الهجوم الكيماوي في خان شيخون يفتح الطريق إلى هجومٍ وشيك في إدلب
وسط استمرار الادعاءات الكاذبة التي يدلي بها نظام الأسد عن عدم مسؤوليته عن الهجوم الكيماوي والمجزرة التي استهدفت بلدة خان شيخون في الرابع من الشهر الحالي، والتبريرات التي تقدمها روسيا يومياً عن عدم وجود مسببات ومسوغات عسكرية تدفع قوات الأسد لشن مثل هذا الهجوم، تنتشر العديد من التحليلات التي تجوب بها الأوساط الإعلامية الغربية لتفنّد هذا الادعاء، ولتضع العديد من السيناريوهات المحتملة لهجمات كيماوية أوسع قد تضرب محافظة إدلب المعقل الرئيسي للفصائل العسكرية المناهضة لنظام الأسد.
ويذهب مدير الأبحاث في جامعة "ليون 2 " الأمريكية"فابريس بالونش" ضمن تحليلاته التي تم نشرها بمقالٍ في موقع معهد واشنطن للدراسات بالقول:
من المرجح أن يكون هجوم خان شيخون الخطوة الأولى من هجومٍ واسع النطاق على محافظة إدلب، المعقل الرئيسي للفصائل المعارضة التي تقاتل قوات الأسد والميليشيات التي تقاتل في صفوفه، حيث يرى أن افتقار النظام للقوى البشرية بشكلٍ مستمر، سيدفع به إلى انتهاج أساليب أكثر عدائية ووحشية من تلك التي مارسها مؤخراً، تنتهك القانون الدولي، ويترتب عليها عواقب مدمرة على السكان المدنيين الأبرياء القاطنين هناك.
وحسب رأي الكاتب تضم الفصائل المعارضة في محافظة إدلب على تنوعها أكثر من 50 ألف مقاتل، معظمهم من الجهاديين والإسلاميين المتشددين، أما المعتدلون الباقون الذين يبلغ عددهم بضعة آلاف فقد تمركزوا بمعظمهم على طول الحدود التركية.
ومنذ عام 2014، عمد الفصيل السوري "لتنظيم القاعدة" إلى القضاء على الميليشيات المتمردة التي ترفض مبايعته بشكلٍ منهجي، وحصلت عملية تطهير مماثلة في أعقاب مؤتمر أستانا الذي عُقد في كانون الثاني/يناير 2017، متهمةً فصائل أخرى بالتعاون مع روسيا.
الضربات المضادة المحتملة لقوات الأسد
وسعياً منه في تحطيم المقاومة المحلية قامت قوات الإرهابي بشار الأسد باستخدام غاز السارين لقصف بلدة خان شيخون في الرابع من نيسان/آبريل الجاري، دون وجود أي مبرر يجيز استخدامه المتعمد لهذه الأسلحة الاستراتيجية ضد المدنيين الأبرياء.
ويبدو بأن القادة العسكريين المنضوين تحت قوات الأسد يستعدون حالياً لشن هجومٍ أوسع في إدلب، حيث أن الأسد لم يعد بمقدوره الوقوف مكتوف الأيدي في تلك الجبهة، لكن ما قد يقف عثرةً في وجه هجومهم المتوقع عدم موافقة روسيا عن شن مثل هذه الحملة في الوقت الراهن، على الرغم من فشل محاولات موسكو في إحداث انقسامات ضمن صفوف الثوار هناك.
ولتعويض النقص الشديد الذي يعانيه نظام الأسد في القوى البشرية، من المفترض أن تواصل قواته وحلفاؤه نهجهم القائم على استخدام القصف المكثف العشوائي لإجبار المدنيين على الفرار، وعزل الثوار، يمكن حينها بدء الهجوم البري.
وتُعد خان شيخون هدفاً استراتيجياً رئيسياً في الهجوم المضاد في حماة، حيث أن إعادة السيطرة عليها ستسمح للنظام بالقضاء على التهديد الذي يمثله الثوار والفصائل المناهضة له، في حماه والمنطقة المركزية بكاملها، بما فيها حمص.
ووفقاً للموقع الإلكتروني "المصدر" الموالي للنظام، فقد تم نشر قوات من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و «حزب الله» على طول جبهة حماة في وقت سابق من هذا الشهر، في حين أُرسلت القوات الروسية للدفاع عن محردة.
ولتضييق الخناق أكثر على الثوار الذين يقاتلون في ضواحي حلب، يواصل نظام الأسد سعيه للحصول على مساعدات من القوات الكردية في منطقة عفرين، حيث نشرت روسيا في الآونة الأخيرة، قوات في منبج وشمال عفرين الشهر الماضي، لحماية الأكراد من تدخل تركي محتمل، لكي يكونوا على استعداد لرد الجميل لهم من خلال دعمهم عمليات قوات الأسد في محافظتي حلب وإدلب.
هل تواجه تركيا موجة أخرى من اللاجئين؟
كما هو مبين أعلاه، لطالما انتهكت قوات "اتفاقيات جنيف" من خلال قصف المناطق عشوائياً لزرع الخوف وفصل المدنيين عن الثوار المقاتلين، مستهدفةً عمداً المستشفيات والأسواق والأهداف المماثلة. ومن المرجح أن يؤدي اتباع هذا النهج في محافظة إدلب، التي تضم 1.2 مليون نسمة، إلى نزوح جماعي كبير آخر إلى تركيا، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لأنقرة.
وفي ظل غياب قرار من مجلس الأمن الدولي لإنشاء منطقة عازلة وآمنة في شمال سوريا، وتعنت الدول الغربية في التدخل العسكري الحازم، تبقى الخيارات التي يملكها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تواجه العديد من العقبات لتجنب مثل هذه النتيجة.
وتمتلك تركيا أيضاً قوات كافية لإنشاء منطقة آمنة خاصة بها شمال محافظة إدلب، تشمل ربما القرى التركمانية شمال شرق جسر الشغور وسكان المخيمات النازحين حول "باب الهوى" وأتيما"، من شأنها أن توفر أكبر قدر من الحماية للمدنيين الفارين، إلا أن أردوغان لا يعتزم التدخل عسكرياً في تلك المنطقة. وتتمثل أولويته في سوريا في منع إنشاء منطقة حدودية كردية تتمتع باستقلال تام، وبالتالي قاعدة جديدة لـ «حزب العمال الكردستاني» - التنظيم الذي يشن حرباً ضد الحكومة التركية منذ عقود.
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فتواجه واشنطن حالياً قراراً بشأن ما إذا كان رحيل الأسد يشكل مرة أخرى أولوية بالنسبة إليها بعد هجوم خان شيخون، وفي هذه الحالة، مدى توافق هذا الهدف مع تركيز إدارة ترامب على استعادة الرقة وتدمير تنظيم الدولة الإسلامية.
إذاً لا تتوفر إجابات سهلة عمّا سيجري في إدلب، لكن يبدو أنّ النظام عازم على استخدام كافة الوسائل المتاحة له لإخراج المدنيين مهما كلف الثمن، وحتى الآن اقتصرت الإجراءات الأمريكية المباشرة في المحافظة على مجموعة من الضربات الجوية ضد أهداف تنظيم القاعدة في أواخر آذار/مارس.
ونظراً لصعوبة إيجاد شركاء على الأرض يشاركون الأهداف الأمريكية، قد يكون ذلك كل ما ترغب واشنطن في القيام به فور قيام نظام الأسد بشن هجومه على إدلب بشكل جدي، على الرغم من أن جميع الرهانات قد تسقط إذا ما استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية مرةً أخرى.