مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٧ ديسمبر ٢٠١٧
مربعات النفوذ بسوريا واستباق الحل السياسي

على مدار سنوات الحرب في سوريا، كان التنافس الأميركي الروسي على مواقع النفوذ هناك جليا، فقد حسمت موسكو منذ تدخلها العسكري بهذا البلد في سبتمبر/أيلول 2015 المعالم الكبرى للمشهد السياسي والعسكري، لكن واشنطن رسمت بدورها خطوطا لوجودها الطويل الأمد.

وبرزت مجريات معركة دير الزور كمؤشر لصراع النفوذ الأميركي الروسي في سوريا، ففي وقت كانت فيه قوات النظام بإسناد روسي تندفع غرب الفرات، تقدمت قوات "سوريا الديمقراطية" المدعومة أميركيا شرقي الفرات للسيطرة على مواقع هناك قبل وصول جيش النظام إليها، ثم كان السباق نحو البوكمال على الحدود مع العراق أبلغ الشواهد على ترتيبات ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية بالمنطقة وفي عموم سوريا.

واشتد السباق على مناطق النفوذ مع انتهاء العمليات العسكرية الكبرى ضد تنظيم الدولة -خاصة في الرقة ودير الزور- وانتهاء سطوة التنظيم العسكرية في البلاد، وتراجع حدة المعارك وعودة المسارات المتعددة الحل السياسي بين جنيف وأستانا وسوتشي، بترتيب روسي تركي إيراني قوي وحضور أميركي باهت.

وهذا الغياب الأميركي عن مجريات الحل السياسي، رافقه تأكيد من البنتاغون على الحضور العسكري الدائم في سوريا "طالما دعت الضرورة لدعم شركائنا ومنع عودة الجماعات الإرهابية إلى البلد" وهو التصريح الذي أثار حفيظة موسكو التي اعتبرت الوجود الأميركي "غير شرعي ويهدد وحدة سوريا ويمثل عائقا أمام العملية السياسية".

ويأتي هذا الخلاف بين موسكو وواشنطن والشكوك المتبادلة رغم وجود تفاهمات أمنية وعسكرية وأخرى سياسية بين البلدين حول سوريا، بما يؤشر إلى احتدام صراع النفوذ على سوريا ومستقبلها، وترتيبات الحضور العسكري في المنطقة الإستراتيجية.

وتشير التقديرات إلى أن نحو أربعة آلاف جندي أميركي وآخرين تابعين لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة واشنطن يتمركزون في سوريا، وقد تطور هذا الوجود تدريجيا منذ أن بدأت واشنطن تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية المشكلة أساسا من وحدات حماية الشعب الكردية، في أكتوبر/تشرين الأول 2014 في منبج وعين العرب (كوباني).


رهانات واشنطن
ويشير محللون إلى أن واشنطن فقدت رهانات كثيرة في الأزمة السورية خاصة على المستوى السياسي، إذ إن موسكو بدخولها القوي في الأزمة سياسيا ثم عسكريا عام 2015 مع النظام، وفي فترة انكفاء أميركي أواخر عهدة الرئيس السابق باراك أوباما وبدايات عهد دونالد ترمب، قد رسمت الملامح الكبرى للحل وشكلت التحالفات اللازمة لذلك.

وفي المقابل، لم تنجح الولايات المتحدة في الكثير من السيناريوهات المتعلقة بالأزمة السورية، سواء من خلال دعمها العسكري والمالي واللوجستي لبعض فصائل المعارضة المسلحة، أو في ضغوطها السياسية للحل من خلال مسار جنيف أو غيره، وخصوصا في صدامها السياسي مع تركيا في مسألة مساعدة "سوريا الديمقرطية" التي تعتبرها أنقرة تهديدا وجوديا على حدودها.

ومن ملامح هذا الفشل الأميركي والتسليم بالحل على غير ما تريده -كما يقول محللون- أنها أوقفت الدعم المالي والعسكري للكثير من فصائل المعارضة المسلحة سواء عبر غرفة "الموك" أو غيرها، كما أنها لم تعد تعارض عمليا بقاء بشار الأسد رئيسا، في انزياح واضح باتجاه الموقف الروسي.

وفي مقاربتها لمسار الحرب في سوريا، ركزت واشنطن في مرحلة ما على أولوية حصر التمدد الإيراني في سوريا ومحاولة منع التواصل الجغرافي بين حلفاء النظام من إيران إلى العراق فـ الضاحية الجنوبية في لبنان حيث يتركز حزب الله، وهو ما كان جليا خلال المعارك حول منطقة التنف على الحدود الأردنية السورية العراقية، حيث أقامت واشنطن قاعدة عسكرية.

وأما البعد الإستراتيجي الأساسي بالنسبة لواشنطن، فقد كان الوقف إلى جانب الأكراد، واعتبارهم حليفا ضروريا لعدم خسارة كل أوراقها في سوريا، ولضمان وجود عسكري دائم هناك، يقارع الوجود الروسي، ويضع عينه على الثروات بهذه المناطق المتصلة بغرب العراق، مما يتيح لواشنطن فرصة استمرار التواصل الميداني بين البلدين.

ووفقا للمعطيات الميدانية توجد القوات الأميركية بشكل دائم في مناطق غالبيتها ضمن مناطق خاضعة لسيطرة القوات الكردية بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا، بينها قاعدة مطار رميلان الواقعة شمال شرقي مدينة القامشلي في محافظة الحسكة قرب المثلث الحدودي السوري التركي العراقي.

وطبقا لمعلومات نشرتها الصحف التركية والأميركية، تحتفظ واشنطن أيضا بوجود عسكري في قاعدة بعين العرب (كوباني) نحو 33 كيلومترا إلى الجنوب من الحدود التركية ومطار المبروكة غرب مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، ومطار روباريا قرب مدينة المالكية شمال شرقي الحسكة على الحدود مع كل من العراق وتركيا، وبمنطقة تل بيدر شمال غربي الحسكة على مقربة من الحدود التركية، إضافة إلى قاعدة تل أبيض في الرقة.

ويهدف هذا الوجود الأميركي الكثيف في المناطق الكردية إلى موازنة النفوذ الروسي في طرطوس وحميميم وغيرهما، ويعتبر بديلا احتياطيا عن قاعدة إنجرليك التركية ذات الأهمية في الحرب على الإرهاب فيما إذا تعمقت حدة الخلافات مع أنقرة، والحفاظ على التواصل مع المناطق الكردية في شمال العراق.


روسيا وأوراق الحل
وعلى عكس الولايات المتحدة المترددة، راهنت روسيا على أوراق مختلفة في سوريا راوحت بين التدخل العسكري المباشر المفضي إلى وجود طويل الأمد في قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية في اللاذقية (بمقتضى اتفاق مع النظام) مع انتشار لقواتها في عدد من الجبهات إلى جانب النظام، وشرطتها العسكرية في كثير من المدن.

ورغم أن روسيا أعلنت قبل أيام سحب جزء من قواتها من سوريا، فإن وجودها العسكري القوي يبقى ثابتا، سواء في قواعدها المعلنة أو غير المعلنة، أو في مواقع وقواعد تابعة للنظام، ويأتي الإعلان عن تخفيف وجودها العسكري مؤخرا في إطار ما يحقق رؤيتها الإستراتيجية لمستقبل سوريا على المستويين العسكري والسياسي.

وحرصت روسيا -مستغلة الكثير من المتغيرات بالمنطقة والعالم- على هندسة أوراق الحل السياسي بما يتوافق مع أهدافها بالحفاظ على النظام ولو مرحليا، وهي بذلك تثبّت مسارات الحل البديلة لجنيف وبمشاركة طيف أوسع من معارضة بهدف تمييع الجسم الرئيسي للمعارضة الرافضة للأسد.

ووفقا لمحللين، فإن أبرز ما قامت به روسيا لخدمة أجندتها في سوريا هو استقطاب تركيا إلى رؤيتها للحل السياسي، واستيعابها ضمن سياقات أستانا وسوتشي إلى جانب إيران واتفاقات خفض التصعيد، وهي بذلك زادت الشرخ بين واشنطن وأنقرة التي تعتبر دعم الولايات المتحدة للأكراد مؤامرة ضدها.

وفي سياق الخلاف الروسي الأميركي، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده عازمة على "تنظيف منبج وتل أبيض ورأس العين والقامشلي من الإرهابيين" وفي إشارة إلى مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم أميركيا، وهو ما يطرح إشكالات جمة أمام واشنطن في دعمها للأكراد -حتى وإن لم يطبق هذا التهديد- ويطرح تساؤلات حول مستقبل وجودها بالمنطقة وعلاقاتها بتركيا.

وتحتفظ تركيا بدورها بمواقع نفوذ في سوريا، فتسيطر من خلال درع الفرات على مناطق بمحافظة حلب شمالي سوريا، كما وسعت نفوذها إلى محافظة إدلب بمقتضى اتفاق خفض التصعيد في جولة أستانا-6، ويمنحها ذلك دورا مهما على الصعيد العسكري، وفي أي تسوية سياسية مقبلة.

وبحلول تلك المرحلة التي ستأخذ بالاعتبار الحقائق الميدانية الجديدة، حرصت القوى العظمى واللاعبون الإقليميون كتركيا وإيران -التي تجاوز حضورها في سوريا الجانب العسكري إلى السياسي والاجتماعي- إلى تثبيت أقدامها على الأرض، باعتبار السيطرة على الجغرافيا أساس أي دور مستقبلي في سوريا سواء بشكل مباشر أو عبر طبيعة النظام السياسي الذي سينشأ.

اقرأ المزيد
٢٦ مايو ٢٠١٧
قواعد اشتباك جديدة غير معلنة بعد اتفاق مناطق خفض التصعيد

بدأت عدة فصائل مطلع العام الجاري معارك متفرقة ضد تنظيم الدولة” ISIS” بدعم من التحالف الدولي بهدف تقطيع أوصال مناطق التنظيم في الشمال والشرق السوري، وفصلها عن المناطق الأخرى في الجنوب، والوصول إلى مدينة دير الزور  انطلاقاً من بعض المناطق الحدودية السورية- الأردنية- العراقية.

وقد سيطرت هذه الفصائل سابقا عقب معركة “سرجنا الجياد لتطهير الحماد” التي أطلقتها في شهر آذار الماضي، بهدف فتح الطريق إلى منطقة القلمون الشرقي المحاصر من قِبل قوات النظام السوري، وتنظيم الدولة (Isis) معًا، على مساحات واسعة من  البادية السورية الممتدة على ريفي دمشق والسويداء، ومنطقة القلمون الشرقي في ريف دمشق.

تعتبر البادية السورية جسرا يُمكّن من يسيطر عليه أن يبسط نفوذه على عقدة الطرق الرئيسة باتجاه خمس محافظات هي ريف دمشق ” القلمون الشرقي” ريف حمص الشرقي ،ريف حماة الشرقي ،ريف الرقة الجنوبي وريف دير الزور الجنوبي، بالإضافة إلى الحدود العراقية السورية، كما تؤثر بشكل كبير على تموضع التنظيم وتشل حركته وتقطع أوصاله بين العراق وسوريا، وتضرب عقدة تحركات النظام في الجغرافية السورية.

بدأت ملامح ظهور استراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة إثر استهداف مطار الشعيرات صاروخيا، والذي اتخذته إيران   قاعدة مهمة لها لإدارة عملياتها في سوريا والعراق أيضا، وفق ما ذكرت وكالة “آكي” الإيطالية، كما يحتوي على قسم مخصص للقوات الروسية  لم يتعرض للقصف بالصواريخ الأميركية وفق ما صرحت به وزارة الدفاع الأميركية، وما تحركها العسكري المكثف في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة عبر المشاركة في هجوم قوات سوريا الديمقراطية في محافظة الرقة، والقيام بغارات وتنفيذ عمليات إنزال قوات ضد مواقع لـتنظيم الدولة (Isis) في محافظة دير الزور، ونشر قوات على الحدود السورية التركية في محافظة الحسكة، مع الاستعداد لإرسال تعزيزات عسكرية وفق ما قاله روبرت فورد السفير الأميركي السابق في سوريا إلا تأكيدا على السير قدما في هذه الاستراتيجية.

وأعطى الإعلان عن اتفاق مناطق خفض التصعيد الذي تم إنجازه في أستانة وبدأ سريانه في السادس من شهر أيار 2017م بمبادرة روسية – تركية وإيرانية أريحية لقوات النظام (الفيلق الخامس) وأعوانها من الميليشيات الإيرانية (حزب الله، حركة النجباء، الفاطميون الأفغان، الزينبيون، الباكستانيون … الخ) حيث بدأت بالتوغل إلى عمق البادية السورية للمرة الأولى منذ بداية الثورة السورية، تزامنا مع تطورات ميدانية متسارعة في منطقة المثلث الاستراتيجي المشرف على طريق دمشق بغداد، وتسارع تحركات فصائل المعارضة السورية المدعومة  من القوات الخاصة الأميركية والنرويجية من قاعدتهم في بلدة التنف الحدودية لبسط السيطرة على البادية والتوجه إلى محافظة دير الزور ، ويهدف النظام وحلفاؤه لتحقيق ما يلي:

1 – قطع الطريق على أي توجه أميركي تنفذه فصائل المعارضة السورية (أحرار الشرقية، جيش أسود الشرقية، جيش مغاوير الثورة. لواء شهداء القريتين) لبسط السيطرة على البادية وانطلاقها نحو محافظة دير الزور.

2 – محاولة قوات النظام الوصول إلى معبر التنف الحدودي مع العراق لفتح “طريق دمشق – بغداد”، ولاحقاً خط “طهران – دمشق”. حيث تستخدم طهران طريق يمر من إيران باتجاه الأراضي العراقية ثم يدخل الأراضي السورية باتجاه حلب إلى اللاذقية، إلا أن زيادة الوجود الأمريكي شمال سورية دفعها على تعديل المسار القديم ونقل الممر 220 كم جنوبا بهدف احتلال مدينة الميادين في دير الزور ثم وصلها بمدينة البعاج العراقية، وذلك ما يفسر تحرّك ميليشيا الحشد الشعبي نحو الحدود السورية العراقية، للسيطرة عليها من الجهة الأخرى، واقترابه من مدينة البعاج العراقية، وهو  _ أي الحشد  _ يخوض المعركة بالتعاون مع الأميركيين في العراق ضد تنظيم الدولة، بينما يتحرّك حالياً لحماية النفوذ الإيراني على الحدود السورية، ومن ثم وصل منطقة البعاج العراقية بمدينة دير الزور  ومنها إلى دمشق ومنها إلى الساحل بوابة المتوسط حيث يضمن هذا الممر طريق إمداد لإيران بديلا عن مياه الخليج التي تخضع للمراقبة المشددة[1].

3 – باتت إيران وميليشياتها وفي مقدمتها حزب الله اللبناني تعتمد على مخططات استراتيجية تمكنها من تقديم نفسها وأذرعها العسكرية على أنها شريك قوي وخيار صحيح في مواجهة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة (Isis) وتقف إلى جانب الدول العظمى في مواجهته في سوريا من خلال التماهي مع التركيز السياسي والإعلامي الدولي على تلك المنطقة المهمة وضرورة تحريرها من التنظيم  (Isis) من جانب، وتكرار التصريحات الصادرة في الآونة الأخيرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأركان إدارته، من وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس ومستشار الأمن القومي ما كماستر وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، التي تحدثت عن تركيز الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاث محاور، أولها، محاربة جماعات الإرهاب، وخاصة تنظيم الدولة في سورية والعراق.

من جانب آخر أعلن الطيران الأمريكي في 18 أيار 2017م عن قصفه لقوات حليفة للجيش السوري لدى تقدمها نحو التنف، نقطة الحدود الثلاثية السورية-الأردنية-العراقية – في منطقة «الشحمة» شمال معبر التنف في خطوة تُظهر أن التحرك العسكري الأميركي في تلك المناطق، والمناطق المرتبطة بمعركة الرقة شمالا، يجري وفق تفاهمات عسكرية بين واشنطن وموسكو، وأن إدانة روسيا لغارات التحالف قرب التنف لا يعدو كونه تمرينا دبلوماسيا روتينيا لا يخرق هذه التفاهمات، خاصة أن مصادر أمريكية صرحت أن محاولات وقف القافلة شملت اتصالا مع الروس تلاه استعراض للقوة فوق تجمع الآليات، قبل توجيه النيران باتجاهها. ولم تلجأ إلى ضرب القافلة “إلا بعد أن باءت محاولات روسيا لثنيها عن التحرك جنوبا باتجاه التنف بالفشل”، وهو على غرار ما جرى أثناء الاستهداف الصاروخي لقاعدة الشعيرات الجوية في السابع من نيسان 2017م، ما يدل على أن نقاط الخلاف الاستراتيجية بين روسيا وإيران عادت تطفو على السطح من جديد، فروسيا ترى إيران على أنها حليفٌ سياسيٌ وأمنيٌ مضاد لنفوذ القطب الغربي، وتقيم معها تحالفًا عسكريًا وسياسيًا في سوريا، وتسعيان معًا لتحويله إلى “عمودٍ” ترتكزان عليه في مواجهتهما للغرب، إلا أن الخلاف الجيو ـ اقتصادي يمثل نقطة اشتباك رئيسية تحتاج لحل وسط بينهما، ويتمثل الخلاف باتفاق عقدته إيران في تموز 2010م مع كل من العراق وسوريا لتنفيذ مشروع خط الغاز الإسلامي الذي يمثل أحد أكبر مشاريعها الاستراتيجية لتصدير غازها الطبيعي إلى العراق  ومنها إلى سوريا ولبنان و أوروبا مستقبلا، وتمت الموافقة على المشروع في آذار 2013م رغم الحرب التي تعصف بسوريا، ومن هنا يمكن استيعاب الإصرار الإيراني بمشاركة عراقية مباشرة، على وأد الثورة السورية والإبقاء على النظام السوري قائمًا، عبر التمعن في الميزة الجيو سياسية والاقتصادية التي تمثلها الجغرافيا السورية بالنسبة لهما، إلا أن احتلال روسيا للقرم وفرض الاتحاد الأوربي عقوبات اقتصادية عليها وتوصل إيران إلى اتفاق نهائي مع النظام السوري بشأن مد الخط الإسلامي” الفارسي” هو ما دفعها للتدخل عسكريا في سوريا ومحاولة تقليص دور إيران وميليشياتها، وبناء على ذلك يبدو أن الطرفين سيواصلان تنافسهما السياسي والميداني البارز على الجغرافيا السورية.

اقرأ المزيد
١٦ أبريل ٢٠١٧
الهجوم الكيماوي في خان شيخون يفتح الطريق إلى هجومٍ وشيك في إدلب

وسط استمرار الادعاءات الكاذبة التي يدلي بها نظام الأسد عن عدم مسؤوليته عن الهجوم الكيماوي والمجزرة التي استهدفت بلدة خان شيخون في الرابع من الشهر الحالي، والتبريرات التي تقدمها روسيا يومياً عن عدم وجود مسببات ومسوغات عسكرية تدفع قوات الأسد لشن مثل هذا الهجوم، تنتشر العديد من التحليلات التي تجوب بها الأوساط الإعلامية الغربية لتفنّد هذا الادعاء، ولتضع العديد من السيناريوهات المحتملة لهجمات كيماوية أوسع قد تضرب محافظة إدلب المعقل الرئيسي للفصائل العسكرية المناهضة لنظام الأسد.


ويذهب مدير الأبحاث في جامعة "ليون 2 " الأمريكية"فابريس بالونش" ضمن تحليلاته التي تم نشرها بمقالٍ في موقع معهد واشنطن للدراسات بالقول:

من المرجح أن يكون هجوم خان شيخون الخطوة الأولى من هجومٍ واسع النطاق على محافظة إدلب، المعقل الرئيسي للفصائل المعارضة التي تقاتل قوات الأسد والميليشيات التي تقاتل في صفوفه، حيث يرى أن افتقار النظام للقوى البشرية بشكلٍ مستمر، سيدفع به إلى انتهاج أساليب أكثر عدائية ووحشية من تلك التي مارسها مؤخراً، تنتهك القانون الدولي، ويترتب عليها عواقب مدمرة على السكان المدنيين الأبرياء القاطنين هناك.


وحسب رأي الكاتب تضم الفصائل المعارضة في محافظة إدلب على تنوعها أكثر من 50 ألف مقاتل، معظمهم من الجهاديين والإسلاميين المتشددين، أما المعتدلون الباقون الذين يبلغ عددهم بضعة آلاف فقد تمركزوا بمعظمهم على طول الحدود التركية.


ومنذ عام 2014، عمد الفصيل السوري "لتنظيم القاعدة" إلى القضاء على الميليشيات المتمردة التي ترفض مبايعته بشكلٍ منهجي، وحصلت عملية تطهير مماثلة في أعقاب مؤتمر أستانا الذي عُقد في كانون الثاني/يناير 2017، متهمةً فصائل أخرى بالتعاون مع روسيا.


الضربات المضادة المحتملة لقوات الأسد


وسعياً منه في تحطيم المقاومة المحلية قامت قوات الإرهابي بشار الأسد باستخدام غاز السارين لقصف بلدة خان شيخون في الرابع من نيسان/آبريل الجاري، دون وجود أي مبرر يجيز استخدامه المتعمد لهذه الأسلحة الاستراتيجية ضد المدنيين الأبرياء.


ويبدو بأن القادة العسكريين المنضوين تحت قوات الأسد يستعدون حالياً لشن هجومٍ أوسع في إدلب، حيث أن الأسد لم يعد بمقدوره الوقوف مكتوف الأيدي في تلك الجبهة، لكن ما قد يقف عثرةً في وجه هجومهم المتوقع عدم موافقة روسيا عن شن مثل هذه الحملة في الوقت الراهن، على الرغم من فشل محاولات موسكو في إحداث انقسامات ضمن صفوف الثوار هناك.


ولتعويض النقص الشديد الذي يعانيه نظام الأسد في القوى البشرية، من المفترض أن تواصل قواته وحلفاؤه نهجهم القائم على استخدام القصف المكثف العشوائي لإجبار المدنيين على الفرار، وعزل الثوار، يمكن حينها بدء الهجوم البري.


وتُعد خان شيخون هدفاً استراتيجياً رئيسياً في الهجوم المضاد في حماة، حيث أن إعادة السيطرة عليها ستسمح للنظام بالقضاء على التهديد الذي يمثله الثوار والفصائل المناهضة له، في حماه والمنطقة المركزية بكاملها، بما فيها حمص.


ووفقاً للموقع الإلكتروني "المصدر" الموالي للنظام، فقد تم نشر قوات من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و «حزب الله» على طول جبهة حماة في وقت سابق من هذا الشهر، في حين أُرسلت القوات الروسية للدفاع عن محردة.


ولتضييق الخناق أكثر على الثوار الذين يقاتلون في ضواحي حلب، يواصل نظام الأسد سعيه للحصول على مساعدات من القوات الكردية في منطقة عفرين، حيث نشرت روسيا في الآونة الأخيرة، قوات في منبج وشمال عفرين الشهر الماضي، لحماية الأكراد من تدخل تركي محتمل، لكي يكونوا على استعداد لرد الجميل لهم من خلال دعمهم عمليات قوات الأسد في محافظتي حلب وإدلب.


هل تواجه تركيا موجة أخرى من اللاجئين؟


كما هو مبين أعلاه، لطالما انتهكت قوات "اتفاقيات جنيف" من خلال قصف المناطق عشوائياً لزرع الخوف وفصل المدنيين عن الثوار المقاتلين، مستهدفةً عمداً المستشفيات والأسواق والأهداف المماثلة. ومن المرجح أن يؤدي اتباع هذا النهج في محافظة إدلب، التي تضم 1.2 مليون نسمة، إلى نزوح جماعي كبير آخر إلى تركيا، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لأنقرة.


وفي ظل غياب قرار من مجلس الأمن الدولي لإنشاء منطقة عازلة وآمنة في شمال سوريا، وتعنت الدول الغربية في التدخل العسكري الحازم، تبقى الخيارات التي يملكها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تواجه العديد من العقبات لتجنب مثل هذه النتيجة.


وتمتلك تركيا أيضاً قوات كافية لإنشاء منطقة آمنة خاصة بها شمال محافظة إدلب، تشمل ربما القرى التركمانية شمال شرق جسر الشغور وسكان المخيمات النازحين حول "باب الهوى" وأتيما"، من شأنها أن توفر أكبر قدر من الحماية للمدنيين الفارين، إلا أن أردوغان لا يعتزم التدخل عسكرياً في تلك المنطقة. وتتمثل أولويته في سوريا في منع إنشاء منطقة حدودية كردية تتمتع باستقلال تام، وبالتالي قاعدة جديدة لـ «حزب العمال الكردستاني» - التنظيم الذي يشن حرباً ضد الحكومة التركية منذ عقود.


أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فتواجه واشنطن حالياً قراراً بشأن ما إذا كان رحيل الأسد يشكل مرة أخرى أولوية بالنسبة إليها بعد هجوم خان شيخون، وفي هذه الحالة، مدى توافق هذا الهدف مع تركيز إدارة ترامب على استعادة الرقة وتدمير تنظيم الدولة الإسلامية.


إذاً لا تتوفر إجابات سهلة عمّا سيجري في إدلب، لكن يبدو أنّ النظام عازم على استخدام كافة الوسائل المتاحة له لإخراج المدنيين مهما كلف الثمن، وحتى الآن اقتصرت الإجراءات الأمريكية المباشرة في المحافظة على مجموعة من الضربات الجوية ضد أهداف تنظيم القاعدة في أواخر آذار/مارس.


ونظراً لصعوبة إيجاد شركاء على الأرض يشاركون الأهداف الأمريكية، قد يكون ذلك كل ما ترغب واشنطن في القيام به فور قيام نظام الأسد بشن هجومه على إدلب بشكل جدي، على الرغم من أن جميع الرهانات قد تسقط إذا ما استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية مرةً أخرى.

اقرأ المزيد
١٦ أبريل ٢٠١٧
إيران تواصل استخدام الطائرات "المدنية الوهمية" لإمداد النظام بالأسلحة والمقاتلين

على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على الطيران المدني الإيراني، لا تزال إيران تصر على استخدام شركان "ماهان" للطيران وغيرها من شركات الطيران لإرسال الأفراد والأسلحة إلى نظام الأسد في سوريا واستمرارها في تمويله وإمداده بشتى الوسائل الممكنة، مما يعرض هذه الصناعة للخطر.


وفي الوقت الذي تنصب فيه أنظار قطاع الطيران ووسائل الإعلام الدولية على طلبات شراء طائرات "بوينغ" وطائرات "ايرباص" العملاقة التي تجريها مؤخراً الخطوط الجوية الإيرانية، تواصل الأخيرة شراء الطائرات وقطع الغيار المستعملة، عن طريق شركات طيران أصغر بهدف التحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها وعلى أشخاص معينين، ساعيةً بذلك إلى تعزيز قدرتها الإقليمية على النقل الجوي في المنطقة من خلال الدمج بين المكونات العسكرية ومكونات الطيران المدني.


وكثيراً ما استعان "فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بموارد وهمية ذات طابع مدني وذلك لمساعدة حلفاء إيران في سوريا، ومن أجل ذلك يقوم "الحرس الثوري" بإنشاء خطوطه الجوية وشركات خدمات خاصة يستخدمها للتمويه بغية تقديم المساعدة اللوجستية وزيادة إيراداته، إضافةً إلى الدعم الحثيث الذي يحظى به من شركة "ماهان" للطيران.


وعلى الرغم من تصنيف شركة طيران "بويا" الخطوط الجوية الرئيسية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني وشركة طيران "بارس" التابعة إليه أيضاً ككيانات إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2012 لاتهامهما بنقل الأسلحة إلى نظام الأسد، تدير اليوم شركة "بويا" للطيران ست طائرات شحن روسية الصنع يتم استئجارها من قبل القوة الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني.


ومؤخراً قام الأخير بشراء طائرتين إقليميتين برازيليتي الصنع من نوع "إمبراير إي آر جاي-145 إي آر" يصل مداهما إلى نحو ثلاثة آلاف كيلومتر، وتتسعان لقرابة الخمسين راكباً.


وقد تم تسجيل أولى هذه الطائرات في جنوب إفريقيا من قبل رجل أعمال إيراني يقيم في إسطنبول، يُدعى " حسين حافظ أميني"، وسُلِّمت إلى "شركة طيران بويا" في 31 آذار/مارس. ويشار إلى أن كلا الطائرتين شوهدتا لاحقاً في "مطار مهر آباد الدولي" في طهران وكانتا لا تزالان تحملان شارة التسجيل من جنوب أفريقيا والزي الرسمي لـ "شركة راي للطيران".


وبالإضافة إلى الإيرادات التي يجنيها "الحرس الثوري" من رحلات الركاب، يتمكن كذلك من ادّخار المال عبر استخدام طائراته الخاصة لنقل عناصره وعائلاتهم، والأهم من ذلك أن امتلاكه لأسطول جوي للشحن والسفر خاص به يتيح له نقل عناصره أو شحناته السرية تحت أدنى درجات الرقابة من سلطات الطيران المدني.

وظهرت مؤخراً شركة أخرى خاضعة للحرس الثوري، وهي "طيران فارس قشم" التي استلمت من الشركة الأفغانية "كام للطيران" طائرتي شحن عتيقتين من طراز "بوينغ 747-200 أف" عن طريق وسيط أرمني.


ومن غير الواضح ما إذا كان المسؤولون الأفغان يدركون الوجهة النهائية لتلك الطائرات، وقد تم على الفور استخدام أولى هذه الطائرات، وهي طائرة "إي پي-أف أي أي"، من خلال تسيير رحلات جوية يومية من طهران إلى دمشق، وتخضع الطائرة الثانية للصيانة في مركز "فارسكو" للصيانة والإصلاح في طهران، ويُقال أنَّ "شركة "ماهان" للطيران" هي التي تسيّر طائرات الـ "بوينغ" التي تم شراؤها حديثاً.

 

الجسر الجوي الإيراني السوري!

 

وفي الفترة الأخيرة شهد الجسر الجوي بين إيران وسوريا حركة ناشطة مع رحلات تسيّرها عدة شركات طيران مدنية وعسكرية، وهي: "ماهان" للطيران، و"الخطوط الجوية الإيرانية"، و"القوات الجوية الوطنية الإيرانية" /"طيران ساها" و"طيران «الحرس الثوري» /"طيران فارس قشم"/ "بويا للطيران"، و"الخطوط الجوية السورية" و"أجنحة الشام للطيران"، وهذه الأخيرة هي شركة طيران سورية خاصة تسيّر رحلات منتظمة بين طهران ودمشق، استهدفتها العقوبات الأمريكية في عام 2016.


والجدير بالذكر أن غالبية رحلات "الخط السوري السريع" التي تسيّرها هذه الشركات تجري ليلاً لإعاقة عملية رصدها عبر الأقمار الاصطناعية. وبالإضافة إلى هذا الخط الناشط بين طهران ودمشق، ثمة ثلاث خطوط جوية ("ماهان"، و"الخطوط الجوية الإيرانية"، و"الخطوط الجوية السورية") تحطّ في "مطار عبادان" بشكل متقطع، حيث تُنقل إليها عناصر الميليشيات الشيعية العراقية بالحافلات من النجف والبصرة لتستقل الطائرات إلى دمشق.


وبالإجمال، نقلت "الخطوط الجوية الإيرانية" و"السورية" نحو 21 ألف مسافر بين طهران/عبادان ودمشق خلال الشهرين الماضيين فقط، ومعظم هؤلاء المسافرين من القوات العسكرية أو شبه العسكرية، إضافةً إلى نقل إمدادات يفوق وزنها5,000 طن، وجميع هذه الرحلات تقريباً مستأجرة بالكامل من قبل «الحرس الثوري» الإسلامي وعادةً ما تكون غير متاحة لعامة الشعب.


مخاطر تجسدها شركة "ماهان" الإيرانية للطيران!.


في عام 1992، تم تأسيس شركة "ماهان" للطيران، من قبل "شركة مل مفاه الدين القابضة في "كرمان"، وهي ثاني أكبر شركة طيران إيرانية، بدأت كشركة صغيرة تسيّر رحلاتها على متن بضع طائرات روسية الصنع، وبعد فترة من عدم الاستقرار، قامت الشركة في عام 1998 بتكليف إدارة عملياتها لضابط سابق في "الحرس الثوري" يُدعى "حميد عرب نجاد"، وخلال الحرب بين إيران والعراق، عمل عرب نجاد نائباً لقائد إحدى أنشط الوحدات القتالية التابعة للحرس الثوري وهي "شعبة العمليات ثأر الله 41" بقيادة القائد الحالي لـ «فيلق القدس» قاسم سليماني. ثم تولى عرب نجاد لاحقاً رئاسة المكتب الإيراني للإعمار في البوسنة والهرسك، وهو منصب مرتبط على الأرجح بعمليات «فيلق القدس» في البلقان.


ويقيناً، أن توظيف ضابط سابق في الحرس الثوري الإيراني ليس بالضرورة بالأمر المقلق، لأن العديد من مدراء شركات الطيران الإيرانية الأخرى هم من قدامى «الحرس الثوري». لكن العلاقة الوثيقة التي تربط عرب نجاد بسليماني و«فيلق القدس» تبعث على القلق، كما أن أعمال "ماهان" غير المشروعة التي تنفذها بالنيابة عن «الحرس الثوري» قد وضعت الشركة على رأس قوائم العقوبات الدولية منذ عام 2011، وبالتالي فإن أي شركة تتعامل معها تكون معرضة لمخاطر كبيرة.


وعلى الرغم من التأثيرات المؤلمة التي فرضتها العقوبات على القيمة الجوية لطائرات "ماهان"، وجدت الشركة أساليب مبتكرة لاستيراد أسطول من الطائرات الغربية الصنع خلال السنوات الأخيرة، من بينها ثماني طائرات "إيرباص أي340" البعيدة المدى. وفي الواقع فإنّ الطائرات التي استحوذت عليها عبر الشركات الوهمية الأرمنية تجعل الخطوط الجوية الإيرانية الوحيدة التي تستطيع تسيير رحلات لمسافات طويلة.


فضلاً عن ذلك، استلمت "ماهان" مؤخراً الطائرة الأولى من بين ثلاث طائرات "إيرباص أي340" مستعملة من سريلانكا واليونان، مستخدمةً هذه المرة "شركة "بيك" الكازاخستانية للطيران كوسيط في العملية، وقد تم تسليم واحدة على الأقل من هذه الطائرات إلى "الخطوط الجوية السورية"،وقد قامت للتو برحلتها الافتتاحية الأولى إلى دبي.


وتفيد التقارير أن هذه الطائرة التابعة لـ "شركة ماهان" سوف تسيّر الرحلات إلى أمريكا الجنوبية وشرق آسيا أيضاً، لكن الجدوى الاقتصادية لهذه الطرق الجوية محل شك لأن "الخطوط الجوية السورية" تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012 والعقوبات الأمريكية منذ عام 2013.


وعلى نطاق أوسع، صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية عدة شركات مقرها في أرمينيا وقيرغيزستان وأوكرانيا وتايلاند وتركيا كشركات تغطية لـ "ماهان". وقد عملت هذه الشركات كوسيطة لشراء الطائرات والمعدات المرتبطة بها من قبل الكيانات الإيرانية الخاضعة للعقوبات.


وإذا احتسبنا هذه المعطيات مجتمعةً، فإن أسطول "ماهان" الحالي يضم أكثر من 37 طائرة كبيرة يبلغ متوسط عمرها 24 عاماً، وتقوم برحلات داخلية وخارجية تشمل آسيا وأوروبا. وتسيّر "ماهان" 15 في المائة من الرحلات الدولية في إيران، أي ما يقرب من ضعف حصة "الخطوط الجوية الإيرانية" (8.5 في المائة)، وليس هذا بالأمر المفاجئ نظراً إلى أن معظم طائرات الرحلات لمسافات طويلة لدى "الخطوط الجوية الإيرانية" كانت قد مُنعت من التحليق أو وُضعت تدريجياً خارج الخدمة قبل رفع العقوبات النووية.


وفي حين وضعت الولايات المتحدة "شركة ماهان للطيران" على لائحة الإرهاب في تشرين الأول/أكتوبر 2011 بسبب إمدادها «فيلق القدس» بالدعم المالي والمادي والتكنولوجي، فقد وجدت الشركة سُبلاً مختلفة للحفاظ على أسطولها في الخدمة.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٧
التحالف والروس.. انتهاكات تعطّل القانون الإنساني وتعزز المظلومية في سوريا


من البديهي أن ينظر سكان المناطق الخاضعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على أنه عدوان لا يقل وحشية عن أرباب الخلافة المزعومة، وربما يدور في أذهان المنكوبين تساؤل حول جدوى أعمال عسكرية أراقت دماء المدنيين بحجة “مكافحة الإرهاب”. فالإرهاب هنا، بمعناه الفضفاض والرائج دوليًا، بات مظلة تُشرعِن قتل الأبرياء.
أقر التحالف الدولي بتنفيذ غارات أودت بحياة مدنيين سوريين في مناسبات عدة، وقال إنه سيتحقق من وقائع أخرى، بينما نفى اتهامات بارتكاب مجازر جسيمة، آخرها ما حدث في قرية المنصورة بريف الرقة الغربي مطلع آذار الماضي، حين وثّق ناشطون مقتل عشرات المدنيين النازحين بقصف جوي، وصفه الجنرال الأمريكي ستيفن تاونسند بـ”الضربة النظيفة”.
الضربات “النظيفة”، المتصاعدة بشكل لافت في الآونة الأخيرة، بغية “مكافحة الإرهاب” و”تعزيز الديمقراطية والسلم الأهلي”، بحسب المفهوم الأمريكي للانتهاكات، تزامنت مع ضربات مماثلة من حيث النتائج والأهداف المعلنة لروسيا حليفة النظام السوري، وتقول منظمات حقوقية محلية ودولية، إنها عطّلت القوانين الدولية الإنسانية في سوريا وعززت من مظلومية المكوّن السنّي، ما قد ينعكس سلبًا على المنطقة ويكون سببًا في نشوء تنظيمات متطرفة جديدة، إذ إنّ “قتل الأبرياء كمن يربّي الذئاب” بحسب تغريدة لصحفي سوري في “تويتر”.
تركز عنب بلدي في هذا الملف على انتهاكات اتهم بها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة”، والتقييم القانوني لها، وأثرها على المجتمع السوري عمومًا، بالاستناد إلى آراء وخبراء حقوقيين ومختصين، مع الأخذ بعين الاعتبار تسليط الضوء على بنود قوانين ومواثيق دولية بهذا الخصوص، وأرقام إحصائية تكشف حجم المأساة.
 
مجازر بحق المدنيين تنصّل منها التحالف والروس

ست مجازر وقعت بحق المدنيين في مناطق متفرقة من سوريا خلال أقل من عام (على سبيل المثال لا الحصر)، اتهمت منظمات حقوقية محلية ودولية التحالف الدولي وروسيا بتنفيذها، وتنصل الجانبان منها في بيانات منفصلة.

مجزرة “توخار” في منبج

اتهمت مصادر حقوقية منفصلة، التحالف الدولي بتنفيذ غارات على بلدة توخار كبير الواقعة في منطقة منبج في ريف حلب الشرقي، 19 تموز 2016، وقال ناشطون إن 125 شخصًا معظمهم نساء وأطفال قضوا فيها، بينما أشار تنظيم “الدولة” إلى أن عدد الضحايا يفوق 160 شخصًا.
المتحدث باسم التحالف، العقيد كريس غارفر، عقّب على الحادثة بالقول إن “التحالف يدرس تقارير عن مقتل مدنيين” لكنه “يتوخى الحذر الشديد”، ليتأكد من أن الغارات لا تقتل سوى “مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية”، وأضاف “الغارة كان من المقرر أن تستهدف كلاً من المباني والمركبات التابعة لداعش، إلا أن تقارير وردت لاحقاً من مصادر مختلفة تحدثت عن احتمال وجود مدنيين بين مسلحي التنظيم الإرهابي يستخدمهم كدروع بشرية”


مسجد “الجينة” في إدلب

اتهمت مصادر حقوقية محلية، الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ مجزرة بحق مدنيين في قرية الجينة بريف إدلب، 16 آذار 2017، راح ضحيتها بين 47 و 49 قتيلًا بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
ونفى الجيش الأمريكي أن تكون طائراته قد قصفت المسجد، وقال إنه استهدف تجمعًا لتنظيم “القاعدة” على بعد 15 مترًا من المسجد، وأضاف أن عددًا ممن سماهم الإرهابيين قتلوا.
متحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، زعم أن الموقع الذي تم استهدافه “دمّر”، وأن المسجد مايزال قائمًا، بينما أوضحت صور نشرها ناشطون تعرّض المسجد لدمار كبير، وقال المتحدث إن الموقع الدقيق لهذه الضربة “غير واضح”، مضيفًا أنه سيُفتح تحقيق في ما وصفها بـ “الادعاءات” بأن الغارة قد تكون أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين.


مدرسة “المنصورة” في الرقة


اتهمت مصادر حقوقية محلية، التحالف الدولي، بتنفيذ غارات استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في بلدة المنصورة بريف الرقة الغربي، 21 آذار 2017، تسببت بمقتل 33 إلى 53 مدنيًا بينهم أطفال، بحسب مصادر منفصلة.
“المرصد السوري لحقوق الإنسان” قال إن التحالف نفذ مجزرة راح ضحيتها 33 مدنيًا بينهم أطفال، في حين أوضحت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف)، أن القصف الجوي “تسبب بمقتل 53 مدنيًا بينهم 12 طفلًا”.
قائد القوات الأمريكية في العراق، الجنرال ستيفن تاونسند، نفى أن تكون المدرسة تضم نازحين، وقال “لدينا مصادر مخابراتية مؤكدة ومتعددة، أبلغتنا أن العدو يستخدم تلك المدرسة، ولاحظنا ذلك ورأينا ما كنا نتوقع أن نراه”، وأضاف دون إيراد أدلة “أودّ أن أقول لكم إننا لم نستكمل تقييمنا لهذه الواقعة، أعتقد أنها كانت ضربة نظيفة”.


استهداف أحياء إدلب


اتهم ناشطون مؤسسات حقوقية، منها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الطيران الروسي بتنفيذ مجزرة في مدينة إدلب، 7 شباط 2017، راح ضحيتها 28 شخصًا معظمهم مدنيون.
وقال الجنرال إيغور كوناشينكوف، المتحدث الرسمي باسم الدفاع الروسية، تعقيبًا على الحادثة “طائرات القوات الجوية الفضائية الروسية لم توجه أي ضربة إلى مدينة إدلب السورية أمس أو هذا الأسبوع أو حتى منذ بداية العام، وكل الأنباء حول هذه الضربات مجرد كذب”، وأضاف “من اللافت للانتباه أن وسائل الإعلام ذاتها تقوم بفبركة مثل هذه التقارير الإعلامية وفقًا لقوالب موحدة، وبشكل دوري، ودائمًا تستند إلى ناشطين مجهولين من الدفاع المدني”.


قافلة الإغاثة في حلب


اتهمت المعارضة السورية ودول غربية، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، الطيران الروسي باستهداف قافلة إغاثة أممية غرب مدينة حلب، 19 أيلول 2017، ما تسبب بمقتل 32 شخصًا بينهم 12 متطوعًا في الهلال الأحمر، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
ونفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الاتهامات الموجهة لموسكو بشأن هذه الضربة، وقالت إن الإدارة الأمريكية “لا تملك حقائق” تؤيد زعمها.


مستشفيات حلب الميدانية


اتهمت منظمات دولية، من بينها “المجلس الأطلسي” في واشنطن، القوات الجوية الروسية بتدمير ثلاث مستشفيات في حلب، في حملة تصعيد جوي استمر من أيلول وحتى كانون الأول 2016، راح ضحيته 440 مدنيًا بينهم 90 طفلًا وفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
ونفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشينكوف، استهداف مستشفيات حلب، وقال “إن تقارير قناة الجزيرة القطرية والمرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يقع مقره في بريطانيا، وغيرها من المصادر المماثلة، حول قصف طائرات سلاح الجو الروسي لثالث مستشفى في حلب خلال 24 ساعة محض كذب”.
ورغم محاولات التنصل المتكررة من المجازر بحق المدنيين، إلا أن التحالف اعترف أكثر من مرة بسقوط ضحايا حرب، أبرزها ما جاء في بيان القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط (سنتكوم)، تشرين الثاني 2016، حينما قالت إن الغارات الأمريكية تسببت بمقتل 119 مدنيًا في سوريا والعراق منذ آب 2014.

التقييم القانوني للمجازر المنسوبة للتحالف الدولي

وللحديث عن التقييم القانوني للانتهاكات المنسوبة للتحالف الدولي، توجهت عنب بلدي إلى فضل عبد الغني، مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، للاستفسار حول آلية التعامل مع الانتهاكات بحجة “مكافحة الإرهاب”، وقال “أصدرنا كمًا كبيرًا من التقارير عن المجازر التي ارتكبتها قوات التحالف الدولي بحق المدنيين، وسجلنا مرتين قصفهم للمعارضة المسلحة”.
وأشار عبد الغني إلى أن “هناك مجازر كثيرة وقعت بحق المدنيين وقلنا إنها ترقى لجرائم حرب، لأن قوات التحالف دخلت سوريا على خلفية النزاع، ووجب عليها الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية”.

وعن محاولة تبرير التحالف أخطاءه بحجة “معلومات خاطئة”، قال عبد الغني “لا تهمنا التفاصيل في أنها حصلت على معلومات استخباراتية خاطئة من حلفائها على الأرض، وحدات حماية الشعب الكردية أو قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، هم من يتحملون المسؤولية الكاملة”.
وتابع موضحًا آلية عمل الشبكة، “نصدر تقارير توثق المجازر، ونرسلها إلى دول مشاركة في التحالف، وبشكل أساسي إلى الخارجية الأمريكية، وهم على اطلاع كامل عليها”، منوهًا أن “الخارجية سألتنا مرارًا عن تفاصيل بعض الحوادث، وفتحنا هذا الموضوع عندما التقينا معهم مؤخرًا وحملناهم المسؤولية”.
وبناءً على التقارير التي أصدرتها الشبكة الحقوقية، اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) بـ 71 حادثة لقصف قتل فيه مدنيون فقط، بحسب عبد الغني، مستطردًا “نملك ملفًا بالحوادث التي اعترف بها”.
بينما اعتبر منيف الطائي، مدير منظمة “أورنامو للعدالة وحقوق الإنسان” في سوريا، أن التحالف الدولي “لا يأبه لقانون الحرب”.
وأضاف في حديث إلى عنب بلدي أن “التحالف الدولي مكون من قرابة 60 دولة تصنف نفسها على أنها مدافعة عن حقوق الانسان، وهي لا تأبه لقانون الحرب بوجوب تحييد المدنيين عن الصراعات”، داعيًا الأمم المتحدة للتأكيد على هذه الدول بوجوب “التزامها الصارم بتحييد المدنيين”، محذّرًا أن تكرار المجازر “يقوض من مصداقية التحالف في حربه ضد داعش”.

ولا يمكن تقييم ما ارتكبته قوات التحالف من مجازر بحق المدنيين إلا كـ “جرائم”، بوجهة نظر الكاتب والباحث السياسي السوري ساشا العلو، موضحًا أن من واجب الأمم المتحدة التدخل للحد منها، وفتح تحقيق جدي بما يتعلق بطبيعة تلك “الجرائم”، خاصة وأنها تزامنت بين الموصل وسوريا بشكل مثير للشك، وتسببت بعدد كبير جدًا من الضحايا، بحسب تعبيره.
وأبدى العلو، في حديث إلى عنب بلدي، استغرابه من تصريحات رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، والتي لم تطالب بوقف العمليات العسكرية في الموصل، وإنما اعتبرت التصعيد الإعلامي ضد التحالف الدولي دعاية من قبل تنظيم “الدولة” لعرقلة العمليات العسكرية، في حين “لم نشهد في سوريا أي إدانة للمجزرة من قبل مؤسسات المعارضة الرسمية أو حتى النظام”.
نتائج التحقيقات في انتهاكات التحالف، لو فتحت، لن تظهر قريبًا وإنما قد تمتد إلى سنوات، كما رجّح العلو، وأضاف “لعل تجربة الانتهاكات للجنود الأمريكيين في العراق بعد الغزو عام 2003، والتي لم تتحول إلى قضايا وملفات حتى الانسحاب الأمريكي، قد تدلل على طبيعة التعاطي مع هذا النوع من الملفات”.
ويرى المختصون الثلاثة، أن الاعتراف بالانتهاكات، هي خطوة معنوية للتحالف في الاتجاه الصحيح، لكنها لن تكون كافية، وقال فضل عبد الغني إن الاعتراف “لابد أن تتبعه خطوات أولها توقف المجازر، وتدارك الأخطاء التي اعترف بها التحالف بالأصل، ومن ثم تعويض أسر الضحايا وتعويض الخسائر المادية، ومحاسبة ومحاكمة الضباط الذين ارتكبوا هذه الجرائم يجب أن تكون علنية ليرتدع الضباط الآخرون”.
ورأى ساشا العلو أن “المطلوب فتح تحقيق في الطبيعة الاستخباراتية لتحديد مواقع القصف، والكشف بشكل واضح عن المسؤول عن تلك العمليات واتخاذ إجراءات عملية للمحاسبة، مقابل تعويض المتضررين، واستحداث آليات جديدة في استهداف مواقع التنظيم، بحيث تضمن التقليل من خطر استهداف المدنيين، وخاصة أن التنظيم مايزال يسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا، ما ينذر بتهديد حقيقي لمئات آلاف المدنيين”.


هل بات التحالف الدولي عدوًا للشعب السوري؟


ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بصور ضحايا المجازر المنسوبة للتحالف الدولي، في مناطق تنظيم “الدولة”، أو الغارات الأمريكية على الشمال السوري، ما خلّف كراهية ملحوظة للدول الغربية عمومًا، والتي لم تكتفِ بخذلان الثورة السورية، بل ساهمت في قتل المدنيين، وفق آرائهم.
فضل عبد الغني، اعتبر أن العداوة “تقاس بكمية الضرر والمتسبب به، فهناك عوامل متعددة وعناصر مختلفة تدخل في تفسير العداوة ودرجتها، وهو بحاجة إلى تحليل منفصل”، وأضاف “لكن درجة العداوة الأكبر بحسب الوقائع وليس الأماني، مازالت للنظام السوري باعتباره المتسبب الأول بالمجازر، وهو من استجلب كل هذه الجهات نتيجة قمعه وتوحشه”.
وصنّف عبد الغني تنظيم “الدولة” كأحد أبرز أعداء السوريين، باعتباره “غاية في العدمية والوحشية والتكفير ولا يمكن التعايش معه، وربما لو أنه امتلك مؤسسات الدولة وقدراتها أن يكون أكثر قتلًا ودموية من النظام السوري”، وفق رأيه.
وأشار الحقوقي السوري إلى أن القوات الروسية تأتي في مرتبة العداء الثالثة، باعتبارها تتعمد قصف المستشفيات والمدارس بشكل واضح، ووقفت إلى جانب النظام السوري لوجستيًا وسياسيًا، منتقدًا أيضَا الولايات المتحدة الأمريكية “ربما نحملها مسؤولية من جانب آخر، وهي إعلان رئيسها في تموز 2011 أن الأسد يجب أن يرحل، وعدم اتخاذه أي إجراءات لرحيله، وتجاوز خطوط حمراء بما فيها مسألة الكيماوي، وخذلانه للسوريين مرارًا”.
و”إذا اعتمدنا المنطق في تصنيف أعداء الشعب السوري، فإننا سنصنف ما لا يقل عن نصف العالم من المجتمع الدولي من جهات إقليمية إلى النظام وفصائل محلية تحسب نفسها على الثورة”، يقول الباحث ساشا العلو، مضيفًا “المشكلة ليست في العدو، وإنما في توزع دم الشعب السوري على أكثر من غريم ما يجعل المطالبة به صعبًا، أي كحادثة اجتماع القبائل لقتل محمد (ص)، كل وفق أدواته وآلياته”.


مظلومية “سنّية” تنذر بما هو أمرّ


يحذّر باحثون ومختصون في شؤون الجماعات الجهادية في سوريا، من نشوء تنظيمات متطرفة تعتاش على “المظلومية السنية”، التي وقعت على الأهالي الرازحين في مناطق سيطرة تنظيم “الدولة”، من قصف وقتل وتهجير تمارسه جهات أبرزها التحالف الدولي وروسيا و”قوات سوريا الديمقراطية”، في تجربة مشابهة لظروف نشأة تنظيم “دولة العراق الإسلامية” على أنقاض القصف الأمريكي قبل عقد من الزمن.
واعتبر فضل عبد الغني، أن “تنظيم داعش يعتاش على المجازر والمظلومية، وهي أحد أسباب نشوئه وارتفاع معدلات التطرف والغلو”، وأضاف “هناك استبداد وقمع وعدم تحقيق للعدالة في المجتمع، والمستبد يزيد من استبداده وتسلطه وهمجيته، ما يولد شعورًا بالظلم والانفجار، يؤدي إلى تشكيل تحالفات للانتقام، ترفع شعارات الدين والإيديولوجيات المختلفة لتنظم نفسها”.
وتحدث عبد الغني عن ظروف دخول “جبهة النصرة” إلى سوريا، “كان السوريون فيها معدودين، وانضم لها الشباب نتيجة استمرار المقتلة والمحرقة والكارثة السورية، وهو ما ينطبق على السوريين الذين اضموا إلى تنظيم الدولة”.

مدير منظمة “أورنامو”، منيف الطائي، وافق إلى حد بعيد ما قاله عبد الغني، معتبرًا أن “أحد أهم أسباب ظهور داعش هو الإفراط  في استخدام القوة من قبل النظام ضد المعارضين في بداية الحراك في سوريا، وأحد أهم المبررات على المستوى الشخصي لأفراد التحقوا بتنظيمات إرهابية، هو إحساسهم بالظلم، وأن لا عدالة يقدمها العالم لهم، وأن الانتقام هو السبيل الوحيد الذي عليهم أن يسلكوه”، موضحًا “إذا ما أردنا التخلص من هذه الظواهر، علينا البدء بمرحلة عدالة انتقالية، تشعر أهالي الضحايا بنوع من الإنصاف ولو قليلًا”.
فيما رأى الباحث ساشا العلو، أنه “من الطبيعي أن تصب تلك الجرائم والانتهاكات في خدمة دعاية تنظيم الدولة، وتعزيز المظلومية لدى المكوّن العربي السني، الذي بدأ يشعر أنه مستهدف بشكل خاص من مختلف الجهات، سواءً من شركائه بالوطن أو من تنظيم الدولة، الذي ولد في هذا المكوّن، وإلى اليوم انتهاكاته تستهدف هذا المكون فقط، إلى التحالف الدولي الذي يستهدفهم بحجة التنظيم، ما قد يولد حالات تطرف باتجاهات مختلفة.. تلك الحالات التي تزداد مع سقوط كل ضحية وتنمو داخل المخيمات وتحملها ذواكر الأطفال”.
شهدت الدول الأوروبية خلال العام الفائت هجمات من نوع جديد، لشباب مسلمين من جنسيات مختلفة، سُمّوا إعلاميًا بـ “الذئاب المنفردة”، هاجموا مدنيين في ميادين ومحطات نقل عام وملاه ليلية، بهدف “نصرة الدولة الإسلامية” ومحاربة “الصليبيين في عقر دارهم”، وذهب باحثون إلى أن معظم هؤلاء ارتبطوا بتنظيم “الدولة” عاطفيًا لا عضويًا، ما عزاه باحثون إلى نجاح التنظيم في نشر دعاية “المظلومية السنية” في أوروبا.


أرقام “مهولة” لضحايا “مكافحة الإرهاب“


وبعيدًا عن الإحصائيات التي وثقها ناشطون سوريون، نورد إحصائيات منظمات ومؤسسات حقوقية وإنسانية، ذات صفة اعتبارية متخصصة في التوثيق، وتعتمدها مؤسسات وجهات دولية حقوقية، وأبرزها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وحصلت عنب بلدي منها على نسخة محدّثة عن ضحايا التحالف الدولي وروسيا في سوريا.
ووثقت الشبكة مقتل 1112 مدنيًا بينهم 414 طفلًا و133 سيدة، على يد قوات التحالف الدولي في سوريا، منذ تدخلها في 23 أيلول 2014 وحتى 29 آذار 2017، أي بمعدل يتجاوز مدنيًا واحدًا يقتل يوميًا بنيران التحالف في غضون 30 شهرًا مضوا.
كما وثقت الشبكة مقتل 4239 مدنيًا بينهم 1187 طفلًا و342 سيدة، على يد القوات الروسية في سوريا، منذ تدخلها في 30 أيلول 2015 حتى 29 آذار 2017، أي بمعدل نحو ثمانية مدنيين يقتلهم الروس يوميًا في غضون 18 شهرًا مضوا.
ووفقًا لما سبق، فإن 5351 مدنيًا بينهم 1601 طفلًا و475 سيدة قتلوا على يد التحالف الدولي والقوات الروسية في سوريا، حتى 29 آذار 2017.
وبالنظر إلى أرقام منظمة “Air wars” غير الحكومية، المتخصصة برصد غارات التحالف الدولي، فإنها لخصت حصيلة الغارات الجوية للتحالف على سوريا والعراق من آب 2014 وحتى 28 آذار 2017، بأعداد تراوحت بين 7581 إلى 10962 قتيلًا من المدنيين غير المقاتلين، الذين قضوا بفعل 1103 حادثة مسجلة بشكل منفصل، أي بمعدل نحو 11 مدنيًا يقتلهم التحالف يوميًا في البلدين في غضون 31 شهرًا مضوا.

والجدير بالذكر، أن كلا الطرفين: التحالف الدولي، وروسيا، برروا تدخلهم العسكري في سوريا بحجة “مكافحة الإرهاب” والقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن الأرقام السابقة توضح أن المتضرر الأكبر من التدخل هم المدنيون بمن فيهم الأطفال والنساء.
القانون الدولي الإنساني تعطّله الأطراف الفاعلة في سوريا
يستند القانون الدولي الإنساني، والذي ينطبق في أوضاع النزاع المسلح، إلى جملة اتفاقيات ونصوص مكتوبة، ونركز هنا على اتفاقية “جنيف الرابعة” المبرمة في آب 1949، والمعنية بحماية السكان المدنيين في وقت الحرب، والبروتوكولات الملحقة بها، والتي أقر مجلس الأمن الدولي بها وبالاتفاقيات الثلاث المعنية في ذات الشأن، عام 1993، ما جعلها ملزمة لغير الموقعين على الاتفاقيات والمنخرطين في النزاعات المسلحة.
وتقضي الاتفاقية في المادتين 14 و15 بجواز إقامة نوعين من مناطق الحماية للمدنيين: مناطق ومواقع الاستشفاء والأمان والمناطق المحيّدة، والغرض منها هو حماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال دون الخامسة عشرة، والحوامل وأمهات الأطفال دون السابعة من عواقب الحرب، أي فئات من الأشخاص لا يتوقع منها أن تسهم في المجهود الحربي.
وتوجب الاتفاقية احترام وحماية المستشفيات المدنية المعترف لها بهذا الطابع والعاملين بها، وكذلك وسائط النقل البري والبحري والجوي المستخدمة في نقل المدنيين الجرحى والمرضى والمعاقين والنساء الحوامل والأطفال.
وتلزم المادة 23 من الاتفاقية كل طرف من أطراف النزاع بأن يكفل حرية مرور جميع شحنات الأدوية والمعدات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة إلى المدنيين المنتمين إلى طرف متعاقد آخر، حتى ولو كان خصمًا، وكذلك أي شحنات من الأغذية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال والنساء.
وأورد القرار 2444، الصادر عن المؤتمر الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر (فيينا 1965)، أربعة مبادئ أساسية لقانون النزاعات المسلحة، وفي عام 1968 صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على ثلاثة من هذه المبادئ باعتمادها للقرار 2444 ، ويتعلق مبدآن منهما بمسألة حماية السكان المدنيين.
وتنص مبادئ القرار الأممي على أنه “من المحظور شن هجمات على السكان المدنيين بصفتهم هذه، ووجوب التمييز في جميع الأوقات بين الأشخاص المشاركين في القتال وأفراد السكان المدنيين، بما يؤدي إلى تجنب إلحاق الأذى بالأخيرين قدر المستطاع، وحظر الهجمات على السكان المدنيين والأعيان المدنية”.
كما تورد المادة 51 من البروتوكول الأول الصادر عام 1977، والملحق باتفاقيات جنيف، أحكامًا تفصيلية بشأن حظر اتخاذ المدنيين هدفًا للهجوم، وتبين الفقرة الثانية من المادة أن أعمال العنف أو التهديد به، الرامية أساسًا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين، محظورة، بينما تحظر المادة 54، استخدام أساليب للحرب ترمي إلى تهديد بقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، وتورد في فقرتها الأولى المبدأ الذي يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.
وتحظر المواد 14و15و16 الأعمال الحربية الموجهة إلى أعيان محددة، وهي الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، كالأشغال الهندسية والمنشآت المحتوية على قوة خطرة، وهي: السدود والجسور ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب.
وتحظر الفقرة الأولى من المادة 17 من البروتوكول ذاته، إصدار أوامر بترحيل السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع، وتحظر الفقرة الثانية إرغام المدنيين في أي حال من الأحوال على النزوح من أراضيهم لأسباب تتصل بالنزاع.
وعليه، فإن معظم الأطراف الفاعلة في سوريا، ونلخصها بـ : التحالف الدولي، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والنظام وحلفائه، وتنظيم “الدولة”، و”قوات سوريا الديمقراطية”، وفصائل من المعارضة المسلحة، لم تلتزم بمعظمها بالقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولات الملحقة بها.
وذلك من خلال استهداف المدنيين بشكل مباشر، وقصف واستهداف المناطق الحيوية والخطرة كاستهداف جسور الرقة ودير الزور وسد الفرات من قبل التحالف، والمستشفيات والمدارس من قبل الروس، وإرغام المدنيين على النزوح خلال المعارك كما يفعل النظام السوري وحليفته إيران، وغيرها من الانتهاكات متعددة الأطراف، التي وثقتها منظمات دولية وسورية، أبرزها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، ومنظمة “Air wars”، و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، عدا عن التقارير الدورية الصادرة عن الأمم المتحدة.


هجمات التحالف وقوانين الحرب


أفادت تقارير إخبارية عديدة ومجموعات حقوقية بارتكاب التحالف الدولي ضد داعش والذي تقوده الولايات المتحدة، انتهاكات لقوانين الحرب وقتله مدنيين في سوريا منذ عام 2014.
رغم أن الولايات المتحدة أقرت بمسؤوليتها عن بعض الهجمات، وإعلانها أنها ستحقق في الحوادث، ولكن إلى اليوم لم نسمع بقيام الولايات المتحدة التي تقود هذا التحالف بإنشاء لجنة للتحقيق في هذه المزاعم أو حتى البدء بتحقيق حيادي وشفاف، ولم يُنصف الضحايا أو عائلاتهم.
ينظّم قانون الحرب استخدام القوة ويقيدها في النزاعات المسلحة، وينصّ القانون الدولي الإنساني على أنه على أطراف النزاع التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية.
يحظر القانون الدولي الإنساني الهجمات التي قد تسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابتهم أو بالأعيان المدنية. يرد مبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة أو قانون الحرب للحد من الضرر الناجم عن العمليات العسكرية على السكان والأعيان المدنية.
تلتزم الدول الأطراف في النزاعات المسلحة بالتحقيق في المزاعم ذات المصداقية عن ارتكابها جرائم حرب او انتهاكات خطيرة، وعليها الالتزام بملاحقة المشتبه بارتكابها بقصد إجرامي، أو نتيجة للإهمال.
لذلك على الولايات المتحدة إنشاء فريق للتحقيق في هذه الانتهاكات المزعومة، والالتزام بمبادئ الشفافية في هذه التحقيقات والإعلان عن نتائجها.


تصريحات ترامب السابقة التي تؤيد احتجاز الناس لأجل غير مسمى دون محاكمة، وتعذيب المعتقلين، وقتل عائلات “الإرهابيين” لا توحي أنه سيحترم قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني أو أرواح المدنيين في سوريا.
مع فشل ترامب الذريع بتحقيق عدة وعود متعلقة بالشأن الداخلي الأمريكي، قد تكون حساباته السياسية ووعوده لمنتخبيه بالقضاء على داعش خلال فترة قصيرة، أحد الأسباب في تصعيد الهجمات غير المدروسة أو ربما غير القانونية، بما يؤدي إلى تصاعد أعداد المدنيين الضحايا.
كما ورد في تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “للمرة الأولى قوات التحالف الدولي تقتل مدنيين أكثر من القوات الروسية في شهر كانون الثاني 2017. على الولايات المتحدة اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة لضمان عدم سقوط ضحايا مدنيين في المستقبل، بموجب قوانين الحرب الدولية”.
على السوريين من وسائل إعلام وصحفيين وجماعات حقوقية، توثيق هذه الهجمات بشكل دقيق وحيادي وكامل قدر الإمكان، والتواصل مع الضحايا أو عائلاتهم وحفظ شهاداتهم والأضرار التي تعرضوا لها، بما فيها الأضرار المادية.
كما أن عليهم اللجوء إلى جهات حقوقية محلية ودولية لتجهيز دعاوى قضائية لرفع دعاوى بهذا الشأن، والمطالبة بمحاكمة مرتكبي الجرائم إن ثبتت، وبالتعويض المادي والمعنوي، والعلاج للمصابين.
يجب توجيه هذه الإجراءات ضد جميع مرتكبي الجرائم المزعومة في سوريا إن كان التحالف الدولي ضد داعش، أو القوات الروسية والسورية وغيرها.

اقرأ المزيد
٢ مارس ٢٠١٧
ديناميكية المواجهة والتعاون في منطقة الخليج: سقوط الشاه وحرب الخليج الأولى

تتصف الديناميكيات الأمنية والسياسية لمنطقة الخليج العربي بالمعقدة، ويستوجب فهم دوافع التعاون والمواجهة وضعها ضمن إطار نظري شامل قادر على الإلمام بجميع خصائصها المحلية والإقليمية ومدى تفاعلها مع العوامل الخارجية وتكاملها مع بعض البعض. يتبنى هذا الملف نظرية "بوزان" في تحليل تفاعلات منطقة الخليج للفترة الممتدة من تاريخ انسحاب الأسطول البريطاني عام 1971 حتى الغزو العراقي للكويت، وتزودنا نظريته المسماة بالمجمَّع الأمني الإقليمي The Regional Security Complex Theory (RSCT) بإطار نظري رصين من أهم ميزاته اعتبار المستوى الإقليمي كوحدة أساسية في التحليل دون إغفال نفاعلها مع المستويين المحلي والدولي. ونتناول في المقدمة أبرز المقاربات التي اعتمدها "بوزان" في نظريته، وأولها تعريف الشرق الأوسط، حيث اعتبره مجمعاً أمنياً إقليمياً مقسّماً إلى ثلاثة مناطق أمنية داخلية هي: منطقة الخليج، ومنطقة بلاد الشام، ومنطقة المغرب العربي. ويخلص "بوزان" في نظريته إلى تشابه الديناميكيات الأمنية للمناطق الفرعية مع الإقليم ككل من حيث الخصائص والميّزات. أمّا المقاربة الثانية فتكمن في تميز النظرية بين التفاعلات الدولية الناتجة عن قدرة الدول الكبرى على ممارسة القوة من مسافات بعيدة والتفاعلات الإقليمية الفرعية الناتجة عن ممارسات الدول الأقل تأثيراً ضمن بيئتها الأمنية الرئيسية في حيز نفوذها المباشر. وتكمن أهمية نظرية المجمع الأمني الإقليمي في فهمها الأعمق للهيكل الإقليمي، وفي قدرتها على تقييم التوازن النسبي للقوة والعلاقات المتبادلة والمتداخلة على المستويين الإقليمي والدولي.


مبدأ نيكسون
​ وبناء على ذلك، فإن التفاعلات السياسية والأمنية في منطقة الخليج كـ (مجمع أمني فرعي sub-complex) كانت وما زالت تتشكل من خلال التفاعل والتداخل بن ثلاثة قوى إقليمية رئيسية هي: المملكة العربية السعودية، والعراق، وإيران. كما أن المصالح المتداخلة بين هذه الدول من جهة، والدول العظمى (بريطانيا، والولايات المتحدة، وروسيا) من جهة أخرى، قد لعبت دوراً بارزاً في عملية تشكيل وإعادة تشكيل الهيكل الإقليمي لمنطقة الخليج العربي. وربما يكون المثال الأوضح على ذلك محاولة الولايات المتحدة ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه انسحاب الاسطول البريطاني من منطقة الخليج عام 1971، بعد ما يقرب من قرنين من الزمان على الهيمنة الأحادية لبريطانيا على المنطقة. حيث تبنّت الولايات المتحدة بدايةً استراتيجية (توازن القوى عن بعد offshore balance of power)، وذلك من خلال الاتكّاء بشكل أساسي على كل من السعودية وإيران، ضمن ما عرف حينها بسياسية (الدعامة المزدوجة (Twin Pillar. وكان إدارة الرئيس نيكسون تخشى أن يثير الانسحاب البريطاني من المنطقة شهية الاتحاد السوفيتي للتمدد جنوباً والوصول إلى المياه الدافئة في الخليج الأمر الذي من شأنه أن يهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة في مصادر الطاقة، وحرية الملاحة عبر المضائق الحيوية في منطقة الخليج. لاحقاً وبعد سقوط الشاه وانتصار الثورة الاسلامية قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتبني سياسة الحضور المباشر، وهي عملية بطبيعتها متدرجة؛ بدأت أبّان حرب الخليج الأولى من خلال ما عرف باسم قوات التدخل السريع وحرب "الأعلام" وصولاً إلى احتلال العراق وإسقاط صدام حسين عام 2003.


تكامل التحليل
تتميز نظرية "بوزان" بتكامل مستويات التحليل الثلاثة، الداخلي والاقليمي والدولي في تفسير التفاعلات السياسية والأمنية لمنطقة إقليمية ما بعينها. فعلى الصعيد الداخلي على سبيل المثال، تتأثر الديناميكيات الأمنية بشكل كبير بطبيعة النظام السياسي للدولة، وبالنظر إلى منطقة الخليج في السبعينيات من القرن العشرين نرى أن طبيعة الأنظمة السياسية قد ساهمت بشكل كبير في بلورة التفاعلات الأمنية بين الدول المكونة له. فقد كانت غالبية دول منطقة الخليج تتكون من أنظمة مَلَكية تقع معظمها ضمن منظومة التحالفات الغربية، ولذلك كان من السهل الوصول إلى تفاهمات مشتركة تخدم المصالح المتبادلة، وتحافظ على الأمن والاستقرار الإقليميين. فسياسة "الخيار العربي" الذي اعتمدها شاه إيران في العام 1973، على سبيل المثال لا الحصر، تُجلي بشكلٍ واضح مدى تأثير الطبيعة المتشابهة للأنظمة السياسية في التقراب ما بينها. وبالفعل ساهمت سياسية "الخيار العربي" في إشاعة جوٍ من الانفراج في جميع انحاء المنقطة، لكنه تحولّ مع سقوط الشاه وانتصار الثورة الإسلامية إلى حالةٍ من التوتر والتصعيد نتيجةً لتبني إيران سياسة تصدير الثورة وما ترتّب عليها من إثارة الأقليات الشيعية في دول المنطقة للقيام بثورات هدفها تغير الأنظمة القائمة بالقوة، فانبثق عنها حرباً باردة بين إيران والسعودية، وحرباً تقليدية بين إيران والعراق، وأصبحت المنطقة بالتالي مكشوفة للتدخلات الخارجية من قبل الدول الكبرى.

يستق حجم التداخل والترابط الكبيرين بين الديناميكيات السياسية والأمنية في منطقة الخليج مع رؤية "بوزان" التقليدي للمجمع الأمني والذي عرّفه بمجموعة الدول التي تترابط مخاوفهم الأمنية بشكل وثيق بحيث يصبح من الصعب الحديث عن الأمن القومي لدولة بمعزل عن مخاوف باقي الدول الأخرى[i]. والانتقاد الأهم الذي يمكن توجيهه لهذا التعريف أنه ركّز بشكل كبير على الدول كلاعبٍ مركزي ووحيد في تشكيل البيئة السياسية والأمنية للإقليم، في حين تجاهل الفاعلين الآخرين الذين أصبحوا يلعبون أدواراً محورية جنباً إلى جنب مع الدول في تشكيل هذه البيئة الأمنية والتفاعلات التي تقع بداخليها.


اللاعبون خارج إطار الدولة
​تدارك "بوزان" هذا القصور في تعريفه الجديد حيث اعتبر المجمع الأمني عبارة عن مجموعة من الوحدات تتداخل عملياتهم الأمنية بحيث يصبح من العسير تحليل أو حلّ المشكلات الأمنية بمعزلٍ عن بعضهم البعض[i]. وقد أضفى هذا التعميم في التعريف مزيداً من السعة ليتضمن طيفاً أوسعاً من اللاعبين المساهمين في تشكيل الديناميكيات الأمنية والسياسية كمنظمة التعاون الخليجي مثالاً عن المنظمات العابرة للدول، والمليشيات الأجنبية والمذهبية مثالاً عن (اللاعبين خارج إطار الدولة non-state actors). على أي حال، لم تفقد المقاربة التي اقتصرت على مركزية الدول في فهم الواقع الأمني أهميتها، فالدول تبقي هي اللاعب المركزي والأهم في رسم وتنفيذ السياسات، وإذا كان هناك من دور للفاعلين غير الحكوميين فغالباً ما يكون بدعم وتسهيل وتوجيه من الدول ذاتها.

تخطّى مفهومي الأمن والتهديد المقاربة المركزية للدولة بشكل ملفت بعد قيام نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث فسح دخول العامل الأيديولوجي المجال أمام اللاعبين خارج الدولة للمساهمة في تشكيل الواقع السياسي والأمني لمنطقة الخليج. في هذا السياق أصبحت بعض الدول تسعى لاستخدام مثل هؤلاء اللاعبين في تحقيق أهداف سياساتها الخارجية. فقد سعت إيران – على سبيل المثال – إلى تحقيق هدفها في تصدير الثورة من خلال العمل على استنهاض الأقليات الشيعية للتمرّد على حكوماتهم من أجل زعزعة استقرار الأنظمة "الفاسدة وغير الاسلامية" على حد تعبير الامام الخميني، واستبدالها بأنظمة مشابهة لنظام الجمهورية الإسلامية.

وكمثال حيّ على ذلك يمكن النظر إلى (حزب الدعوة العراقي) والذي تمّ تأسيسه على يد آية الله محمد باقر الصدر القريب من الخميني والذي رأى فيه قائداً لنظام إسلامي في العراق. شرع حزب الدعوة بعد تأسيسه مباشرة في تكوين جناحه العسكري ليبدأ في شن هجمات على أهداف حكومية في كل من العراق والكويت بشكل أساس. وقد كان لمثل هذه الهجمات تأثير سلبي كبير على النسيج الاجتماعي لهذه الدول حيث بدأ يُنظر إلى الشيعة كعملاء لقوة خارجية عوضاً عن اعتبارهم مواطنين، وأصبح ولاؤهم لأوطانهم محلّ شك من قبل الحكومات. وقد ساهم هذا التحوّل في إضافة بُعد جديد على مصدر التهديد، حيث لم يعد ينظر إلى التهديد ببعده الخارجي، بل أصبح التهديد الذي ينبع من الداخل محل اعتبار لخطورته الفعلية على أمن الأنظمة السياسية القائمة.


التفاهم والمناوأة
وبالعودة إلى نظرية "بوزان"، ينبع تشكّل المجمع الأمني بالأساس من الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي والإقليمي على حد سواء، والفوضى بمعناها الاصطلاحي تعني عدم وجود حكومة مركزية تتحكم بالنظام العالمي، وقادرة على فرض القانون والمحافظة على السلم والأمن العالميين. وتفرض طبيعة النظام الفوضوية على الدول أن نتخرط في ديناميكية توازن القوى بحيث تحدد حالات (التفاهم والمناوأة amity and enmity) شكل التحالفات والعداوات التي تنشأ بين الدول المتجاورة، فالهدف الأخير للدول هو المحافظة على بقائها وفي ظل نظام عالمي يتسم بالفوضوية فإن هذا الهدف لا يتأتى إلا من خلال الاعتماد على الذات والسعي إلى تعظيم القوة.

كما ويلعب القرب الجغرافي بدوره أهمية كبيرة في تحديد طبيعة العلاقة بين الدول، فالتهديدات تنتقل بشكل أسهل وأسرع بين الدول المتجاورة جغرافياً، وبناءً عليه يعتبر "بوزان" كلاً من الفوضى وتأثير المسافة بالإضافة للتنوع الجغرافي عوامل أساسية في انتاج أنماط التجمعات الإقليمية حيث ترتفع درجة الترابط الأمني بين دول المجمع الأمني الواحد مقارنةً بالترابط الأمني بينها وبين تلك الدول التي تقع خارجه[i]. ويؤكد "بوزان" أن التجاور الجغرافي يظهر بشكل أبرز في القطّاعات العسكرية والسياسية والاجتماعية والبيئية من القطّاع الاقتصادي. ويظهر هذا التفاوت بشكل واضح في منطقة الخليج، فبالرغم من الفرص الاقتصادية الهائلة لتشكيل مجمع اقتصادي على شاكلة الاتحاد الأوروبي ينعم بالاستقرار والازدهار، إلا أن الهواجس الأمنية المترتبة عن التهديد العسكري والخلافات الأيديولوجية والطائفية ما زالت تضغط بثقلها لتثبيط مثل هذه التوجهات والتي من شأنها حلّ الكثير من النزاعات والتهديدات الأمنية التي تجتاح منطقة الخليج خصوصاً والشرق الأوسط بشكل عام فيما لو تحققت.

تجيب مقاربة (التفاهم والمناوأة) من جهة، و(التقارب الجغرافي) من جهة أخرى عن بعض التساؤلات المهمة المتعلقة بمنطقة الخليج من قبيل: لماذا شنّت العراق وليس السعودية الحرب على إيران عام 1980؟ وكيف استطاعت السعودية تشكيل مجلس التعاون الخليجي بالرغم من المخاوف التاريخية لدى مشايخ الخليج من الهيمنة السعودية؟ فبالنظر إلى مقاربة "بوزان" تصبح الاجابة عن مثل هذه التساؤلات أكثر وضوحاً. وهكذا نرى أن العراق بالاعتبارات الجغرافية أقرب إلى إيران من السعودية حيث يحتدم بينهما خلاف حدودي تاريخي يتعلّق بشطّ العرب، هذا بالإضافة إلى التداخل الاجتماعي العميق بينهما على المستوى الطائفي، ولذلك كان الخطر المتأتي من سياسة تصدير الثورة للنظام الإيراني أشدّ على العراق منه على السعودية وعليه فتبرير اتخاذ قرار الحرب من بغداد وليس من الرياض أكثر منطقية.

في ذات السياق تشترك السعودية وباقي دول الجزيرة العربية بالكثير من السمات التاريخية واللغوية والثقافية والدينية، ولقد تمتعت هذه الدول بالحماية الخارجية من قبل الامبراطورية البريطانية على مدى سنوات طويلة من تاريخها، حيث تعهّدت بريطانيا بحماية أمنها ومنع أي صراعات عابرة للحدود فيما بينها. وعليه لم يكن القادة المحليّون قلقون بخصوص استقلالهم بالرغم من استمرار الخلافات القبلية بينهم. غير أن الانسحاب البريطاني من المنطقة، والثورة الإيرانية وسقوط الشاه، وضعف الالتزام الخارجي بالحماية، والحرب العراقية–الإيرانية دفعت قادة الخليج في نهاية المطاف لتنحية مخاوفهم جانباً وتشكيل مظلة أمنية جامعة تمثلت بمجلس التعاون الخليجي.

على صعيد آخر، خضعت منطقة الخليج على مدى عقود لتنافس ثلاثي الأقطاب بين العراق والسعودية وإيران، وكانت هذه الدول تتنافس من أجل تعظيم نفوذها ومحاول إعادة تشكيل النظام الإقليمي بما يخدم مصالحها. وقد جرت التحالفات وإعادة التحالفات على قاعدة منع أي من هذه الدول من الهيمنة المنفردة. وقد أدّت المستويات المرتفعة من التنافس فيما بينها إلى حالة من عدم الاستقرار المزمن في المنطقة بدأت ارهاصاتها بالتشكّل منذ أربعة عقود وما زالت تزداد تجلّياتها حتى وقتنا الراهن رغم تحول التنافس الإقليمي من ثلاثي الأقطاب إلى ثنائي القطبية بعد سقوط العراق في دائرة النفوذ الإيراني على إثر الغزو الأمريكي في العام 2003.


أمريكا تملأ الفراغ
تنبع أهمية اعتبار حدث الانسحاب البريطاني من الخليج في العام 1971 نقطة انطلاقة في تحليلينا للديناميكيات الأمنية والسياسية للمنطقة كونه – أي الانسحاب – قد مهدَّ لظهور نظام إقليمي جديد في منطقة الخليج، التي بقيت تحت النفوذ البريطاني لمدة تزيد عن القرنين.وقد بدأت ارهاصات هذا الانسحاب تظهر عندما كشفت الحكومة البريطانية في العام 1969 عن نيتها الانسحاب من منطقة الخليج. وقد أحدث هذا الإعلان صدمة في أوساط القيادة الأمريكية وأمراء الخليج على حدّ سواء، فالانسحاب البريطاني بهذه الطريقة المفاجئة يعني أن المنطقة ستكون وبشكل غير مسبوق في تاريخها الحديث بلا حماية مباشرة من دولة عظمى.

وقد جاء الانسحاب في وقت حرج، فالولايات المتحدة كانت منشغلة في حربها المدمرة في فيتنام، وهذا يعني أنها كانت غير قادرة علىملء الفراغ الناتج عن انسحاب الأسطول البريطاني من مياه الخليج، وهو ما يجعل المنطقة مفتوحة أمام التمدد السوفيتي. كما أن دول الخليج لم تكن في وضع يسمح لها بصيانة أمنها بمفردها سواء على مستوى الجهوزية العسكرية أو على مستوى الإرادة السياسية، فقد كانت الخلافات بين أمراء الخليج بحد ذاتها خطرا مهدداً لاستقرار المنطقة ككل، حيث عملت بريطانيا على منع تطوره طوال وجودها، وكان من أهم التزامات لندن في ذلك الوقت هي منع نشوء أي صراعات عابرة للحدود بين دول الخليج. لذلك وعندما قررت الانسحاب سادت حالة من الخوف لدى القادة السياسيين المحليين للمآلات التي سوف يُخلفها هذا الفراغ الاستراتيجي.

وبالفعل ترجمت هذه المخاوف بشكل سريع إلى واقع عندما استغلت إيران هذا الفراغ وبادرت باتخاذ خطوات استفزازية أحادية الجانب تمثلت باحتلالها للجزر الاماراتية – طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى- في مياه الخليج.في المقابل سَعَتْ بعض الدويلات حديثة التكوين والنشأة كالكويت والبحرين والتي كانت تعيش نزاعات حدودية مع الدول الأخرى المجاورة لها، إلى دعم فكرة ترسيخ وتقوية حضور الأسطول البحري الأمريكي في مياه الخليج كضامن للأمن الإقليمي، كما دخلت هذه الدول في سباق تسليح من أجل تقوية قدراتها العسكرية، وفي غضون سنوات قليلة غدت منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم طلباً للسلاح.

أدرك قادة الخليج أن ثمّة نظاماً إقليمياً جديداً آخذاً بالتشكّل والتطور، وأن دورهم في الحفاظ على الاستقرار والسلام في المنطقة سيتوسع لا محالة مستقبلاً. وبالفعل فإن القيمة الاستراتيجية لدول المنطقة قد تعززت في ظل غياب السيطرة الفعلية لواحدة من القوى العظمة على المنطقة منذ عصر القوى الامبراطورية. وقد ساهم صراع النفوذ بين المعسكرين الغربي والشرقي في ظل أجواء الحرب الباردة في تغذية هذه القيمة التي تمت ترجمتها فعلياً على الأرض على شكل تحالفات عسكرية وأمنية بين الولايات المتحدة والكثير من الملكيات في الخليج.


إيران و"الخيار العربي"
وبناءً على ذلك، صاغت الولايات المتحدة تحركاتها في المنطقة ضمن سياسة الدعامة المزدوجة التي تألفت من السعودية وإيران بغرض إبقاء الاتحاد السوفيتي بعيداً عن المياه الدافئة التي شكلّت للروس على مدى قرون حلماً عصياً على التحقيق. وفي زيارة الرئيس نيكسون الشهيرة مع مستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر إلى الصين، توقف لبعض الوقت في طهران والتقى خلالها الشاه محمد رضا، وأثناء المحادثات نظر نيكسون إلى الشاه وقال بصريح العبارة: "احمني". وقد عكس ذلك الثقل الذي تمتعت به إيران في الحسابات الأمريكية، وقد أصدر الرئيس نيكسون بعيد ذلك أمراً تنفيذياً – أثار جدلاً كبيراً حينها - يسمح لإيران بشراء جميع أنواع الأسلحة الأمريكية ما عدا النووية[i]. ويجدر بالذكر أنه لم يحظَ بهذه الميزة في ذلك الوقت إلا عدد محدود من حلفاء الولايات المتحدة المقربين. وقد غدت إيران بغضون سنوات قليلة بفضل تقاربها مع الولايات المتحدة، والطفرة التي أحدثتها أسعار النفط بعد حرب 1973 من أقوى الدول الإقليمية على المستوى العسكري، وأصبحت البحرية الإيرانية ترسل دوريات لها في مهمات أمنية خارج مياه الخليج وصلت حتى أعالي المحيط الهندي. لتضطلع طهران بلعب دور شرطي منطقة الخليج، والضامن لأمنها واستقرارها ضد أي تمدد للاتحاد السوفيتي أو حلفائه الاقليميين.

سارت الدول العربية على ذات الطريق، فقامت باعتماد سياسة مشابهة لتعزيز قيمتها الاستراتيجية. وما إن خبا صراع التقدميين العرب والمحافظين باستلام السادات مقاليد السلطة في مصر وحزب البعث في العراق حتى تبلورت مرحلة جديدة من التضامن العربي. فكان وقوف الملكيات العربية في الخليج إلى جانب كلٍ من مصر وسوريا في حربهما ضد إسرائيل واستخدام النفط لأول مرة كسلاح استراتيجي في المعركة إحدى تجلّيات هذا التعاون. أثبتت الدول العربية أن لديها من القوة ما يخوّلها للامساك بزمام المبادرة من أجل ترجيح كفة الحرب لصالحها، وبذلك أجبروا القوى الدولية والإقليمية على إعادة تقييم علاقتهم معها، وأسست بالتالي قاعدةً جديدةً في إدارة المنطقة أمنياً من خلال التفاهم مع العرب ودون الالتفاف حولهم. فتبنى شاه إيران مبدأ (الخيار العربي Arab Option) وأحدث ذلك تحوّلاً في منظومة علاقته مع العرب، وقد تمحور الخيار العربي على فكرة مؤداها أن النفوذ الإيراني لا يمكن أن يتحقق في المنطقة من غير التفاهم مع العرب والتقارب منهم، وبخطوة فجأت الجميع قام الشاه بالتوقيع على اتفاقية الجزائر مع العراق في العام 1975 لحل خلافاتهما الحدودية وإعادة ترسيم "شط العرب"، بالإضافة إلى دعمه للقرار العربي في الأمم المتحدة الذي يدين الصهيونية بوصفها شكلاً من أشكال التمييز العنصري. فقد أصبح العرب في نظر الشاه قوة قادرة على الانتصار، وأن إسرائيل قابلة للهزيمة، وفي ظل تغير موازين القوى الإقليمية لصالح العرب بشكل نسبي، كانت سياسة "الخيار العربي" التعبير العقلاني للبراغماتية الإيرانية في ذلك الوقت.

بدا الأمر وكأن دول الخليج قد نجحت في الوصول إلى تفاهمات فيما بينها، فسادت في الإقليم حالةٌ من الأمن والاستقرار في النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن العشرين (قبيل الثورة الإسلامية في إيران)، فكان التدخل الخارجي من قبل الدول الكبرى بالتالي في أقل مستوياته. وكما يرى "بوزان"، كلّما تعاظمت قدرة اللاعبين الأساسيين في المنطقة على التسوية، كلّما ضاق هامش تدخل القوى الكبرى شيئاً فشيئاً، وبالعكس يحدث تدخل القوى العظمى عندما تقوم إحدى القوى الخارجية بعقد تحالف أمني مع إحدى القوى المحلية داخل المجمع الأمني[i] بهدف إخلال ميزان القوى على حساب لاعب آخر أو عدة لاعبين داخل الإقليم الواحد. ولقد شجع تراجع حدّة الصراع الأمريكي السوفيتي في السبعينيات أيضاً على تخفيض مستوى التوتر في منطقة الخليج غيرها من مناطق العالم التي كانت تشهد تنافساً محموماً بين القطبين.

ولكن في ظل نظام دولي فوضوي لا تكفّ فيه الدول العظمى عن السعي لتعظيم قوتها ونفوذها – كما يرى جون ميرشايمر – فإن التنبؤ بطول فترة حالات الوئام يصبح أمراً مثيراً للسخرية. ففي نهاية عقد السبعينيات غزت القوات السوفيتية أفغانستان، وأسقطت ثورةٌ إسلامية الشاه في إيران، وهو ما أدى في المحصلة إلى تسارع التوتر وارتفاعه إلى مستويات مخيفة على الصعيدين الإقليمي والدولي الأمر الذي انعكس دراماتيكياً على التفاعلات الأمنية والسياسية الإقليمية في منطقة الخليج خصوصاً والشرق الأوسط عموماً.


مبدأ كارتر ومنطقة الخليج
شكّلت أحداث عام 1979 على الصعيد الأمن الدولي والإقليمي علامة فارقة في تاريخ منطقة الخليج، فبعد فترة هدوء نسبي سادت العلاقات بين واشنطن وموسكو، عاد التوتر من جديد على الساحة الدولية عندما قام الجيش الأحمر بغزو أفغانستان، الأمر الذي وصفه جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة بـ "التهديد الواضح للسلام وللعلاقات الأمريكية السوفيتية على مستوى العالم".[i]

وبناءً عليه قام كارتر بترسيخ قاعدة جديدة في السياسية الخارجية الأمريكية، سميت بمبدأ كارتر، وأعلن عنه في تصريح اعتبر فيه أن: " أي مساعي خارجية للسيطرة والتحكم في منطقة الخليج العربي تشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة الحيوية، سيقابله ردٌ رادعٌ من قبل واشنطن بما فيه الخيار العسكري."[ii] عكس هذا المبدأ مخاوف الأمريكان من توسع حيز التدخل الروسي في أفغانستان ليشمل منطقة الخليج العربي، فقامت بتعزيز وجودها العسكري البسيط في الخليج من خلال نشر قوات التدخل السريع Rapid Deployment Joint Task Forces RDJTF استعداداً لمواجهة تحديّات أمنية جديدة فيه، وما فتأ الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ينمو تدريجياً وحسب ما تقضيه التطورات الدولية والإقليمية حتى وصل إلى ذروته عشية إعلان حرب الخليج الثالثة وغزو العراق عام 2003.

كما أدّى سقوط الشاه وانتصار الثورة الإيرانية إلى إعادة ترتيب الأولويات الأمنية في منطقة الخليج، فلقد استبدل النظام الإيراني الجديد سياسة "الخيار العربي" التي تبناها الشاه في مطلع العقد لتخفيف التوتر التاريخي بين القوميين العرب والإيرانيين بسياسية عدائية وتوسعية في المشرق، كما أضفت على هذه العلاقات بُعداً طائفياً أحيت من خلاله التنافس الشيعي السني في الإقليم. يصف ديفيد كومينز الثورة الإيرانية بـ "التهديد السياسي لدول الخليج، وأنه لا بد لكل من السعودية والبحرين والكويت من مواجهة الدعاية العدوانية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحاولتها في توظيف مواطنيها الشيعة".[iii]

اعتبرت دول الخليج نظام الثورة الإسلامية الذي أقامه الخميني حديثاً تهديداً وجودياً لها على الصعيد السياسي والأيديولوجي والديني. فعلى الصعيد الديني قدّم النظام الإيراني مرجعيةً دينيةً للأقليات الشيعية في دول الخليج مكّنتها من المطالبة بلعب دور سياسي متقدم في بلادها، ولقد شكّلت الحركات الشيعية في البحرين والعراق ضغوطاتٍ حقيقية على أنظمة بلادها، مهددةً بإسقاط حكوماتها وبإقامة أنظمة سياسية ثورية إسلامية شبيهة بإيران. وسياسياً اعتبر الخميني الأنظمة الملكية والنظام البعثي في جوار إيران أنظمة غير إسلامية، ووصفها بالفاسدة والظالمة، وأنه "لا مهرب من تدمير هذه الحكومات الفاسدة المفسدة، ومن إسقاط جميع الأنظمة الظالمة، والخائنة، والمجرمة".[i] أمّا أيديولوجياً، فلقد لفظ الخميني المرجعية الثقافية الغربية التي قام عليها النظام الدولي الحديث، وتبنّى مرجعية ثقافية محلية تاريخية متأصلة، عوضاً عن استيراد الأفكار الرأسمالية من الغرب أو الأفكار الشيوعية من الشرق.[ii] يصف "فارهنغ رجائي" هذا الجانب لدى الخميني قائلاً : "رفض الخميني هيمنة القوى العظمى، معتبراً إيّاها مصدر الشرور والمشاكل في العالم"[iii]، فقال "تعتبر شعوبنا أمريكا عدوتها الأولى"[iv]. ويعد رجائي أحد أسباب عداوة الخميني للشاه في اعتبار الأخير: "ألعوبة بيد الأمريكان"[v]، فيما ينطبق ذات المنطق على الأنظمة العربية التقليدية، التي اتهمها بالعمالة وحضّ "المظلومين" (الشيعة على وجه الخصوص) على الانتفاضة في وجهها وباستبدالها بأنظمة حكم إسلامية.

عكس تحوّل السياسية الخارجية الإيرانية من سياسة "الخيار العربي" إلى سياسة "تصدير الثورة" انزياحاً دراماتيكياً في علاقة طهران بجيرانها الإقليميين، وفي الواقع لم يخبُ التنافس العربي الإيراني نهائياً أبان حكم الشاه، ولكن كان خاضعاً لمنطق التوازن الحيوي للقوة لاستتباب السلام في المنطقة، والذي ما لبث أن اختل بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران. ولقد قدّمت نظرية "بوزان" إطاراً نظرياً هاماً لتبيان مدى تأثير التغيرات السياسية المحلية في هيكلية المجمَّع الأمني الإقليمي، حيث يتعاظم تأثير التقارب الجغرافي في توازنات المجمع، وهذا ما شهدناه من الأثر المباشر للثورة الإسلامية في إيران ضمن المجمع الأمني في الخليج دون بقية الأقاليم المجاورة.


"الثلاثة الكبار" في الإقليم
خضعت ديناميكيات ميزان القوى في منطقة الخليج تقليدياً للعلاقات العراقية الإيرانية السعودية، المتشابكة والمتداخلة بطبيعتها، ولقد سعت دول الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، قطر، سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة) لخلق عامل إضافي في معادلة التوزان العراق الإيراني، انطلاقاً من وعيها بتضارب مصالحها مع انفراد بغداد أو طهران في قيادة المنطقة، الأمر الذي يستدعي تدخلها في حال رجحت كفّة إحدى القوى الإقليمية على الأخرى. وفي خضم الصراع الأيديولوجي العربي بين القوميين والاشتراكيين من جهة والأنظمة التقليدية والرأسمالية من جهة أخرى،[i] استدعت ممالك الخليج تدخل شاه إيران في عدّة مناسبات لأجل إحداث توازن أمام الأنظمة القومية العربية في القاهرة وبغداد. ولقد نشطت الدول الأخيرة في تقويض حكم الأنظمة الملكية العربية، فتدخلت في "ثورة 26 سبتمبر" في اليمن مرة، ودعمت انقلاباً في إمارة الشارقة عام 1973 مرةً أخرى، واستضافت قيادات خلايا الجبهة الشعبية لتحرير عُمان حتى عام 1975[ii]. ولقد اتسمت هذه المرحلة في اتساق المصالح الإيرانية مع الأنظمة العربية التقليدية في الحفاظ على شرعية الأنظمة الملكية في المنطقة وفي صيانة وتعزيز التقارب الاستراتيجي مع دول المعسكر الغربي.

دفع نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية في تحقيق أهدافها المحلية في البلاد لتحول مصدر التنافس الإقليمي من صراع عربي أيديولوجي إلى صراع مذهبي طائفي، فاستدعت دول الجزيرة هذه المرة تدخل العراق لاحتواء إيران الشيعية الثورية، الفرصة التي لم توفرها بغداد بعد تطبيع العلاقات مع جيرانها عام 1975. وتباعاً عملت بغداد بشكل براغماتي ودؤوب على تعزيز قيادتها للمنطقة، فقامت باستغلال الفراغ الناتج عن مقاطعة مصر العربية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد لصالحها من خلال محاولتها تعزيز قيادتها للمحور العربي، وقامت بتوقيع ميثاق "العمل الوطني المشترك" مع نظيرها ومنافسها البعثي في دمشق عام 1978 مما عدّ كخطوة أولية نحو توحيد البلدين، وتوسطت بنجاح في إنهاء الحرب اليمنية في آذار 1979، ووقعت في ذات العام اتفاق تعاون أمني مع السعودية توّجت بأول زيارة رسمية لرئيس عراقي للرياض قام بها الرئيس أحمد حسن البكر.[i]

وبالفعل نجحت العراق من خلال موقعها الجغرافي المميز وممارساتها السياسية الموفقة في ربط المجمع الأمني الخليجي مع المجمع الأمني الشامي، إلا أن استقالة البكر أو عزله بانقلاب أبيض على الأصح، ووصول صدّام حسين إلى سدة الحكم في البلاد بتاريخ السادس عشر من تموز 1979، واتهامه للنظام السوري بالعمل على اسقاطه أدّى إلى وأد جهود الوحدة العراقية السورية. [ii]ولقد لعب الخلاف العراق السوري كما سنرى لاحقاً دوراً حيوياً في ميزان القوى أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

وفي حين كانت طموحات عراق صدام حسين تنمو وتربو، كان حس المغامرة لدى إيران الخميني يتعاظم ويتجاسر، الأمر الذي دفع المنطقة ككل إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر، وبالفعل اندلعت حرب طاحنة بين البلدين في الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر سنة 1980، محدثةً واقعاً مأسوياً جديداً في المنطقة. ولا يزال تحديد مسؤولية اندلاع الحرب مسألة شائكة حتى اليوم، وفي حين تتخطى الإجابة على هذا السؤال حدود هذا الملف، نكتفي بقول إن العراق كان أول من شرع في اقتحام أرض إيران، أما إيران فقد كانت أول من شنّت هجوماً نارياً على العراق.


التمكّن الشيعي
أعطت الثورة الإيرانية دفعة معنوية للشيعة العرب وأضفت لهم إحساساً بالتمكين بعد أن نصّب الخميني نفسه قائداً وحامياً للشيعة في العالم، وحفزهم انتصار الثورة في التمرد على الأنظمة السياسية في بلادهم، فلم يقتصر التهديد الذي شكلته إيران على أنظمة الخليج العربي على الجانب الأخلاقي والفكري فحسب، بل عمدت كذلك إلى تعبئة السياسية والعسكرية للشيعة ضد النخبة الحاكمة.

أدّى الأثر المزعزع للثورة الإيرانية وردّة فعل الأنظمة المتأثرة به إلى تصعيد درجات التوتر الطائفي بين السنة والشيعة على مستوى الداخلي[i] ، وإلى توتير العلاقات الإيرانية مع دول الخليج العربية، ولقد شوهدت أهم تجليّاتها في العراق والبحرين والكويت والسعودية، الأمر الذي تطور إلى حرب دامية مع طهران كما هو الحال في العراق الذي يضم أكبر تجمعاً للشيعة العرب، والأقرب جغرافياً من إيران. فلقد كان الإمام محمد باقر الصدر العراقي الجنسية أحد المقربين من الخميني، وأحد أهم داعميه الإقليمين، فضلاً عن مساهماته المباشرة في الثورة الإيرانية كالمشاركة على سبيل المثال في صياغة الدستور الإيراني الجديد.

رأى الخميني في باقر الصدر قائداً محتملاً لثورة إسلامية في العراق[ii]، وبإلهامٍ وتشجيع الخميني قام حزب الدعوة الذي أسس جناحاً عسكرياً له عام [iii]1979، بتنظيم والدعوة إلى مظاهرات شعبية في المدن الشيعية في العراق، ما لبث أن تطورت إلى أعمال عسكرية وصلت إلى محاولة اغتيال طارق عزيز في الأول من نيسان 1980. ولّد نشاط حزب الدعوة المتعاظم ردّة فعل عنيفة من قبل النظام العراقي الذي شنّ عملية أمنية واسعة النطاق ضد أعضاء الحزب، اعتقل خلالها آية الله باقر الصدر وأخته آمنة بنت الهدى وأعدمهما في الثامن من نيسان 1980، وأصدر قانوناً يجرم عضوية حزب الدعوة تحت طائلة عقوبة الإعدام.

اعتبرت بغداد التدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية تهديداً مباشراً لسيادة النظام ووحدة الأراضي العراقية، يقول "جيمس دفرينزو" أن نظام البعث في العراق: "كان قلقاً من انتقال عدوى المظاهرات والتمرد الشيعي إلى الكرد الانفصاليين، وأن يشجعهم على حمل السلاح مما قد يدفع البلاد إلى حرب أهلية طاحنة"[iv] وفي حين: " لم يقم صدام حسين سابقاً بمهاجمة طهران شخصياً، أو بالتهديد بشكل مباشر بالحرب"[v] إلا أنه بدأ بتغيير لهجته التصعيدية اتجاه إيران مع تصاعد وتيرة العنف الشيعي حتى نيسان 1980. هذا مع العلم أن العراق وعلى الصعيد الرسمي قد رحب بانتصار الثورة الإيرانية عام 1979، وقد أرسل الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر رسالة للخميني هنأه بها بإنشاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما دعم العراق انسحاب إيران من منظمة حلف الأوسط (حلف بغداد سابقاً) وعرضت تسهيل عضوية إيران في حركة دول عدم الانحياز، كما وجهت دعوة رسمية لرئيس الوزراء الإيراني مهدي بازركان لزيارة بغداد في تموز 1979".[vi]

تركت أحداث نيسان 1980 أثراً عميقاً على شخصية صدام حسين كما نوّه إليه غوزيه، حيث اقتبس في كتابه ما نوه إليه المدون الرسمي لسيرة صدام حسين من أن أحداث نيسان شكلت "نقطة تحول في سلوك صدام اتجاه إيران، حيث اتّخذ قرار الحرب بعدها بقليل". ومن المهم عدم إغفال حقيقة أن صدام قد اتخذ قرار الحرب بمفرده، فلقد لعبت شخصيته دوراً محورياً في الأحداث اللاحقة، وكان هدفه الرئيس تحقيق انتصار سريع لتعزيز قيادته للعراق وللعالم العربي. وقد بدت إيران الضحية المناسبة من حيث المبرر والضعف الذي خلفته الثورة في صفوف الجيش الإيران كما يلحظ دفريزو، حيث "انخفض تعداد جنود الجيش الإيراني من 400،000 جندي إلى 200،000، وأوقفت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، الموردين الأساسيين للسلاح في زمن نظام الشاه ، بيع العتاد وقطع الغيار للنظام الثوري الجديد في طهران".[vii]

باختصار اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، وبات يعرف إليها بحرب الخليج الأولى لثلاثة أسباب رئيسية:
تهديد واستفزاز الثورة الإيرانية لدول الجوار.
ضعف إيران الخارجة بسبب الصراع الداخلي.
الطموحات التوسعية.

وفي حين صدر قرار الحرب في أروقة القرار العراقي، إلا إن بغداد استشارت دول الخليج العربية الأخرى قبيل إعلان الحرب، ولقد كان من المنطقي تضافر جهود الدول العربية في مواجهة التهديد الإيراني المشترك. يقول غوزيه: "كشفت مقابلات كوردسمان وواغنر مع الشخصيات المعنية، أن المسؤولين العراقيين بدأوا بتداول فكرة العمل العسكري ضد إيران عربياً في أيار 1980، وأبلغ صدام حسين قادة الخليج الحرب بعزمه إعلان الحرب في تموز وآب من العام نفسه".[viii]


الحرب والتوازن القلق
أُعلنت الحرب بين العراق وإيران في 22 ايلول 1980 عندما شنّت القوات العراقية هجوماً واسع النطاق على إيران واستولت على مدينة خرمشهر في محافظة خوزستان. وعلى الرغم من فشل القوات العراقية في التوغل أكثر والسيطرة على المناطق ذات الغالبية العربية في الأهواز، اعتقد صدام حسين أن ضعف إيران سيدفعها للمساومة وللتنازل عن شط العرب مقابل انسحاب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية، إلا أن إيران رفضت الرضوخ لهذا الخيار، وفاجأت الجميع بتعبئة مئات الآلاف من الشباب الإيرانيين لصد هجوم القوات العراقية. وبدلاً من إضعاف الحكومة الإيرانية، كما كان المتوقع، يلحظ دفرينزو أن الهجوم حفّز العديد من الإيرانيين لتجاوز خلافاتهم الداخلية وللاتحاد في مواجهة خطر خارجي أكبر.

تعرضت القوات العراقية لضربة موجعة في الهجمات المضادة التي قادتها القوات الإيرانية عليها، وعرضت بغداد وقف إطلاق النار بعد تكبّدها خسائر أولية فادحة، قابلها رفض الخميني الذي أصدر أمراً بمواصلة القتال حتى النهاية. وأوضح الأخير نيته بشكل جلي أن هدفه من استمرار الحرب اسقاط نظام صدام حسين، واستبداله بنظام إسلامي. وزعم الخميني أن "توحيد إيران والعراق وربطهما مع بعضهما البعض، ستدفع الشعوب الأصغر للانضمام إليهما"[i]. وفي الثالث عشر من تموز عام 1982، شنّت القوات الإيرانية هجوماً على مدينة البصرة العراقية لتدور رحى الحرب حتى انتهائها على الأراضي العراقية فقط.

وجدت دول الخليج العربية في بداية الحرب نفسها عالقة في معضلة معقدة، فدعم العراق يعزز من مخاطر هيمنته على المنطقة، في حين يشكّل دعم إيران تهديداً إيديولوجياً على أنظمتها الحاكمة[ii]. وعلى الرغم من اشتراك دول الخليج في الخشية من تعاظم قوة العراق وإيران في المنطقة، إلا أن تقييمها لهذه المخاطر تفاوت بشكل كبير. ففي حين أخذت المملكة العربية السعودية والكويت موقفاً حاداً في دعم العراق ضد إيران، اتخذت كل من عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة موقفاً محايداً. يصف كل من نايجل أشتون وبريان جيبسون هذه المرحلة: "بتعدد سياسات الدول الخليجية تجاه الحرب، وأنها عملت ضد بعضها البعض في بعض الأوقات".[iii]

قام جيرد نونمان في تحليل آخر، بتصنيف الدول العربية الست إلى مجموعتين:
الدول العليا: بما في ذلك المملكة العربية السعودية والكويت التي كانت ترضخ لتهديد أمني إيراني مباشر، ولذلك اتخذت موقفاً واضحاً وصريحاً في دعم العراق.
الدول الدنيا: بما في ذلك سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة التي لم تستشعر نفس درجة التهديد الإيراني لأمنها، ولذلك اتخذت موقفاً محايداً في الحرب.

وخلص نونمان أن "البحرين وإلى حد كبير قَطَر كانت عالقة بين الموقفين ولكن انتهى بها الأمر للاقتراب بشكل أكبر من الموقف السعودي - الكويتي".[iv]

وفي حين يمكننا أن نتفق إلى حد ما مع هذا التبسيط في قراءة الواقع الأمني لهذه المرحلة، إلا إننا نعتقد أن أمن واستقرار منطقة الخليج يعتمد أساساً على الديناميكيات المترابطة والمتداخلة للثلاثة الكبار في المجمع الأمني الإقليمي للخليج: المملكة العربية السعودية والعراق وإيران، ولقد وجدت السعودية نفسها في موقع متقدم لتعزيز نفوذها في المجمع بينما تورط اللاعبون الآخرون في حرب تقليدية. فكانت الأولوية السعودية منع تغلب أحد الطرفين على الآخر أو على الأقل منع إيران من الانتصار.


المملكة العربية السعودية: الأخ الكبير
قادت المملكة العربية السعودية والكويت حملة ضخمة لدعم العراق، لا سيما عندما اضطرت القوات العراقية للانسحاب من الأراضي الإيرانية. ولقد أوصل الهجوم المضاد الإيراني الناجح ‑ووعد الخميني بإطاحة بصدام حسين‑ رسالةً واضحة للسعوديين وبقية دول الخليج العربي مفادها أن إيران لن تقف عند حدود العراق إذا ما كتب لها الانتصار، الأمر الذي ولّد ردّة فعلٍ سريعة من قبلهم. ويصف أشتون وجيبسون المساعدات الخليجية للعراق على النحو التالي:

"تألفت المساعدات الخليجية من قروض سخية، ومعونات مالية ضخمة، ومنح نفطية للعراق. قدرت المساعدات السعودية بـ 25 مليار دولار أمريكي، كما تعهدت بتسهيل شحن الإمدادات المدنية والعسكرية إلى العراق. وكذلك ساهمت كل من أبو ظبي ودولة قطر في دعم العراق مادياً. أمّا الكويت فلقد قدّمت 13.2 مليار دولار على شكل إغاثة عاجلة كما منحت للعراق حق استخدام مرافقها المائية في الشويخ والشعيبة، مما سمح باستمرار تدفق الأسلحة والنفط داخل وخارج العراق، ومتجاوزين بذلك التفوق البحري الإيراني في شمال الخليج [...]. ومع بداية عام 1982، زوّدت الكويت والمملكة العربية السعودية العراق بـ 330،000 برميل نفط يومياً للتعويض عن إغلاق سورية لخطوط الأنابيب عبر أراضيها إلى العراق. في بداية العام التالي، نقل البلدين أرباح انتاج حقول الخفجي المشتركة للحكومة العراقية ".[i]

بيد أن الإنجاز الأكبر الذي حققته السعودية في سعيها نحو تعزيز مكانتها في الإقليم، كان إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981. حيث نجحت السعودية في احتواء مخاوف بعض إمارات الخليج العربي من نواياها التوسعية، لا سيما قطر ودبي، واستطاعت جمع مشايخ الخليج تحت مظلة واحدة وبقيادتها. شكّل غياب كل من إيران والعراق من المجموعة دلالة واضحة على إرادة المملكة العربية السعودية في التفرد بقيادة هذه المجموعة. ولقد ساعد على ذلك "تورط العراق في الحرب مع إيران، وازدياد اعتمادها على مساعدات الخليج، مما أضعف قدرتها على الاعتراض"[i]. وعلى الرغم من افتقار مجلس التعاون الخليجي إلى وجود "مؤسسة صنع القرار فوق وطنية متكاملة تشارك دول الأعضاء على سيادتها كالمفوضية الأوروبية على سبيل المثال"[ii]، إلا إنها لعبت دوراً هاماً في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وعلاوة على ذلك، وفر المجلس درجة حماية إضافية للدول المنضوية في عضويته.

لم يقتصر دور مجلس التعاون الخليجي على القضايا الأمنية فقط بل لعب أيضا دوراً سياسياً هاماً خلال الحرب. أولاً، حافظ المجلس على موقفه المحايد[iii] ، على الرغم من ميل معظم دوله لدعم العراق. ثانياً، أصّر المجلس على ضرورة إطلاق مفاوضات سلام ثنائية بين البلدين وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، وعرض مبادرة سلام في عام 1982 لإنهاء الحرب، ولكن رفضتها إيران. ثالثاً، أمّن المجلس غطاءً سياسياً دولياً للمملكة العربية السعودية، وأضطلع بمهمة الدفاع عنها كلما تلّقت هجوماً مباشراً من إيران. فعندما هاجمت إيران إحدى المنشآت النفطية السعودية في عام 1984، أصدر المجلس بياناً أدان به الاعتداء، ودعم تبنى مسودة قرار الأمم المتحدة الذي أدان الاعتداءات الإيرانية على الشحن الدولي. [iv]

أثبت مجلس التعاون الخليجي قدرته على الحفاظ على الاستقرار والأمن داخل الدول الأعضاء ونجح إلى حد كبير في منع امتداد الصراع الإيراني - العراقي إليه داخل حدوده. ولكن لم تكن

اقرأ المزيد
٥ فبراير ٢٠١٧
منعطفات حوّلت حزام العاصمة "الثائر" إلى مناطق آمنة للأسد وحلفائه

نجح النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون بتفتيت الحزام الناري الذي فرضته المعارضة حول دمشق، فاستطاع تجزئة غوطتيها الشرقية والغربية، وتحييد البلدات الجنوبية بشكل كامل، ما سهل عليه فرض “هدن” بالقوة، ثم تسويات تضمن ترحيل مناهضيه إلى الشمال.


النفوذ الأكبر وبداية الانتكاسة
شكلت الفترة الممتدة من أيلول 2012 وحتى شباط 2013 مرحلة ذهبية لفصائل ريف دمشق، فنجحت بتكوين هلال يلفّ العاصمة من ثلاث جهات (الغربية، والجنوبية، والشرقية)، وأصبحت المنطقة الممتدة من معضمية الشام في الغوطة الغربية، وحتى عدرا البلد في الغوطة الشرقية تحت سيطرة المعارضة، والتي لم تكتفِ بالمناطق الريفية فحسب، بل تمددت في أحياء العاصمة، مثل برزة والقابون وجوبر شمال المدينة، والقدم والحجر الأسود ومخيم اليرموك جنوبها.

ونجحت المعارضة بوضع يدها على أجزاء واسعة من طريق مطار دمشق الدولي، بسيطرتها على بلدتي شبعا وحتيتة التركمان المطلتين على الطريق الحيوي، وضيقت خناقها على المطار بتعزيز نفوذها في بلدتي حران العواميد والغزلانية المحاذيتين له، وباشرت فعليًا بالتمهيد لاقتحامه عبر استهدافه بالمدفعية والصواريخ، دون أن تتمكن من ذلك.

في الفترة ذاتها، حققت المعارضة انتصارات في منطقة القلمون شمال دمشق، كان أهمها السيطرة على مدينة يبرود في أيلول 2013، وما تبعها من عمليات ضد النظام في معلولا وديرعطية والنبك وجيرود والناصرية والتل ورنكوس وغيرها، وإحكام السيطرة على مدينة الزبداني وبلدتي مضايا وبقين، وتأمين طريق إمداد بينها وبين منطقة وادي بردى وبلدتي قدسيا والهامة المجاورتين، وجميعها تحت سيطرة “الجيش الحر” آنذاك، إلى جانب نجاح الفصائل في تأمين طريق إمداد من القلمون إلى الغوطة الشرقية، بهيمنتها على طريق الضمير- عدرا، إذ خضعت عدرا البلد ومدينتها الصناعية لسيطرة المعارضة أيضًا.

وخلال عام، شهدت المحافظة مرحلة انحسار وضعف للمعارضة، وشكلت استعادة قوات الأسد منطقة السبينة جنوب دمشق في تشرين الثاني 2013، نقطة تحول مفصلية في دمشق وريفها، وسقطت مدن وبلدات الغوطة كأحجار الدومينو خلال أشهر، كان أبرزها: البويضة، والحجيرة، وشبعا، وحتيتة التركمان، والغزلانية، وحران العواميد، والعتيبة، والعبادة، وقيسا، ودير سلمان.

وخسرت الفصائل أيضًا مدينة المليحة في عمق الغوطة، ومدينة عدرا ومساكنها ومنطقتها الصناعية شمالها، في آب وأيلول من عام 2014.

وحقق النظام السوري من خلال هذه العملية هدفين سعى إليهما: الأول هو تأمين الطريق الواصل بين مدينة دمشق والمطار الدولي في الجهة الشرقية، والثاني هو فصل كامل للغوطة الشرقية عن الغربية، وعزل منطقة جنوب دمشق، ثم إطباق حصار على المناطق الثلاث في مرحلة لاحقة، تمهيدًا لاستهداف كل منطقة على حدة، وإرغام الفصائل على القبول بهدن ومصالحات.

أيضًا أخذت المعارضة بالانحسار في القلمون الغربي في الفترة الممتدة من أيلول 2013 وحتى آذار 2014، فاستعادت قوات الأسد مدعومة بميليشيات “حزب الله” اللبناني مدنًا وبلدات رئيسية في المنطقة، نذكر منها بحسب الترتيب الزمني: بلدة معلولا (أيلول 2013)، بلدة قارة (تشرين الثاني 2013)، مدينة ديرعطية (تشرين الثاني 2013)، مدينة النبك (كانون الأول 2013)، مدينة يبرود (آذار 2014).

منذ مطلع عام 2014، تحولت المعارضة من الهجوم إلى الدفاع، عدا محاولات فك حصار شهدتها الغوطة الشرقية في مناسبات عدة، كما تشظّت الفصائل في قتالها لتقف أمام خصم ظهر جديدًا على الساحة، وهو تنظيم “الدولة الإسلامية”، بالتزامن مع بدء النظام السوري مرحلة جديدة غير مسبوقة في دمشق وريفها، وهي فرض تسويات وهدن محلية جنوب وغرب وشمال العاصمة.


خسائر 2016 أشد وطأة على فصائل دمشق
خسرت فصائل المعارضة خلال العام الماضي، عشرات المناطق لصالح قوات الأسد والميليشيات الرديفة في محيط الغوطة الشرقية، خلال معارك واسعة شنها النظام هناك، بينما عقد تسويات تحت عنوان “مصالحات” في مناطق أخرى من ريف دمشق، آخرها منطقة وادي بردى.


قضم الغوطة الشرقية
وبدأت الحكاية بعد أن أحكمت قبضتها على بلدة مرج السلطان ومطارها الاحتياطي، في 13 كانون الأول من عام 2015، في تقدم وصف بأنه “الأكبر من نوعه” في الغوطة الشرقية.

وتابع النظام عقب مرج السلطان، محاولات تقدمه إلى المطار الرئيسي في المرج، لعزل المحور الشرقي للغوطة، بعد أن أنهى ملف بلدة المليحة (القريبة من المطار وتبعد خمسة كيلومترات عن العاصمة) في آب 2014، وعقد مصالحات في بلدات عقربا وشبعا وحتيتة التركمان والحسينية، وكل ذلك بعد ضمه عدرا في وقت سابق من 2015.

بعد خسارة مرج السلطان، شكّلت فصائل المعارضة “غرفة عمليات المرج” والتي استطاعت استعادة بعض المناطق، إلا أنها خسرتها مجددًا واعترف قادتها، في حديثٍ حينها لعنب بلدي، أن المعارك “هي الأشرس على الإطلاق”، مع استمرار زحف قوات الأسد، رغم هدوء الجبهات واقتصارها على معارك كر وفر في القطاع الجنوبي للغوطة على مدار أربعة أشهر، اشتدت في أيار من عام 2016.

اشتداد المعارك تكلل في منتصف أيار بالسيطرة على قريتي نولة وبزينة في محيط دير العصافير، بعد أيام من بدء اقتتال فصائل الغوطة في 28 نيسان من العام نفسه، إلى أن وسّعت قوات الأسد سيطرتها في المنطقة، وضمّت دير العصافير، وزبدين، حوش الدوير، والبياض، وحرستا القنطرة، وبالا، إضافة إلى الركابية، وحوش الحمصي، في 19 أيار، واستطاعت فصل القطاع الجنوبي، الذي يعتبره الأهالي، خزانًا زراعيًا للمنطقة.

توغل النظام في المنطقة استمر ولكن من شمال شرق الغوطة، إلى حين سيطرت قوات الأسد على حوشي الفارة ونصري وميدعا في آب وتموز من عام 2016، بينما واصلت التقدم إلى أن أحكمت قبضتها على الميدعاني والبحارية، وعدد من التلال والمزارع المجاورة، وعزا أهالي الغوطة سبب تراجع المعارضة إلى اقتتال الفصائل الذي انتهى مطلع تشرين الثاني 2016.

وتزامنًا مع تلك المعارك سيطرت القوات في 30 تشرين الأول 2016، على مزارع الريحان ومنطقتي تل كردي وتل صوان، كما تواصلت المواجهات في تلك المنطقة حتى السيطرة على بلدة القاسمية، لتصبح على مشارف بلدة النشابية المجاورة، في 26 كانون الثاني 2017.

تسوياتٌ في محيط العاصمة
تزامنًا مع استمرار المعارك في الغوطة الشرقية، سعى النظام جاهدًا إلى عقد تسويات بمناطق مختلفة في محيط دمشق، ما جعل أغلب المدن العائدة إلى “حضن الوطن” خالية من السلاح و”المسلحين”، كما يسميهم النظام ومؤيدوه، بعد خروج الفصائل منها، عقب تخييرهم بين “الحرب الشاملة” أو تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم، أو الخروج إلى إدلب شمال سوريا.

ابتدأ النظام بالغوطة الغربية، وتحديدًا من مدينة داريا، التي استطاع إفراغها من أهلها في 26 آب 2016، فخرج أكثر من خمسة آلاف شخص من المدينة، قرابة 1200 منهم إلى إدلب، بينما توجهت الأغلبية نحو بلدة حرجلة في ريف دمشق، والتي تخضع لسيطرة النظام.

وخرج مقاتلو بلدتي قدسيا والهامة، في 13 تشرين الأول من العام نفسه، باتجاه محافظة إدلب، رغم أن عملية الخروج تعرضت لمعوقات هددت بتأجيل العملية، لكن ما لبثت أن استؤنفت في موعدها، إلى أن خرج 525 شخصًا مع عائلاتهم من قدسيا، و114 آخرين مع عائلاتهم من الهامة، ليكون العدد الكلي بشكل تقريبي حوالي 2500 شخص.

في مدينة معضمية الشام التي ضمّت بعضًا من أهالي داريا، خرج من لم يسوِّ أوضاعه فيها مع النظام إلى إدلب، وقُدّر عدد المغادرين من المعضمية في 19 تشرين الأول، بقرابة ألف شخص، جميعهم انتقل إلى إدلب.

تهجير أهالي المنطقة الغربية من ريف دمشق، استمر ضمن نطاق التسويات، التي جاءت جميعها بعد معارك مكثفة شنتها قوات الأسد، للضغط على الأهالي والرضوخ لشروطها، وخرج من خان الشيح وزاكية قرابة 4500 شخص في 29 تشرين الثاني 2016، واستمر على مدار ثلاثة أيام، ثم تبعهم 250 مقاتلًا من زاكية في كانون الثاني 2017.

كما خرجت أعداد قليلة من أهالي بلدة كناكر في تشرين الثاني 2016، إلا أن معظمهم سوّى أوضاعه لدى النظام، في حين خرج قرابة 1300 شخص من المقاتلين وعائلاتهم في مدينة التل، في 2 كانون الأول 2016، بعد أن تحوّلت إلى مقصد لنازحي المناطق المشتعلة في غوطتي دمشق، وضمت أكثر من 700 ألف مدني، وفق تقديرات ناشطين.

موجة التهجير وصلت إلى بلدة سعسع، جنوب غرب دمشق، التي تبعد عن العاصمة نحو 40 كيلومترًا، والمعروفة بفرعها الأمني الشهير، إذ خرجت قرابة 30 عائلة معظمها من بلدتي كفرحور وبيت سابر، إضافة إلى 13 عائلة من بلدة بيت تيما، وفق مصادر عنب بلدي.


أهالي وادي بردى آخر المُهَجّرين
عقب معارك استمرت أكثر من 36 يومًا في المنطقة، استطاعت قوات الأسد التقدم إلى عمق وادي بردى، وسيطرت على بسّيمة أولًا ثم وصلت إلى عين الفيجة، المنطقة الأكثر استراتيجية في المنطقة، والتي تحتوي على النبع.

وخرج من وادي بردى قرابة 1500 شخص بينهم حوالي 500 مقاتل، نهاية كانون الثاني 2017، عبر حاجز دير قانون المتاخم لقرى المنطقة، وذلك بعد انسحاب فصائل المعارضة من نبع عين الفيجة، بينما بقي بعض المقاتلين والأهالي في بلدة دير مقرن في الوادي، على أن يخرجوا في وقت لاحق، لتعود المنطقة إلى حضن النظام.


ماذا بقي للمعارضة في دمشق وريفها؟
بعد أربعة أعوام على خسارة السبينة في جنوب دمشق، وما تبعها من هزائم معنوية وعسكرية للمعارضة في المحافظة، تقتصر سيطرة الفصائل اليوم على أجزاء من الغوطة الشرقية، وثلاث بلدات في جنوب دمشق، وجيوب متناثرة في القلمون، إلى جانب أحياء دمشقية تنتظر مصيرًا مشابهًا لعشرات المناطق التي استعادها النظام إما قتالًا أو تهجيرًا بعد حصار.


الغوطة الشرقية
تقتصر سيطرة المعارضة فيها على القطاع الأوسط والشمالي منها، وتضم مدن وبلدات: دوما، وحرستا، وزملكا، وعربين، وسقبا، وعين ترما، وجسرين، وعين سوا، وأوتايا، والنشابية، وغيرها، وجميعها تخضع لحصار من قبل النظام السوري، ومعارك مستمرة على الجبهات الشمالية والشرقية والغربية.


الأحياء الدمشقية
تحتفظ المعارضة بثلاثة أحياء رئيسية في ضواحي دمشق الشمالية، فحي جوبر الدمشقي يعتبر بوابة الغوطة الشرقية من المحور الغربي، ويشهد معارك ومواجهات مفتوحة لا تهدأ بين النظام وميليشياته من جهة وقوات المعارضة من جهة أخرى، في حين يعيش أهالي حيي القابون وبرزة بهدوء وأمان نسبي، إثر دخولهما في اتفاقيات تهدئة سابقة، يتخللها خروقات من طرف النظام، كما حدث في القابون مؤخرًا.


جنوب دمشق
تقتصر سيطرة المعارضة فيه على بلدات: ببيلا، ويلدا، وبيت سحم، وعقربا، بينما تخضع منطقتا مخيم “اليرموك” للاجئين الفلسطينيين والحجر الأسود لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتشهد هذه المناطق هدوءًا ملحوظًا منذ اتفاق التهدئة مطلع عام 2014، عدا عن اشتباكات بين تنظيم “الدولة” وفصائل أخرى في مخيم “اليرموك”.


منطقة القلمون
في الجزء الجنوبي الغربي من القلمون، تخضع مدينة الزبداني وبلدتا بقين ومضايا لحصار من قوات “حزب الله” اللبناني، منذ نحو عام، إثر دخولها في اتفاق يحيدها مع مناطق في إدلب عن القصف والعمليات العسكرية، وهو الأمر الذي ينطبق على بلدات الضمير، وجيرود، والرحيبة، والناصرية، في القلمون، إذ تدخل هذه البلدات في اتفاق “هدنة” مع النظام السوري أيضًا.

القلمون الشرقي ومناطق البادية في الريف الشرقي للمحافظة، تشهد “هدنة” غير معلنة بين “الجيش الحر” وقوات الأسد، لكنها تشهد اشتباكات للطرفين في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” ذي النشاط الكبير في هذه المنطقة.


دمشق وريفها ملاذ آمن للأسد
تسعى قوات الأسد باستمرار لتفريغ محيط العاصمة دمشق، من أي وجود للمعارضة، وبرزت تلك المساعي مؤخرًا في محاولة القوات اقتحام الغوطة من جهة حرستا، 25 كانون الثاني 2017، بعد هدوء استمر فيها لأكثر من عام ونصف.

بدوره شكّل قصف حي القابون في دمشق، في 2 شباط 2017، منعطفًا واضحًا في الأحداث، فبعد أن خضع الحي لسيطرة فصائل في المعارضة السورية، وتوصلت فصائله والنظام إلى هدنة فيه، مطلع عام 2014، استهدفه الطيران الحربي بالصواريخ، ما خلف ضحايا وجرحى فيه.


الزبداني ومضايا
لا تُشكّل بلدات مضايا وبقين والزبداني، حجر عثرة في وجه مساعي النظام لضمها إلى مناطق سيطرته في المنطقة، فقواته وعناصر “حزب الله” اللبناني تحاصرها منذ فترة طويلة، بينما يرعى “حزب الله” حملات تهجير وتدمير في المنطقة.

وهجّر الحزب منتصف شباط 2017، قرابة 50 عائلة من المنطقة الواقعة بين حاجزي جوليا والشبك، في مضايا، وانقسموا إلى قسمين، الأول توجه إلى داخل بلدة بقين، والآخر باتجاه منطقة المعمورة، إلا أن مصادر عنب بلدي أكدت أن النظام نقلهم إلى بلدة بلودان القريبة، والتي يسيطر عليها النظام، وسط غموض حول مصيرهم.

ورغم أن فصائل المعارضة مازالت تسيطر على كل من الضمير والناصرية والرحيبة وجيرود شمال شرق العاصمة، إلا أنها ليست بأهمية منطقتي جنوب دمشق، والغوطة الشرقية، التي تنتشر مدنها وبلداتها الخاضعة لسيطرة المعارضة على تخوم دمشق.


جنوب دمشق
ملف جنوب العاصمة ما يزال مجمدًا منذ 8 كانون الثاني 2017، وحينها أصرّ النظام السوري على تنفيذ بنود مبادرةٍ طرحها حول التسوية في المنطقة، خلال اجتماعٍ مع اللجنة السياسية، مطلع الشهر ذاته، ضمن محاولات يخوضها منذ أشهر، لإضافة المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة هناك، إلى مناطق تسوياته.

رغم صغر مساحة المنطقة متمثلة ببلات يلدا وبيت سحم وببيلا وعقربا، إلا أن جبهاتها لا تشهد أي تحرك ضد النظام منذ فترة طويلة، حين وقعت فصائل “الجيش الحر” على هدنة مفتوحة مع قوات الأسد في شباط 2014.

ولم تشهد المنطقة أي اشتباكات ضد قوات الأسد، إذ تجلّت المعارك بين “الجيش الحر” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يسيطر على منطقة الحجر الأسود، وجزء واسع من مخيم اليرموك.

يرفض أهالي جنوب دمشق الخروج من المنطقة، حاملين شعار “سوف نبقى هنا”، ورغم ذلك يتخوف ناشطو المنطقة من تهجيرهم بالقوة من قبل النظام، الذي اقترح تشكيل ميليشيا “المغاوير”، من الضباط والعسكريين المنشقين، ليزجّ بها في مواجهة “جبهة فتح الشام”، وتنظيم “الدولة”، تحت إشراف ميليشيا “الدفاع الوطني” جنوب دمشق.

كما يشترط النظام رفع علمه دون غيره في تلك المنطقة، على أن يُعاد العمل في المؤسسات الرسمية، وتشكّل لجان (إغاثية- طبية- خدمية) من البلدات المشمولة ضمن الاتفاق، تحت إشراف المخابرات العسكرية والحرس الجمهوري، ويقام لقاء بينها وبين فعاليات بلدة السيدة زينب المجاورة.


ترويج لإجلاء أهالي الغوطة
عقب اجتماعات على مدار الأشهر الماضية، في مدينة دوما، بين وفد من النظام السوري، والذي دخل من حاجز مخيم الوافدين والتقى بعض فعاليات المدينة، طارحًا اتفاقًا للخروج من الغوطة، ترفض فصائل المنطقة والفعاليات المدنية تهجير الأهالي وخروجهم.

ويُصعّد النظام قصفه على الغوطة، في محاولة لكسر شوكة الأهالي، محاولًا إرضاخهم لقبول فكرة مغادرة المنطقة، إلا أن محللين يرونها مختلفة عن باقي مناطق ريف دمشق، إذ تملك “قوة عسكرية”، متمثلة بفصائل المعارضة التي تخوض معارك شبه يومية ضد قوات الأسد، كما أن محيط الجبهات المشتعلة حولها يتعدى 40 كيلومترًا.

وتمتد المنطقة المحاصرة في الغوطة على مساحة أكثر من 105 كيلومترٍ مربع.

ويتوقع مراقبون أن يُكثّف النظام مساعيه لإفراغ المنطقة، وهذا ما بدا من إعلانه عن فتح معبر مخيم الوافدين من جهة حرستا ودوما، كمعبر لإجلاء الأهالي برعاية روسية.

فكرة فتح المعابر طرحها وسام الطير، الصحفي المقرب من النظام، ومدير شبكة “دمشق الآن”، وقال عبر صفحته في “فيس بوك” إن المعبر فتح لمدة عشرة أيام، ابتداءً من 4 شباط 2017 لخروج أهالي الغوطة إلى دمشق، مشيرًا إلى أنه “أول المعابر الآمنة”.

وروّج الطّير إلى إمكانية فتح معابر أخرى، بعد تقسيم الغوطة الشرقية مستقبلًا إلى أربعة قطاعات، “يحدد معبران اثنان في كل قطاع، وأحد هذه المعابر سيخصص للمسلحين الراغبين بالتسوية”، وفق تعبيره.

آخر التصريحات لقياديي فصائل الغوطة، جاءت رافضة للهدن والتسويات فيها، إذ اعتبر عضو المكتب السياسي في “جيش الإسلام”، محمد علوش، في حديثٍ سابق إلى عنب بلدي أن “الحصار والتجويع والتغيير الديموغرافي كلها جرائم حرب، وسوف يحاسب النظام ومن سانده عليها”.

في حين وصفت الفصائل الأخرى، الأحاديث عن التسويات في الغوطة، بأنها “حرب نفسية”، إلا أن أنظار النظام تتركز عليها، باعتبارها المساحة الأكبر التي تخضع لسيطرة المعارضة قرب العاصمة.


المقومات الحيوية للعاصمة بيد الأسد
يتجه النظام السوري بعد تحييد خصومه في معظم المناطق المحيطة بالعاصمة، لإعلان دمشق مدينة آمنة له بشكل شبه كامل، ولا سيما أنه بات يحكم سيطرته على المقومات الحيوية الثلاثة لها، وهي الطرق الرئيسية المؤدية منها وإليها، وكبرى محطات توليد الطاقة الكهربائية، والمصدر الرئيسي للمياه.


شرايين دمشق ومطاراتها
يحكم النظام السوري سيطرته على عقدة طرق رئيسية من دمشق وإليها، وأبرزها: طريق الديماس الواصل بين العاصمة ولبنان من الغرب، وطريق دمشق- درعا من الجنوب، وطريق دمشق- حمص من الشمال، وطريق مطار دمشق الدولي من الشرق.

كذلك فإن مطار دمشق الدولي بات آمنًا بشكل كامل، وهو المعبر الجوي الرئيسي للنظام في سوريا، عدا عن مطارات وقواعد جوية عسكرية تعزز من سيطرته، أبرزها: مطار المزة العسكري، مطار السين، مطار الضمير.


محطة “تشرين” الحرارية
حاولت المعارضة مطلع عام 2013 فرض سيطرتها على محطة “تشرين” الحرارية الواقعة على بعد 50 كيلومترًا جنوب شرق دمشق، كذلك تعرضت لهجمات تنظيم “الدولة” مؤخرًا، لكن النظام حافظ على وجوده فيها خلال السنوات الماضية رغم كل ذلك، وبالتالي تأمين المورد الرئيسي للطاقة الكهربائية للعاصمة وريفها.


نبع “عين الفيجة“
استعادت قوات الأسد سيطرتها على نبع “عين الفيجة” في كانون الثاني من العام الجاري بعد مواجهات وقصف استمر نحو شهرين، وخضع منذ عام 2012 لإدارة فصائل المعارضة في منطقة وادي بردى شمال غرب دمشق، ونجح النظام من خلال هذه العملية العسكرية بوضع يده على مصدر مياه الشرب الرئيسي في المحافظة.

بعد سقوط “السبينة” ليس كما قبلها، إذ حصدت فصائل دمشق وريفها نتائج ما أغفلته سابقًا، من افتقارها للتخطيط العسكري ورسم الاستراتيجيات المستقبلية، وحالة التشظي في ظل غياب الجسم والقرار الواحد، وعدم الاستفادة من مقومات حيوية تضمن من خلالها الاستمرارية وتزيد من خنق النظام، فتحول “الحزام الثائر” عام 2013 إلى مناطق آمنة للميليشيات الأجنبية بعد أربعة أعوام، لتغرّد الغوطة الشرقية منفردة بانتظار ما هو آتٍ، فهل تكسر موجة التهجير إلى الشمال؟

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٧
حروب داخل حرب: مدخل لفهم الاقتتال الداخلي

لا تعتبر الثورة السورية حالة فريدة في نشوء ظاهرة الاقتتال الداخلي في صفوفها، فلقد شهدت الجزائر إبّان حرب التحرير ديناميكية شبيهة حين قامت الجبهة الوطنية للتحرير بمحاربة الحركة الوطنية الجزائرية. وبحسب بعض المصادر كان عدد عمليات الجبهة ضد الحركة في باريس فاقت عدد العمليات التي استهدفت الجيش الفرنسي، وكذلك في سيرلانكا حين قضت حركة نمور التاميل على جميع فصائل المقاومة الأخرى. تتعدد الأمثلة، وتتغير المسميات والأسباب المعلنة، وتبقى حقيقة واحدة ثابتة بغض النظر عن نتيجة الحرب سواء انتصر الثوار / المتمردين أو النظام / الحكومة، لم تنج أية حالة فصائلية من باقتتال داخلي.

 
كشف اللثام عن الأسباب الموضوعية للنزاع الداخلي بين فصائل المقاومة السورية مهم لسببين رئيسين، الأول رسم واعتماد السياسات الملائمة والفعّالة لحثّ جميع الأطراف على التعاون الإيجابي، والثاني منع أي تعاون محتمل بين أحد أطراف المقاومة والنظام، حيث تشير دراسات الحالات السابقة إلى ازدياد احتمال الانشقاق والانضمام للعدو المشترك مع احتداد وتيرة النزاع الداخلي.

كما تظهر التجارب السابقة في الثورة السورية ودول أخرى أن النزاعات تنشأ حول النتائج والأعراض الجانبية لأساس الإشكال بين المتنازعين، ولكن غالباً ما يتدخل الوسطاء لحلها على مستوياتها الدنيا فحسب عوضاً عن معالجة جذور الخلاف. وتؤكد التجارب نفسها فشل معظم الحلول السطحية فيما تتجذر الإشكالات الأصلية بسبب تجاهلها.

يكشف تحليل البيانات الصادرة عن الفصائل التي كانت طرفاً في نزاع داخلي أن معظم الأسباب المعلنة لتبرير القتال تندرج ضمن اللائحة التالية:

محاسبة العناصر المسيئة.
تحكيم الشرع في خلافات بين العناصر.
وقف أعمال السرقة والنهب.
المطالبة بتسليم قاتل / مجرم.
خرق بند أو كل بنود اتفاقية تعاون مشترك / تحالف / صلح.
التعاون مع الأعداء.
تخزين السلاح والعتاد وعدم مشاركته أثناء المعركة.
وفي المقابل يجنح الخبراء والمحللون إرجاع أسباب الاختلاف إلى عوامل ذات طبيعية اجتماعية أعمق. وإذ لا يمكن تجاهل هذه الإشكالات الناتجة عن خلل العقد الاجتماعي في سورية وعبث حزب البعث فيه، إلّا أنها تعجز عن تفسير النزاعات التي تنشأ بين فصائل تتبنى نفس الفكر وتسكن ذات المنطقة وينتمي أفرادها لنفس العوائل والحواضن الاجتماعية المحلية. فما هو إذاً جذر الخلاف الذي لم نزل غير قادرين على التعرّف عليه، وبالتالي طرح الحل الأنسب لتحييده على الأقل؟

 
يقدم هذا الملف نظريةً أساسها أن الفصائلية حبلى بالاقتتال الداخلي، وأن تضارب المصالح في استقطاب الحاضنة الشعبية وإدارة الموارد المحلية تشّكل وعياً مستبطناً لدى الفصائل بوجود مكامن فرص لاحتكار القوة، ومواقع تهديد من اضمحلال قوتها مما يدفعها لمبادرة القتال مع الفصائل الأخرى إما لاستثمار الفرص أو للقضاء على التهديد. ونسعى في هذا الملف تعريف القرّاء والوسطاء على ديناميكيات نشأة القتال الداخلي بهدف مساعدتهم على إيجاد الحلول المناسبة والناجعة في مواجهة الظاهرة.

وتظهر مكامن الفرص، عندما يشعر فصيل ما بقوته النسبية مقارنة بالفصيل المنافس على ذات الموارد الذاتية (حاضنة اجتماعية، تمويل، دخل محلي) وعندما يكون التهديد الذي يشكّله النظام في أدنى درجاته. وتشكّل الظروف السابقة محفزّات للطرف الأقوى في التحرك لأجل فرض هيمنته على مصادر قوة الفصيل الأضعف.

أمّا مواقع التهديد، فيزيد الوعي الذاتي بها عند ارتفاع وتيرة الأعمال العدائية من فصيل منافس، أو عند مواجهة خطر الزوال، وتحفّز الظروف السابقة غرائز البقاء لدى الفصيل المهـدَد بما يشجعه على القيام برهانٍ أرعن هدفه الرئيس خلط الأوراق وخلخلة التوازن البيئي أملاً بتحقيق تحالفات جديدة أو اكتساب مصادرة قوة بديلة.

تتناول الفقرة الأولى من هذه الورقة لغز الاقتتال الداخلي، فيما تفّصل الفقرة الثانية الديناميكيات الناتجة عن الفصائلية والمسببة في تشكّل مكامن الفرص ومواقع التهديد لدى الفصائل، ونطرح في الفقرة الثالثة نتائج دراسة أبرز 40 حالة اقتتال داخلي عصفت بالثورة، ونختتم الملف ببعض الآليات التي من شأنها رفع الكلفة المترتبة على القتال وتخفيض المصلحة العائدة منه أملاً في تثبيط الفصائل عن مهاجمة حلفائها ومنافسيها على حد سواء.

1. اللغز الاجتماعي
تشكّل ظاهرة الاقتتال الداخلي وما ينتج عنها من هدر للموارد البشرية والعسكرية والمالية الشحيحة لغزاً من الناحية الاجتماعية، وكثيراً ما يصعب على الحاضنة الاجتماعية تقبّلها والتعامل معها وذلك لكونها تتعارض مع مبدأ التعاون في حروب التحرير والثورات. وتسود الوعي العام ثلاثة أفكار رئيسية من شأنها تشجيع الحاضنة على التحالف بدلاً عن التنافس وهي:

عدو عدوي صديقي: المقاربة السائدة لدى عموم الخبراء أن الصراع مع نظام جائر أو محتل أجنبي قوي من شأنه تقوية أواصر التعاون بين المتمردين عليه (الأضعف)، ويقتضي منطق "في الاتحاد قوة" تجميع القوى الصغيرة والمتفرقة رغم اختلافها في القضاء على العدو الأقوى.
الاقتتال يظهر بعد الانتصار وليس قبله: كان للتجربة الأفغانية الأثر الأكبر على تشكّل الوعي الشعبي حول النزاعات الداخلية بين أبناء القضية الواحدة، ويقتضي منطق ميزان القوة والمصالح تخطي الفروقات الفرعية لحين الانتصار على العدو المشترك.
الدعاية السلبية المترتبة على التفرقة: للنزاعات الداخلية أثر معلوم على صورة وسمعة الثورة عند الحاضنة الاجتماعية والداعمين الدوليين، ولقد أظهرت التجارب السابقة أن شرعية النظام تزداد مع ارتفاع حدّة النزاعات بين الثوار / المتمردين وذلك رغم الدعم المحلي والدولي الأولي لهم.

 
يتبنى المحللّون السوريون المتعاطفون مع الثورة عدد من القراءات التقليدية حول جذور الاقتتال الداخلي بين فصائل الثورة، أهمها عوامل: المناطقية، الاختلاف الأيديولوجي والفكري، الطبقية، الانتماء القومي، والتدخل الخارجي. وبالفعل لا تخلو معظم النزاعات التي شهدتها الثورة من تأثير تلك العوامل فيها، إلا أن تعدد طرق توظيفها واختلاف نطاق تأثيرها يدفعنا لتقييمها كأدوات تعبوية بدلاً عن كونها أسباب ذاتية لافتعال القتال والمبادرة في الهجوم على "الخصم". فالمناطقية تفسّر بعض النزاعات وتعجز عن تفسير معظمها. أمّا الاختلاف الأيديولوجي الفكري، فعدا عن الصبغة الإسلامية المهيمنة على سواد الثوار، لم يشفع التطابق الفكري والمذهبي في عدم ظهور نزاعات على مستوى الجبهة الإسلامية مثلاً. وكذلك الانتماء القومي فعلى الرغم من اشتعال جذوة الصراع بين حزب الاتحاد الديموقراطي وكتائب الثورة، إلا أن اختلاف الأهداف وتباين الحواضن الاجتماعية يجعل هذا الصراع خارج تصنيف الاقتتال الداخلي.

اجتهد عدد من الباحثين في دراسة ديناميكيات الحروب الأهلية، ويمكن تصنيف النظريات المقدمة في هذا الحقل ضمن ثلاث مجموعات:

القتال بين المكونات الاجتماعية المختلفة: وهو القتال الذي ينشب بين مجموعات متباينة اجتماعياً وذات انتماءات قومية أو دينية مختلفة. وترجع الدراسات أسباب هذا الاقتتال لغياب العقد الناظم بين المكونات المتحاربة أو لضعف آليات تنفيذه، ويرتفع احتمال نشوب النزاع كلما زادت درجات التداخل في إدارة المصالح المشتركة، وكلما زاد حضور المحرّض الخارجي. أمثلة: طوشة النصارى في بلاد الشام، الحرب الأهلية الأوغندية، الحرب اللبنانية.
التحالف بين المجموعات المتجانسة: وهي التحالفات التي تتشكل بين مجموعات ذات انتماء قومي أو محلي أو ديني واحد، ولا يوجد تمايز واضح بين حواضنها الشعبية. وتخلص الدراسات في هذه المجموعة لوجود نزعة طبيعية عند الفرقاء لتكوين أضعف الائتلافات القادرة على التغلّب على العدو المشترك، وأنها عرضة للحل عند بروز أول فرصة لتكوين ائتلاف أصغر وأقوى. أمثلة: الجبهة الإسلامية وجبهة تحرير سورية، المجاهدون في أفغانستان.
القتال بين المجموعات المتجانسة: وتخلص هذه المجموعة لحتمية نشوب الاقتتال بين الفرقاء وذلك للتطابق شبه التام في مصادر الشرعية والقوة، وأن صعوبة الفصل بين تشعبات المصالح يضعف أي صيغة تشاركية محتملة، مما يدفع القادة للبحث عن سبل الهيمنة عوضاً عن الالتزام بتعاون هشّ ومؤقت. أمثلة: البارزاني وطالباني، القتال بين الفصائل السورية.
 
2. مكامن الفرص، ومواقع التهديد
إن غياب وجود مظلّة إدارية وقانونية موحدة تفرض إرادتها وعدم وجود قواعد للتعاون بين فصائل الثورة تدفع قوى الثورة للاعتماد على نفسها وعلى التعاون المحتمل مع غيرها في تحقيق أهدافها. وفي حين يدرك الجميع أنه غير قادر على الانتصار بمفرده على النظام، نجد أن جميع محاولات التعاون والائتلاف قد فشلت. ويعود ذلك إلى تضارب المصالح، فعلى الرغم من تطابق الأهداف الاستراتيجية لدى الفصائل في إسقاط النظام، وإقامة حكم جديد، إلّا أنها تمتلك أهداف تنظيمية مختلفة. إن الخلاف حول إدارة الموارد المتوفرة، والعلاقة الناظمة مع الحاضنة الاجتماعية يتحول بشكل تلقائي إلى تضارب مصالح يرتقي ويستثار إلى حد النزاع مع ازدياد الندرة.

وبناءً عليه يمكن القول إنه يتوقف قرار المبادر في النزاع على:

تقديره لحجم المصلحة العائدة
تقديره لكلفة النزاع
فيما يلي جدول يحدد منطق اتخاذ القرار لدى المبادر:

 
منطق السلامة أولاً
لا يمثل تشكّل فرصة أو تهديد فصيل بغض النظر عن حجم المتوقع الحصول عليه من المكاسب محفّزاً تلقائياً لمبادرة إحدى الفصائل في الهجوم على فريق منافس، وإنما يتدّخل عامل مهم آخر هو مدى حساسية القيادة لكلفة النزاع. فقد تبادر إحدى الفصائل لقتال مجموعة منافسة رغم عدم اجتماع الظروف الأنسب له وذلك خوفاً من ارتفاع كلفته فيما لو أُرجئ.

ويعود سبب سيادة الشك والارتياب عند الفصائل من التزام منافسيها بمبدأ التعاون إلى فوضى القانون في المناطق المحررة، وإلى غياب آليات المحاسبة والمراقبة بين الكتائب. ويوجد شعور عام لدى معظم الفاعلين المحليين بعدم جدوى المحاكم الشرعية في فضّ النزاعات وذلك لعدم استقلاليتها ولخضوعها لسيطرة فصائل معينة، مما يحيّدها عن القيام بواجبها عندما يكون داعموها أحد أطراف النزاع. ولذا يؤدّي غياب آليات المحاسبة الفعّالة والمستقلة والموثوق بها إلى تغلّب منطق السلامة أولاً على التعاون الهشّ الذي قد يحمل مخاطر لاحقاً، حيث تؤثر الفصائل القضاء على مصدر التهديد حينما تشك بنوايا الفصيل الآخر، ولا تثق بقدرته على الامتثال بمبدأ "عدم الاعتداء" أو "الدفاع المشترك". وتعتبر المبادرة في القتال، في هذه الحالة، تحركاً استباقياً درأً لهجوم محتمل مستقبلي.

الاستغلال السهل
تشترك فصائل الثورة في الحاضنة الاجتماعية، وفي السيطرة على ذات الرقعة الجغرافية، فهي تتنافس على إدارتها واستثمارها، وتنظر إلى سهولة استغلال مصادر الأطراف الأخرى فيما لو ارتفعت كلفة جلب مصادر دعم خارجية. فعلى مستوى المقاتلين مثلاً، أظهرت الحوادث السابقة ميولهم للانضمام إلى الطرف المتغلّب في الاقتتال فيما لو رافقتها حملة تشويه سمعة للطرف المغلوب.

بالطبع لا يفترض وجود هذا التنافس حول المصادر نشوء نزاع تلقائي حولها، ولكنه على غرار دافع الخوف والارتياب يستثار بديناميكيات العلاقة الناظمة بين الفصائل، ويمكن في هذا الصدد تسليط الضوء على ديناميكيتين محددتين تغذّيان شعور التهديد التنظيمي لدى القادة الذي يدفعهم في آخر المطاف لاستغلاله عوضاً عن الوقوع ضحية له، وهما:

سهولة الاختراق من قبل الفصيل المنافس، وذلك سهل بسبب إمكانية توظيف الشباب المقاتلين من ذات الحواضن الشعبية.
صعوبة احتواء مشاكل العناصر الشخصية والحؤول دون تحوّلها إلى صدام تنظيمي.
وفي حين يصعب التكيف مع الديناميكية الأولى، وهي ناتجة بشكل رئيسي عن عدم منطقية نشوء الفصائلية لدى شريحة اجتماعية متجانسة اجتماعياً، إلّا أن التخفيف من أثر الديناميكية الثانية متاح فيما لو وُجد الرادع المناسب. يشكّل غياب آليات المحاسبة الداخلية، ولوائح العقاب الإداري الفعّالة موقع ضعف يسهّل من تضخم المشاكل التنظيمية وتحولها إلى صدام دامي وصراع صفري مع الفصيل المقابل.

الفصائلية والهوية
لا يمكن تناول الثورة السورية وجانبها السياسي وتجاهل العوامل الاجتماعية التي ساعدت في نشأتها وأوجدت المناخ المجتمعي الحالي. ومن شأن الحروب الدامية وطول أمدها أن يتشكّل عنها هوّيات فرعية تغّذي في دورها الصراع. وإذ تحتل الهويات المحلية موقعاً هاماً في الضمير السوري، حيث ينتمي الفرد أولاً لعائلته ومن ثم بلدته أو مدينته ومن ثم البلد، تلعب الفصائلية دوراً وظيفياً في تشكّل هوية مرادفة للانتماء الاجتماعي تصبح بعد فترة موقع احتراب وقتال يستوجب الدفاع عنها بنفس درجة الدفاع عن الثوابت الأخرى.

لا تشكّل الهوية أو مجموع الانتماءات الفكرية دوافع كافية للاقتتال، ولكن غالباً ما يتم استحضارها للتعبئة المعنوية ولاكتساب شرعية محلية وذاتية لإجازة النزاع. وإذ تشجّع جميع المدارس الفكرية الإسلامية على الوحدة، فإنها تختلف في آلية تشكيلها، حيث تتبنى فصائل القاعدة مبدأ التغلّب، فيما يتبنى معظم الطيف الآخر مبدأ الشورى من خلال التعاون، والإيثار، والتشاركية.

من الجائز القول إذاً أن للفصائل القريبة فكرياً من القاعدة قابلية أكبر للاقتتال الداخلي من نظرائها الإسلاميين، ويكفي وجود هذه الحالة الشاذة في بيئة يسودها الارتياب وفوضى غياب القانون كي يتحول إلى نمط عام، حيث يثار لدى الهويّات الفرعية خوفاً وجودياً يسهل استثماره في تعبئة العناصر أيديولوجياً.
التدخل الخارجي
يقدّم التدخل الخارجي في الصراعات القومية والدينية بين مكونات محلية فرصة لتشكيل تحالفات مديدة، من شأنها تعزيز حظوظ الأقليّات في الاستمرار والهيمنة بفضل هذه الشراكات، . ويلعب المتدخل والمستفيد في هذه الحالة على تضخيم حجم الاختلافات مع الأغلبية وعلى تعظيم حجم التقاطعات بين الأقلية والمتدخل الخارجي.

أمّا على صعيد النزاعات بين المجموعات المتجانسة اجتماعياً يعلب التدخل الخارجي دور المحفّز، حيث يتدخل لتقليل الكلفة ولتعظيم المصلحة العائدة، ولكنه لا ينجح في تسويق علاقة تشاركية أقوى من الرابط الاجتماعي المتين أصلاً، ولذا نجد أن حجم تأثيره متفاوت ومتقلب ومحط شك وارتياب بما في ذلك عند المستفيد.

4. الدراسة الإحصائية
قام فريق مدونة نصح بإحصاء أهم حوادث الاقتتال الداخلي التي نشبت بين قوى المقاومة الوطنية والتي تشمل أربعة فرق: الجيش الحر، والكتائب الإسلامية، وجيش الإسلام، وحركة أحرار الشام من جهة، وجبهة نصرة الشام (جبهة فتح الشام)، وحلفاء تنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى. واعتبرت هذه الفصائل أنها تتحرك في حيزٍ واحدٍ وبالتالي تتنافس على ذات المصادر البشرية والمحلية. وجرى استثناء كلاً من تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك لطابعه متعدد الجنسيات والعابر للحدود ولتمايز مناطق السيطرة، واستثناء حزب الاتحاد الديموقراطي لتمايز حاضنته الاجتماعية. وتمّ حصر أهم حالات النزاع التي تتعدى الاشتباكات المحدودة والنزاعات الفردية، ما بين عامي 2012 و2017 واستُثنت أحداث مواجهة الجيش الحر وجبهة فتح الشام التي نشبت في كانون الثاني 2017 وذلك لعدم استقرارها على نتائج نهائية عند إتمام الدراسة.

مصطلحات الدارسة
المصطلح    التعريف
النطاق الزمني للدراسة    1 كانون الثاني 2012 إلى 1 كانون الثاني 2017
حجم العينة    أربعون حالة اقتتال داخلي.
النزاع / الاقتتال الداخلي    الحدث الذي شهد أعمالاً عسكرية واسعة النطاق وبشكل مستمر امتدت على مدة زمنية طويلة.
هيمنة    العمل العسكري بهدف الاستحواذ على موارد الخصم.
تهديد مستقبلي    التهديد الناتج عن تعاظم قوة الخصم وزيادة احتمال التصادم معه في المستقبل.
تهديد وجودي    التهديد الناتج عن زيادة الأعمال العدائية من الخصم في الوقت الحالي والتي يمكن أن تدمّر الفصيل أو تضعفه بشكل نهائي.
موارد    مصادر قوة الفصيل وتضم الموارد البشرية، والحواجز، والمقرات، والمعدّات الحربية، والأنفاق، والمزارع، والمعابر الحدودية.
الكلفة    تبعات القتال على المبادر من الناحية المادية (عدد الجنود، الذخائر)، والمعنوية (الأثر السلبي على الحاضنة الاجتماعية والعلاقات مع الفصائل، والقوى الإقليمية والدولية).
الفائدة العائدة    حجم الفائدة المتوقعة من انتهاء القتال لصالح المبادر من الناحية المادية والمعنوية.
زوال    انتهاء الوجود العسكري للفصيل.
انحسار    تراجع الفصيل عسكرياً أمام الخصم.
اندماج    انضمام الفصيل لفصيل آخر بغرض الحماية أو بمثابة الاستسلام.
تقدّم    تقدم الفصيل عسكرياً أمام الخصم.
جيش حر    مجموعة الفصائل العسكرية التي تقبل تلقي العون من أحد غرفتي عمليات الموم والموك.
فصائل إسلامية    مجموعة الفصائل الإسلامية التي كانت جزأً من الجبهة الإسلامية أو جبهة التحرير الإسلامية، وتقدم الشعارات الإسلامية على الشعارات الوطنية. تم اعتبار جيش الإسلام وحركة أحرار الشام الإسلامية فئات مستقلة عن هذه الفئة لكبر حجميهما النسبي، ولتماسك هيكلهما التنظيمي فضلاً عن اتباعهما سياسات خاصة بهما.
حلفاء داعش    مجموعة الفصائل التي بايع عدد من قادتها التنظيم دون أن تنضم تنظيمياً له.
مبادر    الفصيل الذي يبادر بالقتال.
متلقي    الفصيل المعتدى عليه.
تدخل    شكل الوساطة والتدخل الخارجي لفض النزاع.
وساطة    عملية فض النزاع بين الفصائل المتنازعة.
وسيط    هيئة أو فصيل غير متورط في القتال تتدخل لفض النزاع.
المناطق المحررة    المناطق التي تخضع لسيطرة مجموع القوى المقاومة الوطنية.
جبهة باردة    جبهة مشتركة مع عدو خارجي مشترك ولا تشهد اشتباكات واسعة النطاق.
جبهة مشتعلة    جبهة مشتركة مع عدو خارجي مشترك وتشهد معارك معه.
حصار    حصار عدو مشترك لمنطقة محددة جغرافياً ولا تشهد بالضرورة قتالاً على أطرافها.
هدنة    اتفاق وقف إطلاق نار مع العدو المشترك في منطقة محددة جغرافياً.
حالات القتال المدروسة
يبين الجدول التالي عدد 30 حالة موثقة من الاقتتال الداخلي، والمنطقة التي جرى فيها النزاع، وأي فريق كان البادئ المبارد وأي فريق كان المتلقي.

التاريخ    المبادر    المتلّقي    المحافظة
3/23/2014    جبهة النصرة    قيادة الجبهة الغربية والوسطى في الجيش الحر    اللاذقية
4/1/2014    جيش الإسلام    الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام    ريف دمشق
8/14/2014    جبهة النصرة    جبهة ثوار سورية    إدلب
9/20/2014    جيش الإسلام    جيش الأمة    ريف دمشق
10/27/2014    جبهة ثوار سورية    جبهة النصرة    إدلب
11/29/2014    جبهة النصرة    لواء خالد بن الوليد    حمص
12/15/2014    جبهة النصرة    لواء شهداء اليرموك    درعا
12/30/2014    لواء شام الرسول    جبهة النصرة    ريف دمشق
1/27/2015    كتيبة أنصار الساحل    كتيبة احفاد صلاح الدين    اللاذقية
1/29/2015    جبهة النصرة    حركة حزم    حلب
4/4/2015    جبهة النصرة    الجبهة الجنوبية/ تحالف صقور الجنوب    درعا
5/1/2015    جبهة النصرة    جيش الجهاد    القنيطرة
8/2/2015    جبهة النصرة    الفرقة 30    حلب
11/3/2015    جبهة النصرة    شهداء البياضة    حمص
12/1/2015    جيش الإسلام    جيش تحرير الشام    ريف دمشق
1/1/2016    جيش أحرار العشائر - جيش اليرموك    حركة المثنى الإسلامية    درعا
1/11/2016    جبهة النصرة    جبهة ثوار سورية    القنيطرة
3/11/2016    جبهة النصرة    الفرقة 13    إدلب
4/28/2016    فيلق الرحمن    جيش الإسلام    ريف دمشق
5/19/2016    جبهة النصرة    حركة المثنى الإسلامية    القنيطرة
6/7/2016    جيش تحرير الشام    لواء القادسية    ريف دمشق
6/25/2016    جيش اليرموك    لواء توحيد الجنوب    درعا
6/30/2016    المجلس العسكري في انخل    كتيبة أهل السنة    درعا
7/3/2016    جبهة النصرة    جيش تحرير الشام    إدلب
7/9/2016    جيش اليرموك    فرقة شباب السنة    درعا
10/6/2016    جند الأقصى    حركة أحرار الشام    إدلب
11/2/2016    جبهة النصرة - كتائب أبو عمارة - الزنكي    تجمع فاستقم كما أمرت    حلب
11/14/2016    حركة أحرار الشام    الجبهة الشامية    حلب
12/3/2016    جبهة النصرة    جيش الإسلام - فيلق الشام    حلب
12/28/2016    جبهة النصرة    اللواء الأول    دمشق
التوزع الزمني والجغرافي
 

الأكثر شراسة

عدد النزاعات التي خاضتها الفصائل مع خصومها حسب الدور الذي لعبته، ويتصدر الجيش الحر عدد الحالات حيث تم تسجيل تورطه في 37 حالة، خضع في 20 كمتلّقي مباشر للاعتداء في حين لم يبادر إلا بـ 5 حالات فقط.


 أمّا جبهة النصرة فهي الجهة التي الأكثر مبادرة في الاقتتال، حيث سجل لها 16 حالة مبادرة من أصل 40 حالة. وبالنسبة للجهة الأقل ضلوعاً في الاقتتال الداخلي فكانت حركة أحرار الشام والتي غالباً ما تكتفي بالمؤازرة. ويبين الشكل 6. المتلّقي المفضل لكل مبادر، وإذ لا يعدو غريباً أن يتصدر جيش الحر لائحة "الضحايا" مقابل كل مبادر إلّا أن دوافعه جبهة النصرة لمبادرته في الهجوم ترجع إلى الغنى النسبي للفريق المتلقي، وهو ما يبرر حافز الاستحواذ على مصادره، وشرعيته الشعبية وهو ما يبرر حافز الهيمنة على حاضنته، وعلاقته مع الداعمين الدوليين وهو ما يبرر خوف الجبهة من تهديد مستقبلي منه.

 

التهديد الخارجي
 

إجمالي النزاعات حسب شكل الجبهة مع النظام أو تنظيم الدولة، وتكشف البيانات عن زيادة ملحوظة في الجبهات الباردة ذات حجم التهديد المنخفض، وهذا يعزز نزعة الفصائل للاقتتال عند انخفاض التهديد الخارجي من النظام. ويؤكد الشكل 8. هذه النزعة حيث يزداد عدد النزاعات بهدف الهيمنة في البيئات الأكثر استقراراً فيما يزداد عدد النزاعات بهدف القضاء على التهديدات الوجودية والمستقبلية في البيئات الأكثر خطراً فيما يمكن وصفه بالمراهنة.

 

الوساطات
 

الجهات التي توسّطت في حالات الاقتتال الداخلي وتتصدر الفصائل العسكرية هذه المهمة، فيما تعتبر الهيئات المدنية أقل الجهات المتدخلة، وإذ يمكن تفسير اعتماد الفصائل على نظرائها العسكر في فض نزاعاتها إلّا أن تضارب المصالح الممكن حصوله من جرّائه يضع العديد من الشكوك حول استدامة هذه الوساطات ونجاعتها على المدى الطويل. أمّا الشكل 10. فيبين البنود الأكثر شيوعاً في اتفاقات الوساطات حيث ترد البنود ذات الطابع العسكري (إعادة الانتشار، إطلاق سراح الأسرى، حل أحد الأطراف) بأكبر تواتر كما يظهر الشكل الحادي عشر، في حين لا تتعدى البنود ذات الطابع الاقتصادي (إعادة السلاح / مقرات / حواجز، تحييد الموارد) السدس، علماً أن الهيمنة بهدف السيطرة على مصادر المتلّقي تعتبر السبب المرجح الأول كما يكشف الشكل 12.، وهذا بدوره يضع العديد من الشكوك حول نجاعة الوساطات كونها لا تقدم حلولاً لأصل دافع الاقتتال.

 
وللوقوف على نجاعة الوساطات، يظهر الشكل 13. نوع التدخل حسب المسببات المرجحة، وفي حين تتصدر منطقياً البنود ذات الطابع الردعي (قانوني وعسكري) حلول النزاعات التي حفّزتها التهديدات العسكرية، نجد أن التدخل الاقتصادي الذي يتوقع له أن يتصدر قائمة حلول النزاعات التي حفّزتها الهيمنة أتى في المرتبة الثالثة بنسبة 14%.

 
أمّا بالنسبة لتعامل الفصائل مع الوساطات فيظهر الشكلان 14. و 15. عدّة أنساق كالتالي:

ردّة فعل المبادر تملي إلى حد كبير ردّة فعل المتلّقي.
هناك نزعة أكبر للقبول بالوساطة من رفضها.
هناك نزعة أكبر للقبول بالوساطة عند تقدم المبادر، ويمكن إرجاع ذلك إلى حرص المتلّقي على عدم خسارة المزيد من الموارد، وحرص المبادر على الاحتفاظ بمكاسبه.
هناك نزعة أكبر لرفض الوساطة عند انحسار المبادر، ويمكن إرجاع ذلك إلى أمل المبادر باستعادة ما خسره.
هناك نزعة أكبر لقبول المبادر للوساطة عند قرب زواله، في حين لا تنخفض نسبة القبول لدّى المتلقي للنصف.
 

 

الأسباب المقدمة للحاضنة الاجتماعية والمرجحة

الأسباب المقدمة للحاضنة الاجتماعية مقابل الأسباب المرجحة، وتظهر دعوى الانتماء لداعش في رأس الأسباب المعلنة وقد يعود ذلك إلى سرية التنظيم وصعوبة دحض الاتهام أو إثبات خلافه، وفي المقابل تظهر دعوى الانتماء للغرب الأقل وروداً وقد يعود ذلك لعدم اعتباره مبرراً كاف لدى الحاضنة الاجتماعية للمبادرة بالقتال. ويمكن استخلاص القراءات التالية:

لا تعتبر دعوى الانتماء لداعش خاطئة، فلقد تم استحضار هذا المبرر في معظم الحالات التي كان يواجه المبادر فيها تهديداً حقيقياً.
يتم استحضار مبرر محاربة الفساد في معظم النزاعات بهدف الهيمنة.
يعتبر مبرر قتال فصيل قد استحوذ في وقت سابق على موارد المبادر الأصدق تعبيراً عن أهدافه.
 

الكلفة والفائدة

كلفة النزاع على المبادر، ويظهر أن كلفته منخفضة في معظم حالات الهيمنة، في حين ترتفع كلفته عند التهديد الوجودي وهذا ما يؤكد طبيعة المراهنة التي يقوم بها الفصيل للحفاظ على نفسه، وتنخفض الكلفة عند وجود تهديد مستقبلي بما يؤكد وجود وعي لدى الفصائل بمنافسة نظرائه له. أمّا بالنسبة للفائدة العائدة على المبادر فتظهر البيانات أن فائدة 40% من النزاعات بهدف الهيمنة منخفضة وهذه نسبة عالية مما يدلل على عدم تقدير المبادر لحجم مصادر الخصم، أمّا في حالات التهديد الوجودي فقليلاً ما تعود بفائدة عالية على الفضيل المراهن، في حين ترفع نسبة الحصول على فوائد جيدة عند مواجهة التهديدات بوقت مبكر.

 

الخلاصة
في حين يُفترض أن وحدة الهدف والمنشأ، وحضور الحاضنة الاجتماعية، وقوة العدو المشترك – أي النظام وحلفاؤه – ينتج عنها درجة تعاون عالية بين فصائل المقاومة، إلا البيانات تؤكد انتشار ظاهر الاقتتال البيني على كامل الجغرافيا السورية رغم تقدم النظام وتكبد الثورة خسارات كبيرة مؤخراً. ولقد قدّمت هذه الورقة نظرية مفادها أن تشعّب مصالح الكتائب والجماعات الثورية أدّت إلى استحالة رسم حدود سيطرة كل منها على مصادرها، وبالتالي استحالة اعتماد آليات ناجحة للحماية من فقدانها. ونتيجة لذلك ينشأ جو من التنافس بين الفصائل للهيمنة على المشهد، يتخللها فرص للاستحواذ على مصادر قوة الخصم، وتهديدات من الفناء، وتلعب كل من "المصلحة" العائدة من القتال، و"الكلفة" المترتبة عليه عاملي التوقيت والترجيح.

ونلحظ في الورقة لعب كل من عوامل المناطقية، والاختلاف الأيديولوجي والفكري، والتدخل الخارجي، وتدني درجات الثقة المتبادلة درجات متفاوتة في تعبئة العناصر للقتال، وفي خفض التكلفة ورفع المصلحة العائدة منه. ويجدر الإشارة في هذا الصدد إلى التوظيف المتعدد للعوامل الآنف ذكرها في إجازة القتال وإضفاء الشرعية عليه.

وإذ يصعب التدخل في ديناميكيات نشأة "فرص الاستحواذ" و"مكامن التهديد" وذلك لكونها جزء لا يتجزأ من ظاهرة الفصائلية، توصي هذه الورقة العمل على إيجاد آليات تخفف من المصلحة العائدة من الاقتتال وعلى تعظيم كلفة المترتبة عليه، ويمكن حصرها بالتالي:
1.    الحفاظ على توازن القوة بين الفصائل، فلا يقوى فصيل دون الآخر.
2.    تعزيز المهدد الخارجي والاستمرار في فتح الجبهات ضد النظام، وهذا يتطلب تدفق الأسلحة والعتاد بشكل مستمر لضمان نجاح المعارك دون زج الثوار في معارك خاسرة ودون طائل.
3.    تفعيل أنظمة ولوائح العقوبات الداخلية ضمن الفصيل الواحد وذلك لوقف التفاعلات السلبية مع عناصر الفصائل الأخرى.
4.    تشكيل محكمة فض نزاعات مستقّلة مع قوة إلزام وإخضاع، ويتطلب هذا اعتراف جميع الفصائل بها فضلاً عن تأمين التمويل المستقل لها.

لا تشكّل النقاط أعلاه جلّ ما يجب فعله للحد من أثر الفصائلية على الجبهة الداخلية للثورة، فيمكن إضافة حوافز إضافية مثل توحيد مصادر التمويل وتشكيل غرف قيادات وتنسيق، وغيرها، وهي نقاط لم تفتأ قوى الثورة عن ذكرها وتكرارها، وعن الفشل في تحقيقها بسبب وقوعها خارج نطاق تأثيرها المباشر. وإذ لا يتسع المقام لدراسة سبل التوحيد، فإنه علينا التأكيد أنه لا يمكن لأي مشروع توحيدٍ أن ينجح دون تحقيق الشروط الثلاثة التالية: وحدة الأهداف الاستراتيجية والتنظيمية بين كافة مكونات مؤسسات الثورة، ووضوح رؤية مستقبل البلاد والعقد الاجتماعي المزمع جمع الناس عليه، ووجود القيادة الموثوق بها والقادرة على تنفيذ الأهداف وتحقيق الرؤية.

اقرأ المزيد
٢٣ يناير ٢٠١٧
المجالس المحلية وملف الأمن المحلي: دورٌ مطلوب لملف إشكالي

ملخص تنفيذي
أدار نظام الأسد الملف الأمني بمركزية عالية، مهمتها صيانة أمن النظام وتأدية ما يُوكل إليها من مهام وظيفية، ورغم تفاخره بالقدرة على حفظ الأمن وسط بيئة مضطربة أمنياً، إلا أنها حالة "استقرار" هشّة فُرضت بالترهيب والعنف اللذان كانا من أبرز العوامل المفجرة للحراك الثوري.
بينما كانت المركزية الأمنية تتآكل تحت ضغط ديناميكيات الحراك الثوري، برزت فواعل جديدة أصبحت جزءً أساسياً من المعادلة الأمنية، لن تستقيم جهود تحقيق الأمن على المستوى الوطني دون إشراكها.
يمكن تحديد خمس جهات أساسية لعبت وما تزال تلعب دوراً في إدارة الأمن المحلي وهي: المجالس المحلية، الشرطة الحرة، القضاء المحلي، فصائل المقاومة الوطنية والفصائل الجهادية العابرة للحدود.
يُظهر تقييم الوضع الأمني لمناطق المجالس المحلية تفاوتاً في درجة الاستقرار الأمني، نظراً لعوامل عدة منها: حجم وطبيعة وتعداد القوى العسكرية المسيطرة وطبيعة علاقاتها فيما بينها، مركزية دور المجالس المحلية في توفير الخدمات الأساسية وإدارة شؤون مناطقها، طبيعة القوى المهددة لأمن المجتمعات المحلية، طبيعة العوامل المهددة لأمن المجتمع المحلي (أمنية واجتماعية واقتصادية).
تتطلب شروط الأمن والاستقرار تبني مرجعية قضائية مستقلة مدنية موحدة على مستوى مناطقي (المحافظة)، وتوحيد عمل الشرطة المحلية وربط مراكزها بالمجالس المحلية، ناهيك عن ضرورة إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي وحوكمتها بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مع مخرجات الحل السياسي.
مقدمة
أسّس حافظ الأسد لمركزية أمنية حُدّدت مهامها بالحفاظ على نظام الحكم، وتأدية الأدوار الوظيفية الموكلة إليها من قبل منظومة الأمن الدولية، ولإنجاز ما سبق مُنحت المؤسسة الأمنية الموارد والغطاء السياسي والقانوني، أما بنيتها فكانت تقوم على شبكات رسمية-إدارات الأمن-، وأخرى غير رسمية-المخبرين وبيروقراطية البعث الحزبية-تتقاطع جميعها بخضوعها لتوجيهات المركز المتمثل بشخص الأسد الأب.

تمكنت المؤسسة الأمنية من التوغّل في المجتمع والتحكم في تفاصيل الحياة العامة للسكان، وأحدث ذلك آثار كارثية في منظومة المجتمع والدولة. وعلى الرغم من تراخي القبضة الأمنية مع تولي الأسد الابن السلطة ضمن وعود الإصلاح والتحديث، إلا أنها عادت بقوّة بدفع من الحرس القديم لمواجهة الضغوط الخارجية التي تكثّفت مع الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي حين كان نظام الأسد يفاخر بقدرته على حفظ الأمن والاستقرار وسط بيئة مضطربة أمنياً، إلا أن استعراض الوقائع يدلّل على أنها حالة استقرار أمنية هشّة فُرضت بالترهيب والعنف، ويدلّ على ذلك حوادث الاصطدام المتكررة بين المكونات المجتمعية، وتزايد حالة السخط الشعبي، إضافة إلى تحول سورية لمسرح لعدد من الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات.

على هذه الأرضية وفي ظل غياب إرادة سياسية جدية للشروع بحل وطني لمعالجة الأزمات المستعصية والتي لم تعد تنفع معها الحلول المؤقتة والأمنية، انطلق الحراك الثوري في آذار 2011 -والذي يعد أحد أسبابه الغضب الكامن تجاه ممارسات الأجهزة الأمنية-، وفشلت المؤسسة الأمنية للنظام في السيطرة على الموقف لتفقد تدريجياً سطوتها ومركزيتها نتيجة بروز فاعلين محليين مستقلين عن المركز يتولون إدارة الأمن في مناطق سيطرتهم من جهة، وتزايد أثر العامل الخارجي في عمل الأجهزة الأمنية من جهة أخرى.

وفقاً ما سبق، تعدّ دراسة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية ودور المجالس المحلية فيها إشكالية تستوجب التفكيك، إذ أنه لن تستقيم جهود تحقيق الأمن على المستوى الوطني دون إشراك هياكل الحوكمة المحلية القائمة وما يستلزمه ذلك من إطار سياسي وقانوني ودعم لتمكين هذه الهياكل حالياً ومستقبلياً من أداء مهامها. ويمكن في هذا السياق تحديد مصطلح الأمن المحلي من خلال تعريفه إجرائياً بـــ: قدرة الهيئات المدنية والعسكرية ذات الطابع والاختصاص المحلي على تثبيت مقومات أمن مجتمعاتها المحلية، والحفاظ على تماسكها المجتمعي وردع التهديدات الأمنية الموجهة لها من قبل القوى المعادية.

تعتمد هذه الدراسة المنهج الوصفي في توصيف سياق تشكل البيئة الأمنية في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وإيراد المقاربات المتبعة من قبل المجالس المحلية في التعامل مع ملف الأمن المحلي. كما تم اتباع المنهج التحليلي في تقييم أداء هيئات الأمن المحلية.

تتناول الدراسة الواقع الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بدءاً من توصيف السياق الذي تشكّل فيه، وتداعيات عدم الاستقرار الأمني على المجالس، ثم التطرق لمقاربتها في التعاطي مع ملف الأمن المحلي، مروراً بتقييم الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها في هذا المجال، واستعراض أبرز التحديات التي تعوق جهودهم، وصولاً إلى اقتراح مجموعة من التوصيات العامة ذات الصلة بإدارة الأمن المحلي.

تمهيد
ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمنية كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. ولعل ما زاد من أهمية الموضوع لدى المجالس مخاوفها من تنامي مستوى التهديدات الأمنية (كالاغتيالات والمفخخات والقصف الجوي) التي تتعرض لها مناطقها وانعكاس ذلك سلباً على أدائها واستمراريتها من جهة، وهواجسها من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية-وما يفرزه ذلك من مسار سياسي محكوم بأولوية مكافحة الإرهاب-عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى.

انطلاقاً مما سبق، يفرض الملف الأمني عدد من التحديات على المجالس المحلية، إذ أنها مطالبة وبالشراكة مع عموم قوى المقاومة الوطنية بإثبات قدرتهم على معالجة هذا الملف في مناطقهم، من حيث تثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية ومكافحة الإرهاب، وبقدر ما تتمكن المجالس وشركاؤها من النجاح في إدارة هذا التحدي فإنها تسهم في إنعاش الحاضنة الشعبية المؤيدة للثورة، وتأكيد شرعيتها ودورها كشريك أساسي في أي ترتيبات يفرضها الحل السياسي.

البيئة الأمنية وأثرها على هياكل الحوكمة المحلية
أدرك نظام الأسد خطورة حركة الاحتجاجات السلمية المناهضة له لتبنيها مطالب وطنية عابرة للانتماءات الفرعية، حظيت بتعاطف إقليمي ودولي، وفي إطار مواجهتها لجأ النظام إلى إدارة الموقف أمنياً وفق استراتيجية بالعنف أكون وذلك من خلال:

استخدام تكتيكات العنف والترهيب؛
صناعة الفوضى الأمنية من خلال الإفراج عن المحكومين بقضايا جنائية؛
إطلاق سراح المعتقلين على خلفية قضايا جهادية؛
تنفيذ عمليات أمنية لزعزعة الاستقرار (التفجيرات، استهداف مناطق الأقليات، الاغتيالات)؛
اختراق هيئات الحراك الثوري أمنياً؛
التسبب بأزمات خدمية من خلال التوقف عن تخديم المناطق الخارجة عن سيطرته، واستهداف هياكل الحوكمة المحلية الناشئة المسؤولة عن توفير الخدمات، إضافة إلى تدمير البنية التحتية.
تمكّن نظام الأسد من إدارة الموقف والضغط على خيارات المتظاهرين، ليدفع باتجاه تشكّل حراك ثوري مسلح مرّ بتحولات عدة كان لها الدور الأكبر في صياغة البيئة الأمنية ضمن المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد، وفيما يلي تحولات السيطرة التي شهدتها مناطق الحراك الثوري بشكل عام، وأبرز سماتها الأمنية:

السيطرة المؤقتة: بدأت هذه المرحلة بسيطرة مجموعات الحراك الثوري المسلح على المقرات الأمنية "المخابرات" وطرد قواتها خارج مناطقها، ولتنتهي مع اقتحام الجيش لها. يغلب على هذه المرحلة الاستقرار الهش ويعود ذلك إلى:
استمرار زخم العمل الثوري السلمي؛
تولي مجموعات صغيرة العدد والتسليح مهمة حماية المظاهرات السلمية؛
استمرار الخدمات التي توفرها مؤسسات الدولة؛
تخفيف النظام عبء الضغوط الأمنية بحق المناطق الخارجة عن سيطرته، وذلك لإفساح المجال لخلاياه الأمنية للعمل وجمع المعلومات تمهيداً لشن عمل عسكري.
الاقتحامات العسكرية: بدأت هذه المرحلة بشن النظام حملات عسكرية ضد المناطق التي خرجت عن سيطرته ولتنتهي مع خروج قواته بفعل حركة مقاومة منظمة قادتها فصائل المقاومة الوطنية "الجيش الحر". تميزت هذه الفترة بتأزم الموقف الأمني للأسباب التالية:
الزج بقوات الجيش في مواجهات مفتوحة في عموم الجغرافية السورية، وما نجم عنه من انشقاقات؛
تدهور العمل الخدمي الناجم عن استهداف المرافق العامة وضعف المهارات التنظيمية لهياكل الحوكمة المحلية الناشئة؛
بروز أزمات إنسانية كان من مؤشراتها حركات النزوح الداخلية وتزايد أعداد القتلى والجرحى؛
تنامي نشاط العناصر الإسلامية الجهادية التي أُطلق سراحها في فترة سابقة.
الخروج عن سيطرة النظام: بدأت المرحلة بشن الفصائل المحلية النشأة والمنضوية تحت مسمى "الجيش الحر" لهجمات عسكرية منظمة ضد قوات الأسد، والتي اضطرت بفعل ما لحق بها من خسائر للانسحاب من مناطق المواجهات. يغلب على هذه الفترة الفوضى الأمنية التي تتباين شدتها من منطقة إلى أخرى تبعاً لتعدد القوى المنخرطة في إدارة الملف الأمني وطبيعة علاقاتهم وحجم مواردهم، بالإضافة إلى البيئة الميدانية والوضع الجغرافي الذي تنشط فيها تلك القوى، ويمكن رد أسباب تلك الفوضى إلى عدة أسباب منها:
نشاط خلايا النظام الأمنية التي نفذت عدة عمليات في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية؛ كبثّ الإشاعات والقيام بعمليات تفجير واغتيالات؛
تعدد فصائل المقاومة الوطنية وتصاعد ضعف التنسيق الأمني والعسكري فيما بينها؛
حدوث حالات اقتتال داخلي بين الفصائل في إطار الصراع على النفوذ والموارد؛
بروز ظاهرة أمراء الحرب وتغليبها لمصالحها الذاتية على حساب المصلحة العامة؛
تنامي قوة التنظيمات الإسلامية الجهادية العابرة للحدود على حساب فصائل المقاومة الوطنية؛
تنامي اعتماد النظام على الميليشيات الشيعية مما عزز حالة الاستقطاب المجتمعي في سورية والإقليم؛
تصاعد حدة العمليات العسكرية إثر التدخلات الإقليمية والدولية المباشرة في الجغرافية السورية.
ومن الطبيعي أن تؤثر البيئة الأمنية على استقرار هياكل الحوكمة المحلية التي نشأت في ظل الثورة وعلى أدائها لوظائفها، وكلما تحقق للمجالس المحلية بيئة مستقرة أمنياً، تمكنت من تطوير تجربتها وترسيخ تواجدها وأدائها لوظائفها والعكس صحيح، وفي هذا الصدد يُظهر تقييم الوضع الأمني لمناطق المجالس تفاوتاً في درجة الاستقرار الأمني، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل منها:

حجم وطبيعة وتعداد القوى العسكرية المسيطرة وطبيعة علاقاتها فما بينها، وهنا يمكن القول إنه كلما قلّ عدد الهيئات الأمنية العاملة في منطقة إدارية معينة، انعكس ذلك إيجاباً على الوضع الأمني؛ ([1])
مركزية دور المجالس المحلية في توفير الخدمات الأساسية وإدارة شؤون مناطقها؛
طبيعة القوى المهددة لأمن المجتمعات المحلية، حيث تواجه مناطق المجالس قوى مناوئة لها تتباين من حيث عقيدتها وأهدافها وعلاقاتها وطريقة عملها ومن أبرز هذه القوى: قوات نظام الأسد، الميليشيات المحلية، القوات الروسية، الميليشيات الشيعية، تنظيم "الدولة الإسلامية"، وحدات الحماية الشعبية والقوات الموالية لها، الفصائل الجهادية العابرة للحدود؛
طبيعة العوامل المهددة لأمن المجتمع المحلي والتي تتنوع بين عوامل ذات طبيعة أمنية واجتماعية واقتصادية.
وعموماً تشهد مناطق فصائل المقاومة الوطنية حالة عدم استقرار أمني تزيد من إمكانية تعثّر هياكل الحوكمة المحلية والتي تأخذ ثلاثة أنماط رئيسية هي:

حل المجلس المحلي؛ ([2])
تعليق عمل المجلس المحلي؛ ([3])
استنزاف كوادر المجالس الناجم عن استهدافها ([4]) بشكل مباشر أو اضطرارها للمغادرة نظراً لغياب بيئة آمنة للعمل أو بحكم التهجير القسري.
مقاربات المجالس المحلية للتعامل مع الأمن المحلي: الانخراط الأمني أو المجتمعي
تولت عدة هيئات إدارة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك كبديل عن منظومة الضبط السلطوية التي كانت قائمة في فترة سيطرة نظام الأسد، وفي حين تعرضت العديد منها للزوال، فإن بعضها الآخر ما يزال ناشطاً، وبالعموم يمكن تحديد خمس جهات أساسية لعبت وما تزال تلعب دوراً في إدارة الأمن المحلي وهي:

الشرطة الحرة؛ ([5])
القضاء المحلي؛ ([6])
فصائل المقاومة الوطنية؛
الفصائل الجهادية العابرة للحدود؛
المجالس المحلية.
ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمني كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. وفي إطار تعاطيها مع ملف الأمن المحلي لجأت المجالس إلى مقاربتين رئيسيتين هما الانخراط الأمني أو الانخراط المجتمعي، أما عن العوامل التي تحكم تبني المجالس لإحدى المقاربتين فتعود إلى:

تباين مستوى التهديدات الأمنية الموجهة للمناطق التي تديرها المجالس؛
مدى توافر الموارد التي يتطلبها العمل الأمني؛
منظور قيادات المجالس للعمل الأمني؛
مركزية دور المجالس في إدارة مناطقها؛
طبيعة علاقة المجالس بالقوى المحلية المدنية منها والعسكرية.
1.   الانخراط الأمني
 انخرط جزء من المجالس في إدارة الأمن المحلي بشكل مباشر، وبالاستقلالية تارةً وبالتعاون تارةً أخرى مع الهيئات المحلية المعنية بالأمر ([7])، وفي هذا السياق لجأت المجالس إلى تشكيل مكاتب أمنية أو مخافر شرطة شهدت تغيرات طالت هيكليتها ومهامها، ففي مرحلة السيطرة الآنية تم تشكيل مكاتب أمنية بهيكلية بسيطة وبما تيسر من موارد محلية، أما المهام الموكلة إليها فلم تتعدّ: حفظ النظام العام وحماية الممتلكات العامة من التخريب ورصد المتعاونين مع النظام. لم يكتب النجاح لتجربة المجالس الأولية في إدارة الأمن المحلي لتتلاشى تحت ضغط ثلاثة عوامل أساسية وهي:

ضعف الموارد والخبرات وغياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة الأمن المحلي؛
تزايد منسوب عسكرة الحراك الثوري وبروز منافسين جدد للمجالس في مجال إدارة الأمن المحلي كفصائل المقاومة الوطنية "الجيش الحر" والشرطة الثورية؛
الاقتحامات العسكرية التي نفذتها قوات النظام بحق المناطق الخارجة عن سيطرتها والتي أدت إلى انهيار هياكل الحوكمة المحلية القائمة.
أعادت المجالس المحلية تشكيل نفسها من جديد بعد نجاح فصائل المقاومة الوطنية بإخراج قوات الأسد من مناطقها، وفي حين لجأ بعضها إلى تشكيل هيئات أمنية تابعة لها بما تيسر لها من قبول شعبي وموارد ودعم لوجستي من قبل فصائل المقاومة الوطنية، فضلت مجالس أخرى تشكيل مكاتب أمنية كآلية للتنسيق مع الهيئات المعنية بالأمن المحلي ([8]) كفصائل المقاومة الوطنية ([9]) ومؤسسات القضاء المحلي ([10])، والشرطة الحرة. ([11]). وتعتبر تجربة المجلس المحلي لداريا مثالاً للنموذج الأول، حيث تشكل مركز الأمن العام في داريا من قبل الهيئة الرئاسية-تضم المجلس المحلي وقيادات فصائل المقاومة الوطنية-وكان من مهامه النظر في القضايا الأمنية المدنية والعسكرية على حد سواء. أما بخصوص الهيكلية الناظمة له فكانت وفق الآتي: قسم التحقيق، قسم السجن، قسم القضاء، قسم الدوريات، قسم الشؤون المدنية، قسم الشؤون العسكرية، الديون وقسم السجل المدني. ([12])

2.   الانخراط المجتمعي
 فضلت أغلبية المجالس الابتعاد عن لعب دور مباشر في الأمن المحلي مدفوعة بعدة أسباب منها:

تبني قيادات المجالس مقاربة شاملة للأمن تتجاوز البعد العسكري إلى أبعاد أخرى ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية؛
تلافي تضارب المصالح مع هيئات الأمن المحلية خاصة تلك التي تتبع لفصائل المقاومة الوطنية؛
عدم كفاية الموارد اللازمة لتشكيل هيئات أمنية تتبع لها؛
التأكيد على الطابع المدني للمجالس مراعاة لاعتبارات الجهات الداعمة من جهة، وتجنباً لردود الفعل السلبية من قبل السكان المحليين من جهة أخرى.
بناءً على ما سبق لجأت المجالس إلى تركيز أولوياتها على توفير الخدمات الأساسية كأعمال ترميم البنية التحتية ومدّ شبكات المياه والصرف الصحي، إضافةً إلى القيام بمشاريع تنموية تسهم في إنعاش المجتمعات المحلية، واعتبار ما سبق ركائز أساسية مكمّلة لجهود شركائها في توفير الأمن المحلي.

تقييم جهود المجالس المحلية وشركائها في توفير الأمن المحلي
تغلب اللامركزية بشكل عام على إدارة الملف الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك نظراً لغياب جهة مرجعية مركزية تتولى إدارة هذا الملف لصالح جهات متعددة تؤدي أدواراً متباينة بحسب إمكانياتها وعلاقاتها والبيئة التي تنشط فيها، وإزاء تصاعد التهديدات الموجهة لأمن المجتمعات المحلية وكذلك للأمن الإقليمي والدولي يطرح السؤال حول مدى نجاح المجالس المحلية بالتعاون مع شركائها في أداء المهام الأمنية الموكلة إليهم فيما يتعلق بتثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية وردع التهديدات الأمنية القائمة ومحاربة الإرهاب.  استناداً إلى ما سبق سيتم تقييم هيئات الأمن اللامركزية للمعارضة وفق معيارين هما: مؤسساتية العمل الأمني لدى المجالس المحلية والهيئات المعنية بالأمر، ومدى النجاح في أداء المهام الوظيفية الموكلة إليهم.

الأمن المحلي واختبار المؤسساتية: تجارب غير مكتملة
تشتمل أي مؤسسة على ثلاثة مقومات أساسية وهي:

العنصر البشري فيما يتصل بالعاملين والإداريين والمستفيدين من الخدمات "العملاء"؛
العنصر المادي: يشمل الموارد والمقرات والتجهيزات والآليات؛
العنصر المعنوي: يتضمن الشرعية والمشروعية ([13]) والقرارات الناظمة لعمل المؤسسة.
حالت أسباب بنيوية وموضوعية دون تطوير العمل المؤسساتي في الهيئات المسؤولة عن إدارة الأمن المحلي، ويشكل ما سبق جزءاً من إشكالية أعم تعاني منها المعارضة تتمثل بعدم تمكنها من بناء مؤسسات متكاملة بديلة لنظام الأسد، لأسباب يتصل بعضها بفكر وإدارة قوى المعارضة وتناقضاتها الداخلية، وأخرى تتصل بنظام الأسد والقوات الموالية له وسعيهم الدائم لإجهاض أي محاولات جدية لبناء مؤسسات بديلة وذلك عبر استهدافها بأدوات عسكرية كتدميرها بعمليات القصف الجوي المكثفة، وأخرى سياسية عبر إلغاء تواجدها وتضمين ذلك كشرط أساسي في اتفاقيات التفاوض المحلي.

ومن مظاهر افتقاد هيئات الأمن اللامركزية للطابع المؤسساتي:

تعدد المرجعيات: لا يتوافر إجماع لدى هيئات الأمن اللامركزية المحلية على مرجعية موحدة سواءً كانت سياسية أو تنفيذية أو قضائية، حيث لا تتبع هذه الهيئات لمؤسسات المعارضة السياسية الرسمية وأجهزتها التنفيذية، كما أنها تتبنى مرجعيات قضائية متباينة، الأمر الذي يفضي إلى تضارب الأدوار وتنازع المصالح فيما بينها، وافتقادها للاتساق والتكاملية؛ ([14])
قلة الكادر البشري وضعف الخبرات التخصصية: تعاني الهيئات الأمنية المحلية هنا من إشكاليتين هما: غياب التوازن بين العدد القائم وطبيعة المهام الأمنية المطلوبة منهم، وضعف الخبرات في مجال إدارة العمل الأمني. أما الأسباب فتعود إلى: غلبة العنصر المدني على الأمني في هذه الهيئات وضعف دورات التدريب البدنية واقتصارها على الجانب المسلكي والعقائدي بشكل رئيسي؛
ضعف التجهيزات المادية واللوجستية: تتفاوت هيئات الأمن المحلي فيما بينها من حيث الموارد المادية المتاحة لها فيما يتعلق بالمقرات والرواتب والآليات والتسليح وأجهزة التواصل، وعموماً تعاني من ضعف قدرتها على تأمين الاحتياجات اللوجستية التي يتطلبها العمل الأمني خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة؛ ([15])
ضعف التخطيط الاستراتيجي: من خلال تتبع عمل ومهام هيئات الأمن المحلية، يُلحظ عدم تبنيها خطط تنفيذية واضحة تتصل باستراتيجيات شاملة، أو اتساق أهدافها وهو ما يفضي إلى تضارب في الأدوار والمصالح وهدر الموارد.
الأمن المحلي والاختبارات الوظيفية: الفوضى الأمنية
تشهد المناطق التي تديرها المجالس المحلية فوضى أمنية بحكم ضعف مأسسة هيئات الأمن المحلية ومحدودية قدراتها من جهة، إضافةً إلى تزايد مستوى التهديدات التي تتعرض لها من قبل نظام الأسد والقوات الموالية له من جهة أخرى، ومن أبرز مؤشرات الفوضى التي تعيشها مناطق المجالس:

ارتفاع عدد الحوادث الأمنية الجنائية كالسرقات والسلب والنهب والجرائم المخلة بالآداب العامة، وتبعاً لإحصائية مقارنة أصدرتها الشرطة الحرة في حلب، يظهر تزايد نسبة جرائم السرقة والقتل والإيذاء في الستة أشهر الأولى من عام 2016 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015؛ ([16](
ارتفاع عدد الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات التي تنفذها خلايا أمنية-تتبع للنظام السوري والقوات الموالية له إضافة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"-تتواجد في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، ووفقاً لإحصائيات عام 2015 فقد سجلت محافظة درعا أكبر عدد من الاغتيالات مقارنة ببقية المحافظات يقدّر بــ 105 حالة اغتيال بحسب مكتب توثيق الشهداء في درعا، تليها بالترتيب المحافظات التالية: إدلب، ريف دمشق، حلب ([17]). أما عن الجهات المستهدفة بعمليات الاغتيال فتشمل شريحة من قيادات فصائل المقاومة الوطنية وناشطين إعلامين وقيادات محلية؛
شيوع حالات الاعتقال والتغييب القسري والتعذيب الجسدي من قبل عدد من فصائل المقاومة الوطنية بحق الناشطين في المجال الإعلامي والمدني، ويذكر هنا على سبيل المثال ما يثار حول امتلاك جيش الإسلام لثلاثة سجون في الغوطة الشرقية هي: سجن التوبة، سجن الباطون، سجن الكهف، لا تخضع لرقابة القضاء الموحد في الغوطة، كما لا يتاح للمعتقلين فيها حق الدفاع عن أنفسهم؛ ([18])
انتشار واسع لمافيات السلاح وتجار المخدرات ([19]) وعصابات التهريب وبيع البضائع المسروقة؛ ([20])
انتشار غير مضبوط للسلاح بين المدنيين واستخدامه لأغراض تتعدى الحماية الشخصية إلى ممارسة أعمال غير قانونية؛ ([21])
حدوث حالات اقتتال داخلية بين فصائل المقاومة الوطنية بسبب خلافات عقائدية أو مصلحية؛ ومن أبرزها: اقتتال جيش الإسلام مع فيلق الرحمن وجيش الفسطاط في الغوطة الشرقية، اقتتال حركة نور الدين الزنكي وكتائب أبو عمارة مع تجمّع فاستقم كما أمرت في حلب، اقتتال حركة أحرار الشام الإسلامية وجيش الشمال وأحرار سورية مع الجبهة الشامية في ريف حلب الشمالي؛ ([22])
فوضى تطبيق الأحكام القضائية نتيجة تعدد المرجعيات القضائية، إضافة إلى إفلات عدد من عناصر الفصائل من العقاب بحكم الحصانة التي يتمتعون بها.
تحديات الأمن المحلي والتوصيات
تعمل هيئات الأمن المحلية اللامركزية جاهدة على تعزيز أدائها الأمني وتحقيق مهامها الوظيفية، إلا أنها تدرك صعوبة ما سبق في ظل تواجد تحديات عدة تعوق مساعيها للتخفيف من الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطقها، وفي حين يتصل جزء من التحديات بالبيئة الداخلية لعمل تلك الهيئات، فإن الجزء الأكبر منها يتأتى من البيئة الخارجية التي تنشط فيها هيئات الأمن المحلية والتي يمكن وصفها بأنها بيئة معقدة ذات صراعات مركبة ومخاطر عالية ومن أبرز هذه التحديات:

عمليات القصف الجوي: يستهدف طيران روسيا ونظام الأسد المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية بعمليات قصف جوية مركزة، علماً أن الهدف منها يتجاوز البعد العسكري العملياتي، وما يؤكد على ذلك الاستهداف الممنهج لهياكل الحكم المحلي ([23]) والبنية التحتية. أما الهدف فيتمثل في رفع الكلف الإنسانية وزيادة مستوى الأزمات الخدمية وتدمير هياكل الحوكمة المحلية، وبالتالي تعميق حالة الفوضى الأمنية بما يفوق قدرة المجالس المحلية وشركائها على التعامل معها وهو ما أكده العاملين في تلك الهيئات ([24])، وفيما يلي جدول يوضح عدد الغارات التي شنها طيران نظام الأسد وروسيا على المناطق المدنية من بداية عام 2015 إلى شهر تشرين الثاني من عام 2016. ([25])

قلة الدعم المالي: يتطلب توفير الأمن موارد مالية تغطي احتياجات هيئات الأمن المحلية من رواتب ومصاريف تأسيسية وتشغيلية، ويظهر الواقع عجزاً مالياً سواء لدى المجالس المحلية وكذلك شركائها في تحمل كلف العمل الأمني سيما فيما يتعلق بتوفير الرواتب للعاملين فيها وذلك نظراً لعدم استقرار مصادر الدعم وتزايد حجم الاحتياجات الناجمة عن تأزم الموقف الأمني. ([26])
نقص الكوادر التخصصية: يتطلب العمل الأمني كوادر متخصصة ملمّة بعلوم الأمن وآلياته وأساليبه الحديثة، إضافةً إلى تمتّعها بثقافة قانونية جيدة حول الأطر القانونية الناظمة للعمل الأمني، وعلى الرغم من انشقاق عدد كبير من قوى الأمن عن النظام، إلا أن الغالبية منهم فضّلت إما البقاء بعيداً عن الملف الأمني أو أنها انخرطت في العمل العسكري ضمن الفصائل، لتحدث فجوة في الكادر الأمني تم تعويضها من قبل المدنيين القادمين من خلفيات متنوعة علمياً ومهنياً وهو ما أثر على مهنية العمل الأمني وأدى إلى ارتكاب أخطاء عملياتية.
غياب مركزية القرار الأمني: يُفتقد القرار الأمني المركزي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، نظراً لتعدد الجهات المنخرطة في الملف الأمني والتي تؤدي أدواراً متباينة بحسب إمكانياتها وعلاقاتها والبيئة التي تنشط فيها، وبدل أن تغني هذه التعددية العمل الأمني وفق قاعدة تلاقي المصالح وتوزع الأدوار وإيقاف هدر الموارد المحدودة، فإنها أفضت إلى نتائج عكسية فاقمت الفوضى الأمنية. ([27])
تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية": يعتبر التنظيم أحد أبرز الجهات التي تهدد العمل الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، إذ يضع التنظيم هذه المناطق ضمن قائمة الأهداف التي يجب التعامل معها، باعتبارها تشكل عائقاً أمام تمدده في سورية، من هنا يُفهم مسعى التنظيم الحثيث لزعزعة أمن المناطق التي تنشط فيها هيئات الأمن المحلية عبر القيام بعمليات انتحارية أو اغتيالات تستهدف قيادات المجتمعات المحلية في المجالين المدني والعسكري، وبالتالي نشر حالة الفوضى الأمنية بما يسّهل ظهور التنظيم من جديد، ويكفي هنا الإشارة إلى أسلوب تنظيم الدولة في السيطرة على الباب ومنبج والرقة من خلال الاستفادة من الفوضى الأمنية التي شهدتها هذه المناطق، وفيما يلي توزع العمليات الانتحارية التي شنها التنظيم على خصومه منذ كانون الثاني 2016 لغاية تشرين الثاني 2016.([28])
 

تنامي نفوذ الفصائل الجهادية فوق الوطنية: تمتلك هذه الفصائل مشروعها الخاص لإدارة المناطق التي تنتشر فيها، وتبعاً لذلك فإنها تعمل على تشكيل مؤسسات موازية لهياكل الحكم المحلية القائمة والتي لا تعترف بها أصلاً، بل وتعمل جاهدة على إلغائها عبر الضغط عليها بما يعيق قدرتها على العمل، أو تدميرها بحجج عدة منها ([29]): تنفيذ أجندات خارجية، الإفساد في الأرض، مخالفة الشريعة الإسلامية وكمثال على ما سبق، هاجم جند الأقصى وجبهة فتح الشام عدداً من مخافر الشرطة الحّرة في محافظة إدلب. ([30])
تنوع مصادر التهديد الأمني: تواجه هيئات الأمن المحلية تهديدات متنوعة المصدر تتجاوز البعد الأمني إلى أبعاد أخرى ذات منشأ إنساني واقتصادي واجتماعي، وفي حين تتضافر كل العوامل السابقة في تهديد الأمن المحلي فإن لبعضها تأثيراً أكبر مقارنةً بغيرها ([31])، فعلى سبيل المثال تعتبر العوامل ذات الطبيعة الاقتصادية كالبطالة والتهريب وارتفاع الأسعار أبرز مهددات الأمن المحلي في الرستن وفي بعض مناطق حلب وهو ما يُستنتج من ارتفاع عدد جرائم السرقات والسلب، في حين يشكّل التغيير الديمغرافي القسري وحركات النزوح الداخلية أبرز العوامل التي تهدد الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية في محافظة ريف دمشق.
سيولة الصراع وتغيرات السيطرة: تفتقد هيئات الأمن المحلية لعنصر الاستقرار المكاني نتيجة لتغيرات السيطرة الميدانية وهو ما يعيق مساعيها في تأسيس بنية مادية مستقرة يتطلبها العمل الأمني، فعلى سبيل المثال فقدت الشرطة الحرة في محافظة حلب 12 مركز لها مع التقدم الذي أحرزه تنظيم الدولة في المنطقة الشمالية من المحافظة بين عامي 2014-2015. ([32])
الميليشياوية: الحذر من تحول الهيئات الأمنية المحلية إلى هيئات شبه عسكرية أو هيئات أمنية مافيوية، بمعنى تحولها-تحت ضغط الصراع وتشظي الفصائل وانهيار هياكل الحوكمة المحلية وتصاعد نفوذ الفصائل الجهادية فوق الوطنية-إلى أدوات أمنية-عسكرية تسعى لفرض سيطرتها الاجتماعية وحماية مصالحها الاقتصادية وتنفيذ أجندات خارجية تتناقض مع مصالح المجتمعات المحلية. ([33])
يفترض التغلب على التحديات السابقة العمل على إيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، تنطلق من تحديد الأهداف وترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية. وضمن ما سبق يقترح مجموعة من التوصيات العامة:

تبني مرجعية قضائية مدنية موحدة على مستوى مناطقي (المحافظة) ذات استقلالية بعيداً عن تدخلات القوى المحلية وتجاذباتها؛
توحيد عمل الشرطة المحلية على مستوى مناطقي (المحافظة) وربط مراكزها بالمجالس المحلية؛
تولي المكاتب الأمنية لفصائل المقاومة الوطنية لمهام الشرطة العسكرية والاستخبارات؛
إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي بما يضمن اتساقها بشكل أكبر مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مخرجات الحل السياسي؛
تعزيز قدرات المجالس المحلية على إدارة شؤون مناطقها وتلبية احتياجاتها الأساسية، وذلك بالعمل على ثلاث حزم دعم متكاملة تشمل الموارد والعلاقات والحوكمة.
خاتمة
تولي المجالس المحلية أهمية لملف الأمن المحلي نظراً لمخاوفها من تنامي حالة الفوضى الأمنية وانعكاسها سلباً على استمراريتها وأدائها، ولهواجسها المحقّة من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار المجتمعي والسياسي.

ونظراً للتمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس فإنها مُطالبة بلعب دور رئيسي في توفير الأمن المحلي سواءً بالتصدي للتهديدات الأمنية من خلال انخراطها المباشر في الملف الأمني وإدارتها لجهود الهيئات المحلية المعنية بالأمر، أو عن طريق معالجتها للتهديدات التي تستهدف استقرار مجتمعاتها المحلية من خلال توفير الخدمات الأساسية، والقيام بمشارع تنموية تسهم في تثبيت مقومات الاستقرار المجتمعي.

إلا أن الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها المحليين فيما يتعلق بإدارة الأمن المحلي لم ترقَ بعد إلى المستوى المطلوب، نظراً لضعف المأسسة وانخفاض الفعاليّة، الأمر الذي يجعل الفوضى الأمنية الحالة السائدة وما تمثله من مخاطر جدية تتهدد مشروع المجالس المحلية. وأمام ما سبق فإن المجالس وشركاءها معنيون بإيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، ذات أهداف محددة يتم ترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية، وما يتطلبه ما سبق من العمل على إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مخرجات الحل السياسي.

([1]) تعتبر بصر الحرير في درعا من المناطق التي لم تشهد عمليات اغتيال في عام 2015 نظراً لوجود جهة واحدة تتولى إدارة العمل الأمني إضافة إلى أسباب أخرى، للمزيد مراجعة، يعرب عدنان، رئيس اللجنة الأمنية في (بصر الحرير): إنشاء وحدات أمنية في مناطق سيطرة الثوار سيحد من الاغتيالات، كلنا شركاء، تاريخ 15-11-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/nK1e8F

([2]) يذكر أن المجلس المحلي لمدينة داريا أعلن عن حل نفسه بعد أن اضطر للخروج من مدينة داريا إلى محافظة إدلب نتيجة الضغط العسكري الذي مارسه النظام وقواته الموالية له على المدينة لمدة تزيد عن أربعة سنوات، للمزيد مراجعة، بيان حل المجلس المحلي لداريا، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي لمدينة داريا على الفيس بوك، تاريخ 24-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/ERNwzt

([3]) ساندي عيد، مجلس “مشمشان” المحلي بريف إدلب يعلق أعماله جراء القصف ويطلق مناشدات لإغاثة الأهالي، راديو الكل، تاريخ 17-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/bmHJLT

([4])استشهاد رئيس المجلس المحلي لمدينة قطنا، الموقع الرسمي للمجلس المحلي لمدينة قطنا على الفيس بوك، تاريخ 24-5-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/hBgwxD

([5]) توجد في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية أربعة تجارب شرطية رئيسية وهي: 1) الشرطة الحرة في محافظتي حلب (1-10-2012) وإدلب (1-7-2014) حيث تضم ما يقارب من 3000 عنصر متوزعة على 50 مركز في محافظة حلب و33 في محافظة إدلب، ويجري حالياً العمل على تشكيل الشرطة الحرة في محافظة درعا ومراكز أخرى في ريف دمشق وحمص وبعض مناطق حماة، وربطها مع بعضها بهيئة عامة للشرطة الحرة، في حين تم تعليق العمل بمشروع الشرطة الحرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محافظة اللاذقية. 2) قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية: تشكلت عقب اندماج شرطة الغوطة الشرقية_ القطاعين الجنوبي والأوسط للغوطة وجزء من قطاع المرج_ مع مديرية الشرطة في منطقة دوما وتوابعها، عام 2014 وذلك إثر تشكيل القيادة الموحدة في الغوطة، يقدر عدد أعضائها بـــ 700، 3) قيادة شرطة القلمون الشرقي والبادية: شكلت بهدف مواجهة تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية"، 4) قوى الأمن الداخلي في الرستن: تشكلت الشرطة الثورية في الرستن بتاريخ 24-3-2012 من المنشقين عن جهاز الشرطة ويقدر عدد أفرادها ب 30. ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".

([6]) من أبرز الهيئات القضائية المتواجدة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية: 1) مجلس القضاء الأعلى في حلب: تأسس المجلس في 30-7-2015 بتوحد سبع محاكم في حلب وريفها، 2) محاكم الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة: يقدر عددها بــ11 محكمة تنتشر في محافظة إدلب وجزء من ريف حماة، 3) مجلس القضاء في الغوطة الشرقية: تأسس في 24-6-2014 بتفويض من معظم الفصائل العاملة في الغوطة الشرقية والتي يقدر عددها آنذاك بــ "17" فصيل، 4) دار العدل في حوران: تشكلت في تشرين الثاني 2014 وتشمل سلطتها المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية في محافظتي درعا والقنيطرة، 5) المحكمة العليا في ريف حمص الشمالي: تشكلت في 1-10-2014 وتضم محاكم: الرستن، تلبيسة، الزعفرانة والحولة، 6) محاكم جبهة فتح الشام "المحاكم الشرعية". ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".

([7]) أشار مصدر مطلع من مجلس محافظة حماة إلى وجود مكاتب أمنية لدى جزء من مجالس المحافظة تمارس مهام الشرطة، في حين تعتمد مجالس أخرى على فصائل المقاومة الوطنية، حديث أجراه الباحث مع المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 14-11-2016، كذلك أشار رئيس مجلس محافظة حمص إلى وجود مكاتب أمنية ومخافر للشرطة تتبع للمجالس المحلية تقوم بعملية حفظ الأمن المحلي رغم محدودية قدراتها، حديث أجراه الباحث مع مجلس محافظة حمص على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 1-11-2016.

([8]) أكد أسامة البردان، رئيس مجلس محافظة درعا الحرة إلى تعاون مجلس المحافظة مع محكمة العدل والفصائل الثورية لوقف الفوضى الأمنية، للمزيد مراجعة، عطاف الأحمد، محافظ درعا الحرة: مجالسنا المحلية "ثورية بامتياز"، الخليج أون لاين، تاريخ 9-12-2016، رابط إلكتروني http://klj.onl/SfINj.

([9]) جانب من إزالة المخالفات والتجاوزات والتعديات على خطوط كهرباء مضخات المياه التي تغذي عدد من مدن وقرى ريف درعا الشرقي بالتعاون بين المجلس المحلي لمدينة بصرى الشام وفرقة شباب السنة، للمزيد مراجعة، الموقع الرسمي لمجلس مدينة بصرى الشام، تاريخ 7-5-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/rEooTa، كذلك أشار الأستاذ زهير السلوم رئيس مكتب المشاريع في المجلس المشترك لتجمع ركايا إلى وجود علاقة جيدة تربط المجلس بالفصائل العاملة في منطقة المجلس، حديث اجراه الباحث مع الأستاذ زهير السلوم على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 6-11-2016,

([10]) اقترح مجلس إدارة مدينة بنش بالتنسيق مع الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة على المجلس المحلي تشكيل لجنة لضبط هذه المخالفات، ووضع نظام لآلية عملها، للمزيد مراجعة، المجلس المحلي لمدينة بنش يشكل لجنة لضبط مخالفات المياه، المبادرة السورية للشفافية، تاريخ 25-6-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/27EtPq

([11])  أشار الأستاذ أكرم طعمة نائب رئيس الحكومة المؤقتة في حديث مع الباحث إلى اعتماد المجالس المحلية في الغوطة الشرقية على قيادة الشرطة في توفير الأمن، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أكرم طعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 10-11-2016، أيضاً، يعتبر رئيس النقطة الشرطية التابعة للشرطة الحرة في محافظتي حلب وإدلب عضو في المجلس المحلي دون أن يمتلك حق التصويت، كما تمارس المجالس حق الرقابة والتوجيه على عمل مراكز الشرطة الحرة القائمة في مناطقها، مقابلة أجراها الباحث مع الملازم أول عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب، غازي عينتاب، تاريخ المقابلة 5-11-2016.

([12]) رامي سويد، نظام الإدارة المدنية في داريا واستقلال المؤسسة الأمنية، الغربال، تاريخ 22-2-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/QUf5Qz، أيضاً مراجعة، زين كنعان، الأمن العام في داريا يشدد الرقابة على الأسعار، عنب بلدي، 21-2-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/FB9OC9، أيضاً، حملة أمنية واسعة في داريا، وإلقاء القبض على مطلوبين للعدالة، عنب بلدي، تاريخ 5-10-2014، https://goo.gl/lEhMT8.

([13]) يمكن تعريف الشرعية بحسب ميشيل دوبريه بأنها: استناد الحكام إلى احتياطي من الدعم الانتشاري، بمعنى أن يكون الحكام والمؤسسات التي يمارسون السلطة من خلالها، والسياسات العامة التي يضعونها متوافقة مع معتقدات المحكومين وقيمهم وميولهم ومشاعرهم أو لا تبتعد عنها صراحة. أما المشروعية فأنها تعني: مدى التزام المؤسسات والحكو

اقرأ المزيد
1 2 3

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال