تسخين الجنوب السوري مقدمة الحرب
لا يبدو حتى الآن أن الجهود نجحت في نزع فتيل صدام إسرائيلي - إيراني، فيما لو شن نظام الأسد وحلفاؤه حرباً لاستعادة السيطرة على جنوب سوريا، ذلك أن الالتباسات ما زالت تحيط بموضوع وجود إيران وميليشيات «حزب الله» في المنطقة المحاذية لخط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، وهو ما تصر إسرائيل والولايات المتحدة على رفضه، فيما تسعى إيران و«حزب الله» ونظام الأسد لتحقيقه أو للتحايل عليه في الحد الأدنى.
وسط المشكل في الوصول إلى حل للتعارض القائم بين إسرائيل وإيران، ما زالت موسكو تطمح للتوفيق بين رغبات حليفيها الإيراني والإسرائيلي، وتبذل جهودها لتذليل عقبة وصول حليفها الثالث، نظام الأسد، لاستعادة سيطرته على الجنوب، التي تراها موسكو خطوة مهمة في سياق تحقيق الحل الروسي في سوريا.
غير أنه وبالتوازي مع المسعى الروسي، فإن نظام الأسد وحلفاءه الإيرانيين وميليشياتهم، يواصلون جهودهم لتنفيذ خطة استعادة السيطرة في المناطق الخارجة في درعا والقنيطرة، والتي تبدو ملحّة وضرورية قبل التوجه شمالاً باتجاه إدلب وريف حلب، وغيرها من مناطق ما زالت خارج السيطرة، الأمر الذي كرّس جهوداً مكثفة ومتصاعدة من جانب نظام الأسد، لعل الأبرز فيها أربعة مسارات تواصلت في الأشهر الثلاثة الماضية.
أول المسارات، كان نقل ميليشيات «داعش» من مناطق جنوب دمشق باتجاه الجنوب السوري، حيث احتلت مواقع على تخوم السويداء عبر اتفاقات معلنة مع الأخير، كان فصلها البارز اتفاقاً مع «داعش» لإخراج مقاتليه من مخيم اليرموك قبل اقتحامه من قوات النظام الشهر الماضي.
والمسار الثاني، تمثَّل في تحشيد قوات النظام والميليشيات الموالية لها على المحاور الرئيسية في الجنوب، متجاوزاً الخط الدولي الرابط بين دمشق ودرعا وشاملاً في ذلك منطقة السويداء، حيث نقل إليها قوات وأسلحة، تمهد لفتح جبهة فيها، ليضع قوات المعارضة في درعا بين فكي كماشة لضمان هزيمتها في المعركة المقبلة بدفعها إلى القتال في جبهة واسعة، تشتت قواتها في ظل إمكاناتها المحدودة.
وتضمّن المسار الثالث اللعب على الوضع الأمني في السويداء بالضغط الأمني والإثارة الدعاوية ضد «المسلحين والإرهابيين» بالتوازي مع قصف مدفعي للمدينة من جانب قوات النظام، واتهام قوات المعارضة بالقيام به، فيما شرع بإطلاق عمليات مواجهة محسوبة النتائج لقوات النظام مع «داعش» بالقرب من السويداء، مما يجعل الأخيرة واقعة - وفق طروحات النظام - بين تهديدين «إرهابيين» أحدهما يمثله «داعش» في محيط السويداء وآخر تجسده قوات المعارضة في درعا، الأمر الذي يمكن أن يبدل موقف أهالي السويداء في رفض انخراطهم في معارك، أصروا طوال السنوات الماضية على تجنب الدخول فيها.
ويتمثل المسار الرابع في شن النظام عمليات مزدوجة عسكرية وأخرى دعاوية في الجنوب، هدفها تدمير قوات المعارضة وحاضنتها من جهة وتحريض السكان ضد القوات المدافعة عن الجنوب، خارقاً اتفاق خفض التصعيد الذي كان قد شمل المنطقة في وقت سابق من العام الماضي، وحاز موافقة أردنية وأميركية، وأدى إلى وقف عام للعمليات العسكرية هناك.
وإذا كان الهدف الرئيس للمسارات الأربعة، هو التهيئة لعملية استعادة السيطرة على الجنوب، فإن من المهم التوقف عند أهم ما تمخض عنها من نتائج أولية، وفي مقدمتها إعادة موضوع الجنوب إلى واجهة الأحداث الميدانية والسياسية في سوريا ولدى الأطراف الخارجية سواء المتدخلة أو المهتمة، إضافة إلى تسخين الوضع في الجنوب من الناحيتين العسكرية والسياسية، وتعزيز المخاوف من احتمالات حرب في الجنوب، تؤدي إلى موجة واسعة من عمليات القتل والنزوح والتهجير والتدمير على نحو ما حصل مؤخراً في غوطة دمشق ومناطق سورية أخرى استعاد النظام السيطرة عليها مؤخراً، وقد بدأت بالفعل عمليات النزوح في مناطق درعا والسويداء، التي طالتها عمليات التصعيد أو المواجهات العسكرية.
وكما يظهر في المحصلة، فإن نظام الأسد وحلفاءه بما قاموا به ويواصلونه من خطوات، يخلقون بيئة عامة، تقارب أو تماثل ما كانت عليه البيئة المحيطة بغوطة دمشق عشية الحرب عليها، ويمهدون لحرب شاملة على الجنوب بانتظار اللحظة المناسبة، سواء جاءت في ظل نجاح محتمل للمساعي الروسية بمنع صدام إيراني – الإسرائيلي، أو بفعل متغيرات في مواقف القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في موضوع الجنوب السوري، وهي مواقف مصلحية ومؤقتة، يمكن أن تتغير في أي وقت.