روسيا.. هل تهضم انتصارات بوتين؟
كأس العالم في روسيا يُقدَّم اليوم بوصفه انتصاراً لرئيسها القوي فلاديمير بوتين الذي ضمن قبل فترة قصيرة ولاية رئاسية جديدة. صحيح أن زعماء العالم الغربي غابوا عن حضور مباريات كأس العالم، لكن الصحيح أيضاً أن روسيا استضافت المناسبة الرياضية الكبرى، وتغلبت على صعاب كانت متوقعة: فمثلاً، لا حصراً، هددت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها بوريس جونسون بمقاطعة كأس العالم، رداً على تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في إنجلترا، لكن المنتخب البريطاني ما لبث أن حضر ولعب أسوة بغيره من المنتخبات الأخرى.
إيطاليا بدورها سبق أن قدمت انتصاراً آخر لبوتين؛ فبناءً على نتيجة الانتخابات العامة الأخيرة، تشكلت في روما حكومة شعبوية تجمع حزبي «عصبة الشمال» و«النجوم الخمس» اللذين يتبارى قادتهما في الإعجاب بالرئيس الروسي. وفي قمة «السبع الكبار» بكيبيك في كندا، أحرز بوتين انتصارات ثلاثة متلازمة:
أولاً، ووسط معارضة شركائه، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعلى نحو مفاجئ، ضم روسيا إلى «الدول السبع» بحيث تعود مجدداً «دولاً ثماني» (كما كان الحال قبل عامين، حين طُردت من هذه الرابطة بسبب احتلالها شبه جزيرة القرم). وثانياً، حدث تصدّع كبير في مجموعة الدول الصناعيّة السبع نتيجة مواقف ترامب وسحب توقيعه عن البيان النهائي للقمة. والحال أن كل تباعد أميركي أوروبي هو ربح صاف لبوتين. وأخيراً، لم يحصل أي توقف عند الاتّهامات الكثيرة الموجهة للكرملين بالتدخل في بعض الانتخابات الأوروبية، فضلاً عن الأميركية، وفي التأثير ببريطانيا خلال استفتاء بريكسيت، واستخدام وسائل كالقرصنة والرشوة لهذه الأهداف. لقد أكد ذلك أن العلاقة بالكرملين، ورغم كل شيء، قطعت شوطاً بعيداً، وإن كان غير كامل، في تطبيعها والتطبيع معها.
وفي المقابل، لوحظ أنه بينما كان الصراع محتدماً في كيبيك بين القادة الغربيين، كانت الصين تحتفل بقمة أخرى متجانسة ومتوافقة، وكان بوتين هو المحتفى به الأول هناك. فقد قدّم له الزعيم الصيني شي جينبينغ «ميدالية صداقة» كي تكون تعبيراً عن ازدهار العلاقة بينهما. كذلك وصف جينبينغ الرئيس بوتين بأنه «صديقي الأقرب والأكثر حميميّة». وجدير بالذكر أن الزعيمين التقيا حتى الآن عشرين مرة.
وفي غضون ذلك تكرّس، إلى أن يثبت العكس، واقع الاحتلال الروسيّ لشبه جزيرة القرم، كما بات يبدو بقاء بشار الأسد في سدة السلطة السورية أمراً لا يعارضه إلا السوريون.
وهذان إنجازان كبيران للسياسة الروسية سجلتهما عبر أعمال احتلالية وتدخلية سافرة.
ومما لا شك فيه أن أحوال السياسة الأميركية الراهنة والعلاقات الغربية الغربية هي العنصر الأول في تفسير النجاحات البوتينية المذكورة. وهذا لا يعني بحالٍ التقليل من البراعة العملية لسيد الكرملين في الاستفادة من ضعف خصومه وتناقضاتهم. ومع هذا يبقى من الجائز التساؤل عما إذا كان في وسع المعدة الروسية الصغيرة أن تهضم هذه الانتصارات الكبرى جميعها، والتي تلاحقت في فترة قصيرة نسبيّاً؟
والكلام هنا يعني الوضع الاقتصاديّ أساساً، والذي يراهن بوتين على إنقاذه عبر مباريات كأس العالم. فروسيا أنفقت على هذه المناسبة الرياضية 14 مليار دولار صُرف معظمها على توسيع البنية التحتيّة (مطارات وملاعب وطرق)، بحيث يمكن استضافة 570 ألف زائر أجنبي و700 ألف روسي سوف يتنقّلون بين المدن التي تُجرى فيها الألعاب. لذلك يطغى التعويل على أن يكون عائد هذا الاستثمار كبيراً ومجزياً.
لكنّ نظرة أدقّ تستبعد احتمالاً كهذا. ذاك أنّ المبالغ المذكورة لا تقدّم كثيراً ولا تؤخّر، على المدى الأبعد، في أوضاع اقتصاد يبلغ حجمه 1,3 تريليون دولار، ويعاني الاعتماد شبه الأحادي على أسعار النفط والغاز، كما يئن تحت وطأة المقاطعة. لهذا، يضيف المتريّثون والمتحفّظون بأن أفراح بوتين بانتصاراته ونجاحاته قد لا تدوم طويلاً.