كأس العالم في روسيا يُقدَّم اليوم بوصفه انتصاراً لرئيسها القوي فلاديمير بوتين الذي ضمن قبل فترة قصيرة ولاية رئاسية جديدة. صحيح أن زعماء العالم الغربي غابوا عن حضور مباريات كأس العالم، لكن الصحيح أيضاً أن روسيا استضافت المناسبة الرياضية الكبرى، وتغلبت على صعاب كانت متوقعة: فمثلاً، لا حصراً، هددت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها بوريس جونسون بمقاطعة كأس العالم، رداً على تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في إنجلترا، لكن المنتخب البريطاني ما لبث أن حضر ولعب أسوة بغيره من المنتخبات الأخرى.
إيطاليا بدورها سبق أن قدمت انتصاراً آخر لبوتين؛ فبناءً على نتيجة الانتخابات العامة الأخيرة، تشكلت في روما حكومة شعبوية تجمع حزبي «عصبة الشمال» و«النجوم الخمس» اللذين يتبارى قادتهما في الإعجاب بالرئيس الروسي. وفي قمة «السبع الكبار» بكيبيك في كندا، أحرز بوتين انتصارات ثلاثة متلازمة:
أولاً، ووسط معارضة شركائه، اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعلى نحو مفاجئ، ضم روسيا إلى «الدول السبع» بحيث تعود مجدداً «دولاً ثماني» (كما كان الحال قبل عامين، حين طُردت من هذه الرابطة بسبب احتلالها شبه جزيرة القرم). وثانياً، حدث تصدّع كبير في مجموعة الدول الصناعيّة السبع نتيجة مواقف ترامب وسحب توقيعه عن البيان النهائي للقمة. والحال أن كل تباعد أميركي أوروبي هو ربح صاف لبوتين. وأخيراً، لم يحصل أي توقف عند الاتّهامات الكثيرة الموجهة للكرملين بالتدخل في بعض الانتخابات الأوروبية، فضلاً عن الأميركية، وفي التأثير ببريطانيا خلال استفتاء بريكسيت، واستخدام وسائل كالقرصنة والرشوة لهذه الأهداف. لقد أكد ذلك أن العلاقة بالكرملين، ورغم كل شيء، قطعت شوطاً بعيداً، وإن كان غير كامل، في تطبيعها والتطبيع معها.
وفي المقابل، لوحظ أنه بينما كان الصراع محتدماً في كيبيك بين القادة الغربيين، كانت الصين تحتفل بقمة أخرى متجانسة ومتوافقة، وكان بوتين هو المحتفى به الأول هناك. فقد قدّم له الزعيم الصيني شي جينبينغ «ميدالية صداقة» كي تكون تعبيراً عن ازدهار العلاقة بينهما. كذلك وصف جينبينغ الرئيس بوتين بأنه «صديقي الأقرب والأكثر حميميّة». وجدير بالذكر أن الزعيمين التقيا حتى الآن عشرين مرة.
وفي غضون ذلك تكرّس، إلى أن يثبت العكس، واقع الاحتلال الروسيّ لشبه جزيرة القرم، كما بات يبدو بقاء بشار الأسد في سدة السلطة السورية أمراً لا يعارضه إلا السوريون.
وهذان إنجازان كبيران للسياسة الروسية سجلتهما عبر أعمال احتلالية وتدخلية سافرة.
ومما لا شك فيه أن أحوال السياسة الأميركية الراهنة والعلاقات الغربية الغربية هي العنصر الأول في تفسير النجاحات البوتينية المذكورة. وهذا لا يعني بحالٍ التقليل من البراعة العملية لسيد الكرملين في الاستفادة من ضعف خصومه وتناقضاتهم. ومع هذا يبقى من الجائز التساؤل عما إذا كان في وسع المعدة الروسية الصغيرة أن تهضم هذه الانتصارات الكبرى جميعها، والتي تلاحقت في فترة قصيرة نسبيّاً؟
والكلام هنا يعني الوضع الاقتصاديّ أساساً، والذي يراهن بوتين على إنقاذه عبر مباريات كأس العالم. فروسيا أنفقت على هذه المناسبة الرياضية 14 مليار دولار صُرف معظمها على توسيع البنية التحتيّة (مطارات وملاعب وطرق)، بحيث يمكن استضافة 570 ألف زائر أجنبي و700 ألف روسي سوف يتنقّلون بين المدن التي تُجرى فيها الألعاب. لذلك يطغى التعويل على أن يكون عائد هذا الاستثمار كبيراً ومجزياً.
لكنّ نظرة أدقّ تستبعد احتمالاً كهذا. ذاك أنّ المبالغ المذكورة لا تقدّم كثيراً ولا تؤخّر، على المدى الأبعد، في أوضاع اقتصاد يبلغ حجمه 1,3 تريليون دولار، ويعاني الاعتماد شبه الأحادي على أسعار النفط والغاز، كما يئن تحت وطأة المقاطعة. لهذا، يضيف المتريّثون والمتحفّظون بأن أفراح بوتين بانتصاراته ونجاحاته قد لا تدوم طويلاً.
الرابع من مايو (أيار) من العام الماضي وقّع ممثلو الدول الراعية لمحادثات أستانة (روسيا وتركيا وإيران) على مذكرة تفاهم، قيل إنها تهدف لخفض التصعيد في سوريا، وإنه سيتم تطبيقها خلال ستة أشهر قابلة للتمديد، وقبل انتهاء هذه المدة سرعان ما تبيّن أن هذه ليست مناطق «خفض التصعيد» بل مناطق «رفع التدمير»، فهذا مثلاً ما تعرض له أولاً شمال محافظة حمص، ثم جاء دور الغوطة الشرقية التي تعرضت إلى تدمير كامل انتهى بترحيل مقاتلي «النصرة» وعائلاتهم إلى إدلب.
بعد الغوطة جاء دور مخيم اليرموك، الذي لقي تدميراً كبيراً انتهى بوصول حافلات النظام الخضراء، التي قامت بإجلاء مقاتلي «داعش» وعائلاتهم إلى بادية الشام، حيث تدور الآن معارك كر وفر بين هؤلاء الإرهابيين والنظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم المسلحة!
لا داعي لتكرار السؤال الدائم: لماذا لم يتم اعتقال هؤلاء وزجهم في السجون مثلاً بدلاً من إجلائهم من مكان إلى آخر كما جرى دائماً، ففي السابق وعلى حافة هزيمة مقاتلي «النصرة»، وإطباق الجيش اللبناني عليهم في الجرود اللبنانية، تولى «حزب الله» في عملية مشتركة مع النظام السوري نقلهم مع أسلحتهم في حافلات مبردة إلى إدلب!
وفي حين كانت الأنظار تتجه إلى التطورات المحتملة في منطقة «خفض التصعيد» الثالثة في محافظتي درعا والقنيطرة جنوب شرقي سوريا، بعدما قال بشار الأسد لقناة «العالم» الإيرانية إن ما طُرح بعد الغوطة، هو التوجّه إلى الجنوب ونحن أمام خيارين؛ إما المصالحة وإما التحرير بالقوة، وهناك طرح روسي يدعو إلى إعطاء فرصة للتسويات والمصالحات، جاءت المفاجأة من دير الزور، وتحديداً من منطقة الممر الاستراتيجي، الذي سعى الإيرانيون إلى تثبيته كمعبر لهم من العراق إلى لبنان عبر سوريا.
ليل الأحد - الاثنين تاريخ 18 الجاري قتل 52 مسلحاً غالبيتهم من الموالين للنظام في ضربة جوية، استهدفت رتلاً عسكرياً أثناء توقفه عند نقطة تابعة إلى قوات النظام وحلفائه الإيرانيين وميليشياتهم، في بلدة الهري الواقعة في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي والمحاذية للحدود العراقية، دمشق سارعت كالعادة إلى اتهام أميركا قائلة إن التحالف الدولي اعتدى على أحد مواقعنا، وإن الهجوم استهدف مواقع مشتركة سورية عراقية في منطقة الهري!
لكن التكذيب جاء فوراً من مكانين؛ أولاً عندما أكّد المكتب الإعلامي للتحالف الدولي أنه لم تكن هناك غارات للولايات المتحدة أو قوات التحالف في هذه المنطقة، وثانياً عندما سارعت القيادة العراقية المشتركة إلى التنصّل كلياً من تابعية ثلاث ميليشيات مسلحة عراقية موالية لإيران وتقاتل إلى جانب النظام السوري، وهذه الكتائب هي «حزب الله العراق» و«عصائب الحق» و«والنجباء العراقية»، التي تعمل داخل سوريا وهي التي تعرضت للضربة الجوية في منطقة البوكمال عند الحدود العراقية!
الهجوم أثار التساؤلات في اتجاهين:
أولا: لجهة من الذي نفذه، وخصوصاً أن الأجواء في تلك المنطقة تنشط فيها عادة المقاتلات الروسية والسورية والعراقية وتلك التابعة للتحالف الدولي، وسبق في 24 مايو الماضي أن قتل 12 مسلحاً موالياً للنظام في ضربة جوية في منطقة البوكمال أيضاً، واتهمت دمشق التحالف الدولي بالعملية، لكن كل التحليلات ذهبت في اتجاه إسرائيل، التي سبق أن أعلنت تكراراً أنها لن تسمح بتمركز قواعد ومناطق عسكرية إيرانية في سورياً، ولا بوصول السلاح الإيراني إلى «حزب الله» في لبنان، ولهذا فإن كسر الإمداد التسليحي الإيراني، الذي يمر بمنطقة البوكمال والذي كان قاسم سليماني أشرف هناك على المعارك لتثبيته العام الماضي، سيكون دائماً هدفاً إسرائيلياً وربما أميركياً!
ثانياً: لجهة التساؤلات حول الموقف الروسي المتغاضي عن هذا الهجوم، فقد تساءلت تقارير دبلوماسية عما إذا كان هناك مؤشر جديد إلى تفاقم التوتر في العلاقات الروسية - الإيرانية، حول ترتيب الأوضاع في سوريا، وهو ما يدفع موسكو إلى رفع غطائها الجوي عن القوات الإيرانية وميليشياتها المرابطة غرب نهر الفرات، وهذا ما يضاعف عملياً مخاوف الإيرانيين من خسارة طريقهم الاستراتيجي إلى لبنان وشاطئ المتوسط، ولهذا كان من اللافت أن يسارع قاسم سليماني بعد الضربة مباشرة إلى تكرار المزاعم الإيرانية، عن أن طهران باتت تسيطر على بيروت والعواصم العربية الثلاث دمشق وبغداد وصنعاء، رغم أن الأرض تميد تحت الإيرانيين في اليمن وفي العراق وسوريا!
وتقول التقارير الدبلوماسية إن رفع الغطاء الجوي الروسي عن القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها غرب الفرات، يأتي في سياق ضغوط تصاعدية تمارسها موسكو لحسم الأمور في منطقتي «خفض التصعيد» في إدلب شمالاً وفي محافظتي درعا والقنيطرة جنوباً.
إسرائيل كعادتها لم تعترف بأن مقاتلاتها هي التي نفذت الضربة ضد الميليشيات الإيرانية غرب الفرات والتي تنصّلت منها بغداد، لكن ذلك لا يخرج في نظر المراقبين الدبلوماسيين، عما كان بنيامين نتنياهو قد أعلنه نهاية مايو الماضي، من أن المعركة ضد التموضع الإيراني في سوريا لم تنتهِ ولا تزال في أوجها، وأن إسرائيل تعمل على منع امتلاك إيران سلاحاً نووياً وفي الوقت عينه ستعمل على منع تموضعها العسكري في سوريا.
ولعل ما يؤكد أن إسرائيل هي التي نفذت الضربة في البوكمال، قول نتنياهو إن حكومته لن تسمح بنقل أسلحة فتّاكة من سوريا إلى لبنان، في إشارة واضحة طبعاً إلى شحنات الأسلحة المُرسلة إلى «حزب الله»، التي تمر من خلال ذلك المعبر الاستراتيجي عند منطقة البوكمال، كما أنها ستمنع إنتاج هذه الأسلحة داخل لبنان، وهو ما وجد فيه المراقبون تلويحاً بإمكان استهداف ما تقول إسرائيل إنه مصنع صواريخ دقيقة أقامته إيران داخل لبنان!
بالعودة إلى موضوع رفع الغطاء الجوي الروسي عن الميليشيات الإيرانية غرب الفرات، تحاول المصادر الدبلوماسية أن تربط بين المساعي الروسية الأميركية والأردنية لترتيب الوضع على الجبهة الجنوبية الشرقية، وبين محاولات إيران عرقلة هذه الترتيبات في سعي إلى البقاء في محاذاة جبهة الجولان، بينما تمارس الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً على موسكو، لتعمل على إبعاد الميليشيات الإيرانية بعمق 80 كيلومتراً إلى ما بعد دمشق، بينما كان الحديث في السابق عن مسافة 25 إلى 30 كيلومتراً!
هب أن النظام الأسدي انتصر على الثورة، وأن الشعب السوري رفع ذراعيه في الهواء، واستسلم له فردا فردا داخل سورية وخارجها، وأن المقاتلين ألقوا سلاحهم، وانخرطوا في جيشه العربي السوري الذي أثبت، خلال نصف قرن، أنه ليس جيشا وليس عربيا وليس سوريا، وأن المتظاهرين نزلوا بالملايين إلى الشارع، ليهتفوا لبشار الأسد، ويبايعوه قائدا إلى الأبد، وأن العالم اعترف من جديد بنظامه وشرعيته، هل سيعني هذا أنه انتصر؟. هل يمكن لأقلية حاكمة فاسدة وعنيفة أن تنتصر على أغلبية وطنية ترفضها؟. وهل يمكن لانتصارها أن يكون أكثر من مجرد نقلةٍ في صراعٍ لن ينتهى بغير هزيمة الأقلوي الفاسد الذي سيفقد سلطته، بمجرد أن تتعلم الأغلبية أصول الانتصار، وتتقن ترجمتها إلى أفكار وخطط عملية عقلانية؟.
لم يوجد في تاريخ سورية غير مجنون واحد كان اسمه حافظ الأسد، اعتقد أن خبثه يلغي مكر التاريخ، وأن ما أقامه، في لحظة استغفالٍ للسوريين، يمكن أن يستمر ككيان سلطوي راسخ الأركان، لن يتمكن أحد من تحدّيه، لأن سلطة الغفلة أبدية الوجود، وفي وسعها إدامة لحظة ستبقى عابرةً في حياة السوريين الذين أفاقوا من "استغفال" الوحدة والحرية والاشتراكية، وأخذوا يعقلون واقعهم من خارج أكاذيبه وخداعه، ولذلك كرّسوا ثورتهم لحريتهم التي سلبها منهم استبداد حشرتهم في سجن كبير، ونزلت أغلبيتهم الساحقة إلى الشارع، في استفاقةٍ شاملةٍ حملت رسالة يقول نصها للأسد: لن يكون غير محض مجنون من يعتقد أن أقلية حاكمة، فاسدة وعنيفة، تستطيع أن تحكم إلى الأبد شعبا قرر إزاحتها عن كاهله، وأن انتصارها لا يكون غير وقتي وعابر، بحكم منطق الأشياء الذي لم يسبق لأحد أن نجح في إلغائه، وعقالة البشر التي تنظم وجودهم، وتوجه أفعالهم، وتحول خبراتهم الفردية إلى خبرة عامة، ما أن تؤسس وعيهم، حتى ينظروا بصدق إلى واقعهم، وينفجر غضبهم صاعقا، حين يثقون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وأنهم لن يستعيدوا معنى وجودهم، ويغدون كراما، ما دامت أقلية فاسدة، تضطهدهم كأغلبية وطنية صامتة.
يعتقد الأسد أن التاريخ يستثني نظامه من أحكامه (التاريخ)، وأنه نجح حقا في وضع شعب سورية خارجها. لذلك، سيكون نظامه أبديا، بما أن الأقلية، إن هي انتصرت مرة تمكّنت من تركيع شعبها دوما، بالإفساد والعنف، رغما عن تجارب الإنسانية التي تعلمنا أن أي أقليةٍ قد تأخذ السلطة بعض الوقت، إلا أنها لن تنجح إطلاقا في حكم أغلبية ترفضها، وإخضاع هذه الأغلبية.
تعيش السلطة الأسدية زمن سقوطها، وإذا كانت قد بقيت في الحكم، فبسبب ارتهانها المهين لأجانب أتوا لنجدة رئيسها بمرتزقةٍ من كل حدب وصوب، ليست حربهم ضد سورية غير دليل آخر على استحالة استمرار حكمٍ أقلوي فاسد ضد إرادة أغلبية شعبه.
لئن حكمت أقلية، فبتراضٍ شعبي يمنحها الشرعية، أما أقلية الفاسدين وقطّاع الطرق التي تحكم شعبها بالبسطار والمسدس، وتحول مواطنيها إلى عبيدٍ في خدمة قتلة ولصوص، فلن يكون وهم أبدية سلطتها غير فخٍّ قاتل تسقط فيه وهي تنتحر. لن تحكم أقلية أغلبية ترفضها إلى الأبد، من دون شرعية القبول التي تمنحها لسلطتها، ولن تتجاوز ثورة تستمر منذ نيف وسبعة أعوام، هي الدليل على انبعاث روح الحرية في قلوب وصدور من تضطهدهم أقلية الفساد الحاكمة، وانتقالهم إلى ما بعد سلطتها، بعد أن قرّروا أن يلاطموا بعين إرادتهم مخرز الاستبداد ويكسروه، وأن لا يعودوا إلى الوضع السابق لتمرّدهم التاريخي، وأن تعاود سورية سيرتها الأولى، وطنا لشعب صمم على العيش حرّا!.
المرحلة الجديدة من الحرب السورية تجري على الحدود والمعابر الحدودية، مهما ارتفعت وتيرة الحديث عن جهود الحل السياسي في بلاد الشام. فكيف الولوج إلى حل سياسي وكتابة الدستور الجديد من دون إقفال الحدود السورية على التدخلات المختلفة من دول يصعب إحصاء عددها كاملة في وقت نسمع بأسماء دول جديدة بات لديها قوات ومقاتلين، تارة تحت ستار الاستطلاع وأخرى تحت مظلة المساعدات الإنسانية، وأخرى للحلول مكان قوات حليفة... هكذا بتنا نسمع بوجود عسكري نروجي وآخر فرنسي في هذا الشريط الحدودي أو ذاك... إضافة إلى الجيوش الأخرى الكبرى المعروفة في العمق السوري والوسط هنا وهناك؟
المنطق يقول بعكس ترويجات الحل السياسي، فهو يتطلب إلغاء الحدود المفتوحة التي حولت انتفاضة الشعب السوري إلى حرب نفوذ إقليمي ودولي.
التطورات العسكرية الأخيرة في سورية تتصل بالسيطرة على معابر حدودية أو بالحؤول دون سيطرة جيوش عليها، فضربة إسرائيل الأحد الماضي، للقوات السورية و «الحرس الثوري» و «الحشد الشعبي» و «حزب الله» في منطقة الهري القريبة من معبر البوكمال بين العراق والأراضي السورية هدفها منع طهران من مواصلة الإفادة من فتح الحدود لاستقدام المقاتلين والأسلحة والصواريخ التي تخزن في ثكنات متفرقة في سورية، من طهران عبر العراق وصولاً إلى سورية، ومنها بدرجة أقل إلى لبنان، لأن تخزين سلاح الحزب الرئيسي يتم فيها أكثر من الأراضي اللبنانية.
وتسخين الجبهة الجنوبية الغربية اليومي في بلاد الشام، تمهيداً لمعركة الجيش السوري والقوات الرديفة والمقاتلين التابعين لإيران الذين تحايلوا على اتفاق أميركي- روسي مزعوم بوجوب انسحابهم من هذه المنطقة، عبر «تنكرهم» بلباس الجيش السوري، هدفه السيطرة على معبر نصيب مع الأردن، الحيوي لاقتصاده المهتز منذ إقفاله، عن طريق استعادة الجيش السوري وحلفائه لمنطقة درعا من قوات المعارضة وفصائل «الجيش السوري الحر» التي ما زالت تحتفظ برقعة جغرافية واسعة فيها. مع نية السيطرة على هذه الرقعة عبر القضم، تدور المناورات فيها بين الدول المعنية بالحرب على منع الميليشيات المدعومة إيرانياً من توسيعها نحو محافظة القنيطرة، ومنع المواجهات في الجهة الغربية من الجنوب السوري. هذا مغزى التحذيرات الأميركية من توسيع المعركة. ومن هنا الإصرار الإسرائيلي على انسحاب الإيرانيين وميليشياتهم إلى مسافة 80 كيلومتراً عن الحدود مع الجولان السوري المحتل. ويساند الجانب الروسي وجهة النظر هذه، لالتزامه ضمان أمن إسرائيل، نقطة التقاطع الرئيسة مع واشنطن. وبات التوافق الدولي على إبعاد الإيرانيين عن الحدود مع الجولان غطاء كبيرا للغارات الإسرائيلية في العمق السوري ومحيط دمشق، آخرها أول من أمس (لم يعلن عنها مثل كثير غيرها) استهدفت تدمير مخازن وبنى تحتية للقواعد الموالية لإيران، طالما أنها لم تنسحب. غيّر مبدأ حماية حدود سورية مع إسرائيل قواعد الاشتباك فباتت ضربات الدولة العبرية تتم «بصمت» مخالف للضجيج عن التصدي السوري والإيراني لها كما حصل قبل 3 أشهر. الضربات صارت تحصل في وضح النهار، وتطاول مستودعات الصواريخ في العمق البعيد تحت شعار حماية الحدود التركية مع سورية، تتم أيضاً التحركات العسكرية لرجب طيب أردوغان في الشمال، وحتى الاتفاقات بينه وبين الأميركيين على تسلم قواته مدينة منبج، المعبر الحيوي في الشريط الحدودي، من القوات الكردية. ولولا حيوية هذا المعبر لما كان سهلا عودة الوئام الأميركي التركي بدوريات مشتركة هناك، تمهيداً لحل مماثل في مدينة تل رفعت يقضي بسحب قوات النظام منها والميليشيات الموالية لإيران منها.
ليس بعيداً من مبدأ حماية الحدود أيضاً اقتراح فلاديمير بوتين على رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري حين التقاه الأسبوع الماضي أن يعمل الجيشان اللبناني والسوري على ترسيم الحدود الشرقية (البقاع). الاقتراح جاء وفق التسريبات، في سياق تكرار الحريري مطالبته الرئيس الروسي بذل جهده مع نظام دمشق من أجل عودة النازحين في لبنان إلى سورية، ورد بوتين بأن الترسيم، ثم انتشار الجيش السوري مع تواجد للشرطة العسكرية الروسية، على الجانب السوري، والجيش اللبناني من الجانب المقابل، خطوات تساعد في عودتهم، لأنها تضمن لهم الأمان طالما أنها تقود إلى انسحاب الميليشيات من قرى عدة التي يخافون منها. في باطن هذه المواربة هدف إقفال الحدود على إيران والحزب من وإلى لبنان ولو أن الأمر سيأخذ وقتاً لأن مطبات كثيرة أمامه لبنانية وسورية.
حتى إخراج إيران والحوثيين من مدينة الحديدة اليمنية ومينائها لا يخرج عن سياق ترسيم الحدود الدولية. ترسيم حدود نفوذ طهران السياسي الذي قام على فتح الحدود، يبدأ بإقفالها.
تخوض تركيا هذه الأيام انتخابات مفصلية، ومختلفة، وحرجة، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني ومفاهيم، فهي مقبلة على انتخاب رئيس الجمهورية على أساس النظام الرئاسي لأول مرة، وهذا يعني أن الحكومة القادمة لن تخرج من عباءة البرلمان، ولن تحتاج لمنح الثقة والتصويت على برنامجها.
وربما لأول مرة تدخل تركيا انتخاباً يصعب على المراقبين التوقع والتخمين بنتائجه.
وكما كان متوقعاً فإن مسألة اللاجئين السوريين كانت حاضرة، وبقوة، في الحملات الانتخابية لكل الأحزاب في تركيا.
وانقسم الناخب التركي بين متعاطف ومتعاون مع اللاجئين، وبين ممتعض ومتذمر من التواجد السوري الذي طال أمده في تركيا.
الموضوع متشعب ويطول الحديث فيه، وله عدة جوانب ونواحي، يحتاج كل جانب منه لتناوله وتمحيصه والوقوف عند كثير من تفاصيله...
وهذا الحضور والتجاذب، يعود لعدة أسباب، سياسية، وعسكرية، واقتصادية، واجتماعية، ويمكن أن نضيف لها موضوع الساعة وهو التجنيس ونيل الآلاف من السوريين حق الترشح والاقتراع في هذه الانتخابات الحرجة، بالإضافة لتصرفات بعض السوريين المزعجة للأتراك والتنافس في سوق العمل وغيره...
لم تكن تركيا مستعدة فكريا ولا سياسياً لقبول واستيعاب هذا العدد الكبير والمفاجئ من اللاجئين السوريين، ولم تكن تتوقع – ولا السوريين أنفسهم- أن تطول إقامتهم هنا وتطفو للسطح مضاعفات هذا البقاء وسلبياته من جهة، واستحقاقاته ومتطلباته من جهة ثانية...
في بدايات أزمة اللجوء سعت تركيا وانتهجت سياسة "عدم جعل تركيا وجهة ومكاناً جذّاباً للسوريين" حتى تتم إعادتهم بعد انتهاء السبب الذي أجبرهم للخروج من ديارهم وأوطانهم.
لذلك شهدنا افتتاح مدارس التعليم "المؤقتة" والمراكز الطبية "المؤقتة" ولوائح وتعليمات وتسهيلات استثنائية "مؤقتة" ومحاولة لحجز السوريين وإبقاءهم في المناطق الحدودية دون المدن الكبرى والمدن السياحية وخاصة إسطنبول وأنطاليا.
لكن ومع استعصاء الحل السوري، وتعقيداته، انتلقت تركيا إلى سياسة الأمر الواقع، وتشخيص صحيح لحالة اللجوء التي اصبحت حالة مستديمة، مستفيدة من تجارب ودراسات وحالات اللجوء التي تعرضت لها هي من ناحية، والتي حدثت عبر التاريخ في دول أخرى، ومحاولة الاستفادة من وجود السوريين، وتحويل الأزمة إلى فرصة.
ورغم بطأ التنفيذ واتخاذ القرارات، والبيروقراطية الثقيلة، إلا أن تركيا خطت خطوات مدروسة وثابتة نحو دمج السوريين بتركيا، وتقليل سلبيات هذا التواجد، ومحاولة الاستفادة من الكفاءات والخبرات والعنصر الشاب في كثير من المجالات، وعلى رأسها الصحة والتعليم.
برأيي هناك ثلاث ملفات أساسية جعلت السوريين محل تجاذب واصطفاف الناخب التركي تجاههم.
المبالغ التي صرفت، وعملية التجنيس، والخدمة الصحية المجانية.
أولاً المبالغ المصروفة: طالما رددت جهات مسؤولة وتكلمت عن المبالغ التي صرفت على الملف السوري، والتي قيل انها وصلت لأربعين مليار دولار، وهذا هو الرقم المتداول في خطابات المعارضة اليوم، منتقدة الحكومة ومحملة لها المسؤولية لأنها تسببت في عملية اللجوء والتدخل بالشأن السوري، فالاعتراض ليس بشكل مباشر على صرف المبلغ ولكن على السياسة الخارجية التي وقفت طرفاً في المسألة السورية وتسببت لهذه الحالة...
ربما أخطأ الحزب الحاكم بذكر وترديد هذا الرقم في كثير من المناسبات، لإظهار حجم التعاطف والتضحية تجاه الإخوة السوريين... ولكن برأيي كان ينقصه الإشارة أيضاً لما أضافه السوريون من دعم للاقتصاد التركي والاستثمارات والشركات السورية التي انتقلت لتركيا...
وهنا أيضاً يظهر جلياً تقصير الجهة السورية المعنية بهذا الأمر، التي لم تستطع أن تعطي صورة مشرقة للناحية الاقتصادية الإيجابية للتواجد السوري بتركيا.
وأن هذا التواجد ليس سلباً كله، بل له الوجه الآخر المشرق...
ثانياً التجنيس والانتخاب: بعد هجرة كثير من الكفاءات وأصحاب الشهادات إلى بلاد الغرب للاستقرار هناك، بدأت تركيا بمحاولة منع هذه الهجرة ومحاولة كسبها وإبقائها في تركيا، من خلال عملية تجنيس هذه الشريحة وخاصة الأطباء والمعلمين، ومن هنا أيضاً بدأ الاعتراض ليس على تجنيس السوريين إنما على نيلهم حق الترشح والانتخاب، وأن سبب التجنيس هو كسب مؤيدين للحزب الحاكم وليس لحل مشكلة اللاجئين الإنسانية...
وهذا الانتقاد له مبرراته... وأسبابه
منها ماذا لو تم منح هؤلاء السوريين كل حقوق العمل والسكن والتنقل والعلاج - كما هو حاصل بالنسبة للصحة والتعليم - من خلال " الكيمليك" أي بطاقة التعريف التي يحملونها، بدون التجنيس ومنحهم حق المواطنة...
الأمر الآخر هو الحس القومي – والمتزايد حتى عند الحزب الحاكم – لدى شريحة كبيرة من الناخبين الأتراك. ومن هنا يجب التساؤل "هل تركيا اليوم هي جاهزة لتقبل أن يكون هناك برلمانيين سوريين ويتكلمون بالقضايا الوطنية والسياسة الداخلية والخارجية...!!؟".
برأيي ليس بعد...
الأمر الثالث هو الخدمة الصحية المجانية المقدمة للسوريين التي بدأت تلامس كل من يعمل بالقطاع الصحي من أطباء ومساعدين وموظفين بالمشافي، والمرضى الذين يعانون من آلام وانتظار دور، وهم يرون أيضاً السوري يأخذ دورهم، وينال الخدمة الصحية المجانية.
هذه الشريحة وفي حالتها المرضية ومعاناتها الصحية وهي تتألم وتتوجع، لا تسمح لها نفسياتها أن تكون أكثر تسامحاً وتحملاً وتفهماً وتعاطفاً مع الحقوق الممنوحة للسوريين التي تؤثر سلباً وبشكل مباشر على معاناتهم في المشافي.
ألم يكن هناك حلول أفضل من ذلك..!!؟؟ برأيي كان هناك الكثير من البدائل التي لم يُسع لها...
كيف يخفف السوريون هذا الاصطفاف والاحتقان..!!؟؟
كثير من اللاجئين العرب يتحركون بعاطفة جياشة، وحماس ملتهب، وحب جم، لدعم الحكومة الحالية، واستمرار الاستقرار والسياسة الحالية، ولكن قد تتحول هذه الأمور والتصرفات لمزيد من المواقف المتشددة والتعنت تجاههم... ومن هنا وجب عليهم معرفة التركيبة السياسية، والسكانية، والقومية لدى الناخب التركي، وأيضا فهم الواقع الذي يعايشونه والتحرك بشكل عقلاني لا عطافي وواقعي لا خيالي...
بعد سبع سنوات من بداية الثورة استطاع النظام وحلفاؤه (روسيا وإيران) استعادة السيطرة على غالبية المناطق التي خسرها لحساب المعارضة، ولا شك أن الجديّة التي تدخلت بها روسيا وإيران كانت السبب الرئيس لحسم المعركة وحشر المعارضة إلى آخر معاقلها بمحافظتي إدلب ودرعا التي ربما تنتظر مصيرا مشابها للغوطة وحلب وغيرهما من المدن التي شهدت التهجير، وكما هي سنة الحروب فإن المنتصر هو الذي يفرض شروطه، ولأن الثورة لا تزال صامدة في نفوس أهلها سنبتعد عن وصف المنتصر ونستبدله بالطرف المسيطر أو الذي يملكك الأوراق الأقوى في هذه المرحلة وهنا نقصد النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيين، ولكن يجب الاعتراف بهذه الحقيقة، واعترافنا بها يترتب عليه الإقرار بقوانين وسنة الحروب في المزايا التي يحصل عليها الطرف الأقوى من مكاسب وسلطة القرار في شكل المرحلة القادمة.
هل هناك خلاف روسي إيراني؟
في الوقت الذي تنعي فيه الثورة المناطق والمدن التي حجبت عنها الشمس طائرات الروس، وضاق الهواء بأهلها عندما تحول إلى كلور يتسلل إلى صدور الأطفال والشيوخ مثلما تسللت الصراعات الداخلية إلى فصائل الثورة، يتفاخر النظام وحلفاؤه بانتصاراتهم التي حققوها ويتجهزون لرسم الصورة التي ستكون عليها حالة الدولة والنظام المتجانس بين الحلفاء، فالنظام اليوم ليس هو النظام قبل سبع سنوات رغم بقاء مؤسساته العسكرية والأمنية إلا أن هذه المؤسسات أصبحت مرهونة لأوامر أفراد موالين إما لروسيا أو لإيران، ورغم اختلاف الأهواء والطموحات لدى هذين الحليفين إلا أنهما متفقان على تماسك الحلف لإبعاد النفوذ الغربي من المنطقة، ويبقى الحديث المتناقل لدى المعارضة عن خلافات داخل هذه الحلف في تقاسم السيطرة والنفوذ والتكهن بنزاع قادم بينهما هو مجرد أوهام ممزوجة بالرغبة لأن مقومات التماسك أقوى بكثير من مقومات التنازع حتى لو ظهرت بعض الخلافات بين الحين والآخر بسبب فوضى الحرب وتعدد أصناف وأشكال الميليشيات التي ولدت بدوافع طائفية وعرقية لتواجه الثورة، فمقومات التماسك لدى هذا الحلف كبيرة جدا وكلاهما لديه عناصر قوة لا تكتمل إلا بوجود الطرف الآخر.
فإيران القوة الإقليمية الصاعدة في المنطقة تحتاج إلى حليف دولي قوي يملك العضوية في مجلس الأمن يستطيع ملأ الفراغ الأمريكي ويمتلك سلاح الجو الذي يتحاشى الجميع المساس به، وظهر هذا جليا في تجربة الأتراك بإسقاط الطائرة الروسية التي كلفتهم الاعتذار والتراجع عن عدة مواقف، وأما روسيا فهي الأخرى بحاجة إلى حليف قوي على الأرض وعدو لأمريكا والغرب وهذه الصفات موجودة في إيران التي تملك النفوذ على ميليشيات تتوزع في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتقاتل بعقيدة تمكنها من الثبات في المعارك، ومع كل هذه الأسباب المتينة لتماسك هذه الحلف.. ما الذي ستؤثر به بعض الخلافات السطحية وغير الجوهرية التي نسمع عنها وتحاول المعارضة وبعض وسائل الإعلام تضخيمها وتقديم صورة تضلل بها جمهور الثورة؟!
عمق الصراع الحقيقي والمشاريع الصاعدة في المنطقة
لتكون الصورة أوضح لا بد من إدراك وفهم المشاريع الثلاثة الصاعدة في المنطقة، وهي المشروع الإيراني والتركي والإسرائيلي، فهذه المشاريع دخلت الصراع المنفجر بعد الربيع العربي إما مضطرة مثل تركيا أو راغبة مثل إيران أو مراقبة مثل اسرائيل، إلا أن الأخيرة لن تبقى كذلك بعد أن شارفت الحرب على نهايتها في سوريا واقتراب المشروع الإيراني من حدودها، فهذا الصدام المتوقع بين المشروعين قد يتحول إلى نزاع بارد وطويل الأمد لكنه على الأغلب لن يتطور إلى حرب كلاسيكية لأن نتائجه ستكون كارثية على كلا المشروعين خصوصا مع إدراكهم أن المستفيد هو مشروع عربي سني إسلامي قد يظهر في حالة ضعف أي منهما أو مشروع تركي جاهز لملأ الفراغ في أية لحظة.
وهذا المشروع أي التركي فتبدلت أولوياته في النزاع مع المشروع الإيراني داخل سوريا وتراجعت طموحاته من مزاحمة إيران في العمق السوري إلى تأمين حدود مشروعهم بعد ظهور كيانات جديدة تهدد أمنهم القومي وهنا نتحدث عن المشروع الكردي المدعوم من أمريكا والذي اضطر تركيا للرجوع خطوة إلى الوراء وخلط الأوراق بدخولها حلف الخصوم بعد أن ساءت علاقاتها مع الحلف الأمريكي الذي سعى لدعم أعدائها على الحدود.
وبالعودة إلى المشروع السني غير المكتمل وهنا لا يمكن الفصل بين سوريا والعراق بصرف النظر عن شكل هذا المشروع الذي انقسم بين مشاريع مدنية وحركات إسلامية وفصائل عسكرية أخذت عدة أشكال منها الجيش الحر والفصائل الإسلامية والتنظيمات الجهادية والتي فشلت جميعها في الانصهار ضمن مشروع واحد يواجه المشاريع الإقليمية لتكون النتيجة فناء الجميع وانحسار من تبقى إلى إدلب محتمين بتركيا أضعف هذه المشاريع نفوذا في سوريا.
الاستراتيجية الأمريكية ودورها الجديد في سوريا
"لا يمكننا أن نكرر أخطاء عام 2011 حيث غادرنا العراق قبل الأوان" هذا ما قاله ريكس تليرسون وزير الخارجية الأمريكي قبل فترة في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، ومن هذا الكلام نستخلص أنه وبعد أن وضعت أمريكا يدها على النفط السوري وصنعت حليفا لها شرق الفرات " القوات الكردية " تكون قد استوفت أولوياتها في هذه المرحلة، فالنفط لتساوم به روسيا والحليف الكردي لتساوم به تركيا وقواعدها العسكرية لمواجهة النفوذ الإيراني بمنع طهران من إقامة ممرها البري الذي يربط إيران بالبحر المتوسط مرورا بسوريا والعراق ولبنان، وبهذا سيكون الدور الأمريكي لاعبا أساسيا ربما في شكل التسوية السياسية التي ستضمن مصالحها أولا في المنطقة.
من سيفرض شروطه في المرحلة القادمة؟
بعد سيطرة النظام وحلفائه على دمشق وتأمين محيطها بإجبار الفصائل على الخروج من الغوطة وجنوب العاصمة وتهجير المعارضين مع عائلاتهم إلى الشمال كما هو حال باقي المدن، والوهن الذي لحق بالثورة بسبب الصراعات الداخلية على النفوذ وظهور المشاريع غير المرغوب بها دوليا أدت إلى تراجع حلفاء الثورة عن دعمها، بعد هذه السيطرة تكون الثورة قد وصلت إلى مرحلة "خارج الحسابات" أي أنها خارج كل التفاهمات القادمة، فحلف النظام بات يسيطر على المساحة الأكبر والمدن الأهم، يقاسمه بها الغرب وأمريكا في مناطق النفط، وتركيا على حدودها في الشمال، وهؤلاء هم من يفرضون الشروط على شكل الدولة القادمة كل منهم حسب حجم النفوذ الذي يمتلكه من القوة والانتشار على الأرض إلى الذي يسيطر على النفط.
هل انتصر النظام وحلفاؤه أم فشلت الثورة؟
سؤال قد يصعب على الخاسر في هذه المرحلة الإجابة عنه، كما يصعب على النظام الإقرار بنصرٍ كلفه الإطاحة بهيبة رمزه الأول "بشار الأسد" بعد إذلال الحلفاء له في شخصه وفي قراره وقرار نظامه المُصادر من قبل حلفائه، ولأن هذا النصر على حساب شعب بأكمله فهو نصر لمرحلة قد تطول لكنها لن تستمر.
يتجدّد ضرب "العدوّ الصهيونيّ" للنظام الذي يحتفظ بحقّ الردّ في كلّ مرّة، ويهدّد إعلاميّوه بأنّهم يريدون الإطاحة بالدولة الصهيونيّة المدعومة من الإمبرياليّة العالمية، وقوى الاستكبار في الأرض! لكنّهم ينتظرون الوقت المناسب! قراءة الحدث هذه المرّة ينبغي أن تكون في سياق التداعيات السياسية الحاصلة مؤخّرًا، والمتضمّنة سعي الدول إلى إيجاد مخرج يحفظ لها ماء وجهها أمام شعوبها ومبادئها المزعومة، مخرجٍ من الأزمة التي ورّطت نفسها بها في سوريا حين دعمت النظام القاتل، وتركته يقتل نحو مليون ويشرّد نحو نصف السكان في هذا البلد.
في السابق كانت كلّ مرّة يأتي الإعلان فيها عن ضربةٍ إسرائيليّة تكون في سياق تلميع النظام السوريّ، وغالبًا ما يكون ذلك عقب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو خوفًا من وصول أسلحة نوعيّة يملكها النظام -ويرى الصهاينة بلادهم في مأمن ما دامت هذه الأسلحة النوعيّة في يد النظام المجرم خوفًا من وصولها إلى الثوّار، لكنّ هذه المرّة تختلف قليلاً عن مثيلاتها، فبعد الاتفاقات الدوليّة على الحل السياسيّ باتت المشكلة في التوّغل الإيراني على الأراضي السوريّة، والنظام الذي استجلب هذا الاحتلال والاحتلالات الأخرى ليس له سطوة على تلك التنظيمات الموالية لإيران، والتي تدور في فلك النظام، فوجود النظام بات شكليًّا أمام قوّة هذه المليشيات المحتلّة والتشكيلات المسلّحة على الأرض، لذا بات من الضروريّ المساهمة في إزاحتها من خلال تهديدها وجوديًّا وتركيز الجهود على تحديد مهامّها في الحفاظ على المشروع العالمي في سوريا، لئلا يكون لها دور في المشروع الإيرانيّ إلا بقدر مساهمته في المشروع الدولي.
لقد اختارت إسرائيل أمريكا لإيصال رسالة إلى النظام السوريّ، وإلى الميليشيات الموالية له، وإلى المجتمع الدوليّ برمّته، للدلالة على التماهي الكامل بين السياسة الأمريكية والإسرائيليّة في المنطقة، ولئلاّ تزجّ إسرائيل نفسها في المواجهة، وقد كان ذلك بعد تصريح مسؤول أمريكيّ بأنّ الضربة لم تُنفّذ من قبل طائرات التحالف. بل إنّ هذه الرسالة تشمل روسيا، لتقول أمريكا إنّ إسرائيل معي، ومشاركتها عن طريقي، والتنسيق بين أمريكا وإسرائيل أكبر وأهمّ من التنسيق مع روسيا، كما أنّها رسالة لوقوف إسرائيل في صفّ المشروع السياسيّ الأمريكي في سوريا دون المشروع الروسيّ.
إنّ التصريحات المتسارعة في هذه الضربة تشي بالتنسيق المسبق بين الإسرائيليّ والأمريكيّ، وهو تنسيق لا يحتاج إلى مؤشّرات، لكن لعلّ من المعقول جدًّا أن نتساءل: إذا كانت أمريكا تقود تحالفًا دوليًّا (ضدّ الإرهاب!) في كلٍّ من سوريا والعراق، فلماذا لا تقوم هي بتنفيذ تلك الضربات؟ ولماذا لا توكّل إحدى الدول المشاركة في هذا التحالف بتنفيذ تلك الضربات؟ ولماذا تتولّى الإعلان عنها أمام وسائل الإعلام العالميّة وأنّها من تنفيذ إسرائيل؟
بل إنّ من حقّ كلّ متابع أن يتساءل عن سبب ترك الإرهابيين يرتعون في سوريا وينقلون أسلحتهم الثقيلة وتتحرّك آليّاتهم على الأرض دون أيّ متابعة من التحالف الدولي؟ وللإنصاف فإنّ الإرهاب لا يقتصر على نظام العصابات الإجراميّة في دمشق، بل يمتدّ ليشمل فئات كبيرة من معاونيه وشبّيحته والدول التي تسانده، فالإرهاب الإيراني والإرهاب الروسيّ الرسميّ لا يقلّ إجرامًا عن إرهاب النظام المجرم.
للإجابة على تلك التساؤلات لا بدّ من النظر في طبيعة عمل هذا التحالف المزعوم وأنّ أمريكا هي التي تقوده وهي وحدها صاحبة القرار فيه، بل هي وحدها المسيطرة على نحو 90 بالمائة من عمليّاته على الأرض! وهي وحدها التي تقيّم التكاليف الماليّة للعمليّات وتستوفيها من (الدول الداعمة) ويبدو أنّها تريد توزيع شيء من الكعكة على إسرائيل، كما يبدو أنّ بقاء إسرائيل خارج التحالف يترك لها حريّة التصرّف دون الحاجة إلى مرجعيّة عليا، ودون بيروقراطيّة في اتّخاذ القرارات، ودون تحميل مسؤوليّات للآخرين عن أعمالها باعتبارها ليست شريكًا، بل تقوم بتلك الأعمال على مسؤوليّتها الشخصيّة وبدافع حماية أراضيها المجاورة للإرهابيين الموجودين في سوريا، وهذه الحجّة لا تنطلي على أحد، لكنّ الأتراك التقطوا هذه الحجة فصوّروا أنفسهم كالمقتنعين بتلك الفكرة لاستنساخها في مناطق الشمال، وحماية أمن تركيا بعمليّات منفردة دون تحميل المسؤوليّة لآخرين.
ختامًا:
هل هذه الضربات هي لمصلحة النظام، وإن كان بشكل غير مباشر، فتصبّ في المصلحة الاستراتيجيّة للمشروع الذي يعيد إنتاج النظام، أم هي فعلاً تؤذي النظام، وتقلّل من وجوده في العملية السياسية بقدر ما تقلل من هيبته في نفوس أبناء شعبه؟ أيًّا كان الجواب على هذا السؤال فإنّ ممّا لا يخفى أنّ غرض إيذاء النظام إلى درجة إقصائه عن المشهد ليس مقبولا لا للتحالف الدُّوَلي ولا للصهاينة الذين يقصفونه.
لذلك يمكننا القول بكلّ ثقة إنّ هذه الضربات تأديبيّة استباقيّة وهي تأتي في سياقات متكرّرة دوريًّا بحسب الحاجة، كما أنّها محسوبة بدقّة لا تسمح للثوّار باستغلالها، ولا تؤدّي إلى انهيار مفاجئ للنظام تحت أيّ ظرف، إلا في حالة وجود خطأ من قبل العدوّ الصهيونيّ الذي يقوم بالقصف أو عند وجود شرفاء من داخل صفوف النظام وهو أمرٌ مستبعدٌ جدًّا بعد موجات من التصفيات والانشقاقات، وحتى هذه الأخيرة لن يسمح النظام الدولي باستغلالها بالصورة التي تعرقل مشروعه في سوريا.
وحتى الآن لا يوجد أيّ مؤشّر على توقّف تلك الضربات وإن بدأ الحلّ السياسيّ، فإسرائيل تريد فرض نفسها لاعبًا في الساحة السوريّة لا من خلال أمريكا فحسب بل من خلال طائراتها وصواريخها.
حذار من قضية اللاجئين!
يتوجب التعامل معها بعناية شديدة سواء من قبل الشارع، أم من جانب الدولة..
فقد اتضح بما لا يدع مجالًا للشك أن حملات التحريض وزيادة الاستياء الاجتماعي ستنفذ عبر استغلال قضية اللاجئين بعد الانتخابات أيضًا.
منذ ثلاثة أيام نشهد مثالًا واضحًا على ذلك..
فالناس المنزعجون مما أصاب كلبًا مسكينًا (كلب قُطعت قوائمه الأربع في حادثة لم تتضح ملابساتها بعد، واتُّهم أطفال سوريون بفعل ذلك)، نمت في داخلهم فجأة كراهية السوريين متأثرين بأكاذيب واستفزازت ومبالغات.
هذه تحركات مدروسة..
***
لدينا نماذج من الممثلين الهزليين والمطربين والمذيعين المغرقين في الحماقة، يهرولون إلى مثل هذه الحوادث إلى درجة لا يمكن معها إيقافهم..
أحد الهزليين المشهورين لدينا أثار زوبعة على مواقع التواصل الاجتماعية.
يقول في مشاركة له، إن العثور على الأطفال "المذنبين" غير كافٍ، وإنه يتوجب العثور على أسرهم أيضًا وطردهم من تركيا فورًا.
وفوق ذلك، لم ينس أن يضيف جملًا من قبيل "هؤلاء هم الأطفال الذين ننفق عليهم ملايين الدولارات، بينما لا نستطيع أن نشبع جوع أبنائنا" دون حياء أو خجل..
أما المقترحات والتعليقات القائلة "لنفعلن بالسوريين الأفاعيل" والواردة أسفل المشاركة، فهي دليل على تشوه روحي إلى درجة لا يمكن حملها على محمل الجد..
عندما يُنشر مشهد مصور في الأردن على أنه في محافظة صقاريا التركية لا أحد يسأل عن مدى صحة الأمر..
***
عند تقديم أمثلة من أوروبا يبدو أن الأمر لا يُفهم تمامًا على الأغلب.
سأحاول التوضيح بشكل أفضل..
قبل حوالي أربعة أعوام كان الساسة الشماليون في إيطاليا يقولون إن العلم الإيطالي لا يمثلهم، وإنهم لا يريدون تقاسم ثرواتهم مع الجنوب. بعض الأوساط نصحت هؤلاء الساسة بالتركيز على اللاجئين وترك الجنوب وشأنه.
هكذا فعل ساسة الشمال، وبذلك أصبحوا شركاء في الحكم.
ولا يختلف وضع رئيس الوزراء المجري عن ذلك.
فيكتور أوربان لم يكن أحد يسمع به عندما كان يتبع سياسات ليبرالية، لكنه أصبح الآن ينال 48 في المئة من أصوات الناخبين.
كيف ذلك؟
من خلال العداء للمهاجرين والإسلام..
***
ربما نتعامل مع الأمر بحسن نية، ولا نريد أن نرى الحقيقة، ولكن..
زبدة القول هي أن العداء للاجئين طريق للحصول على دعم القاعدة الشعبية بسرعة كبيرة..
هذا أمر مجرّب ومفهوم ومؤكد.
ويستخدمه اليوم من يريدون تغيير النظام أو إثارة الفوضى.
وإذا كان كمال قلجدار أوغلو ومحرم إينجة ومرال أقشنر يسعون إلى جعل السوريين مستهدفين، فلأن بعض الأوساط تهمس في آذانهم ليثيروا العداء ضد اللاجئين..
لم تنقطع علاقة حركة حماس بإيران وسوريا منذ العام 2000 تقريبا إلا عند اندلاع الثورة الشعبية في سوريا، عندما قرر الشعب السوري الانعتاق من حكم الأقلية مطالبا بحريته في إطار الثورات العربية التي انطلقت في العام 2011.
وتشاركت حماس قبل 2011 ضمن إطار ما أطلق عليه محور المقاومة المكون من سوريا وإيران وحزب الله. وطوال هذه الفترة، حصلت الحركة على دعم مالي وعسكري من إيران؛ تمكنت بفضل الله أولا ثم بفضله من الصمود في معارك طاحنة مع العدو الإسرائيلي في الأعوام 2008 و2012، فضلا عن العام 2014 في معركة العصف المأكول.
علاقة قديمة
وبالتالي، فإن العلاقة مع إيران ليست جديدة ولا هي كذلك مع سوريا، ويأتي استئنافها مع طهران كنتيجة طبيعية بسبب توقف الدعم العربي والإسلامي للحركة. وهي بهذا تشكل حالة اضطرارية، وليس خيارا أصيلا، لو لم يتوقف الدعم، بما في ذلك الدعم الذي كانت تحصل عليه من تركيا وقطر!!
المشكلة في هذا الإطار تكمن في التصريحات غير الموفقة والاستفزازية التي أدلى بها رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، وفي عدم تقديم هذه العلاقة بالشكل المناسب، الأمر الذي أثار سخط الجماهير التي ترى اعتداءات إيران وحزب الله على حواضر العرب، وارتكاب مجازر في سوريا والتدخل في العراق واليمن لدعم مليشيات طائفية هناك.
حركة حماس تريد مقاومة العدو، ولكنها لا تلقى دعما من العرب وتركيا، لذلك كان عليها اللجوء لإيران مرغمة، وهذه الأخيرة هي الوحيدة التي دعمت المقاومة الفلسطينية بالسلاح، وقدمت لها دعما ماليا لكي لا تصير لقمة سائغة للعدو. وإيران أيضا هي الوحيدة التي تطالب بفلسطين من نهرها إلى بحرها، بينما يلوذ العربان بالمبادرة العربية التي تدعو لسلام وتطبيع مع العدو وتفرط بحق اللاجئين في العودة!!
صحيح أن إيران تتدثر بهذا الدعم لاستمرار عدوانها على الأمة، ولكن من قال إن المصالح تأتي لطرف دون آخر في العلاقة؟
ويحسب لحماس أنها لم تسوق لإيران ولا للشيعة في المنطقة، وسبق لها أن دعت إيران للانسحاب من سوريا.
العلاقة مع سوريا
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات زعيم حماس إسماعيل هنية لوكالة سبوتنك الروسية تجاه سوريا لتزيد الطين بلة، خصوصا وأن مبررات عودة العلاقة معها تبدو أقل من العلاقة مع إيران، إلا إن كان ذلك بطلب من إيران.
ويقول هنية: "نحن لم نقطع العلاقة مع سوريا، ولكن الكثير من الظروف الموضوعية أدت إلى شكل العلاقة الحالي، ونحن نعتبر سوريا دولة شقيقة وقف شعبها ونظامها دوما إلى جانب الحق الفلسطيني، وكل ما أردناه أن ننأى بأنفسنا عن الإشكالات الداخلية، التي تجري في سوريا، ونأمل أن يعود الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في سوريا، وأن تعود إلى دورها الإقليمي القومي".
ويضيف: "إننا لم نكن يوما في حالة عداء مع النظام السوري، والذي وقف إلى جانبنا في محطات مهمة وقدم لنا الكثير كما الشعب السوري العظيم".
ويقدم هنية هنا وصفا للصراع في سويا بأنه "تجاوز الفتنة إلى تصفية حسابات دولية وإقليمية، لذلك نأمل أن ينتهي هذا الاقتتال ويتوقف شلال الدم النازف، والذي يدمي قلوبنا ويضر أبلغ ضرر بالواقع القومي للأمة وبقضيتنا الفلسطينية على وجه الخصوص".
ويأتي ذلك لتبرير العلاقة المحتملة مع النظام، ولكنه يتجاهل استمرار النظام السوري في البطش بشعبه، الأمر الذي يشير إلى قصور هذا الموقف، والحاجة إلى بلورة موقف أكثر اتزانا منه!!
وفي كل الأحوال، فإن هذا الموقف يتعارض مع طموحات الأمة، فهو يظل موقفا غير مبرر ما دام هذا النظام يستمر في السلوك الإجرامي تجاه شعبه!!
وساطة ممكنة لحماس
حماس بقيت الأمل الوحيد للأمة في التصدي للمشروع الصهيوني القائم على الاحتلال والتوسع، ولذلك عليها أن توغل برفق في العلاقة مع إيران وسوريا في ضوء استمرار عدوان وإيغال ايران وحزب الله وسوريا والنظام السوري في دماء أهل السنة.
وفي ضوء علاقتها مع إيران، فإنها يجب أن تبحث عن تطويع الدور الإيراني تجاه تسوية سياسية مع العرب والمنطقة، لمنعها من استفزاز المجموع السني الغالب وأن تحد من طموحاتها في المنطقة.
صحيح أن حماس هي أضعف من أن تقوم بهذا الدور، ولكنها يمكن أن تمارس دور الوسيط في المنطقة والسعي لحوار عربي- إيراني يفكك الخلاف بين الطرفين، فضلا عن سعيها للحصول على مساعدات شعبية تقلل من اعتمادها على إيران!!
ينظر السوريون- على جانبي الصراع- بسخرية غير مسبوقة إلى الآلية المتبعة حالياً في تشكيل اللجنة الدستورية، وإلى المعركة الإعلامية الدائرة في أروقة «النخبة» السياسية المختارة دولياً، مشككين بجدواها وكأنها واحدة من أسواق التجارة السياسية البينية بين النظام المتهاوي، وقيادات معارضته المعينة من قبل الدول الداعمة لها، وبينما تستعر الخلافات حول أحقية الجهات المدعوة لصياغة دستور خارج الأرض السورية «لدولة ذات سيادة»، يناقش المبعوث الأممي تشكيل هذه اللجنة مع الدول الضامنة لكل الأطراف على كثرتها كأوصياء على النظام والمعارضات (روسيا، إيران، تركيا) وغيرها من الدول، ويترجل خلال ذلك النظام عن تصريحاته السابقة في أنه غير معني بأي لجنة خارجية (تصريح الجعفري في مجلس الأمن 14شباط- فبراير 2018) أي أنه لن يشكل لجنة دستورية خارج مؤسساته الشرعية (مجلس الشعب)، معلناً خضوعه لإملاءات روسيا ويسلم قائمة الأسماء الممثلة عنه لدي ميستورا.
وعلى الجانب الآخر، كما هو سلوك كيانات المعارضة عبر السنوات السبع الماضية، في رفضها المتسرع لكل ما يقدم لها من خيارات، ثم إرغامها على القبول بها من قبل الجهات الداعمة لها، وآخرها رفض المشاركة في «سوتشي»، وما تمخض عنه، ثم القبول بنتائجه وفقاً لإملاءات تركيا التي تصرح أطراف في المعارضة: «أنها الجهة الوحيدة المخولة بتسمية ممثلي المعارضة في اللجنة الدستورية لصياغة دستور سورية»، ثم زيادة على ذلك عادت المعارضات، على تنوعها، لتتصارع على أسماء ممثليها إلى اللجنة الدستورية.
وفي الوقت الذي تأخذ أخبار المعارك الميدانية التي يخوضها النظام إلى جانب حليفتيه روسيا وإيران، وليس العكس، كل مساحات الإعلام، يقع سوريو الداخل والمهجرون واللاجئون في دول الجوار بين براثن الجوع والجهل والتجهيل، والحرب الطائفية الدخيلة بين طرفي التطرف الشيعي أتباع إيران، والسني «القاعدي» كـ «داعش» و «النصرة» والقريب منها، ما يجعل أحداث الساحة السياسية محصورة بين شريحة المنتفعين من الصراع المستمر على السلطة، سواء من النظام، الذي يعوم نفسه قتالياً وعسكرياً، على حساب تجويع شعبه الذي يرزح تحت حكمه وفي مناطق نفوذه، حيث تفيد الدراسات أن جميع الأسر السورية تقع تحت خط الفقر بما فيها أسر العاملين في الدولة بكل مراتبهم الوظيفية، (على رغم أن أحد علاجات الفقر عادة يكون بتأمين فرصة عمل) ويستثنى من هذه الأسر، فقط تجار الحروب والفوضى من السوريين القريبين من السلطة كما هي الحال دائماً، حيث يتقاضى موظفو أعلى مرتبة وظيفية ما قيمته أقل من 100 دولار في أحسن الحالات، في الوقت الذي حدد البنك العالمي مستوى خط الفقر بنحو (1.9) دولار يومياً بحسب مركز فيريل الألماني في دراسة نشرها في 2016، أي ما يتطلب دخلاً لا يقل عن 180 دولاراً للفرد الواحد، ليبقى على حافة حد الفقر وليس فوقه.
ولم تطرأ تعديلات تذكر بعد ذلك على الدخول التي تآكلت الزيادات الطارئة عليها، مع استمرار إصرار النظام على متابعة الحرب ضد الحاضنة الشعبية للثورة وليس للمعارضة، ما أدى إلى انهيار الليرة السورية وفقدان الاحتياط النقدي الذي كان يزيد على 20 بليون دولار عام 2011، أي أن سورية النظام اليوم تعوم على بحر من شعب لا يســـتطيع تأمين قوت يومه، في الوقت الذي تتزايد ثروات فئة من المقربين من النظام طاول نفوذها وهيمنتها الاقتصادية والســـياسية الدولة الجارة لبنان، وهو ما جعل سوق الفضائح التي تحدث عنها الزميل حسام عيتاني في مقاله يوم 18 حزيران (يونيو) الجاري «الفضيحة الناقصة» ينتعش، حيث تصدر خبر تجنيس أثرياء النظام الذين تحوم حول سجلاتهم القضائية شبهات قوية كأحد يوميات الفضائح المتداولة في لبنان حزب الله.
وبين «شعب النظام» الذي لا يستطيع تأمين حاجاته الأساسية من طعام وشراب، والفجوة الكبيرة التي يزيد النظام السوري منها عبر سياسة «دعم الفساد مقابل الولاء» في مناطق النظام، حيث تشهد الأسعار أعلى مستوياتها ليغدو تأمين حصة الغذاء اللازم للفرد ضمن قائمة أحلام (السوريين في الداخل) ما يجعل من بقائهم في منازلهم أسطورة حقيقية في الصبر والتحمل، وبين «شعب المعارضة» وفي حقيقة الأمر يمكن القول «شعب محسوبة عليه هذه المعارضة» التي تستثمر شقاءه ومعاناته، وهو لا يستطيع تأمين أي من مستلزمات الحياة اليومية، أي في حال أسوأ من حال واقع السوريين تحت حكم النظام بعشرات المرات، إضافة إلى فقدان فرص التعليم للأطفال الذين وصل عدد المتسربين من التعليم في مناطق المعارضة والبلدان المجاورة إلى 2.8 مليون طفل، وفقدان المياه النظيفة والأدوية الضرورية، ما يجعل الشك في حقيقة تمثيل كلا الطرفين للسوريين في اللجنة الدستورية، أو سواها من لجان التفاوض، مشروعاً بل مداناً لأنه جاء بناء على رغبة الأمم المتحدة التي ترى أن الحل بمصالحة المتورطين بالمقتلة السورية وليس بعقابهم وإبعادهم عن صياغة مستقبل سورية وشكله المقبل، بمعنى شرعنة القتل وصولاً إلى الشراكة في الحكم عبر قرارات أممية وفوقية.
ما تحتاجه سورية اليوم مع تزايد حشود جيش النظام وحلفائه لخوض معركتهم في درعا، وإيقاع مزيد من خسائر في البشر والحجر، ليستكمل دائرة الدمار التي طوقت سورية، من الجنوب والشمال والغرب والشرق، هو قرار أممي يعيد من جديد تموضع الأولويات في الحل السوري بإنهاء الحرب المفروضة على السوريين أولاً، وتأمين مستلزمات الحياة الآمنة لهم، لإعادة ترتيب أبجديات حياتهم مع بعضهم بعضاً، خلال مرحلة انتقالية تمكنهم من دراسة خيارات العقد الاجتماعي، الذي ينظم حياتهم مع بعضهم ومع الآخرين من دول وكيانات وقوى، أي أن اتفاق مندوبي الدول من الســـوريين لا يمكنه أن يمثل كامل إرادات الشـــعب السوري على اختلاف قومياتهم ومكوناتهم، حيث تبقى اللجنة الدستورية تمثل الدول التي ناقشها دي ميستورا يومي 18 و19 من هذا الشهر، وترسم سياسات هذه الدول تجاه السوريين ورغباتهم، على ورق دستوري بخطوط سورية مرتهنة، حتى عندما يكون بينها بعض من الموثوقين وطنياً في انتماءاتهم.
تقع سورية الدولة صريعة بين رغبات دول احتلالها (من إيران وروسيا وصولاً لتركيا وجيوش التحالف الدولي)، الذين لم تستثر مشاعرهم الدماء التي تراق، ولا مشاهد البؤس في مخيمات اللجوء، ولا حالة القهر على وجوه سوريين لا يستطيعون تأمين قوت أطفالهم، ولا المستقبل الغامض لملايين الأطفال المجهلين (بضم الميم) بفعل فاعل، ولا كل تلك المآسي التي يغرق فيها أكثر من مليون معوق نتيجة الحرب، في الوقت الذي تنادوا لاجتماعات في جنيف لاقتسام جسد سورية عبر وكلاء محليين.
فهل يبدد دستور الدول المجتمعة في جنيف جوع دمشق وريفها وكامل مدن سورية، تلك القابعة تحت حكم أمن النظام، أو أمن فصائل السلاح، ويعيدنا من جديد إلى سيرة الثورة السورية التي انطلقت تنادي بالحرية والديموقراطية في ظل السيادة وليس الاحتلال؟
المقطع الأول: بلا عنوان
لو قرأت هذا العنوان فيخطر في بالك أصوات تلك السيمفونية التي تتعلق بأصوات طفل أخرج من تحت أنقاض طفولته أو صمت طفل مات ببراميل العذاب أو أصوات أطفال يناشدون العالم والعرب بالتدخل لإنقاذهم، ولخطر ببالك أيضا مشاهد تتخيل فيها طفلا يلبس ثياب العمل متجها ليجني قوت أهله، أو صورة طفل ينظر بحرقة لأطفال ذاهبين إلى المدرسة، أو ترى ما تراه من آلام فيعتصر الغصص جوانحك ويخالط مشاعر قلبك أنينا متكسرا، هذا ما يرتسم من سيمفونية طفل سوري عاين الحرب وتلوع منها وفقد من يلوذ به فاتجه ليختصر الزمن إلى الرجولة أمام ما يواجهه وحده مع ما تبقى من ألمه وحياته.
المقطع الثاني: مونولوج
تبا لك أيتها الخيمة لقد كرهتك ومللت هذا المخيم وتلك الحصى والطرق.. تبا لي لأني أعيش فيك يا مخيم.. كم مرة مللتك وكرهتك وتراني أمسك ترابك وأقبله، تركني كل العالم واحتضنتني أنت بما فيك من ويلات، لن أنساك ولن أنسى عذابك سأنتقم منك.. بل سأنتقم ممن هجرني وأحرق طفولتي الجميلة. لقد تعبت أناملي من العمل واحترق وجهي من الشمس وتلك الإصابة في كبدي من القصف الأخير على المخيم.. تؤلمني متى سأطيب ومتى أكبر أكثر ..
المقطع الثالث: من إنسان
وتكبر أيها الطفل وتصبح رجلا وأنت بعمر الصغار، تدمع الفؤاد وتعلو معانيك النبيلة في تاريخ الطفولة وترسم لوحة مجروحة بالعار على جبين الإنسانية، وتكبر ويكبر معك الألم ويصغر العالم تافها أمام ملامح البؤس والشقاء بوجهك، تكبر وتكبر .. ويزهر الأمل.
المقطع الرابع: من طفل إلى طفل
ليتني مثلك وليتني أموت ولا أراك حزينا، لعل حياتنا تكون أفضل بطفولتك، في المدرسة أنا وأصدقائي كثيرا ما نتكلم عنك وأحكي لهم ماذا تفعل وكيف يشتد القصف وكيف تهدم منزلكم وانتقلتم للمخيم، وأنك تدرس في الخيمة، وحكيت لهم عن استشهاد صديقك بالقصف وكيف أثر فيك موته وكيف نجوت من آخر قصف قبل أن تهجر من منزلك الذي تدمر فوق رؤوسكم، يومها قلت لي: لم يبق على قيد الحياة سوى أنت وابن جيرانكم، ووالد عائلة في الطابق الرابع كان خارج منزله.
كثيراً ما أتذكر صبرك وخاصة عندما أغضب أو يحدث معنا مكروه أو صعوبة، أتخيلك تقول الحمد لله على كل حال، رسمت صورتك في ذاكراتي عندما توفي والد صديقي في منطقتنا، كنت تقول لي اصبر وكن مع صديقك وقولا الحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون، أتذكرك تصبر على القصف والتهجير والعيش مع الموت فأصبر مثلك وأستفيد منك.
أحبك يا صديقي وأتعلم منك كن قويا لأجلي، تعلم لأجلي فأتعلم منك، علمتني معاني الحرية، دروسك أنت والأطفال من حولك التي أشاهدها على شاشة التلفاز تؤرقني وتبعث في نفسي الأمل والعمل، .. أحبك قدوتي يا صديقي.
المقطع الخامس: حوار طفلين
الأول: هل ذهبت إلى المدرسة.
الثاني: نعم، أذهب كل يوم إليها لكي أستطيع الحياة متجاوزاً إصابتي.
الأول: وكيف تتجاوز في المدرسة ذلك؟
الثاني: أشعر بقوة الإرادة في داخلي عندما أفعل ما يفعله الأصحاء.
الأول: وكيف تذهب؟
الثاني: أجد كل يوم من يسحب لي الكرسي المتحرك إلى باب المدرسة.
الأول: وعائلتك؟
الثاني: صمت.
المقطع السادس: رسالة طفل
أعيش حياة مليئة بالأمل مزينة بالابتسام إلا أنها تخلو من السلام؛ فقد تدمر بيتي وهُدمت مدرستي، وأنا اليوم أعيش في خيمة أتلقى فيها بعض الدفء والكثير من المعاناة والألم والعذاب والويلات، أتجول في الطرقات وأبيع البسكويت والمناديل لكيلا أسأل الناس من عطائهم شيئاً، وبين فينة وأخرى يتناهى إلى مسمعي استشهاد أطفال آخرين هنا وهناك، وإصابة أطفال أيضاً جراء القصف، وتشرد أطفال وحدهم أو مع أهاليهم، عدا عن موتنا الذي نعيشه مرغمين في حياة تشبه كل شيء إلا حياة الأطفال، ولكننا ندثر بالأمل ونغفو بانتظار أن تشرق شمس يومٍ ما.
أعلنت «هيئة الحشد الشعبي» العراقية أن قصفاً أمريكياً على أحد مواقعها قرب مدينة البوكمال، شرق سوريا، أسفر عن مقتل 22 وجرح 12 من أعضائها. وطالب البيان السلطات الأمريكية بتوضيح هذه الواقعة، «خصوصاً وأن مثل تلك الضربات تكررت طيلة سنوات»، وهدفها «تمكين العدو من السيطرة على الحدود».
من جانبه سارع النظام السوري إلى توجيه الاتهام إلى التحالف الدولي الذي «يعمد بين الفترة والأخرى إلى استهداف مواقع الجيش في محاولة يائسة لرفع معنويات التنظيمات الإرهابية المنهارة»، معتبراً أن «واشنطن تقدم مختلف أنواع الدعم لتنظيم داعش لمنعه من الانهيار والاستمرار في استثماره كأداة لإبقاء قواتها بشكل غير شرعي داخل الأراضي السورية».
والتحق بجوقة الاتهام موقع القاعدة العسكرية الروسية في مطار حميميم، على الساحل السوري، فأعلن أن «الغارة الجوية الغادرة» تتحمل مسؤوليتها «قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن»، وأنها «عمل عدائي يهدف إلى إفساح المجال لمقاتلي تنظيم داعش الإرهابي للتمدد في المنطقة من جديد».
لكن المفاجأة أتت من الجانب الآخر، حين نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر أمريكي مسؤول أن لدى الولايات المتحدة أسبابا للاعتقاد بأن الضربة كانت إسرائيلية، كما أعلن الكولونيل شون رايان المتحدث باسم التحالف الدولي أن «التحالف الدولي لم ينفذ أي ضربات بالقرب من البوكمال في سوريا، غرب نهر الفرات». وفي المقابل، كان رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكد خلال جلسة مجلس الوزراء أن إيران «يجب أن تنسحب من كل أنحاء سوريا»، مشدداً على اتخاذ إجراءات «سواء كان قرب الحدود أو في عمق سوريا».
وهكذا فإن المؤشرات ترجح أن الغارة كانت إسرائيلية، وأن تقويض الوجود العسكري الإيراني في سوريا لا يعرف أي محرم في عقيدة الردع الراهنة التي يعتمدها نتنياهو. لقد تم قصف مواقع «حزب الله» وقوافل التسليح المتجهة من داخل سوريا إلى لبنان، كما استُهدفت وحدات «الحرس الثوري» الإيراني ذاتها في مناطق مختلفة، وحان الآن أوان استهداف الميليشيات الشيعية العراقية ذات الولاء الإيراني في أقصى شرق سوريا على الحدود مع العراق.
الجديد هذه المرة أن الطائرات الحربية مجهولة الهوية التي أغارت على منطقة «الهري»، حيث مركز قيادة إحدى مجموعات «الحشد الشعبي»، كانت على الأرجح تتمتع بتغطية روسية، في مستوى الإعلام على الأقل، بدليل ذر الرماد في العيون الذي لجأ إليه موقع قاعدة حميميم حين اتهم التحالف الدولي بتنفيذ الضربة.
كذلك لا يخفى على كل ذي بصيرة أن نتنياهو أعطى الأوامر بقصف «الهري» متكئاً على تفاهماته الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول «ضرورة خروج إيران من جميع الأراضي السورية» حسبما أعلن بنفسه، وأن النفي الأمريكي كان يتعمد إبلاغ إيران بأن الضربة إسرائيلية بالفعل، وقواعد الاشتباك لا تحدها حدود.
والسؤال الآن هو ذاته الذي يتكرر طرحه عند كل غارة إسرائيلية داخل العمق السوري: متى وأين يرد النظام، أو ترد إيران، أو ميليشياتها وأحزابها وحشودها؟