة قضمة بعد قضمة، ابتلاع كل الأجنحة والفرق التي تعتبر شيعية؛ بدءا بالطائفة «العلوية» التي لم تكن في أي يوم من الأيام جزءا من الطائفة الجعفرية الاثني عشرية، وانتهاء بالمذهب الزيدي الذي بات «الحوثيون» يمثلونه وينطقون باسمه.
لم يكن انحياز سوريا لإيران، خلال حرب الثمانية أعوام العراقية - الإيرانية، انحيازا مذهبيا، بل انحيازا سياسيا؛ فالرئيس السوري السابق حافظ الأسد كان في غمرة صراع مصيري مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وكان فرع حزب البعث الذي يحكم باسمه في مواجهة حياة أو موت مع الفرع البعثي العراقي، ولهذا فإنه انحاز للإيرانيين في تلك الحرب المدمرة ليس على أساس طائفي ومذهبي، وإنما على أساس المصالح المشتركة؛ حيث كانت مصلحته تلتقي مع مصلحة الخميني في القضاء على ما كانوا يسمونه «النظام التكريتي» الذي كان يهدد الطرفين.
لقد كانت الأمور على هذا النحو فقط في البدايات، ثم بعد ذلك بدأت المصالح السياسية تأخذ الطابع الطائفي والمذهبي، فتم إلحاق الطائفة العلوية بولاية الفقيه، وقام جميل الأسد، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد، بدعم مالي إيراني تجاوز كل الحدود، بعمليات «تشييع» واسعة النطاق في مناطق الرقة ودير الزور والحسكة والقامشلي، ويومها أصبح وكيل الإمام الخميني في دمشق محمد حسين اختري هو صاحب القرارات الفعلية في عاصمة الأمويين.
ثم بعد ذلك، ولاستكمال الهلال الشيعي (الهلال الفارسي)، فقد جاء دور المذهب الزيدي الذي كان فقد الحكم في اليمن الشمالي بعد نحو أحد عشر قرنا، في عام 1962، والذي لم تكن له علاقة إطلاقا بالمذهب الجعفري الاثني عشري، وكان يعتبر قبل بروز ظاهرة الحوثيين هذه، مذهبا شافعيا أشعريا، وكان الإمام أبو حنيفة النعمان من مؤيديه ومن مؤيدي وداعمي مؤسسه زيد بن علي (الرضا) بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وهنا، فإن ما لا يعرفه البعض هو أن الشيعة الجعفريين قد أطلق عليهم وصف «الروافض» لأنهم رفضوا مبايعة زيد بن علي بن الحسين مرجعية لهم، ولأن شقيقه محمد «الباقر» قد تجاوزه ونقل المرجعية إلى ابنه جعفر (الصادق) حيث اختار هذا ابنه موسى (الكاظم) خلفا له متجاوزا، كما يقول البعض، ابنه الأكبر إسماعيل الذي سميت باسمه الطائفة الإسماعيلية التي حكمت باسم الدولة الطائفية التي أسسها عبيد الله المهدي بالانطلاق من جنوب تونس من مدينة المهدية التي سميت باسمه لاحقا.
والمهم أن إيران قد أطلقت على أحد ألويتها الطائفية التي دفعت بها أخيرا نحو الحدود الأردنية - السورية اسم «الفاطميون»، وهذا يعني أنها تحاول استكمال ضم ما تبقى مما يسمى «العائلة الشيعية» إلى المذهب الجعفري الاثني عشري بوضع الطائفة الإسماعيلية، التي مركزها مدينة «السلمية» في سوريا، تحت جناحيها على غرار ما حدث مع العلويين والزيديين.

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٥
لماذا خفّف نصرالله لهجته؟

منذ تدخله في الحرب السورية الى جانب نظام بشار الاسد، اعتمد «حزب الله» لغة تحدّ لكل الذين عارضوا تورطه في النزاع وتوريطه لبنان، واعتمد أمينه العام في خطاباته لهجة تحريضية عالية لتأجيج المشاعر في بيئته الحاضنة (طائفته) وبعض لفيفها، اولاً لإزالة أي لبس حول التزامه القرار الايراني بالتدخل دفاعاً عن الحليف السوري، وثانياً لإقناع المترددين من حوله بصواب ما يقوم به، وثالثاً لإسكات تساؤلات أهالي القتلى والجرحى عن جدوى خسائرهم.

لكن خطاب نصرالله الاخير، انتقل من لغة التحدي الى ما يشبه المسايرة، وبدلاً من شعارات التجييش الحماسية، حاول بهدوء اقناع معارضيه بـ «عقلانية» ذهابه الى الحرب في سورية، معللاً ذلك باستحالة فصل لبنان عن التأثر بما يجري في محيطه. وبعدما كان دعا في السابق اللبنانيين المعترضين على سياساته الى ملاقاته في سورية ومقاتلته هناك، قال لهم في خطابه الاخير: تعالوا نواجه معاً خطر «الارهاب» ونقاتل معاً «التكفيريين» على الاراضي السورية والعراقية وغيرها. حتى انه استحضر البعد العربي لهؤلاء عندما قال ان هدف داعش «مكة والمدينة وليس القدس»، كأنه يدعو دول الخليج الى شراكة في الحرب على «داعش» بعدما كان يحمل عليها بعنف ويتهمها بتغطية جماعات التطرف بالمال والسلاح.

فهل هذا مجرد تغيير في اللهجة أم تبدل في المعطيات الميدانية؟ وهل الكلام الهادئ يعني تعديلاً في الحسابات ام انه مجرد مناورة سياسية؟ ولماذا قد ترغب ايران التي يفترض انها تقترب من انجاز «صفقة تاريخية» مع الولايات المتحدة في التهدئة؟ وهل حققت طهران انتصارات في «الساحات» المتعددة المفتوحة التي تغوص فيها أم ان الواقع مختلف عما تحاول الإيحاء به؟

ففي سورية، وعلى رغم الهجوم الواسع الذي يقوده الحزب و»الحرس الثوري» الايراني بمشاركة جيش النظام السوري وطيرانه على جبهة القنيطرة – درعا، إلا ان الانباء عن سير المعارك هناك لا تفيد بأن المهاجمين يحققون تقدماً ذا شأن وبأن المعارضة تتراجع، بل ان حجم الخسائر التي مني بها «التحالف الايراني» (مصادر «الجيش السوري الحر» تتحدث عن مئات القتلى) يؤكد ان المعركة مكلفة جداً وانها ستطول ولن تنتهي على الارجح بما يأمل المخططون لها.

ثم ان هذه المواجهة تندرج في اطار ابرام اتفاق مع الاميركيين حول دور ايران والحزب في ضمان أمن حدود اسرائيل، بدلاً من النظام السوري، ولهذا يبذل الطرفان كل قدرتهما للسيطرة على جبهة الجولان الى جانب جبهة الجنوب اللبناني، اي ان افق المعركة إيراني – أميركي وليس سورياً.

وينسحب ذلك على لبنان، حيث يواجه «حزب الله» على رغم قوته العسكرية وتغلغله في المؤسسات العسكرية والامنية وسيطرته على القرار الحكومي، صعوبة في «ابتلاع» البلد كله، سببها التنوع السياسي الذي يجعل الإجماع مستحيلاً داخل كل طائفة وعلى المستوى الوطني، اضافة الى احتمال اقدام اسرائيل على عمل عسكري بهدف اضعاف الحزب قبل اي اتفاق اميركي - ايراني على دوره.

وفي العراق، حيث يوجه التحالف الدولي ضربات مؤلمة الى متطرفي «داعش»، لم يستطع الجيش العراقي الذي يعاد بناؤه وتسانده ميليشيات شيعية، اثبات قدرته على الارض، إذ مني بهزيمة جديدة امام التنظيم الذي احتل منطقة البغدادي القريبة من اكبر قاعدة عسكرية عراقية ينتشر فيها مدربون اميركيون.

اما في اليمن، البلد الذي يطلق العالم كله تحذيرات من وصوله الى شفير الحرب الاهلية، فالواقع اخطر من ذلك بكثير، لأن هناك عملياً أربع حروب تدور على ارضه، اولها بين «الحوثيين» (الشيعة) التابعين لإيران و»الاخوان المسلمين» (السنّة)، وثانيها بين الشمال والجنوب الذي يتحفز للانفصال، وثالثها بين تنظيم «القاعدة» من جهة والجيشين اليمني والاميركي (غارات الطائرات المسيّرة) من جهة ثانية، والحرب الاخيرة تنخرط فيها القبائل واحزابها ضد فكرة الدولة تجسيداً لعداء تاريخي بينها.

ولعل عجز ايران عن ضبط «الساحات» وفرض الاستقرار فيها، والكلفة المالية العالية التي يتطلبها دعم التابعين والحلفاء وحروبهم، يدفع طهران، وبالتالي «حزب الله»، الى اعادة النظر في التكتيكات واعتماد المناورة والالتفاف وتهدئة الخطاب، لكن من دون تغيير الاهداف، بانتظار تبلور مستقبل العلاقة مع الاميركيين في غضون أسابيع أو أشهر.

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٥
الإرهاب الجديد، العنف المركَّب

تتلاحق في المشرق العربي، وفي مناطق أخرى من العالم، صور جديدة من الحرب والصراع والعنف. يستيقظ العالم، في كل يوم، على حالات من الرعب والتنكيل بالأفراد والجماعات، الأمر الذي يكشف أن أنظمة العنف المستخدمة، اليوم، أدخلت على أنماط عملها آليات جديدة في صور المواجهة والمراوغة، وكذا في كيفية تسديد الضربات المفضية إلى القتل، حيث يتبين المتابع للمعارك، المشتعلة هنا وهناك، أن الأطراف المتصارعة صنعت لنفسها في قلب ساحات المعارك أقنعةً مُلَوَّنَة بمقاسات وأشكال لا عهد للناس بها.

وإذا كان من المؤكد أن عشرات القتلى يسقطون، كل يوم، في سورية واليمن وليبيا، مثلاً لا حصراً، فإن حوادث أخرى يتعرض فيها جنود وإعلاميون وجواسيس، وأبرياء كثيرون، أطفال وشيوخ ونساء، لحالات من التنكيل، تدعو إلى قلق كثير، بحكم ما يمكن أن يترتب عنها من آثار في حياة الأفراد وداخل المجتمعات، ما يدفعنا إلى التساؤل عن حدود حيوانية الصراع السياسي، في عالم لم تعد فيه طبيعة الصراع واضحة بين الأطراف المتصارعة، حيث يصعب على كل طرف معرفة مكان خصمه أو موقعه، وحيث لم تعد مواعيد القتل والموت والحرب مؤكدة، ولا معروفة.

ما يحصل اليوم في المشرق العربي، بتواطؤ مع فاعلين من داخله، وآخرين من خارجه، سواء في الجغرافية الإقليمية، أو في مدارات المجتمع الدولي، القريب منها والبعيد، يدعو إلى الحيرة والقلق، بل إن درجات الحيرة والاختلاط تزداد، عندما نكون أمام صعوبة فرز صور التواطؤ، المعلنة والسرية، بين المنخرطين في الصراع، هذا من دون أن نتحدث عن عمليات الاستقطاب والتوظيف التي تُعدُّ، اليوم، جزءاً من نظام الحرب القائمة وآليتها. إن أصناف التوظيف التي تُمَارَس في الحروب القائمة وبمحاذاتها، أو تُمارَس عن بُعد بتوسط أفراد وتنظيمات ودول ومرتزقة، تجعل ساحات الصراع غامضة ومليئة بالألغام. كما أن صور التآمر اختلطت، وأصبح من الصعب فرز ملامحها، وترتيب ما يجري فيها بوضوح، للتمكُّن من تعيين ملامحه، ونظام تطوره، الأمر الذي ضاعف من خطورة ما يجري، اليوم، في أماكن عديدة من العالم.

قبل أيام تَمَّ تعميم ﭭﻴﺩيو حرق الطيّار الأردني، معاذ الكساسبة، عن طريق الوسائط الاجتماعية، الأمر الذي سمح بمعاينة مُعمَّمة لما نطلق عليه العنف المركَّب، حيث أُحْرِق الجسم داخل القفص، كما تشهد بذلك اللقطات المصورة، وقُتِل الطيّار، وقُدِّمَت بجانب اﻟﭭﻴديو تعليلات تاريخية وفقهية للصور، وما حملته من رعب، تعليلات تُبْرِزُ أن الخيار الذي حصل يُعَدُّ من تقاليد الحرب والصراع في تاريخ الإسلام، الأمر الذي يفضي إلى ثلاثة أمور:

أولها صورة القتل وقت التصوير، حيث يُحْتَمَل أن يكون المقتول هو الجندي، من دون أن يستبعد ذلك إمكانية قتله قبل مشهد القتل حرقاً في قفص من حديد. الثاني، إعادة إنتاج القتل في مشهد، وتصويره قصد تعميم إرادة القتل، من دون أن يتمكن المشاهد من إدراك خفايا الصورة في المشهد، بحكم آليات التصوير وتقنياتها التي كانت مفبركة. الأمر الثالث، يتمثل في بحث من يقفون وراء ما يجري بالفعل، ثم بالصوت وبالصورة عن إسناد ديني وتاريخي، لفعل القتل، بهدف ترسيخ تصورات جهادية إرهابية، لا علاقة لها بالإسلام.

يمكن أن نشير، في هذا السياق، إلى أن الحكاية تكررت في جرائم مماثلة، كما حصل في عمليات ذبح الآخرين بصور تدعو إلى أسى كثير، كما تدعو إلى غضب كثير، وتجعلنا نواجه بؤس الفعل السياسي الذي يُمَارَس باسم دولة الخلافة، كما يُمارس باسم مذاهب وجماعات، نشأت في غمرة الحروب القائمة، ولا نعرف عنها، ولا عن أهدافها إلا ما تختاره، وترسله لنا من صور ومشاهد.
"آن أوان مواجهة الذات ومواجهة الآخرين، وكذا مواجهة حالة الاختلاط العامة بلغة أخرى"

نقرأ في الحدث موضوع هذه المقالة صورة أخرى من صور توظيف المقدَّس وتوظيف الخطاب الديني في ميادين الصراع التي تزداد توسعاً في العالم، كما نقف على نمط من أنماط توظيف قراءة معينة للجهاد، تضع المجتمعات العربية أمام حالة تأخرها وتراجعها، وتضعها أمام استمرار هيمنة قيود التقليد على أشكال علاقاتها مع معطيات الصراع السياسي، في التاريخ والراهن. المشهد الذي انطلقنا منه يضع الجميع أمام حالة من الفوضى المرعبة، الأمر الذي يدعونا لا إلى التنديد فقط بالجرائم التي تقع، والتوظيفات المفزعة التي تنتصر لخيارات مجنونة، والعمل، في الوقت نفسه، على مواجهة تراثنا وعقائدنا بلغة التاريخ، بل إن ما يحصل من صور الدمار والموت يدفعنا إلى نسيان المقاربات السهلة والمبسَّطة، ونحن نواجه نمطاً جديداً من الحرب في حاضرنا، ولا يتم ذلك إلّا بتسمية ما حصل ويحصل في العراق وسورية بأسمائه الفعلية، لا أسمائه الحركية، والانتباه إلى ضرورة ربطه بالصراع الإقليمي والدولي في المشرق العربي.

ألح، هنا، على لزوم تجاوز أشكال التَّقْنيع التي تجعل ما يجري غامضاً ومعقَّداً، على الرغم من أن أطرافه الفعلية على بيّنَة من كثير من أوجهه، وهي على بيّنةٍ، أيضاً، من كونها أصبحت تستخدم الأسلحة والوسائط نفسها، فقد آن أوان مواجهة الذات ومواجهة الآخرين، وكذا مواجهة حالة الاختلاط العامة بلغة أخرى، تختلف عن دبلوماسية الحروب القديمة، وآليات عملها. فهل نستطيع ذلك؟

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٥
معركة درعا والقنيطرة

ربما يتضّح، الآن، من يقاتل الشعب السوري، حيث تعلن السلطة السورية أن من يقاتل في المعركة الدائرة في درعا حزب الله والحرس الثوري الإيراني، بقيادة قاسم سليماني. وكان حزب الله قد أعلن أنه الذي خاض معركة القصير، ثم شاركت قواته، ومليشيا طائفية عراقية ومليشيات أخرى طائفية من أفغانستان وباكستان واليمن، والحرس الثوري، في كل المعارك، ولم يكن يعلن ذلك، على الرغم من القتلى ونعي الحزب لهم، والفيديوهات التي توضح مشاركتهم وقتل بعضهم.
الآن، يظهر أن من يخوض الحرب ضد الثورة في سورية إيران وأدواتها الطائفية. كانت قطاعات للجيش من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري تشارك في معارك سابقة، وكان ذلك يشير إلى أن ضعف الوضع العسكري للسلطة، وعدم قدرته على حمايتها وضمان استمرارها. نلمس، الآن، أن الوضع العسكري للسلطة بات أسوأ، حيث باتت قوى خارجية تدافع عن السلطة، وتحاول ضمان استمرارها. إذن، باتت المعركة مع إيران وأدواتها الطائفية، هذا هو مختصر الوضع السوري بعد أربع سنوات من الثورة.
قاتلت السلطة الشعب بالفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والشبيحة والأجهزة الأمنية، منذ بدء الثورة، وحاولت إدخال قطاعات عسكرية أخرى، لكن انعكاس الثورة على الجيش فرض عليها أن تحجز أولئك في معسكرات مغلقة، فتبقى تقاتل بتلك الفرق التي ضمنت ولاءها. لكن توسع الثورة وقوة الصراع استهلك تلك الفرق والشبيحة، فأخذت تعتمد، شيئاً فشيئاً، على قوى خارجية، وهي، الآن، تقرّ بأن من يقاتل الشعب هو إيران وأدواتها الطائفية، وتتهم الجيش بالخيانة، بعد سقوط الفرقة 82 في درعا.
بات واضحاً أن إيران وأدواتها الطائفية تسيطران على سورية، وأن السلطة واجهة لتلك السيطرة، ومن ثم بات الصراع في سورية يرتبط بالصراع الإقليمي والدولي بشكل مباشر، حيث أصبحت جزءاً من الأوراق التي تفاوض إيران بها في إطار الصراع/ التوافق مع أميركا تحديداً. ويبدو أنها تتقرّب من الحدود مع الدولة الصهيونية، من أجل "زيادة أوراق التفاوض"، وربما كان ذلك سبب الإعلان عن قيادة إيرانية لقوات حزب الله والحرس الثوري التي تحاول استرجاع القنيطرة. لكن هذا الإعلان أوضح أن السلطة باتت محمية بقوات إيرانية، أي أنها انتهت كسلطة قاتلت بقواتها، وأن الشعب السوري بات يواجه قوات إيران وأدواتها الطائفية، والدعم العسكري الروسي. وأن الغطاء الذي تتخذه إيران وأدواتها هو "المسألة الوطنية"، ويبدو أن عجزها عن مواجهة الثورة، منذ بداية سنة 2013 (بعد المساعدات التقنية والمالية في الفترة الأولى من الثورة)، وتعاظم خسائرها يدفعها إلى هذا اللعب بالمسألة الوطنية، على الرغم من أن هدفها، كما أشرت، تعزيز التفاوض مع أميركا.
وإذا كانت الثورة انطلقت من أجل تغيير النظام، وتحقيق مطالب شعبية، فقد باتت جزءاً من الصراعات الدولية، حيث تتصارع قوى متعددة للحصول على مصالح، أو تثبيت وضع جيو إستراتيجي. هذا ما يجعل إيران تدخل بثقلها في الصراع، تنفيذاً لقول المرشد علي خامنئي إن طهران لا تسمح بسقوط النظام السوري. وربما ترسل قوى أكبر من الحرس الثوري، كلما ضعفت السلطة وعجزت عن حسم الصراع. ومعركة درعا مفصلية من هذه الزاوية، حيث لا بد من أن تقود إلى كسر قوات حزب الله وإيران، وبالتالي، كسر الطموح الإيراني بالحفاظ على السلطة والمساومة على الورقة السورية.
سمح "الغباء الاستراتيجي" لكل من حزب الله والنظام في إيران بتحقيق التكتيك الأميركي الذي قام على استهلاك قوى هؤلاء في سورية. فهذه القوى تستهلك، حيث تتعرض لخسائر كبيرة، وتستهلك سياسياً لأنهما يظهران قوة احتلال، وقوة دفاع عن نظام مافياوي يرفضه الشعب ويريد تغييره. ربما مصالح السلطة الإيرانية هي ما يؤسس لهذا الغباء، لكنها دولة تريد حفظ مصالحها التي تتحقق بالتصالح مع أميركا.

اقرأ المزيد
١٩ فبراير ٢٠١٥
ما الذي يحدث في الجبهة الجنوبية من سوريا؟

تفيد الأخبار الميدانية القادمة من جنوب سوريا أن عماد القوات التي تقاتل دفاعاً عن نظام دمشق الكيماوي يتشكل من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني ومن مرتزقة أفغان، بقيادة مباشرة من ضباط إيرانيين على رأسهم، كما يتردد، الجنرال قاسم سليماني الغني عن التعريف.
بصرف النظر عن مرور سنوات على الانخراط الإيراني المباشر، كما بواسطة أتباعه اللبنانيين والعراقيين وغيرهم، في الحرب الداخلية السورية، ينطوي الهجوم الإيراني الأخير على الفصائل السورية المتمردة، قريباً من الحدود الإسرائيلية، على دلالات نوعية جديدة، لا يمكن فصلها عن الهجوم الذي نفذته طائرات حربية إسرائيلية، الشهر الماضي، على موكب لعناصر قيادية من حزب الله بقيادة جنرال إيراني، قتلوا فيها جميعاً. فبهذه العملية الاستخبارية البالغة الدقة، سعت إسرائيل إلى وضع خط أحمر لحزب الله في المنطقة المتاخمة لحدودها مع سوريا حيث الغياب شبه الكامل لجيش النظام الكيماوي. الحزب الذي صدمته هذه الطعنة في الظهر، فيما هو منهمك في حربه السورية، لم ينجر إلى ردة فعل غير محسوبة، بل استغرق منه الحساب الدقيق بعض الوقت، ثم رد في شبعا ـ لا في القنيطرة- في عملية لا تتجاوز رد الاعتبار أمام جمهوره الطائفي. ولم يخرق الخط الأحمر الجديد الذي رسمته له إسرائيل في رسالتها القاسية.
تتحدث بعض التحليلات الوجيهة عن هدف إسرائيلي آخر من عملية القنيطرة، يتمثل في التخريب على الدفء الطارئ على العلاقات الإيرانية- الأمريكية بمناسبة المفاوضات على الملف النووي الإيراني. تقع في السياق هذا الدعوة التي تلقاها بنيامين نتانياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس من نواب جمهوريين غير متحمسين لاندفاعة أوباما الجامحة نحو تطبيع العلاقات مع طهران. ومعروف أن هذه الدعوة التي جرت من وراء ظهر الإدارة قد أثارت استياء الرئيس الأمريكي.
صحيح أن حسن نصر الله الذي خرج من صمته بعد رد قواته على عملية القنيطرة بعملية شبعا، رفض ما أسماه «تغيير قواعد الاشتباك» الذي سعت إسرائيل إلى فرضه على حزبه في الجولان، وأعلن حقه في الرد على إسرائيل «في أي مكان وزمان»، لكن عملية شبعا قالت خلاف ذلك، فأخبرتنا أن الحزب ملتزم بالخط الأحمر الإسرائيلي في جنوب سوريا.
وكشفت العملية الإسرائيلية في القنيطرة عن أمر آخر هو اتصال إيران بالإدارة الأمريكية بشأن «حق حزب الله في الرد على إسرائيل» كما أعلن وزير الخارجية الإيراني رسمياً.
أما ما لم يعلن عنه من فحوى التواصل الإيراني ـ الأمريكي هذا، فيمكننا تخمينه بغير صعوبة: وهو أن وجود حزب الله ـ الإيراني في جنوب سوريا ليس موجهاً ضد إسرائيل، بل ضد المجموعات المسلحة المناهضة لنظام دمشق الكيماوي المنتشرة في تلك المنطقة. إذا كان هذا التبرير مقنعاً لواشنطن، فهو ليس كذلك في نظر إسرائيل المهجوسة بـ»أمن حدودها الشمالية».
ثم كانت تلك العملية الوحشية التي أعدمت فيها داعش الطيار الأردني الأسير لديها معاذ الكساسبة. فاندفعت القيادة الأردنية إلى ردة الفعل الانتقامية بإعدام اثنين من إرهابيي منظمة القاعدة الموجودين في السجون الأردنية، وبتكثيف الغارات الجوية الأردنية على مناطق سيطرة داعش في شمال شرق سوريا، مدينة الرقة خصوصاً. ولكن بعد تجاوزه فورة الغضب الأولية، أخذ الأردن يطرح مع حلفائه، واشنطن والعواصم الاقليمية الحليفة، خيارات أكثر جدية من مجرد ردات فعل انتقامية موجهة إلى الرأي العام المحلي. من ذلك ما يقال عن دراسة خيار التدخل العسكري البري الغائب، إلى الآن، عن الحرب الدولية الجوية على داعش. فإذا كان للتحالف الدولي، في العراق، شركاء محليون جاهزون لقتال رجال البغدادي على الأرض من قوات كردية وشيعية وجيش عراقي تابع للحكومة المركزية، ولملء الفراغ الذي من المفترض أن يتركه التنظيم حيثما اندحر، فليس في سوريا، إلى الآن، هذا البديل. وتبدو الخطة الأمريكية المعلنة لتدريب خمسة آلاف من «مقاتلي المعارضة المعتدلين» بعيدة عن تحقيق نتائج سريعة للرد على التحديات التي تطرحها داعش على العالم كل حين.
وهكذا يصبح منطقياً طرح خيار التدخل العسكري البري لملاحقة عناصر داعش والمنظمات الجهادية الأخرى التي أصبحت قريبة من الحدود الأردنية (جبهة النصرة بصورة خاصة). هذا ما يمكن استنتاجه من «مقالات رأي» في الصحف دعت بصراحة إلى توغل عسكري أردني في عمق الأراضي السورية.
ربما هذا الاحتمال هو ما أثار فزع النظام الكيماوي وولاته في طهران، فسارعوا إلى شن ما أسموه «معركة الحسم».
نلاحظ، بالمقابل، أن الخلاف الأمريكي ـ التركي حول سوريا، ما زال يمنع القيادة التركية من أحلام التدخل الفعال، على رغم شعورها بالخطر الكردي، بعد تحرير كوباني من قوات داعش على يد قوات حماية الشعب الموالية لأوجلان. وإذا كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر قد دعا، في مقالة صحافية، بصراحة، إلى إطلاق يد الجيش التركي ليقوم بغزو بري داخل الأراضي السورية «لاقتلاع كل من داعش ونظام الأسد» فهذا ما يمكن تصنيفه في إطار ضغوط الحزب الجمهوري على الإدارة الديمقراطية استعداداً للجولة المقبلة من التنافس بين الحزبين في الانتخابات الرئاسية، أكثر من كونها اقتراحاً يؤمن صاحبه بجدواه العملية.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
القتل في دُوما.. والطبل في "بي بي سي"

يدرك السوريون، تماماً، أن العالم لن يتحرك لا عسكرياً، ولا حتى وجدانياً، لينتصر لأبرياء دوما الذين أحرقتهم نار الأسد الحاقد، وأتت على شيخهم وطفلهم بقصدية مطلقة، وسط تهليل وابتهاج ونشوة من آكلي لحوم البشر من الشبيحة الطائفيين و"الممانعين"، وليس آخرهم، ولا أوحدهم، رائدة الفبركات والتشفّي، غدي فرنسيس، التي أطلقت عبارتها الساخرة "دوما مشوية" وأتبعتها بعبارة أشد على النفس من الموت نفسه، وكأنها مصرة على السخرية من موت الأبرياء، لتزيد: "دوما مسلوقة"..

ولا يبدو ذلك غريباً في زمن بشار، فالإعلاميون المفترضون على قرع طبله يرقصون، ويسوقون للعالم أفكاراً يخجل من طرحها حتى المجانين والحمقى. فمنذ يومين، خرج علينا "إعلامي عالمي" كما قدمه تلفزيون الأسد، يدعى مصطفى بربر، قصَّ على مسامعنا ما تعجز عن فهمه وإدراكه أعتى العقول العلمية حول جهاز "آي فون" ذي الخصائص الخارقة الذي أدخله شخص سوري قادم من الخليج، لتتبعه المخابرات التركية والعالمية وتختطفه، ثم يطلقه مسلح سوري، ضميره حيّ، في رواية غرائبيةٍ، لا يمكن شرحها، لأنه لا يمكن فهمها.

إلا أن بربر وفرنسيس وأساتذتهما، لن يستطيعوا الوصول إلى أطراف عوالم كذب رئيسهم ووقاحته، وهو الذي أفنى جيشه الباسل مدناً وقرى بأكملها بالبراميل المتفجرة العمياء، وخلال إلقاء العشرات منها، وفي الأثناء نفسها، كان ينفي لقناة بي بي سي علمه بوجودها، أو استخدام  جيشه لها.

يجب، إذن، على العالم أن يكذّب عيونه وكاميراته وشهوده، وعلينا أن نكذّب المؤيدين الذين يتغنون بالآلاف بالبراميل، ويجب أن نكذب الموتى، ونجعلهم يبتكرون أسباباً أخرى لموتهم تناسب السيد الرئيس.
ومع دخول الحرب هذا المدخل الخطير، من إحراق دوما، إلى سخرية الأسد من العالم بأسره، إلى تشفي أزلامه بموت الأبرياء، ماذا تغير، وماذا يمكن أن يتغير؟

أكثر الأجوبة إيلاماً هو الاحتمال الراجح، لن يتغير شيء.. فردود فعل العالم على إحراق دوما أقل من باردة، والردود على التصريحات المستهزئة بالإنسان والإنسانية شبه معدومة، عدا توضيحات عادية من وزارة الخارجية البريطانية، لا تؤسس لموقف، ولا يمكن البناء عليها، فهل تخلى العالم عن المسألة السورية نهائياً؟.

حقيقة، العالم كله معنيٌّ بالقضية السورية، كلٌّ حسب ضروراته ومصالحه، فحتى دولة جزر القمر بدت مهتمة عندما أصدرت، أخيراً، قراراً يقضي بمنع السوريين من دخول أراضيها من دون الحصول على تأشيرة وموافقة أمنية، ودول الجوار مشغولة باللاجئين وهمومهم ومتاعبهم، وكذلك أوروبا التي تصب اهتمامها على إعادة توطين ما يمكن من السوريين، وإطفاء الحرائق العنصرية الناشئة تجاههم، وأقرانهم في مجتمعاتها، غير متقاعسة في دورها العسكري المحصور في محاربة داعش، ضمن التحالف الدولي، أما الولايات المتحدة فتبدو موجودة في كل التفاصيل، ولكن بلا فاعلية، وهذا ما سارت عليه سياسات أوباما المترددة، تحت عنوان "فلنتجاوز كل ما يمكن أن يخلق تفرقة".

وفي الجانب الآخر، تلقي روسيا بثقلها السياسي كله في الميدان، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتطلق الحبل على غاربه للحليف الإيراني، ليقود المعركة بشكل سافر على الأرض، مستخدماً نظامه الديني في استقطاب المقاتلين الطائفيين من أركان الدنيا الأربعة، في ما يبدو بالنسبة لها معركة حياة أو موت، فخسارة سورية ستقوّض حلم الإمبراطورية، وتجعل مكاسبها في اليمن مبتورة، ما لم تستطع تطويق الخليج العربي من بوابة الأردن.

وعلى هذا، فمن ذا الذي ينتظر السوريون تدخله؟ ومن ذا الذي بقي خارج اللعبة؟

العالم جُلُّه موغلٌ في المقتلة، ودم دوما يعني السوريين وحدهم، وتدرك الأنظمة التي تدير حرب الأسد أن مزيداً من المجازر لن يغير الاصطفافات والأولويات. والانطلاق من هذه الحقيقة، بالنسبة للسياسيين والعسكريين في المعارضة، ربما يوفر كثيراً من دم الأبرياء، إذا ما أحسنوا إدارة القضية، ومخاطبة العالم بلغة المصالح، بدل الندب والتذكير بجرائم الأسد، فالعالم كله يسمع ويرى ويعرف، ولكن، وحدنا نتألم ونموت.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
اللاجئون السوريون يُقتلون يومياً

صحيح أننا صُدمنا لهول قتل 21 مصرياً قبطياً على يد تنظيم "داعش" الارهابي، وقبلهم الطيار الاردني معاذ الكساسبة، وقبله ايضا عسكر لبنانيون قتلهم التنظيم الارهابي الآخر "جبهة النصرة"، وهالنا مشهد القتل في مكاتب جريدة "شارلي ايبدو" الفرنسية، لكن الكارثة الحقيقية التي دخلت في يومياتنا ولم تعد مثيرة للاهتمام، تكمن في المشهد السوري الداخلي وتداعياته. فالحرب اللبنانية خلفت نحو 200 الف قتيل وجريح ومفقود على مدى 15 عاماً، اما الحرب السورية فأصابت ما يزيد على 200 الف قتيل ونحو 200 الف مصاب في اقل من 4 سنوات، وهي مستمرة وفق وتيرة تصاعدية، وليس ما يوحي بقرب ايجاد تسوية لها، مما يعني مزيدا من الضحايا.

والى القتلى والمصابين، تبرز أزمة اللاجئين والنازحين، وتشير تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن ما يقرب من نصف السوريين (البالغ عددهم نحو 26 مليونا) اضطروا إلى مغادرة ديارهم، والفرار للنجاة بحياتهم، بسبب تعرض السكان في بعض المدن للحصار والجوع، فيما يجري استهداف المدنيين وقتلهم من دون تمييز.
وتشير مفوضية اللاجئين إلى أن واحداً من بين ثمانية سوريين على الأقل، فروا عبر الحدود، وهو ما يزيد تماماً على ثلاثة ملايين شخص، إضافة إلى وجود نحو 6 ملايين و500 ألف نازح داخل سوريا، وأكدت أن أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين والنازحين من الأولاد.
وتلفت المفوضية إلى أن الأغلبية العظمى من اللاجئين السوريين ما تزال تتمركز في البلدان المجاورة، حيث يأتي لبنان في المقدمة بنحو مليون و400 ألف، تليه تركيا بنحو مليون، ثم الأردن بنحو 700 الف لاجئ.
لكن معادلة الارقام لا تكفي، لأنها جامدة وجافة، فالكارثة تكمن في الظروف التي يعيش فيها هؤلاء، سواء في بلدان اللجوء او حتى في الداخل السوري، حيث نزحوا ولم تتوافر لهم الاقامة الجيدة، والخدمات الانسانية، بل ان بعضهم يضطر الى النزوح المتكرر وفق سير المعارك.
في لبنان، حلّ الشتاء قاسياً هذه السنة، والثلوج التي قاطعت قممنا العام الماضي، تساقطت بكثافة مصحوبة بعواصف اقتحمت المنازل، وخربت مرافيء للصيادين، ومنتجعات سياحية بحرية، واقتلعت اشجارا، ومعها خيم اللاجئين. المشهد لم يكن انسانيا على الاطلاق، اذ يتفاقم القتل، وهو قتل معنوي، ومعه يبرز عجز لبناني متراكم، يصيب لبنانيين بشظاياه، ويضاف اليه تقصير المجتمعين الدولي والعربي، ومنظمات الاغاثة الاممية عن توفير ادنى مقومات العيش.
ازمة اللاجئين السوريين لا يُسأل عنها اللبنانيون والاردنيون الذين يعانون من اقتصادات نموها يلامس الصفر، بل يُسأل المجتمع العربي اولا بما يملك من امكانات وثروات نفطية، والعالم الاسلامي ايضا الذي يزايد في المواقف، واخيراً الضمير الانساني العالمي.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
الرهان على النظام السوري.. رهان على ‘داعش'

من يراهن على أن بشّار الأسد “جزء من الحل”، كما يقول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، إنّما يراهن على بقاء “داعش”، لا لشيء سوى لأنّ “داعش” والنظام السوري وجهان لعملة واحدة. كل منهما يعمل في خدمة الآخر.

من هذا المنطلق، يفترض بدي ميستورا توضيح كلامه نظرا إلى النظام السوري علّة وجود “داعش”، هو والذين يدعمونه في موسكو وطهران. مثل هذا الدعم هو الذي يوفّر الحاضنة التي مكّنت “داعش” من التمدّد في سوريا والعراق، في ظلّ فراغ كبير اسمه السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما. هذه الإدارة التي يبدو أنّها تعمل كلّ شيء من أجل تفتيت الشرق الأوسط وإعادة رسم خريطته من منطلقات جديدة.

يمكن لإدارة أوباما، التي تعرف قبل غيرها أن لا مستقبل لـ”داعش”، استغلال وجود هذا التنظيم إلى أبعد حدود. ولذلك نراها تضع خطة مدّتها ثلاث سنوات للانتهاء من “داعش”، في حين أنه في الإمكان محوه من الوجود في حال وجود نيّة حقيقية لذلك.

في النهاية، يمكن لتنظيمات من نوع “داعش” أن تتمدّد لبعض الوقت ولكن لا يمكن أن تتمدّد إلى ما لا نهاية. هناك مخلوقات غير طبيعية لا مكان لها في هذا العالم مهما حاولت وفعلت، ومهما تطاولت على الواقع والحقائق التي لا مجال لتجاوزها.

يمكن لـ“داعش” الاستفادة إلى حدّ كبير من النظام السوري والدعم الإيراني والسياسة الأميركية المضحكة المبكية لإدارة أوباما. لكن لا مكان مستقبلا لمثل هذه المخلوقات التي تشبه الإرتكابات أكثر من أيّ شيء آخر.
    
    

ليس “داعش” سوى ارتكاب. معروف من بدأ الارتكاب، ومعروف من دعمه، ومعروف من المستفيد منه. من شجّع “داعش” في البداية كان النظام العراقي أيّام صدّام حسين. وقتذاك، لم يكن هناك “داعش” أو غير “داعش”. كانت هناك “القاعدة” وما هو متفرّع عن “القاعدة”. كان صدّام، الذي وقف على رأس نظام عائلي بعثي، يعتقد أن في استطاعته مقاومة الأميركيين عند دخولهم العراق، وأنّ تنظيمات إسلامية متطرّفة ستمكّنه من الصمود. لم تكن هذه التنظيمات سوى أدوات. لم يكن “أبو مصعب الزرقاوي”، الذي هو في أساس “داعش”، سوى أداة موروثة استخدمها النظامان السوري والإيراني في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للعراق قبل ما يزيد على عشر سنوات. كان مطلوبا بعد دخول الأميركيين بغداد والمناطق الأخرى العمل على إخراجهم من العراق والانتهاء من وجودهم العسكري والسياسي في البلد. كان ذلك عائدا إلى سببين الأوّل سوري والثاني إيراني.

كان النظام السوري يخشى، بعد 2003، من أن يتحوّل العراق بلدا طبيعيا يمكن أن يكون نموذجا لما ستكون عليه دول المنطقة. فشل الأميركيون فشلا ذريعا في مشروعهم العراقي. بات المواطنون العراقيون اليوم يترّحمون على نظام صدّام حسين الذي لم يكن لديه ما يقدّمه لهم سوى مزيد من العذابات والبؤس والحروب والمعارك التي لا أفق لها من نوع مغامرة الكويت التي ارتدت عليه.

لكنّ نظام صدّام كان على الأقلّ ضامنا لحد أدنى من الأمن والأمان لمواطن ترتّب عليه قبول حياة الذلّ التي فرضها عليه. الآن، هناك ما هو أسوأ من حياة الذلّ في العراق في ظلّ خروج الغرائز المذهبية من عقالها، وما رافق هذا الخروج من انتشار للميليشيات المذهبية التي لا همّ لها سوى القيام بعمليات تطهير عرقي، في هذه المنطقة أو تلك، خدمة للسياسة الإيرانية القائمة على الاستثمار في المذهبية.

كان الخوف السوري من انتقال الديمقراطية من العراق إلى سائر دول المنطقة. لذلك كان على بشّار الأسد العمل بكلّ الوسائل من أجل إفشال المشروع الأميركي الأصلي الذي سقط بسبب جهل إدارة بوش الابن للواقع العراقي، وما يمثّله هذا البلد على صعيد التوازن الإقليمي. لم يكن الفشل صعبا في ظلّ وجود منظمات إرهابية في العراق، في حاجة إلى من يغذّيها ويدعمها انطلاقا من سوريا، وفي ظلّ وجود إدارة أميركية أوكلت أمور العراق إلى شخصيات من نوع بول بريمر. لم يدرك بريمر معنى قانون “اجتثاث البعث” والنتائج التي ستترتّب عليه، أو معنى حل الجيش العراقي وما سيجلبه من كوارث أوصلت إلى إيجاد حاضنة لـ”داعش” في المناطق السنّية.

كان مفهوما أن يكون لدى النظام السوري هواجسه. فهذا النظام عاش على الاستثمار في غباء البعث العراقي، وغباء صدّام تحديدا. استطاع حافظ الأسد استغلال هذا الغباء إلى أبعد حدود، خصوصا في علاقاته مع دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية.

كانت لدى إيران حساباتها التي تتجاوز النظام السوري. كان لدى الإيرانيين همّ السيطرة على العراق. إنّها سياسة إيرانية بعيدة المدى تقوم على استغلال الحرب الأميركية على العراق إلى أبعد حدود.

ما نشهده اليوم يتجاوز السياستين السورية والإيرانية. قلبت “داعش” الطاولة، لكنّها لم تدرك أن لا مكان لها على خريطة الشرق الأوسط. كلّ ما تستطيع “داعش” أن تفعله، بفضل السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما هو إطالة عمر النظام السوري.

هذا يعني في طبيعة الحال العمل على تفتيت سوريا. هل من عاقل ما زال يظنّ أن في الإمكان إعادة تأهيل نظام أقلّوي شرّد نصف الشعب السوري؟ هل في استطاعة دي ميستورا والذين يقفون خلفه استيعاب هذه المعادلة التي تعني، أوّل ما تعني، أنّ الحل في سوريا يبدأ بخروج بشّار الأسد من السلطة لأنّ ذلك سيؤدي إلى إضعاف “داعش” وكلّ من سار في خط هذا التنظيم الإرهابي.

عاجلا أم آجلا، سيؤدي “داعش” المهمة المطلوبة التي ستقود إلى الانتهاء من سوريا. هذه مهمّة مطلوبة من النظامين السوري والإيراني، ومن إدارة أميركية لا تعرف شيئا عن المنطقة، خصوصا عن سوريا. سيكون هناك تركيز أميركي، أكثر فأكثر، على “الدولة الإسلامية” وما تشكله من مخاطر.

ولكن ماذا بعد؟ ماذا عن مستقبل سوريا؟ هل من مستقبل للسياسة الإيرانية في سوريا؟ هذا النوع من الأسئلة هو الذي تتجنّبه إدارة أوباما التي ترفض، هي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الذهاب إلى حدّ التساؤل: لماذا كانت “داعش” ولماذا شجّع النظامان في سوريا وإيران مثل هذا النوع من التنظيمات؟

ولكن من قال أنّ إدارة أوباما تريد حلّا في سوريا؟ من قال أنّ دي ميستورا مهتمّ، فعلا، بمستقبل سوريا والسوريين وملايين المشردين وبالبراميل المتفجّرة التي تقتل يوميا العشرات؟ أين المشكلة بالنسبة إليه ما دام النظام السوري يعيش على حساب “داعش”، فيما “داعش” تتمدّد بفضل الحاضنة التي تؤمنها سياسات تقوم على الاستثمار الإيراني في الغرائز المذهبية؟

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
المفاهمة الأميركية الإيرانية أقدم من داعش بكثير

بكثير من الدهشة تلقى الإعلام العربي والأميركي الرسالة السرية التي بعث بها المرشد الأعلى الإيراني إلى الرئيس الأميركي، والتي كشفت عنها صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية مؤخرا، وكأنها حدث مفاجئ. وقد أخطأ كثير من المحللين العرب والأجانب حين اعتبروها دليلا على بدء تفاهم سري بين نظام الولي الفقيه وإدارة أوباما، ناسين تاريخ ولادة هذا التفاهم، وظنوها نتيجة الظروف التي أوجدها داعش في العراق وسوريا والمنطقة.

والحقيقة أنها ليست من اختراع أوباما، بل هي أقدم منه، وبالتحديد من أيام الغزو الصدّامي للكويت عام 1990. ولمن نسي أيام مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة وأسرارها نسرد له ما يلي.

إن إيران وسوريا دون غيرهما، أمسكتا بأحزاب المعارضة العراقية وتجمعاتها الشيعية، والكردية العراقية، والبعثية العراقية السورية، واحتكرت قيادتها، تنظيميا وسياسيا، من أيام لجنة العمل المشترك التي أعلن عن تأسيسها في 27 ديسمبر 1990 بمبادرة ورعاية من مخابرات النظام السوري ومخابرات الولي الفقيه، ومنعت أية جهة عراقية أو عربية أو دولية أخرى من اقتحام قلاعها.

إلا أن الولايات المتحدة بدأت محاولاتها لإيجاد موقع قدم لها داخل هذه المعارضة من أوائل 1991 وتحديدا في مؤتمر بيروت، من خلال علاقتها القديمة بالحزبين الكرديين، وعلاقتها الجديدة بمعارضين عراقيين آخرين، منهم إياد علاوي وأحمد الجلبي، بشكل خاص. وسرعان ما تحقق لها اقتسام الإشراف على نشاطات المعارضة العراقية، مع المخابرات الإيرانية والسورية، حتى أصبحت مؤتمرات المعارضة محصورة في أتباع إيران وبعثيي سوريا وحلفاء أميركا.

حتى أن الإدارة الأميركية خصصت سفراء متفرغين للإشراف على شؤون المعارضة، بقبول من سوريا وإيران. وتوج ذلك بما سمي يومها ”المؤتمر الوطني الموحد” بقيادة أحمد الجلبي، الذي أسس لمؤتمر لندن ديسمبر 2002، ثم في صلاح الدين في فبراير 2003 اللذين حددا شكل الحكم العراقي القادم وحصص كل فريق فيه، وهو ما ظل قائما حتى اليوم.

وقد عجز كثير من العراقيين والعرب عن تفسير إصرار إدارة بوش الأب (الجمهورية) وإدارة كلينتون (الديمقراطية) ثم إدارة بوش الابن (الجمهورية) وتبعتها إدارة أوباما (الديمقراطية) على احتضان أحزاب وميليشيات عراقية يعلم الأميركيون بأنها تابعة لإيران، بل إن بعضها إيراني من الولادة.

وينبغي أن ننوه بأن هناك أحزابا وشخصيات شيعية عراقية لا علاقة لها بإيران وترفض الانقياد لنظام الولي الفقيه، أقصيت عن جميع مؤتمرات المعارضة السابقة، ومنعت من المساهمة في الحكم الجديد، وفرض عليها تعتيم منع صوتها من الوصول إلى الجماهير العراقية حتى لفها النسيان. بل إن بعضها تعرض لتصفيات جسدية من قبل عملاء مخابرات إيران أو من وكلائها العراقيين.

الخلاصة أن أميركا لم تُخدع بأولئك القادة، ولا بارتباطاتهم وأهدافهم. فإدارة قوات التحالف لم تمنع انزلاق العراق إلى الخراب الذي جاء على أيدي حلفائها الإيرانيين والسوريين، وهي ترى، منذ الأيام الأولى للغزو، قادة الأحزاب الشيعية المُصنّعة في إيران يستقبلون علنا آلاف المسلحين الداخلين إلى العراق من إيران، بذريعة أنهم مواطنون عراقيون مبعدون إلى إيران من قبل النظام السابق، وهي تعلم أنهم أعضاء ميليشيات لا تخفى هوياتها ولا نشاطاتها.

وحين انتهت صلاحية مجلس الحكم وعُين إياد علاوي رئيسا لوزارة ما سُمي بعهد (نقل السيادة) كانت إيران قد تحولت إلى قوة فاعلة في العراق، تفرض أتباعها على الرئاسات والوزارات والسفارات ومجالس المحافظات والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، على مسمع ومرأى من القيادة الأميركية الحاكمة في العراق. وهاهو العراق اليوم، لا يستطيع أيٌ كان، حتى لو كان الرئيس الأميركي نفسُه، أن يأخذ مكانا في صدارة السلطة في العراق إذا لم يحصل على موافقة إيران.

فهل إن رسالة خامنئي لأوباما تؤسس اليوم، فقط، لسياسة مهادنة أميركية إيرانية في العراق والمنطقة لمحاربة داعش، أم أن هذه السياسة راسخة قبل داعش بسنين؟

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
بين صورتين وعنفين ومعسكرين

أثبت إرهابيو داعش تفوقاً في عرض القوة السادية على أنظمة القمع العربية التي، على عكس داعش، تعمل على طمس جرائمها، أو توليفها بما يبرر ارتكابها تحت عنوان حماية الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب أو... بين إرهابين وساديّتين. بات المشهد متبايناً بين صنفين من الضحايا: ضحايا الشكل الأول من القتل الإرهابي، وهم أكثر "شهرة"، يفرد لهم الإعلام المحلي والدولي إطارا رومانسياً لتكريم معاناتهم، وضحايا الإرهاب الثاني المغيّبون في تعتيم الأنظمة وأبواقها الإعلامية التي تتغنى بالقتل، وتروّجه على أن ضحاياه هم أنفسهم المبرر لقتلهم. ولكلا المعسكرين مؤيدوه، علناً أو ضمناً، جزئياً أو كلياً.

لم يبتدع إرهابيو داعش جديداً في وسائل العنف التي اختبرتها قبلهم أنظمة عربية، ولا تزال، في تعاطيها مع المعارضين الموصوفين بـ "الإرهابيين" أو "الخونة". أقلها الاعتقال الاعتباطي والتوقيف مدداً طويلة، إلى ما هنالك من أشكال التعذيب في السجون، إلى قتل المتظاهرين، واستخدام القضاء لتوقيع عقوبات غير قانونية، أو متكافئة، إلى اغتيال المعارضين في أشكال مبتكرة من العنف، وإفناء مجموعات بكاملها، باستخدام الغاز الكيماوي أو القصف ببراميل البارود... لا يحظى ضحايا الإرهاب الثاني بفرصة مشهدية قتل ضحايا الإرهاب الأول، حيث تبدع داعش في "إبهار" مترقبي جرائمها، وتأسر شاشات وسائل الإعلام الدولية، في حين تبقى التغطية الإعلامية لضحايا الإرهاب الثاني خجولةً، لغياب التوافق على أهميتها، أو غائبة تماماً بفعل اعتبار الضحايا "خونة"، يستأهلون العقاب.

في محاولة مزاح سمجة، شبّه بشار الأسد براميل البارود التي تلقيها قواته على رؤوس المواطنين بـ "أواني الطهي"، وفي عرف نظام الأسد الاستبدادي، أن ضحايا براميل البارود غير موجودين أصلاً، وأن وقع هذه البراميل لا يعدو كونه أكثر إيلاماً من أواني الطهي. في حين تواصل قوات النظام إلقاء "أواني الطهي" على رؤوس المواطنين، لا يجد الضحايا منفذاً إلى وسائل الإعلام المشغولة بمتابعة آخر ابتكارات داعش في القتل المشهدي المروع.

في مشهد آخر، غير بعيد، قضى أكثر من ألف مواطن مصري في عملية القمع الدموية للمتظاهرين المؤيدين لجامعة الإخوان المسلمين في اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013 على يد قوات الأمن. لم نعرف الكثير عن هؤلاء سوى توصيف الإعلام المصري لهم بـ "الإرهابيين"، وتصوير قتلهم على أنه إنقاذ للدولة من الخوارج عليها. لم تصبح كلمة "مذبحة" متداولة في أوساط معارضي النظام العسكري، إلا بعد أن أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تقريرها الذي أكد عمليات القتل الواسعة، والمعدة مسبقاً، لمتظاهرين، غالبيتهم العظمى مسالمون. بقيت وجوه الضحايا في العتمة، كما هي حال المعتقلين الإسلاميين، اليوم، في السجون المصرية، إذ لا نعرف شيئاً عن هؤلاء سوى أنهم من "الإخوان"، بحسب تصنيف الإعلام المصري، ما يعني أنهم لا يستأهلون الأضواء الإعلامية، ولا منصب "الضحية" الرومانسي والعاطفي.

وكان مقتل الناشطة شيماء الصباغ في تظاهرة سلمية، في الذكرى الرابعة للثورة المصرية، قد أثار اهتماماً محلياً وعالمياً، عكس التباين في صورة ضحايا القمع بين الاهتمام بأحكام السجن القاسية بحق نشطاء الثورة ومقتل بعضهم برصاص الأمن في تظاهرات سلمية، وبين التجاهل العام لمصائر مجموعات كبيرة أخرى، تخضع للمعاملة نفسها، من قتل برصاص الأمن واعتقالات اعتباطية، وأحكام اعتباطية بالسجن مدداً طويلة، وحتى بالإعدام... في عرف الرأي العام، لا تستوي المجموعتان في حقوق المواطنة، وفي حقوق الإنسان، ما يبرر الصمت على الانتهاكات بحق المجموعة الثانية التي تصنف في خانة "غير المرغوب بها"، ما يعني أن التنكيل بها لا يستأهل أكثر من السكوت، إن لم يكن التأييد.

بين وحشية إرهاب داعش ووحشية إرهاب الأنظمة، ينقسم "مشاهدو" العرض بين فريقين: الأول تستفره صور الإرهاب الداعشي، ويرى في ذلك مبرراً للمزيد من القمع، على أيدي أنظمةٍ، تدعي محاربة الإرهاب، والثاني يخفف من وطأة العنف المروع على أيدي داعش، عبر التذكير المتواصل بضحايا الأنظمة وغيرهم، ممن لا يحظون بالرواج الإعلامي لضحايا داعش. وفي الفهم الضمني للفريقين، فإن القتل أو القمع أمر ممكن تبريره.
"لعل وحشية داعش أثارت في ما أثارت استنكاراً لفرط التركيز على جرائم المجموعة المتطرفة"

إذن، لا يستوي ضحايا الوحشية، لا في عرف مرتكبيها، ولا في عرف الإعلام ناقل الصورة، ولا في عرف متلقي هذه الصورة. ولعل وحشية داعش أثارت في ما أثارت استنكاراً لفرط التركيز على جرائم المجموعة المتطرفة، في حين تحصد جرائم أخرى أعداداً أكبر من الضحايا، وبسادية لا تقل قسوةً، أبرزها جرائم النظام السوري بحق مواطنيه. وكأن المجموعة الإرهابية "خلدت" ضحاياها، عبر مشهديتها الوحشية، في حين لم ينل الضحايا الآخرون حظوة الرثاء الإعلامي والشعبي لهم.

ولعل الذكرى الرابعة للثورات العربية التي انتهت غالبيتها العظمى إلى عنف فوضوي، لا سابق له، مناسبة لإعادة الاعتبار الإنساني لمن سقطوا ويسقطون سهواً خارج أضواء الإعلام التي بالكاد تأتي على ذكرهم، إن لم تذكرهم بالشتائم والشيطنة والتحريض على المزيد من سفك دمائهم.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
هل الأسد جزء من الحل في سوريا؟

أثارت تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، التي اعتبر فيها أن بشار الأسد جزء من الحل في سوريا، ردود فعل غاضبة لدى المعارضة السورية ولدى غالبية السوريين.

وفاقم من غضب السوريين تزامن تلك التصريحات مع انهمار صواريخ وبراميل نظام الأسد المتفجرة على رؤوس المدنيين في بلدة دوما، ومع استمرار حربه الشاملة الكارثية التي قضت على أرواح مئات آلاف السوريين وشردت أكثر من نصف سكان سوريا ودمرت مدنا وبلدات عديدة، ومع اقتراب الأزمة السورية من اكتمال عامها الرابع، وهو (الأسد) أصل الأزمة والمسبب والمسؤول الأول عن نتائجها الكارثية المدمرة على السوريين وسوريا.

فقدان الوساطة

    "حديث دي ميستورا عن دور الأسد في الحل ليس اعتباطيا، فهو لم يأت من مسؤول سابق أو متقاعد، بل من موفد أممي. ويتضمن حمولات وتغيرات في الموقف الأممي حيال نظام الأسد وحيال الأزمة السورية، ولن تنفع محاولات دي ميستورا نفسه التخفيف من وقع تصريحاته أو تغيير مدلولاتها"

لم تقتصر ردات الفعل على المعارضة السورية، بل لاقت تصريحات دي ميستورا رفضا فوريا من طرف الخارجية الفرنسية، التي اعتبرت أنه لن يكون هنالك تحول في سوريا من دون رحيل الأسد، في حين أكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية جنيفر بساكي أن "موقف الولايات المتحدة لم يتغير، والرئيس السوري بشار الأسد فقد الشرعية ويجب أن يرحل عن السلطة".

وقد حاولت الناطقة باسمه جولييت توما الالتفاف على تصريحاته، واعتبرت أن "بيان جنيف للعام 2012 نقطة الاستناد الأساسية للوصول إلى حل سياسي طويل الأمد للأزمة السورية"، لكنها اعتبرت أيضا أن "على الرئيس السوري والسلطات المساهمةَ في الوصول إلى حل يضع حدا للعنف والمأساة الإنسانية في سوريا".

ثم حاول دي ميستورا بنفسه التخفيف مع وقع كلامه من خلال الاتصال برئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة، في محاولة لشرح وتوضيح التصريح الذي صدر عنه في ختام لقائه بوزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس في فيينا.

ولعل من المستهجن أن يؤكد دي ميستورا لرئيس الائتلاف أن "المقصود من التصريح هو جر الأسد إلى دائرة الحل، وتوريطه ببداية حل سياسي، وليس المقصود منه حرفية التصريح"، لأن في ذلك محاولة للتذاكي مكشوفة وسمجة، وتضمر اللعب على وتر استجرار رأس النظام إلى حل سياس، مقابل إغرائه وتأكيد دوره في الحل، مما يعني بقاءه في السلطة التي يشن حربا من أجلها، بل باع البلد لنظام الملالي الإيراني ولمليشيات حزب الله مقابل الدفاع عنه، ومحاربة السوريين بغية إخضاعهم لنظام الاستبداد والقهر واستمرار بقاء الأسد على رأسه.

والواقع هو أن كلام دي ميستورا عن دور الأسد في الحل ليس اعتباطيا، فهو لم يأت من مسؤول سابق أو متقاعد، كما يفعل الساسة المنتهية مهامهم، بل من موفد أممي، ويتضمن حمولات وتغيرات في الموقف الأممي حيال نظام الأسد وحيال الأزمة السورية، ولن تنفع محاولات دي ميستورا نفسه التخفيف من وقع تصريحاته، أو تغيير مدلولاتها، خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول التحالف الذي تقوده، غيرت أجنداتها وأولوياتها، حيث باتت الحرب على داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) هي الوجهة التي تلتقي فيها الجهود الأميركية والدولية، ولم يعد حل الأزمة السورية يعني الكثير بالنسبة إليها.

ويكشف كلام دي ميستورا موقفا منحازا إلى جانب الأسد ونظامه، مما يعني أن وساطته "الأممية" باتت موضع شك وعرضة للانهيار، خاصة مع إعلان قوى المعارضة رفضها شكلا ومضمونا، واتهامه بمحاولة استرضاء الأسد، لأنه اعتبر أن الأسد "جزء من حل المعاناة السورية"، وأكد على "استحالة تجاوزه"، بل تمادى في القول حين اعتبر أن "بشار الأسد لا يزال هو الرئيس السوري الحاكم"، ولم يقل ماذا يحكم هذا الرئيس؟ وكيف يحكم جزءا من البلاد؟

وتناسى أن من يتحدث عنه متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن تقارير أممية عديدة أكدت أنه ارتكب أبشع المجازر ضد غالبية شعبه، واستخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين العزل في غوطتي دمشق، وبدلا من المطالبة بتقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب، وتحقيق العدالة الدولية، يدعوه السيد دي ميستورا إلى "الإسهام في وضع حد للعنف"، ولأجل ذلك يطمئنه إلى كونه جزءا من الحل في سوريا، وأن نصيبه في السلطة باق ويتمدد.

مسار دي ميستورا

    "يتجاهل دي ميستورا عن قصد ودراية دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، كونه المسؤول عن إطلاق سراحهم من سجونه، وانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها"

يكشف مسار مهمة دي ميستورا أنه منذ أن استلم هذه المهمة وهو يحاول نسف الأساس السياسي الذي نهض عليه "اتفاق جنيف 1" يوم 30 يونيو/حزيران 2012، رغم حديثه عن أنه يستند إلى الاتفاق في تحركاته، خاصة فيما يتعلق بهيئة الحكم الانتقالية الكاملة الصلاحيات، وكذلك البنود الستة التي تضمنتها خطة كوفي أنان.
والبديل الذي قدمه هو التركيز على الجانب الإنساني، واختصار الأزمة السورية إلى مجرد أزمة إنسانية، تحقيقا لمقولته التي تعتبر أن "المشكلة الأساسية في سوريا تكمن في الأزمة الإنسانية".

وعلى الرغم من أهمية المسألة الإنسانية في سوريا، التي يجب أن يضمنها المجتمع الدولي دون نقاش أو تردد، فإن ما يطرحه دي ميستورا فيه حرف عن المهمة الأساسية التي أوكلت إليه، المتمثلة في تكثيف جهوده من أجل إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة ويلبي طموحات الشعب السوري، وحيث أخذ دي مستورا يتنصل منها شيئا فشيئا، فطرح جملة من الأفكار التي تبدأ من الأسفل، دون المساس برأس نظام الحكم، وبدلا من وقف شامل للقتال، حسبما نص عليه اتفاق جنيف 1، راح يتحدث عن "تجميد القتال في مناطق محدودة"، مقابل إدخال المساعدات الإنسانية إليها.
وقد طرح دي ميستورا في مرحلة أولى تجميد القتال في أكثر من 15 منطقة سورية، ثم عاد وتراجع عن طرحه، حين لم يلق قبولا لدى الأسد، الذي أشار إليه أن يبدأ التجميد في حلب، وبعدها أخذ يتحدث عن "إيجابية النظام" وترحيبه بخطته، ثم أطلق تصريحات، وقام بعدد من الزيارات إلى دمشق، تصب في سياق رفع مستوى التنسيق مع نظام الأسد إلى مستوى تعويم نظام الأسد وإعادة تأهيله، من خلال إعادة الاعتراف الدولي به، وجعله شريكا في الحرب على داعش، بل راح يطالب المعارضة بالتوحد مع النظام "لمواجهة خطر داعش الذي يتهدد الجميع".

ويتجاهل دي ميستورا عن قصد ودراية دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، كونه المسؤول عن إطلاق سراحهم من سجونه، وانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها.

واستغل المبعوث الأممي الحالي انشغال المجتمع الدولي وتركيزه على الحرب ضد تنظيم داعش، كي يسوق أفكاره، وتتناغم مع الجهود الرامية إلى تحويل كل الجهود نحو هذه الحرب، تحقيقا للإجماع الدولي عليها، بمعنى أنه يسعى إلى تركيز جهود المعارضة والنظام في الحرب ضد داعش، لكن ما يسكت عنه المبعوث الدولي، ويتعامى عنه، هو أن أي حل في سوريا يجب أن ينهي الظلم الذي وقع على غالبية السوريين من قبل نظام الأسد، وأن هذا النظام الظالم لم يخض أية معركة حقيقية ضد تنظيم داعش، بل إنه حين كانت فصائل من الجيش الحر تخوض معارك ضد هذا التنظيم، كانت طائرته تقدم الإسناد والعون له من خلال قصف مواقع المعارضة السورية بالصواريخ والبراميل المتفجرة.

بل الأدهى من ذلك هو أن نظام الأسد سهل لداعش السيطرة على العديد من المواقع، وخاصة في الرقة وريف حلب، في حين أنه كان يدافع عنها بشراسة عندما كانت فصائل الجيش الحر تهاجم تلك المواقع.

المواقف الدولية
رغم رد كل من الخارجية الفرنسية والأميركية على تصريحات دي ميستورا، فإن مواقف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عرفت مؤخرا تغيرا كبيرا من الأزمة السورية.

    "بين تعويل نظام الأسد ورهانات دي ميستورا، فإن المسار الذي بدأه السوريون منذ أربع سنوات لن ينتهي إلا بحل سياسي لا دور للأسد فيه،  ينهي معاناة السوريين ويلبي طموحات الشعب في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي"

ففي حين كان أغلب الساسة يطالبون منذ أكثر من عامين برحيل الأسد، وكانوا يكثرون من الحديث عن أن أيامه باتت معدودة، يجري اليوم السكوت عن ما يقوم به من جرائم، وفي نفس الوقت يتسم موقفهم بالبرود، وعدم القيام بأي فعل ضده، مع عدم تقديم أي جهد لإنضاج حل سياسي ينهي معاناة السوريين الكارثية، وباتوا يركزون على الحرب ضد داعش بوصفها أولوية قصوى بالنسبة للأمن الوطني لكل بلد من بلدانهم، وأعطوا الضوء الأخضر لساسة روسيا كي يجمعوا في موسكو "معارضين" من أجل النظام مع ممثل النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري في لقاء تشاوري، لم يجر فيه التشاور على شيء يمس جوهر معاناة السوريين.

وقد بارك دي ميستورا مساعي موسكو لإنتاج معارضة سياسية تقبل بوجود الأسد، وهو أمر سعت إليه وهمست به إيران وروسيا أكثر من مرة، لذلك تفاخرت وزارة الخارجية الروسية بموقفه، الذي قيم عاليا لقاء موسكو التشاوري، الذي جرى في الفترة ما بين 26 و29 يناير/كانون الثاني الماضي.

وكان الأحرى بالمبعوث الأممي، احتراما للجانب الإنساني على الأقل، أن يقول ولو كلمة واحدة ضد حرب الإبادة التي يشنها النظام ضد مدينة دوما، القريبة من مكان إقامته، حيث كان يجتمع مع الأسد، بدلا من أن يستفز الضحايا باحتفاله مع مسؤولين إيرانيين بعيد الثورة الإيرانية في دمشق، في خطوة استفزازية لا تتناسب مع طبيعة المهمة الدبلوماسية الحساسة الموكلة إليه، وفي مكان لا يبعد سوى بضعة كيلومترات قليلة عن المدينة التي تتعرض لحملة بربرية شرسة من طرف قوات النظام منذ أشهر وسنوات عديدة.

قد يطمئن كلام دي ميستورا نظام الأسد إلى حين، لكنه لن ينفع في إعادة تأهيله، وإرجاع الشرعية إلى هذا النظام الذي فقدها منذ اليوم الأول للثورة السورية. وبين تعويل نظام الأسد ورهانات دي ميستورا، فإن المسار الذي بدأه السوريون منذ أربع سنوات، لن ينتهي إلا بحل سياسي، لا يمكن للأسد أن يكون له أي دور فيه، بوصفه الحل الذي ينهي معاناة السوريين، ويلبي طموحات الشعب السوري في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي، والسير نحو تحقيق أهداف الثورة في الحرية والتحرر.

اقرأ المزيد
١٨ فبراير ٢٠١٥
هل الشعب السوري شعب طائفي!!!

اغتصبتم الحكم في سوريا بانقلاب عسكري في سبعينات القرن العشرين, سرحتم كل الضباط  البارزين من ابناء الطائفة السنية واعتقلتم كل من وقف بوجه انقلابكم الطائفي ,تم تسليم كل المناصب الامنية الفاعلة لضباط من ابناء طائفتكم تحديداً , سيطرتم على الاقتصاد والمرافق الحساسة و جمعتم حولكم السماسرة والمنتفعين من ابناء باقي الطوائف, وزعتم بعض المناصب " الغير هامة " على باقي الطوائف  لذر الرماد في عيون الشعب المغلوب على امره وهؤلاء عليهم رقابة مستمرة , حكمتم سوريا بالنار والحديد , حرمتم السوريين الكورد من ادنى حقوق المواطنة , نشرتم  الرعب والرشوة والفساد  والمحسوبية في كل مفاصل الدولة, جعلتم من سوريا بلداً متأخراً , بنية تحتية مدمرة مرافق عامة مهترءة فساد رشوة كراهية انانية شك فساد خوف  , تخيلوا  مشكلة انقطاع الكهرباء استمرت لاربعين عام في سوريا ,في الوقت الذي صرفتم به على حربكم القذرة على الشعب ما يمكن ان  يبني مفاعلات عملاقة تغذي كل الشرق الاوسط بالكهرباء ,حولتم المؤسسة العسكرية  لبؤرة  من الفساد والرشوة والمحسوبية , ضباط  من ابناء طائفتكم يمتلكون السيارات الفارهه  وتوزع عليهم الشقق السكنية والامتيازات  وكلما ازداد ولائهم ازدادت امتيازاتهم , وضباط  من باقي الطوائف تركب سيارات الشحن العسكرية " الزيل " والمواصلات العامة واصبحت السيارة البسيطة حلم لهم فقط لانهم ليسوا من طائفتكم " الكريمة ", حتى ابناء طائفتكم من العسكر والموظفين " البسطاء " الذين القيتم لهم " بعض " الفتات  لم ينجون منكم ودمرتم عقولهم وجعلتموهم وقوداً لحربكم القذرة على الشعب السوري زرعتم في رؤوسهم ان الجميع اعداء لهم , جمعتم حولكم الفاسدين والمنتفعين والجبناء والمخدرين عقلياً من باقي اطياف الشعب  لم يسلم من شركم احد ,فرقتم بين  ابناء الشعب الواحد, نشرتم ثقافة المؤامرة  والشك بين الناس و بشكل ممنهج عبر مدراسكم البعثية  من المرحلة الابتدائية حتى الجامعات التي يشرف عليها  العواينة وكتاب التقارير من ازلامكم , دمرتم التعليم والنقابات والجميعات والمؤسسات الغيتم المجتمع المدني واختزلتم الوطن في شخص الديكتاتور وعائلته, دمرتم اجيالاً بكاملها , وحين ثار الشعب السوري لينتقل بسوريا نحو دولة مدنية ديموقراطية, اتهمتم الشعب الثائر بالطائفية والمؤامرة والخيانة , قتلتم نصف مليون سوري واعتقلتم مثلهم ودمرتم مدن بكاملها على رؤوس اهلها استخدمتم كل صنوف الاسلحة التي خزنتموها لسنوات طوال من عرق وتعب وجهد الشعب السوري  ,هجرتم الملايين واستعنتم بكل المليشيات الطائفية التي هي على شاكلتكم وفتحتم سوريا للاحتلال الايراني وللمليشيات الطائفية ,  من اليوم الأول " قلتم الاسد او نحرق البلد " خونتم كل الشعب السوري وكل العرب وكل  العالم وكل من قال لكم كفى قتل كفى فساد كفى ظلم  ارحلوا عن السلطة ودعوا الشعب يبني وطناً حراً  , فمن هو الطائفي؟ الشعب ام انتم يامن لم يعرف التاريخ خيانة بحجم خيانتكم!!!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان