ربما يتضّح، الآن، من يقاتل الشعب السوري، حيث تعلن السلطة السورية أن من يقاتل في المعركة الدائرة في درعا حزب الله والحرس الثوري الإيراني، بقيادة قاسم سليماني. وكان حزب الله قد أعلن أنه الذي خاض معركة القصير، ثم شاركت قواته، ومليشيا طائفية عراقية ومليشيات أخرى طائفية من أفغانستان وباكستان واليمن، والحرس الثوري، في كل المعارك، ولم يكن يعلن ذلك، على الرغم من القتلى ونعي الحزب لهم، والفيديوهات التي توضح مشاركتهم وقتل بعضهم.
الآن، يظهر أن من يخوض الحرب ضد الثورة في سورية إيران وأدواتها الطائفية. كانت قطاعات للجيش من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري تشارك في معارك سابقة، وكان ذلك يشير إلى أن ضعف الوضع العسكري للسلطة، وعدم قدرته على حمايتها وضمان استمرارها. نلمس، الآن، أن الوضع العسكري للسلطة بات أسوأ، حيث باتت قوى خارجية تدافع عن السلطة، وتحاول ضمان استمرارها. إذن، باتت المعركة مع إيران وأدواتها الطائفية، هذا هو مختصر الوضع السوري بعد أربع سنوات من الثورة.
قاتلت السلطة الشعب بالفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والشبيحة والأجهزة الأمنية، منذ بدء الثورة، وحاولت إدخال قطاعات عسكرية أخرى، لكن انعكاس الثورة على الجيش فرض عليها أن تحجز أولئك في معسكرات مغلقة، فتبقى تقاتل بتلك الفرق التي ضمنت ولاءها. لكن توسع الثورة وقوة الصراع استهلك تلك الفرق والشبيحة، فأخذت تعتمد، شيئاً فشيئاً، على قوى خارجية، وهي، الآن، تقرّ بأن من يقاتل الشعب هو إيران وأدواتها الطائفية، وتتهم الجيش بالخيانة، بعد سقوط الفرقة 82 في درعا.
بات واضحاً أن إيران وأدواتها الطائفية تسيطران على سورية، وأن السلطة واجهة لتلك السيطرة، ومن ثم بات الصراع في سورية يرتبط بالصراع الإقليمي والدولي بشكل مباشر، حيث أصبحت جزءاً من الأوراق التي تفاوض إيران بها في إطار الصراع/ التوافق مع أميركا تحديداً. ويبدو أنها تتقرّب من الحدود مع الدولة الصهيونية، من أجل "زيادة أوراق التفاوض"، وربما كان ذلك سبب الإعلان عن قيادة إيرانية لقوات حزب الله والحرس الثوري التي تحاول استرجاع القنيطرة. لكن هذا الإعلان أوضح أن السلطة باتت محمية بقوات إيرانية، أي أنها انتهت كسلطة قاتلت بقواتها، وأن الشعب السوري بات يواجه قوات إيران وأدواتها الطائفية، والدعم العسكري الروسي. وأن الغطاء الذي تتخذه إيران وأدواتها هو "المسألة الوطنية"، ويبدو أن عجزها عن مواجهة الثورة، منذ بداية سنة 2013 (بعد المساعدات التقنية والمالية في الفترة الأولى من الثورة)، وتعاظم خسائرها يدفعها إلى هذا اللعب بالمسألة الوطنية، على الرغم من أن هدفها، كما أشرت، تعزيز التفاوض مع أميركا.
وإذا كانت الثورة انطلقت من أجل تغيير النظام، وتحقيق مطالب شعبية، فقد باتت جزءاً من الصراعات الدولية، حيث تتصارع قوى متعددة للحصول على مصالح، أو تثبيت وضع جيو إستراتيجي. هذا ما يجعل إيران تدخل بثقلها في الصراع، تنفيذاً لقول المرشد علي خامنئي إن طهران لا تسمح بسقوط النظام السوري. وربما ترسل قوى أكبر من الحرس الثوري، كلما ضعفت السلطة وعجزت عن حسم الصراع. ومعركة درعا مفصلية من هذه الزاوية، حيث لا بد من أن تقود إلى كسر قوات حزب الله وإيران، وبالتالي، كسر الطموح الإيراني بالحفاظ على السلطة والمساومة على الورقة السورية.
سمح "الغباء الاستراتيجي" لكل من حزب الله والنظام في إيران بتحقيق التكتيك الأميركي الذي قام على استهلاك قوى هؤلاء في سورية. فهذه القوى تستهلك، حيث تتعرض لخسائر كبيرة، وتستهلك سياسياً لأنهما يظهران قوة احتلال، وقوة دفاع عن نظام مافياوي يرفضه الشعب ويريد تغييره. ربما مصالح السلطة الإيرانية هي ما يؤسس لهذا الغباء، لكنها دولة تريد حفظ مصالحها التي تتحقق بالتصالح مع أميركا.
تفيد الأخبار الميدانية القادمة من جنوب سوريا أن عماد القوات التي تقاتل دفاعاً عن نظام دمشق الكيماوي يتشكل من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني ومن مرتزقة أفغان، بقيادة مباشرة من ضباط إيرانيين على رأسهم، كما يتردد، الجنرال قاسم سليماني الغني عن التعريف.
بصرف النظر عن مرور سنوات على الانخراط الإيراني المباشر، كما بواسطة أتباعه اللبنانيين والعراقيين وغيرهم، في الحرب الداخلية السورية، ينطوي الهجوم الإيراني الأخير على الفصائل السورية المتمردة، قريباً من الحدود الإسرائيلية، على دلالات نوعية جديدة، لا يمكن فصلها عن الهجوم الذي نفذته طائرات حربية إسرائيلية، الشهر الماضي، على موكب لعناصر قيادية من حزب الله بقيادة جنرال إيراني، قتلوا فيها جميعاً. فبهذه العملية الاستخبارية البالغة الدقة، سعت إسرائيل إلى وضع خط أحمر لحزب الله في المنطقة المتاخمة لحدودها مع سوريا حيث الغياب شبه الكامل لجيش النظام الكيماوي. الحزب الذي صدمته هذه الطعنة في الظهر، فيما هو منهمك في حربه السورية، لم ينجر إلى ردة فعل غير محسوبة، بل استغرق منه الحساب الدقيق بعض الوقت، ثم رد في شبعا ـ لا في القنيطرة- في عملية لا تتجاوز رد الاعتبار أمام جمهوره الطائفي. ولم يخرق الخط الأحمر الجديد الذي رسمته له إسرائيل في رسالتها القاسية.
تتحدث بعض التحليلات الوجيهة عن هدف إسرائيلي آخر من عملية القنيطرة، يتمثل في التخريب على الدفء الطارئ على العلاقات الإيرانية- الأمريكية بمناسبة المفاوضات على الملف النووي الإيراني. تقع في السياق هذا الدعوة التي تلقاها بنيامين نتانياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس من نواب جمهوريين غير متحمسين لاندفاعة أوباما الجامحة نحو تطبيع العلاقات مع طهران. ومعروف أن هذه الدعوة التي جرت من وراء ظهر الإدارة قد أثارت استياء الرئيس الأمريكي.
صحيح أن حسن نصر الله الذي خرج من صمته بعد رد قواته على عملية القنيطرة بعملية شبعا، رفض ما أسماه «تغيير قواعد الاشتباك» الذي سعت إسرائيل إلى فرضه على حزبه في الجولان، وأعلن حقه في الرد على إسرائيل «في أي مكان وزمان»، لكن عملية شبعا قالت خلاف ذلك، فأخبرتنا أن الحزب ملتزم بالخط الأحمر الإسرائيلي في جنوب سوريا.
وكشفت العملية الإسرائيلية في القنيطرة عن أمر آخر هو اتصال إيران بالإدارة الأمريكية بشأن «حق حزب الله في الرد على إسرائيل» كما أعلن وزير الخارجية الإيراني رسمياً.
أما ما لم يعلن عنه من فحوى التواصل الإيراني ـ الأمريكي هذا، فيمكننا تخمينه بغير صعوبة: وهو أن وجود حزب الله ـ الإيراني في جنوب سوريا ليس موجهاً ضد إسرائيل، بل ضد المجموعات المسلحة المناهضة لنظام دمشق الكيماوي المنتشرة في تلك المنطقة. إذا كان هذا التبرير مقنعاً لواشنطن، فهو ليس كذلك في نظر إسرائيل المهجوسة بـ»أمن حدودها الشمالية».
ثم كانت تلك العملية الوحشية التي أعدمت فيها داعش الطيار الأردني الأسير لديها معاذ الكساسبة. فاندفعت القيادة الأردنية إلى ردة الفعل الانتقامية بإعدام اثنين من إرهابيي منظمة القاعدة الموجودين في السجون الأردنية، وبتكثيف الغارات الجوية الأردنية على مناطق سيطرة داعش في شمال شرق سوريا، مدينة الرقة خصوصاً. ولكن بعد تجاوزه فورة الغضب الأولية، أخذ الأردن يطرح مع حلفائه، واشنطن والعواصم الاقليمية الحليفة، خيارات أكثر جدية من مجرد ردات فعل انتقامية موجهة إلى الرأي العام المحلي. من ذلك ما يقال عن دراسة خيار التدخل العسكري البري الغائب، إلى الآن، عن الحرب الدولية الجوية على داعش. فإذا كان للتحالف الدولي، في العراق، شركاء محليون جاهزون لقتال رجال البغدادي على الأرض من قوات كردية وشيعية وجيش عراقي تابع للحكومة المركزية، ولملء الفراغ الذي من المفترض أن يتركه التنظيم حيثما اندحر، فليس في سوريا، إلى الآن، هذا البديل. وتبدو الخطة الأمريكية المعلنة لتدريب خمسة آلاف من «مقاتلي المعارضة المعتدلين» بعيدة عن تحقيق نتائج سريعة للرد على التحديات التي تطرحها داعش على العالم كل حين.
وهكذا يصبح منطقياً طرح خيار التدخل العسكري البري لملاحقة عناصر داعش والمنظمات الجهادية الأخرى التي أصبحت قريبة من الحدود الأردنية (جبهة النصرة بصورة خاصة). هذا ما يمكن استنتاجه من «مقالات رأي» في الصحف دعت بصراحة إلى توغل عسكري أردني في عمق الأراضي السورية.
ربما هذا الاحتمال هو ما أثار فزع النظام الكيماوي وولاته في طهران، فسارعوا إلى شن ما أسموه «معركة الحسم».
نلاحظ، بالمقابل، أن الخلاف الأمريكي ـ التركي حول سوريا، ما زال يمنع القيادة التركية من أحلام التدخل الفعال، على رغم شعورها بالخطر الكردي، بعد تحرير كوباني من قوات داعش على يد قوات حماية الشعب الموالية لأوجلان. وإذا كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر قد دعا، في مقالة صحافية، بصراحة، إلى إطلاق يد الجيش التركي ليقوم بغزو بري داخل الأراضي السورية «لاقتلاع كل من داعش ونظام الأسد» فهذا ما يمكن تصنيفه في إطار ضغوط الحزب الجمهوري على الإدارة الديمقراطية استعداداً للجولة المقبلة من التنافس بين الحزبين في الانتخابات الرئاسية، أكثر من كونها اقتراحاً يؤمن صاحبه بجدواه العملية.
يدرك السوريون، تماماً، أن العالم لن يتحرك لا عسكرياً، ولا حتى وجدانياً، لينتصر لأبرياء دوما الذين أحرقتهم نار الأسد الحاقد، وأتت على شيخهم وطفلهم بقصدية مطلقة، وسط تهليل وابتهاج ونشوة من آكلي لحوم البشر من الشبيحة الطائفيين و"الممانعين"، وليس آخرهم، ولا أوحدهم، رائدة الفبركات والتشفّي، غدي فرنسيس، التي أطلقت عبارتها الساخرة "دوما مشوية" وأتبعتها بعبارة أشد على النفس من الموت نفسه، وكأنها مصرة على السخرية من موت الأبرياء، لتزيد: "دوما مسلوقة"..
ولا يبدو ذلك غريباً في زمن بشار، فالإعلاميون المفترضون على قرع طبله يرقصون، ويسوقون للعالم أفكاراً يخجل من طرحها حتى المجانين والحمقى. فمنذ يومين، خرج علينا "إعلامي عالمي" كما قدمه تلفزيون الأسد، يدعى مصطفى بربر، قصَّ على مسامعنا ما تعجز عن فهمه وإدراكه أعتى العقول العلمية حول جهاز "آي فون" ذي الخصائص الخارقة الذي أدخله شخص سوري قادم من الخليج، لتتبعه المخابرات التركية والعالمية وتختطفه، ثم يطلقه مسلح سوري، ضميره حيّ، في رواية غرائبيةٍ، لا يمكن شرحها، لأنه لا يمكن فهمها.
إلا أن بربر وفرنسيس وأساتذتهما، لن يستطيعوا الوصول إلى أطراف عوالم كذب رئيسهم ووقاحته، وهو الذي أفنى جيشه الباسل مدناً وقرى بأكملها بالبراميل المتفجرة العمياء، وخلال إلقاء العشرات منها، وفي الأثناء نفسها، كان ينفي لقناة بي بي سي علمه بوجودها، أو استخدام جيشه لها.
يجب، إذن، على العالم أن يكذّب عيونه وكاميراته وشهوده، وعلينا أن نكذّب المؤيدين الذين يتغنون بالآلاف بالبراميل، ويجب أن نكذب الموتى، ونجعلهم يبتكرون أسباباً أخرى لموتهم تناسب السيد الرئيس.
ومع دخول الحرب هذا المدخل الخطير، من إحراق دوما، إلى سخرية الأسد من العالم بأسره، إلى تشفي أزلامه بموت الأبرياء، ماذا تغير، وماذا يمكن أن يتغير؟
أكثر الأجوبة إيلاماً هو الاحتمال الراجح، لن يتغير شيء.. فردود فعل العالم على إحراق دوما أقل من باردة، والردود على التصريحات المستهزئة بالإنسان والإنسانية شبه معدومة، عدا توضيحات عادية من وزارة الخارجية البريطانية، لا تؤسس لموقف، ولا يمكن البناء عليها، فهل تخلى العالم عن المسألة السورية نهائياً؟.
حقيقة، العالم كله معنيٌّ بالقضية السورية، كلٌّ حسب ضروراته ومصالحه، فحتى دولة جزر القمر بدت مهتمة عندما أصدرت، أخيراً، قراراً يقضي بمنع السوريين من دخول أراضيها من دون الحصول على تأشيرة وموافقة أمنية، ودول الجوار مشغولة باللاجئين وهمومهم ومتاعبهم، وكذلك أوروبا التي تصب اهتمامها على إعادة توطين ما يمكن من السوريين، وإطفاء الحرائق العنصرية الناشئة تجاههم، وأقرانهم في مجتمعاتها، غير متقاعسة في دورها العسكري المحصور في محاربة داعش، ضمن التحالف الدولي، أما الولايات المتحدة فتبدو موجودة في كل التفاصيل، ولكن بلا فاعلية، وهذا ما سارت عليه سياسات أوباما المترددة، تحت عنوان "فلنتجاوز كل ما يمكن أن يخلق تفرقة".
وفي الجانب الآخر، تلقي روسيا بثقلها السياسي كله في الميدان، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتطلق الحبل على غاربه للحليف الإيراني، ليقود المعركة بشكل سافر على الأرض، مستخدماً نظامه الديني في استقطاب المقاتلين الطائفيين من أركان الدنيا الأربعة، في ما يبدو بالنسبة لها معركة حياة أو موت، فخسارة سورية ستقوّض حلم الإمبراطورية، وتجعل مكاسبها في اليمن مبتورة، ما لم تستطع تطويق الخليج العربي من بوابة الأردن.
وعلى هذا، فمن ذا الذي ينتظر السوريون تدخله؟ ومن ذا الذي بقي خارج اللعبة؟
العالم جُلُّه موغلٌ في المقتلة، ودم دوما يعني السوريين وحدهم، وتدرك الأنظمة التي تدير حرب الأسد أن مزيداً من المجازر لن يغير الاصطفافات والأولويات. والانطلاق من هذه الحقيقة، بالنسبة للسياسيين والعسكريين في المعارضة، ربما يوفر كثيراً من دم الأبرياء، إذا ما أحسنوا إدارة القضية، ومخاطبة العالم بلغة المصالح، بدل الندب والتذكير بجرائم الأسد، فالعالم كله يسمع ويرى ويعرف، ولكن، وحدنا نتألم ونموت.
صحيح أننا صُدمنا لهول قتل 21 مصرياً قبطياً على يد تنظيم "داعش" الارهابي، وقبلهم الطيار الاردني معاذ الكساسبة، وقبله ايضا عسكر لبنانيون قتلهم التنظيم الارهابي الآخر "جبهة النصرة"، وهالنا مشهد القتل في مكاتب جريدة "شارلي ايبدو" الفرنسية، لكن الكارثة الحقيقية التي دخلت في يومياتنا ولم تعد مثيرة للاهتمام، تكمن في المشهد السوري الداخلي وتداعياته. فالحرب اللبنانية خلفت نحو 200 الف قتيل وجريح ومفقود على مدى 15 عاماً، اما الحرب السورية فأصابت ما يزيد على 200 الف قتيل ونحو 200 الف مصاب في اقل من 4 سنوات، وهي مستمرة وفق وتيرة تصاعدية، وليس ما يوحي بقرب ايجاد تسوية لها، مما يعني مزيدا من الضحايا.
والى القتلى والمصابين، تبرز أزمة اللاجئين والنازحين، وتشير تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن ما يقرب من نصف السوريين (البالغ عددهم نحو 26 مليونا) اضطروا إلى مغادرة ديارهم، والفرار للنجاة بحياتهم، بسبب تعرض السكان في بعض المدن للحصار والجوع، فيما يجري استهداف المدنيين وقتلهم من دون تمييز.
وتشير مفوضية اللاجئين إلى أن واحداً من بين ثمانية سوريين على الأقل، فروا عبر الحدود، وهو ما يزيد تماماً على ثلاثة ملايين شخص، إضافة إلى وجود نحو 6 ملايين و500 ألف نازح داخل سوريا، وأكدت أن أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين والنازحين من الأولاد.
وتلفت المفوضية إلى أن الأغلبية العظمى من اللاجئين السوريين ما تزال تتمركز في البلدان المجاورة، حيث يأتي لبنان في المقدمة بنحو مليون و400 ألف، تليه تركيا بنحو مليون، ثم الأردن بنحو 700 الف لاجئ.
لكن معادلة الارقام لا تكفي، لأنها جامدة وجافة، فالكارثة تكمن في الظروف التي يعيش فيها هؤلاء، سواء في بلدان اللجوء او حتى في الداخل السوري، حيث نزحوا ولم تتوافر لهم الاقامة الجيدة، والخدمات الانسانية، بل ان بعضهم يضطر الى النزوح المتكرر وفق سير المعارك.
في لبنان، حلّ الشتاء قاسياً هذه السنة، والثلوج التي قاطعت قممنا العام الماضي، تساقطت بكثافة مصحوبة بعواصف اقتحمت المنازل، وخربت مرافيء للصيادين، ومنتجعات سياحية بحرية، واقتلعت اشجارا، ومعها خيم اللاجئين. المشهد لم يكن انسانيا على الاطلاق، اذ يتفاقم القتل، وهو قتل معنوي، ومعه يبرز عجز لبناني متراكم، يصيب لبنانيين بشظاياه، ويضاف اليه تقصير المجتمعين الدولي والعربي، ومنظمات الاغاثة الاممية عن توفير ادنى مقومات العيش.
ازمة اللاجئين السوريين لا يُسأل عنها اللبنانيون والاردنيون الذين يعانون من اقتصادات نموها يلامس الصفر، بل يُسأل المجتمع العربي اولا بما يملك من امكانات وثروات نفطية، والعالم الاسلامي ايضا الذي يزايد في المواقف، واخيراً الضمير الانساني العالمي.
من يراهن على أن بشّار الأسد “جزء من الحل”، كما يقول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، إنّما يراهن على بقاء “داعش”، لا لشيء سوى لأنّ “داعش” والنظام السوري وجهان لعملة واحدة. كل منهما يعمل في خدمة الآخر.
من هذا المنطلق، يفترض بدي ميستورا توضيح كلامه نظرا إلى النظام السوري علّة وجود “داعش”، هو والذين يدعمونه في موسكو وطهران. مثل هذا الدعم هو الذي يوفّر الحاضنة التي مكّنت “داعش” من التمدّد في سوريا والعراق، في ظلّ فراغ كبير اسمه السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما. هذه الإدارة التي يبدو أنّها تعمل كلّ شيء من أجل تفتيت الشرق الأوسط وإعادة رسم خريطته من منطلقات جديدة.
يمكن لإدارة أوباما، التي تعرف قبل غيرها أن لا مستقبل لـ”داعش”، استغلال وجود هذا التنظيم إلى أبعد حدود. ولذلك نراها تضع خطة مدّتها ثلاث سنوات للانتهاء من “داعش”، في حين أنه في الإمكان محوه من الوجود في حال وجود نيّة حقيقية لذلك.
في النهاية، يمكن لتنظيمات من نوع “داعش” أن تتمدّد لبعض الوقت ولكن لا يمكن أن تتمدّد إلى ما لا نهاية. هناك مخلوقات غير طبيعية لا مكان لها في هذا العالم مهما حاولت وفعلت، ومهما تطاولت على الواقع والحقائق التي لا مجال لتجاوزها.
يمكن لـ“داعش” الاستفادة إلى حدّ كبير من النظام السوري والدعم الإيراني والسياسة الأميركية المضحكة المبكية لإدارة أوباما. لكن لا مكان مستقبلا لمثل هذه المخلوقات التي تشبه الإرتكابات أكثر من أيّ شيء آخر.
ليس “داعش” سوى ارتكاب. معروف من بدأ الارتكاب، ومعروف من دعمه، ومعروف من المستفيد منه. من شجّع “داعش” في البداية كان النظام العراقي أيّام صدّام حسين. وقتذاك، لم يكن هناك “داعش” أو غير “داعش”. كانت هناك “القاعدة” وما هو متفرّع عن “القاعدة”. كان صدّام، الذي وقف على رأس نظام عائلي بعثي، يعتقد أن في استطاعته مقاومة الأميركيين عند دخولهم العراق، وأنّ تنظيمات إسلامية متطرّفة ستمكّنه من الصمود. لم تكن هذه التنظيمات سوى أدوات. لم يكن “أبو مصعب الزرقاوي”، الذي هو في أساس “داعش”، سوى أداة موروثة استخدمها النظامان السوري والإيراني في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للعراق قبل ما يزيد على عشر سنوات. كان مطلوبا بعد دخول الأميركيين بغداد والمناطق الأخرى العمل على إخراجهم من العراق والانتهاء من وجودهم العسكري والسياسي في البلد. كان ذلك عائدا إلى سببين الأوّل سوري والثاني إيراني.
كان النظام السوري يخشى، بعد 2003، من أن يتحوّل العراق بلدا طبيعيا يمكن أن يكون نموذجا لما ستكون عليه دول المنطقة. فشل الأميركيون فشلا ذريعا في مشروعهم العراقي. بات المواطنون العراقيون اليوم يترّحمون على نظام صدّام حسين الذي لم يكن لديه ما يقدّمه لهم سوى مزيد من العذابات والبؤس والحروب والمعارك التي لا أفق لها من نوع مغامرة الكويت التي ارتدت عليه.
لكنّ نظام صدّام كان على الأقلّ ضامنا لحد أدنى من الأمن والأمان لمواطن ترتّب عليه قبول حياة الذلّ التي فرضها عليه. الآن، هناك ما هو أسوأ من حياة الذلّ في العراق في ظلّ خروج الغرائز المذهبية من عقالها، وما رافق هذا الخروج من انتشار للميليشيات المذهبية التي لا همّ لها سوى القيام بعمليات تطهير عرقي، في هذه المنطقة أو تلك، خدمة للسياسة الإيرانية القائمة على الاستثمار في المذهبية.
كان الخوف السوري من انتقال الديمقراطية من العراق إلى سائر دول المنطقة. لذلك كان على بشّار الأسد العمل بكلّ الوسائل من أجل إفشال المشروع الأميركي الأصلي الذي سقط بسبب جهل إدارة بوش الابن للواقع العراقي، وما يمثّله هذا البلد على صعيد التوازن الإقليمي. لم يكن الفشل صعبا في ظلّ وجود منظمات إرهابية في العراق، في حاجة إلى من يغذّيها ويدعمها انطلاقا من سوريا، وفي ظلّ وجود إدارة أميركية أوكلت أمور العراق إلى شخصيات من نوع بول بريمر. لم يدرك بريمر معنى قانون “اجتثاث البعث” والنتائج التي ستترتّب عليه، أو معنى حل الجيش العراقي وما سيجلبه من كوارث أوصلت إلى إيجاد حاضنة لـ”داعش” في المناطق السنّية.
كان مفهوما أن يكون لدى النظام السوري هواجسه. فهذا النظام عاش على الاستثمار في غباء البعث العراقي، وغباء صدّام تحديدا. استطاع حافظ الأسد استغلال هذا الغباء إلى أبعد حدود، خصوصا في علاقاته مع دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية.
كانت لدى إيران حساباتها التي تتجاوز النظام السوري. كان لدى الإيرانيين همّ السيطرة على العراق. إنّها سياسة إيرانية بعيدة المدى تقوم على استغلال الحرب الأميركية على العراق إلى أبعد حدود.
ما نشهده اليوم يتجاوز السياستين السورية والإيرانية. قلبت “داعش” الطاولة، لكنّها لم تدرك أن لا مكان لها على خريطة الشرق الأوسط. كلّ ما تستطيع “داعش” أن تفعله، بفضل السياسة التي تتبعها إدارة باراك أوباما هو إطالة عمر النظام السوري.
هذا يعني في طبيعة الحال العمل على تفتيت سوريا. هل من عاقل ما زال يظنّ أن في الإمكان إعادة تأهيل نظام أقلّوي شرّد نصف الشعب السوري؟ هل في استطاعة دي ميستورا والذين يقفون خلفه استيعاب هذه المعادلة التي تعني، أوّل ما تعني، أنّ الحل في سوريا يبدأ بخروج بشّار الأسد من السلطة لأنّ ذلك سيؤدي إلى إضعاف “داعش” وكلّ من سار في خط هذا التنظيم الإرهابي.
عاجلا أم آجلا، سيؤدي “داعش” المهمة المطلوبة التي ستقود إلى الانتهاء من سوريا. هذه مهمّة مطلوبة من النظامين السوري والإيراني، ومن إدارة أميركية لا تعرف شيئا عن المنطقة، خصوصا عن سوريا. سيكون هناك تركيز أميركي، أكثر فأكثر، على “الدولة الإسلامية” وما تشكله من مخاطر.
ولكن ماذا بعد؟ ماذا عن مستقبل سوريا؟ هل من مستقبل للسياسة الإيرانية في سوريا؟ هذا النوع من الأسئلة هو الذي تتجنّبه إدارة أوباما التي ترفض، هي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الذهاب إلى حدّ التساؤل: لماذا كانت “داعش” ولماذا شجّع النظامان في سوريا وإيران مثل هذا النوع من التنظيمات؟
ولكن من قال أنّ إدارة أوباما تريد حلّا في سوريا؟ من قال أنّ دي ميستورا مهتمّ، فعلا، بمستقبل سوريا والسوريين وملايين المشردين وبالبراميل المتفجّرة التي تقتل يوميا العشرات؟ أين المشكلة بالنسبة إليه ما دام النظام السوري يعيش على حساب “داعش”، فيما “داعش” تتمدّد بفضل الحاضنة التي تؤمنها سياسات تقوم على الاستثمار الإيراني في الغرائز المذهبية؟
بكثير من الدهشة تلقى الإعلام العربي والأميركي الرسالة السرية التي بعث بها المرشد الأعلى الإيراني إلى الرئيس الأميركي، والتي كشفت عنها صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية مؤخرا، وكأنها حدث مفاجئ. وقد أخطأ كثير من المحللين العرب والأجانب حين اعتبروها دليلا على بدء تفاهم سري بين نظام الولي الفقيه وإدارة أوباما، ناسين تاريخ ولادة هذا التفاهم، وظنوها نتيجة الظروف التي أوجدها داعش في العراق وسوريا والمنطقة.
والحقيقة أنها ليست من اختراع أوباما، بل هي أقدم منه، وبالتحديد من أيام الغزو الصدّامي للكويت عام 1990. ولمن نسي أيام مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة وأسرارها نسرد له ما يلي.
إن إيران وسوريا دون غيرهما، أمسكتا بأحزاب المعارضة العراقية وتجمعاتها الشيعية، والكردية العراقية، والبعثية العراقية السورية، واحتكرت قيادتها، تنظيميا وسياسيا، من أيام لجنة العمل المشترك التي أعلن عن تأسيسها في 27 ديسمبر 1990 بمبادرة ورعاية من مخابرات النظام السوري ومخابرات الولي الفقيه، ومنعت أية جهة عراقية أو عربية أو دولية أخرى من اقتحام قلاعها.
إلا أن الولايات المتحدة بدأت محاولاتها لإيجاد موقع قدم لها داخل هذه المعارضة من أوائل 1991 وتحديدا في مؤتمر بيروت، من خلال علاقتها القديمة بالحزبين الكرديين، وعلاقتها الجديدة بمعارضين عراقيين آخرين، منهم إياد علاوي وأحمد الجلبي، بشكل خاص. وسرعان ما تحقق لها اقتسام الإشراف على نشاطات المعارضة العراقية، مع المخابرات الإيرانية والسورية، حتى أصبحت مؤتمرات المعارضة محصورة في أتباع إيران وبعثيي سوريا وحلفاء أميركا.
حتى أن الإدارة الأميركية خصصت سفراء متفرغين للإشراف على شؤون المعارضة، بقبول من سوريا وإيران. وتوج ذلك بما سمي يومها ”المؤتمر الوطني الموحد” بقيادة أحمد الجلبي، الذي أسس لمؤتمر لندن ديسمبر 2002، ثم في صلاح الدين في فبراير 2003 اللذين حددا شكل الحكم العراقي القادم وحصص كل فريق فيه، وهو ما ظل قائما حتى اليوم.
وقد عجز كثير من العراقيين والعرب عن تفسير إصرار إدارة بوش الأب (الجمهورية) وإدارة كلينتون (الديمقراطية) ثم إدارة بوش الابن (الجمهورية) وتبعتها إدارة أوباما (الديمقراطية) على احتضان أحزاب وميليشيات عراقية يعلم الأميركيون بأنها تابعة لإيران، بل إن بعضها إيراني من الولادة.
وينبغي أن ننوه بأن هناك أحزابا وشخصيات شيعية عراقية لا علاقة لها بإيران وترفض الانقياد لنظام الولي الفقيه، أقصيت عن جميع مؤتمرات المعارضة السابقة، ومنعت من المساهمة في الحكم الجديد، وفرض عليها تعتيم منع صوتها من الوصول إلى الجماهير العراقية حتى لفها النسيان. بل إن بعضها تعرض لتصفيات جسدية من قبل عملاء مخابرات إيران أو من وكلائها العراقيين.
الخلاصة أن أميركا لم تُخدع بأولئك القادة، ولا بارتباطاتهم وأهدافهم. فإدارة قوات التحالف لم تمنع انزلاق العراق إلى الخراب الذي جاء على أيدي حلفائها الإيرانيين والسوريين، وهي ترى، منذ الأيام الأولى للغزو، قادة الأحزاب الشيعية المُصنّعة في إيران يستقبلون علنا آلاف المسلحين الداخلين إلى العراق من إيران، بذريعة أنهم مواطنون عراقيون مبعدون إلى إيران من قبل النظام السابق، وهي تعلم أنهم أعضاء ميليشيات لا تخفى هوياتها ولا نشاطاتها.
وحين انتهت صلاحية مجلس الحكم وعُين إياد علاوي رئيسا لوزارة ما سُمي بعهد (نقل السيادة) كانت إيران قد تحولت إلى قوة فاعلة في العراق، تفرض أتباعها على الرئاسات والوزارات والسفارات ومجالس المحافظات والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، على مسمع ومرأى من القيادة الأميركية الحاكمة في العراق. وهاهو العراق اليوم، لا يستطيع أيٌ كان، حتى لو كان الرئيس الأميركي نفسُه، أن يأخذ مكانا في صدارة السلطة في العراق إذا لم يحصل على موافقة إيران.
فهل إن رسالة خامنئي لأوباما تؤسس اليوم، فقط، لسياسة مهادنة أميركية إيرانية في العراق والمنطقة لمحاربة داعش، أم أن هذه السياسة راسخة قبل داعش بسنين؟
أثبت إرهابيو داعش تفوقاً في عرض القوة السادية على أنظمة القمع العربية التي، على عكس داعش، تعمل على طمس جرائمها، أو توليفها بما يبرر ارتكابها تحت عنوان حماية الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب أو... بين إرهابين وساديّتين. بات المشهد متبايناً بين صنفين من الضحايا: ضحايا الشكل الأول من القتل الإرهابي، وهم أكثر "شهرة"، يفرد لهم الإعلام المحلي والدولي إطارا رومانسياً لتكريم معاناتهم، وضحايا الإرهاب الثاني المغيّبون في تعتيم الأنظمة وأبواقها الإعلامية التي تتغنى بالقتل، وتروّجه على أن ضحاياه هم أنفسهم المبرر لقتلهم. ولكلا المعسكرين مؤيدوه، علناً أو ضمناً، جزئياً أو كلياً.
لم يبتدع إرهابيو داعش جديداً في وسائل العنف التي اختبرتها قبلهم أنظمة عربية، ولا تزال، في تعاطيها مع المعارضين الموصوفين بـ "الإرهابيين" أو "الخونة". أقلها الاعتقال الاعتباطي والتوقيف مدداً طويلة، إلى ما هنالك من أشكال التعذيب في السجون، إلى قتل المتظاهرين، واستخدام القضاء لتوقيع عقوبات غير قانونية، أو متكافئة، إلى اغتيال المعارضين في أشكال مبتكرة من العنف، وإفناء مجموعات بكاملها، باستخدام الغاز الكيماوي أو القصف ببراميل البارود... لا يحظى ضحايا الإرهاب الثاني بفرصة مشهدية قتل ضحايا الإرهاب الأول، حيث تبدع داعش في "إبهار" مترقبي جرائمها، وتأسر شاشات وسائل الإعلام الدولية، في حين تبقى التغطية الإعلامية لضحايا الإرهاب الثاني خجولةً، لغياب التوافق على أهميتها، أو غائبة تماماً بفعل اعتبار الضحايا "خونة"، يستأهلون العقاب.
في محاولة مزاح سمجة، شبّه بشار الأسد براميل البارود التي تلقيها قواته على رؤوس المواطنين بـ "أواني الطهي"، وفي عرف نظام الأسد الاستبدادي، أن ضحايا براميل البارود غير موجودين أصلاً، وأن وقع هذه البراميل لا يعدو كونه أكثر إيلاماً من أواني الطهي. في حين تواصل قوات النظام إلقاء "أواني الطهي" على رؤوس المواطنين، لا يجد الضحايا منفذاً إلى وسائل الإعلام المشغولة بمتابعة آخر ابتكارات داعش في القتل المشهدي المروع.
في مشهد آخر، غير بعيد، قضى أكثر من ألف مواطن مصري في عملية القمع الدموية للمتظاهرين المؤيدين لجامعة الإخوان المسلمين في اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس/آب 2013 على يد قوات الأمن. لم نعرف الكثير عن هؤلاء سوى توصيف الإعلام المصري لهم بـ "الإرهابيين"، وتصوير قتلهم على أنه إنقاذ للدولة من الخوارج عليها. لم تصبح كلمة "مذبحة" متداولة في أوساط معارضي النظام العسكري، إلا بعد أن أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تقريرها الذي أكد عمليات القتل الواسعة، والمعدة مسبقاً، لمتظاهرين، غالبيتهم العظمى مسالمون. بقيت وجوه الضحايا في العتمة، كما هي حال المعتقلين الإسلاميين، اليوم، في السجون المصرية، إذ لا نعرف شيئاً عن هؤلاء سوى أنهم من "الإخوان"، بحسب تصنيف الإعلام المصري، ما يعني أنهم لا يستأهلون الأضواء الإعلامية، ولا منصب "الضحية" الرومانسي والعاطفي.
وكان مقتل الناشطة شيماء الصباغ في تظاهرة سلمية، في الذكرى الرابعة للثورة المصرية، قد أثار اهتماماً محلياً وعالمياً، عكس التباين في صورة ضحايا القمع بين الاهتمام بأحكام السجن القاسية بحق نشطاء الثورة ومقتل بعضهم برصاص الأمن في تظاهرات سلمية، وبين التجاهل العام لمصائر مجموعات كبيرة أخرى، تخضع للمعاملة نفسها، من قتل برصاص الأمن واعتقالات اعتباطية، وأحكام اعتباطية بالسجن مدداً طويلة، وحتى بالإعدام... في عرف الرأي العام، لا تستوي المجموعتان في حقوق المواطنة، وفي حقوق الإنسان، ما يبرر الصمت على الانتهاكات بحق المجموعة الثانية التي تصنف في خانة "غير المرغوب بها"، ما يعني أن التنكيل بها لا يستأهل أكثر من السكوت، إن لم يكن التأييد.
بين وحشية إرهاب داعش ووحشية إرهاب الأنظمة، ينقسم "مشاهدو" العرض بين فريقين: الأول تستفره صور الإرهاب الداعشي، ويرى في ذلك مبرراً للمزيد من القمع، على أيدي أنظمةٍ، تدعي محاربة الإرهاب، والثاني يخفف من وطأة العنف المروع على أيدي داعش، عبر التذكير المتواصل بضحايا الأنظمة وغيرهم، ممن لا يحظون بالرواج الإعلامي لضحايا داعش. وفي الفهم الضمني للفريقين، فإن القتل أو القمع أمر ممكن تبريره.
"لعل وحشية داعش أثارت في ما أثارت استنكاراً لفرط التركيز على جرائم المجموعة المتطرفة"
إذن، لا يستوي ضحايا الوحشية، لا في عرف مرتكبيها، ولا في عرف الإعلام ناقل الصورة، ولا في عرف متلقي هذه الصورة. ولعل وحشية داعش أثارت في ما أثارت استنكاراً لفرط التركيز على جرائم المجموعة المتطرفة، في حين تحصد جرائم أخرى أعداداً أكبر من الضحايا، وبسادية لا تقل قسوةً، أبرزها جرائم النظام السوري بحق مواطنيه. وكأن المجموعة الإرهابية "خلدت" ضحاياها، عبر مشهديتها الوحشية، في حين لم ينل الضحايا الآخرون حظوة الرثاء الإعلامي والشعبي لهم.
ولعل الذكرى الرابعة للثورات العربية التي انتهت غالبيتها العظمى إلى عنف فوضوي، لا سابق له، مناسبة لإعادة الاعتبار الإنساني لمن سقطوا ويسقطون سهواً خارج أضواء الإعلام التي بالكاد تأتي على ذكرهم، إن لم تذكرهم بالشتائم والشيطنة والتحريض على المزيد من سفك دمائهم.
أثارت تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، التي اعتبر فيها أن بشار الأسد جزء من الحل في سوريا، ردود فعل غاضبة لدى المعارضة السورية ولدى غالبية السوريين.
وفاقم من غضب السوريين تزامن تلك التصريحات مع انهمار صواريخ وبراميل نظام الأسد المتفجرة على رؤوس المدنيين في بلدة دوما، ومع استمرار حربه الشاملة الكارثية التي قضت على أرواح مئات آلاف السوريين وشردت أكثر من نصف سكان سوريا ودمرت مدنا وبلدات عديدة، ومع اقتراب الأزمة السورية من اكتمال عامها الرابع، وهو (الأسد) أصل الأزمة والمسبب والمسؤول الأول عن نتائجها الكارثية المدمرة على السوريين وسوريا.
فقدان الوساطة
"حديث دي ميستورا عن دور الأسد في الحل ليس اعتباطيا، فهو لم يأت من مسؤول سابق أو متقاعد، بل من موفد أممي. ويتضمن حمولات وتغيرات في الموقف الأممي حيال نظام الأسد وحيال الأزمة السورية، ولن تنفع محاولات دي ميستورا نفسه التخفيف من وقع تصريحاته أو تغيير مدلولاتها"
لم تقتصر ردات الفعل على المعارضة السورية، بل لاقت تصريحات دي ميستورا رفضا فوريا من طرف الخارجية الفرنسية، التي اعتبرت أنه لن يكون هنالك تحول في سوريا من دون رحيل الأسد، في حين أكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية جنيفر بساكي أن "موقف الولايات المتحدة لم يتغير، والرئيس السوري بشار الأسد فقد الشرعية ويجب أن يرحل عن السلطة".
وقد حاولت الناطقة باسمه جولييت توما الالتفاف على تصريحاته، واعتبرت أن "بيان جنيف للعام 2012 نقطة الاستناد الأساسية للوصول إلى حل سياسي طويل الأمد للأزمة السورية"، لكنها اعتبرت أيضا أن "على الرئيس السوري والسلطات المساهمةَ في الوصول إلى حل يضع حدا للعنف والمأساة الإنسانية في سوريا".
ثم حاول دي ميستورا بنفسه التخفيف مع وقع كلامه من خلال الاتصال برئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة، في محاولة لشرح وتوضيح التصريح الذي صدر عنه في ختام لقائه بوزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس في فيينا.
ولعل من المستهجن أن يؤكد دي ميستورا لرئيس الائتلاف أن "المقصود من التصريح هو جر الأسد إلى دائرة الحل، وتوريطه ببداية حل سياسي، وليس المقصود منه حرفية التصريح"، لأن في ذلك محاولة للتذاكي مكشوفة وسمجة، وتضمر اللعب على وتر استجرار رأس النظام إلى حل سياس، مقابل إغرائه وتأكيد دوره في الحل، مما يعني بقاءه في السلطة التي يشن حربا من أجلها، بل باع البلد لنظام الملالي الإيراني ولمليشيات حزب الله مقابل الدفاع عنه، ومحاربة السوريين بغية إخضاعهم لنظام الاستبداد والقهر واستمرار بقاء الأسد على رأسه.
والواقع هو أن كلام دي ميستورا عن دور الأسد في الحل ليس اعتباطيا، فهو لم يأت من مسؤول سابق أو متقاعد، كما يفعل الساسة المنتهية مهامهم، بل من موفد أممي، ويتضمن حمولات وتغيرات في الموقف الأممي حيال نظام الأسد وحيال الأزمة السورية، ولن تنفع محاولات دي ميستورا نفسه التخفيف من وقع تصريحاته، أو تغيير مدلولاتها، خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول التحالف الذي تقوده، غيرت أجنداتها وأولوياتها، حيث باتت الحرب على داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) هي الوجهة التي تلتقي فيها الجهود الأميركية والدولية، ولم يعد حل الأزمة السورية يعني الكثير بالنسبة إليها.
ويكشف كلام دي ميستورا موقفا منحازا إلى جانب الأسد ونظامه، مما يعني أن وساطته "الأممية" باتت موضع شك وعرضة للانهيار، خاصة مع إعلان قوى المعارضة رفضها شكلا ومضمونا، واتهامه بمحاولة استرضاء الأسد، لأنه اعتبر أن الأسد "جزء من حل المعاناة السورية"، وأكد على "استحالة تجاوزه"، بل تمادى في القول حين اعتبر أن "بشار الأسد لا يزال هو الرئيس السوري الحاكم"، ولم يقل ماذا يحكم هذا الرئيس؟ وكيف يحكم جزءا من البلاد؟
وتناسى أن من يتحدث عنه متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن تقارير أممية عديدة أكدت أنه ارتكب أبشع المجازر ضد غالبية شعبه، واستخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين العزل في غوطتي دمشق، وبدلا من المطالبة بتقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب، وتحقيق العدالة الدولية، يدعوه السيد دي ميستورا إلى "الإسهام في وضع حد للعنف"، ولأجل ذلك يطمئنه إلى كونه جزءا من الحل في سوريا، وأن نصيبه في السلطة باق ويتمدد.
مسار دي ميستورا
"يتجاهل دي ميستورا عن قصد ودراية دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، كونه المسؤول عن إطلاق سراحهم من سجونه، وانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها"
يكشف مسار مهمة دي ميستورا أنه منذ أن استلم هذه المهمة وهو يحاول نسف الأساس السياسي الذي نهض عليه "اتفاق جنيف 1" يوم 30 يونيو/حزيران 2012، رغم حديثه عن أنه يستند إلى الاتفاق في تحركاته، خاصة فيما يتعلق بهيئة الحكم الانتقالية الكاملة الصلاحيات، وكذلك البنود الستة التي تضمنتها خطة كوفي أنان.
والبديل الذي قدمه هو التركيز على الجانب الإنساني، واختصار الأزمة السورية إلى مجرد أزمة إنسانية، تحقيقا لمقولته التي تعتبر أن "المشكلة الأساسية في سوريا تكمن في الأزمة الإنسانية".
وعلى الرغم من أهمية المسألة الإنسانية في سوريا، التي يجب أن يضمنها المجتمع الدولي دون نقاش أو تردد، فإن ما يطرحه دي ميستورا فيه حرف عن المهمة الأساسية التي أوكلت إليه، المتمثلة في تكثيف جهوده من أجل إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة ويلبي طموحات الشعب السوري، وحيث أخذ دي مستورا يتنصل منها شيئا فشيئا، فطرح جملة من الأفكار التي تبدأ من الأسفل، دون المساس برأس نظام الحكم، وبدلا من وقف شامل للقتال، حسبما نص عليه اتفاق جنيف 1، راح يتحدث عن "تجميد القتال في مناطق محدودة"، مقابل إدخال المساعدات الإنسانية إليها.
وقد طرح دي ميستورا في مرحلة أولى تجميد القتال في أكثر من 15 منطقة سورية، ثم عاد وتراجع عن طرحه، حين لم يلق قبولا لدى الأسد، الذي أشار إليه أن يبدأ التجميد في حلب، وبعدها أخذ يتحدث عن "إيجابية النظام" وترحيبه بخطته، ثم أطلق تصريحات، وقام بعدد من الزيارات إلى دمشق، تصب في سياق رفع مستوى التنسيق مع نظام الأسد إلى مستوى تعويم نظام الأسد وإعادة تأهيله، من خلال إعادة الاعتراف الدولي به، وجعله شريكا في الحرب على داعش، بل راح يطالب المعارضة بالتوحد مع النظام "لمواجهة خطر داعش الذي يتهدد الجميع".
ويتجاهل دي ميستورا عن قصد ودراية دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، كونه المسؤول عن إطلاق سراحهم من سجونه، وانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها.
واستغل المبعوث الأممي الحالي انشغال المجتمع الدولي وتركيزه على الحرب ضد تنظيم داعش، كي يسوق أفكاره، وتتناغم مع الجهود الرامية إلى تحويل كل الجهود نحو هذه الحرب، تحقيقا للإجماع الدولي عليها، بمعنى أنه يسعى إلى تركيز جهود المعارضة والنظام في الحرب ضد داعش، لكن ما يسكت عنه المبعوث الدولي، ويتعامى عنه، هو أن أي حل في سوريا يجب أن ينهي الظلم الذي وقع على غالبية السوريين من قبل نظام الأسد، وأن هذا النظام الظالم لم يخض أية معركة حقيقية ضد تنظيم داعش، بل إنه حين كانت فصائل من الجيش الحر تخوض معارك ضد هذا التنظيم، كانت طائرته تقدم الإسناد والعون له من خلال قصف مواقع المعارضة السورية بالصواريخ والبراميل المتفجرة.
بل الأدهى من ذلك هو أن نظام الأسد سهل لداعش السيطرة على العديد من المواقع، وخاصة في الرقة وريف حلب، في حين أنه كان يدافع عنها بشراسة عندما كانت فصائل الجيش الحر تهاجم تلك المواقع.
المواقف الدولية
رغم رد كل من الخارجية الفرنسية والأميركية على تصريحات دي ميستورا، فإن مواقف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عرفت مؤخرا تغيرا كبيرا من الأزمة السورية.
"بين تعويل نظام الأسد ورهانات دي ميستورا، فإن المسار الذي بدأه السوريون منذ أربع سنوات لن ينتهي إلا بحل سياسي لا دور للأسد فيه، ينهي معاناة السوريين ويلبي طموحات الشعب في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي"
ففي حين كان أغلب الساسة يطالبون منذ أكثر من عامين برحيل الأسد، وكانوا يكثرون من الحديث عن أن أيامه باتت معدودة، يجري اليوم السكوت عن ما يقوم به من جرائم، وفي نفس الوقت يتسم موقفهم بالبرود، وعدم القيام بأي فعل ضده، مع عدم تقديم أي جهد لإنضاج حل سياسي ينهي معاناة السوريين الكارثية، وباتوا يركزون على الحرب ضد داعش بوصفها أولوية قصوى بالنسبة للأمن الوطني لكل بلد من بلدانهم، وأعطوا الضوء الأخضر لساسة روسيا كي يجمعوا في موسكو "معارضين" من أجل النظام مع ممثل النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري في لقاء تشاوري، لم يجر فيه التشاور على شيء يمس جوهر معاناة السوريين.
وقد بارك دي ميستورا مساعي موسكو لإنتاج معارضة سياسية تقبل بوجود الأسد، وهو أمر سعت إليه وهمست به إيران وروسيا أكثر من مرة، لذلك تفاخرت وزارة الخارجية الروسية بموقفه، الذي قيم عاليا لقاء موسكو التشاوري، الذي جرى في الفترة ما بين 26 و29 يناير/كانون الثاني الماضي.
وكان الأحرى بالمبعوث الأممي، احتراما للجانب الإنساني على الأقل، أن يقول ولو كلمة واحدة ضد حرب الإبادة التي يشنها النظام ضد مدينة دوما، القريبة من مكان إقامته، حيث كان يجتمع مع الأسد، بدلا من أن يستفز الضحايا باحتفاله مع مسؤولين إيرانيين بعيد الثورة الإيرانية في دمشق، في خطوة استفزازية لا تتناسب مع طبيعة المهمة الدبلوماسية الحساسة الموكلة إليه، وفي مكان لا يبعد سوى بضعة كيلومترات قليلة عن المدينة التي تتعرض لحملة بربرية شرسة من طرف قوات النظام منذ أشهر وسنوات عديدة.
قد يطمئن كلام دي ميستورا نظام الأسد إلى حين، لكنه لن ينفع في إعادة تأهيله، وإرجاع الشرعية إلى هذا النظام الذي فقدها منذ اليوم الأول للثورة السورية. وبين تعويل نظام الأسد ورهانات دي ميستورا، فإن المسار الذي بدأه السوريون منذ أربع سنوات، لن ينتهي إلا بحل سياسي، لا يمكن للأسد أن يكون له أي دور فيه، بوصفه الحل الذي ينهي معاناة السوريين، ويلبي طموحات الشعب السوري في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي، والسير نحو تحقيق أهداف الثورة في الحرية والتحرر.
اغتصبتم الحكم في سوريا بانقلاب عسكري في سبعينات القرن العشرين, سرحتم كل الضباط البارزين من ابناء الطائفة السنية واعتقلتم كل من وقف بوجه انقلابكم الطائفي ,تم تسليم كل المناصب الامنية الفاعلة لضباط من ابناء طائفتكم تحديداً , سيطرتم على الاقتصاد والمرافق الحساسة و جمعتم حولكم السماسرة والمنتفعين من ابناء باقي الطوائف, وزعتم بعض المناصب " الغير هامة " على باقي الطوائف لذر الرماد في عيون الشعب المغلوب على امره وهؤلاء عليهم رقابة مستمرة , حكمتم سوريا بالنار والحديد , حرمتم السوريين الكورد من ادنى حقوق المواطنة , نشرتم الرعب والرشوة والفساد والمحسوبية في كل مفاصل الدولة, جعلتم من سوريا بلداً متأخراً , بنية تحتية مدمرة مرافق عامة مهترءة فساد رشوة كراهية انانية شك فساد خوف , تخيلوا مشكلة انقطاع الكهرباء استمرت لاربعين عام في سوريا ,في الوقت الذي صرفتم به على حربكم القذرة على الشعب ما يمكن ان يبني مفاعلات عملاقة تغذي كل الشرق الاوسط بالكهرباء ,حولتم المؤسسة العسكرية لبؤرة من الفساد والرشوة والمحسوبية , ضباط من ابناء طائفتكم يمتلكون السيارات الفارهه وتوزع عليهم الشقق السكنية والامتيازات وكلما ازداد ولائهم ازدادت امتيازاتهم , وضباط من باقي الطوائف تركب سيارات الشحن العسكرية " الزيل " والمواصلات العامة واصبحت السيارة البسيطة حلم لهم فقط لانهم ليسوا من طائفتكم " الكريمة ", حتى ابناء طائفتكم من العسكر والموظفين " البسطاء " الذين القيتم لهم " بعض " الفتات لم ينجون منكم ودمرتم عقولهم وجعلتموهم وقوداً لحربكم القذرة على الشعب السوري زرعتم في رؤوسهم ان الجميع اعداء لهم , جمعتم حولكم الفاسدين والمنتفعين والجبناء والمخدرين عقلياً من باقي اطياف الشعب لم يسلم من شركم احد ,فرقتم بين ابناء الشعب الواحد, نشرتم ثقافة المؤامرة والشك بين الناس و بشكل ممنهج عبر مدراسكم البعثية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعات التي يشرف عليها العواينة وكتاب التقارير من ازلامكم , دمرتم التعليم والنقابات والجميعات والمؤسسات الغيتم المجتمع المدني واختزلتم الوطن في شخص الديكتاتور وعائلته, دمرتم اجيالاً بكاملها , وحين ثار الشعب السوري لينتقل بسوريا نحو دولة مدنية ديموقراطية, اتهمتم الشعب الثائر بالطائفية والمؤامرة والخيانة , قتلتم نصف مليون سوري واعتقلتم مثلهم ودمرتم مدن بكاملها على رؤوس اهلها استخدمتم كل صنوف الاسلحة التي خزنتموها لسنوات طوال من عرق وتعب وجهد الشعب السوري ,هجرتم الملايين واستعنتم بكل المليشيات الطائفية التي هي على شاكلتكم وفتحتم سوريا للاحتلال الايراني وللمليشيات الطائفية , من اليوم الأول " قلتم الاسد او نحرق البلد " خونتم كل الشعب السوري وكل العرب وكل العالم وكل من قال لكم كفى قتل كفى فساد كفى ظلم ارحلوا عن السلطة ودعوا الشعب يبني وطناً حراً , فمن هو الطائفي؟ الشعب ام انتم يامن لم يعرف التاريخ خيانة بحجم خيانتكم!!!
استبقتُ بالعنوان نقدَ الناقدين الذين حفظت معزوفتَهم غيباً من كثرة ما سمعتها، فرأيت أن أوفّر عليهم عناء تكرارها في التعليقات والتعقيبات، وصدّرتُ بها المقالةَ توفيراً لأوقاتهم في كتابة النقد ووقتي في قراءته.
1- لو أن سوريا كلها استسلمت -لا قدّر الله- وهادنَت النظام ولم تبقَ سوى درعا أو دوما وحدَها متشبثةً بالثورة مرابطةً على خط النار، فهل يجوز أن نقول لدوما أو درعا: عليك وحدك أن تكملي المشوار وأن تستمري بالمعركة حتى الانتصار وتحرير سوريا من أدنى الجنوب إلى أقصى الشمال؟ لا يقول بهذا عاقل، فإنه حِملٌ تكاد تعجز سوريا كلها عن حمله، فكيف نَكِلُهُ إلى الجزء الصغير منها ونطالبه بما عجز عنه الكل الكبير؟
إن حجم سوريا في الأمة أقل من حجم درعا ودوما في سوريا بكثير، وكما لم يَجُزْ أن يحمل جزؤها الصغير همَّها الكبير فكذلك لا نرى من العدل والمنطق مطالبةَ سوريا بحمل همّ الأمة كلها وحل مشكلاتها العالقة منذ عشرات السنين. فلماذا يطالبنا بعض "الجهاديين" بأن نعلن الحرب على القريب والبعيد، وأن نستعدي أمم الأرض، وأن نتبرأ من الأنظمة والدول ونكفّرها قاطبة لنحصل على شهادة حسن سيرة وسلوك، ولكي نُثبت ولاءنا لأمة الإسلام ونَخرج من شبهة الولاء لسايكس وبيكو وتهمة التعصّب للوطن الصغير؟
2- قدّم ثوارُ سوريا عشرات الآلاف من الشهداء وفتح الله عليهم فحرّروا ثلثَي مساحة البلد، ثم جاء عدو ذميم لئيم مجرم أثيم اسمه داعش، فطعنهم في ظهورهم واستباح دماءهم فأوغل فيها بلا رادع من دين ولا وازع من ضمير، واغتال خيار قاداتهم وقتل الآلاف المؤلفة من المجاهدين الصادقين، واحتل غدراً وعدواناً ثلاثةَ أرباع الأرض التي حرروها بالدماء الزكية والتضحيات الجِسام.
لم يكتفِ كثيرٌ من إخواننا المسلمين خارج سوريا بأن لاذوا بالصمت ونحن نُذبَح ذبح الدجاج والنعاج، بل إنهم صفّقوا للقتَلة الغادرين ووزعوا عليهم أوسمة الفخار وعزفوا معهم ألحان الانتصار، وحين دافعنا عن أنفسنا وقاومنا المعتدين لامونا قائلين: لو لم تكونوا صحوات خائنين لما تشبثتم بمشروع التقسيم الصليبي الذي فرضه على أرضكم سايكس وبيكو ولما فضّلتموه على دولة الخلافة والإسلام! نقول لهؤلاء الظالمين (وما أكثرَهم): يا إخواننا الذين تجهلون الحال: أنصفوا، أو عودوا إلى الصمت والخذلان، فإنهما أهونُ علينا من التصفيق للقتلة الغادرين الذين يطعنوننا في ظهورنا ويذبحوننا من الوريد إلى الوريد.
3- نشر أخونا الفاضل عبد المنعم زين الدين من قريب مقالة لطيفة عنوانها "هل السوريون مسلمون؟ وهل عندهم علماء؟". وما كان أغناه عن نشرها لو أن الناس تحلَّوا بالإنصاف ولم ينتقصوا من علماء الشام الذين يملؤون الشام بالآلاف. لا أعني كبار العلماء الذين يعرفهم الملايين، بل أعني صغار العلماء العاملين وطلبة العلم المخلصين الذين تشبثوا بالأرض ورفضوا مفارقة ميادين الجهاد، ففي كل ناحية وكل قرية في الشام منهم علماء وخطباء ودعاة ومربّون.
لكنّ أحد التنظيمات الجهادية الكبيرة في سوريا (الذي يصرّ على ربط نفسه بتنظيم آخر خارجها ) لم يجد في كل أولئك العلماء وطلبة العلم من السوريين مَن يصلح للفتوى والقضاء، فهو "يستورد" المُفتين والقضاة والشرعيين من بلدان الجوار، وبين حين وحين ينشقّ عنه قاض أو "شرعي" ويلحق بتنظيم مُعاد له ذاق على يديه الويلات! وفي كل حين وحين يشكو الناسُ في مناطق سيطرته من تعنّت قُضاته وعدم استيعابهم لطبيعة المجتمع السوري الذي يمارسون سلطتهم عليه، ولكن هذا التنظيم ما يزال متشبثاً بسياسته العنصرية ضد السوريين، فإذا شكونا من تعنّته نعَتَنا أنصارُه بالعنصرية والسايكس-بيوكويّة. حسبنا الله ونعم الوكيل.
4- يشكو أحرارُ سوريا منذ دهر من تفرّق كتائبهم ويَدْعون الله كل يوم أن يرصّ الصفوف وأن يؤلّف بين القلوب ويجمع المتفرقين. ولعل الله استجاب دعاءهم، فعطف قلوبَ المجاهدين بعضَهم على بعض وسخّر لهم مَن يسعى في المصالحة والتقريب، حتى كان من ذلك اجتماعُهم في كيانات كبيرة، لم تَرْقَ إلى الوحدة الكاملة المرجوّة ولكنها خطوة في الطريق الصحيح وبديل متواضع عن التشرذم الكريه والتفرق المذموم، وقد تبنَّتْ تلك الكياناتُ الجامعةُ مشروعَ الجهاد المحلّي وتوافقت على إقامة دولة الكرامة والحرية والقانون.
فلم يَرُقْ هذا الاجتماع لبعض المنظّرين من خارج الحدود، واعتبروه تجمّعاً فاسداً قام على غير طاعة لأنه أنشئ لخدمة مشروع استعماري تقسيمي وليس لخدمة مشروع الوحدة الإسلامية المنشود، المشروع العابر للحدود الذي يقوم على قاعدة "المنهج النقيّ" لا على أساس وطني محدود. مرة أخرى نجد أنفسنا -رغماً عنا- من جماعة سايكس وبيكو ومن أنصار التقسيم الاستعماري لبلاد المسلمين. مرة أخرى لا نجد جواباً سوى قولنا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
5- كلما شكونا من تسلط المقاتلين الوافدين على سوريا من خارجها (الذين يسمّون أنفسهم مهاجرين) كلما شكونا من تسلطهم على إخوانهم السوريين ومن فرضهم أنفسَهم عليهم والتدخل القسري في معركتهم وقضيتهم ردّوا علينا بتلك الجملة المشهورة: "سوريا للمسلمين كلهم وليست للسوريين"!
وهم إذا قالوها لم يقصدوا البوادي والقفار المهجورة، بل يعنون المدن والبلدات المعمورة، فإذن سيكون معنى قولهم ذاك هو أن حلب ليست لأهل حلب ودرعا ليست لأهل درعا وحمص ليست لأهل حمص ودير الزور ليست لأهل الدير! ثم إن المدن ليست بشوارعها وحدائقها العامة بل بأحيائها وبيوتها المسكونة. فكأن أولئك الناس يقولون: هذه البيوت والأملاك ليست لأصحابها وساكنيها؛ إن بيوتكم وأملاككم ليست لكم يا أيها السوريون، وإنما هي للمسلمين!
هذا الهُراء يردده كثيرون بلا عقل ولا تفكير، فإذا قلنا لهم: "بل إن سوريا لأهلها، وقرار السلم والحرب فيها ملك لهم وحدهم، ولا يحدد مستقبل سوريا ومصيرَها إلا السوريون". إذا قلنا لهم ذلك قالوا: "أنتم تقدّمون الولاء للأرض على الولاء للمسلمين وتتحدثون بمنطق الوطنية لا بمنطق الدين، إن سوريا ليست لكم وحدكم، إن سوريا أرض مباحة لكل المسلمين".
ويحكم يا مغفلون! لمَن تكون البلاد إن لم تكن لأهلها؟ إن زعمتم أن التفريط في الحق مما يأمر به الدين فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بل إن سوريا للسوريين كما أن مصر للمصريين وليبيا للّيبيين وفلسطين للفلسطينيين، وإذا كان الدفاع عن حقنا في تملّك أرضنا وقيادة معركتنا بأنفسنا سايكس-بيكويّة فإننا سايكس-بيكويّون.
سعد الحريري هو آخر زعيم سني يمد يده لحزب الله ويتحاور معه. فتح في خطابه الذي ألقاه في الذكرى العاشرة لرحيل رفيق الحريري مخرجاً رباعياً للنجاة أمام الحزب يقوم على تسليم المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب من سوريا وتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية والكف عن توزيع السلاح تحت مسمى سرايا المقاومة.
لا يبدو الحزب مهتما بالنجاة، بل يمارس تجاهلا فظاً لكلام الحريري لأنه يعلم أنه غير قادر ولا راغب في تغيير واقع الأمور عبر اللجوء إلى منطق مماثل لمنطقه. يمارس إلغاء قاسياً للحريري، ويسخر جمهوره من طبيعة الاحتفال الذي يضم غناء وموسيقى، ما لا يمثل في نظره سوى علامة نهائية على رخاوة تيار المستقبل ولينه، مقارنة بجهامة احتفالاته وصرامتها وعسكريتها.
يعيش الحزب في السياسة الداخلية اللبنانية زمن انتشاء بتغييب سعد الحريري، وشله، وقمع روح الحريرية في وسط الطائفة السنية، وتحويل كل ذلك الزخم السياسي والسلوكي الناطق بلسان الاعتدال والتسويات إلى خطاب فلكلوري بارد، لا مكان له في عالم القوة والعصبية والتغلب.
يرسم هذا الانتشاء بالغلبة ملامح علاقة الحزب وجمهوره بتيار المستقبل. هذه الغلبة لم تعد مجرد تعبير عن سلوك يتيحه فائض القوة، بل باتت العقيدة والدين والطائفة. تاليا لا يمكن تصور أن يصدر كلام أو موقف أو سلوك يغاير ما أسست له من مفاهيم القطيعة، والاستقواء، ورفض التفاهم والحوار.
من هنا يمكن لنا أن نرسم ملامح السني الآخر المناقض لسعد الحريري الذي يسعى الحزب بكل ما يملك من قدرات إلى صناعته وتصميمه. إنه السني المفخخ الذي لا يرتدي بدلة عصرية، ويحرّم الموسيقى والاحتفال، والذي ينذر حياته للموت.
يعرف الحزب ومن يحارب لحسابه في سوريا وفي أي مكان أن لا مجال له للانتصار سوى بدفع هذا النوع من السني ليتحل واجهة المشهد. لا يستطيع الحزب ولا إيران ولا نظام الأسد الانتصار سوى على مثيلهم وشبيههم، أما ذلك الذي يناقضهم فلا سبيل للانتصار عليه بأي شكل من الأشكال.
كل ما يجري في المنطقة يؤكد سيادة هذا النزوع عند الحزب الإلهي وصناعه. الهجمة المستميتة للقوات الإيرانية والأسدية وحزب الله على مناطق الجنوب السوري التي تحضن آخر معاقل الجيش الحر ممثل الاعتدال الوحيد، تعني بوضوح لا لبس فيه إن المعركة الأساسية والفعلية كانت مع هذا النوع من السني وستبقى كذلك.
الحرب على الإرهاب الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية لم تكن يوماً سوى كذبة ثقيلة غير قابلة للتصديق لأن كل ما قام به هذا التنظيم المتوحش إنما يصب في مصلحة النظام وحلفائه. الجميع يعلمون أن هذا التنظيم لم يسيطر على مناطق كانت تحت سلطة النظام بل إن جل المناطق التي تقع حاليا تحت سيطرته كانت واقعة تحت سيطرة الجيش الحر المعتدل الذي لا يقطع الرؤوس، والذي ليست فيه عناصر أجنبية، والذي يمثل عنوانا واضحا لثورة وطنية سورية على ظلم النظام.
يركّب حزب الله للسني الداعشي القادم، وربما الأكثر وحشية من داعش، خريطة مشروعية تمتد على مساحة الوجود السني في المنطقة. يعتقد أنه سينتصر في الجنوب السوري ويفك الحصار عن دمشق ويعيد تعويم الأسد. يتحدث بمنطق حاكم المنطقة الإيراني الذي أعلن سيطرته على أربع عواصم عربية هي بغداد، وصنعاء، ودمشق، وبيروت. لا يرى في سعد الحريري طرفا آخر وهو الذي لا يسيطر في رأيه على أي شيء، فبيروته التي يتغنى بها قابلة لتكرار سيناريو اجتياحها في السابع من مايو في أية لحظة، وهو يزورها زيارة الخائف المتوجس القلق وليس أدل على ذلك سوى الإجراءات الأمنية غير المسبوقة التي رافقت إطلالته في مجمع البيال، لذا فإنه ليس صالحا للتحاور.
قد تكون مقاربة الحزب لحجم سلطات الحريري واقعية، فالرجل لا يسيطر على عواصم. كل ما لديه هو جمهور مدني مؤيد لمشروع الدولة، ومنطق الاعتدال ومد اليد. لكن الحزب لا يعلم أن هذا الرجل هو الوحيد والأخير الذي يمكن للتفاهم معه أن ينقذ الحزب من نهايات محتومة لن يرحمه فيها أي من ضحاياه، ولن يكون أي انتقام منه مهما كان حجمه غير منطقي وطبيعي.
يمسك سعد الحريري إذن بسلطة أكثر بكثير من التي يملكها حزب الله الذي يتماهى مع خطاب السيطرة الإيرانية المتوهمة على عدة عواصم عربية. يمسك سعد الحريري بيده مفتاح النجاة، ومتى ما أجبر على رميه من يده فلن يجد أبناء الغلبة سوى من يهديهم مفاتيح الجحيم.
لا شك في أن أشهر التقارير عن النقاش الأميركي حول التدخل في سوريا، ورد في العام 2012، وجاء فيه أنه أثناء اجتماع "فريق الأمن القومي" برئاسة باراك أوباما، احتدم النقاش كثيراً بين وزيري الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هيغل؛ فالأول كان يرى أنه لا بد من تدخل عسكري أميركي يجبر الأسد على الخروج من الحكم ويجبر نظامه على الدخول في شراكة مع الثوار، فيما عارض هيغل ذلك. عند ذاك تدخل رئيس أركان الجيش الجنرال مارتن ديمبسي لمصلحة هيغل، وردد قائلاً إن المصلحة الأميركية تقتضي عدم التدخل في القتال الدائر في سوريا، بين عدوين لواشنطن: تنظيم "القاعدة" السني و"حزب الله" الشيعي.
منذ ذلك التاريخ، كثرٌ كتبوا، في أميركا وفي إسرائيل، عن هذه المصلحة المفترضة، والتي تقضي بالتفرج على السنة والشيعة يقتلون بعضهم. واستعاد البعض دعابات أميركية من زمن الحرب العراقية الإيرانية، كقول وزير الخارجية الأسبق هنري كيسينجر، إنه كان يتمنى للاثنين؛ العراق وإيران، "حظاً سعيداً" في الحرب الدموية المستمرة بينهما.
لكن ديمبسي نفسه هو الذي قلب رأي أوباما لمصلحة التدخل ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ فعلى إثر انهيار القوات النظامية العراقية في الموصل في حزيران/يونيو 2014، وبدء تهديد داعش لأربيل، تسلل ديمبسي إلى الليموزين الرئاسية التي كانت تهم بالإقلاع من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، بعد مشاركة أوباما في قمة جمعته مع رؤساء افريقيا. وفي المسافة القصيرة بين المبنيين، أقنع ديمبسي أوباما بخطورة الموقف، وضرورة وقف زحف داعش نحو الأكراد.
وبالفعل، بدأت أميركا غاراتها التي أوقفت تمدد داعش، وأتبعت ذلك ببناء تحالف عسكري جوي قال أوباما، الأسبوع الماضي، إنه قام بأكثر من ألفي غارة جوية، على الرغم من أن غالبية المراقبين لا يعتقدون أن عدد ضحايا مقاتلي داعش من الغارات قد وصل إلى ألف قتيل.
هكذا، كان التدخل الأميركي ضد داعش لضبط الحرب بين السنّة والشيعة، وحصر مسرحها في سوريا وبعض المناطق العراقية فقط. ومع مرور الأشهر، صارت واشنطن، التي تحاور طهران وتُغير على داعش، تبدو وكأنها منحازة للشيعة ضد السنّة. ومع الوهن الذي أصاب قوات الرئيس السوري بشار الأسد، الشيعي مؤقتاً، والذي يحاور إسرائيل في أوقات أخرى، يبدو أن القلق أصاب بعض من اعتقدوا أن في الحرب السنية-الشيعية فائد أميركية. الغارة الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل قياديين في حزب الله وجنرالاً إيرانياً أظهرت أن جبهة الجنوب السورية، انتقلت بالكامل إلى يد إيران العسكرية.
وإن انتقلت حدود الجولان من يد الأسد إلى اليد الإيرانية، حسبما بث الإعلام الموالي صوراً لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيرايني الجنرال قاسم سليماني، قيل إنها التقطت له في جنوب سوريا، ما يعني أنه يتوجب على إسرائيل توقع أراض جديدة بأيدي ميليشيات حليفة لإيران.
صحيح أنه منذ تسلمت "جبهة النصرة" معبر القنيطرة في آب/أغسطس 2014، أبدت التزاماً شبيهاً بالتزام الأسد قبلها و"حزب الله" منذ العام 2006، بالهدوء على الحدود مع إسرائيل، إلا أن مزيداً من التماس مع الإيرانيين لا يعجب الإسرائيليين كثيراً.
وفي منطقة الشرق الأوسط مؤشرات أخرى على انتصارات شيعية عسكرية، فاليمن الذي سقط بيد حلفاء إيران، يقلق إسرائيل وبعض الأميركيين؛ إذ أنه سبق للقوات الحكومية اليمنية أن ضبطت عدداً من شحنات السلاح الإيرانية التي وزعتها طهران على حلفائها في عموم المنطقة، ومنهم حماس في غزة. ويأتي تفوق الشيعة على السنّة إقليمياً في وقت يبدو أوباما متجهاً نحو تسوية مع الإيرانيين بأي ثمن. أما أبلغ صورة للموقف الأميركي الجديد، فهي الرسائل المتبادلة بين أوباما ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، في وقت أوصد الرئيس الأميركي أبواب البيت الأبيض أمام رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي سيزور واشنطن في 3 أذار/مارس، ليقلي خطاباً أمام الكونغرس.
هكذا، بدأ بعض القلق الأميركي من إمكانية انتصار الميليشيات الشيعية، وفي سلسلة من جلسات الاستماع في الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية المعارضة لأوباما، والمقربة من إسرائيل، راح الأعضاء وضيوفهم من الخبراء يتحدثون بالتفصيل الممل عن الخطر الداهم للميليشيات الشيعية الموالية لإيران، خصوصاً في حال انتصرت هذه على خصومها من السنة، وخصوصاً في ضوء انفتاح أوباما على إيران.
وراح أعضاء بارزون في الكونغرس، مثل العضو الجمهوري من أصل لبناني داريل عيسى، يسهب في الحديث حول جدوى حرب أميركا على داعش، والتي تبدو بأنها لا تقضي على داعش، وأن كل ما تفعله هو ترجيح كفة ميليشيات أخرى، هي أيضاً عدوة للولايات المتحدة.
طبعاً الأصوات التي دعت منذ الأيام الأولى للثورة السورية في العام 2011 إلى تدخل أميركي حاسم لوقف النشاط العسكري للأسد، حتى لا يستثير عنفاً من الجهة المقابلة، عادت اليوم لتقدم الرؤية الموضوعية للأمر؛ فكلما طالت الحرب بين السنة والشيعة، كلما تعود الطرفان على الحرب، وكلما جندوا المزيد من الشباب ودربوهم، وكلما انشأوا شبكات مالية لتمويلهم.
يوماً ما، إذا انتهت الحرب في سوريا والعراق بفوز طرف على آخر أو بتسوية ما، أين سيذهب كل هؤلاء الشباب المقاتلين من الطرفين؟ لا بد أن بعضهم لن يلقي السلاح، وقد يوجه عنفه ضد أميركا والغرب، وهو ما حدث بعد حرب أفغانستان ضد السوفيات، وهو الدرس الذي لم تفهمه أميركا بالكامل، بل فهمت أن مصلحتها هي في عدم التسليح، بدلاً من أن تكون مصلحتها في وقف الحرب.