مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١ يوليو ٢٠١٦
متاهة حزب الله..من مغامرة القصير إلى مقامرة حلب

لعل نقطة التقاطع المشتركة الأبرز بين شخصية الجنرال المرابط على تخوم ميدان معركةٍ وشيكة، قوامها الحديد المسقي وحمم النار، وبين تكوين المقامر المدمن على اللعب فوق الموائد المخملية الخضراء، نقول لعلها شاخصةٌ في نقطةٍ مركزية واحدة، وهي أخذ المخاطر من حيث المبدأ، وتقبّل عنصر المجازفة المحسوبة بدقة. وعدا ذلك، لا تماثل ولا خاصيات ولا قواسم بالحد الأدنى، بين من يقف على الحدّ الدقيق الفاصل بين الحياة والموت وبين من يلهو بمدخراته أو بمرتب آخر الشهر أو غير ذلك.

وأكثر ما يعز على قلب المقامر الداخل لتوه على لعبة الأثرياء الماجنة هذه، أن يخسر رصيده مبكراً قبل احتدام الكباش في ليلة السهرة الممتدة غالباً حتى مطلع الفجر، ويشقّ عليه أكثر فأكثر، أن ينسحب مكرهاً من مقعده الوثير، بعد أن يسوء حظه وينفذ البنكنوت من جيب سترته الفاخرة، ثم يرفض الندماء الضالعون بأحكام المراهنات على خمس أوراق كلها مخفية، تسليفه مبلغاً يسيراً، لإكمال شوط هذه المغامرة التي إن بدأت خاسرةً تظل هكذا إلى النهاية.

وعلى نحو ما تمليه غواية الانخراط في سحر عالم المقامرة الماتع، الطافح بأحلام الأرباح السريعة، وما تشيعه أجواؤها الملبدة بروائح السيجار الفاخر، من أوهام وأضغاث تصوراتٍ ورديةٍ زائفة، أوحت سابقة معركة القصير عام 2013 لحزب الله، الباحث عن طريق القدس عبر الزبداني وإدلب، بإمكانية البناء على ما تحقّق من أرباح عسكرية مبكرة، والاندفاع أبعد فأبعد إلى مناطق سورية أخرى، قادته، أخيراً، إلى حلب، بذهنية المقامر السعيد بطالع نجمه في أول السهرة.

ولعل خطاب حسن نصر الله، أخيراً، بمناسبة ذكرى الأربعين لمقتل رئيس أركانه مصطفى بدر الدين في سورية، كان دليل إثباتٍ قاطع، ليس على كونه عتلة إيرانيةً فحسب، وإنما أيضاً على استحكام روح المقامرة لدى وكيل الولي الفقيه في لبنان، وأبلغ شهادة على انجرافه الشديد وراء وهم تكرار واقعة القصير في حلب، على الرغم من التباين البيّن بين المكانين، واختلاف مدخلات الصراع بين زمنين موغلين في الدماء والدمار، ناهيك عن فوارق المعطيات التسليحية والبشرية على جانبي المتراس، الواسع وسع الجغرافيا السورية.

لقد تم تشخيص هذا الخطاب التعبوي المباشر، من الخصوم والمريدين على حد سواء، على أنه خطاب تمهيدي لمعركةٍ وصفها زعيم حزب الله بأنها استراتيجيةٌ كبرى. وقال، بما معناه، إنها ستكون نقطة تحوّل مفصلية في مسار الحرب الدائرة منذ خمس سنوات وأكثر. وبدا الرجل، في رسالته الكاشفة ونبرته المتعالية، كمن يقود قوة إقليميةً عظمى، مستعدة لدفع ضريبة الدم بالكامل، وذلك لحجز مقعدٍ لها على طاولة المفاوضات المحتملة، وأخذ حصتها العادلة من كعكة التسوية اللاحقة، كتفاً إلى كتف مع القوى الإقليمية الدولية المتصارعة.

وأحسب أن تعهد نصر الله بكسب معركة حلب المنتظرة، ووعيده بإرسال مزيد من قواته إلى أقصى الشمال السوري، وربما إلى البادية، دفاعاً عن بلاد الهلال الخصيب مجتمعةً، بما فيها الأردن هذه المرة، إنما ينم بأوضح الواضحات (حسب تعبيره) عن عُصابٍ مذهبيٍّ شديد، وعقليةٍ سياسية أحادية الفهم، حتى لا نقول مجدّداً إنها روح المقامرة التي كثيراً ما تودي بصاحبها، في نهاية مطافٍ قصيرٍ، إلى التهلكة، فما بالك، ونحن نتحدّث، هنا، عن حلب التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة لبنان، ولا نتحدّث هنا عن طائفةٍ في بلد الطوائف المتساكنة تحت قشرةٍ من التوازنات الهشّة.

ومع أن الخطاب المشار إليه آنفاً كان حافلاً بالتبجّحات المعهودة، وفائضاً بمفردات التهويل والمبالغة، إلا أن أكثر ما يسترعي الانتباه، وسط هذه الزحمة من الترّهات المتراصفة جنباً إلى جنب، كان ادّعاء زعيم الحزب الممانع (ماذا يمانع حقاً؟) أن قواته المتموضعة حول حلب صامدة (كذا)، وأن خسائرها ضئيلةٌ بالمقارنة مع خسائر الأعداء على الطرف الآخر، علماً أن صفة الصمود لا تليق بالمهاجم أبداً، وإنما تنطبق فقط على مقاومةٍ وطنيةٍ تجابه جيش احتلال أو غزواً خارجياً، وهو ما ينطبق بالمسطرة والفرجار على المليشيات الإيرانية.

على أي حال، وبنظرةٍ استرجاعية لأهم محطات المأساة الشامية، فقد كانت معركة القصير، قبل نحو ثلاث سنوات، بمثابة بوابةٍ واسعةٍ لفيضٍ من التحولات الكبرى في مسار الأزمة السورية، أو قل دعوة مفتوحة لدخول المحاربين، من كل جنسٍ ولون، بزخمٍ شديد على خط الثورة التي تحوّل مقاتلوها الوطنيون إلى مجاهدين بصورة عامة، تحت وطأة الشعور الطاغي بأن الحرب أصبحت، في جوهرها العميق، حرباً مذهبية، خصوصاً بعد أن رفع حزب الله راية الحسين على مسجد بلدة القصير، في إشارةٍ لا تخطئها العين، أن المعارك المتنقلة امتداد، على طول الخط المستقيم، لواقعة كربلاء التاريخية.

وفي مرحلة ما بعد معركة القصير الكاشفة، وما حملته من دلالاتٍ طائفيةٍ فظة، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية، باعتباره أكثر المدعوين استعجالاً لمثل هذه الفرصة المواتية، فقبلها على الفور، استثمر فيها جيداً، وراح يتمدّد مع مرور الوقت، إلى أن بات في زمنٍ قياسي قوة عسكرية كاسحة، متسلحاً بخطابٍ مذهبيٍّ معادلٍ ورؤيةٍ مماثلة، حيث راح ينهل من القاموس نفسه، ويراكم على ما أسّست له المليشيات الإيرانية في أرضيةٍ خصبةٍ وملائمة، ثم أخذ يبني على تلك المداميك صرحاً موازياً لما أرساه حزب الله في تربةٍ خصبةٍ، لترويج مزاعم المظلومية، وتسوية حساب الثارات التاريخية.

وعليه، كانت تداعيات معركة القصير وبالاً طاماً بالقناطير المقنطرة، ليس على الثورة السورية فقط، وإنما أيضاً على كل الأطراف المنخرطة في الحرب الطاحنة، بما في ذلك حزب الله الذي أتى بفعلٍ مذهبي وضيع، عن سابق عمد وترصّد، أدى إلى إيجاد نقيضه بصورة أوتوماتيكية، أو قل إيجاد معادله الموضوعي المباشر، الأمر الذي يطرح سؤالاً استفهامياً عما ستفضي إليه معركة حلب الكبرى من مضاعفاتٍ لا حصر لها، إذا كانت معركة القصير الصغيرة نسبياً، أدت إلى كل ما أدت إليه من متغيراتٍ ميدانيةٍ وتحولات سياسية بدلت جوهر الحرب فعلاً، وأخرجتها من بين أيدي القوى المحلية.

اقرأ المزيد
١ يوليو ٢٠١٦
تركيا والحل السياسي السوري

أصبح الحل السوري حلاً إقليمياً ودولياً بامتياز؛ ففي سورية احتلالٌ روسيٌ، وهناك ائتلافٌ دوليٌ لمحاربة داعش، وإيران والمليشيات التابعة لها تقاتل في كل جبهات سورية. لم يكن الخلاف التركي الروسي فقط بسبب إسقاط الطائرة الروسية، بل ولأسبابٍ دوليةٍ ولاختلاف النظر إلى كل المسألة السورية، وكيفية تغيير نظام الحكم والمصالح في سورية، والموقف من المعارضة وسواها؛ وما صعد الخلاف أيضاً دعم روسيا حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ومليشياته، وبروز مطامح دولتية لديه، وهو ما سيشجع كرد تركيا والآخرين، وكذلك دعم أميركا له. ضمن هذه الوقائع، والتي تتطور ضد المصالح التركية، فإن أنقرة تريد إيقاف مسيرة التدهور في علاقاتها الإقليمية والدولية، ولذلك بدأت تحركاتٍ واسعة، فأعادت العلاقة مع إسرائيل، واعتذرت من روسيا، وهناك من يشتط بالتحليل قائلاً إنها تفكّر بإعادة العلاقات مع النظام السوري عبر وساطة الجزائر، وكذلك إعادة العلاقات مع مصر المحكومة بحكومة الانقلاب العسكري السيسية.

العلاقة الروسية التركية المستجدة هي الأهم، فهناك خطر كردي سوري في جنوب تركيا، وهناك عزلة دولية تقودها أميركا الداعمة للكرد، وهناك تدخل روسي داعم لكرد تركيا، والأسوأ الخسارات الكبيرة في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وأيضاً تعقيد أوروبا شروط انضمام تركيا إليها، وفقدان الثقة المستمر. إذاً هناك أسباب كثيرة دفعت تركيا للاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وإنهاء هذا الملف.

وروسيا التي تتوثق علاقاتها بإسرائيل يومياً، وتختلف مع إيران في إدارة المعارك، وعلى مستقبل النظام في سورية، تريد إعادة العلاقات مع تركيا، وهذا سيساعدها في إدارة ملف أوكرانيا وجزيرة القرم بشكل أفضل، وسيخفّف عنها العقوبات الأوروبية والأميركية، وسيُجبر إيران على التخفيف من سياساتها الهيمنية في سورية. هنا، ستكون روسيا مجبرةً على أخذ المصالح الإسرائيلية والسعودية والتركية في إبعاد إيران من سورية، وتحديد أدوارها في كل المنطقة، ولا سيما أن أميركا، وعلى الرغم من دعمها الكرد والاتفاق النووي مع إيران، فإنها سترحب بالحلف الجديد، فهو سيسهل رؤيتها الجديدة للمنطقة، والمتمثل في إعطاء أدوارٍ للدول الإقليمية ولروسيا؛ عدا عن أن أميركا ستجد نفسها أمام حلفٍ جديدٍ، يساعدها في مواجهة الصين مستقبلاً، هذا يعني أن الدعم الأميركي للأكراد سيتراجع، يساعد في ذلك إسرائيل التي لن تخسر تركيا لتربح الأكراد، والتي تحتاج علاقات قوية مع تركيا لأسباب اقتصادية وللضغط على حركة حماس. إذاً هناك ترتيبات جديدة تحدث في المنطقة، وسيشهد الوضع السوري حراكاً نحو إعادة العمل بالحل السياسي.

تركيا، وعكس التحليل المتسرع، أن النظام السوري سيعاد إنتاجه بتعزيز العلاقات التركية الروسية، فإن تركيا وروسيا تريدان تحقيق مصالحهما في سورية؛ فتركيا دعمت جيش الفتح في عام 2015 الذي تقدم كثيراً، وكاد أن يغيّر كل المعادلات ضد النظام، ثم جاء التدخل الروسي في سبتمبر/ أيلول 2016 فأوقف ذلك، وبدأ معارك واسعة في حلب، وكاد أن يقضي على المعارضة في كل الريف الشرقي لحلب، وكذلك استرجعت تدمر، وكان الحديث عن استعادة الرقة والتقدم نحوها. وهنا وجدنا تركيا بلا وزنٍ حقيقي؛ فلا الأميركان يسمحون لها بمنطقة عازلة، ولا الروس يتقبلون دعمها الفصائل العسكرية في أكثر من منطقة؛ لكن روسيا لم تشن حرباً ضد جبهة النصرة في إدلب، وأبقت لتركيا على نفوذ معين ضمن الفصائل. وبالتالي، تبين وبالملموس أن روسيا لا تريد إنهاء وجود تركيا في سورية، وأن تركيا نفسها تعتبر وجودها في سورية مسألةً تتطلب تصالحاً مع روسيا، ولا سيما أن الأخيرة دخلت بتنسيق مع أميركا، وبموافقة أوروبية كذلك. وقد أرسلت تركيا، وبسبب كل الوضع الموضح، عدة رسائل لروسيا، حتى وصلنا إلى الخطوة الأخيرة.
ما نريد قوله إن المصالح التركية في سورية ستكون مجال توافق بين الدولتين، وكذلك مصالح الكرد ضمن التنسيق مع الأميركان، لكنها لن تكون وفق أحلام صالح مسلم بالتأكيد، فهناك رفض تركي إيراني سوري عربي، شديد الحساسية إزاء الموضوع؛ ونضيف إن التنسيق الإيراني الروسي ضعيف، وهناك خلافاتٌ تتصاعد، فقد فشل اجتماع وزراء الدفاع في طهران، وأتى وزير الدفاع الروسي إلى قاعدة حميميم، وأعطى تعليماتٍ واضحةً لدور روسيا في سورية. سيجد التنسيق الإسرائيلي الروسي ظهيراً قوياً له في تركيا، وهذا يعني أن الخلاف سيزداد بخصوص النظام القادم في سورية، والذي، وإن لم يكن كما تشاء المعارضة بإبعاد الرئيس السوري والصف الأول من النظام وتسليم هيئة تنفيذية كاملة الصلاحيات من المعارضة ورجالات من النظام، لكنها أيضاً ستأخذ مصالح معارضة الرياض بالتحديد في أي حلٍّ سياسيٍّ يمكن الوصول إليه عبر جنيف أو سواها.
يساعد التقارب الجديد في إيقاف إطلاق النار، وسيعزّز من تطبيق هدنة برعاية روسية أميركية، وسيطرح قضية جبهة النصرة وداعش جدياً للتصفية، وحتى بما يخص "داعش" ستتم محاصرته بشكلٍ أوسع. طبعاً موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) سيطرح في إطار التحجيم، وستتغير تركيبة قوات سورية الديمقراطية، أي ستكون أغلبيتها عربية؛ فحساسية العرب من قيادة الكرد لها، ولا سيما كلامهم أنهم سيضمون الرقة إلى فيدراليتهم، أكثر من واضحة، وكذلك موضوع الربط بين عفرين وكوباني. القصد هنا أن التوافق الإقليمي، وعكس رؤية جماعة الممانعة وبعض تياراتٍ من المعارضة، لن يكون لتحقيق مصالح روسيا، وتعزيز دور النظام وإيران ومليشياتها. ونضيف إن الحلف الجديد سيطرح قضية الحل السياسي، وإيقاف التدهور في الوضع الإقليمي، وربما يساهم في حل مسألة اليمن والعراق وليبيا أيضاً. تركيا وروسيا دول كبرى ولها مطامح عظمى. ومن دون الانطلاق في التحليل من هذه الحيثية، سيفشل كل تحليل في قراءة الحلف الجديد.
السوريون معنيون في إدراك أهمية المتغير الجديد، والتخلص من كل بعد طائفي أو قومي في رؤيتهم للصراع السياسي، وإنهاء كل موقفٍ متعاطفٍ مع الجماعات الجهادية، وإجبار السلفيين على موقف وطني إزاء الحكم المستقبلي والدولة القادمة؛ ومعنيون برفض كل المشاريع الدولية والإقليمية التي لا تخدم تأسيس دولةٍ لكل السوريين. هذا ما يجب أن تعمل له كل تيارات المعارضة ومن دون استثناء، وهو ما يجب أن يفكر فيه الموالون كذلك، والبحث عن مشتركاتٍ شعبية ووطنية عامة، تتجاوز خنادق المعارضة وصقورها الذين يدجّنون في أقفاص الدول الإقليمية.

اقرأ المزيد
١ يوليو ٢٠١٦
رفعت الأسد والقضاء الفرنسي

تشكّل حادثة صدور مذكّرة توقيف بحق المجرم السوري رفعت الأسد من القضاء الفرنسي تعبيراً مكثفاً عن جوهر النظام الدولي القائم، وكيفية إدارته العالم، عبر ازدواجيته محتفيةً بحقوق الإنسان لشعوبها، ومحتقرةً لها خارج هذه الحدود.

يقيم المجرم في فرنسا وأوروبا منذ عقود، وأقيمت ضده قضايا عدة على خلفية ارتكابه جرائم حرب، أشرف عليها في ثمانينيات القرن الماضي، فجرائمه ودوره في انتهاك حقوق الإنسان ومجزرة سجن حماة يعرفها الصغير قبل الكبير، ومع ذلك حظي بإقامات "الملوك" في أوروبا "حقوق الإنسان"، وفي حماية "شبه دبلوماسية"، ليستفيق القضاء الفرنسي، اليوم، على اتهام الرجل "باختلاس أموال عامة وغسل أموال وإخفاء عمل موظفين بأجور غير معلنة تدفع نقدا"، و"حيازة ممتلكاتٍ بطريقة سيئة". هكذا إذن، الرجل الذي سرق بلاداً بأكملها، وخطف أرواحاً كثيرة، وعاث فساداً في بلاده قبل مغادرته لها، متهم بـ "الاختلاس"!

لضبط الرعية على إيقاع "الأب القائد"، اعتمد النظام السوري سياسة الإفساد المتعمّد ليبقى "الجميع مدان تحت الطلب"، بحيث يكون لكل مواطن أو مسؤول ملف يحوي "فساده" و"أسراره"، وحين يحيد المواطن عن "الصراط المستقيم" أو تريد السلطة توظيفه في تلميع وجهها، يحوّل إلى القضاء "بتهمة الفساد" أو "التخابر مع إسرائيل" أو "وهن نفسية الأمة"، وكلنا يعرف مصير رئيس الوزراء الأسبق، محمود الزعبي، وبعض أفراد وزارته (مفيد عبد الكريم وسليم ياسين وغيرهما)، حيث كانت المرحلة تقتضي تجميل وجه النظام بأنه يحارب الفساد! عدا عن أن النظام السوري يلعب اللعبة الفرنسية نفسها، حين كان يستضيف شخصياتٍ قابلة للاستثمار في سوق السياسة، بدءاً من عبد الله أوجلان وليس انتهاءً بآل بوتو! أليس هذا ما تفعله فرنسا اليوم في محاكمة رفعت؟

لا يراد القول، هنا، إن القضاء الفرنسي مثل القضاء السوري، فلا مجال للمقارنة في ما يتعلق بحقوق المواطنين. وأما في ما يتعلق بشؤون الخارج، فإن القضاء الفرنسي، ومعه الأوروبي، قابل للتوظيف والتسييس والتدخل، وليست حقوق الإنسان هنا إلا كذبة قابلة للاستخدام والتوظيف السياسي، وإلا ماذا يفعل رفعت الأسد في فرنسا، وقبلها إسبانيا منذ عقود؟ ومن سكت ويسكت عن الدكتاتوريات، ويوفّر لها الغطاء الدولي في المحافل الدولية، ويرعاها قبل الربيع العربي وفي ظله؟ ناهيك عن أن "إسرائيل" تبقى وصمة عار في جبين أوروبا وقضائها.

ليس السؤال عن رفعت الأسد، بقدر ما يضيء الرجل على مشكلةٍ مزمنة، وبقدر ما يكشف الازدواجية القائمة تحت لعبة المصالح السياسية، خصوصاً إذا طرح سؤال من نوع: كم في أوروبا من أمثال رفعت؟ وكم الذين منهم يحظون بالحماية والأمان والإقامة الدبلوماسية، في وقت تبحث فيه أوروبا اليوم، عن كيفية منع ضحايا هؤلاء من الوصول إلى أوروبا! وهم الذين باتوا ضحايا بسبب هذه السياسة الفرنسية بالذات، ألم تبدأ اللحظة الأولى في تعويم نظام الأسد الأب من تلك المقايضة بالسكوت عن جرائم الأسدين (رفعت وحافظ)، عبر استقبال الأول أوروبياً والسماح للثاني بحكم سورية، والمساهمة في توريث السلطة للابن الذي كان جاك شيراك أول من استقبله رسميا، قبل أن يصبح رئيساً! ثم يسألونك من أين يأتي الإرهاب الذي يضرب فرنسا؟

إنه يولد، بالدرجة الأولى، من عدم العدالة، من الضحايا الذين يولدون بين مستبد وطني يهجّرهم ونظام عالمي يدعم استبدادهم ويقيم السدود بوجه عبورهم، ويضع مصلحته وعلاقاته قبل مصالح شعوب العالم، وضد شعبه أيضاً، أليست الدول الأوروبية بطريقةٍ أو بأخرى مسؤولة عن مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، حين تعوّم نظام عبد الفتاح السيسي، وألن تكون الحكومة الإيطالية مسؤولة غداً عن مقتل أحد مواطنيها في إيران، إذا أراد فضح انتهاكات الملالي، لأنها تضع اليوم المصالح في علاقتها مع طهران فوق مصالح الشعب الإيراني وشعبها أيضا؟

هنا جوهر المسألة التي تجعل من شعب "نا" درجة أولى، ومن شعب "هم" درجة ثانية، أي تغذية القومية بشكلها الشوفيني الرث، أليست هي القومية نفسها التي دفعت بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، فعلام تشكو فرنسا والاتحاد الأوروبي إذن؟

ليس الإرهاب منتجاً إسلاموياً داعشياً، بقدر ما هو نتاج اللحظة العالمية المعقدة، لحظة تجمع بين إقصاءات العولمة ودعم الاستبداد وتجيير حقوق الإنسان، فلا يبقى لضحايا رفعت الأسد إلا اللجوء أو "الإرهاب".

اقرأ المزيد
١ يوليو ٢٠١٦
"الرقة" عاصمة العالم

السؤال المتكرر البسيط بعد تفجير مطار أتاتورك، مثله بعد تفجير أورلاندو ومطار بروكسيل ومقاهي باريس، هو ماذا ينتظر الرئيس رجب طيّب أردوغان، وسابقا الرئيس فرانسوا هولاند والرئيس باراك أوباما بعد كل مجزرة بهذا الوضوح الواضح:

ماذا ينتظر لـ "يركب" دبابة من دبابات الجيش التركي المتطورة ويهجم مع قواته باتجاه الرقة للقضاء على عاصمة داعش:
لا أحد يستطيع منعه أو منع هولاند أو طبعا أوباما تحت وطأة كل مجزرة من تلك التي يتواصل حصولها.
لا زلت عند رأيي بعد ظهور دولة داعش عام 2014 أن الجيش التركي يستطيع القضاء على داعش لو أراد في 24 ساعة.
لم يهجم فرانسوا هولاند ولا باراك أوباما رغم هول التوحّش الذي يجعل العالم اليوم عالماً "تحكمه" أو الأدق تحكم مزاجه عاصمةٌ واحدة هي مدينة الرقة.
لم يفعل هؤلاء القادة بعد هذه المجازر "أكثر" مما فعله، كلٌّ في نطاقه، رؤساء بلديات القاع في لبنان وأورلاندو وباريس الذين لديهم شرطة لا جيوش.
ما هي هذه الظاهرة أو الاختراع الذي يدعى داعش ويوحِّد العالم اليوم. بل يحكم العالم اليوم ويؤثّر مباشرة في أمزجة الناس وحيواتهم الشخصية والعامة وأنماطها بما يلغي فعلا الحدود السياسية؟

من يفسّر أن هذا الإرهاب الذي له عنوان رئيسي هو الرقة ويضرب دولاً في الحلف الأطلسي بينها زعيمة الحلف وتقع عاصمته على مسافة مائة كيلومتر عن حدود دولة عضو فيه هي تركيا. حلف لا يتحرك مباشرة للقضاء السهل جدا على هذه العاصمة النمرْ - ورقيّة التي تصدِّر إرهابا من المستحيل تلافيه الآن ولكن من الممكن القضاء على دولته؟

لماذا أعطت فرنسا نموذجا مختلفا من حيث التحرك المباشر إلى مالي وقضت على قاعدة الإرهاب في الشمال ولا تقوم هي أو غيرها كالولايات المتحدة وتركيا الضحية المتجددة أمس لهذا التوحّش بالأمر نفسه من حيث الهجوم الاستئصالي على كل دولة داعش وعاصمتها؟مع التذكير أن الولايات المتحدة نفسها قدّمت سابقاً النموذج الأكبر بعد أحداث 11 أيلول وذهبت إلى أفغانستان واستأصلت دولة "طالبان" وطردت "القاعدة". هل كان الهجوم على الرقة والموصل سيكلّف أكثر من نتائج عملية إرهابية واحدة من تلك التي تقوم بها "داعش"؟

ما الذي يؤخر إذاً قرارا هجوميا من هذا النوع هو أقل بكثير من إمكانيات الحلف الأطلسي بل من إمكانيات دولةٍ من دولِهِ المشار إليها؟ هذا دون أن نحتسب إمكانيات روسيا.

الجواب غير موجود ولو أجبنا لدخلنا في نظرية المؤامرة في الحد الأقصى أو "لعبة الأمم" المعقّدة في الحد الأدنى.

لكن بالنتيجة علينا أن لا ننسى والعالم ينتقل بشكل شبه يوميٍّ من مجزرة إلى مجزرة عبر القارات.

الأزمة السورية بدت اعتبارا من عسكرتها وتدويلها في عامها الأول وكأن سوريا هي قلب العالم. لم نكن نقدّر أن ظاهرة اللجوء الكثيف من سوريا بصورة خاصة ستصدِّع الأمن الأوروبي وستطرح أزمة الهوية الأوروبية نفسها. حتى ليبدو الأمر منذ سنوات وكأن "ولاية سوريا" في الامبراطورية الرومانية هي التي انفجرت كما لا أكف عن التكرار.

اليوم صارت الرقة عاصمة العالم البشعة والمخيفة والفاعلة فوق الوطنيات والقارات. كأن دراكولا عالميا ينشر فئرانه القاتلة في كل العالم.

لكن تكرار السؤال عن أسباب تأخير قرار الاستئصال السهل لدولة داعش والأقل من استراتيجي عسكريا بقدر ما يمكن أن يعكس "سذاجة" سياسية بقدر ما يحمل وجهه الآخر إدانة عن تقاعس صار غير مفهوم.

ثم ما هذا الربط الممجوج بين مصير النظام السوري والتحرك للانتهاء من داعش؟ ففي أي سيناريو ما الذي يمنع متابعة طرح مصير هذا النظام بعد استئصال داعش؟ إلا لدى الذين يفضلون بقاء داعش على بقاء النظام المطروح مستقبله أصلا ضمن أي بحث عن صيغة سورية مستقبلية؟
رحم الله أيضا الضحايا الآتين في أي مكان... طالما قرار الاستئصال يتأخّر.

اقرأ المزيد
١ يوليو ٢٠١٦
النزوح السوري بين التنظيم والعنصرية

تتزاحم تداعيات التفجيرات الانتحارية التي هزت بلدة القاع المسيحية الحدودية مع سوريا وسط مخاوف من نوعين: العودة الى مقولة الامن الذاتي، ومصير مخيمات النازحين السوريين الذي يراوح بين دعوات منطقية للتنظيم والضبط وبين مقاربة عنصرية تساوي بين مجمل النازحين والعناصر الارهابية التي تحمل جنسيتهم.

ويساهم التنظيم في تخفيف العبء عن المواطنين الذين يعانون المزاحمة في مجالات كسب رزقهم، وفي تحسين شروط النزوح الامنية والانسانية. فوفق ناشط سياسي في مدينة مسيحية، تستضيف عدداً كبيراً من السوريين، يمكن ان يوكل به الى البلديات باعتبارها سلطات محلية. فيكون لها احصاء القاطنين في محيطها وفرض تقديم استمارات تحدد هوياتهم واماكن اقامتهم والمواقع التي نزحوا عنها، على ان تبقى الرقابة الامنية للاجهزة الرسمية المختصة. وهو يرى «أن الاستغلال الطائفي والعنصري لهذا الارهاب ضد بلدة مسيحية آمنة هو لعب بنار الفتنة وتحريض على صدام خطير ومدمر مع النازحين يصب في مصلحة حزب الله».

اما العنصرية فتبدت مثلاً تلميحاً في قول رئيس التيار «الوطني الحر» الوزير جبران باسيل خلال تفقده القاع «لا يمكننا ان نسكت عن موضوع النزوح الذي يستعمل غطاء للارهاب». كما تبدت خصوصاً في الصرخات التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي والداعية الى ترحيل النازحين والمساواة بين مجملهم، الذي يناهز المليون ونصف المليون، والارهاب.

وما بين التنظيم والعنصرية «ضرورة التوصل الى صيغة توفق بين مسؤولياتنا الانسانية تجاه النازحين وبين منعهم من ان يكونوا بيئة خاضعة للارهاب التكفيري» كما لخص الوضع وزير الداخلية نهاد المشنوق.

فالانتشار المسلح العفوي الذي ظهر في القاع هو مجرد ردة فعل دفاعية بقيت مضبوطة تحت سقف الجيش، ولا يجب تضخيمها واعتبارها مقدمة للامن الذاتي وفق السياسي السيادي الذي رأى في كلام الرئيس تمام سلام «مجرد تنبيه الى عدم الانزلاق باتجاهها». فقد نقل عن رئيس الحكومة دعوته في مجلس الوزراء «الى الابتعاد عن مظاهر الامن الذاتي لانه ليس مطلوباً استنفار طائفي او مذهبي او فئوي والا نكون وقعنا في الفخ الذي نصبه لنا الارهابيون». ويشدّد المصدر على ضرورة مقاربة احداث القاع مقاربة وطنية لا طائفية، لافتاً الى ان معظم الانتشار المسلح كان لشباب يتمسكون بمنطق الدولة باعتبارها الضامن الوحيد. بالمقابل يلفت السياسي السيادي الى الامر الواقع الذي فرضه «حزب الله صاحب الدويلة ضمن الدولة» مذكراً بأن تنبيهاً مماثلاً لم يصدر مثلاً بعد التفجيرات السابقة في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث لا يسمح المسلحون للقوى الامنية الرسمية بالاقتراب الا بعد الانتهاء من المسح الاولي.

وحيث ان الامن مرتبط عملياً بالامن السياسي، فهو لن يستقيم فعلياً، اذا لم يبدأ بملء الشغور الرئاسي، كمقدمة لانتظام عمل المؤسسات وفق السياسي السيادي، الذي يذكر بأهمية تحميل المجتمع الدولي مسؤولياته في هذا الاطار وهو الذي ما برح يعلن، حتى الآن، اهتمامه بالحفاظ على الاستقرار.

فعلى الحكومة بنظره، ان تطلب مؤازرة القوة الدولية المنتشرة في الجنوب للمشاركة، الى جانب الجيش، في حماية الحدود مع سوريا، كما يسمح له بذلك منطوق القرار الدولي 1701، وفي حال الرفض يتحمّل مجلس الامن المسؤولية. كما ان مسؤولية المجتمع الدولي الاساسية تتمثل في تقاعسه عن فرض مناطق آمنة داخل الاراضي السورية بما يسهّل عودة قسم من النازحين ويخفف العبء على الدول المضيفة بدءاً من لبنان وصولاً الى الاردن وتركيا. كذلك يرفض المجتمع الدولي مدّ الدولة مباشرة بالتمويل الضروري لتوفير شروط اقامة انسانية بذريعة الفساد والهشاشة، ويحصر قسمه الاكبر بالجمعيات الاهلية التي تنامت كالطحلب، وهي لا تقلّ فساداً.

اقرأ المزيد
١ يوليو ٢٠١٦
الهدف الإقليمي من توريط لبنان

يعود لبنان إلى الانخراط مجدداً في تداعيات الأزمة السورية على أرضه وأمنه وسياسة قواه الحزبية والطائفية المتعارضة المواقف من هذه الأزمة، وعلى علاقة سلطاته بالنازحين السوريين.

وإذا كانت بلدة القاع الحدودية دفعت ثمن فيض الانتحاريين من «داعش» خارج الحدود السورية، رداً على تطهير الفلوجة العراقية ومنبج السورية منه وتكثيف القصف على الرقة، ومحاولة استعادة معبر البوكمال (على رغم فشلها)، فإن هذا الفيض بلغ تركيا والأردن وقبلها أورلاندو في ولاية فلوريدا الأميركية. وهو مرشح لأن يبلغ أوروبا التي تستنفر أجهزتها الأمنية لمواجهة الاحتمالات الداهمة التي تنتظرها.
على رغم هول الجريمة على البلدة الوادعة في أقصى البقاع الشمالي الشرقي، فإن الارتباك لدى الطبقة السياسية اللبنانية طغى على ذلك الذي فرض نفسه في القاع، بين الدعوة إلى التسلح وقيام أمن ذاتي، وترك حفظ الأمن للجيش الذي سارع إلى تدابيره التي تغني عن قيام «حشد شعبي» في المنطقة أو «شبيحة» يتولون الدفاع عنها.

وإذا كان لا بد من خطة جديدة للقوات المسلحة اللبنانية وأجهزة الأمن، للتعاطي مع هذا الفيض الجديد لانتحاريي «داعش» في المرحلة المقبلة، فإن ما لا يحتاجه لبنان هو أن يندفع إلى سياسات تزيد من ارتباط أمنه بالوضع السوري الداخلي عن طريق مطالبة الجيش اللبناني بالهجوم على مواقع المسلحين «الداعشيين» في الجرود البقاعية، بالتعاون مع الجيش السوري النظامي. فأكثر الخطوات أذية أن يواجه الفيض الإرهابي من الداخل السوري بفيض لبناني من الأرض اللبنانية نحو الأرض السورية (أو تلك الهضاب المتداخلة بين البلدين)، مثلما يفعل «حزب الله» منذ عام 2013، حين جعل الحدود مفتوحة مع سورية ليشارك في الحرب الداخلية التي أخذتها إلى الدمار والتفتيت. وهو ما تحمّل لبنان تداعياته السلبية من اقتصاده وأمنه واستقرار مؤسساته، وصولاً إلى ربط ملء الشغور الرئاسي فيه بالضمانات للحزب، لتشريع انغماسه في الصراع الإقليمي الدولي على بلاد الشام.

فالمعادلة الإقليمية- الدولية التي أقحم الحزب نفسه فيها، ومعه لبنان، لا تتيح للبلد الصغير أن يقفز إلى حلبتها التي يديرها الكبار الذين يمكنهم امتصاص الإخفاقات والخيبات، أو توظيف النجاحات، لأن دولهم تحكمها مؤسسات متينة وأنظمة سياسية تحفظ نسيجها الاجتماعي مهما كان معقداً. وبمعنى آخر، فإن خسائر «حزب الله» البشرية والعسكرية والسياسية جراء التورط في المحرقة السورية تحتسب في خانة إيران التي قد تكون قادرة على استيعابها أو على التعويض عنها في ساحة إقليمية أخرى، أو على قلبها، وليس في خانة الحزب. لكن خسارة الجيش اللبناني من الانخراط في المحرقة السورية، ستحتسب على لبنان وعلى نسيجه الطائفي الهش المهدد في كل لحظة بالانفراط، لولا وجود ذلك القرار الدولي والإقليمي بالحفاظ عليه.

وإذا كانت دول أكثر تماسكاً لديها جيوش أقوى وأكثر فعالية امتنعت عن الانخراط في سورية، مثل الجيشين الأردني والتركي، بفعل المعادلة الإقليمية الدولية، فأين الحكمة من دفع لبنان الرسمي إلى ذلك؟

تزداد أسباب الخشية من التهور في هذا المجال لأن فيض الانتحاريين يتزامن مع تغييرات في الخريطة الجيو سياسية المحيطة بالمحرقة السورية، وأحدثها تطبيع العلاقات التركية-الإسرائيلية والعلاقات التركية-الروسية.

وإذا كان «حزب الله» يستخدم مأساة القاع الجريحة من أجل دفع حكومته إلى الانحياز إلى حكم بشار الأسد وانتزاع الاعتراف بنظامه، فإنه كمن يدعو إلى أن يحشر لبنان رأسه بين الرؤوس من دون امتلاكه قدرات الدول التي تخوض المناورات والمغامرات والتغييرات في توجهاتها.

تكفي مراقبة مفاعيل أهداف حركة رجب طيب أردوغان حيال إسرائيل وروسيا، وإصرار الأخيرة على منع إيران من إحداث أي تغيير جديد في موازين القوى على الأرض السورية (احتلال حلب)، نتيجة اتفاقها مع أميركا على قدر من التوازن يسمح بالعودة إلى الحل السياسي. ويكفي النظر إلى ما أتاحته الخطوات التركية الأخيرة لأنقرة من موقع أفضل في الحلبة السورية، وفي علاقتها مع أوروبا وموسكو، مقابل الموقع الإيراني، للتوجس من أي مغامرة تجعل لبنان جزءاً من محور.

مع صحة الترجيحات بأن المجتمع الدولي يتجه إلى محاربة «داعش» بجدية أكبر، فإن حصة لبنان من هذه الحرب هي حماية حدوده، المفتوح جزء منها لحساب «حزب الله»، وكذلك حماية الداخل. ولا تشير وقائع الميدان السوري إلى أن نظام الأسد، الذي اشترك في صنع «داعش»، يقوم بقسطه منها.

ملاحظة أخيرة: لبنان عضو في التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وانخراطه في عمليات عسكرية كبرى على الحدود يتطلب تنسيقاً مع هذا التحالف، وقراراً يبدأ في واشنطن ولا ينتهي في موسكو.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
!مخيم «الركبان» دولة لـ«داعش» بدل دولته القديمة

قبل العملية الإرهابية الأخيرة في منطقة «الركبان»٬ على الحدود الأردنية ­ السورية٬ كان بعض الأردنيين لا يجدون ضرورة ولا مبرًرا لأي إعادة نظر بلجوء كل هذه الأعداد المتزايدة من الأشقاء السوريين٬ الذين بالتأكيد لم يدفعهم «إلى كل هذا الُمْر إلا الأمّر منه». أما بعد هذه العملية الإجرامية الدامية٬ وبعد أن تحولت الأمور بالنسبة للأردن من مجرد حالة إنسانية بالإمكان احتمالها والتعامل معها بالإمكانيات القليلة المتوفرة٬ إلى حالة أمنية ضاغطة وخطيرة٬ فلا بد من اتخاذ إجراءات واحتياطات جدية وفعلية عاجلة٬ تفادًيا لمزيد من التراكمات التي قد تجعل الأمور في هذه المنطقة الحدودية المشار إليها حالة مستعصية٬ وعلى غرار ما كان قائًما في الفلوجة وما هو عليه الوضع الآن في الموصل وفي دير الزور وفي الرقة.

كان الأردن قد دَّق ناقوس الخطر عندما بدأت موجة نزوح عاتية باتجاه حدوده الشمالية من المناطق التي يسيطر عليها «داعش»٬ خصوًصا منطقة الرقة وبعض مناطق دير الزور٬ وكان لا بد من إنشاء «ُمخَّيٍم» لهؤلاء وعلى عجل داخل الأراضي السورية٬ ليتم التحكم في الذين سيسمح لهم بدخول الأراضي الأردنية والالتحاق بمن سبقهم من اللاجئين السوريين٬ الذين تجاوزت أعدادهم الفعلية مليوًنا ونصف المليون٬ على اعتبار أن المنافذ الحدودية بين البلدين الشقيقين كانت مفتوحة للأردنيين والسوريين وأَّن نظام التأشيرات المسبقة «فيزا» ما كان معمولاً به وليس معمولاً به حتى الآن٬ حتى بعد كل هذه التطورات التي استجدت في سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية.

لقد كانت هناك مخاوف لدى الأردنيين٬ ولدى السلطات المعنية٬ من تسرب عناصر إلى الأراضي والمدن الأردنية إْن من «داعش» أو من «النصرة» أو من «القاعدة»٬ وأيًضا من حزب الله اللبناني والمخابرات الإيرانية ومن التنظيمات الطائفية والمذهبية التي استوردها الإيرانيون إلى سوريا٬ بموافقة نظام بشار الأسد من كِّل حْدٍب وصوب٬ وحقيقة أنه جرت محاولات كثيرة في هذا المجال كان من الممكن أن يكون النجاح حليف بعضها لولا يقظة الأجهزة الأمنية٬» المخابرات العامة» على وجه التحديد٬ ولولا سيطرة القوات المسلحة (الجيش العربي) على مسافة نحو 20 كيلومتًرا داخل الأراضي السورية٬ إْن بالنظر من خلال الأجهزة المتطورة والاستطلاعات الجوية أو بالنيران من خلال الأسلحة الحديثة٬ الصواريخ والمدافع المخصصة لهذه الغاية ولمثل هذه الحالات.

لقد استطاع الأردن إحباط محاولات كثيرة شاركت فيها مخابرات واستخبارات هذا النظام٬ نظام بشار الأسد٬ لإيصال مجموعات من «داعش» ومن حزب الله اللبناني وأيًضا من بعض التنظيمات المذهبية المستوردة٬ وخصوًصا من أفغانستان٬ إلى حدوده الشمالية٬ ولقد كان المقصود ولا يزال٬ إرباك الدولة الأردنية وإشغالها بالأوضاع الأمنية المستجدة على حدودها مع سوريا٬ ليصبح بإمكان كل هذه المجموعات آنفة الذكر إنشاء خلايا لها في الداخل الأردني٬ وإقامة شبكات بإمكانها اختراق حتى حدود المملكة العربية السعودية.

لقد كان هذا هو واقع الحال الذي بقي سائًدا خلال الأعوام الخمسة الماضية٬ وهنا فمن المفترض أنه لا يزال هناك من يذكر ويتذكر أن بشار الأسد نفسه٬ كان قد هدد مراًرا وتكراًرا خلال كل هذه الأعوام٬ بنقل ما يجري في سوريا من اضطرابات وفوضى إلى الدول المجاورة٬ ويقيًنا أنه كان يقصد بكل هذه التهديدات٬ التي لا تزال مستمرة ومتواصلة٬ الأردن٬ وصولاً إلى المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي الأخرى٬ هذا بالإضافة إلى تركيا وصولاً إلى بعض الدول الأوروبية القريبة والبعيدة٬ وهنا فإن المثال الأوضح في هذا المجال هو العمليات الإرهابية التي ضربت تباًعا كلاً من بروكسل في بلجيكا وباريس في فرنسا.

إَّن المقصود بهذا كله هو أن الأردن الذي بات يمتلك خبرة فعلية طويلة٬ قبل «الربيع العربي» وبعده بمثل هذه الحالات ومثل هذه الأمور٬ قد ساورته شكوك كثيرة تجاه عمليات التهجير المفاجئة من الرقة ودير الزور ومناطق مجاورة أخرى في اتجاه منطقة «الُّركبان» على الحدود الأردنية ­ السورية٬ خصوًصا أَّن هذه العمليات قد تمت بإشراف أجهزة نظام بشار الأسد الأمنية٬ ومعها حزب الله وفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني التابع لحراس الثورة الإيرانية.

وهكذا فإن هذه الشكوك قد جعلت الأردن يصر على أْن يكون مخيم هؤلاء اللاجئين أو «الُمَلَّجؤون» بالقرب من حدوده داخل الأراضي السورية٬ وأنُيخضع من يتقرر السماح لهم بالدخول إلى أراضيه لإجراءات أمنية دقيقة وصارمة٬ تحاشًيا لتسرب بعض إرهابيي «داعش» إلى الأراضي الأردنية٬ وعلى غرار ما حصل مرات عدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية٬ مما كان سيؤدي إلى كوارث فعلية أسوأ من كارثة عام 2005 المعروفة٬ لولا يقظة المخابرات الأردنية التي غدت معروفة بالتفوق وبالمهنية الراقية وبالإمساك بالخيوط الأمنية في المنطقة كلها٬ وهذه حقيقة باتت تعترف بها حتى الدول الكبرى٬ كالولايات المتحدة الأميركية.

ولعَّل ما ضاعف شكوك الأردن المشار إليها آنًفا أن أعداد «الوافدين» إلى مخيم «الركبان» هذا قد قفزت خلال فترة قصيرة من بضعة آلاف إلى مائة وثلاثين ألًفا٬ وأَّن تقصي المخابرات الأردنية بين هؤلاء «اللاجئين» قد كشف النقاب عن أنشطة أمنية في هذا المخيم المثير لكثير من الشبهات٬ إْن لـ«داعش» أو لباقي التنظيمات الإرهابية٬ وأيًضا إْن بالنسبة للاستخبارات السورية و«اطلاعات» الإيرانية٬ وبالطبع حزب الله وفيلق القدس وحراس الثورة الإيرانية.

ولذلك فقد تولدت لدى الأردن قناعة راسخة٬ وخصوًصا بعد هذه العملية الأخيرة التي أدت إلى استشهاد 6 من العسكريين ومن منتسبي الأجهزة الأمنية والدفاع المدني٬ حيث ثبت أن السيارة المتفجرة قد جرى إعدادها في مخيم «الركبان» هذا نفسه بأَّن هناك خطة لنقل قواعد «داعش» من الفلوجة والموصل في العراق ومن دير الزور والرقة في سوريا إلى هذا المكان٬ الذي يشكل نقطة تتوسط مثلث الحدود الأردنية ­ السورية ­ العراقية بامتداد صحراوي في اتجاه الحدود السعودية القريبة المتاخمة.

إَّن هذا هو الهدف وبكل وضوح٬ ولقد ثبت للأردن أن هناك مؤامرة غير بعيدة عن تخطيط وتنفيذ مشترك بين إيران ونظام بشار الأسد٬ لنقل دولة «داعش» من حدودها الجغرافية الحالية في العراق وسوريا إلى هذا الموقع٬ الذي يشكل نقطة متوسطة على الحدود الأردنية ­ السورية ­ العراقية٬ ولذلك فقد بادر الجيش العربي (القوات المسلحة الأردنية) إلى اعتبار هذه الحدود حدوًدا عسكرية مقفلة لن يسمح بالاقتراب منها٬ سواء من الآليات المدنية أو غير المدنية ولا من الأفراد العاديين ولا من اللاجئين وغير اللاجئين.

وهكذا وفي النهاية فإن الأردن٬ الذي بات يتعامل مع هذا المخيم على أنه قاعدة إرهابية٬ يضع الآن في حساباته الكثيرة أن «المتآمرين» قد يلجأون إلى افتعال سلسلة من التفجيرات المرعبة والمدمرة٬ لإرغام لاجئي «الركبان» على هروب جماعي عبر الحدود الأردنية٬ وحقيقة ورغم كل الاحتياطات اللازمة التي تم اتخاذها في هذا المجال بسرعة ودون إبطاء٬ فإَّن هذا إن حدث فإنه سيؤدي إلى إرباكات كثيرة قد تؤدي إلى استخدام القوة العسكرية الضاربة٬ وربما إلى حرب حدودية مع نظام بشار الأسد إن اقتضت الضرورة ذلك!!

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
احتدم الصراع في إيران فاشتعلت في.. حلب!

شن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله هجوًما عنيًفا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتهم الروس بأنهم تآمروا وعرقلوا تقدم «قواته» إلى حلب. سبق هذا الهجوم الاعتراف لإيران بأنها تقدم الأموال والصواريخ للحزب. هذا التحدي اللافت كان «ثمن» الهجوم على بوتين. لكن٬ وكما لا بد أن الأمين العام لـ«حزب الله» يعرف جيًدا أن القصة غير مرتبطة بسوريا وبمعارك حلب٬ بل بالتغييرات التي تحدث داخل التركيبة الإيرانية٬ وبالتالي كان خطابه «الناري»٬ يوم الجمعة الماضي٬ عبارة عن تأكيد ولائه لفريق «الحرس الثوري» والجنرال قاسم سليماني٬ إن كان في استيطائه الحائط اللبناني٬ أو في هجومه على بوتين أو على السعودية أو على البحرين.

تحدث تغييرات في إيران٬ لكن المهم أنه قبل ومع هذه التغييرات٬ فإن مدينة حلب لن تسقط بأيدي قوات النظام٬ أو بأيدي إيران أو بأيدي «حزب الله»٬ فالتاريخ لا يسمح بذلك٬ وهوية حلب لن تتغير.

تعديل في المناصب وتغييرها٬ أثارا احتمال أن طهران بصدد إعادة البوصلة في السياسة الإقليمية٬ ففي 10 يونيو (حزيران) أعلنت طهران أن الأدميرال علي شمخاني٬ سكرتير مجلس الأمن القومي٬ أُضيفت إلى وظيفته وظيفة أخرى تم إنشاؤها حديًثا٬ وهي المنسق رفيع المستوى مع سوريا وروسيا للشؤون العسكرية والسياسية والأمنية. بعد 9 أيام أصدر محمد جواد ظريف٬ وزير الخارجية٬ قراًرا بتعيين حسين جابري أنصاري مساعًدا له للشؤون العربية والأفريقية خلًفا لحسين أمير عبد اللهيان.

تجدر الملاحظة إلى أن تعيين شمخاني في المنصب الحديث جاء بعد يوم واحد من الاجتماع الثلاثي الذي عقد في طهران لوزراء دفاع إيران وروسيا وسوريا. وكان اللافت أن الوزير الروسي سيرغي شويغو التقى٬ على هامش ذلك الاجتماع٬ شمخاني فقط من بين كل المسؤولين الإيرانيين الآخرين٬ كما أن شويغو كان قد وصل إلى طهران بعد يومين من زيارة بنيامين نتنياهو٬ رئيس الوزراء الإسرائيلي٬ إلى موسكو ولقائه الرئيس بوتين.

هذا من جهة٬ ومن جهة أخرى٬ وقبل الإطاحة بعبد اللهيان٬ وبعد لقائه ظريف في النرويج على هامش قمة «مؤتمر أوسلو» قال جون كيري٬ وزير الخارجية الأميركي٬ في 15 يونيو٬ أنه شعر «برياح تغيير في التفكير الإيراني تجاه سوريا٬ وقد تكون هناك بعض الاحتمالات»٬ بدوره أعلن ظريف في طهران٬ قبل توجهه إلى أوسلو٬ أنه يأمل في مناقشة مسألة سوريا مع كيري٬ وربما أدى تعيين شمخاني إلى «هذه النقلة»٬ وكانُنقل عن ظريف قوله لكيري إنه صارت لديه سلطة أوسع في الملف السوري٬ وإن إيران على استعداد لابداء مرونة من أجل حل سياسي.
بدوره كان العميد حسين دهقان٬ وزير الدفاع الإيراني٬ قال خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد بمبادرة إيرانية إن بلاده كانت دوًما من دعاة التفاوض ومعالجة الأزمة السورية عن طريق الحوار السوري ­ السوري! بعد عودة ظريف من أوسلو جاء الاستغناء عن خدمات عبد اللهيان. كان صدى إقالة الأخير٬ حبس أنفاس كثيرين٬ فهو مقرب جًدا من «الحرس الثوري» وكان يصول ويجول في لبنان٬ وعلى الأقنية التلفزيونية الممولة من طهران يبث خط سياسته المتشددة تجاه الحرب في سوريا٬ وبالنسبة إلى التحريض على المملكة العربية السعودية.

يقول لي مصدر مطلع: «إن إبعاد عبد اللهيان كان لا بد منه بعدما أعطى شمخاني الدور المحوري كمنسق للحرب في سوريا».

في زمن الرئيس محمد خاتمي كان شمخاني وزيًرا للدفاع٬ ثم أنه رعى تطبيع العلاقات مع السعودية عام ٬2004 علاقته الآن مباشرة مع المرشد الأعلى. خلال الحرب العراقية ­ الإيرانية شغل منصب قائد القوات البحرية٬ يقول محدثي: «لا غبار عليه في تاريخ الحرس الثوري٬ لكنه براغماتي٬ وأقل صلابة آيديولوجية في عملية صنع القرار٬ ومعه يبدو أن صناع القرار في إيران صاروا على استعداد للتحول نحو المزيد من الدبلوماسية في سياستهم السورية».

حتى الآن٬ تركيز القيادة الإيرانية قائم على «المقاومة» بإشراف قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الذي يبقى على عجلة الحرب دائرة في سوريا والعراق ولبنان.

السؤال: أين هو سليماني من كل هذه التغييرات الأخيرة؟!

ُرسمت حوله الكثير من قصص البطولات٬ تحول إلى بطل في القصص الإيرانية٬ وتزداد التكهنات بأنه يجري إعداده ليكون الرئيس الإيراني المقبل.

عندما أنشأ آية الله الخميني «الحرس الثوري» كان الهدف أن يكون بمثابة الحرس «الإمبراطوري» للنظام الجديد٬ لكن مع السنوات ومع زيادة استثماراته المالية زاد طموحه السياسي. مهمته ليست سهلة٬ في سوريا طال عمر الحرب٬ ولم يستطع سليماني حسمها. كذلك وضع الحرس في العراق٬ وإن كانت سيطرته ونفوذه هناك أوسع٬ ثم إنه رأس حربة النظام الإيراني وسياسته العدائية والتوسعية في المنطقة امتداًدا إلى لبنان على أساس «المقاومة» ضد إسرائيل٬ و«الحرس الثوري» يعتبر «حزب الله» خط الهجوم والدفاع الأول له ضد إسرائيل٬ ثم إن من مهماته الأخرى استمرار تأجيج العداء لأي تطبيع محتمل بين إيران وأميركا.

أيًضا بعد هذه التعديلات الداخلية٬ُعلم أن سليماني غادر العراق وتوجه إلى سوريا «تحضيًرا لعملية واسعة النطاق يشرف عليها هو ويخوضها الجيش السوري والقوى الشعبية ومقاتلو (حزب الله) في جنوب حلب».

يقول محدثي: «عندما أذكر اسم سليماني فإنما أقصد (الحرس الثوري)٬ وإذا نجح سليماني في القيام بهجوم على حلب٬ فإن الهدف ليس المدينة٬ بل تقويض كل سياسة ظريف وتحركات روسيا والدور الجديد لشمخاني والوعود التي أعطيت لكيري بشأن وقف إطلاق النار في سوريا». أسأله: ما موقف الرئيس السوري؟ يجيب: «لقد كثر الطباخون٬ وليس معروًفا من سيدس السم».

يلفتني إلى تصريح لأحد كبار مستشاري سليماني الجنرال عراج مسدجي بأن «الحرس الثوري» سوف يستمر في القتال في العراق وسوريا٬ وأيًضا في قتال تنظيم داعش٬ حتى مقتل آخر تكفيري٬ وأن القوات الإيرانية منهمكة في القتال «للدفاع عن حدود بلادنا». أسأله: أين تقع حدود «بلادنا» هذه؟ يعيدني إلى ما يكرره السيد نصر الله في كل خطاباته: سنضاعف عدد قواتنا في سوريا وفي العراق.

الأبرز في مواقف سليماني٬ الذي قليلاً ما يصرح٬ تحذيره يوم الاثنين 20 الشهر٬ الذي أطلقه من سوريا لمملكة البحرين٬ وبأنه سيقلب النظام هناك ما لم تتراجع وتعيد الجنسية لآية الله عيسى قاسم.

عندما أطاح ظريف بعبد اللهيان٬ كان راغًبا في تحقيق الانسجام في وزارته فأقنع الرئيس حسن روحاني بالحاجة إلى نقلة نوعية على مستوى السياسات الإقليمية٬ ومن المؤكد أن المرشد الأعلى وافق على هذا. تهديد سليماني للبحرين استفزازي للغاية٬ ويسقط صورة إيران التي يحاول روحاني وظريف تسويقها كدولة إقليمية مسؤولة.

الصراع على السلطة في إيران يزداد شراسة٬ من المؤكد أن روحاني لا يريد أن يلقى مصير خاتمي. يقول محدثي: «إنه يعتمد على دعم أجنحة داخل المؤسسة الدينية التي تعمل ضد هيمنة (الحرس الثوري) وقد لا يكون هذا كافًيا».

المعركة اشتعلت بين روحاني وظريف من جهة٬ و«الحرس الثوري» من جهة أخرى. هل ينجح ظريف في ترجمة ما قاله لكيري عن «احتمالات» إيرانية لوقف النار في سوريا وتحفيز عملية السلام؟ أم يعلنها قاسمي حرًبا مفتوحة في «حلب»؟

وعود على بدء٬ يتبين الآن أبعاد هجوم السيد نصر الله على روسيا وتهديده المصارف اللبنانية٬ وتحريضه ضد السعودية والبحرين... إلخ. إنها معركته التي لا يناسبها «تحفيز أي عملية سلام لا تضمن بقاء الأسد»!

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
أردوغان يتسلق القطار الأميركي - الروسي

الذين اعتقدوا أن الشعارات يمكن أن تطغى على الواقعية في سياسات الدول، اكتشفوا خطأهم مع التحولات السريعة التي باشرها الرئيس التركي أردوغان هذا الأسبوع، وتراجع فيها عن تهديدات ووعود ومواقف عنترية لم يجف حبر بعضها بعد، فتصالح مع إسرائيل واعتذر لروسيا وبدأ مهادنة مصر، في تأكيد بأن مصالح بلده تفوق أهمية بكثير تحالفات نسجها مع هذه الجماعة او تلك، وخصوصاً مع «الإخوان المسلمين» وتفريعاتهم، لأنها لم تعد تتماشى مع المعطيات المستجدة من حوله.

تفاصيل اتفاق إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليست هي المقصد التركي بذاتها، فالتوصل اليها لم يكن يتطلب ست سنوات من القطيعة السياسية، ذلك أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر حقيقة بالخلاف الديبلوماسي. وهي إن نُظر اليها من زاوية الايجابيات والسلبيات بالنسبة الى تركيا لبدت عادية وهزيلة ولا شيء استثنائياً فيها، مع أن إسرائيل رأت فيها «مكاسب اقتصادية هائلة».

أما حركة «حماس» في غزة، الطرف الثالث المعني بالاتفاق، ولو في شكل غير مباشر، فالحصار لن يرفع عنها، لكن وضعها الصعب يجعلها تجد في أي «خروقات» له متنفساً يطيل عمر قبضتها على القطاع، وليس أمامها خيار سوى الترحيب.

فتركيا التي أدركت عجزها عن تحقيق اي انجاز في الملف السوري، تعرف أن إسرائيل تمتلك الورقة الأقوى فيه، لأنها ترفض في شكل قاطع تغيير نظام الأسد، ولأنها المدخل الى عقل الأميركيين وقلبهم. ومع اقتراب التغيير في البيت الأبيض، كان لا بد من «إعادة المياه الى مجاريها» معها، مع ترجيح استبدالها هذه المرة بالغاز الإسرائيلي المتدفق من أعماق البحر المتوسط.

وبالطبع بدأ التغيير في الداخل، فدفع رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو الثمن، ليفتدي «السلطان» الذي بدا كأنه يصحح ما خربه منظّر حزب «العدالة والتنمية» منذ بزوغ نجمه.

وفي المقلب الثاني من التطبيع مع اسرائيل، تقف روسيا التي تمسك بالقرار العسكري والسياسي في سورية بتنسيق وثيق مع الدولة العبرية، على استعداد لتوجيه ضربة قاصمة للنفوذ التركي التاريخي في منطقة حلب التي تقع الآن ضمن «المحمية» الروسية، فيما يواصل الأكراد ضغوطهم برعاية أميركية لتحقيق الاتصال بين الجيبين الكرديين في شمال سورية، بما يضمن «تحييد» تركيا تماماً وإغلاق حدودها مع الجارة الجنوبية والحيلولة دون تهديد الدويلة المزمعة الممتدة عبر الساحل الى دمشق.

ويعرف أردوغان أن هذا التقاطع الروسي - الإسرائيلي في سورية يصب في النهاية في «طاحونة» واشنطن التي تدعمه وتعول على دور أكبر لموسكو في إيجاد تسوية تتيح وقف الحرب السورية، وهي مستعدة في سبيل ذلك لتقديم التنازلات المطلوبة. وقد حاول قبل ذلك «فركشة» التفاهم بين الأميركيين والروس عندما أسقط الطائرة الروسية، فلاقى توبيخ الطرفين وانتقامهما.

صحيح أن التسوية السورية تبدو أبعد حالياً، لكن المعركة المحتدمة لتفكيك جغرافية «داعش» وإضعافه، ثم كسر علانيته ودفعه الى السريّة مثل «القاعدة» من قبله، قد لا تستغرق طويلاً، ويحتاج كل الأطراف، وبينهم الأتراك، أن يكونوا جاهزين لقطف ثمار «الانتصار» على التنظيم، كي لا تترك للمعارضين السوريين والكرد وحدهم، وليشاركوا في الترتيب السياسي الذي سيليه.

صفق الأميركيون للتغيير في السلوك التركي، لأن أردوغان فهم اخيراً انه لا يستطيع معاندة استراتيجيتهم في المنطقة، وأن خياره الوحيد يجب أن يكون تسلق القطار الذي يرسمون سكته مع الروس، ليمر أولاً بتحجيم «داعش»، ثم بتطعيم نظام دمشق بتشكيلات من «المعارضة الجديدة» لإبقائه على قيد الحياة، وأخيراً تقسيم سورية الى دويلات او «محطات» بحمايات دولية.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
السوريون والاستفتاء البريطاني

كان لنتيجة استفتاء الشعب البريطاني، الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقع القنبلة الصوتية على العالم، وليس فقط على الدول الأعضاء في الاتحاد. وكانت للشعب السوري الغارق في بحيرات دمائه، والمنهك بنزيفه، والمحروق بأتون حربٍ فريدة، مساهماته على صفحات التواصل الاجتماعي، مثلما كانت حديث اللحظة، وليس الساعة، في الواقع المعيش. يهولك الحدّ عالي الوتيرة من الكلام العاطفي المنفعل الذي يخفي بين سطوره، وفي حنايا نبراته، توجّساً وقلقاً وخوفاً وتطيّراً من الأمر، فشعوب هذه المنطقة المصابة بنقص المناعة المكتسب نتيجة فيروس تمكّن منها تاريخياً، فيروس الهزائم والخيبات والإحباط والخذلان، سوف تعتريها نوبةٌ من الحمّى العارمة، إزاء حدثٍ بهذه الجسامة، وتبدأ الهذيانات والهلوسات تفعل فعلها وتجعلها تطارد أشباح الشياطين الراقصة على رجع النبأ.

منهم من شمت بأوروبا التي يعتبرها سبباً من أسباب بلائنا، ومنهم من اعتبر الأمر عدالةً إلهيةً، لأن الله يمهل ولا يهمل، ومنهم من توجّس من قرارٍ سوف يؤدّي، بحسب رأيه، إلى تدهور الوضع في سورية، منهم من راح يهزأ ويعبّر بسخرية مرّةٍ من الحالة العالمية كلها، كأن يقول: من منجزات اللاجئ السوري، فرط الاتحاد الأوروبي من أول سنة. وبينهم أصواتٌ تحمل هلعاً من طبيعةٍ أخرى، أصوات اللاجئين في الدول الأوروبية، فقضيتهم شكلت أحد أسباب الرغبة بالخروج من الاتحاد بحسب مؤيديه، خصوصاً بعد أن ارتفعت أصواتٌ في غير بلد أوروبي، تدعو إلى استفتاء من هذا النوع.

في لحظاتٍ من هذا النوع، تتعطّل الذاكرة أمام هول الحرارة الانفعالية المرافقة، وتُنسى تجارب التاريخ وحِكمها، فكيف إذا كانت ذاكرة شعبٍ بحاله معطّلة، إلّا لناحية نصوصٍ تأسر العقل وتأسر الفكر والخيال في قوالب جامدةٍ، لم تعد تصلح لمواكبة الحياة في عصر الثورة الرقمية والمستوى الحضاري والمدني الذي وصلت إليه البشرية؟ أو لتبجيل القائد والتنازل عن الحياة وطموحها من أجل القضايا الكبرى التي لعظمتها صارت أبعد من إدراكنا لها، قضية الهوية القومية المهدّدة بعدوٍ يتربص بنا، وعيونه لا تنام؟

أي ذاكرةٍ ستتنبه إلى بريطانيا العظمى وجبروتها الإمبراطوري؟ بريطانيا الانفصالية التي قال عنها الدكتور أحمد برقاوي: أوروبا فيها بعض الأمم العالمية المؤثرة على مستوى الكوكب، بما تملك من قوةٍ ماديةٍ وثقافية على امتداد قرون: ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، الدول الاسكندينافية إلخ، وأي نوع من التغيّر في وعي أوروبا ذاتها ينتج عنه وعي أوروبا بغيرها. وبريطانيا أحد مراكز القرار العالمي مالياً وسياسياً، واستفتاء شعبها على الخروج من الاتحاد الأوروبي لن يغيّر من مكانتها، وبخاصة أنها الأقرب إلى الولايات المتحدة الأميركية. لا تنسوا أن بريطانيا لا هي من دول الشنغين، ولا هي من دول اليورو أصلاً، وروح المحافظة البريطاني متمكّن جداً، فعلام العرب في حيص بيص؟

كيف لا يكون العرب في "حيص بيص" من أمرهم، خصوصاً السوريين، وواقعهم يفوق، بسورياليته، أي جنونٍ مهما كانت عبقريته؟ لا يفهم السوريون صمت العالم من موتهم اليومي، من تشريدهم، من فقرهم، من جوعهم، من تدمير وطنهم، من تمكّن البدع الشيطانية المسماة "داعش" ومثيلاتها من مصيرهم وأقدارهم. كيف لا يدخلون حالة الارتياب والهلع، بينما المجازر لا تكفّ عن حصادها في الرقة، في دير الزور، في حلب، في حماة، في دمشق، في إدلب، في كل بقعةٍ من سورية المنتهكة، كيف لا تصيب السوريين لوثة المشهد الذي يجري على الأرض، يديره مخرجون احتلوا السماء؟ شعب أفقده الهلاك قدرته على التفكير، كيف له أن يواكب الأحداث العالمية بعين المراقب الراصد الفاهم، وأن يتابع السياسة في جولاتها البهلوانية الماكرة؟ حتى نخب هذا الشعب فشلت فشلاً مدمراً في لعب السياسة، فسورية كانت تعاني من عطالةٍ هائلةٍ في هذا المجال. لم تكن في سورية حياة سياسية منذ عقود، وما دفعه المعارضون لأنظمة القمع السياسية والدينية والاقتصادية من فواتير باهظة في تلك العقود ذرّتها ريح العواصف التي اجتاحت الوطن السوري، في السنوات الخمس الدامية التي عرّت الواقع، وكشفت هشاشته، والفجوة الواسعة بين أولئك الآباء وجيل الأبناء الذين انتفضوا ليصنعوا مصيرهم. شباب انطلقوا خلف أحلامهم بانتفاضةٍ تسعى إلى الانقلاب على واقع الحياة بكل تجلياته، فقنصت أحلامهم، وألفوا أنفسهم في أتون حربٍ دمّرت وطنهم، هجّرت أهلهم، أفقرتهم، عرّضتهم لشتى أنواع الإذلال والامتهان. شباب ماتوا وآخرون ينتظرون موتهم، ومنهم من يعيشون بمزاج الموت وهم أحياء، بينما العالم يعيد ترتيب أوراقه.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
هل نفد صبر أميركا؟

ليس كل ما تقوله إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، بخصوص الأوضاع السورية، محض ثرثرة. أحياناً، وعلى الرغم من نمطية القوالب التي تصوغ بها واشنطن رسائلها، فإنها تكون مشحونةً برصيد قوةٍ يكفي لإحداث الفعالية عند الأطراف المقصودة، والمرجّح أن هذا يحصل لحظة الإخلال بالتفاهمات على خطوط الصراع، ولعل من مؤشرات حصول ذلك الصدى الذي يصدر عن عواصم المراكز المنخرطة بالصراع في سورية والمعنية بالرسالة الأميركية.

لعل واحدةً من خبرات الحرب السورية أنها كشفت وجود نوعين من الكلام والرسائل، استخدمتهما أميركا في إدارة الأزمة. الأول عام وعادي، يُقال في المحافل الدبلوماسية والمنابر والمؤتمرات الدولية، وفي اللقاءات البروتوكولية. وفي الغالب، لا ينطوي هذا الكلام على التزاماتٍ، ولا يتضمن رسائل محدّدة، كما أنه غير قابلٍ للصرف السياسي، وتصعب ترجمته إلى إجراءات. وقد استخدمت إدارة أوباما هذا النوع من الكلام بكثافة طوال الأزمة، بعد نجاحه في تأمين هامش مناورة واسع استطاع البيت الأبيض من خلاله التهرّب من أي التزاماتٍ مستدامةٍ، واللعب على أكثر من حبل في الوقت نفسه.

يختلف النوع الثاني تماماً، وهو ما يمكن وصفه بالكلام من ذهب، وهو نادر جداً لكنه ينطوي على رهبةٍ، ويعيد الذاكرة إلى هدير أساطيل أميركا، ويجعل العالم أكثر هدوءاً. والظن أن زعماء الدول المقصودين بهذا الكلام يتحسّسون لحظتها حدود بلدانهم الجغرافية ومياههم الإقليمية، ويحصون أصولهم العسكرية والاستراتيجية، ويسألون مستشاريهم عن طبيعة التفاهمات وحدودها، وما إذا كانوا قد تجاوزوا الحدود في فهمها وتفسيرها وتطبيق مندرجاتها، لأنهم يدركون أن هذا الصوت مدعومٌ بكل ثقل أميركا العسكري، وتسنده كل الخيارات والبدائل.

كان كلام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أخيراً عن محدودية صبر أميركا، من النوع الثاني، وقد يكون بدايةً لمسارٍ جديد في التعاطي مع الأزمة السورية والأدوار الروسية والإيرانية فيها، في وقت قد يستغرب بعضهم إمكانية التعويل على دور جدّيٍّ للإدارة الأميركية، خصوصاً أنها دخلت المرحلة التي يجري وصفها فيها بـ"البطة العرجاء"، نتيجة قلة فاعليتها وانصرافها كلياً إلى الانتخابات الرئاسية التي تحتل سلّم أولوياتها، وإذا كانت إدارة أوباما في عز قوتها وتأثيرها قد اختارت طريق السلامة وعدم الانخراط في تفاصيل الأزمة، فكيف لها الآن أن تكون جديةً، وتجري تحولات جذرية في سلوكها.

تفسير هذا الأمر مرتبطٌ بدرجة كبيرة بطبيعة المؤسسات الأميركية وديمومة عملها، بغض النظر عن طبيعة الإدارة الحاكمة، ومرتبطٌ أيضا بالاستراتيجية التي يجري تنفيذها، وبحسابات تأمين استمراريتها ونجاحها، وكذلك بضمان استقرار المعادلات القائمة، وعدم العبث بها إلى درجةٍ قد تحدث أضراراً بعيدة المدى في المصالح الأميركية. لذا، الصوت الصادر عن كيري وعن إمكانية نفاد صبر أميركا، بعد خطوة أو خطواتٍ معينة، كان صوت هذه المؤسسات والكلام كلامها، وخصوصاً أنها المسؤولة عن الأمن الأميركي حالياً، وفي عهد أي رئيس آخر قادم.

بالطبع، من السذاجة بمكان تفسير كلام كيري عن محاسبة الأسد على جرائم الحرب التي يرتكبها هو المقصود تماماً من التصريح الأميركي، فلا إدارة أوباما لديها المصداقية الكافية في هذا الأمر، حتى تصدّقها روسيا وإيران، ويحسبان حسابها، بعد أن صمتت طويلا عن الجرائم المرتكبة، وتراجعت عن خطوط حمراء، كانت قد وضعتها، ولا نكبة الشعب السوري تعني شيئاً ذا أهمية في الحسابات الاستراتيجية الأميركية، ولا في تفكير أيٍّ من قادتها العسكريين والأمنيين.

لكن، واضح أن ثمة تفاهمات صلبة جرت بخصوص حلب بدرجة كبيرة، وبخصوص تغيير المعادلات على الأرض، إذ قبل تصريح كيري بأيام، كان المتحدث باسم البيت الأبيض قد طلب من روسيا لجم الأسد، في تعليقه على الخطاب الذي ألقاه الأخير أمام مجلس الشعب، وقال فيه إنه سيعيد سيطرته على سورية شبراً شبراً. وكانت الأيام السابقة قد شهدت رسائل "جس نبض" روسية، بدا واضحاً أنها موجهة لواشنطن عن عدم سماحها بتغيير المعادلة في حلب، وانتظار سقوطها بيد الفصائل المسلحة، وأعقب ذلك الاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع لروسيا وإيران ونظام الأسد، والذين أرسلوا من خلاله إشاراتٍ عن وجود استعداداتٍ لاقتحام حلب.

على ذلك، تضع واشنطن، ومؤسساتها العسكرية والأمنية، الحراك الروسي تحت المراقبة، وثمّة خطوط لا يُسمح له بتجاوزها، وقد جرت ترجمة هذا الأمر مرّاتٍ، من خلال إعلان موسكو الهدنة في حلب، على الرغم من انزعاج إيران ونظام الأسد، كما أنه يشكل جزءاً من الاستراتيجية الأميركية التي تعمل على تقييد الدور الروسي في العالم، حيث لفتت تقارير أمنية أميركية إلى أن تقييد روسيا وضبط تحركاتها ليس ممكناً من خلال بوابة أوروبا الشرقية، وتركها تتمدّد في الشرق الأوسط، ويتزامن ذلك مع جديةٍ أميركية في تفكيك هيكلية دولة داعش في سورية والعراق، ورفضها التنسيق مع الروس في هذا الأمر.

هل نفد صبر أميركا؟ يجيب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده ليست ملتزمةً تجاه أحد بتعهداتٍ تفصيليةٍ حول أشخاصٍ، بقدر ما هي ملتزمة إنجاح عملية سلام سورية، لكن روسيا التي تتلطى في الشرق خلف علاقاتها بإسرائيل وإيران تدرك أن واشنطن هي من سمح لها بهذه المساحة من الحركة في سورية، وأن أي دعسةٍ زائدةٍ في هذا المجال قد تحوّل سورية إلى أفغانستان أخرى، وتنتهي معها مرحلة التدخل المنخفض التكاليف، ومعه كل الفرص في لعب أدوارٍ ربما تأنف واشنطن من لعبها.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
لنضحك كـ"ثملين" من الألم على حالنا .. أمم اتفقت على مساندة قتلتنا

دعونا نضحك قليلاً في جو خيم عليه رائحة الدم في سوريا، لنترقب العالم الذي حاوط الشعب السوري بسياج شائك لا بل دامي من كافة الحدود بدءً من الأردن وصولاً الى تركيا ومروراً بلبنان، بعد أن ضيقوا النطاق على أعناق الشعب السوري الهارب من قصف النظام السوري و المدلل بطيرانٍ روسي

أوقفت منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حتى إيقاف التحالف الذي تقوده السعودية عن قتل المدنيين في اليمن، بعد أن سجلتا انتهاكات غير قانونية على المدنيين في اليمن في مواجهة الحوثيين حلفاء إيران، بعد أن وثقتا 69 غارة جوية للتحالف أودت بحياة 913 مدني

لنتابع ضحكاتنا الثملة ببكائنا المستباح كسوريين، حين نسمع عن قلق سبعة أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي على الوضع البحريني، والذين وجهوا لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، اليوم، أمراً بالضغط على حكومة البحرين بشأن سجل البحرين في حقوق الإنسان، و خوفهم حول حملتها ضد المعارضة الشيعية، لاسيما بعد تجريد أحد كبر رجال الدين الشيعة من جنسيته البحرينية وتعليق أنشطة جمعية الوفاق الشيعية، وعدم تنفيذ الحكومة البحرينية لحماية حقوق حرية التعبير والمظاهرات السلمية، ناهيك عن تخوفهم من مشاركة البحرين في الحرب ضد الحوثيين في اليمن

يؤسفني يا سادة أن أخبركم أن منظمات حقوق الانسان و مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، قد محوا عن الخريطة ما يعرف بإرهاب النظام السوري وتبجح ايران بحربها ضد الشعب السوري على أرض المواطن السوري، فهذا الأمر ليس انتهاكاً إنه مصالح سوريا، لاتستغربوا أن يعيد الجميع علاقتهم بروسيا وأن يصافح الجميع اليد الإيرانية و يشكرها على قتل السوريين ، فالشعب السوري مجرد حجر دومينو بيد أمريكا و أوروبا، لا تحزنوا فالأمر واضح ويموت الشعب السوري لتعيش الشعوب الأخرى على رماد جثث مبعثرة

أوروبا أخذت ماتحتاجه من فيض انساني، وقدرات شبابية من سوريا ولم يعد لها مصلحة أن توقف الحرب ولم يعد من شأنها أصلاً، و أمريكا تبحث عن الرضا الإيراني ربما لمصالح نووية بعيدة المدى لم تخطر ببال أحدنا، ولمصالح اسرائيلية لا يهم إن عرفناها أو لا، وروسيا تبحث عن أمجادها السوفيتية وغازها السام المصدر عبر سوريا ليس أكثر، والعرب ربما علينا ألا نلقي اللوم عليهم فكلما طالت الحرب في سوريا، كلما استشعر شعوبهم برهبة الإنقلاب على الحكام، وأنتم يا سادة الشعب السوري، عليكم أن تضحكوا ولو كانت ضحكاتكم ثملة ببكائكم المستباح

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)