الانتصار المستحيل
هب أن النظام الأسدي انتصر على الثورة، وأن الشعب السوري رفع ذراعيه في الهواء، واستسلم له فردا فردا داخل سورية وخارجها، وأن المقاتلين ألقوا سلاحهم، وانخرطوا في جيشه العربي السوري الذي أثبت، خلال نصف قرن، أنه ليس جيشا وليس عربيا وليس سوريا، وأن المتظاهرين نزلوا بالملايين إلى الشارع، ليهتفوا لبشار الأسد، ويبايعوه قائدا إلى الأبد، وأن العالم اعترف من جديد بنظامه وشرعيته، هل سيعني هذا أنه انتصر؟. هل يمكن لأقلية حاكمة فاسدة وعنيفة أن تنتصر على أغلبية وطنية ترفضها؟. وهل يمكن لانتصارها أن يكون أكثر من مجرد نقلةٍ في صراعٍ لن ينتهى بغير هزيمة الأقلوي الفاسد الذي سيفقد سلطته، بمجرد أن تتعلم الأغلبية أصول الانتصار، وتتقن ترجمتها إلى أفكار وخطط عملية عقلانية؟.
لم يوجد في تاريخ سورية غير مجنون واحد كان اسمه حافظ الأسد، اعتقد أن خبثه يلغي مكر التاريخ، وأن ما أقامه، في لحظة استغفالٍ للسوريين، يمكن أن يستمر ككيان سلطوي راسخ الأركان، لن يتمكن أحد من تحدّيه، لأن سلطة الغفلة أبدية الوجود، وفي وسعها إدامة لحظة ستبقى عابرةً في حياة السوريين الذين أفاقوا من "استغفال" الوحدة والحرية والاشتراكية، وأخذوا يعقلون واقعهم من خارج أكاذيبه وخداعه، ولذلك كرّسوا ثورتهم لحريتهم التي سلبها منهم استبداد حشرتهم في سجن كبير، ونزلت أغلبيتهم الساحقة إلى الشارع، في استفاقةٍ شاملةٍ حملت رسالة يقول نصها للأسد: لن يكون غير محض مجنون من يعتقد أن أقلية حاكمة، فاسدة وعنيفة، تستطيع أن تحكم إلى الأبد شعبا قرر إزاحتها عن كاهله، وأن انتصارها لا يكون غير وقتي وعابر، بحكم منطق الأشياء الذي لم يسبق لأحد أن نجح في إلغائه، وعقالة البشر التي تنظم وجودهم، وتوجه أفعالهم، وتحول خبراتهم الفردية إلى خبرة عامة، ما أن تؤسس وعيهم، حتى ينظروا بصدق إلى واقعهم، وينفجر غضبهم صاعقا، حين يثقون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وأنهم لن يستعيدوا معنى وجودهم، ويغدون كراما، ما دامت أقلية فاسدة، تضطهدهم كأغلبية وطنية صامتة.
يعتقد الأسد أن التاريخ يستثني نظامه من أحكامه (التاريخ)، وأنه نجح حقا في وضع شعب سورية خارجها. لذلك، سيكون نظامه أبديا، بما أن الأقلية، إن هي انتصرت مرة تمكّنت من تركيع شعبها دوما، بالإفساد والعنف، رغما عن تجارب الإنسانية التي تعلمنا أن أي أقليةٍ قد تأخذ السلطة بعض الوقت، إلا أنها لن تنجح إطلاقا في حكم أغلبية ترفضها، وإخضاع هذه الأغلبية.
تعيش السلطة الأسدية زمن سقوطها، وإذا كانت قد بقيت في الحكم، فبسبب ارتهانها المهين لأجانب أتوا لنجدة رئيسها بمرتزقةٍ من كل حدب وصوب، ليست حربهم ضد سورية غير دليل آخر على استحالة استمرار حكمٍ أقلوي فاسد ضد إرادة أغلبية شعبه.
لئن حكمت أقلية، فبتراضٍ شعبي يمنحها الشرعية، أما أقلية الفاسدين وقطّاع الطرق التي تحكم شعبها بالبسطار والمسدس، وتحول مواطنيها إلى عبيدٍ في خدمة قتلة ولصوص، فلن يكون وهم أبدية سلطتها غير فخٍّ قاتل تسقط فيه وهي تنتحر. لن تحكم أقلية أغلبية ترفضها إلى الأبد، من دون شرعية القبول التي تمنحها لسلطتها، ولن تتجاوز ثورة تستمر منذ نيف وسبعة أعوام، هي الدليل على انبعاث روح الحرية في قلوب وصدور من تضطهدهم أقلية الفساد الحاكمة، وانتقالهم إلى ما بعد سلطتها، بعد أن قرّروا أن يلاطموا بعين إرادتهم مخرز الاستبداد ويكسروه، وأن لا يعودوا إلى الوضع السابق لتمرّدهم التاريخي، وأن تعاود سورية سيرتها الأولى، وطنا لشعب صمم على العيش حرّا!.