منعطفات حوّلت حزام العاصمة "الثائر" إلى مناطق آمنة للأسد وحلفائه
نجح النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون بتفتيت الحزام الناري الذي فرضته المعارضة حول دمشق، فاستطاع تجزئة غوطتيها الشرقية والغربية، وتحييد البلدات الجنوبية بشكل كامل، ما سهل عليه فرض “هدن” بالقوة، ثم تسويات تضمن ترحيل مناهضيه إلى الشمال.
النفوذ الأكبر وبداية الانتكاسة
شكلت الفترة الممتدة من أيلول 2012 وحتى شباط 2013 مرحلة ذهبية لفصائل ريف دمشق، فنجحت بتكوين هلال يلفّ العاصمة من ثلاث جهات (الغربية، والجنوبية، والشرقية)، وأصبحت المنطقة الممتدة من معضمية الشام في الغوطة الغربية، وحتى عدرا البلد في الغوطة الشرقية تحت سيطرة المعارضة، والتي لم تكتفِ بالمناطق الريفية فحسب، بل تمددت في أحياء العاصمة، مثل برزة والقابون وجوبر شمال المدينة، والقدم والحجر الأسود ومخيم اليرموك جنوبها.
ونجحت المعارضة بوضع يدها على أجزاء واسعة من طريق مطار دمشق الدولي، بسيطرتها على بلدتي شبعا وحتيتة التركمان المطلتين على الطريق الحيوي، وضيقت خناقها على المطار بتعزيز نفوذها في بلدتي حران العواميد والغزلانية المحاذيتين له، وباشرت فعليًا بالتمهيد لاقتحامه عبر استهدافه بالمدفعية والصواريخ، دون أن تتمكن من ذلك.
في الفترة ذاتها، حققت المعارضة انتصارات في منطقة القلمون شمال دمشق، كان أهمها السيطرة على مدينة يبرود في أيلول 2013، وما تبعها من عمليات ضد النظام في معلولا وديرعطية والنبك وجيرود والناصرية والتل ورنكوس وغيرها، وإحكام السيطرة على مدينة الزبداني وبلدتي مضايا وبقين، وتأمين طريق إمداد بينها وبين منطقة وادي بردى وبلدتي قدسيا والهامة المجاورتين، وجميعها تحت سيطرة “الجيش الحر” آنذاك، إلى جانب نجاح الفصائل في تأمين طريق إمداد من القلمون إلى الغوطة الشرقية، بهيمنتها على طريق الضمير- عدرا، إذ خضعت عدرا البلد ومدينتها الصناعية لسيطرة المعارضة أيضًا.
وخلال عام، شهدت المحافظة مرحلة انحسار وضعف للمعارضة، وشكلت استعادة قوات الأسد منطقة السبينة جنوب دمشق في تشرين الثاني 2013، نقطة تحول مفصلية في دمشق وريفها، وسقطت مدن وبلدات الغوطة كأحجار الدومينو خلال أشهر، كان أبرزها: البويضة، والحجيرة، وشبعا، وحتيتة التركمان، والغزلانية، وحران العواميد، والعتيبة، والعبادة، وقيسا، ودير سلمان.
وخسرت الفصائل أيضًا مدينة المليحة في عمق الغوطة، ومدينة عدرا ومساكنها ومنطقتها الصناعية شمالها، في آب وأيلول من عام 2014.
وحقق النظام السوري من خلال هذه العملية هدفين سعى إليهما: الأول هو تأمين الطريق الواصل بين مدينة دمشق والمطار الدولي في الجهة الشرقية، والثاني هو فصل كامل للغوطة الشرقية عن الغربية، وعزل منطقة جنوب دمشق، ثم إطباق حصار على المناطق الثلاث في مرحلة لاحقة، تمهيدًا لاستهداف كل منطقة على حدة، وإرغام الفصائل على القبول بهدن ومصالحات.
أيضًا أخذت المعارضة بالانحسار في القلمون الغربي في الفترة الممتدة من أيلول 2013 وحتى آذار 2014، فاستعادت قوات الأسد مدعومة بميليشيات “حزب الله” اللبناني مدنًا وبلدات رئيسية في المنطقة، نذكر منها بحسب الترتيب الزمني: بلدة معلولا (أيلول 2013)، بلدة قارة (تشرين الثاني 2013)، مدينة ديرعطية (تشرين الثاني 2013)، مدينة النبك (كانون الأول 2013)، مدينة يبرود (آذار 2014).
منذ مطلع عام 2014، تحولت المعارضة من الهجوم إلى الدفاع، عدا محاولات فك حصار شهدتها الغوطة الشرقية في مناسبات عدة، كما تشظّت الفصائل في قتالها لتقف أمام خصم ظهر جديدًا على الساحة، وهو تنظيم “الدولة الإسلامية”، بالتزامن مع بدء النظام السوري مرحلة جديدة غير مسبوقة في دمشق وريفها، وهي فرض تسويات وهدن محلية جنوب وغرب وشمال العاصمة.
خسائر 2016 أشد وطأة على فصائل دمشق
خسرت فصائل المعارضة خلال العام الماضي، عشرات المناطق لصالح قوات الأسد والميليشيات الرديفة في محيط الغوطة الشرقية، خلال معارك واسعة شنها النظام هناك، بينما عقد تسويات تحت عنوان “مصالحات” في مناطق أخرى من ريف دمشق، آخرها منطقة وادي بردى.
قضم الغوطة الشرقية
وبدأت الحكاية بعد أن أحكمت قبضتها على بلدة مرج السلطان ومطارها الاحتياطي، في 13 كانون الأول من عام 2015، في تقدم وصف بأنه “الأكبر من نوعه” في الغوطة الشرقية.
وتابع النظام عقب مرج السلطان، محاولات تقدمه إلى المطار الرئيسي في المرج، لعزل المحور الشرقي للغوطة، بعد أن أنهى ملف بلدة المليحة (القريبة من المطار وتبعد خمسة كيلومترات عن العاصمة) في آب 2014، وعقد مصالحات في بلدات عقربا وشبعا وحتيتة التركمان والحسينية، وكل ذلك بعد ضمه عدرا في وقت سابق من 2015.
بعد خسارة مرج السلطان، شكّلت فصائل المعارضة “غرفة عمليات المرج” والتي استطاعت استعادة بعض المناطق، إلا أنها خسرتها مجددًا واعترف قادتها، في حديثٍ حينها لعنب بلدي، أن المعارك “هي الأشرس على الإطلاق”، مع استمرار زحف قوات الأسد، رغم هدوء الجبهات واقتصارها على معارك كر وفر في القطاع الجنوبي للغوطة على مدار أربعة أشهر، اشتدت في أيار من عام 2016.
اشتداد المعارك تكلل في منتصف أيار بالسيطرة على قريتي نولة وبزينة في محيط دير العصافير، بعد أيام من بدء اقتتال فصائل الغوطة في 28 نيسان من العام نفسه، إلى أن وسّعت قوات الأسد سيطرتها في المنطقة، وضمّت دير العصافير، وزبدين، حوش الدوير، والبياض، وحرستا القنطرة، وبالا، إضافة إلى الركابية، وحوش الحمصي، في 19 أيار، واستطاعت فصل القطاع الجنوبي، الذي يعتبره الأهالي، خزانًا زراعيًا للمنطقة.
توغل النظام في المنطقة استمر ولكن من شمال شرق الغوطة، إلى حين سيطرت قوات الأسد على حوشي الفارة ونصري وميدعا في آب وتموز من عام 2016، بينما واصلت التقدم إلى أن أحكمت قبضتها على الميدعاني والبحارية، وعدد من التلال والمزارع المجاورة، وعزا أهالي الغوطة سبب تراجع المعارضة إلى اقتتال الفصائل الذي انتهى مطلع تشرين الثاني 2016.
وتزامنًا مع تلك المعارك سيطرت القوات في 30 تشرين الأول 2016، على مزارع الريحان ومنطقتي تل كردي وتل صوان، كما تواصلت المواجهات في تلك المنطقة حتى السيطرة على بلدة القاسمية، لتصبح على مشارف بلدة النشابية المجاورة، في 26 كانون الثاني 2017.
تسوياتٌ في محيط العاصمة
تزامنًا مع استمرار المعارك في الغوطة الشرقية، سعى النظام جاهدًا إلى عقد تسويات بمناطق مختلفة في محيط دمشق، ما جعل أغلب المدن العائدة إلى “حضن الوطن” خالية من السلاح و”المسلحين”، كما يسميهم النظام ومؤيدوه، بعد خروج الفصائل منها، عقب تخييرهم بين “الحرب الشاملة” أو تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم، أو الخروج إلى إدلب شمال سوريا.
ابتدأ النظام بالغوطة الغربية، وتحديدًا من مدينة داريا، التي استطاع إفراغها من أهلها في 26 آب 2016، فخرج أكثر من خمسة آلاف شخص من المدينة، قرابة 1200 منهم إلى إدلب، بينما توجهت الأغلبية نحو بلدة حرجلة في ريف دمشق، والتي تخضع لسيطرة النظام.
وخرج مقاتلو بلدتي قدسيا والهامة، في 13 تشرين الأول من العام نفسه، باتجاه محافظة إدلب، رغم أن عملية الخروج تعرضت لمعوقات هددت بتأجيل العملية، لكن ما لبثت أن استؤنفت في موعدها، إلى أن خرج 525 شخصًا مع عائلاتهم من قدسيا، و114 آخرين مع عائلاتهم من الهامة، ليكون العدد الكلي بشكل تقريبي حوالي 2500 شخص.
في مدينة معضمية الشام التي ضمّت بعضًا من أهالي داريا، خرج من لم يسوِّ أوضاعه فيها مع النظام إلى إدلب، وقُدّر عدد المغادرين من المعضمية في 19 تشرين الأول، بقرابة ألف شخص، جميعهم انتقل إلى إدلب.
تهجير أهالي المنطقة الغربية من ريف دمشق، استمر ضمن نطاق التسويات، التي جاءت جميعها بعد معارك مكثفة شنتها قوات الأسد، للضغط على الأهالي والرضوخ لشروطها، وخرج من خان الشيح وزاكية قرابة 4500 شخص في 29 تشرين الثاني 2016، واستمر على مدار ثلاثة أيام، ثم تبعهم 250 مقاتلًا من زاكية في كانون الثاني 2017.
كما خرجت أعداد قليلة من أهالي بلدة كناكر في تشرين الثاني 2016، إلا أن معظمهم سوّى أوضاعه لدى النظام، في حين خرج قرابة 1300 شخص من المقاتلين وعائلاتهم في مدينة التل، في 2 كانون الأول 2016، بعد أن تحوّلت إلى مقصد لنازحي المناطق المشتعلة في غوطتي دمشق، وضمت أكثر من 700 ألف مدني، وفق تقديرات ناشطين.
موجة التهجير وصلت إلى بلدة سعسع، جنوب غرب دمشق، التي تبعد عن العاصمة نحو 40 كيلومترًا، والمعروفة بفرعها الأمني الشهير، إذ خرجت قرابة 30 عائلة معظمها من بلدتي كفرحور وبيت سابر، إضافة إلى 13 عائلة من بلدة بيت تيما، وفق مصادر عنب بلدي.
أهالي وادي بردى آخر المُهَجّرين
عقب معارك استمرت أكثر من 36 يومًا في المنطقة، استطاعت قوات الأسد التقدم إلى عمق وادي بردى، وسيطرت على بسّيمة أولًا ثم وصلت إلى عين الفيجة، المنطقة الأكثر استراتيجية في المنطقة، والتي تحتوي على النبع.
وخرج من وادي بردى قرابة 1500 شخص بينهم حوالي 500 مقاتل، نهاية كانون الثاني 2017، عبر حاجز دير قانون المتاخم لقرى المنطقة، وذلك بعد انسحاب فصائل المعارضة من نبع عين الفيجة، بينما بقي بعض المقاتلين والأهالي في بلدة دير مقرن في الوادي، على أن يخرجوا في وقت لاحق، لتعود المنطقة إلى حضن النظام.
ماذا بقي للمعارضة في دمشق وريفها؟
بعد أربعة أعوام على خسارة السبينة في جنوب دمشق، وما تبعها من هزائم معنوية وعسكرية للمعارضة في المحافظة، تقتصر سيطرة الفصائل اليوم على أجزاء من الغوطة الشرقية، وثلاث بلدات في جنوب دمشق، وجيوب متناثرة في القلمون، إلى جانب أحياء دمشقية تنتظر مصيرًا مشابهًا لعشرات المناطق التي استعادها النظام إما قتالًا أو تهجيرًا بعد حصار.
الغوطة الشرقية
تقتصر سيطرة المعارضة فيها على القطاع الأوسط والشمالي منها، وتضم مدن وبلدات: دوما، وحرستا، وزملكا، وعربين، وسقبا، وعين ترما، وجسرين، وعين سوا، وأوتايا، والنشابية، وغيرها، وجميعها تخضع لحصار من قبل النظام السوري، ومعارك مستمرة على الجبهات الشمالية والشرقية والغربية.
الأحياء الدمشقية
تحتفظ المعارضة بثلاثة أحياء رئيسية في ضواحي دمشق الشمالية، فحي جوبر الدمشقي يعتبر بوابة الغوطة الشرقية من المحور الغربي، ويشهد معارك ومواجهات مفتوحة لا تهدأ بين النظام وميليشياته من جهة وقوات المعارضة من جهة أخرى، في حين يعيش أهالي حيي القابون وبرزة بهدوء وأمان نسبي، إثر دخولهما في اتفاقيات تهدئة سابقة، يتخللها خروقات من طرف النظام، كما حدث في القابون مؤخرًا.
جنوب دمشق
تقتصر سيطرة المعارضة فيه على بلدات: ببيلا، ويلدا، وبيت سحم، وعقربا، بينما تخضع منطقتا مخيم “اليرموك” للاجئين الفلسطينيين والحجر الأسود لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتشهد هذه المناطق هدوءًا ملحوظًا منذ اتفاق التهدئة مطلع عام 2014، عدا عن اشتباكات بين تنظيم “الدولة” وفصائل أخرى في مخيم “اليرموك”.
منطقة القلمون
في الجزء الجنوبي الغربي من القلمون، تخضع مدينة الزبداني وبلدتا بقين ومضايا لحصار من قوات “حزب الله” اللبناني، منذ نحو عام، إثر دخولها في اتفاق يحيدها مع مناطق في إدلب عن القصف والعمليات العسكرية، وهو الأمر الذي ينطبق على بلدات الضمير، وجيرود، والرحيبة، والناصرية، في القلمون، إذ تدخل هذه البلدات في اتفاق “هدنة” مع النظام السوري أيضًا.
القلمون الشرقي ومناطق البادية في الريف الشرقي للمحافظة، تشهد “هدنة” غير معلنة بين “الجيش الحر” وقوات الأسد، لكنها تشهد اشتباكات للطرفين في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” ذي النشاط الكبير في هذه المنطقة.
دمشق وريفها ملاذ آمن للأسد
تسعى قوات الأسد باستمرار لتفريغ محيط العاصمة دمشق، من أي وجود للمعارضة، وبرزت تلك المساعي مؤخرًا في محاولة القوات اقتحام الغوطة من جهة حرستا، 25 كانون الثاني 2017، بعد هدوء استمر فيها لأكثر من عام ونصف.
بدوره شكّل قصف حي القابون في دمشق، في 2 شباط 2017، منعطفًا واضحًا في الأحداث، فبعد أن خضع الحي لسيطرة فصائل في المعارضة السورية، وتوصلت فصائله والنظام إلى هدنة فيه، مطلع عام 2014، استهدفه الطيران الحربي بالصواريخ، ما خلف ضحايا وجرحى فيه.
الزبداني ومضايا
لا تُشكّل بلدات مضايا وبقين والزبداني، حجر عثرة في وجه مساعي النظام لضمها إلى مناطق سيطرته في المنطقة، فقواته وعناصر “حزب الله” اللبناني تحاصرها منذ فترة طويلة، بينما يرعى “حزب الله” حملات تهجير وتدمير في المنطقة.
وهجّر الحزب منتصف شباط 2017، قرابة 50 عائلة من المنطقة الواقعة بين حاجزي جوليا والشبك، في مضايا، وانقسموا إلى قسمين، الأول توجه إلى داخل بلدة بقين، والآخر باتجاه منطقة المعمورة، إلا أن مصادر عنب بلدي أكدت أن النظام نقلهم إلى بلدة بلودان القريبة، والتي يسيطر عليها النظام، وسط غموض حول مصيرهم.
ورغم أن فصائل المعارضة مازالت تسيطر على كل من الضمير والناصرية والرحيبة وجيرود شمال شرق العاصمة، إلا أنها ليست بأهمية منطقتي جنوب دمشق، والغوطة الشرقية، التي تنتشر مدنها وبلداتها الخاضعة لسيطرة المعارضة على تخوم دمشق.
جنوب دمشق
ملف جنوب العاصمة ما يزال مجمدًا منذ 8 كانون الثاني 2017، وحينها أصرّ النظام السوري على تنفيذ بنود مبادرةٍ طرحها حول التسوية في المنطقة، خلال اجتماعٍ مع اللجنة السياسية، مطلع الشهر ذاته، ضمن محاولات يخوضها منذ أشهر، لإضافة المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة هناك، إلى مناطق تسوياته.
رغم صغر مساحة المنطقة متمثلة ببلات يلدا وبيت سحم وببيلا وعقربا، إلا أن جبهاتها لا تشهد أي تحرك ضد النظام منذ فترة طويلة، حين وقعت فصائل “الجيش الحر” على هدنة مفتوحة مع قوات الأسد في شباط 2014.
ولم تشهد المنطقة أي اشتباكات ضد قوات الأسد، إذ تجلّت المعارك بين “الجيش الحر” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يسيطر على منطقة الحجر الأسود، وجزء واسع من مخيم اليرموك.
يرفض أهالي جنوب دمشق الخروج من المنطقة، حاملين شعار “سوف نبقى هنا”، ورغم ذلك يتخوف ناشطو المنطقة من تهجيرهم بالقوة من قبل النظام، الذي اقترح تشكيل ميليشيا “المغاوير”، من الضباط والعسكريين المنشقين، ليزجّ بها في مواجهة “جبهة فتح الشام”، وتنظيم “الدولة”، تحت إشراف ميليشيا “الدفاع الوطني” جنوب دمشق.
كما يشترط النظام رفع علمه دون غيره في تلك المنطقة، على أن يُعاد العمل في المؤسسات الرسمية، وتشكّل لجان (إغاثية- طبية- خدمية) من البلدات المشمولة ضمن الاتفاق، تحت إشراف المخابرات العسكرية والحرس الجمهوري، ويقام لقاء بينها وبين فعاليات بلدة السيدة زينب المجاورة.
ترويج لإجلاء أهالي الغوطة
عقب اجتماعات على مدار الأشهر الماضية، في مدينة دوما، بين وفد من النظام السوري، والذي دخل من حاجز مخيم الوافدين والتقى بعض فعاليات المدينة، طارحًا اتفاقًا للخروج من الغوطة، ترفض فصائل المنطقة والفعاليات المدنية تهجير الأهالي وخروجهم.
ويُصعّد النظام قصفه على الغوطة، في محاولة لكسر شوكة الأهالي، محاولًا إرضاخهم لقبول فكرة مغادرة المنطقة، إلا أن محللين يرونها مختلفة عن باقي مناطق ريف دمشق، إذ تملك “قوة عسكرية”، متمثلة بفصائل المعارضة التي تخوض معارك شبه يومية ضد قوات الأسد، كما أن محيط الجبهات المشتعلة حولها يتعدى 40 كيلومترًا.
وتمتد المنطقة المحاصرة في الغوطة على مساحة أكثر من 105 كيلومترٍ مربع.
ويتوقع مراقبون أن يُكثّف النظام مساعيه لإفراغ المنطقة، وهذا ما بدا من إعلانه عن فتح معبر مخيم الوافدين من جهة حرستا ودوما، كمعبر لإجلاء الأهالي برعاية روسية.
فكرة فتح المعابر طرحها وسام الطير، الصحفي المقرب من النظام، ومدير شبكة “دمشق الآن”، وقال عبر صفحته في “فيس بوك” إن المعبر فتح لمدة عشرة أيام، ابتداءً من 4 شباط 2017 لخروج أهالي الغوطة إلى دمشق، مشيرًا إلى أنه “أول المعابر الآمنة”.
وروّج الطّير إلى إمكانية فتح معابر أخرى، بعد تقسيم الغوطة الشرقية مستقبلًا إلى أربعة قطاعات، “يحدد معبران اثنان في كل قطاع، وأحد هذه المعابر سيخصص للمسلحين الراغبين بالتسوية”، وفق تعبيره.
آخر التصريحات لقياديي فصائل الغوطة، جاءت رافضة للهدن والتسويات فيها، إذ اعتبر عضو المكتب السياسي في “جيش الإسلام”، محمد علوش، في حديثٍ سابق إلى عنب بلدي أن “الحصار والتجويع والتغيير الديموغرافي كلها جرائم حرب، وسوف يحاسب النظام ومن سانده عليها”.
في حين وصفت الفصائل الأخرى، الأحاديث عن التسويات في الغوطة، بأنها “حرب نفسية”، إلا أن أنظار النظام تتركز عليها، باعتبارها المساحة الأكبر التي تخضع لسيطرة المعارضة قرب العاصمة.
المقومات الحيوية للعاصمة بيد الأسد
يتجه النظام السوري بعد تحييد خصومه في معظم المناطق المحيطة بالعاصمة، لإعلان دمشق مدينة آمنة له بشكل شبه كامل، ولا سيما أنه بات يحكم سيطرته على المقومات الحيوية الثلاثة لها، وهي الطرق الرئيسية المؤدية منها وإليها، وكبرى محطات توليد الطاقة الكهربائية، والمصدر الرئيسي للمياه.
شرايين دمشق ومطاراتها
يحكم النظام السوري سيطرته على عقدة طرق رئيسية من دمشق وإليها، وأبرزها: طريق الديماس الواصل بين العاصمة ولبنان من الغرب، وطريق دمشق- درعا من الجنوب، وطريق دمشق- حمص من الشمال، وطريق مطار دمشق الدولي من الشرق.
كذلك فإن مطار دمشق الدولي بات آمنًا بشكل كامل، وهو المعبر الجوي الرئيسي للنظام في سوريا، عدا عن مطارات وقواعد جوية عسكرية تعزز من سيطرته، أبرزها: مطار المزة العسكري، مطار السين، مطار الضمير.
محطة “تشرين” الحرارية
حاولت المعارضة مطلع عام 2013 فرض سيطرتها على محطة “تشرين” الحرارية الواقعة على بعد 50 كيلومترًا جنوب شرق دمشق، كذلك تعرضت لهجمات تنظيم “الدولة” مؤخرًا، لكن النظام حافظ على وجوده فيها خلال السنوات الماضية رغم كل ذلك، وبالتالي تأمين المورد الرئيسي للطاقة الكهربائية للعاصمة وريفها.
نبع “عين الفيجة“
استعادت قوات الأسد سيطرتها على نبع “عين الفيجة” في كانون الثاني من العام الجاري بعد مواجهات وقصف استمر نحو شهرين، وخضع منذ عام 2012 لإدارة فصائل المعارضة في منطقة وادي بردى شمال غرب دمشق، ونجح النظام من خلال هذه العملية العسكرية بوضع يده على مصدر مياه الشرب الرئيسي في المحافظة.
بعد سقوط “السبينة” ليس كما قبلها، إذ حصدت فصائل دمشق وريفها نتائج ما أغفلته سابقًا، من افتقارها للتخطيط العسكري ورسم الاستراتيجيات المستقبلية، وحالة التشظي في ظل غياب الجسم والقرار الواحد، وعدم الاستفادة من مقومات حيوية تضمن من خلالها الاستمرارية وتزيد من خنق النظام، فتحول “الحزام الثائر” عام 2013 إلى مناطق آمنة للميليشيات الأجنبية بعد أربعة أعوام، لتغرّد الغوطة الشرقية منفردة بانتظار ما هو آتٍ، فهل تكسر موجة التهجير إلى الشمال؟