مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٧ فبراير ٢٠١٧
الأزمة السورية أدخلت المنطقة مرحلة «ما بعد الغرب»

يعتبر «مؤتمر أمن ميونيخ» الذي يعقد غدًا (الجمعة)، ويستمر حتى يوم الأحد المقبل، منبرًا للحوار حول تحديات الأمن في العالم.

يوم الاثنين الماضي نشر المؤتمر تقريره السنوي، الذي سيناقش ملفاته كبار القادة. التقرير الذي يحمل عنوان: «ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام» يرسم صورة قاتمة عن عام 2017. في المقدمة كتب ولفغانغ إيشنجر، رئيس المؤتمر: يمكن القول إن البيئة الأمنية الدولية أكثر تقلبًا الآن من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية «وحذر من حدوث فراغ في السلطة ناجم عن انسحاب أميركي محتمل من المسرح الدولي، ومن تصعيد عسكري». ويوضح التقرير الأخطار التي يتعرض لها النظام العالمي، بـ«اللحظة غير الليبرالية».

اللافت أن إيشنجر يطرح مقارنة تاريخية جريئة. إذا عدنا إلى أواخر الأربعينات من القرن الماضي، خلال أزمة برلين، التي سبقت تشكيل منظمة الحلف الأطلسي، أي فترة تداعيات «خطة مارشال» الأميركية لإعادة الإعمار ما بعد الحرب، والمجاعات والمصاعب التي عانت منها أوروبا خلال فصل الشتاء من تلك السنوات، وفرض السيطرة السوفياتية على أوروبا الشرقية، يمكن القول إنها كانت فترة متقلبة جدًا.

ولفغانغ إيشنجر يجري مقارنة ما بين تلك الفترة والواقع اليوم؛ ما يؤدي إلى طرح علامات سؤال حول جزء من عنوان التقرير «ما بعد النظام». يتحدث كثير من المراقبين الدوليين عما إذا كان العالم الآن في فترة انتقالية إلى نظام عالمي جديد. يقول إيشنجر إنها أكثر فترة تقلبًا منذ الحرب العالمية الثانية. ويضيف: إن أهم الدعائم الأساسية للغرب وللنظام الليبرالي العالمي تضعف. وقد نكون على شفا عصر آخر للغرب، حيث إن قوة ليست غربية تعمل الآن على تأطير الشؤون الدولية، أحيانًا بالتوازي، أو حتى على حساب تلك الأطر المتعددة الأطراف التي وضعت أساس النظام الدولي الليبرالي منذ عام 1945، ثم يتساءل: هل نحن ندخل عالم «ما بعد النظام؟».

في التقرير إشارة قوية إلى هيمنة الخطاب الشعبوي الذي تسبب في تحول جذري، أو تجاوز توجه الديمقراطية الليبرالية والمبادئ التي تصاحبها. رأى التقرير أن دعم «الحلول التسلطية» في تصاعد بين الشعوب التي تعيش في مجتمعات ديمقراطية.

يشرح محدثي، الدبلوماسي الأوروبي، أنه من المهم أن ندرك أن البيئة الأمنية الدولية يمكن أن تتغير من خلال خطوات صغيرة، ليس من الضروري أن تكون دراماتيكية أو مثيرة، لكنها تتراكم على مدى سنوات فتصل إلى شيء كبير.

من الأمور التي حدثت عام 2016 كان الاستفتاء البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي، فجاءت النتيجة حافزًا لإعادة النظر في العلاقات الدولية، ثم جاء انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب تأكيدًا على التغيرات التي تحدث الآن على الأرض.

في خطاب تنصيبه أعلن ترمب تغييرًا تاريخيًا في علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى، واعدًا بأن سياساته الداخلية والخارجية ستضع المصالح الأميركية في أولوياتها.

يقول محدثي «إن انتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة، أخرج إلى العلن تساؤلات عدة حول أهمية النظام الدولي كما اعتدنا أن نراه؛ إذ إن لديه مواقف تجاه الحلف الأطلسي، وتجاه الاتحاد الأوروبي تختلف عن نظرة أسلافه. لديه مواقف مختلفة تجاه روسيا قد تتصلب أكثر بعد استقالة مستشار الأمن القومي مايك فلين، لكنه سيفرق بين عقوبات مفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا والحاجة إلى موسكو لمحاربة «داعش» والإرهاب، ثم موقفه الحازم تجاه الصين، واعتبارها المشكلة رقم واحد التي تواجهها الولايات المتحدة في العالم، وعلى الرغم من اعترافه بسياسة «الصين الواحدة»، فإن هذا لا يقلص من حجم المشكلة. «كل طروحات ترمب شملت الكثير من الافتراضات التي مارسنا الكتمان عليها ورميناها وراءنا في الهواء». قال ترمب في خطاب تنصيبه: من هذه اللحظة، سيكون التوجه: أميركا أولاً.

ويشير التقرير إلى أن ترمب في خطابه تجنب أن يذكر: «الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان»، مما يشكل تناقضًا مع أسلافه. وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة إلى القيم الليبرالية في جميع أنحاء العالم، يضيف التقرير.

يوضح لي الدبلوماسي الأوروبي: أن القضية الآن هي حول كيفية تساقط هذه الأوراق التي رماها ترمب في الهواء. لا نعرف النمط الذي سيتشكل عند ارتطامها بالأرض. لهذا؛ فإننا نمر بمرحلة من عدم اليقين في كل حال.

في التقرير فصل يحمل عنوان: «سوريا لا نهاية في الأفق». وما بدأ كمطالب احتجاجية تدعو الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، تحول إلى صراع طويل تورطت فيه جهات فاعلة محلية ومجموعات مسلحة ودول مجاورة وقوى عالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، وإيران، ودول عربية. جاء في التقرير: «إن الكثير من الجهات تتدخل في الأزمة السورية في حين يحاول الغرب تدبير أموره بطريقة أو بأخرى». ربما يكون الشرق الأوسط دخل مرحلة «ما بعد الغرب»؛ لأنه نتيجة التدخلات الكثيرة في سوريا حصل تحول على طول الخط الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن على أي حال، صار لروسيا دور أكبر بكثير مما كان عليه في السابق، كما أن لإيران، حتى الآن، دورًا قويًا جدًا. إن لدى الولايات المتحدة بعض الخيارات حول كيفية الرد على ذلك، وينسحب هذا على الأوروبيين؛ لأن ما يجري هو في ملعبهم الخلفي.

يصل التقرير إلى فصل: ما بعد الحقيقة، وينصح من أجل منع هذا «النوع من العالم»، حيث: «إن لا شيء حقيقيًا، بل كل شيء ممكن» هي مهمة المجتمع ككل، مشيرًا إلى محاولات النواب في البرلمانات الغربية تجريم كل من ينشر ويوزع أضاليل. أما عن مستقبل الإرهاب فحسب التقرير، على الاتحاد الأوروبي التعاون ككتلة موحدة لمواجهة مجموعة من التحديات التي يشكلها التهديد من التطرف والإرهاب.

تقرير «مؤتمر أمن ميونيخ» يعطي لمحة عن التحديات التي تهدد بإطاحة النظام الدولي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية التي خلفت عشرات الملايين من القتلى والمشردين في أنحاء العالم.

إن عملية التشكيك في فاعلية منظمة الحلف الأطلسي، في شكلها الحالي، أو احتمال التخلي عن التحالفات التقليدية من أجل أخرى جديدة، إنما هي تساؤلات تؤكد تحولاً، في العلاقات العالمية والإقليمية بين الدول. التقرير الذي نشر قبل انعقاد المؤتمر يوفر لقادة العالم منطلقًا للحوار بشأن التحديات الأمنية والدفاعية التي لا محالة يواجهها العالم. قال إيشنجر: «آمل ألا نبتلع الكلمات أو نقرضها: بل أن نتكلم صراحة عن خلافاتنا، وكذلك عن المصالح والقيم المشتركة».

يبدو أن تخاصم العالم مع نفسه يهدد بحرب. العالم يهتز، فهل من الممكن للاعبين الأساسيين الذين سيكون بعضهم مشاركًا في «مؤتمر أمن ميونيخ» العثور على بعض الأجوبة؟

يقول محدثي الدبلوماسي الأوروبي: رغم الهزات الداخلية التي تعرضت لها إدارة ترمب، فإن التوجه السياسي لم يتغير. لكنها لا تزال إدارة «شابة»، وسيستغرق بروز نظام دولي جديد، بعض الوقت، هذا إذا كنا نسير حقًا في هذا الاتجاه، الذي بدأ يتبلور نوعًا ما. فهل أن القوى الكبرى، الولايات المتحدة، وروسيا، والصين وغيرها من القوى الصاعدة، ستقف مع حكم القانون، وإلى جانب المؤسسات الدولية القوية؟ أم أن كل قوة ستعتبر مصالحها فوق الجميع وفوق أي شيء آخر. هذه مسألة مهمة جدًا لمعرفة ما سيكون عليه التوازن. يضيف محدثي: إن القوى الكبرى تفضل دائمًا نظامًا يناسبها، وتريد دائمًا الاستفادة من هذا النظام لمصالحها، هي استثمرت في السنوات الماضية في النظام العالمي حتى خلال الحرب الباردة.

هل سيكون الأمر نفسه في المرحلة المقبلة، أم أنه سيكون مختلفًا؟

ينهي حديثه: بالنسبة للكثير من المراقبين والخبراء وصناع القرار: أن العالم في حالة قصوى من عدم الأمان.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٧
خيارات ما بعد «جنيف 4»

تطرح المفاوضات المقبلة في جنيف، التي تعتبر الرابعة بين الجولات التفاوضية، أسئلةً عدة، تخص الصراع السوري، مثلاً، هل وصلت الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في هذا الصراع إلى درجة من التوافق تسمح بوضع حد للقصف والقتل والتدمير والتهجير؟ أيضاً، هل هذه الجولة ستكون الأخيرة، أم ستعقبها جولات خامسة وسادسة و...؟ ثم هل التسويات أو الحلول المطروحة ستكون نهائية أم موقتة، كاملة أم جزئية؟ وأخيراً ماهي الخيارات الحقيقية أمام السوريين من دون تجميل في الألفاظ أو اختباء وراء المصطلحات، التي لم تنتج حتى اللحظة ولادة خيار سوري - سوري ينهي المأساة ويخلص السوريين من المتسببين بها؟

في هذه الحال، وبواقعية شديدة فنحن إذاً أمام خيارات عديدة ومختلفة، لكن ليس من بينها، مع الأسف، ما قامت من أجله الثورة، وإن كان بعض المكابرين ما زال يلقي بخطب عصماء يعود صداها إليه وحده. أما هذه الخيارات فلعل أهمها:

أولاً، خيار مسار جنيف، عبر التوصل إلى صفقة بين النظام والمعارضة برعاية دولية، وهو «البروفا» الرابعة بين الطرفين، والتي تحدث بعد خسارة المعارضة لمواقع كثيرة، بالقياس لما كانته في المراحل السابقة، بين جنيف 2 وجنيف 4، وضمن ذلك فقد استعاد النظام، بموجب الاجتماعات التي جرت بين الجولات أخيراً في آستانة، موقعه دولياً، مقابل اعترافه بالمعارضة بشقيها، العسكري الذي كان يصفه بالإرهابي، والسياسي الذي استطاع كل من النظام وروسيا أن يعمل على تشتيته وشرذمته، بإدخال جماعات محسوبة على النظام تارة، وبتعدد منصاته واختلاف مرجعياته تارة أخرى. أما المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، فهي تمر بوضع صعب، يتمثل بانقسامها على نفسها، وبالتحاصص بين أطرافها، بدل أن تكون متوافقة على تمثيل واحد ومشروع واحد يحدد ملامح وشكل سورية، التي تذهب للتفاوض عليها مع النظام، بل ومع المجتمع الدولي عموماً.

ثانياً، خيار استمرار الواقع الراهن، أي استمرار الصراع المسلح، والقصف والتدمير والتهجير، ومحاولات فرض الأمر الواقع، سواء من النظام أو فصائل المعارضة، وهو خيار لا يخدم أي حل، وهو مفروض على الثورة، بحكم أن عسكرتها أصلاً لم تكن خياراً لقوى الثورة عند اندلاعها، والتي كانت تفتخر وتتغنى بسلميتها «سلمية سلمية». وكلنا نذكر أن هذا هو الخطاب الذي جمع حوله المؤمنين بحق السوريين بالتخلص من نظام الاستبداد، وإقامة دولتهم المدنية الديموقراطية (اللاعسكرية واللادينية واللاطائفية)، لاستعادة حقوقهم كمواطنين أحرار متساوين، وذلك أمام تغول الأجهزة الأمنية عليهم، من دون أن يفهم من ذلك أن خيار العسكرة لم يكن بدفع من النظام، وباضطرار من بعض قوى المعارضة، التي وجدت نفسها معنية أمام همجية النظام وعدوانه على الشعب، بحمل السلاح دفاعاً عن المدنيين ومناطقهم، فهذا أمر وما حصل في مسارات العسكرة والأشكال التي تحكمت بها أمر آخر.

ثالثاً، خيار التوصل إلى حلول موقتة، أو مناطقية، على طريقة الهدن، على نحو ما حدث في أكثر من منطقة، وهو خيار يفرضه واقع مأساوي، حيث الحصار الذي فرضه النظام على المدن والأحياء في ظل التجويع والقصف المستمر، ثم لاحقاً التهجير الممنهج للسكان من مناطق تقع ضمن ما بات يعرف بـ «سورية المفيدة»، والمساحات الحدودية مع دول الجوار، وتحديداً لبنان، ليبقي على خطوط تواصل مع ذراعه المتمثلة بميليشا حزب الله.

رابعاً، خيار التوافق الإقليمي على فرض صيغة تسوية على السوريين، وهو الخيار الذي انتهجته الدول التي فرضت اجتماع آستانة، الشهر الماضي، والذي جمع بين وفدي النظام والمعارضة، بضمانة ورعاية الدول الفاعلة في الملف السوري، وهي روسيا وإيران (النظام) وتركيا (المعارضة) وبمراقبة اللاعب الرئيسي الذي اختار خلال السنوات السابقة مسك الخيوط وتحريك الأجندات عن بعد، بناءً على رغباته وتوافقاته وحدود صبره وهو الولايات المتحدة الأميركية.

مع ملاحظتنا لهذه الخيارات، أو السنياريوات، على أهميتها، ينبغي الانتباه إلى مسألتين، الأولى، إن كل هذه الخيارات المطروحة هي من صلب الواقع الذي نعيشه سورياً، والذي يؤكد أن الأطراف السورية سواء ذهبت إلى جنيف لتتفاوض أم لم تذهب، هي اليوم مجرد فاعل ضعيف أو تابع، تتحدد مهماتها وفق الإرادات الدولية والإقليمية الفاعلة ليس إلا. والثانية، أن الأمر لا يتعلق بموازين القوى بين المعارضة والنظام، فقط، اللذين باتا في غاية الإنهاك والاستنزاف والارتهان للخارج، وإنما يتعلق أكثر بالحل المنشود بمدى الاختلاف أو التوافق الدولي والإقليمي، على ديمومة الصراع، أو اتخاذ قرار حاسم بوقفه.

في الغضون، يفترض أن تدرك المعارضة أن تلك الخيارات محكومة، أيضاً، بأدوار أربعة لاعبين رئيسيين: الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، على التوالي، مع التبادل في موقع الطرفين الثالث والرابع، بين تركيا وإيران، وهذا ليس تفصيلاً عادياً، إذ إنه يؤثر في مستقبل سورية والشعب السوري. فكما شهدنا فإن ازدياد الدور التركي في معادلة الصراع السوري سيؤدي إلى تضاؤل الدور الإيراني، وتالياً زعزعة مكانة النظام في أي تسوية مهما بعدت أو اقتربت من هدف الثورة الأساسي، والعكس صحيح في المسألتين المطروحتين.

على ذلك فإن كل ما يمكن أن تتمخّض عنه مفاوضات جنيف4 إنما هو نتيجة واستمرار لحالة الاستنزاف بين الجانبين، أي النظام والمعارضة، غايتها تقديم أوراق اعتماد الأطراف الدولية للحل في سورية، بالاعتماد والتوافق، أيضاً، وربما قبلاً، على حل ملفات كثيرة خارج سورية. وربما أن ذلك يشمل ملف العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية والحظر.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٧
نظام الأسد إلى تحوّل والمعارضة إلى أقل توقّعاتها

الأرجح أننا لم نتعرف بعد إلى التغيير الحاصل وحجمه ومضمونه، وبالطبع لن يتّضح مؤدّاه إلا بعد ارتسام ملمح واقعي وعملي للتقارب الأميركي - الروسي بالنسبة إلى سورية، أو بعد تأكّد صرامة إدارة دونالد ترامب حيال إيران. لذلك، يؤخَذ الغموض وسيلة لتأويل بعض الأحداث، ومنها مثلاً أن روسيا لا تمارس ضغوطاً على نظام بشار الأسد ليفهم وإنما توجّه إليه، بواسطة الآخرين، إشارات أو ضربات، علّه يفهم أن مرحلة الخطة الإيرانية ولّت وأن مرحلة الخطة الروسية بدأت، وعليه أن يتكيّف معها. صحيح أن موسكو لم تغيّر توجهها الرئيسي المعتمد على حاجتها إلى «شرعية» الأسد، وبصفته «الحكومة السورية» التي تتعامل معها، لكن الأصحّ أنها أبلغت الكثير من الأطراف منذ بدايات تدخّلها أنها تريد اعادة جمع العسكريين، موالين وما أمكن من المنشقين ومن الميليشيات التي أنشأها الإيرانيون، في جسم جيش واحد. وبعد معركة حلب بات هدفها دفع حلفائها وخصومها إلى قبول أجندتها، أي أنها لم ترسل طائراتها وضباطها ولم تقِم قواعدها من أجل خدمة الأسد والإيرانيين.

حتى غداة جمع فصائل المعارضة المسلحة مع وفد النظام إلى طاولة واحدة في «آستانة 1»، لم يصدق الأسد والإيرانيون أن عليهم مراجعة خططهم السابقة، فبالنسبة إلى الروس انتهى الصراع الداخلي في حلب، وكل ما بعد ذلك سيكون حرباً على الجماعات الإرهابية، ومن هنا الاستعانة بتركيا، وكذلك بالأردن، وبوحدات «الجيش السوري الحرّ» المرتبطة بهاتين الدولتين. لم يكن مفهوماً جيداً ما هو الموقف الروسي من التصعيد الذي افتعله النظام والميليشيات الإيرانية في وادي بردى وأدى إلى هز الثقة باتفاق وقف النار، لكن التسوية النهائية وإن كانت مجحفة في حق أهل وادي بردى تمت بطريقة مقبولة لدى الروس الذين حبذوا دائماً «الهدنات» - «المصالحات» التي رتبها النظام في بعض نواحي الغوطة. وعشية «آستانة 2»، تعمّد النظام القيام بأوسع انتهاكات للهدنة «السارية» رسمياً، كما أرفقها بمناورات (الاحتكاك بقوات «درع الفرات» خلال اقتحامها دفاعات «داعش» في الباب، إرسال قوات لطرد «داعش» من تدمر، وخرق الهدنة في درعا...) آملاً بالضغط على الروس وإقناعهم بدعمه لاستعادة بعض المواقع. وما دفعه إلى ذلك أن «آستانة 2» يُفترض أن تكرّس «تثبيت» وقف النار وطرح «الآلية الثلاثية» لمراقبته، أي أن الروس يفعلون هذه المرة ما لم يفعلوه سابقاً: وقف نار شامل تمهيداً لمفاوضات جنيف.

ما تختلف عليه روسيا ونظام الأسد هو النظرة إلى وقف النار. فالنظام يرى في توقف القتال نهايته إلى حدٍّ ما، خصوصاً إذا كان إيذاناً باقتراب البحث في حل سياسي، وما يعمّق إحباطه أن القرار ليس قراره، أما الروس فيعتبرون وقف النار بداية مرحلة سعوا إليها وشاءت الظروف أن ينفردوا بتولي هندستها، في انتظار عودة «الشريك» الأميركي وما لديه من معطيات جديدة في التعاطي مع الملف السوري. بطبيعة الحال، ليس للمعارضة أن تتوقع تغييراً في المفهوم الروسي للحل السياسي، فهو لا يزال يتصوّر هذا الحل منبثقاً من النظام، تحديداً من حكومته، وباتت موسكو معتمدة على موافقات علنية أو مكتومة من أنقرة وعمّان والقاهرة وبدرجة أقل أو بعدم ممانعة من عواصم أخرى. ولا تضم هذه القائمة طهران، وإنْ كانت إحدى الدول «الضامنة» وقفَ النار، والأكيد أنها تجري مراجعة للمتغيرات إقليمياً ودولياً، فهي من جهة تواجه على الأرض السورية (وإلى حدٍّ ما في العراق) حقائق غير متوقّعة كما ترى للمرة الأولى أمراً واقعاً لم تصنعه ولا يناسبها، ومن جهة أخرى فإن معارضة روسيا العقوبات الأميركية ونفي سيرغي لافروف تورطها في دعم الإرهاب وسائلها للتعامل مع «الأيام الصعبة» التي أشار إليها محمد جواد ظريف لا تبدو كافية أو مناسبة لتحقيق «انتصارات» على أميركا دونالد ترامب.

بلغ نظام الأسد، وكذلك إيران، لحظة الحقيقة التي تهربا منها طويلاً ورواغا كثيراً لتأجيلها بل لتبديدها. فحتى الحل السياسي الذي يسعى إليه الحليف الروسي لا يناسبهما، حتى لو كان أدنى من طموحات المعارضة. ذاك أن الوضع الدائم، إذا كان له أن يستقرّ في سورية، لا يمكن أن يكون في تثبيت الوضع الشاذ الذي كان قائماً حتى عشية اندلاع الانتفاضة الشعبية. ومع أنه لن يكون «حكماً انتقالياً» خالصاً وفقاً لـ «جنيف 1»، كما تتمناه المعارضة، فإنه لن يكون استمرارية لحكم الأسد وبحكومته المعدلة، والأهم أن لا مجال لاستئنافه بالبنية العسكرية - الأمنية ذاتها ولا بأشخاصها أنفسهم. بدهي أن التغيير لن يكون فورياً وفجائياً، فالأوضاع التي انتهى إليها الصراع المسلح تعصى على الانضباط السريع، بل ينبغي إعطاء «المجلس العسكري» الفرصة الكاملة والوقت الطبيعي لإعادة هيكلة الجيش والأمن.

لا يعني ذلك أن حلاً كهذا بات جاهزاً، أو أن هذا ما سيتفق عليه في مفاوضات جنيف. ولعل التنبؤ المبكر لوزير الخارجية الفرنسي بأن «جنيف المقبلة» سيكون «محبطاً»، يعكس نظرة مختلف العواصم المعنية إلى المفاوضات المزمعة، إذ تعتبر أن شيئاً جوهرياً لم يتغيّر، حتى بعد معركة حلب، فبعد فوات الأوان لا يُعول على النظام لاستدراك ما لم يدركه في الأسابيع الأولى للأزمة، وبعد منع المعارضة من تحقيق أهدافها عسكرياً لا يمكن حرمانها من المطالبة بحقوقها البدهية. لكن التعارض العميق بين توقّعات المعارضة والنظام يمنع «صيغة جنيف» من إنتاج حلّ، لذلك يبدو أن موسكو، وواشنطن على الأرجح، باتتا تعتبران أن جولة جديدة في جنيف لن تجدي، بالتالي قد يميل الأميركيون إلى صيغة «صلح العسكريين» التي يحاول الروس بلورتها بالتركيز (مع الأتراك) على الفصائل المعارضة، لكنهم لن يفعّلوها إلا بعد أن تظهر «جنيف السياسيين» بأنها عديمة الفائدة، ومن الجانبين.

لعل مجرّد وجود الفصائل المسلحة في الصورة، وفي مختلف السيناريوات، إلى جانب الجيش الذي صار عملياً في كنف الروس، شكّل النبأ السيئ الذي حاولت طهران إبعاد شبحه على الدوام. انتهى موسم الأحلام، ولم يعد وجود الميليشيات الإيرانية سوى عنوان لمرحلة تشارف الأفول، وإذا كان رحيلها مطلباً طبيعياً للمعارضة فإن مشاعر رفضها ومقتها تتصاعد في أوساط الموالين وتنسحب على الأسد وأعوانه، ولم يعودوا يخفونها، ففي حماية الروس لا خوف على النظام ولا حاجة إلى وجود الإيرانيين. ومن دون أي عمل عدائي ضدهم بات هؤلاء مدركين أن مستقبلهم لم يعد مضموناً في سورية، بل إنهم يلحّون على الروس لنيل بعض الضمانات لـ «مصالح» يعتبرونها بالغة الحيوية، كالحفاظ على المنطقة الحدودية الوسطى مع لبنان تحت سيطرة «حزب الله» بذريعة أمنه في مواجهة إسرائيل. وهي المنطقة التي دعا «الحزب» النازحين منها إلى العودة إليها بضمانته، إلا أنهم يطالبون بضمانات روسية وأوروبية وأممية.

يبقى أن إيران ستواصل الرهان على فشل التقارب الأميركي - الروسي، باعتبار أنه سيبقي روسيا في حاجة موقتة إلى خدماتها في معالجة بعض جوانب الوضع السوري. إذ كان الطموح الإيراني أن تغدو ميليشياته شريكاً لا غنى عنه في الحرب على «داعش»، بل إنها راهنت على دور كهذا لإنجاز الربط الاستراتيجي من طهران إلى بغداد فدمشق فبيروت. لكن المجريات الراهنة لهذه الحرب تعطي تركيا دوراً أكبر، بسبب موقعها الحدودي ووجود قوات برية سورية لديها، ما لا تستطيع الدولتان الكبريان تجاهله. ثم إن أميركا ترامب لا تبدو مستعدة للاستعانة بإيران حتى في المواجهة مع «داعش» بل تعتبرها راعية للإرهاب. وفي أي حال باتت كل الأطراف المعنية بإضعاف «داعش» أو القضاء عليه تعتبر أن إيران بدت في الأعوام الأخيرة الطرف الوحيد المستفيد من ظهور هذا التنظيم وانتشاره.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٧
المعارضة السورية: نهاية المطاف

دخل النزاع المسلّح في سورية مرحلته الأخيرة، بعدما بدا لأمدٍ طويل وكأنه دخل نفقاً لا نهاية له. صحيح أنه لا يزال أمامه شوط ليقطع: فالقتال سيستمر على الأرجح لعام أو عامين في أنحاء مختلفة من البلاد (وستتواصل الحرب ولا شك ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»)، وستمضي قدُماً أيضاً المناورات السياسية المعقّدة التي يصعب التنبؤ بها بين القوى الخارجية، ويبقى الحل الرسمي المتفاوض عليه بعيد المنال، لكن الصحيح أيضاً أن التحوّل في الموقف التركي منذ الصيف الفائت، وضع المعارضة السورية بثبات على مسارٍ لم يعد بالإمكان قلب وجهته، حتى ولو تغيرّت السياسة التركية مجدداً. فما يلوح في الأفق الآن أمام المعارضة السورية هو خيار صعب يتأرجح بين الدمار، أو الانخراط في هيئات الدولة المركزية التي لا يزال يرئسها بشار الأسد.

يشــي المساران الديبلوماسيان الحاليان بمسار الأحداث في الآتي من الأيام، حيث تتركّز الأنظار على المحادثات المُزمع إجراؤها في جنيف في وقت لاحق من هـــذا الشهر، لكنها في الواقع لم تكن أبداً هي التي ستُشكّل يوماً المدخل إلى الحل السياسي. وأكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قبل إخلاء منصبه، أن العملية التفاوضية التي دشّنتها روسيا وتركيا في الآستانة، عاصمة كازاخستان، في 23 كانون الثاني(يناير)، يجـــب ألا تحـــل مكان جنيف، وهو الموقف نفسه الذي ردّده أيضاً المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا الذي أضـــاف: «إننا نحن (الأمم المتحدة) الطرف الفاعل الرئيس في ما يتعـلّق بالعمليـــة السياسية». بيد أن كل هذا لم يكن أكثر مــن مجرد تمنيـــات، إذ ليـــس فـــي مقدور أي من القوى الخارجية حمل الأسد على القبول بتقاسم حقيقي للسلطة.

علاوة على ذلك، فإن التركيز على مسألة ترسيخ وقف إطلاق النار هو ما يضفي الأهمية على مسار الآستانة. وقد حاجج الكثيرون، عن حق، أن الراعيين الروسي والتركي لم ولن يتمكّنا من تجسير الهوة بين المعارضة والحكومة السوريتين في الأمد المنظور. بيد أن هؤلاء يخطئون الهدف: فمحادثات الآستانة تدل على مسار جديد في النزاع، خلقه التحوّل المفاجئ في السياسة التركية منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز(يوليو) الماضي التي دفعت الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تنفيس الأزمات الخارجية من أجل التركيز على التحديات الداخلية. وقد عنى ذلك التخلّي عن السعي إلى الإطاحة بالأسد، على رغم مواصلة الحديث العلني عن ذلك، كما عنى تطويع المعارضة السورية إلى احتياجات السياسة الداخلية والخارجية التركية.

أما بالنسبة إلى المعارضة، فإن درب الآستانة يقـود حكـماً إلى المجابهة الشاملة في شمــال غربــي ســوريـة مع المعسـكر الجهـــادي الذي التأم شـــمله أخيراً تحت راية «هيئة تحـرير الشام»، وهــو الإطـــار الشامل الجديد الذي تُهمين عليــه «جبهة فتح الشام» المعروفة سابقاً بجبهة النصرة المـــرتبطة بتنظيم القاعدة. ويعتقد مراقبون مُطلعون أن ميـــزان القوى الميدانية قد انقلب لمصلحة هذا الطرف الأخـــير، وأن الهزيمة ستحصر المعارضة في جيب صغير نسبـــياً في محاذاة الحدود التركية والكانتون الكردي في عفــــرين. هذا إضافة إلى أن رفض الانسياق إلى مواجهة مـــع هيئة تحرير الشام، سيحرم المعارضة من الحماية والدعم من قبل تركيا والولايات المتحدة ويجعلها هدفاً سهلاً لنظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.

على رغم قتامة هذا المنظور، فإن ما قد يتبعه لاحقاً سيكون أشد مضاضة بكثير. إذ إن مسار الآستانة يتطوّر على شكل خطوات قتالية يلتزم الأفرقاء بتنفيذ كلٍ منها، فيمضون مع كل خطوة على مسار يصعب باستمرار التراجع أو التخلّي عنه. فإذا نجحت المعارضة السورية باجتياز الامتحان الأول، أي المواجهة مع المعسكر الجهادي، ستتعرّض إلى ضغوط متصاعدة لتتخذ الخطوات التالية على المسار نفسه، ما سيؤدي بالضرورة إلى إعادة الانخراط في مؤسسات الدولة التي يرأسها الأسد. هذه هي المحصلة الحقيقية للتحوّل وإعادة الاصطفاف في السياسة التركية، سواء كان ذلك مقصوداً أم لا.

لقد باتت معالم الخطوتين التاليتين واضحة للعيان. فهناك أولاً فكرة الاعتراف بمجلس محلي تقوده المعارضة في محافظة إدلب، بدعم تركي، تقبل روسيا التعامل معه بعد أن كانت قد أبدت اهتمامها باللامركزية كأحد مفاتيح الحل السياسي، عبر إعداد مقترح بهذا الشأن في آذار(مارس) 2016. كما أعربت روسيا منذ إطلاق مسار الآستانة عن استعدادها للتعامل مع المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة، بهدف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وإطلاق عملية إعادة بناء الاقتصاد.

يشكّل إنشاء الآليات المشتركة عنصراً أساسياً في المقاربة الروسية التي يمكن الأسد قبولها. فهو يعارض بوضوح مبدأ المشاركة في السلطة لما في ذلك من اعتراف بالمعارضة كطرف شرعي له حق المطالبة بذلك، ومن تقويض لحجة النظام بخوض حرب ضروس لإحباط هذا المطلب. غير أن التعامل مع مجلس محافظة تقوده المعارضة أمر مختلف يمكن استيعابه، طالما انخرط في هيئات الحكم المحلي التابعة للدولة، ما يشكّل إقراراً بسيادة سلطة الأسد. وهذا، على أي حال، أساس المئات من اتفاقيات «المصالحة» التي سمح بموجبها النظام للأهالي المحليين الموالين للمعارضة بالاحتفاظ بدرجة من الاستقلالية الإدارية وبالحصول على بعض الخدمات العامة والتمويل.

أما الخطوة الثانية، فهي ما يشير إليها الحديث المتكرر في أوساط المعارضة عن تشكيل «جيش ثوري وطني» موحد، ما يعني التوجّه إلى مسارٍ موازٍ يوحي بانخراط مجموعات المعارضة المسلحة في شمال غربي سورية أيضاً في مؤسسات الدولة. لا بل يشي حضور مراقبين أردنيين في جولة محادثات الآستانة الثانية في 6 شباط (فبراير) باحتمال ضم المعارضة الجنوبية كذلك إلى هذا المسار. ووفق أحد ناشطي ومحللي المعارضة المخضرمين، فقد اقترحت تركيا خضوع المجموعات المسلحة إلى حكومة انتقالية تتشكّل بعد اتفاق السلام، غير أنه لم يعد ممكناً في سياق الظروف الحالية أن تقوم مثل هذه الحكومة سوى بإشراف الأسد.

لقد خلق النظام أطراً تتيح استيعاب «الجيش» الموحّد للمعارضة والسماح له ببعض الاستقلالية التنظيمية: الفيلقان الرابع والخامس التابعان للجيش واللذان تم إنشاؤهما منذ العام 2015 لاحتواء «قوات الدفاع الوطني» والميليشيات الأخرى المدعومة من النظام، إضافة إلى التشكيلات القتالية ذات المهام الخاصة. كما سمح النظام لمقاتلي المعارضة بالبقاء والاحتفاظ بأسلحتهم بعد «المصالحات» في مناطق عدة، فقد يقبل بتوسيع هذا النموذج لاحتواء تشكيلات المعارضة العسكرية الأكبر، في إطار نوع من الحرس المحلي على صعيد المحافظة حيث تتواجد. ثم أن تأسيس فرقة نظامية جديدة تضم قوات النظام المتفرّقة في مدينة حلب في كانون الثاني (يناير)، يدل على احتمال إضافي هو تحويل قوات المعارضة في الشمال الغربي والجنوب إلى وحدات نظامية أخرى مرتبطة بأماكن جغرافية محددة.

قد تختلف تفاصيل هذا المسار العام، وهناك عوامل كثيرة قد تعرقله. فالمعارضة المسلحة قد تخسر المواجهة مع هيئة تحرير الشام، وقد ينتهز النظام ذلك الاقتتال ليتقدم داخل محافظة إدلب. وهذا سيشكّل امتحاناً قاسياً للتفاهم بين روسيا وتركيا. لكن حتى في أحسن الأحوال، ستجد المعارضة نفسها منحصرة في فضاء سياسي وعسكري وجغرافي متضائل باستمرار، وتخسر المزيد من النفوذ والقدرة على ممارسة الضغط المضاد، من دون مكاسب أو نتائج مضمونة في المقابل.

ربما تكون المرحلة الأخيرة من النزاع السوري مديدة، لكن خيارات المعارضة تضمحل بوتائر متسارعة. وقد سعى أحد مراكز الأبحاث المؤيدة للمعارضة إلى شد العزائم عبر التأكيد على أنه «على رغم أن التغيير أصبح معطى واقعياً في السياسة التركية، لكن لا يمكن أحداً أن يفرض على المعارضة تسوية مُجحفة لا تريدها». بيد أن مركزاً آخر استنتج بواقعية أكبر أن المعارضة «باتت بالفعل مهزومة استراتيجياً».

ولعل العزاء الوحيد هو أن المعارضة السياسية العريضة، والحراك الاجتماعي القاعدي، والائتلافات العابرة للطوائف والإثنيات، ستُبث فيها الروح مجدداً فقط عند انتهاء النزاع المسلح. صحيح أنه من العسير التنبؤ حول متى قد يحدث ذلك أو حتى من الصعب ضمان حدوثه، لكنه سرعان ما يعاود الظهور بصفته الأمل الوحيد لتحقيق التغيير المستقبلي في سورية.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٧
موسكو ـ واشنطن... وحقل الاختبار الإيراني

لم يتأخر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تطبيق وعوده الانتخابية، ففي أقل من شهرين على تسلمه السلطة تمكن من تحويل المسألة الإيرانية بشقيها النووي والإقليمي إلى قضية دولية، فأصبح الموقف من إيران مفتاحًا للتقارب مع واشنطن أو سببًا للتباين معها. هذه المعادلة تجعل موسكو التي راهنت على فوز ترمب في السباق الرئاسي من أجل انتزاع اعتراف أميركي بنفوذها ومصالحها في المحافل الدولية أمام معادلة صعبة لا يمكن الخروج منها من دون خسائر، حيث أصبح مستقبل التعاون الأميركي مع روسيا في القضايا الكبرى، وخصوصا الإرهاب، مرتبطا بتخلي موسكو عن تحالفها مع طهران.

ففي الوقت الذي تلمح إدارة ترمب إلى إمكانية المقايضة مع موسكو على سوريا شريطة أن تقوم موسكو بإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، يصل التعاون الروسي الإيراني في الشرق الأوسط إلى مرحلة تاريخية من التطابق في المواقف، خصوصا في الأزمة السورية، فموسكو التي أمنت طوال 6 سنوات التغطية الدولية للوجود الإيراني في سوريا، وتتعاون اليوم علنًا مع الميليشيات الطائفية الإيرانية التي تحارب إلى جانب الأسد، غير مستعدة للتخلي عن هذه المعادلة التي تؤمن لها كثيرًا من الأرباح السياسية والاستراتيجية بأقل تكلفة، وهي متمسكة بهذه المعادلة على الرغم من التباين في المواقف بين طهران وموسكو الذي ظهر قبل وبعد مؤتمر آستانة، إلا أنه لم يصل إلى مستوى التوتر أو الخلاف العلني. وقد حسم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجدل عندما دعا الولايات المتحدة إلى الاعتراف بدور «حزب الله» «في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي»، وأضاف: «إنه إذا كانت أولوية الرئيس الأميركي دونالد ترمب هي محاربة الإرهاب، فإنه من الضروري الاعتراف بما قامت به القوات الجوية الروسية، وكذلك فصائل أخرى تدعمها إيران، بما فيها (حزب الله)، ولذلك سيكون من الضروري تحديد الأولويات».

ففي الوقت الذي تحشد فيه إدارة ترمب العالم من أجل اعتبار إيران أحد أكبر مصادر الإرهاب، تدعو موسكو إلى إعادة النظر في الشكوك حول إيران بخصوص دعمها للإرهاب، وتطالب موسكو بانضمامها إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب.

رغبة الرئيس الأميركي ترمب في إعادة تشكيل العلاقة مع موسكو تصطدم بحواجز ضخمة داخل إدارة البيت الأبيض ومراكز صناعة القرار الأميركي، فإدارة ترمب تنقسم إلى جناحين: واحد يرفض إعطاء موسكو دور الشريك، ويضم نائب الرئيس ووزير الدفاع ومدير المخابرات ومدير الأمن الوطني، يقابلهم دعاة التعاون الوثيق مع موسكو في القضايا الدولية، والذين يرون إمكانية فك ارتباطها مع طهران إذا حصلت على ضمانات حول مصالحها وأمنها القومي في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، ويمثل هذا التيار كبير مستشاري الرئيس، إضافة إلى وزير خارجيته، ومستشار الأمن القومي الذي قد يتسبب بمشكلة لترمب بعد أن نقلت صحيفتا واشنطن بوست ونيوريورك تايمز عن مسؤولين بارزين في واشنطن أن أجهزة الاستخبارات الأميركية استمعت إلى محادثات جرت بينه وبين السفير الروسي لدى واشنطن، وتبيّن أن الجنرال مايكل فلين نصح السفير الروسي بعدم إبداء ردة فعل على العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما ووعده بأن الرئيس ترمب سيتمكن من مراجعتها، وهو أمر قد يفقده موقعه ويشكل انتكاسة مبكرة للمدافعين عن الشراكة مع موسكو على حساب مصالح واشنطن التقليدية في أوروبا والشرق الأوسط.(استقال فلين من منصبه أمس على هذه الخلفية - المحرر).

في المقابل فإن قائمة المطالب الروسية من الولايات المتحدة الأميركية مقابل تخليها عن إيران تتجاوز قدرة الإدارة الأميركية على تلبيتها، وعلى الرغم من رغبتها في إنشاء تحالف استراتيجي مع موسكو فإن نواياها ستصطدم بوقائع المصالح الدولية التي سوف تجبرها على الالتزام بالأمن الجماعي الأوروبي، الذي يرى في موسكو تهديدًا دائمًا له. كما أن الكرملين يدرك حجم الكلفة الباهظة لأي مواجهة مع إيران في سوريا، وهو يعترف بالتفوق الإيراني على الأرض الذي استطاع حماية النظام وتأمينه، لذلك تبدو فكرة تخليه عن إيران في سوريا شبه مستحيلة، وهو أميل إلى التعايش مع هذا النفوذ وتنظيمه، بما فيه مصلحة للطرفين.

باستثناء التصريحات المبهمة لترمب عن أهمية التقارب مع روسيا، لا توجد عوامل تعزز الثقة بين البيت الأبيض والكرملين، الذي لا يستبعد فكرة أن استفراد إيران مقدمة لاستفراده في المستقبل، لذلك تسع دبلوماسيته إلى القيام بمناورة سياسية وتكتيكية للدفاع المدروس والمحدود عنها، أو إقناعها لتقديم تنازلات مؤلمة في عدة ملفات من أجل سلامة نظامها، خصوصًا أن قيصر الكرملين يعلم خطورة استخدام الفيتو بوجه ترمب، خاصة أن حقل الاختبار الإيراني سيعيد تشكيل تحالفات المنطقة ويفرض وقائع جيو - سياسية جديدة على المنطقة والعالم.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٧
ما علاقة إسرائيل بسلاح 'حزب الله'

لا يستطيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قول الكلام الذي قاله عن أن سلاح “حزب اللّه” “لا يتناقض مع مشروع الدولة” مبررا وجود هذا السلاح بوجود احتلال إسرائيلي. هذا عائد أساسا إلى أن الأحداث تجاوزت سلاح “حزب الله”. لم يعد مطروحا الكلام العام عن دور هذا السلاح في التصدي لإسرائيل، اللهمّ إلا إذا كان مطلوبا افتعال حرب جديدة تعود بالويلات على لبنان كما حصل تماما صيف العام 2006.

أثار الكلام الصادر عن رئيس الجمهورية ردود فعل ذهبت إلى حد وصفه بأنّه يوفّر غطاء لسلاح غير شرعي ويشكك بقدرات الجيش اللبناني في وقت تبذل جهود لإعادة الحياة إلى الهبة السعودية للمؤسسة العسكرية اللبنانية.

يحتاج هذا التوصيف الدقيق إلى توضيح. فحوى التوضيح أن الربط بين سلاح “حزب الله” وإسرائيل هو ربط في غير محلّه. إنّه ربط لا يقدّم ولا يؤخّر إذا أخذنا في الاعتبار الوظيفة الدائمة لـ“حزب الله” بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، وهي وظيفة تخدم دولة معيّنة اسمها “الجمهورية الإسلامية في إيران” تمتلك مشروعا خاصا بها قائما على الاستثمار في كلّ ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية.

أكثر من ذلك، إن هذا الربط يظلّ خارج الموضوع المطروح بحدّة في لبنان والمنطقة، أي موضوع الدور الإيراني وخطورته. هذا عائد إلى أسباب عدّة. في مقدّمة هذه الأسباب أن إسرائيل، من وجهة نظر الأمم المتحدة، لا تحتلّ أرضا لبنانية. كانت الأمم المتحدة حاسمة وحازمة عندما أعلنت في العام 2000، أن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان هو تنفيذ للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 1978. أما بالنسبة إلى مزارع شبعا التي لا تزال محتلة، وهي أرض لبنانية، فينطبق عليها القرار 242 الذي ينطبق أيضا على هضبة الجولان السورية المحتلّة في العام 1967.

ليس سرّا أن سوريا احتلت مزارع شبعا في العام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر، وذلك بحجة أن على الجيش السوري شغل مواقع في شبعا تساعده في المواجهة في حال حصول عدوان إسرائيلي. هذا ما تؤكّده مذكرات الرئيس سامي الصلح، الذي كان يشغل في 1956 موقع رئيس الوزراء في عهد الرئيس كميل شمعون. لم يحصل هذا العدوان الإسرائيلي، لكنّ القوات السورية بقيت في مزارع شبعا التي احتلتها إسرائيل مع الجولان في حرب الأيّام الستة، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع في “سوريا – البعث” التي صارت لاحقا، بعد العام 1970 “سوريا ـ الأسد”.

رفض النظام في سوريا إلى اليوم توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تؤكّد أن مزارع شبعا لبنانية. لو وُجدت هذه الرسالة لكان لبنان استعاد الحجة التي تسمح له بإجبار إسرائيل على الانسحاب من تلك المنطقة التي ضمتها سوريا إليها. ولكن ما العمل عندما يكون مطلوبا خلق أعذار، ولو واهية، لتبرير بقاء سلاح “حزب الله” ذي الطابع المذهبي موجّها إلى صدور اللبنانيين بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وتنفيذ القرار 425. في الواقع، كان مطلوبا دائما سوريا وإيرانيا الربط بين الجولان ومزارع شبعا كي تبقى التجارة بهما من النوع الرائج، حتّى لو كان ذلك على حساب اللبنانيين والسوريين.

تكمن أهميّة سلاح “حزب الله” في أنّه قادر على التماهي باستمرار مع المشروع الإيراني. لم يكن هذا السلاح في يوم من الأيّام، على الرغم من وجود وجهة نظر مخالفة لدى كثيرين، في مواجهة مع إسرائيل. استخدم هذا السلاح في القضاء على أحزاب لبنانية مرتبطة باليسار تمارس المقاومة لإسرائيل. أُسكتت هذه الأحزاب باكرا قبل أن يأتي دور حركة “أمل” التي فضلت في نهاية المطاف، بعد مواجهات عنيفة سقط فيها آلاف القتلى، إيجاد صيغة تعايش مع الحزب تحت شعار ما يسمّى “الثنائية الشيعية”.

في مرحلة معيّنة، قبل الانسحاب الإسرائيلي، كان سلاح “حزب الله” الذي ورث السلاح الفلسطيني وسيلة لتحوّل الطائفة الشيعية في لبنان رهينة لدى إيران. بعد الانسحاب، صارت هناك استخدامات أخرى للسلاح في لبنان وخارج لبنان. الهدف، بكل بساطة، تحويل لبنان مستعمرة إيرانية وقاعدة تعمل منها إيران ضد دول عربية عدة، خصوصا في الخليج.

من يعرف ولو القليل عن اليمن والتطورات فيه، يدرك إلى أيّ حد هناك تورّط لـ”حزب الله” في دعم الحوثيين (أنصار الله) منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة. لا حاجة إلى الدخول في التفاصيل اليمنية، بما في ذلك تدريب الحوثيين على شنّ عمليات عسكرية، وهو تدريب حصل في اليمن وخارجه. ولا حاجة إلى الإشارة إلى العلاقة بين “حزب الله” وما يدور في البحرين أو السعودية، وحتّى الأردن في مرحلة ما. هذه العلاقة حالت دون حضور الملك عبدالله الثاني القمّة العربية التي انعقدت في بيروت في آذار ـ مارس من العام 2002. تجاوز دور “حزب الله” الحدود اللبنانية منذ زمن بعيد. إنّه شريك في الحرب على الشعب السوري. لعب سلاحه دورا مهمّا في تهجير سوريين من أرضهم، وذلك في وقت هناك تنسيق تام في شأن سوريا بين روسيا وإسرائيل!

في الإمكان الاسترسال في الكلام عن أدوار لـ“حزب اللّه” في غير مكان، بما في ذلك السودان، كما يمكن العودة إلى دوره في مصر في عهد الرئيس حسني مبارك وتهريب السلاح إلى غزّة ومحاولة تهريب السلاح إلى الضفّة الغربية لمصلحة “حماس” وأطراف معادية للسلطة الوطنية الفلسطينية.

على هامش ذلك كلّه، لا يمكن تجاهل دور “حزب الله” في العراق، من زاوية ميليشياوية ومذهبية، وحجم العداء لكلّ ما يربط بين العرب ولبنان، خصوصا أهل الخليج الذين قرّر الحزب جعلهم يزيلون لبنان من خارطة البلدان التي يزورونها. لكنّ ما هناك حاجة إلى التذكير به دائما هو أنّ سلاح “حزب الله” استخدم في لبنان في مناسبات عدّة، وذلك على الصعيد الداخلي. من حماية المتّهمين باغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وصولا إلى منع مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية طوال سنتين ونصف سنة، مرورا بغزوة بيروت والجبل في أيّار ـ مايو 2008.

هناك آلاف الأمثلة على الأدوار التي لعبها سلاح “حزب الله” لمصلحة نشر ثقافة الموت في لبنان. كذلك يظل مفهوما ومفيدا التذكير بأنّ سلاح “حزب الله” خرق للقرارين 1559 و1701 الصادرين عن مجلس الأمن. وافق “حزب الله” على كلّ حرف في القرار 1701 الذي أوقف “الأعمال العدائية” في صيف العام 2006 نتيجة حرب افتعلها “حزب الله” مع إسرائيل ولم يعد قادرا على الذهاب إلى النهاية، بل حوّلها إلى انتصار على لبنان. لا يزال لبنان يدفع إلى اليوم فواتير تلك الحرب، بما في ذلك فواتير الدور الذي يلعبه السلاح غير الشرعي داخل أراضيه وخارجها، والذي يهدّد كلّ مؤسسة من مؤسساته الوطنية، بما فيها الجيش وقوى الأمن.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٧
أولويات حزب المقاومة

عاد أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، الأسبوع الجاري، إلى ممارسة هوايته المفضلة في إلقاء الخطب "الحماسية" التي يحاول من خلالها تحقيق أغراض مختلفة، مثل إيصال رسائل من "السادة" في إيران إلى العالم، أو استنفار جمهوره كلما شعر ببرود "همّته"، أو التذكير بما كادوا ينسونه، وهو أنه ما زال "سيد المقاومة"، وإن اختلفت ساحاتها. استنفد نصر الله كل هذه الأغراض تقريباً، في كلمةٍ تأبينيةٍ أخيرةٍ، استغلها لتحذير الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من المسّ "بالسادة" في طهران، والتذكير "بالانتصارات" التي تحقّقها "المقاومة" في سورية والعراق واليمن، بعد أن باتت الطريق إلى القدس، لأسباب فنية يضيق المجال لشرحها، أطول مما كانت عليه في أي وقت مضى، إلى درجة أن نصر الله غفل حتى عن ذكر إسرائيل والصراع "المقدّس" معها.

لا يمكن لأي تحليلٍ رصينٍ أن يزعم بعدم وجود علاقة عدائية بين حزب الله وإسرائيل، أو أن إسرائيل لا تتحيّن الفرص للانقضاض على الحزب، وإضعاف قدراته أنّى استطاعت ذلك، بدليل غاراتها التي باتت شبه أسبوعية على مواقع الحزب وقوافله ومخازن أسلحته في سورية. لكن أي تحليل رصين لا يمكنه، في المقابل، أن يغفل كيف أن الصراع السوري كشف بجلاء أن أولوية حزب الله لم تكن يوماً في مقارعة إسرائيل، أو دعم مقاومة فلسطين، وأن هذه لم تكن سوى أداة أو وسيلة للتعمية على الهدف الاستراتيجي الأعلى للحزب، ومن ورائه "السادة" في طهران، وهو هدف طائفي بامتياز، يمكن اختصاره بتمكين إيران، بما تمثله قوميةً ومذهباً، وإنهاء قرون من حكم العرب المنطقة، بما يمثلونه قومية ومذهباً.

استدعاء التدخل العسكري الروسي في سورية، وتحول حزب الله وغيره من مليشيات إيرانية إلى قوة برية تعمل بخدمة سلاح الجو الروسي، قد قضى عملياً ونهائياً على منطوق الصراع مع إسرائيل واستخداماته الأداتية، حيث دفعت أولويات الحزب وأجندته الطائفية إلى تجاهل طبيعة العلاقة التي تربط روسيا بإسرائيل، وجعلت منه، في واقع الأمر، حليفاً لحليف عدوه المزعوم.

لا يحتاج حزب الله إلى من يكشف له عن طبيعة العلاقة التي تربط حليفه الروسي "بعدوه" الإسرائيلي، فهي مكشوفة، وليس فيها أسرار كثيرة، فقد كانت إسرائيل الوحيدة من بين حلفاء واشنطن جميعاً التي رفضت الالتزام بالعقوبات الغربية على روسيا بعد ضمها القرم، لا بل توثقت العلاقات الروسية - الإسرائيلية أكثر بعد التدخل الروسي في سورية، باعتبار أن هذا التدخل الذي قام على خلفية تحالف روسي - إيراني لإنقاذ النظام السوري، يخدم مصالح إسرائيل بطريقتين: الأولى لأنه موجه ضد التنظيمات الإسلامية السنية المتشددة، والثاني لأن هذا التحالف الروسي - الإيراني يجعل لروسيا دالةً أكبر على إيران وحزب الله، وينهي أي إمكانيةٍ لأن تتحوّل سورية أو لبنان قاعدة لهجمات ضد إسرائيل. فوق ذلك، تدرس إسرائيل الآن عرضاً لإنشاء شراكةٍ مع شركة غاز بروم الروسية لاستغلال حقل ليفياثان المشترك بين دول شرق المتوسط (تركيا وسورية ولبنان وإسرائيل وقبرص)، حيث تسعى روسيا إلى استغلال علاقاتها الجيدة مع هؤلاء لإنشاء كونسورتيوم بقيادتها، خصوصاً بعد أن تحولت فاعلاً رئيساً في الشأن السوري، واللبناني أيضاً، حيث لعبت موسكو دوراً رئيسياً في إيصال حليف حزب الله الجنرال ميشال عون إلى الحكم.

في عام 1986 اهتزت إدارة الرئيس رونالد ريغان على وقع فضيحة إيران - كونترا، والتي قام بموجبها مستشار الأمن القومي في ذلك الوقت، روبرت ماكفارلن، بتدبير الالتفاف على حظر الكونغرس تقديم معونات مالية لجماعة المعارضة الرئيسة (كونترا) التي كانت تقاتل الحكومة اليسارية في نيكاراغوا من خلال الإيعاز لإسرائيل ببيع أسلحة أميركية لإيران التي كانت في حربٍ مع العراق، في مقابل تحويلها ثمن هذه الأسلحة لكونترا. لم تتعاف إدارة ريغان أبداً من هذه الفضيحة، أما في إيران فلم يظهر ما يشير إلى وجود مشكلة، طالما أن الغاية كانت تتمثل في هزيمة العراق، كما تتمثل اليوم في هزيمة الشعب السوري، بما يرمز إليه قومياً ومذهبياً. ترك العرب، بتخليهم عن القضية الفلسطينية، الباب مشرعاً أمام إيران وحلفائها، لاستخدامها أداة تحاربهم بها والتعمية على حقيقة مقاصدها الطائفية، وعليهم الآن أن يستغلوا فرصة انكشاف الأجندة الإيرانية لتخليصها من هذه الأداة، عبر العودة إلى احتضان القضية الفلسطينية، والتي هي مسؤولية عربية أولاً وأخيراً.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٧
وصاية على شباب الثورة السورية

بين الانتقادات التي يوجهها من يراجعون مسار الثورة السورية وأدوار الفاعلين فيها انتقاد يقول بضرورة رفض "الوصاية السياسية والفكرية" التي يمارسها بعض رموز المعارضة على الأجيال الشابة. وينطلق أصحاب هذا الرأي من واقعةٍ يعتقدون أن صحتها ليست بحاجة إلى دليل، هي أن أصحاب الرأي وصنّاعه في المعارضة السورية قد فشلوا، إلا في أمر وحيد، هو ممارسة قدر من الوصاية على أجيالها الشابة منعها من إظهار ما هي مؤهلة له من إبداع وقدرات، لو تحرّر من الوصاية لغيّر مسار الثورة، أو حال دون ارتهانها لما ظهر فيها من أخطاء وعيوب، انتجتها بالضبط وصاية هؤلاء عليها.

هل هذا ما حدث بالفعل، وأصاب الثورة بالكوارث التي حلت بها؟ هل "الكبار" هم من لاحقوا الأجيال الشابة التي أطلقت الثورة، واعتقلوها وقتلوا وسجنوا كتلتها الرئيسة ورموزها، وفصلوها عن حاملها الأهلي الذي استمروا في سحقه إلى أن تسلح وتطيّف وتمذهب، وابتعد عن قيادة حراك الحرية السلمية الشابة، ومشى وراء قيادةٍ معاديةٍ له ولمطالبه، وأسهم بتمذهبه وتعسكره في تهميشه وملاحقة (وتصفية) رموزه وممثليه الذين نجوا من قمع النظام الأسدي وتصفياته، علما أن موتهم حدث، هذه المرة، بأيدي إرهابيي "داعش" وجبهة النصرة؟ ثم، هل كانت الأجيال الشابة مؤهلةً حقا لقيادة الثورة التي سرعان ما فقد السوريون سيطرتهم عليها، بعد أشهر من انطلاقتها، وتحولوا بقوة صراعات وتناقضات دولية إلى أداة لتصفية حسابات بين قوى خارجية إقليمية ودولية متنوعة، تلاشت أهدافها تدريجياً أمام أهدافهم، حتى صار من الواقعي القول إن الخارجي غلب الداخلي السوري، والأجنبي الوطني، والدولي المحلي، والإقليمي العربي ... إلخ. لذلك اتضح بصورةٍ متزايدة أن مجرياتها لم تعد رهن إرادتهم التي غدت رهينة خياراتٍ وقراراتٍ أملاها غيرهم عليهم، من دون أن تكون في مصلحتهم، وأن يستطيعوا الحد من تبعيتهم لها. بعد عام من الثورة، ذهب قطاع كبير من شباب المجتمع الأهلي إلى سلاح تمذهب وتعسكر، وغاب قطاع آخر ربما من شباب المجتمع المدني في السجون أو قتل أو رحل عن الوطن، وفقد تماسّه المباشر مع مواطنيه. في هذا الفراغ، وما لازمه من تمزيق للهيئة المجتمعية، بمختلف فئاتها وطبقاتها وأماكن انتشارها، أصاب الجميع عجز لم يعرفوا كيف يتجاوزونه، حال بينهم وبين تحويل تمرّدهم أو انتفاضتهم إلى ثورة، وأفشل شيئا فشيئا جهودهم لمواصلة حراكهم بوصفه تمرّدا سلمياً، مدني الهوية ديمقراطي المآل، هدفه الحرية لشعب سوري موحد.

بفقدان التمرّد هويته واستقلاليته وارتباطه مع معظم فئات الشعب، بدأ ينحدر، وبان عجزه عن التحوّل إلى ثورة. عندئذ، ظهر ما اتسمت به الأجيال الجديدة أولا، والأحزاب التقليدية ثانيا، وأخيرا النخب المثقفة المستقلة عن الأحزاب، من افتقار إلى ما كان مطلوبا وضروريا من فكر ثوري منهجي وخططي، ومن قدرة على بلورة برامج سياسية مترابطة وامتلاكها، موضوعها مجتمعنا بخصوصياته التاريخية والدينية والحضارية، وفقره الديمقراطي والمدني المديد، تستند إلى ثقافة عصرية مستقلة نسبيا، وقابلة للانغراس في المجتمع، حيث تتنامى وتنتشر في أجواء آمنة نسبيا، وتخترق قطاعات واسعة من النخب الثورية والشرائح الاجتماعية المتوسطة والعليا، ويمنحها تفعيلها القدرة على بلورة حلول ناجعة لما يواجه التمرّد من مصاعب وتحديات يعني تجاوزها والتغلب عليها تحوله إلى ثورة. صنع الشباب التمرد، وحين تطلب استمراره فترة أطول مما اعتقد الجميع، تبين أن التدخل الخارجي والانحراف المذهبي المتعسكر والعجز الذاتي عوامل ستكبح تطور حراك السوريات والسوريين إلى ثورة، وأن الانحراف الخطير الذي أصاب القطاع الأهلي أفقد التمرد جماهيره الواسعة وقوّض الحرية التي كانت حلما فغدت تحولاتها الكابوسية واقعا، لا يمكن الخروج منه، في ظل تدخلات الخارج التي أسهمت بدورها في دفع الحراك بعيدا عن الحرية والديمقراطية، بوصفهما مطلبين وإمكانيتين صارتا شيئا فشيئا افتراضيتين، ازدادتا بعدا عن مطالب الحراك، بقدر ما طال، وجافت مجرياته أحلام السوريات والسوريين.

لم تكن هناك وصاية، لأنه لم يكن هناك أوصياء من جهة، ومن يمكن فرض الوصاية عليهم من جهة أخرى. ولو كان هناك وصاية لأمكن تفادي أخطاء سياسية كثيرة حذّر "الأوصياء المزعومون" منها، لكن أحدا لم يستمع إليهم، بسبب سيطرة الشعبوية على الحراك في مرحلة مبكّرة، ولأن معظم الأوصياء كانوا من أنصار الحرية الذين رفض التمذهب والتعسكر دورهم بشدة، لأنه كان ضدهما. لقد عانى "الأوصياء" حال نبذ وعزلة، كالتي عانى منها شباب الحراك المدني، على الرغم من صلاتهما الواهية قبل الثورة، علما أن قوة الحراك وحجمه قطع صلاتهم القائمة، الضعيفة أصلا، وأخذ الشباب إلى مواقع جعلت من الصعب عليه تطوير علاقاته معهم، بينما كانوا يتعرّضون هم أنفسهم لحملات متعاقبة من العزل والتخوين: كعلمانيين يعادون ثورة أهل السنة والجماعة وعملاء للغرب الكافر والنظام الأسدي، الذي صار علمانيا مثلهم بدوره، بعد أن كان طوال عقود طائفيا/ نصيريا. في هذا الاحتجاز المزدوج الذي طاول الشباب والأوصياء على يد قوتين متكاملتين هما: النظام من جانب والتنظيمات المذهبية التي لا تقبل حلا غير عسكري، ونظاما غير مذهبي من جانب آخر، وترفض مشاركة أي خارج عنها في انتصارها الموهوم، كان من المحتم أن تتلاشى علاقة المثقفين بالحراك الذي كان يتلاشى بدوره، وأن يفشل التمرد في الحفاظ على مدنيّته وحيويته ووجوده، والمثقفون في استعادة موقعهم قبل التمرّد، وفاعليتهم باعتبارهم ممثلاً ضميرياً لمجتمعٍ فقد جميع أدوات الدفاع عن نفسه، ينكّل به نظام أكملت فظائعه ضدهم تنظيمات أخذت تمارس حيالهم سياساتٍ مطابقةً لسياساته التي لم تبزّها في القسوة والعنف والتعطش إلى القتل.

لا تكمن مأساة الثورة في وصاية ما فرضت على الأجيال الشابة، بل في ما تعرّض له هؤلاء من سحق وتشتيت وتمزيق، وواجهوه من تمذهبٍ وتعسكر، أخرجهم مبكراً من صراعٍ كان يبدو أنهم طرفه الثاني، وأن ما ينشدونه سيكون بديله المؤكد، بيد أن تقويض حراكه بدّل هذه المعادلة وحساباتها من أساسها، واستبدلها بمعادلةٍ لم يعودوا هم حدّها الثاني، بل التنظيمات المعادية للحرية ولوحدة الشعب، والتي حولت الصراع ضد الاستبداد إلى صراع سني/ علوي. لا تكمن المأساة أيضا في وجود مثقفين أوصياء على غيرهم، بل في عدم وجود مثقفين كهؤلاء، لو وجدوا لما افتقر التمرّد إلى برامج وخطط واستراتيجية ثورية، ولامتلك القدرة على حماية نفسه وتطوير وتائره وطاقاته، ولما تحول، بسهولةٍ مفاجئة، إلى تمذهب وتعسكر، ولصمد في وجه الدفق الإرهابي الذي أطلقه الأسد من سجن صيدنايا قرب دمشق، ونوري المالكي من سجن أبو غريب قرب بغداد، وسرعان ما تحول إلى سيل جارف غطت تنظيماته المناطق التي أخرج النظام منها، وغيرت أسس الصراع ضد الأسدية، ودمرت علاقات الثورة الدولية وحسّنت مواقع الأسد، إلى أن عاش الشعب تحت قصف النظام من الجو، وإجرام التنظيمات على الأرض، وكفر مواطنو البلدات التي ابتليت بجماعاتها المسلحة بكل شيء، وعادوا تدريجيا إلى النظام.

واليوم، ونحن نشهد إفلاس التعسكر والتمذهب، خصوصا بعد كارثة حلب التي تسبب بها، تصبح الحاجة ملحة إلى وضع خبرات المثقفين المنتمين إلى الشعب ومعارفهم تحت تصرف الحراك المجتمعي والشبابي الذي بدأت علامات تجدّده تلوح في الأفق، وأخذ يستعيد هويته حراكاً من أجل الحرية للشعب السوري الموحد، لكي لا يتخبط في الارتجال والشعبوية، ويغيب مجتمع الحرية عن الحاضر والمستقبل، بعد كل ما قدمه من تضحياتٍ وعاناه من عذابات. في هذه اللحظة المفصلية، من غير الجائز وطنيا انفصال المثقفين عن الحراك، ومن الضروري أن يستعيدوا دورهم، وما يمليه عليهم ولاؤهم للشعب من أنشطةٍ يضعونها في خدمته، وأن لا يسمحوا لغربتهم عنه أن تحرفه عن مقاصده النبيلة، وتضعهم في موقع التقصير والتقاعس عن أداء الواجب.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٧
روسيا في سورية بميزان ترامب

لم تبد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أي استجابات أو ردود فعل واضحة على إجراءات روسيا في سورية، والتي تصل احياناً إلى حد الطعن في الخاصرة، وذلك في ما يبدو انه رغبة من روسيا في اختبار سياسات إدارة ترامب ومعرفة ماهيتها وحدودها.

منذ سنة 2008، تاريخ غزوه جورجيا، يختبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسة الإدارات الأميركية تجاه روسيا عبر مواقفها الصادرة حيال تحركاته التي تنطوي غالباً إما على رفض وإدانة تلك السياسات، كما حصل في أوكرانيا، أو القبول بها كما حصل في سورية، وكان على مقتضى هذه المواقف يرسم حدود تحركاته ويكيفها، تضييقاً كي لا تلامس الخطوط الحمر الموضوعة ضمناً في حالة الرفض، وتوسيعاً للاستفادة إلى أعلى درجة من الهامش المسموح.

غير انه مع إدارة ترامب يواجه نمطاً مختلفاً من التعاطي، فعلى رغم الحماسة والاندفاع اللذين يسمان شخصية ترامب إلا أنه في الموضوع السوري لم يكشف عن طبيعة السياسات التي سيتجه إلى إقرارها وإنفاذها في ملف يكاد يستهلك الجزء الأكبر من فعاليات السياسات الدولية في العقد الأخير.

صحيح أن ترامب أكد في عدد من المرات أنه يرغب في التعاون مع روسيا في محاربة الإرهاب، لكنه لم يوضح الكيفية ولا الآليات التي يراها بهذا الخصوص، وبالعكس من ذلك اتخذ قرارات صادمة للروس، مثل إعلانه الرغبة في إقامة مناطق آمنة، ولعل الأخطر من ذلك إعلانه الصريح نيته تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، وكل ما سبق مؤشرات ونذر سوء يفهمها الروس جيداً اكثر من سواهم.

في موضوع المناطق الأمنة يقلص ترامب النفوذ الروسي في سورية على مناطق صغيرة، ربما على طول الشريط المسمى «سورية المفيدة» ويلغي تالياً المظلة التي حاولت روسيا موضعتها على جزء من الشرق الأوسط، بما فيه أجزاء واسعة من تركيا، الجناح الجنوبي من حلف الناتو.

ويستكمل ترامب إجراءات تقليص النفوذ الروسي في مشروع محاربته للتمدّد الإيراني، ذلك ان إيران وأذرعها تشكل الأداة العسكرية لروسيا في سورية والتي من دونها لم يكن ممكناً تحقيق ما حققته، ومن دونها أيضاً ستكون روسيا امام خيارات قاسية، أسهلها العودة إلى الاحتماء وراء جدران حميميم وطرطوس.

حتى في موضوع بشار الأسد، لم يقل ترامب سوى انه لا مشكلة في بقائه، وهذه أيضاً يفهمها الروس جيداً، ذلك أن بقاء الأسد ولكن معزولاً يعني أن أميركا تطلب من روسيا تدبير شؤون الجزء الذي يسيطر عليه الأسد من سورية، بما فيه من إعادة الإعمار التي تتكلّف بحدود ترليون دولار، عدا عن تدبير شؤون الحياة المعيشية والإدارية في منطقة لا موارد فيها، لا قمح ولا نفظ وغاز، ولا يمكن الترويج فيها حتى للسياحة في بلاد صارت الخرائب تشكل معظم المشهد فيها.

وعلى عكس ما اشتهى وتمنى بوتين من أن إدارة ترامب ستتعامل معه بوصفه قوة ندية وذات مكانة دولية، لا يبدو أن سياسات ترامب تسير إلى هذا الأفق، وإلا لكانت احترمت إجراءات روسيا وترتيباتها وقامت بشرعنتها، في حين أن الحاصل هو أن إدارة ترامب تصنع خريطة تحركاتها وكأن روسيا لم تصنع شيئا منذ أيلول (سبتمبر) 2015، بل وكأن كل الجهد الذي قامت به في حلب من أجل تغيير موازين القوى وفرض سياسات أمر واقع على اميركا لم تكن سوى عملية لصوصية قامت بها موسكو وفي ظنها أنها تحصّلت على ما تريد، في حين أن إدارة ترامب تبلغها اليوم، وإن بطريقة غير مباشرة أن ذلك لم يكن سوى مباراة ودّية بهدف التسلية ولا تحمل أي طابع إستراتيجي كما أن نتائجها لا تؤخذ في الاعتبار ولا تؤثر في تراتبية اللاعبين.

هل يعني ذلك أن ترامب لا يعترف بأي إنجاز روسي في سورية ولا بأي مصالح لها في هذا البلد؟، بالطبع ليس هذا ما يريده ترامب تماماً، بقدر ما يريد القول ان سورية ليست حكراً على روسيا، فهناك أجزاء منها تشكل تماساً مباشراً مع مناطق للنفوذ الأميركي، في العراق والأردن وتركيا وإسرائيل، وهذه المناطق ليست مجرد شرائط حدودية بل لها عمق جغرافي يمتد داخل سورية، وبذلك، فإن ترامب يعترف لبوتين بحدوده الغربية في سورية، لكنه في الوقت ذاته يضع نفسه في موقع المقرّر في بقية الحدود.

ولا شك في ان هذا الأمر ينطوي على رسالة مهمة من ترامب لبوتين مفادها، أننا راقبنا استعراض قوتكم وتفحصنا أدواته ومكوناته، هو جيد إلى حد ما، لكنه لم يتجاوز مقدرات قوة إقليمية يمكن التعاون معها شريطة أن يصب ذلك التعاون في مصلحة إستراتيجيتنا الكبرى.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٧
مفترق طرق أمام السوريين

دخلت القضية السورية حالة من القلق والاضطراب إلى درجة بات معها السؤال المطروح: إلى أين يسير الأمر، هل يشير الوضع الراهن إلى مرحلة من «اقتسام النفوذ في سوريا» أم «إلى تقسيم لها»؟ والحق أن رباطاً يجمع بين السؤالين المذكورين، إضافة إلى أسئلة أخرى قد تكون دخلت في نطاق المرحلة السورية الراهنة، وأخذت تنثر الأسئلة حول المصير السوري، أي الذي يتصل بالمسألة الوطنية ديموغرافياً، وبالأحرى المرتبطة بالمسألة القومية. وبضبط أكثر اقتراباً، يبدو الأمر متصلاً بالسؤال حول ما إذا كانت مسألتا الوطنية والقومية، وذلك عبر المساءلة فيما إذا ظل تعريف سوريا بكونها الكيان الذي يضم السوريين أرضاً وشعباً أولاً، وعبر المساءلة الأخرى عما إذا كان تحديد القومية العربية بمثابتها الانتماء القومي التاريخي لسوريا.. أما السؤال الآخر فعما إن كانت الطائفية الدينية تعبيراً وجودياً عن كلتا البنيتين الوطنية والقومية.

إن تعاظم الخطاب الطائفي في هذه الأثناء لدى أوساط ثقافية وسياسية متعددة، تعبيراً عن كون الأمر لم يعد متصلاً بالأصلين الوطني والقومي اللذين برزا في الفكر العربي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وإلى مرحلتنا هذه المعيشة، بل يمكن ملاحظة أن أحد أوجه ذلك الخطاب كان موجوداً قبل نشأة الهويتين الوطنية والقومية على مستوى التنظير المعرفي والأيديولوجي.

في مواجهة ذلك كله سيكون من الخطأ اللجوء إلى السلوك العشوائي اللاتاريخي، الذي يلجأ إليه دعاة الطائفية، من موقع أن الطائفية مقترنة بما يعتبرونه أساس الحركة التاريخية أي «الطائفة العرقية» و«العقيدة الدينية». وبالمقارنة التاريخية يمكن أن يتضح أن «العرق» لا يوجد وحيداً دون إطار اجتماعي تاريخي، وأن الدين لا يلخص الوجود الإنساني المركب والمعقد بما يختزنه من عناصر وعوامل تتحدر من المجتمع البشري فقط، وإنما يدخل في صلب ذلك «المجتمع المدني».

هكذا نتمكن من تفكيك الطائفيين الدينيين بمثابتهم دعاة طائفة دينية متحجرة ضمن رؤية لاتاريخية.

والحال أن الهوية الوطنية والانتماء التاريخي القومي لا يمكن أن يُطاح بهما عبر تفسير مضطرب لمفهومي الطائفة الدينية والانتماء القومي، فإذا مشينا على هذه الطريق الوعرة وغير المؤصلة بتدقيق، واجهنا أمامنا معطيات أخرى تقود إلى ما هو مغاير للانتماء القومي وللهوية السورية. وحيثما نلجأ إلى هذا الأسلوب الملفق نجد أنفسنا أمام ما قد يرغب في الوصول إليه المتحدثون عن «اقتسام النفوذ في سوريا» و«تقسيم سوريا»، فبغض النظر عن كون القولين المذكورين إن هما إلا صيغة ملتسبة، فإن حداً من التحليل اللغوي يظهر أن اقتسام النفوذ في سوريا إن هو إلا اقتسام لسوريا على نحو يضمن النفوذ العسكري والسياسي.. إلخ، للقوى التي مشت حتى الآن على هذا الطريق، على الرغم من خلافات تظهر هنا أو هناك لتظهر أن استراتيجيات متعددة تعمل على امتلاك سوريا أرضاً وشعباً، وإن بطرق أخرى ملتوية تقتضيها السياسات الملتوية.

حقاً، إنه مفترق معقد يعيشه السوريون أمام عملية ابتلاع أيقونة الكون، سوريا، أي التي قدمت للبشرية ما تفخر به من إنجازات وحضارات! والمفارقة الخطيرة أن الوطن العربي برمته يعيش ما يكفيه من أنواع الصراعات والاضطرابات والمشكلات العصية، ويجد نفسه وجهاً لوجه أمام مصائب كبرى مغرقة في التشاؤم، على المحورين المحلي القُطري والقومي. ويحدث ذلك دون اهتمام كافٍ من إخوة منتمين لهذا الوطن بالمصائر التي قد يجد نفسه أمامها خالي الوفاض من طاقات الدفاع والبناء! هذا ناهيك عن السعي لتفكيك العالم العربي من أي جهة أتيته.

إن مفترق الطرق الحاسم الذي يقف السوريون أمامه مرشح لمزيد من الاضطراب والبؤس، عدا القتل والتدمير والتفكيك في أقطار عربية أخرى أو مناطق مهمة أخرى. ومن ثم فإن ما يواجه الأحداث السورية يمثل مشروعاً للتفكيك المفتوح والمستمر، ولذا فإن التنبه إلى سوريا الجريحة هو أحد المداخل الحاسمة إلى حماية الوطن العربي كله.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٧
روسيا ومستقبل التحالفات

أكملتْ قوات درع الفرات، المسنودة، بشكل مباشر وفعلي، بعناصر الجيش التركي وآلياته، مهمتها التي بدأتها انطلاقاً من رأس جسر جرابلس غرباً نحو أعزاز، ووضعت تحرير مدينة الباب استراتيجيا قصيرة المدى، باعتبار الباب تطل على مدينة حلب، وتحتفظ بأواصر جغرافية قوية مع كل من جرابلس وأعزاز.

تقدّمت قوات درع الفرات ببطء، وعينها على قوات سورية الديمقراطية، وراقبتها وهي تقتحم مدينة منبج، وتقدّم مادة إعلامية لافتة، بإعلانها الحملة على الرقة. حافظت قوات الدرع على تقدمها البطيء نحو مدينة الباب، حتى أحكمت الحصار عليها. وخلال ذلك، تلقت هجومين، أحدهما من قوات النظام، والآخر كان ضربة جوية "غير مقصودة" من الطيران الروسي، فقدت خلالهما بعض العناصر العسكرية، وتم تجاوز الحادثتين بفضل التعاون الروسي التركي الكبير، والمنسَّق على مستوى الرؤساء، والذي رعى كل التحرّكات منذ بداية الدخول التركي إلى جرابلس.

يبدو التحالف التركي الروسي قوياً حتى الآن، وقد مرّ مقتل الجنود الأتراك الثلاثة وجرح زملائهم بقذيفة روسية، مرور الكرام، بعد أن سارع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للاعتذار، وتحجج بقلة التنسيق الذي يحتاج إلى تفعيل أكبر ليمنع الاحتكاكات المميتة التي يمكن أن تحصل بين جيش النظام ومليشياته وبين الجيش المنضوي تحت راية "درع الفرات". وسيشكل، بحسب ما أعلن الجانب الروسي، أوتوستراد تادف حداً فاصلاً بين الجيشين، وهو أقصى خط يمكن أن تصل إليه مليشيات النظام، وقد وصلت بالفعل، فيما يبدو الجهد العسكري والدبلوماسي نشطاً للحفاظ على الهدوء في محيط الباب، على الرغم من أنها تعج بخليط مختلف من الأعداء الذين يتربص كل منهم بالآخر.

تعرف قوات النظام أنها ممنوعة من تجاوز تادف، وتعرف قوات سوريا الديمقراطية أنها غير قادرة على الاقتراب من الباب، وقد ردت على انتصارات قوات "درع الفرات" بمزيد من النشاط في محيط الرقة، والرقة معركة الجائزة الكبرى. وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد هاتف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي قال إن الحديث الهاتفي دار حول مكافحة الإرهاب في الباب والرقة. عند هذه النقطة، على الجانب الروسي أن يتوقف قليلاً، ليراجع حساباته التي بدأت بالتعقد، فهو مطالَبٌ بكبح جماح جيش النظام، ومن خلفه إيران التي ترغب بمزيد من التقدّم، ولا مانع لديها من الاحتكاك العسكري مع "درع الفرات"، وهو الأمر الذي حصل بالفعل، وجرى احتواؤه. وكان أردوغان قد التقى أيضاً رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، وبرئيس المخابرات الأميركية (سي آي إيه) الذي جاء بشكل خاص إلى أنقرة. وقد تنفخ هذه المتغيرات المتلاحقة الروح في التعاون الغربي التركي في سورية، ووجود الأعداء وجهاً لوجه وبشكل مباشر داخل مدينة الباب، وعلى تخومها قد يجعل تركيا تختار المواجهة، بعد أن حصلت عملياً على الخمسة آلاف كيلو متر المنشودة، وهي مثلث جرابلس أعزاز الباب، وحمايتها من الجو قد يتيحها الوجود الأميركي، وعندها قد تصبح روسيا بمأزق عليها الخروج منه، ولن تجد إلا مزيداً من التورّط العسكري سبيلاً لمعالجة الأمر.

نشأ الحلف الروسي التركي في غياب شبه كامل للعامل الأميركي، وحضور أوروبي في الشق الإنساني فقط، وبعد أزمة دبلوماسية حادة، وجد الطرفان نفسيهما في خندق واحد. الآن وقد حصلت تركيا على معظم ما ترغب به، ولم يبقَ إلا المعركة الكبرى في الرّقة، والتي ستصر على المشاركة فيها وبقوة، وهي معركة لن تغيب عنها أميركا بأي حال، يبقى العامل الروسي موضع شك، ونحن نشاهد اهتماماً روسياً لافتاً بالمناطق الساحلية، وإصراراً مغالياً في الجهود السلمية لتقريب المعارضة والنظام.. وسيتطلب الأمر جردة حساب دبلوماسية وعسكرية قبل الانتقال إلى معركة الرقة، فمن غير المعقول أن يبقى الجيش الحر وجيش النظام، ومن خلفه مليشات إيران وقوات سورية الديمقراطية في مكان واحد، وعلى جبهة واحدة بدون أن تُجبر روسيا وتركيا على إعادة النظر بالحلف الذي تأسّس في غفلةٍ من اللاعبين الكبار.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٧
القلمون والكرم الحاتمي .. نظرة في مفاوضات اعادة أهالي القلمون لبلداتهم

فجأة، ودون توقّع مسبق، بدأ الضجيج الإعلامي حول مبادرة يقدمها حزب الله بخصوص جرود القلمون، وتختلف المبادرة كثيراً، بحسب بنودها، عن بقية المبادرات والمصالحات التي انتهت كلها بالتطهير العرقي، كما هو الحال في داريا ووادي بردى وحمص القديمة وغيرها.

تتلخص المبادرة بخروج ميليشيا حزب الله من اثنتي عشرة بلدة وقرية واقعة في تلك الجرود، وعلى رأسها بلدة يبرود ورنكوس وعسال الورد، على أن يتم تسليم إدارة المنطقة كلها إلى فصيل يُطلق عليه "سرايا أهل الشام"، وهو فصيل نشأ من توحيد عدة فصائل. كما تنص على إصدار عفو عام عن المطلوبين، وعودة لاجئي المنطقة في لبنان إلى قراهم وبلداتهم المذكورة.

ومع أن المبادرة لا تتحدث عن منطقة القصير المجاورة لمنطقة القلمون، ولا عن سكانها اللاجئين، وهم بأعداد أكبر بكثير من لاجئي القلمون، فقد تم تهجير سكانها في عام 2013 بشكل كامل أو شبه كامل. ومع أن المبادرة، لو تم تطبيقها، ستحصر المنطقة بين نارين؛ ميليشيا حزب الله من الغرب، وسلطة الأسد من الشرق، حيث تبقى، بحسب المبادرة، مسيطرةً على البلدات الواقعة على الطريق العام، كقارة ودير عطية والنبك والقسطل ومعلولا، ومع ذلك، بحسب الكرم الحاتمي، فأهل القلمون "المستقل" سيديرون شؤونهم بأنفسهم، دون تدخل من سلطة الأسد أو حزب الله، بحيث تصبح تلك المنطقة، وكأنها دولة ذات سيادة.!!. هكذا تشير بنود المبادر.

والسؤال؛ من أين جاء هذا الكرم، وفي هذا الوقت المشحون بالاحتمالات المتشابكة والغموض المبهم، والثرثرة الانتخابية اللبنانية.!؟.

هل لأن حزب الله واقع في زنقة لا يحسد عليها، حتى اضطر أن يذبح فرس حاتم الطائي إكراماً لضيوفه من أهل القلمون .

أم أن المسألة هي مجرد مسرحية لا تختلف عن آلاف المسرحيات المحلية والعالمية التي تم هندستها وإخراجها وتمثيلها بقذارة على الأرض السورية منذ ست سنوات وحتى الآن، والتي أدت إلى تدمير البلد وإبادة شعبه قتلاً وتهجيراً.!؟.

لو تجاوزنا المسرحية وتركناها لوقتها، فإنني أرى كما يرى غيري أن حزب الله يعيش" زنقة" لم يكن يتوقعها. فقد دخل إلى سورية لمساندة سلطة الأسد، والقضاء على"الإرهابيين التكفيرين"، وكان يعتقد أنه بعد شهر أو شهرين، وجولة أو جولتين، سيأتي الانتصار الأعظم" وتعود ميليشيا الحزب إلى لبنان، وراية المقاومة والممانعة ترفرف فوق هاماتها الشامخة.

كما سيعود الأسد أسداً ليزأر على شعبه من جنوب سورية وحتى شمالها، ويُدخِله إلى بيت الطاعة والخنوع، بعد أن تجرأ وأهان إرثه العائلي، ودعا إلى إسقاطه. لكن محفل العائلة المرتبط بالمحافل العالمية قررت عدم السماح بسقوط العائلة، حتى ولو تحول البلد إلى كومة من ركام، وحتى لو أدى الأمر لتسليم مفاتيح البلد إلى أكثر من طامح وطامع خارجي.

لكن الزمن طال كثيراً، ورجال الحزب الأشاوس يدخلون إلى سورية منتفخي الأوداج، ثم يعودون محملين في التوابيت إلى أزقة الضاحية.!!. ومنها تنتشر مآسيهم في روابي لبنان، وتنوح حاضنة الحزب الشيعية على أولادها، وتتبرم من تلك المهمات الجهادية.!!. ومن الدعوة المستهلكة للدفاع عن المقامات الموجودة والمختلقة.

وتبعه الشعب الإيراني بالتبرّم والتذمر بعد أن رأى أيضاً التوابيت تتوارد يوماً بعد يوم من سورية إلى قم، حيث يُصلَّى على الجثامين النافقة عند قبر الشهيد أبي لؤلؤة.!!.

وإذا تجاوزنا إحراج الحزب أمام طائفته الشيعية، والتفتنا إلى الفئات اللبنانية عموماً، لوجدنا مواقفها تتقارب من حيث المعارضة الواضحة لتدخل حزب الله في سورية، نظراً لأن الدولة اللبنانية اتبعت سياسة النأي بالنفس، وقناعتها التامة بأن حزب الله ساهم في تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، وهذا التدفق شكل إرباكاً إدارياً واجتماعياً. وانطلقت المطالبات بعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم. من هنا ظن الحزب أن مبادرته ستمتص جزءاً من الغضب العام، وأضاف إليها دعوته الملحاحة بضرورة التواصل بين حكومة لبنان وسلطة الأسد، وقد نالت هذه الدعوة رضى "قصر بعبدا"، حين أشار إلى أن سلاح المقاومة مكملاً لسلاح الجيش اللبناني. غير أن هذا التناغم أثار غضب الشارع السياسي والشعبي، وقد جاء أقوى رد من سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، حين تساءل بأسلوب استنكاري: وهل يوجد حكومة في سورية حتى يتم التواصل معها، وهل يُعقل أن يقوم لبنان بإرسال الللاجئين إلى مصيرهم المجهول.!؟.

كما أن الحزب أدرك أنه في زنقة مادية، لاسيما أن ميزانيته تأتي كلها من إيران، وهذا ما يقر به السيد حسن نصر الله بـ "عضمة لسانه، حين قال في أحد خطاباته المتلاحقة: نحن وعلى المكشوف وعلى رأس السطح نقول موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران. وهذا ما أثار حفيظة الشعب الإيراني، ونفر الكثيرون واشمأزوا من الطريقة التي تتبعثر فيها أموال الشعب، لاسيما الفقراء منهم. وترجمةً لهذا النفور، بدأت إيران بقطع المساعدات عن حزب الله، حسبما ذكرت بعض الجهات الإعلامية مؤخراً.

هذه واحدة، أما الثانية، فقد انتهت مرحلة الغزل بين أميركا وإيران بانتهاء بياخة باراك أوباما وميوعته في البيت الأبيض، ومجيء دونالد ترامب الذي يذكرنا بالكاوبوي الأميركي. فهو قبل أن يجلس على كرسي الرئاسة، توجه شرقاً ليهدد إيران ويوعز من طرف خفي بالعمل على إخراجها من سوريا، هي وحاشيتها من ميليشيات مذهبية قادمة من أفغانستان والعراق واليمن، وعلى رأسها حزب الله.

ولكي تجسّ إيران نبضَ ترامب، قامت بتجربة صاروخية بعد تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة. ومباشرة انتفض نبض ترامب وعلت نبرته، ورد عليها بإطلاق أول رصاصة كلامية من العيار النووي الثقيل، حين وصفها بالدولة الإرهابية الأولى في العالم، وهي"تلعب بالنار"، وإنه "لن يكون طيباً معها كما كان سلفه أوباما"، وكان قبلها قد أصدر ما يشبه الفرمان السلطاني بضرورة قيام مناطق آمنة في سورية.

وبما أن إيران حكومة وشعباً ما هي إلا ظاهرة صوتية أكثر من كونها قوة فاعلة، فقد راحت تهدد أميركا وتتوعدها بالموت القادم على صهوة الصاروخ الفارسي. وفي الوقت ذاته أوعزت لحزب الله، ذراعها في المنطقة، أن يقدم هذه المبادرة الاستباقية لإنشاء منطقة تصالحية آمنة في جرود القلمون. وكأنها تقول لترامب: انظر يا ترامب، نحن أسرع منك في تنفيذ المنطقة الآمنة في جوار منطقة نفوذ وليدنا حزب الله.

وإيران تهدف في الوقت نفسه إلى طمس معالم الخناجر المطلية بدماء السوريين، وإلى تلميع صورتها ما أمكن أمام أعين ترامب الحمراء، لاسيما أن مياه العلاقة بينها وبين روسيا في الساحة السورية لا تجري في سهل منبسط.

إلا أن كل تلك الاحتمالات التي أوردناها عن أسباب كرم حزب الله الحاتمي في القلمون، يمكن أن يقابلها نوايا باطنية هدفها المماطلة والتمويه ريثما تنجلي المواقف على الساحة السورية، فإيران ومعها حزب الله لا تريد أن تخرج من سورية بصورة انهزامية واضحة المعالم، ولذلك فهي تلعب على الحبلين، فمن جهة أوعزت لحزب الله بتقديم مبادرته "الحاتمية"، ومن جهة ثانية أوعزت إلى سلطة الأسد برفض المبادرة بحجة أن منطقة القلمون ستكون وكراً للإرهابيين، بحسب ما ذكرته بعض الجهات الإعلامية.

وبين هذا وذاك، يبقى انتظار ما سيحدث في المستقبل، سيدَ الموقف، ولاسيما ونحن على أبواب مؤتمر جنيف الرابع. ولا أظنه سيكون أفضل حالاً من أشقائه الذين داست عليهم بساطير اللعبة الأممية، حتى أدت إلى تدمير وطن اسمه سورية، وإبادة شعب اسمه الشعب السوري.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى