مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٦ يونيو ٢٠١٨
الجنوب آخر معاقل الأمل السورية

كلّما زادت مساحة سيطرة نظام الأسد على الأراضي تقلصت مساحة التغيير والأمل بانتقال سورية إلى أوضاع جديدة، وعادت الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة، وربما إلى مجهولٍ لا أفق له. وتشكّل منطقة الجنوب، التي تقع اليوم في قلب الخطر، ذروة مرحلة سقوط سورية في هذا المجهول، ليس لرمزيتها فقط في إطلاق شعلة الأمل بغد سوري متحرّر، يملكه أبناء البلد، وإنما لأن الجنوب كان آخر المناطق التي يمكن استثمار وزنها ومزاياها، للمساومة على حل سياسي مقبول، وإن لم يكن مثالياً، على اعتبار أنها المنطقة الوحيدة التي ما زالت تمتلك مواصفات ثورة سياسية اجتماعية.

استطاعت روسيا، وعبر عملية ممنهجة ومدروسة، إخراج المناطق التي تملك وزناً تساومياً يحقق مطالب الشعب السوري من دائرة الصراع، وليس سراً أن البداية كانت من حلب، لما تمثله من أهمية سياسية تضع الطرف الآخر في موقع الند السياسي الذي يستطيع فرض شروطه على طاولة المفاوضات، لتكرّ السبحة بعد ذلك، وتسقط جميع المناطق ذات التأثير السياسي، الغوطة ووادي بردى والقلمون وريف حمص الشمالي.

وليس سراً أن المناطق المتبقية، خارج جنوب سورية، لا تصلح للاستثمار والمساومة السياسية، مثل مناطق شرق سورية وإدلب، فالأولى أصبحت خارج تصنيف التفاوض على شكل النظام القادم، لتدخل في إطار الصياغة السياسية للدولة السورية المقبلة، من حيث الشكل وليس الجوهر، فيدرالية أم مركزية، وإن حل إشكاليتها ليس له علاقة بثورة السوريين ومطالباتهم، بقدر ما هو مرتبط بتوافقات دولية صرفة. أما إدلب، فأصبحت قضيتها ترتبط بقضايا الإرهاب العالمي، نظراً لوجود جبهة النصرة، أو "فرع القاعدة السوري" كما بات يسمى في التقارير الإخبارية.

لأسباب عديدة، لم تكن تجربة المناطق المحرّرة في الجنوب مشجعة ولا مرغوبة. في النهاية، ثمّة حاجة لدولة تدير شؤونها وتوفر المستلزمات الإنمائية والأمنية والخدماتية لمئات آلاف من السكان، لكنها بالتأكيد ليست دولة نظام الأسد التي كانت، مضافاً إليها عقلية المخبر الروسي الذي لا يرى في سوريي المناطق التي تم إخضاعها سوى إرهابيين مهزومين، ورجل الحوزة الإيراني الذي يريد تعليم أبنائهم الدين الصحيح مقابل عشرة آلاف ليرة للعائلة، كما في ريف حلب.

بالتأكيد، ليست إمكانات المقاومة في جنوب سورية معدومة، كما إمكانية تحقيق تغيير سياسي، لكن الشروط العسكرية والسياسية التي أخضعت المنطقة نفسها لها، لا توحي بذلك، وخصوصا بعد أن دخلت المنطقة وبقوّة في إطار المصالح الإقليمية والدولية وتعقيداتها، وجرى تحييد مصالح سكانها لصالح اعتبارات خارجية، يتم احتسابها بناء على دفتر شروط تلك الأطراف وحسابات التوازنات التي يجب الحفاظ عليها في نهاية مواسم المذبحة السورية.

لا يضرّ الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في جوقة التسويات الدائرة الآن على رأس الجنوب، مذبحة إضافية، ولا عملية تهجير جديدة لعشرات الآلاف، وترحيل بضعة آلاف جديدة إلى مكب إدلب. المهم أن عملية إخراج التسويات التي سيتم إنضاجها على نار الجنوب الحامية، يجب ألا تحرج بريستيج الأطراف المتفاوضة والراعية للعملية، والأهم يتوجب ظهور المعارضة بمظهر القابل والمستكين للوضع في اجتماعات أستانة وسوتشي، أو حتى جنيف، المقبلة.

في مقابل سحق الجنوب، ستكافأ إسرائيل بإبعاد المليشيات الإيرانية إلى مسافة أمان مقبولة لديها، وسيتم منح إيران فرصة كاملة لنشر التشيع في الجنوب، شريطة ألا تظهر أعلام مليشياتها في المنطقة، وستشرعن أميركا وجودها في شرق سورية إلى حين إقرار النظام الفيدرالي الذي سيكرّس حصتها في سورية، حتى لو بدون قواعد عسكرية مباشرة. أما روسيا فإن مكافأتها الكبرى ستتمثل في تكريس بقاء نظام الأسد إلى الأبد.

ليس هذا ثمنا عادلا لفاتورة الدم السوري، وما زال هناك إمكانية للمقاومة وتحقيق الأهداف، أو  على الأقل رفض استنساخ تجارب إخضاع المناطق السابقة، لو أن هناك، فعلا، أطرافا يمكن تسميتها داعمي الجنوب، لكان من غير الصعب الوصول إلى نماذج لتسويات مختلفة، مثل نموذج مناطق الأكراد أو نموذج المناطق التي تقع تحت سيطرة القوات التركية في الشمال، يمكن تطبيق التجربة التي كانت مصمّمة للتطبيق في حلب، قبل أن تتراجع روسيا عنها، نظام إدارة يعطي للمجالس المحلية دورا في إدارة شؤون المنطقة.

إذا سيطر نظام الأسد على الجنوب سقط الحل السياسي في سورية نهائياً، وسابقاً كان السوريون يراهنون على عقلانية العالم، أو الأطراف التي ترعى الحرب والحل في سورية، على اعتبار أن من شأن هذا الوضع تعقيد الأوضاع وإدامة الصراع، وبالتالي من غير المنطق أن تقبله هذه الأطراف، انطلاقاً من نظرية أن السلام مصلحة عالمية، وأن الاضطراب في أي بقعة في العالم يؤثر على السلم. غير أن هذا المنطق ثبت عدم واقعيته، فهو ليس أكثر من طقم كلام إنشائي. أما في الواقع، فإن اللاعبين الإقليميين والدوليين لا يهمهم، في نهاية المطاف، سوى مصالحهم، وفي حال تحققها، فإن التعايش مع القتلة ومجرمي الحروب يصبح وارداً، بل تصبح إعادة تأهيلهم أكثر من ممكنة على قاعدة أن ليس في الإمكان أكثر مما كان.

يبقى أنه ليست هناك خيارات للسوريين سوى الصمود في جنوب سورية، لأن القبول بما تفرضه التسويات والتوافقات الإقليمية والدولية ستكون له آثار كارثية تطاول سورية عقودا، حيث سيشن عليهم نظام الوكيل في سورية، وأسياده الروس والإيرانيون، حرب وجود تقتلع جذوة الكرامة فيهم، وتحوّلهم مجرد أشباح بشر.

اقرأ المزيد
٢٦ يونيو ٢٠١٨
حين تفرض إسرائيل نهاية مهمة ميليشيات إيران في سوريا

الانتقال إلى لبنان لم يعد خيارا لمقاتلي حزب الله على امتداد الأراضي السورية، الثابت في مجريات الملف السوري اليوم، هو انسحاب الميليشيات الأجنبية من الأراضي السورية، وبوادر هذه العودة لم تعد خافية، ويمكن ملاحظة سلسلة مؤشرات تدفع نحو ترسيخ هذا المسار الذي بدأ تنفيذه من قبل حزب الله استجابة لما أعلنته روسيا وعلى لسان أكثر من مسؤول، فيما كانت الضربة العسكرية الجوية الإسرائيلية، بحسب ما نقلت محطة “سي أن أن” الأميركية عن مسؤول أميركي التي طالت تجمعا لعناصر ميليشيات عراقية قرب التنف قبل أسبوع على الحدود مع العراق، رسالة ذات دلالة خاصة أنها جرت في ظل غياب أي رد فعل أو تهديد برد على هذه الضربة التي ذهب ضحيتها عشرات العناصر.

الضربة الإسرائيلية التي لم تؤكد إسرائيل أو تنفي مسؤوليتها عنها جاءت في ظلّ صمت روسي يصب في اتجاه أن الاتفاق الروسي – الإسرائيلي في سوريا بات الثابت الأقوى في المعادلة الإقليمية والدولية، ويؤكد أن الذراع الإسرائيلية في سوريا لا تقتصر ضرباتها على مناطق سورية محددة، بل يمكن أن تطال أيضا منافذ عبور الميليشيات العراقية على سوريا.

يدرك حزب الله، كما إيران بطبيعة الحال، أنّ أسس الاتفاق الروسي – الإسرائيلي تقوم على ضمان أمن إسرائيل على قاعدة إطلاق يدها في استهداف ما تراه خطرا على أمنها على امتداد الأراضي السورية.

وإضافة إلى ذلك أمكن إلزام جنود إيران وميليشياتها بعدم الاقتراب من الحدود مع الجولان المحتل إلى مسافة تتجاوز الثلاثين كلم، وهذا ما التزمت به إيران في مقابل انتشار الجيش السوري على هذه الحدود، ورحبت به إسرائيل باعتباره خيارا مثاليا لها فهي اختبرته طيلة أربعة عقود أي منذ ما بعد حرب 1973 وحتى بدايات الثورة السورية.

ضمان الأمن الإسرائيلي، روسيّا وسوريّا، أفقد حزب الله وإيران ورقة استثمار أمني وسياسي طالما طمحت إيران إلى إمساكها أسوة بالحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل، لكنّ انتزاع هذه الورقة بتسليم إيراني يكشف إلى حد بعيد قوّة هذا الاتفاق في الجنوب السوري، حيث بدا واضحا أنّ معركة درعا التي يخوضها اليوم النظام السوري بدعم روسي وبغطاء إسرائيلي وبمباركة أميركية وتعاون أردني، أنّ إيران ليست طرفا فيها، بل هي طرف يستجيب بسلاسة لمتطلبات إبعادها عن هذه المنطقة بالكامل.

بدأ الخروج من سوريا لكن ليس بعد تحرير القدس ولا بعد إسقاط المشاريع الصهيونية في فلسطين أو في سوريا، بل بعد إتمام عملية تدمير سوريا وهي وظيفة لم يشأ الإسرائيليون ولا أي طرف دولي تنفيذها، فيما بدت إيران لاعبا أساسيا في عملية التدمير وحظيت إزاء هذه المهمة بغطاء دولي غير مسبوق، بحيث أمكن نقل عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين واللبنانيين والباكستانيين والأفغان إلى سوريا من دون أن تطلق طلقة إسرائيلية واحدة على هؤلاء طيلة السنوات الماضية، ولكن عندما ظنت إسرائيل أن أمنها مهدد أو عرضة لتهديد ما، حينها تغيرت المعادلة وصارت الحسابات مختلة ليس إسرائيليا فحسب، بل حتى دوليا.

الخيارات الإيرانية تضيق في سوريا فهي أمام خيارين؛ إما الالتزام بالشروط الأمنية الإسرائيلية، وإما ستجد نفسها أمام خطر الخروج الكامل من سوريا، وفي كلتا الحالين فإنّ مرحلة عودة مقاتلي حزب الله بدأت رغم إعلان الحزب بما يشبه المكابرة أنّه لا يريد الخروج من هذا البلد.

الوظيفة الأمنية والعسكرية التي شاءها أو لم يعارضها المجتمع الدولي لإيران وميليشياتها كما أشرنا آنفا انتهت أو هي على شفير النهاية، وهذا سيطرح مجددا سؤالا حول وظيفة البقاء في الأراضي السورية، وهي وظيفة من الصعب إيجادها بعدما انتهى مشروع تنظيم داعش وتمّ القضاء قبل ذلك على المعارضة المسلحة، وبالتالي فإن طريق العودة إلى لبنان والعراق وغيرهما هي الطريق المفتوحة أمام الميليشيات المدعومة من إيران، ولا طريق آخر يمكن أن يحظى بغطاء دولي وإقليمي، فيما لم تعد شماعة القضية الفلسطينية قابلة للاستثمار في الأراضي السورية في ظلّ الاتفاق الروسي – الإسرائيلي.

العودة إلى لبنان بدأت من قبل حزب الله، بدأت بعدما ضاقت الخيارات واتضحت نهاية الوظيفة الأمنية والعسكرية، وبعدما تكشّفت للجميع قوّة الغطاء الروسي – الأميركي – الإسرائيلي في الجنوب السوري وعجز إيران عن مواجهته، بل حتى الاعتراض على مضمونه الذي يرسّخ المصالح الأمنية الإسرائيلية في سوريا كما لم تعهده إسرائيل منذ نشأتها.

ما ينتظر حزب الله لبنانيا هو أخطر ما واجهه في تاريخه، فهو أمام خيارين؛ إما البحث عن وظيفة عسكرية جديدة تحظى بعدم اعتراض دولي وهي غير متوفرة، وإما الانخراط في الحياة السياسية اللبنانية ضمن شروط الدولة، والشرط الأخير لن يكون شرطا هينا بل هو بتقدير العديد من المراقبين الخطر الوجودي على حزب الله، ذلك أنّ حزب الله منذ نشأته في العام 1982 لم يعتد أن يكون دوره المحوري خارج الوظيفة العسكرية والأمنية، بل يمكن القول إن الحرب كانت دائما مصدر بقائه واستمراره وعنصر الحياة له. أما مشروع الدولة بمعناه السيادي فلم يكن يوما قائما في أدبياته، فهو لطالما رسخ في وعي محازبيه ومناصريه فكرة الولاء لولي الفقيه وأسس بوعي عميق ومؤسساتي لفكرة أنه وبيئته الحاضنة يمكن أن يستمرا حضورا ونفوذا بمعزل عن الدولة.

العودة إلى لبنان لم تعد خيارا بل هي حقيقة بدأت تفرض أسئلة جديدة على قيادة حزب الله، في لحظة إطباق إسرائيلي على المدى الاستراتيجي اللبناني والسوري، ولم تعد واشنطن وحدها الضامن للمصالح الإسرائيلية بل موسكو باتت الضامن الأهم والأقوى في هذه الجغرافيا، وهذا أبرز ما حققه انتصار إيران في سوريا وما يعنيه التوافق الدولي والإقليمي على إنهاء المعارضة السورية المسلحة خلال السنوات الأخيرة.

في المقابل فإنّ أقصى ما هو مطروح اليوم على حزب الله هو وظيفة قد تجد لها من يدافع عنها دوليا، وهي في قدرة إيران وحزب الله على تمديد مهمة حزب الله في حماية الاستقرار على الحدود مع إسرائيل، لكن ذلك لا يشمل بطبيعة الحال الحدود مع سوريا، إذ ترفض روسيا وواشنطن أن يخضع طرفا الحدود لسلطات ميليشياوية من خارج سلطة الجيشين النظاميين اللذين سيقومان بمهامهما بإشراف روسي من الجانب السوري، وأميركي من الجانب اللبناني.

في المحصلة النهائية ثمة واقع لبناني يكشف عن استنزاف اقتصادي يطال الدولة، ومخاطر مالية غير مسبوقة في المالية العامة، وفي ارتفاع سقف البطالة وفي غياب أيّ خطط تنموية تبشر بالخروج من هذا الحال.

وما هو مطروح على لبنان دوليا هو إما العودة إلى شروط الدولة والالتزام بموجبات القرارات الدولية المتصلة بنزع السلاح غير الشرعي ومعالجته ضمن خطة جدية وإن استلزمت بعض الوقت، وإما تحمّل اللبنانيين مسؤولية الخيارات التي تتخذها السلطة التي يشكل حزب الله عمادها اليوم، ما يعني توقع المزيد من التدهور المالي والاقتصادي والمزيد من الفوضى التي يدفع اللبنانيون وحدهم ثمن التساهل حيال عدم مواجهتها.

المرحلة المقبلة عنوانها العودة من سوريا، وهي عودة تنذر بمخاطر كبيرة طالما أنّ حزب الله ومن خلفه إيران لم يحسما بعد خيار الدخول في منظومة الدولة، إيران بإقرارها بأنّ لبنان دولة عربية أولا، وحزب الله من خلال إقراره بأنّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه والولاء للدولة فيه هو فوق أيّ ولاء آخر.

اقرأ المزيد
٢٦ يونيو ٢٠١٨
نقض خفض التصعيد في حمص والجنوب رسالة لـ "إدلب" فما أنتم فاعلون "فصائل الثورة"

أثبتت التطورات الميدانية على الأرض في سوريا مؤخراً، ما حذر منه سابقاً من أن اتفاقيات "خفض التصعيد" التي رعتها الدول الضامنة والتي كانت بدفع روسي ماهي إلا فرصة لكسب الوقت سياسياً وعسكرياً وإعطاء النظام أريحية في تقويض وإنهاء قوة كل منطقة على حدة.

وجاءت اتفاقيات خفض التصعيد التي شملت أربع مناطق في سوريا تشمل "إدلب وريفها، وحمص وريفها، الغوطة الشرقية، والجنوب السوري" كل منطقة برعاية دولة مؤثرة فيها وبوجود روسيا كلاعب أساسي في كل هذه المناطق التي تم الاتفاق عليها ضمن اجتماعات "أستانة".

وبداية استثمار هذه الاتفاقيات التي جمدت فيها روسيا الجبهات كانت في دير الزور التي مكنت النظام من التوسع لمساحات كبيرة فيها على حساب تنظيم الدولة، ثم مالبث أن حرك قواته إلى ريفي إدلب وحماة وحلب وسيطر على جميع مناطق شرق سكة الحديد، ثم وجه ذات القوات من جيش الأسد والميليشيات الإيرانية إلى الغوطة الشرقية وبعدها حمص، ضارباً عرض الحائط بكل الاتفاقيات التي أبرمت في هذه المناطق ومستغلاً صمت الضامنيين وفق تفاهمات سياسية جديدة.

واليوم مع بدء الحملة العسكرية منذ قرابة أسبوع على الجنوب السوري، والذي من المفترض أنه ينضوي ضمن اتفاقية لخفض التصعيد بين واشنطن والأردن وروسيا، وأن رفضاَ إسرائيلياً معلن لأي تقدم في المنطقة لميليشيات إيران، إلا أن التطورات الأخيرة تكشف عن تآمر كبير وخذلان أمنيت فيه فصائل درعا وتركت وحيدة من قبل أبرز الحلفاء في مواجهة هذه الحملة التي تشتد يوماً بعد يوم، في وقت لم تعد خفض التصعيد إلا مجرد أوهام استخدمت لتمكين النظام من الغوطة وجنوب دمشق للتفرغ لدرعا.

ومع انهيار اتفاقيات خفض التصعيد في الجنوب وحمص والغوطة الشرقية باتت المنطقة الوحيدة التي تحكمها هذه الاتفاقيات "خفض التصعيد" هي منطقة إدلب وريفها مع أرياف حلب وحماة واللاذقية، والتي انتهت تقريباً فيها الدول الضامنة لها "روسيا وإيران وتركيا" من تثبيت كامل نقاط المراقبة فيها والتي لم يحصل ذلك في المناطق الثلاث الأخرى مايعطيها إمكانية الاستمرار لاسيما أن تركيا نشرت 12 نقطة لها ضمن المناطق المحررة سالفة الذكر.

ورغم أن جل التصريحات التركية التي تيقن مخاطر التصعيد في إدلب وتسعى جاهدة للمحافظة على هذه المنطقة وضمان عدم دخولها في صراع جديد، إلا أن التصريحات الروسية الأخيرة وتنامي صورة وجود خلايا "الدولة" وحجة الولايات المتحدة بوجود هيئة تحرير الشام وأيضاً الغارات الروسية والنظام الأخيرة على إدلب، لاتبشر بالخير وقد تتغير في أي وقت التفاهمات الدولية وتضع تركيا أمام ضغط شديد للتنازل، وبالتالي لابد من اتخاذ التدابير اللازمة وعدم الركون للتطمينات الراهنة.

تملك إدلب كما درعا كما الغوطة الشرقية العديد من المكونات العسكرية الكبيرة والتي تعد ألاف الفصائل، لإدلب ميزة كبيرة في طبيعتها الجغرافية والقوة العسكرية الموجودة فيها والتي يمكنها قلب الطاولة في أي وقت إن أرادت فصائلها وتكتبت وأعدت لأي مواجهة ومعركتها بالتأكيد لن تكون نزهة بشرط التوحد والصدق في المواجهة وعدم الركون لتعليمات الدول الخارجية التي نقضت كل اتفاقياتها وغدرت بفصائل الجنوب والغوطة وحمص.

لايمكن التنبؤ بمصير إدلب والغالب أنها لن تكون كباقي المناطق باعتبار التدابير التي تم اتخاذها فيها غير كل مناطق خفض التصعيد الأخرى، ولكن هذا لايعني الانتظار للمصير المجهول بعد أن ينتهي النظام وحلفائه من المنطقة الجنوبية إن لم تتدخل القوى المعنية وتوقف العملية وفق اتفاق ما، وبالتالي على الفصائل في الشمال اليوم أن تعي خطورة المرحلة وتترك خلافاتها جانباً لمرة واحدة في تاريخها قبل أن نصل لمرحلة بعدها لاينفع الندم ونخسر كل شيء.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٨
محاصرة إيران في عز نفوذها

كل ما يجري في المنطقة اليوم وما يحصل من تطورات مرده الدور المتعاظم لإيران على كل المستويات، فهي حاضرة في عمق الأزمات، وفي مختلف المواجهات، فمن أقاصي الخليج باتت إيران اليوم فاعلة ومؤثرة في قلب المشرق العربي، وراحت أخيرا تمد أذرعها في شمال أفريقيا. فقد بدأ تطبيق شعار "تصدير الثورة" فعليا بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 على أيدي القوات الأميركية التي مهدت الطريق، بعد نحو عامين، لوقوع العراق في فلك نفوذ ملالي طهران. وشكّل العراق القاعدة الأساسية والحيوية التي مكنت إيران من وضع رجلها في العمق العربي، والانطلاق منه إلى المشرق. وخلال أقل من عشر سنوات، أصبحت الطريق سالكةً من طهران إلى بيروت. وقد حرص أكثر من مسؤول إيراني على المجاهرة والافتخار بذلك بإعلان أن "إيران أصبحت تسيطر على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء"، مضيفا أن "الثورة الإيرانية لا تعرف حدودا، وهي لكل الشيعة"، وأن "الحوثيين في اليمن هم نتاج الثورة الإيرانية" (وزير الاستخبارات السابق، حيدر مصلحي). وهي عمليا تمارس اليوم في بغداد هذا النفوذ في تركيب السلطة وأجهزتها، وتوزع الحصص، وتقاتل على الأرض في سورية، بخبرائها وسلاحها وقواعدها ومليشياتها، لإنقاذ سلطة بشار الأسد، وتقف، منذ سنوات، في خلفية المشهد السياسي اللبناني، عبر النفوذ العسكري والمليشياوي لحزب الله، إلى أن خرج قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، إلى العلن بوقاحته المعهودة بعد الانتخابات أخيرا، ليعلن أن طهران باتت تسيطر على أكثرية 74 نائبا في البرلمان اللبناني من أصل 128. وفي اليمن، تجسد تغلغلها في دعم الحوثيين، وتزويدهم بمختلف أنواع الأسلحة والصواريخ في مواجهة "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية. ناهيك عن دور إيران وتأثيرها في الساحة الفلسطينية، وتدخلها في شؤون البحرين وغيرها من الدول العربية والخليجية.

وأهم إنجاز بالنسبة لسلطة "الولي الفقيه" شرعنة حضورها المباشر والعلني، العسكري والسياسي، كما الاستخباراتي والمذهبي في قلب عاصمة الأمويين في سورية، بعد أن تحولت إلى حام وضامن لسلطة "البعث" الأسدي. والمفارقة هنا أن أهم دولتين عربيتين، العراق وسورية، حملتا طوال خمسة عقود لواء القومية العربية انتهتا تحت نفوذ سلطة دينية قومية فارسية. وبات لحكام طهران موطئ قدم على ضفاف المتوسط، وهم يمسكون اليوم بمفاصل السلطة في دمشق، بقواعدهم العسكرية ومليشياتهم متعدّدة الجنسيات، وبنشاطهم الدؤوب يعملون على تجذير وجودهم وترسيخه، أيضا عبر التغيير الديمغرافي لدولةٍ أكثريتها من المسلمين السنة. ولأجل هذا الهدف، صرفوا مليارات الدولارات، على الرغم من العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها عليهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ما انعكس سلبيا على الوضع الاقتصادي والمعيشي لدى الإيرانيين، وأدى إلى سلسلة من الانتفاضات ضد السلطة، وإلى مواجهات في الشارع في طهران، وفي أكثر من مدينة إيرانية ضد حروب إيران في الخارج، ورفضا لدعمها نظام الأسد وحزب الله. تسللت طهران بذكاء وبصبر وأناة إلى داخل العمق العربي، وسعت إلى الإمساك من دمشق بناصية القرار في بيروت وبغداد، والتحكم بالمواجهة (أو المهادنة) مع إسرائيل عبر جنوب لبنان. كان هذا خيارا استراتيجيا لها من أجل بسط نفوذها قوة إقليمية، فيما الانتفاضات وثورات الربيع العربي تجتاح دولا عربية، وتحديدا التي لا نفوذ مباشرا لطهران فيها، كمصر وتونس وليبيا، إلى أن اندلعت الثورة في سورية، فهبت إيران لنجدة ربيبها السوري، ونافذتها على المشرق منذ حافظ الأسد.

إلا أن تعاظم الدور الإيراني في سورية راح يقلق دول الإقليم ويخيفها، وأيضا الدول الكبرى، على الرغم من أنه لم يتمكّن من حماية النظام الأقلوي المستبد من خطر الانهيار أمام انتقاضة الشعب السوري. وهنا سارع القيصر الروسي، فلاديمير بوتين، إلى التدخل العسكري في خريف 2015، إنقاذا للأسد، وقام بأسوأ وأعنف الأدوار التي لم يتمكن ولي الفقيه الإيراني من القيام بها. علما أن التدخل الروسي شكل مصلحة للطرفين، كل من منطلقات وأهداف مختلفة. تريد طهران أن ترسخ نفوذها المستحدث، وموسكو تريد أن تستعيد حضورها القديم ونفوذها في المنطقة، بعد خروجها من آخر معقل لها في ليبيا في خلال الانتفاضة على معمر القذافي عام 2011. استغلت موسكو الفراغ الذي خلفه إرباك الإدارة الأميركية السابقة، وفرضت حلها العسكري على الجميع، بدءا من المعارضة السورية المسلحة، انتهاء بإدارة أوباما نفسها، مرورا بكل الأطراف الإقليمية الداعمة للنظام والمعارضة على السواء. ولكن للحل السياسي اعتبارات أخرى، ولا يمكن لبوتين أن يفرضه كما يشاء، وتحديدا على الإدارة الأميركية الحالية التي تريد من موسكو أن تفرض الحل الذي تريده واشنطن، وهو حل لا يتضمن، بطبيعة الحال، أي دور لطهران. لا يمكن أن يقبل الرئيس دونالد ترامب الذي أعلن الحرب مجدّدا على إيران، وانسحب من الاتفاق النووي وأعاد فرض العقوبات عليها، بأي دور لطهران وببقائها في سورية. على بوتين بالتالي إخراجها، وهذا ما يريده العرب، وهذا ما تريده أيضا إسرائيل التي لا مشكلة لها مع بقاء بشار في السلطة، لكنها لا تقبل بوجود عسكري إيراني في سورية، وخصوصا على الحدود الجنوبية. وهي لهذه الأسباب تقصف مواقع إيرانية في أرجاء سورية، وتقصف أيضا مواقع وقوافل لحزب الله. ويجري هذا كله بموافقة روسيا، وعلى مرأى منها. واللافت أكثر وأكثر أن إيران نفسها تلتزم الصمت إلى حد كبير، فهي من جهة غير قادرة على الرد العسكري، ومن جهة أخرى، هي بحاجة إلى روسيا، لكي تعول على دورٍ لها، يبقي على نوع من التوازن في الدور والنفوذ مع الولايات المتحدة، غير أن انكفاء أوباما وغضّ نظره قد تحول، مع ترامب، إلى قرار بالحصار. ولذلك، يبدو أن إيران بدأت فعليا بسحب قواتها من درعا والقنيطرة، على الرغم من أنها كانت تنفي باستمرار وجود قواتٍ لها هناك، وإنما فقط خبراء عسكريين. وهناك مؤشراتٌ تفيد بأنها تمهد للانسحاب من عموم سورية، كما أن ما يحرج طهران أكثر هو أن خروجها من سورية هو أيضا هدف روسي، يتقاطع في العمق مع الهدف الأميركي. والمراهنة على التناقضات بين أميركا ودول أوروبا لم تعد ذات فائدة، إذ لدى الشركات الأوروبية نحو ثلاثة أشهر فقط لإنهاء استثماراتها في إيران والمغادرة.

تلتقي واشنطن وتل أبيب وموسكو، على ما يبدو، على بقاء الأسد، ولو مرحليا، وتتفق، في الوقت نفسه، على وضع حد لنفوذ طهران في سورية، وضرورة خروجها منها.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٨
معركة الجنوب السوري

حذّرت الولايات المتحدة مجدّداً نظامَ الأسد وروسيا من انتهاك مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في الجنوب. ليس هذا التحذير الأول من نوعه، لكنه عاد وتردّد على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت. جاء التحذير الذي سبقه حين ظهرت تحركات لقوات النظام على مشارف المنطقة الجنوبية، سبقها إلقاء منشوراتٍ تتوعد الفصائل الجنوبية قبل حوالي شهر. تلك المقدمات الهجومية توقفت حينها، لكن القطعات المحتشدة في المنطقة لم تترك مواقعها في الجنوب، بل جرى تعزيزها، واسْتُقْدِمَ قادةٌ من "نجوم" جيش النظام، ليقودوا الهجوم المنتظر.

يأتي التحذير الجديد بعد قصف مدفعي كثيف من قوات النظام، وبدء تحرّك موجة جديدة من النازحين نحو الحدود الأردنية، وكان بشار الأسد قد أكّد، في مقابلتين تلفزيونيتين، أنه عازم على بسط سيطرة جيشه على كل سورية مرة أخرى، جاءت تصريحاته بعد أن استعاد مناطق محيط دمشق وريف حمص وحماة، ويبدو أنه قرّر استكمال الاستعادة بالاتجاه نحو معركة الجنوب التي بدأها بالفعل قبل شهر، لكنها توقفت.

لم يتوقف الهجوم الحقيقي بعد، وما تقوم به قوات النظام من قصفٍ مدفعي، مع أنه في منتهى العنف، مجرّد اختبار جديد لمعرفة ردّات فعل الجهات المنخرطة في الجنوب، أي إسرائيل والأردن. لم يكن التحذير الذي جاء من الولايات المتحدة مطابقاً للتحذير الأميركي السابق، فقد حُذفت منه عبارة "سنتخذ إجراءات صارمة"، وبقيت منه جملة عائمة ومموهة، لا يُفهم منها الكثير، تقول: "إن الهجوم سيجر تداعيات خطيرة".

يبدو الغرق في هذا التحليل اللفظي ضرورياً لاستقراء الخطوة التالية التي يمكن أن تقوم بها الأطراف، خصوصا النظام، فهو تلقى التحذير وقرأه محللوه بإمعان. ومع ذلك، لا يزال القصف المدفعي التمهيدي مستمراً، ولو أنه لم يتطوّر إلى تحرّكات محسوسة على الأرض، وقد يستمر القصف، ريثما تصدر الإشارة التالية، أو ليتسنّى للطرف الروسي أن يردّ على ذاك التحذير، أو أن يتكشف شيءٌ عن الموقف الإسرائيلي.

يمكن القراءة من السيناريو الذي تتحرّك فيه الأحداث بأن هناك اتفاقاً على دخول قوات نظامية إلى الجنوب، وليس لدى إسرائيل مانع من مشاهدة جيش الأسد مرة أخرى على مقربةٍ من مرتفعات الجولان. ولكن لا يبدو أن الترتيبات النهائية لهذا الدخول قد حسمت، فالتصريح الروسي، قبيل الهجوم السابق، بوجوب خروج جميع القوات الأجنبية من سورية لم يلقَ عناية كافية من أيٍّ من القوات التي يعنيها، وخصوصا الإيرانية، والحديث يدور عن ابتعاد القوات التي تدعمها إيران مسافةً كبيرة عن الحدود "الإسرائيلية"، ويبدو الهجوم الذي وقع على مليشيات عراقية في أقصى الشرق السوري تحذيراً مقروءاً بسهولة، فإسرائيل، ومن خلفها أميركا، لا تريد أن تشاهد قواتٍ تابعةً لإيران في المنطقة، ولو ذهبت إلى أقصى مدى. وقد أدت خطوط إسرائيل الحمراء قبل أيام إلى قصف ذي عمق بعيد ومؤثر، فقد نقلت التقارير أن عدد قتلى المليشيات العراقية تجاوز الخمسين. أما الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المؤمن بوجهة النظر الإسرائيلية، فقد كان قد انسحب من الاتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي، وفي الوقت نفسه، ذهب شخصياً إلى عقد اتفاق مشابه مع كوريا الشمالية، وهي رسالةٌ ذات تأثير قوي، تحمل معاني جدّية وخطورة عالية، وحذف عبارة "اتخاذ إجراءات صارمة" من التحذير الأميركي يعني أن هناك بعض الوقت لتتراجع إيران، ومَنْ تدعمهم عن الحدود "الإسرائيلية".

لا عزاء للجنوبيين الذي حملوا على عواتقهم همَّ إشعال ثورةٍ عمّت كل التراب السوري، فالهجوم قادم، وبكل حقد المدافع والصواريخ الروسية، وهم محكومون بالنزوح. ومن هنا، قد تبدأ الخطورة، فالوجهة هي الأردن الذي يعاني من أزماته الاقتصادية، وربما ومن قبيل المفارقة أن رغبة الأردن بفتح حدوده وإنعاش تجارته كانت من أسباب السماح الأردني لجيش النظام بالهجوم.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٨
نفق حافظ الأسد التاريخي

يستخدم الإعلامُ الثَوْري مصطلحات عديدة تتعلق ببدايات ثورة 2011 في سورية، فيقول أحدُ القادة: يوم قمنا بالثورة.. ويقول أحدُ المحللين الثوريين الاستراتيجيين: عشيةَ قامت الثورة.. ويفضل إعلامي ثالثٌ استخدامَ عبارة انطلاق الثورة.. وهذا، في الحقيقة، فألٌ حسن، إذ لم يحدث أيُّ تَشَابُه في المصطلحات بين الإعلام الثوري وإعلام  النظام الذي يتحدث عن الانقلابات العسكرية بوصفها ثورات جماهيرية كبرى، فكنا نسمع أحدَ المذيعين يقول: ثورة الثامن من آذار التي فَجَّرَها حزبُ البعث العربي الاشتراكي.. وبعد سنة 1970، أصبحوا يتحدّثون عن الحركة التصحيحية، ويصفونها بـ المباركة، ويضيفون قائلين إن الذي فَجَّرَها هو الرفيق المناضل حافظ الأسد.. ولعل أكثر كلمة تثير الاشمئزاز في هذه الصياغة هي (فَجَّرَها) التي توحي للمستمع بأن الثورة "دمَّلة".

ومع أن الشعب السوري فقيرٌ، مسالمٌ، غلبان، يريد سلته من دون عنب، وإذا اضطرّته الظروف يتنازل عن السلة؛ إلا أن الجميع، بلا استثناء، حينما يذكرونه يضيفون إليه صفة "العظيم"! وقد ابْتُلِيَ، هذا الشعب السوري (العظيم)، منذ البرهة التاريخية التي تلت جلاء آخر جنديٍّ فرنسي عن تراب سورية الذي يصفونه بأنه طاهر، بالقادة التاريخيين. والقادة التاريخيون، بدورهم، لم يقصّروا بهذا الشعب، إذ لم يبق ضابطٌ من رتبة ملازم وحتى رتبة فريق إلا وجرّب نفسه بانقلاب عسكري وبيان رقم واحد، معلناً نفسه قائداً لهذا الشعب، (مُفَجِّراً) لثورته العظيمة..

أبناء الشعب السوري العظيم لم يردّوا أحداً من أولئك الضباط المغامرين على أعقابه خائباً، وكل مَنْ فَجَّرَ لهم ثورةً كانوا يقابلونه بالسكوت، وأحياناً بالرضا، وأحياناً باللامبالاة، مؤملين أن تنتهي أيام "منع التجول" ليعودوا إلى أشغالهم ويثابروا على تحصيل قوت عيالهم.. وكان بعضُ المنافقين، من أبناء الشعب العظيم نفسه، يؤيدون الضابط المغامر قولاً وفعلاً، ويرسلون إليه برقيات تهنئة، ويخرج بعضهم إلى الشوارع، مثل المهابيل، وهم يهتفون بحياته، وحياة أبيه، وأخيه، وأمه، وأخته، وعمّته، وخالته، ونانته.. وما هي إلا أيام قليلة ويتخلصون منه، أو، على قولة أهل دمشق (يطوطون له)، ويعلن ضابطٌ مغامرٌ آخر بيانَه ذا الرقم واحد، فيؤيده المنافقون، ويرسلون إليه البرقيات، ويرقصون له، وهذا ما دفع المؤرخ بشير فنصة إلى أن يسخر من هذا الحال، فيقول: القادم نعطيه رقصة والذاهب نعطيه (..)!

مع انقلاب "الحركة التصحيحية"، لم تدخل سورية، كما يقول المؤرخون، في مرحلة تاريخية جديدة، بل إنها، على الأصح، دخلت في نفقٍ تاريخيٍّ مظلم طويل.. ولم يعد في مقدور الشعب العظيم الذي أُجْبِرَ على الدخول في النفق أن يَسْخر من الانقلابيين بـ رقصة و(..)، إذ سرعان ما أمر المجرمُ التاريخي، حافظ الأسد، ببناء مؤسساتٍ أمنية فاشستية أخطبوطية، مهمتُها الأساسية معالجة الأعراض التي تظهر على أي إنسانٍ سوريٍّ وتوحي بالتذمر، أو التململ، أو السخط، أو المعارضة، وأمسى المواطنون السوريون يُسْحبون من بيوتهم عند الفجر، على الهسّي، والسكيت، ومن دون اعتراض من أحد.. وقد صور الأديب السوري الكبير، إبراهيم صموئيل، في شهادته في فيلم "ذاكرة بلون الخاكي" للمخرج الفوز طنجور، هذه العمليةَ، بقوله إن الباب يقرع عند الفجر، ويَفتح المواطن الباب ليرى مجموعةً من الرجال المدنيين المسلحين يقولون له: تعال معنا.. وهو لا يستطيع أن يسألهم (من أنتم؟)، فهذا ليس من حقه، وهم، أصلاً، غير معنيين بالإجابة، وهنا تأتي سيدة المنزل، أم المواطن أو وزوجته، وتسألهم: لوين آخدينُه؟ وهنا يوضح إبراهيم: لا تسأليهم ليش آخدينه؟ لأن هذا السؤال ليس من حقها، وإنما، من خوفها، وصدمتها، تريد أن تعرف (لوين آخدينه).. فيقولون لها بلامبالاة: ما في شي، فنجان قهوة وبيرجع.

ومعلوم أن الذين دعوا إلى تناول فنجان قهوة في معتقلات حافظ الأسد، ووريثه بشار، قد أمضوا عشرات السنين في المعتقلات، وذاقوا فيها كل شي.. عدا القهوة.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٨
المقاهي الشامية بين الصحوة العثمانية والنكبة الأسدية

عُرفت القهوة قبل فترة الحكم العثماني في بلاد اليمن والحبشة، ثم انتقلت إلى الحجاز وبلاد الشام والأناضول ومصر. وقد أثار دخول القهوة مدينة دمشق في مطلع القرن السادس عشر الميلادي الجدل الفقهي حولها. ويشير نجم الدين الغزي إلى كيفية انتشار القهوة في الحواضر الشامية، وينسب الفضل في انتشارها إلى الحجيج وتجار جنوب الجزيرة العربية، وإلى رجال الطرق الصوفية وتحديداً إلى الطريقة الشاذلية وأبو بكر العيدروس الشاذلي. وهناك من رأى أن الشيخ سعد الدين علي بن محمد العَرّاق هو الذي جلب القهوة إلى دمشق عام 1540م. ويشير ابن طولون في كتابه مفاكهة الخلان إلى أن القُضاة تجادلوا طويلًا حول مشروعية شربها، وأخذوا على عاتقهم تعقب شاربي القهوة، وقد أفتى مفتي دمشق قطب الدين محمد بن سلطان الحنفي بتحريمها. ولم يقتصر منع القهوة في دمشق فقط بل مُنعت بمدينة حلب، على يد القاضي صالح جلبي أيضاً. وكان وجه التحريم عندهم أنها تُقَدم بطريقةِ شرب الخمر آنئذ.

ويكشف ابن طولون عن انتشار عادة تناول القهوة في أكثر من مكان في دمشق، ويذكر محمد الأرناؤوط أن حوانيت القهوة بدأت تبيع القهوة خارج البيوت من بداية عام 1540م. ورأت المؤرخة الفرنسية بريجيت مارينو أن أقدم مقهى شُيد في دمشق هو الذي بناه والي الشام مراد باشا وضمنه ضمن وقفه عام 1595م قرب الجامع الأموي، فيما رأى الأرناؤوط استناداً إلى وقفية أحمد باشا أن تأسيس المقاهي سبق ذلك التاريخ، فكان موقع المقهى الأول في سوق الأروام. وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، وحسب ما ذكر نجم الدين الغزي (توفي: 1651) بأن القهوة أصبحت تشرب خارج البيوت، ويعود الفضل في إشهارها بدمشق إلى علي بن محمد الشامي (ت: 1555م) الذي جاء في ترجمته أنه "أشهرَ شُرب القهوة بدمشق فاقتدى به الناس، وكثرت من يومئذ حوانيتها".

بدا أن القهوة لم تعد مسألة شرابٍ وأماكن مثيرة كما كانت سابقاً، ولم تعد تُطرح على أنها مشكلة أمام رجال الدين أو الأدب في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، بل على العكس انصب اهتمام العلماء آنذاك على الجانب التاريخي لها، وخصوصاً لمن كانوا يبحثون في الميراث الشعبي العربي. وضمن هذا المنظور التاريخي أنشأ الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي رسالة الدراسات العليا في تاريخ القهوة عام 1904. فهو يحكي بأن القهوة وشربها المتكرر كان يسبب فقدان الشهية والأرق، وبدوره أكد تأثيرات شرب القهوة الحسنة، ولا سيما في إنعاش الفكر من أجل الدراسة أو الصلاة. فهو في النهاية رآها مشروبًا مباركًا نتيجة خصائصها التي تُثير النشاط والتفوق في العمل الفكري، لذا فهي شراب أهل الأدب والمدرسين والعلماء وغيرهم.

أصبحت مقاهي دمشق مكانًا يجتمع فيه مختلف فئات المجتمع ويتجلى فيه الفعل اليومي بضوابط أخلاقية واعية، وعبر فضاءات المقاهي المفتوحة كان يتحول المكان إلى مجال بصري وسمعي يجد فيه أفراد المجتمع متنفساً يعبرون فيه عن ثقافتهم وحبهم للحرية والنقاش العميق والترفيه الاجتماعي.

وفي الربع الأول من القرن العشرين، أخذ رواد المقاهي تتنوع انتماءاتهم في حواري دمشق، وزالت تلك النظرة الجدلية لجلاسه، كما بدأت المرأة تظهر فيها، وبخاصة السائحات، إلى جانب المثقفين والسياسيين الدمشقيين أو من مدن سورية الأخرى، وبخاصة في مقهى النوفرة خلف الجامع الأموي. ويؤكد محمد الرباط (صاحب المقهى) أنه ورث مقهى النوفرة عن والده، مشيرًا إلى أن المقهى بقي يحتفظ بتقاليده القديمة منذ تشييده قبل ثلاثة قرون وحتى نهاية القرن العشرين، حيث يأتي الحكواتي كل مساء ليقص على الحاضرين سيرة عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي والظاهر بيبرس. وهناك مقهى الكمال الذي كان من أبرز رواده الشاعر العراقي أحمد صافي النجفي وخليل مردم بك، ومقهى الهافانا قرب جسر فكتوريا الذي اشتهر في عقدي الخمسينات والأربعينيات من القرن الماضي، وإلى جانب ذلك اشتهر مقهى الروضة قرب مجلس النواب السوري، والذي كان يجلس فيه النواب والأدباء وزعماء الأحزاب ورواد الأدب وأهل الفن والشعر وغيرهم.

فكانت فترة النصف الأول من القرن العشرين العصر الذهبي للمقاهي الأدبية والسياسية والترفيهية، وكان معظمها يقع على ضفاف نهر بردى الذي كان يخترق المدينة بأفرع سبعة. وغدا المقهى الدمشقي منتدىً ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا كبيرًا لعددٍ كبيرٍ من الأدباء والمثقفين والسياسيين، واستطاع هؤلاء التعبير عن رأيهم بكل صراحة، وسط هامشٍ مدني وفرته الحياة السياسية بعد مرحلة الاستقلال الأولى لجميع التيارات التي برزت في مقاهي دمشق بتلك المرحلة، بالرغم من وجود عدد من الوشائين والمخبرين الذين استغلوا الظروف والأحداث التي مرت بها بسورية منذ بدايات العهد الفرنسي ليعكروا المزاج الثقافي والذوق الترفيهي الرائع، وهؤلاء ظلوا يؤدون دورهم حتى يومنا هذا. السؤال هنا: كيف غدت المقاهي السياسية والشعبية المشهورة في وسط دمشق؟ هل لا تزال تقوم بدورها أم غاب صوت روادها وقاصديها؟

نعم لقد انتهى دور المقاهي السياسي والاجتماعي والثقافي مع وصول الأسد الأب لحكم دمشق، وتعرضت مقاهي العاصمة للسطو الأمني والمضايقات التشبيحية المستمرة. وبعد عام 2011 غلبت لغة النار والبارود وشوشا المزاج العام، فكانت العقود الأخيرة السابقة إيذانًا بعقم المثقف والسياسي والوجيه في سورية، واختفت تلك الأجواء واللقاءات الصباحية والمسائية العامرة التي تلذذ بها الشعراء والكتاب والسياسيين وأصحاب المهن والتجار والأعيان في دمشق العريقة عبر تاريخها.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٨
لماذا بدأ النظام السوري معركة درعا قبل إدلب؟

المتتبع لسياسات النظام وحلفائه في استعادة مناطق المعارضة السورية، سيجدها تنحو بلا شك نحو أولويات محددة، تبدأ بالحفاظ على مراكز السيادة في المدن الكبرى، والمواصلات الرئيسية بين المحافظات داخل سوريا، وصولا للأرياف والضواحي التي تحمل اعتبارات إقليمية، مرتبطة بحلفاء الأسد في طهران وبيروت، فتجد أن النظام، في بدايات الثورة، ترك معظم الارياف كالغوطة وريفي حمص وحماة، لكنه سارع إلى استعادة مركز مدينة حمص ذات الموقع الاستراتيجي البالغ الأهمية، في وسط خط حلب درعا الحيوي، الذي يضم أكبر كتلة سكانية، ومن ثم انتقل مع حزب الله لمناطق ريفية كالقصير وغيرها، لارتباطها بمحور مهم يصله غربا بحليفه الوازن داخل الحدود اللبنانية، حزب الله.

وكما عمل لعامين على استكمال سيطرته على مدينة حلب، كانت معظم أريافها خارج سيطرته، وقبل أن يلتفت لغوطة دمشق، المركز المهم للمعارضة المسلحة، صب جهوده على منطقة نائية تصل بادية الشام بالحدود السورية العراقية، حيث ريف دير الزور، وكان هذا لاعتبارات تتعلق بتهديد روابطه بحلفائه شرقا في بغداد وطهران، الذين استشعروا خطر ترك هذه المنطقة لسيطرة أمريكية، كانت معدة لتتمدد من موقع التنف الحدودي، شمالا نحو الحدود السورية العراقية.

وبالطبع ما كان النظام وحلفاؤه قادرين على انتقاء الجبهات، واختيار توقيت المبادرة بالهجوم، لولا ضمانهم عجز المعارضة عن التفكير بعقل جماعي، يضمن مشاغلة النظام في أكثر من جبهة في الوقت نفسه، بل ضمان مهادنة قيادة القوى المسلحة للمعارضة للنظام، حتى يتم التفرغ لها واحدة تلو الأخرى، حربا أو إبعادا، وتم تقنين هذه العملية من خلال اختراع يسمى «مناطق خفض التصعيد»، تم إنتاجه في مؤتمر أستانه، الذي سن سنة عجيبة، تقضي بقبول لطرف في الصراع وهو المعارضة ، لدول راعية للمحادثات السياسية هم أنفسهم طرف مباشر في الحرب، روسيا وايران! ودولة ثالثة يتلخص دورها بنصب نقاط مراقبة تحصي مرات «التصعيد» والمجازر في أدلب، من أريحا حتى زردنا، بدون إمكانية «خفض التصعيد».

وفي هذا السياق، يأتي كلام رئيس النظام الاسد، الذي قال بشكل واضح في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم» قبل اسابيع، إن «دخول الجيش في معركة في اكثر من جبهة امر منهك»، طبعا موسكو وطهران، وكما ساندوه عسكريا، ساندوه من خلال الاستانة في تخفيف الضغط العسكري عليه.
ومع التعقيدات المثارة حول معركة درعا، والمتعلقة خصوصا بموقعها الحساس المجاور لإسرائيل، ومراعاة موسكو لمطالب تل أبيب، بعدم تواجد ميليشيات موالية لإيران قرب حدودها، فإن الوقائع تشير إلى أن معركة درعا قد بدأت بالفعل، وأن نتائجها لن تختلف عن سابقتها في الغوطة، بل ربما يتكرر السيناريو نفسه في تسلسل المواجهات في الغوطة، إذ تتم التسوية مع فصائل الجيش الحر المرتبطة بالدول الداعمة بعد معارك محدودة، ومن ثم تأتي المعركة المكلفة للنظام في مناطق تنظيم «الدولة»، في جيب صغير يسيطر عليه جيش خالد بن الوليد المبايع للتنظيم.

وحتى ذلك الحين، سيبقى الكثير من سياسيي المعارضة مشغولون بالحديث عن نوبة نقاش جديدة لا قيمة جوهرية لها، وكأن انسحاب الميليشيات الايرانية وسيطرة النظام في جنوب سوريا يعني اختلافا فارقا بالنسبة للمعارضة، كما يثار نقاش حول خلاف مفترض بين روسيا وإيران حول سحب القوات، مع ان تصريحات روسيا تطابق افعالها في سوريا، فهي لم تطالب أبدا في أي موقف رسمي بسحب التواجد الايراني في سوريا بشكل محدد، بل طالبت بسحب القوات الأجنبية جميعها، جاعلة الايرانية في النهاية، بعد الامريكيين والاتراك كذر للرماد في العيون، وهو ما يعني أن خروج الضباط الايرانيين بعد الخروج الأمريكي والتركي، حسب التصريحات الروسية الرسمية، يعني أنه تصريح مخادع، يهدف للمساومة على الوجود الايراني نحو هدف مشترك لطهران وموسكو، بخروج الامريكيين من سوريا، لأنه لا حاجة أصلا لبقاء النفوذ الايراني في سوريا بعد انتفاء الحاجة إليه بتثبيت النظام، كما أن الوقائع تشير إلى أن إيران وروسيا حليفين عسكريين منذ سنوات في سوريا، وان دورهما يكمل بعضهما بعضا لثبيت سلطة الاسد، وان ايران هي التي بادرت إلى استقدام القوات الروسية لسوريا، لتمتين درعها الاقليمي في دمشق بقوة دولية تناطح واشنطن في سوريا، موسكو.

 أدلب، تركت حتى الآن لأسباب كثيرة، من ضمنها أنها من حيث موقعها وتاثيرها على مجريات النزاع، الأقل أهمية مقارنة بالمواقع الأخرى التي استبقاها النظام، ولان النظام يدرك ان الجهاديين في ادلب ستكون معركتهم مكلفة وصعبة، يحاول النظام أن يتركها للنهاية، تماما كما فعل في ريف دمشق، عندما ترك المعركة الأصعب مع جهاديي تنظيم «الدولة» و»النصرة» في اليرموك للنهاية، وبما أن جهود الإخوة الاعداء في ادلب مستمرة في انهاك بعضهم بعضا بمعاركهم ونزاعاتهم المتواصلة، بدون أي عمليات تجاه النظام منذ شهور، فالوقت إذن لصالحه، ونتحدث هنا عن الاقتتال بين «أحرار الشام» و»تحرير الشام».

إلا أن سببا آخر يجعل بقاء أدلب للنهاية، مهما للنظام، ومعها مناطق درع الفرات، وهي أنها تحولت لمحطة الباصات الرئيسية للمعارضة المنسحبة من المناطق التي يهاجمها النظام، ومركز لتجميع الفصائل المنسحبة في جيب واحد، وهو ايضا ما أشار إليه الأسد صراحة، مبديا ارتياحه لتجميع المعارضة في مكان واحد.

البعض يعتقد أن تسوية سياسية ما، تقوم بها تركيا من خلال استانة، ستجنب ادلب المعركة، ورغم ان هذه السيناريوهات باتت مجرد نوبات موسمية تسبق كل معركة، ويثبت في كل مرة أنها كانت موجودة فقط في أذهان قائليها، إلا أن المبادرة السياسية في ادلب، وحسب التوازنات الحالية المائلة لكفة النظام في سوريا، يمكن ان تنجح في صيغة واحدة فقط، وهي رفع راية النظام فوق مبنى محافظة ادلب، ودخول قواته لمركز المدينة سلما، وهذا ما لن تقبل به على الاغلب «النصرة» وأشقاؤها في الحزب التركستاني وانصار الدين، وإن افترضنا، قبول الجهاديين بعد تراجع قوتهم في ادلب بصيغة ما تقتضي  «دخول تركي محايد» او انتشار لقوات تركية في أدلب يترافق مع نزع سلاح الجهاديين، نتيجة تسوية ما «مفترضة»، يعمل عليها «أحرار الشام» وحلفاؤهم المقربون من تركيا، وهم يسيطرون على نحو ثلث محافظة أدلب حاليا، فإن النتيجة ستؤول في النهاية الى المحصلة ذاتها، اذ سيعمل النظام على بسط سيطرته على «ادلب التركية» من خلال استانة، كما دخلها الاتراك من خلال استانة، لان تمدد النفوذ التركي المفترض لأدلب، وإن تم ضمن توافقات حلفاء النظام في استانة، لن يبقى مقبولا لدمشق سوى في هذه المرحلة المؤقتة، التي ما زالت فيها اجزاء مهمة من سوريا خارجة عن السيطرة وخصوصا درعا.  

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٨
قصة طفلة من سوريا

ربما كانت جريرة القوم أنهم حاولوا الاستغناء عن حارس البناية وهي مهمة ليست بالسهولة التي قد تتصورها. القوم يحاولون منذ أكثر من 7 سنوات، والمشكلة صارت أكثر تعقيدا وتدخلت أطراف كثيرة لحلها دون جدوى حتى الآن. في سوريا كما في باقي بلاد الربيع العربي يظل إحساس حارس البناية بذاته يتضخم حتى يصل لدرجات يعتقد فيها أن الكون قد يتوقف بدونه.

وربما كان هذا أمرا طبيعيا، فهؤلاء حكام لم تخترهم الشعوب التي يحكمونها وبالتالي ليست هناك ديون ليسددوها للشعوب بل تراهم جميعا يتعاملون مع الشعوب بشيء من الندية، هم يضعون أنفسهم في كفة والشعوب في الكفة الأخرى، هم في كفة والبلاد والعباد والشجر والدواب في الكفة الأخرى على عكس الرئيس مرسي مثلا والذي كان يدرك دائماً أنه ((مُعين)) من الشعب ولذلك كان هذا يظهر دائماً في كل تصرفاته.

والموضوع باختصار شديد أن أسرة ما من بين مئات آلاف الأسر التي حاولت تغيير حارس البناية في سوريا، نزحت من مدينتها بفعل القصف الروسي الذي لا يتوقف، وهُجِّرت إلى أحد المخيمات، وبينما كانت الأم تطهو وجبة طعام على موقد يستخدم وقودا فاسدا أو غير سليم لم يتوفر لهم سواه نظرا للظروف المعيشية القاسية التي تسبب فيها القصف، انفجر الموقد في وجه طفلتها إلهام عباس التي لم تتجاوز العقد الأول من عمرها، فاحترق وجهها وتشوهت طفولتها في لحظات.

ويبدو أن هناك ما يثير حفيظة الأنظمة تجاه الفتيات، ففي مصر أجبروا زبيدة منذ عدة أسابيع على الظهور على شاشة إحدى القنوات لتنفي أنها معتقلة وحين أكدت والدتها أنها معتقلة، جرى اعتقالها هي الأخرى.

الأمر لا يختلف كثيرا في سوريا، فبخلاف التقارير الحقوقية المريعة عن حالات التعذيب والاغتصاب التي تعرضت لها فتيات سوريات في معتقلات بشار، وبالإضافة إلى أعداد شهداء الثورة السورية حتى الآن، فهناك تلك الحالات المروعة كحالة إلهام عباس. مئات الآلاف من الأطفال يتكالب عليهم الجميع، لينتهي الأمر بأحسنهم حظاً أن ينزحوا من مدنهم ويتركوا بيوتهم خلفهم.

فهناك أولا تلك الطائرات الروسية التي قطعت مئات الكيلومترات لتحط في قاعدة حميميم بسوريا، ولترمي بقنابلها فوق منازل السوريين، ثم هناك عناصر القوات الإيرانية وعناصر حزب الله ثم هناك طائرات بشار التي تلقي فوقهم البراميل المتفجرة. هذه حرب عالمية صغيرة تدور رحاها فوق رأس إلهام.

والحقيقة أنني لا أستطيع أن فهم كيف يمكن يشعر شخص بالغ حين يعلم أنه يقتل أطفالا، وأنه يضغط زرا في طائرته فتهبط منها قنبلة تحطم أكثر من حياة في أقل من ثانية.

ثم كيف يشعر ويفكر أطفال يرون كل هذه المشاهد المريعة وربما يرون أعمدة الدخان تتصاعد من ساحة كانوا يلهون بها أو حين تنتهي غارة، ليكتشفوا أنهم فقدوا رفيقا. هذه أمور رهيبة.

الأخبار القادمة من سوريا ترسم كلها صورة مرعبة لما يتعرض له أطفال سوريا من جحيم لا يرحمهم فيه أحد، فكم إلهام غيرها أزهقت روحها قنابل الطائرات الروسية أو البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات بشار؟

طفلة أخرى فقدت أطرافها فصارت تستخدم الأواني بدلاً من الأطراف الصناعية. تصور أن تلك الطائرات ذات الأسماء المعقدة تنتقل مئات الكيلومترات من روسيا إلى حميميم وتصور أن هناك بيانات عسكرية وقوات وصحف تكتب وشعارات رنانة تتطاير في الهواء ومسؤولين مكفهري الوجوه يجتمعون في عدة عواصم ليعلنوا مؤازرتهم لنظام بشار لتكون النتيجة فتاة تنزح من أسرتها لتنجو من القصف وأخرى تفقد أطرافها وتستخدم بدلاً منها أطرافا صناعية!!

الحقيقة أنني لا أملك إلا أن أدعو الله بأن يفرج كرب سوريا وأطفالها.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٨
روسيا.. هل تهضم انتصارات بوتين؟

كأس العالم في روسيا يُقدَّم اليوم بوصفه انتصاراً لرئيسها القوي فلاديمير بوتين الذي ضمن قبل فترة قصيرة ولاية رئاسية جديدة. صحيح أن زعماء العالم الغربي غابوا عن حضور مباريات كأس العالم، لكن الصحيح أيضاً أن روسيا استضافت المناسبة الرياضية الكبرى، وتغلبت على صعاب كانت متوقعة: فمثلاً، لا حصراً، هددت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها بوريس جونسون بمقاطعة كأس العالم، رداً على تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في إنجلترا، لكن المنتخب البريطاني ما لبث أن حضر ولعب أسوة بغيره من المنتخبات الأخرى.

إيطاليا بدورها سبق أن قدمت انتصاراً آخر لبوتين؛ فبناءً على نتيجة الانتخابات العامة الأخيرة، تشكلت في روما حكومة شعبوية تجمع حزبي «عصبة الشمال» و«النجوم الخمس» اللذين يتبارى قادتهما في الإعجاب بالرئيس الروسي. وفي قمة «السبع الكبار» بكيبيك في كندا، أحرز بوتين انتصارات ثلاثة متلازمة:

أولاً، ووسط معارضة شركائه، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعلى نحو مفاجئ، ضم روسيا إلى «الدول السبع» بحيث تعود مجدداً «دولاً ثماني» (كما كان الحال قبل عامين، حين طُردت من هذه الرابطة بسبب احتلالها شبه جزيرة القرم). وثانياً، حدث تصدّع كبير في مجموعة الدول الصناعيّة السبع نتيجة مواقف ترامب وسحب توقيعه عن البيان النهائي للقمة. والحال أن كل تباعد أميركي أوروبي هو ربح صاف لبوتين. وأخيراً، لم يحصل أي توقف عند الاتّهامات الكثيرة الموجهة للكرملين بالتدخل في بعض الانتخابات الأوروبية، فضلاً عن الأميركية، وفي التأثير ببريطانيا خلال استفتاء بريكسيت، واستخدام وسائل كالقرصنة والرشوة لهذه الأهداف. لقد أكد ذلك أن العلاقة بالكرملين، ورغم كل شيء، قطعت شوطاً بعيداً، وإن كان غير كامل، في تطبيعها والتطبيع معها.

وفي المقابل، لوحظ أنه بينما كان الصراع محتدماً في كيبيك بين القادة الغربيين، كانت الصين تحتفل بقمة أخرى متجانسة ومتوافقة، وكان بوتين هو المحتفى به الأول هناك. فقد قدّم له الزعيم الصيني شي جينبينغ «ميدالية صداقة» كي تكون تعبيراً عن ازدهار العلاقة بينهما. كذلك وصف جينبينغ الرئيس بوتين بأنه «صديقي الأقرب والأكثر حميميّة». وجدير بالذكر أن الزعيمين التقيا حتى الآن عشرين مرة.

وفي غضون ذلك تكرّس، إلى أن يثبت العكس، واقع الاحتلال الروسيّ لشبه جزيرة القرم، كما بات يبدو بقاء بشار الأسد في سدة السلطة السورية أمراً لا يعارضه إلا السوريون.

وهذان إنجازان كبيران للسياسة الروسية سجلتهما عبر أعمال احتلالية وتدخلية سافرة.

ومما لا شك فيه أن أحوال السياسة الأميركية الراهنة والعلاقات الغربية الغربية هي العنصر الأول في تفسير النجاحات البوتينية المذكورة. وهذا لا يعني بحالٍ التقليل من البراعة العملية لسيد الكرملين في الاستفادة من ضعف خصومه وتناقضاتهم. ومع هذا يبقى من الجائز التساؤل عما إذا كان في وسع المعدة الروسية الصغيرة أن تهضم هذه الانتصارات الكبرى جميعها، والتي تلاحقت في فترة قصيرة نسبيّاً؟

والكلام هنا يعني الوضع الاقتصاديّ أساساً، والذي يراهن بوتين على إنقاذه عبر مباريات كأس العالم. فروسيا أنفقت على هذه المناسبة الرياضية 14 مليار دولار صُرف معظمها على توسيع البنية التحتيّة (مطارات وملاعب وطرق)، بحيث يمكن استضافة 570 ألف زائر أجنبي و700 ألف روسي سوف يتنقّلون بين المدن التي تُجرى فيها الألعاب. لذلك يطغى التعويل على أن يكون عائد هذا الاستثمار كبيراً ومجزياً.

لكنّ نظرة أدقّ تستبعد احتمالاً كهذا. ذاك أنّ المبالغ المذكورة لا تقدّم كثيراً ولا تؤخّر، على المدى الأبعد، في أوضاع اقتصاد يبلغ حجمه 1,3 تريليون دولار، ويعاني الاعتماد شبه الأحادي على أسعار النفط والغاز، كما يئن تحت وطأة المقاطعة. لهذا، يضيف المتريّثون والمتحفّظون بأن أفراح بوتين بانتصاراته ونجاحاته قد لا تدوم طويلاً.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٨
الممر الإيراني تحت النار الإسرائيلية!

الرابع من مايو (أيار) من العام الماضي وقّع ممثلو الدول الراعية لمحادثات أستانة (روسيا وتركيا وإيران) على مذكرة تفاهم، قيل إنها تهدف لخفض التصعيد في سوريا، وإنه سيتم تطبيقها خلال ستة أشهر قابلة للتمديد، وقبل انتهاء هذه المدة سرعان ما تبيّن أن هذه ليست مناطق «خفض التصعيد» بل مناطق «رفع التدمير»، فهذا مثلاً ما تعرض له أولاً شمال محافظة حمص، ثم جاء دور الغوطة الشرقية التي تعرضت إلى تدمير كامل انتهى بترحيل مقاتلي «النصرة» وعائلاتهم إلى إدلب.

بعد الغوطة جاء دور مخيم اليرموك، الذي لقي تدميراً كبيراً انتهى بوصول حافلات النظام الخضراء، التي قامت بإجلاء مقاتلي «داعش» وعائلاتهم إلى بادية الشام، حيث تدور الآن معارك كر وفر بين هؤلاء الإرهابيين والنظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم المسلحة!

لا داعي لتكرار السؤال الدائم: لماذا لم يتم اعتقال هؤلاء وزجهم في السجون مثلاً بدلاً من إجلائهم من مكان إلى آخر كما جرى دائماً، ففي السابق وعلى حافة هزيمة مقاتلي «النصرة»، وإطباق الجيش اللبناني عليهم في الجرود اللبنانية، تولى «حزب الله» في عملية مشتركة مع النظام السوري نقلهم مع أسلحتهم في حافلات مبردة إلى إدلب!

وفي حين كانت الأنظار تتجه إلى التطورات المحتملة في منطقة «خفض التصعيد» الثالثة في محافظتي درعا والقنيطرة جنوب شرقي سوريا، بعدما قال بشار الأسد لقناة «العالم» الإيرانية إن ما طُرح بعد الغوطة، هو التوجّه إلى الجنوب ونحن أمام خيارين؛ إما المصالحة وإما التحرير بالقوة، وهناك طرح روسي يدعو إلى إعطاء فرصة للتسويات والمصالحات، جاءت المفاجأة من دير الزور، وتحديداً من منطقة الممر الاستراتيجي، الذي سعى الإيرانيون إلى تثبيته كمعبر لهم من العراق إلى لبنان عبر سوريا.

ليل الأحد - الاثنين تاريخ 18 الجاري قتل 52 مسلحاً غالبيتهم من الموالين للنظام في ضربة جوية، استهدفت رتلاً عسكرياً أثناء توقفه عند نقطة تابعة إلى قوات النظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم، في بلدة الهري الواقعة في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي والمحاذية للحدود العراقية، دمشق سارعت كالعادة إلى اتهام أميركا قائلة إن التحالف الدولي اعتدى على أحد مواقعنا، وإن الهجوم استهدف مواقع مشتركة سورية عراقية في منطقة الهري!

لكن التكذيب جاء فوراً من مكانين؛ أولاً عندما أكّد المكتب الإعلامي للتحالف الدولي أنه لم تكن هناك غارات للولايات المتحدة أو قوات التحالف في هذه المنطقة، وثانياً عندما سارعت القيادة العراقية المشتركة إلى التنصّل كلياً من تابعية ثلاث ميليشيات مسلحة عراقية موالية لإيران وتقاتل إلى جانب النظام السوري، وهذه الكتائب هي «حزب الله العراق» و«عصائب الحق» و«والنجباء العراقية»، التي تعمل داخل سوريا وهي التي تعرضت للضربة الجوية في منطقة البوكمال عند الحدود العراقية!


الهجوم أثار التساؤلات في اتجاهين:
أولا: لجهة من الذي نفذه، وخصوصاً أن الأجواء في تلك المنطقة تنشط فيها عادة المقاتلات الروسية والسورية والعراقية وتلك التابعة للتحالف الدولي، وسبق في 24 مايو الماضي أن قتل 12 مسلحاً موالياً للنظام في ضربة جوية في منطقة البوكمال أيضاً، واتهمت دمشق التحالف الدولي بالعملية، لكن كل التحليلات ذهبت في اتجاه إسرائيل، التي سبق أن أعلنت تكراراً أنها لن تسمح بتمركز قواعد ومناطق عسكرية إيرانية في سورياً، ولا بوصول السلاح الإيراني إلى «حزب الله» في لبنان، ولهذا فإن كسر الإمداد التسليحي الإيراني، الذي يمر بمنطقة البوكمال والذي كان قاسم سليماني أشرف هناك على المعارك لتثبيته العام الماضي، سيكون دائماً هدفاً إسرائيلياً وربما أميركياً!

ثانياً: لجهة التساؤلات حول الموقف الروسي المتغاضي عن هذا الهجوم، فقد تساءلت تقارير دبلوماسية عما إذا كان هناك مؤشر جديد إلى تفاقم التوتر في العلاقات الروسية - الإيرانية، حول ترتيب الأوضاع في سوريا، وهو ما يدفع موسكو إلى رفع غطائها الجوي عن القوات الإيرانية وميليشياتها المرابطة غرب نهر الفرات، وهذا ما يضاعف عملياً مخاوف الإيرانيين من خسارة طريقهم الاستراتيجي إلى لبنان وشاطئ المتوسط، ولهذا كان من اللافت أن يسارع قاسم سليماني بعد الضربة مباشرة إلى تكرار المزاعم الإيرانية، عن أن طهران باتت تسيطر على بيروت والعواصم العربية الثلاث دمشق وبغداد وصنعاء، رغم أن الأرض تميد تحت الإيرانيين في اليمن وفي العراق وسوريا!

وتقول التقارير الدبلوماسية إن رفع الغطاء الجوي الروسي عن القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها غرب الفرات، يأتي في سياق ضغوط تصاعدية تمارسها موسكو لحسم الأمور في منطقتي «خفض التصعيد» في إدلب شمالاً وفي محافظتي درعا والقنيطرة جنوباً.

إسرائيل كعادتها لم تعترف بأن مقاتلاتها هي التي نفذت الضربة ضد الميليشيات الإيرانية غرب الفرات والتي تنصّلت منها بغداد، لكن ذلك لا يخرج في نظر المراقبين الدبلوماسيين، عما كان بنيامين نتنياهو قد أعلنه نهاية مايو الماضي، من أن المعركة ضد التموضع الإيراني في سوريا لم تنتهِ ولا تزال في أوجها، وأن إسرائيل تعمل على منع امتلاك إيران سلاحاً نووياً وفي الوقت عينه ستعمل على منع تموضعها العسكري في سوريا.

ولعل ما يؤكد أن إسرائيل هي التي نفذت الضربة في البوكمال، قول نتنياهو إن حكومته لن تسمح بنقل أسلحة فتّاكة من سوريا إلى لبنان، في إشارة واضحة طبعاً إلى شحنات الأسلحة المُرسلة إلى «حزب الله»، التي تمر من خلال ذلك المعبر الاستراتيجي عند منطقة البوكمال، كما أنها ستمنع إنتاج هذه الأسلحة داخل لبنان، وهو ما وجد فيه المراقبون تلويحاً بإمكان استهداف ما تقول إسرائيل إنه مصنع صواريخ دقيقة أقامته إيران داخل لبنان!

بالعودة إلى موضوع رفع الغطاء الجوي الروسي عن الميليشيات الإيرانية غرب الفرات، تحاول المصادر الدبلوماسية أن تربط بين المساعي الروسية الأميركية والأردنية لترتيب الوضع على الجبهة الجنوبية الشرقية، وبين محاولات إيران عرقلة هذه الترتيبات في سعي إلى البقاء في محاذاة جبهة الجولان، بينما تمارس الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً على موسكو، لتعمل على إبعاد الميليشيات الإيرانية بعمق 80 كيلومتراً إلى ما بعد دمشق، بينما كان الحديث في السابق عن مسافة 25 إلى 30 كيلومتراً!

اقرأ المزيد
٢٣ يونيو ٢٠١٨
الانتصار المستحيل

هب أن النظام الأسدي انتصر على الثورة، وأن الشعب السوري رفع ذراعيه في الهواء، واستسلم له فردا فردا داخل سورية وخارجها، وأن المقاتلين ألقوا سلاحهم، وانخرطوا في جيشه العربي السوري الذي أثبت، خلال نصف قرن، أنه ليس جيشا وليس عربيا وليس سوريا، وأن المتظاهرين نزلوا بالملايين إلى الشارع، ليهتفوا لبشار الأسد، ويبايعوه قائدا إلى الأبد، وأن العالم اعترف من جديد بنظامه وشرعيته، هل سيعني هذا أنه انتصر؟. هل يمكن لأقلية حاكمة فاسدة وعنيفة أن تنتصر على أغلبية وطنية ترفضها؟. وهل يمكن لانتصارها أن يكون أكثر من مجرد  نقلةٍ في صراعٍ لن ينتهى بغير هزيمة الأقلوي الفاسد الذي سيفقد سلطته، بمجرد أن تتعلم الأغلبية أصول الانتصار، وتتقن ترجمتها إلى أفكار وخطط عملية عقلانية؟.

لم يوجد في تاريخ سورية غير مجنون واحد كان اسمه حافظ الأسد، اعتقد أن خبثه يلغي مكر التاريخ، وأن ما أقامه، في لحظة استغفالٍ للسوريين، يمكن أن يستمر ككيان سلطوي راسخ الأركان، لن يتمكن أحد من تحدّيه، لأن سلطة الغفلة أبدية الوجود، وفي وسعها إدامة لحظة ستبقى عابرةً في حياة السوريين الذين أفاقوا من "استغفال" الوحدة والحرية والاشتراكية، وأخذوا يعقلون واقعهم من خارج أكاذيبه وخداعه، ولذلك كرّسوا ثورتهم لحريتهم التي سلبها منهم استبداد حشرتهم في سجن كبير، ونزلت أغلبيتهم الساحقة إلى الشارع، في استفاقةٍ شاملةٍ حملت رسالة يقول نصها للأسد: لن يكون غير محض مجنون من يعتقد أن أقلية حاكمة، فاسدة وعنيفة، تستطيع أن تحكم إلى الأبد شعبا قرر إزاحتها عن كاهله، وأن انتصارها لا يكون غير وقتي وعابر، بحكم منطق الأشياء الذي لم يسبق لأحد أن نجح في إلغائه، وعقالة البشر التي تنظم وجودهم، وتوجه أفعالهم، وتحول خبراتهم الفردية إلى خبرة عامة، ما أن تؤسس وعيهم، حتى ينظروا بصدق إلى واقعهم، وينفجر غضبهم صاعقا، حين يثقون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وأنهم لن يستعيدوا معنى وجودهم، ويغدون كراما، ما دامت أقلية فاسدة، تضطهدهم كأغلبية وطنية صامتة.

يعتقد الأسد أن التاريخ يستثني نظامه من أحكامه (التاريخ)، وأنه نجح حقا في وضع شعب سورية خارجها. لذلك، سيكون نظامه أبديا، بما أن الأقلية، إن هي انتصرت مرة تمكّنت من تركيع شعبها دوما، بالإفساد والعنف، رغما عن تجارب الإنسانية التي تعلمنا أن أي أقليةٍ قد تأخذ السلطة بعض الوقت، إلا أنها لن تنجح إطلاقا في حكم أغلبية ترفضها، وإخضاع هذه الأغلبية.

تعيش السلطة الأسدية زمن سقوطها، وإذا كانت قد بقيت في الحكم، فبسبب ارتهانها المهين لأجانب أتوا لنجدة رئيسها بمرتزقةٍ من كل حدب وصوب، ليست حربهم ضد سورية غير دليل آخر على استحالة استمرار حكمٍ أقلوي فاسد ضد إرادة أغلبية شعبه.

لئن حكمت أقلية، فبتراضٍ شعبي يمنحها الشرعية، أما أقلية الفاسدين وقطّاع الطرق التي تحكم شعبها بالبسطار والمسدس، وتحول مواطنيها إلى عبيدٍ في خدمة قتلة ولصوص، فلن يكون وهم أبدية سلطتها غير فخٍّ قاتل تسقط فيه وهي تنتحر. لن تحكم أقلية أغلبية ترفضها إلى الأبد، من دون شرعية القبول التي تمنحها لسلطتها، ولن تتجاوز ثورة تستمر منذ نيف وسبعة أعوام، هي الدليل على انبعاث روح الحرية في قلوب وصدور من تضطهدهم أقلية الفساد الحاكمة، وانتقالهم إلى ما بعد سلطتها، بعد أن قرّروا أن يلاطموا بعين إرادتهم مخرز الاستبداد ويكسروه، وأن لا يعودوا إلى الوضع السابق لتمرّدهم التاريخي، وأن تعاود سورية سيرتها الأولى، وطنا لشعب صمم على العيش حرّا!.        

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل