مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١ يوليو ٢٠١٦
الهدف الإقليمي من توريط لبنان

يعود لبنان إلى الانخراط مجدداً في تداعيات الأزمة السورية على أرضه وأمنه وسياسة قواه الحزبية والطائفية المتعارضة المواقف من هذه الأزمة، وعلى علاقة سلطاته بالنازحين السوريين.

وإذا كانت بلدة القاع الحدودية دفعت ثمن فيض الانتحاريين من «داعش» خارج الحدود السورية، رداً على تطهير الفلوجة العراقية ومنبج السورية منه وتكثيف القصف على الرقة، ومحاولة استعادة معبر البوكمال (على رغم فشلها)، فإن هذا الفيض بلغ تركيا والأردن وقبلها أورلاندو في ولاية فلوريدا الأميركية. وهو مرشح لأن يبلغ أوروبا التي تستنفر أجهزتها الأمنية لمواجهة الاحتمالات الداهمة التي تنتظرها.
على رغم هول الجريمة على البلدة الوادعة في أقصى البقاع الشمالي الشرقي، فإن الارتباك لدى الطبقة السياسية اللبنانية طغى على ذلك الذي فرض نفسه في القاع، بين الدعوة إلى التسلح وقيام أمن ذاتي، وترك حفظ الأمن للجيش الذي سارع إلى تدابيره التي تغني عن قيام «حشد شعبي» في المنطقة أو «شبيحة» يتولون الدفاع عنها.

وإذا كان لا بد من خطة جديدة للقوات المسلحة اللبنانية وأجهزة الأمن، للتعاطي مع هذا الفيض الجديد لانتحاريي «داعش» في المرحلة المقبلة، فإن ما لا يحتاجه لبنان هو أن يندفع إلى سياسات تزيد من ارتباط أمنه بالوضع السوري الداخلي عن طريق مطالبة الجيش اللبناني بالهجوم على مواقع المسلحين «الداعشيين» في الجرود البقاعية، بالتعاون مع الجيش السوري النظامي. فأكثر الخطوات أذية أن يواجه الفيض الإرهابي من الداخل السوري بفيض لبناني من الأرض اللبنانية نحو الأرض السورية (أو تلك الهضاب المتداخلة بين البلدين)، مثلما يفعل «حزب الله» منذ عام 2013، حين جعل الحدود مفتوحة مع سورية ليشارك في الحرب الداخلية التي أخذتها إلى الدمار والتفتيت. وهو ما تحمّل لبنان تداعياته السلبية من اقتصاده وأمنه واستقرار مؤسساته، وصولاً إلى ربط ملء الشغور الرئاسي فيه بالضمانات للحزب، لتشريع انغماسه في الصراع الإقليمي الدولي على بلاد الشام.

فالمعادلة الإقليمية- الدولية التي أقحم الحزب نفسه فيها، ومعه لبنان، لا تتيح للبلد الصغير أن يقفز إلى حلبتها التي يديرها الكبار الذين يمكنهم امتصاص الإخفاقات والخيبات، أو توظيف النجاحات، لأن دولهم تحكمها مؤسسات متينة وأنظمة سياسية تحفظ نسيجها الاجتماعي مهما كان معقداً. وبمعنى آخر، فإن خسائر «حزب الله» البشرية والعسكرية والسياسية جراء التورط في المحرقة السورية تحتسب في خانة إيران التي قد تكون قادرة على استيعابها أو على التعويض عنها في ساحة إقليمية أخرى، أو على قلبها، وليس في خانة الحزب. لكن خسارة الجيش اللبناني من الانخراط في المحرقة السورية، ستحتسب على لبنان وعلى نسيجه الطائفي الهش المهدد في كل لحظة بالانفراط، لولا وجود ذلك القرار الدولي والإقليمي بالحفاظ عليه.

وإذا كانت دول أكثر تماسكاً لديها جيوش أقوى وأكثر فعالية امتنعت عن الانخراط في سورية، مثل الجيشين الأردني والتركي، بفعل المعادلة الإقليمية الدولية، فأين الحكمة من دفع لبنان الرسمي إلى ذلك؟

تزداد أسباب الخشية من التهور في هذا المجال لأن فيض الانتحاريين يتزامن مع تغييرات في الخريطة الجيو سياسية المحيطة بالمحرقة السورية، وأحدثها تطبيع العلاقات التركية-الإسرائيلية والعلاقات التركية-الروسية.

وإذا كان «حزب الله» يستخدم مأساة القاع الجريحة من أجل دفع حكومته إلى الانحياز إلى حكم بشار الأسد وانتزاع الاعتراف بنظامه، فإنه كمن يدعو إلى أن يحشر لبنان رأسه بين الرؤوس من دون امتلاكه قدرات الدول التي تخوض المناورات والمغامرات والتغييرات في توجهاتها.

تكفي مراقبة مفاعيل أهداف حركة رجب طيب أردوغان حيال إسرائيل وروسيا، وإصرار الأخيرة على منع إيران من إحداث أي تغيير جديد في موازين القوى على الأرض السورية (احتلال حلب)، نتيجة اتفاقها مع أميركا على قدر من التوازن يسمح بالعودة إلى الحل السياسي. ويكفي النظر إلى ما أتاحته الخطوات التركية الأخيرة لأنقرة من موقع أفضل في الحلبة السورية، وفي علاقتها مع أوروبا وموسكو، مقابل الموقع الإيراني، للتوجس من أي مغامرة تجعل لبنان جزءاً من محور.

مع صحة الترجيحات بأن المجتمع الدولي يتجه إلى محاربة «داعش» بجدية أكبر، فإن حصة لبنان من هذه الحرب هي حماية حدوده، المفتوح جزء منها لحساب «حزب الله»، وكذلك حماية الداخل. ولا تشير وقائع الميدان السوري إلى أن نظام الأسد، الذي اشترك في صنع «داعش»، يقوم بقسطه منها.

ملاحظة أخيرة: لبنان عضو في التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وانخراطه في عمليات عسكرية كبرى على الحدود يتطلب تنسيقاً مع هذا التحالف، وقراراً يبدأ في واشنطن ولا ينتهي في موسكو.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
!مخيم «الركبان» دولة لـ«داعش» بدل دولته القديمة

قبل العملية الإرهابية الأخيرة في منطقة «الركبان»٬ على الحدود الأردنية ­ السورية٬ كان بعض الأردنيين لا يجدون ضرورة ولا مبرًرا لأي إعادة نظر بلجوء كل هذه الأعداد المتزايدة من الأشقاء السوريين٬ الذين بالتأكيد لم يدفعهم «إلى كل هذا الُمْر إلا الأمّر منه». أما بعد هذه العملية الإجرامية الدامية٬ وبعد أن تحولت الأمور بالنسبة للأردن من مجرد حالة إنسانية بالإمكان احتمالها والتعامل معها بالإمكانيات القليلة المتوفرة٬ إلى حالة أمنية ضاغطة وخطيرة٬ فلا بد من اتخاذ إجراءات واحتياطات جدية وفعلية عاجلة٬ تفادًيا لمزيد من التراكمات التي قد تجعل الأمور في هذه المنطقة الحدودية المشار إليها حالة مستعصية٬ وعلى غرار ما كان قائًما في الفلوجة وما هو عليه الوضع الآن في الموصل وفي دير الزور وفي الرقة.

كان الأردن قد دَّق ناقوس الخطر عندما بدأت موجة نزوح عاتية باتجاه حدوده الشمالية من المناطق التي يسيطر عليها «داعش»٬ خصوًصا منطقة الرقة وبعض مناطق دير الزور٬ وكان لا بد من إنشاء «ُمخَّيٍم» لهؤلاء وعلى عجل داخل الأراضي السورية٬ ليتم التحكم في الذين سيسمح لهم بدخول الأراضي الأردنية والالتحاق بمن سبقهم من اللاجئين السوريين٬ الذين تجاوزت أعدادهم الفعلية مليوًنا ونصف المليون٬ على اعتبار أن المنافذ الحدودية بين البلدين الشقيقين كانت مفتوحة للأردنيين والسوريين وأَّن نظام التأشيرات المسبقة «فيزا» ما كان معمولاً به وليس معمولاً به حتى الآن٬ حتى بعد كل هذه التطورات التي استجدت في سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية.

لقد كانت هناك مخاوف لدى الأردنيين٬ ولدى السلطات المعنية٬ من تسرب عناصر إلى الأراضي والمدن الأردنية إْن من «داعش» أو من «النصرة» أو من «القاعدة»٬ وأيًضا من حزب الله اللبناني والمخابرات الإيرانية ومن التنظيمات الطائفية والمذهبية التي استوردها الإيرانيون إلى سوريا٬ بموافقة نظام بشار الأسد من كِّل حْدٍب وصوب٬ وحقيقة أنه جرت محاولات كثيرة في هذا المجال كان من الممكن أن يكون النجاح حليف بعضها لولا يقظة الأجهزة الأمنية٬» المخابرات العامة» على وجه التحديد٬ ولولا سيطرة القوات المسلحة (الجيش العربي) على مسافة نحو 20 كيلومتًرا داخل الأراضي السورية٬ إْن بالنظر من خلال الأجهزة المتطورة والاستطلاعات الجوية أو بالنيران من خلال الأسلحة الحديثة٬ الصواريخ والمدافع المخصصة لهذه الغاية ولمثل هذه الحالات.

لقد استطاع الأردن إحباط محاولات كثيرة شاركت فيها مخابرات واستخبارات هذا النظام٬ نظام بشار الأسد٬ لإيصال مجموعات من «داعش» ومن حزب الله اللبناني وأيًضا من بعض التنظيمات المذهبية المستوردة٬ وخصوًصا من أفغانستان٬ إلى حدوده الشمالية٬ ولقد كان المقصود ولا يزال٬ إرباك الدولة الأردنية وإشغالها بالأوضاع الأمنية المستجدة على حدودها مع سوريا٬ ليصبح بإمكان كل هذه المجموعات آنفة الذكر إنشاء خلايا لها في الداخل الأردني٬ وإقامة شبكات بإمكانها اختراق حتى حدود المملكة العربية السعودية.

لقد كان هذا هو واقع الحال الذي بقي سائًدا خلال الأعوام الخمسة الماضية٬ وهنا فمن المفترض أنه لا يزال هناك من يذكر ويتذكر أن بشار الأسد نفسه٬ كان قد هدد مراًرا وتكراًرا خلال كل هذه الأعوام٬ بنقل ما يجري في سوريا من اضطرابات وفوضى إلى الدول المجاورة٬ ويقيًنا أنه كان يقصد بكل هذه التهديدات٬ التي لا تزال مستمرة ومتواصلة٬ الأردن٬ وصولاً إلى المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي الأخرى٬ هذا بالإضافة إلى تركيا وصولاً إلى بعض الدول الأوروبية القريبة والبعيدة٬ وهنا فإن المثال الأوضح في هذا المجال هو العمليات الإرهابية التي ضربت تباًعا كلاً من بروكسل في بلجيكا وباريس في فرنسا.

إَّن المقصود بهذا كله هو أن الأردن الذي بات يمتلك خبرة فعلية طويلة٬ قبل «الربيع العربي» وبعده بمثل هذه الحالات ومثل هذه الأمور٬ قد ساورته شكوك كثيرة تجاه عمليات التهجير المفاجئة من الرقة ودير الزور ومناطق مجاورة أخرى في اتجاه منطقة «الُّركبان» على الحدود الأردنية ­ السورية٬ خصوًصا أَّن هذه العمليات قد تمت بإشراف أجهزة نظام بشار الأسد الأمنية٬ ومعها حزب الله وفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني التابع لحراس الثورة الإيرانية.

وهكذا فإن هذه الشكوك قد جعلت الأردن يصر على أْن يكون مخيم هؤلاء اللاجئين أو «الُمَلَّجؤون» بالقرب من حدوده داخل الأراضي السورية٬ وأنُيخضع من يتقرر السماح لهم بالدخول إلى أراضيه لإجراءات أمنية دقيقة وصارمة٬ تحاشًيا لتسرب بعض إرهابيي «داعش» إلى الأراضي الأردنية٬ وعلى غرار ما حصل مرات عدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية٬ مما كان سيؤدي إلى كوارث فعلية أسوأ من كارثة عام 2005 المعروفة٬ لولا يقظة المخابرات الأردنية التي غدت معروفة بالتفوق وبالمهنية الراقية وبالإمساك بالخيوط الأمنية في المنطقة كلها٬ وهذه حقيقة باتت تعترف بها حتى الدول الكبرى٬ كالولايات المتحدة الأميركية.

ولعَّل ما ضاعف شكوك الأردن المشار إليها آنًفا أن أعداد «الوافدين» إلى مخيم «الركبان» هذا قد قفزت خلال فترة قصيرة من بضعة آلاف إلى مائة وثلاثين ألًفا٬ وأَّن تقصي المخابرات الأردنية بين هؤلاء «اللاجئين» قد كشف النقاب عن أنشطة أمنية في هذا المخيم المثير لكثير من الشبهات٬ إْن لـ«داعش» أو لباقي التنظيمات الإرهابية٬ وأيًضا إْن بالنسبة للاستخبارات السورية و«اطلاعات» الإيرانية٬ وبالطبع حزب الله وفيلق القدس وحراس الثورة الإيرانية.

ولذلك فقد تولدت لدى الأردن قناعة راسخة٬ وخصوًصا بعد هذه العملية الأخيرة التي أدت إلى استشهاد 6 من العسكريين ومن منتسبي الأجهزة الأمنية والدفاع المدني٬ حيث ثبت أن السيارة المتفجرة قد جرى إعدادها في مخيم «الركبان» هذا نفسه بأَّن هناك خطة لنقل قواعد «داعش» من الفلوجة والموصل في العراق ومن دير الزور والرقة في سوريا إلى هذا المكان٬ الذي يشكل نقطة تتوسط مثلث الحدود الأردنية ­ السورية ­ العراقية بامتداد صحراوي في اتجاه الحدود السعودية القريبة المتاخمة.

إَّن هذا هو الهدف وبكل وضوح٬ ولقد ثبت للأردن أن هناك مؤامرة غير بعيدة عن تخطيط وتنفيذ مشترك بين إيران ونظام بشار الأسد٬ لنقل دولة «داعش» من حدودها الجغرافية الحالية في العراق وسوريا إلى هذا الموقع٬ الذي يشكل نقطة متوسطة على الحدود الأردنية ­ السورية ­ العراقية٬ ولذلك فقد بادر الجيش العربي (القوات المسلحة الأردنية) إلى اعتبار هذه الحدود حدوًدا عسكرية مقفلة لن يسمح بالاقتراب منها٬ سواء من الآليات المدنية أو غير المدنية ولا من الأفراد العاديين ولا من اللاجئين وغير اللاجئين.

وهكذا وفي النهاية فإن الأردن٬ الذي بات يتعامل مع هذا المخيم على أنه قاعدة إرهابية٬ يضع الآن في حساباته الكثيرة أن «المتآمرين» قد يلجأون إلى افتعال سلسلة من التفجيرات المرعبة والمدمرة٬ لإرغام لاجئي «الركبان» على هروب جماعي عبر الحدود الأردنية٬ وحقيقة ورغم كل الاحتياطات اللازمة التي تم اتخاذها في هذا المجال بسرعة ودون إبطاء٬ فإَّن هذا إن حدث فإنه سيؤدي إلى إرباكات كثيرة قد تؤدي إلى استخدام القوة العسكرية الضاربة٬ وربما إلى حرب حدودية مع نظام بشار الأسد إن اقتضت الضرورة ذلك!!

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
احتدم الصراع في إيران فاشتعلت في.. حلب!

شن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله هجوًما عنيًفا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واتهم الروس بأنهم تآمروا وعرقلوا تقدم «قواته» إلى حلب. سبق هذا الهجوم الاعتراف لإيران بأنها تقدم الأموال والصواريخ للحزب. هذا التحدي اللافت كان «ثمن» الهجوم على بوتين. لكن٬ وكما لا بد أن الأمين العام لـ«حزب الله» يعرف جيًدا أن القصة غير مرتبطة بسوريا وبمعارك حلب٬ بل بالتغييرات التي تحدث داخل التركيبة الإيرانية٬ وبالتالي كان خطابه «الناري»٬ يوم الجمعة الماضي٬ عبارة عن تأكيد ولائه لفريق «الحرس الثوري» والجنرال قاسم سليماني٬ إن كان في استيطائه الحائط اللبناني٬ أو في هجومه على بوتين أو على السعودية أو على البحرين.

تحدث تغييرات في إيران٬ لكن المهم أنه قبل ومع هذه التغييرات٬ فإن مدينة حلب لن تسقط بأيدي قوات النظام٬ أو بأيدي إيران أو بأيدي «حزب الله»٬ فالتاريخ لا يسمح بذلك٬ وهوية حلب لن تتغير.

تعديل في المناصب وتغييرها٬ أثارا احتمال أن طهران بصدد إعادة البوصلة في السياسة الإقليمية٬ ففي 10 يونيو (حزيران) أعلنت طهران أن الأدميرال علي شمخاني٬ سكرتير مجلس الأمن القومي٬ أُضيفت إلى وظيفته وظيفة أخرى تم إنشاؤها حديًثا٬ وهي المنسق رفيع المستوى مع سوريا وروسيا للشؤون العسكرية والسياسية والأمنية. بعد 9 أيام أصدر محمد جواد ظريف٬ وزير الخارجية٬ قراًرا بتعيين حسين جابري أنصاري مساعًدا له للشؤون العربية والأفريقية خلًفا لحسين أمير عبد اللهيان.

تجدر الملاحظة إلى أن تعيين شمخاني في المنصب الحديث جاء بعد يوم واحد من الاجتماع الثلاثي الذي عقد في طهران لوزراء دفاع إيران وروسيا وسوريا. وكان اللافت أن الوزير الروسي سيرغي شويغو التقى٬ على هامش ذلك الاجتماع٬ شمخاني فقط من بين كل المسؤولين الإيرانيين الآخرين٬ كما أن شويغو كان قد وصل إلى طهران بعد يومين من زيارة بنيامين نتنياهو٬ رئيس الوزراء الإسرائيلي٬ إلى موسكو ولقائه الرئيس بوتين.

هذا من جهة٬ ومن جهة أخرى٬ وقبل الإطاحة بعبد اللهيان٬ وبعد لقائه ظريف في النرويج على هامش قمة «مؤتمر أوسلو» قال جون كيري٬ وزير الخارجية الأميركي٬ في 15 يونيو٬ أنه شعر «برياح تغيير في التفكير الإيراني تجاه سوريا٬ وقد تكون هناك بعض الاحتمالات»٬ بدوره أعلن ظريف في طهران٬ قبل توجهه إلى أوسلو٬ أنه يأمل في مناقشة مسألة سوريا مع كيري٬ وربما أدى تعيين شمخاني إلى «هذه النقلة»٬ وكانُنقل عن ظريف قوله لكيري إنه صارت لديه سلطة أوسع في الملف السوري٬ وإن إيران على استعداد لابداء مرونة من أجل حل سياسي.
بدوره كان العميد حسين دهقان٬ وزير الدفاع الإيراني٬ قال خلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد بمبادرة إيرانية إن بلاده كانت دوًما من دعاة التفاوض ومعالجة الأزمة السورية عن طريق الحوار السوري ­ السوري! بعد عودة ظريف من أوسلو جاء الاستغناء عن خدمات عبد اللهيان. كان صدى إقالة الأخير٬ حبس أنفاس كثيرين٬ فهو مقرب جًدا من «الحرس الثوري» وكان يصول ويجول في لبنان٬ وعلى الأقنية التلفزيونية الممولة من طهران يبث خط سياسته المتشددة تجاه الحرب في سوريا٬ وبالنسبة إلى التحريض على المملكة العربية السعودية.

يقول لي مصدر مطلع: «إن إبعاد عبد اللهيان كان لا بد منه بعدما أعطى شمخاني الدور المحوري كمنسق للحرب في سوريا».

في زمن الرئيس محمد خاتمي كان شمخاني وزيًرا للدفاع٬ ثم أنه رعى تطبيع العلاقات مع السعودية عام ٬2004 علاقته الآن مباشرة مع المرشد الأعلى. خلال الحرب العراقية ­ الإيرانية شغل منصب قائد القوات البحرية٬ يقول محدثي: «لا غبار عليه في تاريخ الحرس الثوري٬ لكنه براغماتي٬ وأقل صلابة آيديولوجية في عملية صنع القرار٬ ومعه يبدو أن صناع القرار في إيران صاروا على استعداد للتحول نحو المزيد من الدبلوماسية في سياستهم السورية».

حتى الآن٬ تركيز القيادة الإيرانية قائم على «المقاومة» بإشراف قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الذي يبقى على عجلة الحرب دائرة في سوريا والعراق ولبنان.

السؤال: أين هو سليماني من كل هذه التغييرات الأخيرة؟!

ُرسمت حوله الكثير من قصص البطولات٬ تحول إلى بطل في القصص الإيرانية٬ وتزداد التكهنات بأنه يجري إعداده ليكون الرئيس الإيراني المقبل.

عندما أنشأ آية الله الخميني «الحرس الثوري» كان الهدف أن يكون بمثابة الحرس «الإمبراطوري» للنظام الجديد٬ لكن مع السنوات ومع زيادة استثماراته المالية زاد طموحه السياسي. مهمته ليست سهلة٬ في سوريا طال عمر الحرب٬ ولم يستطع سليماني حسمها. كذلك وضع الحرس في العراق٬ وإن كانت سيطرته ونفوذه هناك أوسع٬ ثم إنه رأس حربة النظام الإيراني وسياسته العدائية والتوسعية في المنطقة امتداًدا إلى لبنان على أساس «المقاومة» ضد إسرائيل٬ و«الحرس الثوري» يعتبر «حزب الله» خط الهجوم والدفاع الأول له ضد إسرائيل٬ ثم إن من مهماته الأخرى استمرار تأجيج العداء لأي تطبيع محتمل بين إيران وأميركا.

أيًضا بعد هذه التعديلات الداخلية٬ُعلم أن سليماني غادر العراق وتوجه إلى سوريا «تحضيًرا لعملية واسعة النطاق يشرف عليها هو ويخوضها الجيش السوري والقوى الشعبية ومقاتلو (حزب الله) في جنوب حلب».

يقول محدثي: «عندما أذكر اسم سليماني فإنما أقصد (الحرس الثوري)٬ وإذا نجح سليماني في القيام بهجوم على حلب٬ فإن الهدف ليس المدينة٬ بل تقويض كل سياسة ظريف وتحركات روسيا والدور الجديد لشمخاني والوعود التي أعطيت لكيري بشأن وقف إطلاق النار في سوريا». أسأله: ما موقف الرئيس السوري؟ يجيب: «لقد كثر الطباخون٬ وليس معروًفا من سيدس السم».

يلفتني إلى تصريح لأحد كبار مستشاري سليماني الجنرال عراج مسدجي بأن «الحرس الثوري» سوف يستمر في القتال في العراق وسوريا٬ وأيًضا في قتال تنظيم داعش٬ حتى مقتل آخر تكفيري٬ وأن القوات الإيرانية منهمكة في القتال «للدفاع عن حدود بلادنا». أسأله: أين تقع حدود «بلادنا» هذه؟ يعيدني إلى ما يكرره السيد نصر الله في كل خطاباته: سنضاعف عدد قواتنا في سوريا وفي العراق.

الأبرز في مواقف سليماني٬ الذي قليلاً ما يصرح٬ تحذيره يوم الاثنين 20 الشهر٬ الذي أطلقه من سوريا لمملكة البحرين٬ وبأنه سيقلب النظام هناك ما لم تتراجع وتعيد الجنسية لآية الله عيسى قاسم.

عندما أطاح ظريف بعبد اللهيان٬ كان راغًبا في تحقيق الانسجام في وزارته فأقنع الرئيس حسن روحاني بالحاجة إلى نقلة نوعية على مستوى السياسات الإقليمية٬ ومن المؤكد أن المرشد الأعلى وافق على هذا. تهديد سليماني للبحرين استفزازي للغاية٬ ويسقط صورة إيران التي يحاول روحاني وظريف تسويقها كدولة إقليمية مسؤولة.

الصراع على السلطة في إيران يزداد شراسة٬ من المؤكد أن روحاني لا يريد أن يلقى مصير خاتمي. يقول محدثي: «إنه يعتمد على دعم أجنحة داخل المؤسسة الدينية التي تعمل ضد هيمنة (الحرس الثوري) وقد لا يكون هذا كافًيا».

المعركة اشتعلت بين روحاني وظريف من جهة٬ و«الحرس الثوري» من جهة أخرى. هل ينجح ظريف في ترجمة ما قاله لكيري عن «احتمالات» إيرانية لوقف النار في سوريا وتحفيز عملية السلام؟ أم يعلنها قاسمي حرًبا مفتوحة في «حلب»؟

وعود على بدء٬ يتبين الآن أبعاد هجوم السيد نصر الله على روسيا وتهديده المصارف اللبنانية٬ وتحريضه ضد السعودية والبحرين... إلخ. إنها معركته التي لا يناسبها «تحفيز أي عملية سلام لا تضمن بقاء الأسد»!

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
أردوغان يتسلق القطار الأميركي - الروسي

الذين اعتقدوا أن الشعارات يمكن أن تطغى على الواقعية في سياسات الدول، اكتشفوا خطأهم مع التحولات السريعة التي باشرها الرئيس التركي أردوغان هذا الأسبوع، وتراجع فيها عن تهديدات ووعود ومواقف عنترية لم يجف حبر بعضها بعد، فتصالح مع إسرائيل واعتذر لروسيا وبدأ مهادنة مصر، في تأكيد بأن مصالح بلده تفوق أهمية بكثير تحالفات نسجها مع هذه الجماعة او تلك، وخصوصاً مع «الإخوان المسلمين» وتفريعاتهم، لأنها لم تعد تتماشى مع المعطيات المستجدة من حوله.

تفاصيل اتفاق إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل ليست هي المقصد التركي بذاتها، فالتوصل اليها لم يكن يتطلب ست سنوات من القطيعة السياسية، ذلك أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر حقيقة بالخلاف الديبلوماسي. وهي إن نُظر اليها من زاوية الايجابيات والسلبيات بالنسبة الى تركيا لبدت عادية وهزيلة ولا شيء استثنائياً فيها، مع أن إسرائيل رأت فيها «مكاسب اقتصادية هائلة».

أما حركة «حماس» في غزة، الطرف الثالث المعني بالاتفاق، ولو في شكل غير مباشر، فالحصار لن يرفع عنها، لكن وضعها الصعب يجعلها تجد في أي «خروقات» له متنفساً يطيل عمر قبضتها على القطاع، وليس أمامها خيار سوى الترحيب.

فتركيا التي أدركت عجزها عن تحقيق اي انجاز في الملف السوري، تعرف أن إسرائيل تمتلك الورقة الأقوى فيه، لأنها ترفض في شكل قاطع تغيير نظام الأسد، ولأنها المدخل الى عقل الأميركيين وقلبهم. ومع اقتراب التغيير في البيت الأبيض، كان لا بد من «إعادة المياه الى مجاريها» معها، مع ترجيح استبدالها هذه المرة بالغاز الإسرائيلي المتدفق من أعماق البحر المتوسط.

وبالطبع بدأ التغيير في الداخل، فدفع رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو الثمن، ليفتدي «السلطان» الذي بدا كأنه يصحح ما خربه منظّر حزب «العدالة والتنمية» منذ بزوغ نجمه.

وفي المقلب الثاني من التطبيع مع اسرائيل، تقف روسيا التي تمسك بالقرار العسكري والسياسي في سورية بتنسيق وثيق مع الدولة العبرية، على استعداد لتوجيه ضربة قاصمة للنفوذ التركي التاريخي في منطقة حلب التي تقع الآن ضمن «المحمية» الروسية، فيما يواصل الأكراد ضغوطهم برعاية أميركية لتحقيق الاتصال بين الجيبين الكرديين في شمال سورية، بما يضمن «تحييد» تركيا تماماً وإغلاق حدودها مع الجارة الجنوبية والحيلولة دون تهديد الدويلة المزمعة الممتدة عبر الساحل الى دمشق.

ويعرف أردوغان أن هذا التقاطع الروسي - الإسرائيلي في سورية يصب في النهاية في «طاحونة» واشنطن التي تدعمه وتعول على دور أكبر لموسكو في إيجاد تسوية تتيح وقف الحرب السورية، وهي مستعدة في سبيل ذلك لتقديم التنازلات المطلوبة. وقد حاول قبل ذلك «فركشة» التفاهم بين الأميركيين والروس عندما أسقط الطائرة الروسية، فلاقى توبيخ الطرفين وانتقامهما.

صحيح أن التسوية السورية تبدو أبعد حالياً، لكن المعركة المحتدمة لتفكيك جغرافية «داعش» وإضعافه، ثم كسر علانيته ودفعه الى السريّة مثل «القاعدة» من قبله، قد لا تستغرق طويلاً، ويحتاج كل الأطراف، وبينهم الأتراك، أن يكونوا جاهزين لقطف ثمار «الانتصار» على التنظيم، كي لا تترك للمعارضين السوريين والكرد وحدهم، وليشاركوا في الترتيب السياسي الذي سيليه.

صفق الأميركيون للتغيير في السلوك التركي، لأن أردوغان فهم اخيراً انه لا يستطيع معاندة استراتيجيتهم في المنطقة، وأن خياره الوحيد يجب أن يكون تسلق القطار الذي يرسمون سكته مع الروس، ليمر أولاً بتحجيم «داعش»، ثم بتطعيم نظام دمشق بتشكيلات من «المعارضة الجديدة» لإبقائه على قيد الحياة، وأخيراً تقسيم سورية الى دويلات او «محطات» بحمايات دولية.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
السوريون والاستفتاء البريطاني

كان لنتيجة استفتاء الشعب البريطاني، الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقع القنبلة الصوتية على العالم، وليس فقط على الدول الأعضاء في الاتحاد. وكانت للشعب السوري الغارق في بحيرات دمائه، والمنهك بنزيفه، والمحروق بأتون حربٍ فريدة، مساهماته على صفحات التواصل الاجتماعي، مثلما كانت حديث اللحظة، وليس الساعة، في الواقع المعيش. يهولك الحدّ عالي الوتيرة من الكلام العاطفي المنفعل الذي يخفي بين سطوره، وفي حنايا نبراته، توجّساً وقلقاً وخوفاً وتطيّراً من الأمر، فشعوب هذه المنطقة المصابة بنقص المناعة المكتسب نتيجة فيروس تمكّن منها تاريخياً، فيروس الهزائم والخيبات والإحباط والخذلان، سوف تعتريها نوبةٌ من الحمّى العارمة، إزاء حدثٍ بهذه الجسامة، وتبدأ الهذيانات والهلوسات تفعل فعلها وتجعلها تطارد أشباح الشياطين الراقصة على رجع النبأ.

منهم من شمت بأوروبا التي يعتبرها سبباً من أسباب بلائنا، ومنهم من اعتبر الأمر عدالةً إلهيةً، لأن الله يمهل ولا يهمل، ومنهم من توجّس من قرارٍ سوف يؤدّي، بحسب رأيه، إلى تدهور الوضع في سورية، منهم من راح يهزأ ويعبّر بسخرية مرّةٍ من الحالة العالمية كلها، كأن يقول: من منجزات اللاجئ السوري، فرط الاتحاد الأوروبي من أول سنة. وبينهم أصواتٌ تحمل هلعاً من طبيعةٍ أخرى، أصوات اللاجئين في الدول الأوروبية، فقضيتهم شكلت أحد أسباب الرغبة بالخروج من الاتحاد بحسب مؤيديه، خصوصاً بعد أن ارتفعت أصواتٌ في غير بلد أوروبي، تدعو إلى استفتاء من هذا النوع.

في لحظاتٍ من هذا النوع، تتعطّل الذاكرة أمام هول الحرارة الانفعالية المرافقة، وتُنسى تجارب التاريخ وحِكمها، فكيف إذا كانت ذاكرة شعبٍ بحاله معطّلة، إلّا لناحية نصوصٍ تأسر العقل وتأسر الفكر والخيال في قوالب جامدةٍ، لم تعد تصلح لمواكبة الحياة في عصر الثورة الرقمية والمستوى الحضاري والمدني الذي وصلت إليه البشرية؟ أو لتبجيل القائد والتنازل عن الحياة وطموحها من أجل القضايا الكبرى التي لعظمتها صارت أبعد من إدراكنا لها، قضية الهوية القومية المهدّدة بعدوٍ يتربص بنا، وعيونه لا تنام؟

أي ذاكرةٍ ستتنبه إلى بريطانيا العظمى وجبروتها الإمبراطوري؟ بريطانيا الانفصالية التي قال عنها الدكتور أحمد برقاوي: أوروبا فيها بعض الأمم العالمية المؤثرة على مستوى الكوكب، بما تملك من قوةٍ ماديةٍ وثقافية على امتداد قرون: ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، الدول الاسكندينافية إلخ، وأي نوع من التغيّر في وعي أوروبا ذاتها ينتج عنه وعي أوروبا بغيرها. وبريطانيا أحد مراكز القرار العالمي مالياً وسياسياً، واستفتاء شعبها على الخروج من الاتحاد الأوروبي لن يغيّر من مكانتها، وبخاصة أنها الأقرب إلى الولايات المتحدة الأميركية. لا تنسوا أن بريطانيا لا هي من دول الشنغين، ولا هي من دول اليورو أصلاً، وروح المحافظة البريطاني متمكّن جداً، فعلام العرب في حيص بيص؟

كيف لا يكون العرب في "حيص بيص" من أمرهم، خصوصاً السوريين، وواقعهم يفوق، بسورياليته، أي جنونٍ مهما كانت عبقريته؟ لا يفهم السوريون صمت العالم من موتهم اليومي، من تشريدهم، من فقرهم، من جوعهم، من تدمير وطنهم، من تمكّن البدع الشيطانية المسماة "داعش" ومثيلاتها من مصيرهم وأقدارهم. كيف لا يدخلون حالة الارتياب والهلع، بينما المجازر لا تكفّ عن حصادها في الرقة، في دير الزور، في حلب، في حماة، في دمشق، في إدلب، في كل بقعةٍ من سورية المنتهكة، كيف لا تصيب السوريين لوثة المشهد الذي يجري على الأرض، يديره مخرجون احتلوا السماء؟ شعب أفقده الهلاك قدرته على التفكير، كيف له أن يواكب الأحداث العالمية بعين المراقب الراصد الفاهم، وأن يتابع السياسة في جولاتها البهلوانية الماكرة؟ حتى نخب هذا الشعب فشلت فشلاً مدمراً في لعب السياسة، فسورية كانت تعاني من عطالةٍ هائلةٍ في هذا المجال. لم تكن في سورية حياة سياسية منذ عقود، وما دفعه المعارضون لأنظمة القمع السياسية والدينية والاقتصادية من فواتير باهظة في تلك العقود ذرّتها ريح العواصف التي اجتاحت الوطن السوري، في السنوات الخمس الدامية التي عرّت الواقع، وكشفت هشاشته، والفجوة الواسعة بين أولئك الآباء وجيل الأبناء الذين انتفضوا ليصنعوا مصيرهم. شباب انطلقوا خلف أحلامهم بانتفاضةٍ تسعى إلى الانقلاب على واقع الحياة بكل تجلياته، فقنصت أحلامهم، وألفوا أنفسهم في أتون حربٍ دمّرت وطنهم، هجّرت أهلهم، أفقرتهم، عرّضتهم لشتى أنواع الإذلال والامتهان. شباب ماتوا وآخرون ينتظرون موتهم، ومنهم من يعيشون بمزاج الموت وهم أحياء، بينما العالم يعيد ترتيب أوراقه.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
هل نفد صبر أميركا؟

ليس كل ما تقوله إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، بخصوص الأوضاع السورية، محض ثرثرة. أحياناً، وعلى الرغم من نمطية القوالب التي تصوغ بها واشنطن رسائلها، فإنها تكون مشحونةً برصيد قوةٍ يكفي لإحداث الفعالية عند الأطراف المقصودة، والمرجّح أن هذا يحصل لحظة الإخلال بالتفاهمات على خطوط الصراع، ولعل من مؤشرات حصول ذلك الصدى الذي يصدر عن عواصم المراكز المنخرطة بالصراع في سورية والمعنية بالرسالة الأميركية.

لعل واحدةً من خبرات الحرب السورية أنها كشفت وجود نوعين من الكلام والرسائل، استخدمتهما أميركا في إدارة الأزمة. الأول عام وعادي، يُقال في المحافل الدبلوماسية والمنابر والمؤتمرات الدولية، وفي اللقاءات البروتوكولية. وفي الغالب، لا ينطوي هذا الكلام على التزاماتٍ، ولا يتضمن رسائل محدّدة، كما أنه غير قابلٍ للصرف السياسي، وتصعب ترجمته إلى إجراءات. وقد استخدمت إدارة أوباما هذا النوع من الكلام بكثافة طوال الأزمة، بعد نجاحه في تأمين هامش مناورة واسع استطاع البيت الأبيض من خلاله التهرّب من أي التزاماتٍ مستدامةٍ، واللعب على أكثر من حبل في الوقت نفسه.

يختلف النوع الثاني تماماً، وهو ما يمكن وصفه بالكلام من ذهب، وهو نادر جداً لكنه ينطوي على رهبةٍ، ويعيد الذاكرة إلى هدير أساطيل أميركا، ويجعل العالم أكثر هدوءاً. والظن أن زعماء الدول المقصودين بهذا الكلام يتحسّسون لحظتها حدود بلدانهم الجغرافية ومياههم الإقليمية، ويحصون أصولهم العسكرية والاستراتيجية، ويسألون مستشاريهم عن طبيعة التفاهمات وحدودها، وما إذا كانوا قد تجاوزوا الحدود في فهمها وتفسيرها وتطبيق مندرجاتها، لأنهم يدركون أن هذا الصوت مدعومٌ بكل ثقل أميركا العسكري، وتسنده كل الخيارات والبدائل.

كان كلام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أخيراً عن محدودية صبر أميركا، من النوع الثاني، وقد يكون بدايةً لمسارٍ جديد في التعاطي مع الأزمة السورية والأدوار الروسية والإيرانية فيها، في وقت قد يستغرب بعضهم إمكانية التعويل على دور جدّيٍّ للإدارة الأميركية، خصوصاً أنها دخلت المرحلة التي يجري وصفها فيها بـ"البطة العرجاء"، نتيجة قلة فاعليتها وانصرافها كلياً إلى الانتخابات الرئاسية التي تحتل سلّم أولوياتها، وإذا كانت إدارة أوباما في عز قوتها وتأثيرها قد اختارت طريق السلامة وعدم الانخراط في تفاصيل الأزمة، فكيف لها الآن أن تكون جديةً، وتجري تحولات جذرية في سلوكها.

تفسير هذا الأمر مرتبطٌ بدرجة كبيرة بطبيعة المؤسسات الأميركية وديمومة عملها، بغض النظر عن طبيعة الإدارة الحاكمة، ومرتبطٌ أيضا بالاستراتيجية التي يجري تنفيذها، وبحسابات تأمين استمراريتها ونجاحها، وكذلك بضمان استقرار المعادلات القائمة، وعدم العبث بها إلى درجةٍ قد تحدث أضراراً بعيدة المدى في المصالح الأميركية. لذا، الصوت الصادر عن كيري وعن إمكانية نفاد صبر أميركا، بعد خطوة أو خطواتٍ معينة، كان صوت هذه المؤسسات والكلام كلامها، وخصوصاً أنها المسؤولة عن الأمن الأميركي حالياً، وفي عهد أي رئيس آخر قادم.

بالطبع، من السذاجة بمكان تفسير كلام كيري عن محاسبة الأسد على جرائم الحرب التي يرتكبها هو المقصود تماماً من التصريح الأميركي، فلا إدارة أوباما لديها المصداقية الكافية في هذا الأمر، حتى تصدّقها روسيا وإيران، ويحسبان حسابها، بعد أن صمتت طويلا عن الجرائم المرتكبة، وتراجعت عن خطوط حمراء، كانت قد وضعتها، ولا نكبة الشعب السوري تعني شيئاً ذا أهمية في الحسابات الاستراتيجية الأميركية، ولا في تفكير أيٍّ من قادتها العسكريين والأمنيين.

لكن، واضح أن ثمة تفاهمات صلبة جرت بخصوص حلب بدرجة كبيرة، وبخصوص تغيير المعادلات على الأرض، إذ قبل تصريح كيري بأيام، كان المتحدث باسم البيت الأبيض قد طلب من روسيا لجم الأسد، في تعليقه على الخطاب الذي ألقاه الأخير أمام مجلس الشعب، وقال فيه إنه سيعيد سيطرته على سورية شبراً شبراً. وكانت الأيام السابقة قد شهدت رسائل "جس نبض" روسية، بدا واضحاً أنها موجهة لواشنطن عن عدم سماحها بتغيير المعادلة في حلب، وانتظار سقوطها بيد الفصائل المسلحة، وأعقب ذلك الاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع لروسيا وإيران ونظام الأسد، والذين أرسلوا من خلاله إشاراتٍ عن وجود استعداداتٍ لاقتحام حلب.

على ذلك، تضع واشنطن، ومؤسساتها العسكرية والأمنية، الحراك الروسي تحت المراقبة، وثمّة خطوط لا يُسمح له بتجاوزها، وقد جرت ترجمة هذا الأمر مرّاتٍ، من خلال إعلان موسكو الهدنة في حلب، على الرغم من انزعاج إيران ونظام الأسد، كما أنه يشكل جزءاً من الاستراتيجية الأميركية التي تعمل على تقييد الدور الروسي في العالم، حيث لفتت تقارير أمنية أميركية إلى أن تقييد روسيا وضبط تحركاتها ليس ممكناً من خلال بوابة أوروبا الشرقية، وتركها تتمدّد في الشرق الأوسط، ويتزامن ذلك مع جديةٍ أميركية في تفكيك هيكلية دولة داعش في سورية والعراق، ورفضها التنسيق مع الروس في هذا الأمر.

هل نفد صبر أميركا؟ يجيب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده ليست ملتزمةً تجاه أحد بتعهداتٍ تفصيليةٍ حول أشخاصٍ، بقدر ما هي ملتزمة إنجاح عملية سلام سورية، لكن روسيا التي تتلطى في الشرق خلف علاقاتها بإسرائيل وإيران تدرك أن واشنطن هي من سمح لها بهذه المساحة من الحركة في سورية، وأن أي دعسةٍ زائدةٍ في هذا المجال قد تحوّل سورية إلى أفغانستان أخرى، وتنتهي معها مرحلة التدخل المنخفض التكاليف، ومعه كل الفرص في لعب أدوارٍ ربما تأنف واشنطن من لعبها.

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
لنضحك كـ"ثملين" من الألم على حالنا .. أمم اتفقت على مساندة قتلتنا

دعونا نضحك قليلاً في جو خيم عليه رائحة الدم في سوريا، لنترقب العالم الذي حاوط الشعب السوري بسياج شائك لا بل دامي من كافة الحدود بدءً من الأردن وصولاً الى تركيا ومروراً بلبنان، بعد أن ضيقوا النطاق على أعناق الشعب السوري الهارب من قصف النظام السوري و المدلل بطيرانٍ روسي

أوقفت منظمتي العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حتى إيقاف التحالف الذي تقوده السعودية عن قتل المدنيين في اليمن، بعد أن سجلتا انتهاكات غير قانونية على المدنيين في اليمن في مواجهة الحوثيين حلفاء إيران، بعد أن وثقتا 69 غارة جوية للتحالف أودت بحياة 913 مدني

لنتابع ضحكاتنا الثملة ببكائنا المستباح كسوريين، حين نسمع عن قلق سبعة أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي على الوضع البحريني، والذين وجهوا لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، اليوم، أمراً بالضغط على حكومة البحرين بشأن سجل البحرين في حقوق الإنسان، و خوفهم حول حملتها ضد المعارضة الشيعية، لاسيما بعد تجريد أحد كبر رجال الدين الشيعة من جنسيته البحرينية وتعليق أنشطة جمعية الوفاق الشيعية، وعدم تنفيذ الحكومة البحرينية لحماية حقوق حرية التعبير والمظاهرات السلمية، ناهيك عن تخوفهم من مشاركة البحرين في الحرب ضد الحوثيين في اليمن

يؤسفني يا سادة أن أخبركم أن منظمات حقوق الانسان و مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، قد محوا عن الخريطة ما يعرف بإرهاب النظام السوري وتبجح ايران بحربها ضد الشعب السوري على أرض المواطن السوري، فهذا الأمر ليس انتهاكاً إنه مصالح سوريا، لاتستغربوا أن يعيد الجميع علاقتهم بروسيا وأن يصافح الجميع اليد الإيرانية و يشكرها على قتل السوريين ، فالشعب السوري مجرد حجر دومينو بيد أمريكا و أوروبا، لا تحزنوا فالأمر واضح ويموت الشعب السوري لتعيش الشعوب الأخرى على رماد جثث مبعثرة

أوروبا أخذت ماتحتاجه من فيض انساني، وقدرات شبابية من سوريا ولم يعد لها مصلحة أن توقف الحرب ولم يعد من شأنها أصلاً، و أمريكا تبحث عن الرضا الإيراني ربما لمصالح نووية بعيدة المدى لم تخطر ببال أحدنا، ولمصالح اسرائيلية لا يهم إن عرفناها أو لا، وروسيا تبحث عن أمجادها السوفيتية وغازها السام المصدر عبر سوريا ليس أكثر، والعرب ربما علينا ألا نلقي اللوم عليهم فكلما طالت الحرب في سوريا، كلما استشعر شعوبهم برهبة الإنقلاب على الحكام، وأنتم يا سادة الشعب السوري، عليكم أن تضحكوا ولو كانت ضحكاتكم ثملة ببكائكم المستباح

اقرأ المزيد
٣٠ يونيو ٢٠١٦
موت بلا خروج لـ"الروح".. #السوريون-لاجئون-بكرامة

على السوريين حمد الله كثيراً على مرور اعتداءات مطار أتاتورك في إسطنبول دون وجود لأي سوري، لا بين المنفذين أو الضحايا ولا حتى العثور على جوار سفر أو ورقة تنتمي لهذا الشعب الشريد الطريد، وفي الوقت نفسه على الشعب السوري أن يتضرع طويلاً لله ، و لله وحده ، لأن تمر أزمات "القاع" و "الرقبان" و "أسوان" بأقل الخسائر الممكنة.

و لم يكن ينقص اللاجئ السوري المسحوق إلا أن تنضم الشرطة المصرية لقافلة أجهزة الجيش و الأمن و المخابرات اللبنانية و الأردنية، التي وجهت كل قدراتها و أسلحتها باتجاه العراة و المشردين من السوريين، الذين دفعتهم آلة القتل الأسدية و الطائفية للهيام في دول كان يظن أن هناك ما يجمعهم معها من روابط دم و عروبة و طبعاً دين، فإذا به يجد نفسه داخل شبكة من التعقيدات تخنقه دون أن تميته.

حملة مسعورة يقودها هذه الأيام الجيش اللبناني العتيد ، الذي قررت حكومته انتهاج "النأي بالنفس" عن تدخلات حزب الله الإرهابي في سوريا ، و باتت صريعة هذا الحزب و خاضعة له، و تحولت لأداة إذلال لمن هرب و بات ملاحق، بلا حول و لا قوة.

قائمة طويلة من المعتقلين الذين يقبعون في سجون يطلق عليها أنها تابعة للدولة اللبنانية شكلاً و لحزب الله الإرهابي حقيقة ، الذي وجد في هذه الطريقة خير وسيلة للانتقام لآلاف قتلاه في سوريا، و فشل كافة مشاريعه و انهيار كل ما يملك من الاسم و تاريخ عمد على تزييفه عشرات السنوات.

في الأردن يقبع على تلك الحدود الصحراوية قرابة مئة ألف شريد من النظام و تنظيم الدولة من جهة و السلاح و الجيش الأردني من جهة أخرى، لاذنب لهم إلا أنه حصارهم و قتلهم ببطئ عطشاً و جوعاً، هو وسيلة لتفريغ قيح داخلي و ملل دولي من حملهم و عجزهم أمام انهاء السبب و المسبب المستمر في جحافل النزوح.

اليوم لم تفاجئنا الصحف المصرية باعتقال ١٨ سورياً دخلوا أرض الكنانة بدون إذن، بعد أن كان الدخول و الخروج منها مرحباً به في عهد ما سبق الانقلاب، فهذه الحالة موجودة و التجاوزات بحق السوريون كثيرة في ظل ذلك النظام الشبيه بنظام الأسد، لكن التوقيت كان قاسياً ، و تحولت قضيتهم إلى جانب قضايا السوريون في لبنان و الأردن إلى جرح أعمق و أقسى و أشد إيلاماً.

السوريون المحاصرون في حزام دموي من كل الأطراف شمالاً التي أغلقت بنيران البنادق التي قتلت المئات، و جنوباً التي يحاصرون في كيظ الصحراء، و في الغرب يتربص العنصريون الذين يتغنون بتاريخ من السوء بأنهم من أتباع "الفنيق"، شرقاً يجلس المارد الشيعي بانتظار الفرصة للإتيان على ماتبقى، فيما ينتظرهم ملاحقات في مصر من نظام قرر دعم شبيهة و آثر المشاركة في القتل تسليحاً و سياسة.

في سوريا آلام الموت قصفاً قد تكون أخف وطئه ، من الموت المستمر و المتواصل و لكن دون خروج للروح...!؟

 

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
من حلب إلى مهاباد.. من حفر حفرة لـ«جاره» وقع فيها

كشف الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله فشل طهران في إقناع موسكو بضرورة الانخراط الكامل في معركة استعادة حلب وأريافها، من يد المعارضة السورية، إلا أن التسويق الإيراني للحملة العسكرية الجديدة على حلب، كأنها خيار استراتيجي حاسم لا بد منه، اصطدم بجدار الحسابات الإقليمية والدولية المعقدة، الذي يستحيل الالتفاف عليه في المرحلة الانتقالية الأميركية، حيث يحاول أغلب اللاعبين الحفاظ على مكتسباتهم العسكرية
والسياسية وتثبيتها كأمر واقع، قبيل دخول المنطقة والعالم عصرا أميركيا جديدا.

ولا تخفي طهران، التي استغلت الغطاء الجوي الروسي لتحقيق تقدم ميداني عجزت عنه طوال 4 سنوات، قلقها من الحسابات السياسية لموسكو، ومصالحها المرتبطة مع أكثر من جهة إقليمية مؤثرة، فالتباين بين الطرفين لم يعد مقتصرا على امتعاض طهران من التمسك الروسي بالهدنة التي تحد من حجم التوسع العسكري للحرس الثوري في سوريا، وباتت تؤثر ميدانيا على العمليات العسكرية التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية في حلب وأريافها، بل إن طهران التي أغرتها سابقا ورقة النزعات الانفصالية الإثنية والمذهبية في سوريا، وتعاونت مع موسكو في مساعدة أكراد سوريا، بهدف تحقيق طموحهم بتشكيل حكم ذاتي، وليس قناعة بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في تقرير مصيره، بل بهدف استخدامهم كأداة في تهديد الأمن القوي التركي، والضغط سياسيا على أنقرة، بدأت تتعامل منذ مدة مع واقع كردي إيراني مرتبط ومتأثر بالحالة الكردية العامة المتصاعدة في سوريا وتركيا والعراق، حيث لم تعد طهران بمنأى عن تداعياتها.

فمنذ أكثر من شهر، تسود المناطق الكردية، شمال غربي وجنوب غربي إيران، حالة من التوتر الشديد جراء الاشتباكات المسلحة المستمرة بين مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وقوات منظمة «البيجاك» مع الحرس الثوري، التي سقط فيها عشرات القتلى من الطرفين، في محيط مدينة مهاباد ومنطقة اشونية، غرب إيران.

وفي 20 مارس (آذار) الماضي، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي يطالب بقيام دولة فيدرالية في إيران، استئناف العمل المسلح ضد الحكومة الإيرانية، بعد توقف دام نحو 23 سنة، حيث دعا أمينه العام الكاكا مصطفى هجري، في كلمة ألقاها وسط حشد من مقاتلي الحزب بمناسبة حفل عيد النوروز الذي أقيم هذا العام في مقر الحزب في جبال قنديل الواقعة على الحدود الإيرانية العراقية، الشباب الأكراد إلى الانخراط في صفوف البيشمركة، قائلا: «في هذا العام، سنوحد القتال بين الجبال والمدن».

وعليه، فإن أكراد إيران يشعرون أن الفرصة متاحة أمامهم للحصول على مكاسب مشروعة، ورد الاعتبار لقضيتهم، بعد أن عادت المسألة الكردية إلى واجهة الأحداث على وقع أزمات المنطقة، حيث تمكن أكراد سوريا والعراق من المجاهرة علنا بطلب الانفصال، واستطاع أكراد تركيا إجبار أنقرة على تلبية كثير من مطالبهم، مما دفعهم إلى السير قدما في مواجهة طهران، والضغط عليها سياسيا وعسكريا، مستغلين ظروفا إقليمية استثنائية، وإمكانية استغلالهم لتقاطع مصالح دولية في الحصول على مطالبهم، على الرغم من عدم ثقتهم بالمجتمع الدولي الذي تخلى عنهم أكثر من مرة. ففي الذاكرة الكردية الإيرانية الورمة، لم تصمد جمهورية مهاباد الكردية، التي أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني عن قيامها في شمال غربي إيران سنة 1946 بغطاء سوفياتي، أكثر من 11 شهرا، فقد كانت ضحية تسوية بين واشنطن ولندن وموسكو، حيث رفعت موسكو الغطاء عنها لاحقا، بعد أن أقر لها بالسيطرة على جزء من ثروة إيران النفطية، فأعطى الديكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين الأمر لجيشه بالانسحاب من شمال وشمال غربي إيران، الأمر الذي سمح للجيش الإيراني بدخول مدينة مهاباد، واعتقال
الزعيم الكردي التاريخي الشيخ قاضي محمد، وإعدامه.

ومن حلب إلى مهاباد، الأولى فشل عسكري للميليشيات الإيرانية، ستصل تداعياته السياسية إلى الداخل الإيراني، وهو نتيجة تقاطع مصالح عواصم إقليمية ودولية مستجدة في سوريا، له أبعاد جيو - استراتيجيه، في مقدمتها استحالة قبول موسكو بتحمل تداعيات انتصار إيراني في شمال سوريا. أما الثانية، فمفادها أن إيران لم تعد محصنة بوجه عواصف المنطقة، فمحطات مهاباد المتكررة كشفت عن حجم المأزق في العلاقة بين المركز والأطراف في إيران، وأزمة الأقليات المتصاعدة، وخطرها على استقرار إيران الداخلي ووحدة أراضيها.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
ثمن المصالحة التركية الروسية

عندما يعرب الناطق الرسمي باسم الحكومة التركية، نعمان كورتولموش، عن أمنيته في أن تساهم تهنئة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس وزرائه، بن علي يلدرم، لنظيريهما في روسيا فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف، بمناسبة العيد الوطني لروسيا، في إعادة العلاقات بين البلدين التي تضرّرت نتيجة إسقاط المقاتلة الروسية في أكتوبر/ تشرين الثاني المنصرم إلى سابق عهدها ، فهو يوجه بذلك رسالةً تركية واضحةً تعكس استعداد أنقرة لتفعيلها سياسياً ودبلوماسياً باتجاه تحريك قنوات الاتصال المباشر وغير المباشر، وعلى المستويات كافة، للوصول إلى النتيجة المرضية للجانبين.

لم تتأخر موسكو كثيراً في الرد على التحية التركية، عندما أعلن بوتين أن بلاده ترحب بإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، مع بعض التحفظ حول وجود ما ينبغي أن تفعله أنقرة أولاً. وسارع الرئيس التركي، مرة أخرى، للإعلان أنه تسلم رسائل موسكو الانفتاحية، فأمر بإدراج اسم السفير الروسي في أنقرة، ألكسندر كارلوف، على لائحة المدعوين للإفطار الرئاسي الذي أقيم لأعضاء السلك الدبلوماسي في تركيا، ليأتي الرد الإيجابي بقبول الدعوة الذي لم يكن ليتم من دون موافقة الكرملين مباشرة. ثم جاء دور موسكو، هذه المرة، مع قرار وزارة الدفاع الروسية إشعال الضوء الأخضر أمام طائرات استطلاع تركية بالطيران في الأجواء الروسية وفق اتفاقية "الأجواء المفتوحة"، على الرغم من أنّ تركيا رفضت طلباً روسياً مماثلاً في فبراير/ شباط الماضي، ليعقبه، على الفور، إعلان نائب وزير الخارجية الروسي، فايلي نيبنزيا، أن بلاده وجهت الدعوة لتركيا لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود، في مدينة سوتشي جنوب غرب روسيا الشهر المقبل، تاركا الباب مفتوحاً أمام جلسة مباحثات تركية روسية مباشرة، في حال حضور وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو القمة.

باتت المسألة أكثر وضوحاً حول تقدّم لغة الانفتاح على أسلوب التصعيد والانغلاق في البلدين. ويستخدم الرئيس التركي نبرةً لا تُقارن بنبرة ما قبل سبعة أشهر من التحدّي والتهديد والوعيد "لا نعرف ما تتوقعه موسكو، لدي صعوبات في فهم الخطوة الأولى التي ينتظرونها". ويذكّر بوتين الأتراك، في زيارته اليونان أخيراً، بأن "روسيا لم تفكّر مطلقاً في الذهاب إلى الحرب مع تركيا، لكن الأمر لم يقتصر على طائرتنا التي أسقطت، بل قتل طيارنا أيضاً. تلقينا تفسيرات، ولكن لم يصل إلينا اعتذار". هل يعني هذا التطور أن تركيا جاهزة لمد يدها أولاً نحو روسيا، وأن ذلك لن يفسّر على أنه أقصى ما يمكن لأنقرة أن تقدّمه باتجاه إعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين؟

قبل أن يقول بوتين إن روسيا لن تنسى إسقاط الطائرة وقتل الطيار، وإن تركيا ستندم على فعلتها، ولن تفلت من العقوبات، كان البلدان يتجهان نحو شراكةٍ استراتيجيةٍ في مجال الطاقة بمشروع محطة الطاقة النووية وخط أنابيب الغاز بعقودٍ تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، بدأتها موسكو بتجميد واردات الخضروات والفواكه التركية، ثم ألحقتها بجملةٍ من القيود على أنشطة رجال الأعمال الأتراك في روسيا، ليتبعها وقف تدفق السياح إلى تركيا، ما أدى إلى انخفاض بنسبة 90% في عدد السياح الروس أخيراً. وقالت أنقرة أيضا ما عندها وقتها، عبر إبطاء مشروعات الطاقة مع روسيا، وتعطيل مشروع بناء محطة الطاقة النووية "أك كويو"، كما تم تجميد مشروع خط أنابيب الغاز الرئيس الذي تعلق عليه موسكو أهميةً كبيرةً، وكان مخططاً أن يحمل مشروع "السيل التركي" 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا سنوياً.

يتزايد الحديث عن تحولاتٍ في السياسة الخارجية التركية في صفوف القيادات السياسية التركية والإعلام المقرب منها، والتوتر التركي الروسي أحد أهم الملفات العالقة التي تحتاج إلى معالجةٍ سريعة، وتحرّكٍ لا يمكن تأخيره أكثر من ذلك. يعرفون في أنقرة جيداً أن لروسيا اليوم اليد الطولى في توتير علاقات تركيا بإيران والعراق ولبنان، وتسليح حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وتحريض حزب العمال الكردستاني، ومحاولة الضغط على لاعبين إقليميين ودوليين لعدم الاقتراب من أنقرة، مثل إسرائيل ومصر. كما يتابع الأتراك عن قرب ما تقوم به موسكو في سورية في تضييق الخناق على التحرّك العسكري واللوجستي التركي في المناطق الحدودية التركية السورية، وإيقاف حركة الطيران التركي فوق غرب الفرات البقعة الجغرافية الحسّاسة للأتراك.

وفي صلب التحول في الموقف التركي حيال روسيا، ربما هناك قناعة تركية جديدة باستحالة الرهان على موقف أميركي أوروبي داعم في المواجهة مع روسيا. هناك قلق تركي حقيقي حيال سيناريوهات تناقش في المحافل الغربية أن مواجهة عسكرية تركية روسية تعني للغرب فرصة إضعاف البلدين، وإخراجهما من لعبة التوازنات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التفاهم الغربي النووي مع إيران. المصالحة التركية الإسرائيلية وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين الأسباب التي ستأخذ مكانها في مسألة التحوّل التركي الروسي في قراءة مسار علاقاتهما ومستقبلها. قد تكون أنقرة قادرةً على إيلام موسكو في الملف الأوكراني، وكذلك موسكو في ردّها من خلال الملف الأرمني، لكن واشنطن قادرة على إيجاعهما معاً وبسهولة. وتندرج رسائل واشنطن إلى موسكو، أخيراً، في أن صبرها قد نفد حيال السياسة الروسية في سورية، وإبلاغها أنقرة مجدّداً على هامش قمة وزراء دفاع حلف الناتو أنها جاهزة لمناقشة مشروع المنطقة الآمنة في شمال سورية، تندرج، بعد هذه الساعة، في إطار المحاولة الجديدة للعب ورقة التوتر التركي الروسي، وعرقلة الغزل الجديد بين أنقرة وموسكو لا أكثر.

ألن يسأل أحد عن دور الإدارة الأميركية في تغريم أنقرة الثمن الاستراتيجي الباهظ الذي دفعته، بعد قرار تعليق الجيش التركي الطلعات الجوية فوق سورية؟ تقول موسكو إنه لا حل في سورية لا تتبناه وتعتمده هي، وواشنطن لا تقول أي شيء سوى تكرار مواقف قديمة، قد تكون غايتها منح روسيا الوقت والفرص التي تريدها هناك، فكيف ترضى أنقرة أن تبقى بين المطرقة الروسية والسندان الأميركي؟ تقول أنقرة إنها لا تعرف ما الذي تريده موسكو لإنهاء الأزمة، لكن الجانب الروسي، وعلى لسان السفير في أنقرة، كان واضحاً عندما طالب بتنفيذ شروط بلاده، وبينها اعتذار تركيا عن إسقاط الطائرة ودفع تعويضات، بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن الحادثة.

السيناريو التركي هو اعتذار بسبب سقوط القتيل الطيار ربما، والاستعداد لتقديم الدعم المالي لأسرته، لكن موسكو تريد الاعتذار بسبب إسقاط الطائرة ومعاقبة الفاعلين، وهو تباعدٌ من الممكن سد فجواته، في حوار سياسي دبلوماسي بعيد عن الأعين، من المفترض أن يكون قد بدأ بوساطة الجاليات الإسلامية في روسيا ورجال الأعمال الروس من أصل تركي المنتشرين في البلدين. وينقل الإعلام الرسمي في الجانبين الصورة مبتورةً، ويقدّم ما يرضي متابعيه، وهو عائق آخر أمام التهدئة تتطلب إزاحته من الطريق. ويطاول تراجع العلاقات مصالح البلدين التجارية والاستثمارية والسياسية، وليس مقبولاً بعد الآن الاكتفاء بإبراز خسائر الطرف الآخر. ربما مشكلة القيادات السياسية في الدولتين، والتي تحول دون إطلاق التغيير الواسع في ملف العلاقات التركية الروسية، هي الهتافات التي تردّدها القواعد الشعبية المناصرة في كل مناسبة، وفي كل موقف داخلي وخارجي، كرسالة تعبير عن دعمهم الواسع قيادييهم "تابع، فأنت في الطريق الصحيح".

تكرّر موسكو دائماً أنها متمسكة بتنفيذ أنقرة شروطها ومطالبها، قبل الدخول في أي نقاش باتجاه إنهاء التوتر وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، لكن تركيا حصلت على ما تريد كما يبدو، وهو تحريك قنوات الاتصال السياسي والدبلوماسي بين البلدين، لتسخين عملية الحوار، والانتقال إلى الخطوة التالية التي قد تكون على طريقة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم. لا بد أن تكون المصالحة حلقةً في إطار تفاهم حول إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، لكن المطلوب أيضا هو بناء الآلية السياسية والدبلوماسية والعسكرية المشتركة التي تحول دون وقوع أحداث مماثلة في المستقبل.

في العلاقة مع روسيا، تعرف أنقرة تماماً أنه حكم عليها بمجاورة دولةٍ عظمى، لن يكون من السهل محاكاتها. يقول التاريخ، والأرشيف أيضاً، إن التهديد والوعيد ليست اللغة التي يقبل بها الأتراك والروس في علاقاتهما.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
لماذا اعتذر أردوغان من بوتين؟

ليس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من نوع الزعماء الذين يعتذرون بسهولة، حتى وإن كانوا على خطأ. طباعه الحادة وكبرياؤه لا تسمح له بخطوة كهذه، وخصوصاً حيال شخص مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يشبهه كثيراً ويعرف تماماً كيف سيستغل هذا الاعتذار.

منذ اشتراط موسكو على تركيا تقديم اعتذار عن اسقاط مقاتلتها على الحدود السورية - التركية لاعادة العلاقات الطبيعية مع أنقرة، أصر أردوغان على أنه لا يمكن أن يعتذر عن حماية حدوده الوطنية، وحجته أن "السوخوي" الروسية خرقت المجال الجوي التركي. لذا تعتبر الرسالة التي كشف عنها الكرملين، سواء أكانت رسالة اعتذار مع "أسف عميق" أم لم تكن، دليلاً واضحاً على تحول في حسابات أردوغان. وعززت هذا الانطباع موافقة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على دعوة نظيره الروسي الى منتدى التعاون الاقتصادي للبحر الأسود "يوك" الجمعة المقبل. ويخطو الكرملين اليوم خطوة إضافية في اتجاه دفن الأحقاد في اتصال هاتفي من بوتين لاردوغان. وليس واضحاً ما اذا كان تصريح السفير الروسي في دمشق بأن الجيش السوري لن يهاجم مدينة حلب قريباً تندرج في السياق نفسه أيضاً.

لا يزال غامضاً سبب تحرك المصالحة على خط أنقرة - موسكو الآن، وما إذا كانت للاتفاق التركي - الاسرائيلي علاقة بالأمر. ولكن لا شك في أن أردوغان تحديداً حسبها جيداً، وربما خلص إلى أن مجرد "اعتذار"، وإن لم يكن من شيمه، سيعود عليه بمكاسب داخلية وخارجية كبيرة تزن أكثر بكثير من الاحتفال المتوقع للكرملين بنصر جديد.

ليس وضع أردوغان سهلاً في بلاده على رغم الفوز الانتخابي المريح الذي حققه. الاتهامات الموجهة اليه بالاستبداد والتسلط الى ازدياد. الحرب السورية مدت مخالبها الى أراضيه. الهزات الأمنية تفتك بمدنه من شرقها إلى غربها. السياحة التي تشكل عصب الاقتصاد التركي في حال مزرية. حتى زخمه لتنفيذ "مشروع العمر" بالانتقال الى نظام رئاسي تراجع.

أما علاقاته مع محيطيه، القريب والبعيد، فليست أفضل. واضيف اليها أخيراً التوتر مع أوروبا على خلفية اتفاق اللاجئين، والتشنج مع أميركا بسبب الحرب في سوريا والتباينات في مسألة الأكراد. من هذا المنطلق، تشكل المصالحة بين تركيا واسرائيل أكثر من مجرد اتفاق على الغاز، وإن تكن تتقدم قائمة أولويات أنقرة، إلا أنها أيضاً محاولة لاعادة ترتيب علاقاتها الخارجية سعياً الى تحويلها رصيداً سياسياً داخلياً.

... تبقى السلطة الهاجس الأكبر لأي حاكم من طراز أردوغان وبوتين. ويعرف أردوغان تحديداً أن سلطته ستواجه عاجلاً أم آجلاً تهديداً كبيراً ما لم يسارع الى احتواء المعارضة الداخلية المتنامية وتحسين اقتصاد بلاده المتداعي وتقليص لائحة أعدائه الكثر.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
من يحاسب حزب الله

اعترف أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في خطابه الأخير بمناسبة مرور أربعين يوما على مقتل القيادي العسكري مصطفى بدرالدين في سوريا، بأن حزبه يتلقى تمويله كاملا من إيران، من خلال قنوات خاصة لا علاقة لها بالدولة اللبنانية ولا بالأنظمة المالية النافذة.
“نحن يا أخي على رأس السطح، موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران. تمام؟ هل تريدون شفافية أكثر من هذا؟”.

هذا ليس بجديد، الجديد الوحيد في ذلك هو الاعتراف الصريح للأمين العام بهذه الحقيقة التي يعرفها الجميع منذ سنين. ربما هو الإحساس بفائض القوة. ربما هو الشعور بالانتصار على الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها، والتفوق على جميع القوى السياسية المؤتلفة معه في السلطة والمتواطئة معه في تهديم بنى الدولة واستتباع ما تبقى منها وتوظيفها في عمليات النهب المنظم لمقدرات البلاد ولعرق أبنائها وفي مراكمة الثروات الفلكية لمجموعة من السياسيين الفاسدين وأسرهم. لقد حقق حزب الله إنجازات هامة في هذه المجالات، فقد تغاضى عن فساد قوى السلطة حتى غرقت، وعطل الانتخابات النيابية والرئاسية وشل عمل المؤسسات واستتبع ما تبقى منها من هياكل مفرغة ليوظفها وفق أجنداته.

من هنا يأتي هذا الإحساس بفائض القوة وهذا الشعور بالنصر على الدولة والتفوق على باقي القوى السياسية الغارقة في بحر الفساد، ما مكن حسن نصرالله أن يقول واثقا للمعترضين فـ”ليعترضوا، هذا البحر ما شاء الله، البحر الأبيض المتوسط، اشربوا منه”.

والمعترض قد يكون أي لبناني أو غير لبناني، شخصا أو مؤسسة أو دولة، هذا لا يهم. ولكن المسألة ليست مسألة اعتراض من عدمه. فهل يمكن لأي كان أو أي جهة أن تتلقى أموالا بطريقة غير قانونية وتتباهى كونها خارج أي محاسبة؟ بالتأكيد لا، سوى حزب الله! فهو يؤكد المؤكد. حزب الله يتلقى مليارات الدولارات من دولة أجنبية خارج القوانين والأنظمة المالية لتنفيذ سياسات تلك الدولة داخل لبنان وخارجه. وهو خارج أي مساءلة أو محاسبة. وليس بإمكان القضاء اللبناني ملاحقته! إذن، فهو قوة سياسية وأيديولوجية وعسكرية غير لبنانية تحتل لبنان وتقاتل في سوريا بمواطنين لبنانيين لمصلحة نظام طهران.

حزب الله ليس حزبا لبنانيا وليس دويلة أو دولة ضمن الدولة اللبنانية. لقد بات قوة خارج الدولة، فزعيمه أعلن انفصاله عن الدولة اللبنانية وسيطرته على قرارها السيادي. (يستطيع أن ينقل الأموال والسلاح والأشخاص والمقاتلين والجثث من وإلى لبنان من دون أي إجراءات قانونية ومن دون معرفة أو بتواطؤ الأجهزة الأمنية)، إنه ذراع المافيا الإيرانية تعلن انتصارها على لبنان دولة ومؤسسات وأحزابا وعشائر وطوائف بما في ذلك الطائفة الشيعية نفسها، قوة لها مؤسساتها وتمويلها وعسكرها وسلاحها وسياستها الخارجية. هذه السياسة الخارجية التي تنطق بما يريده النظام الإيراني بصوت أعلى مما يتاح لهذا النظام أن يطلقه.

حزب الله الذي يخوض حرب النظام الإيراني بالوكالة في سوريا، وبعد الضربات الموجعة التي تلقاها في حلب، ها هو يرتد إلى لبنان ليعلن انتصاره عليه، هذا يؤكد أن عودة حزب الله إلى “لبنانيته” باتت مسألة متعذرة وأن عودته إلى لبنان ستكون كارثة على لبنان واللبنانيين سواء عاد منتصرا أو منهزما. من هنا فإن المطالبة بعودته لم تعد قضية القوى السياسية المسيطرة بسبب هذا الهاجس، ولو أنها لا تزال قضية الكثيرين ممن يعترضون على الحرب في سوريا، ولا يزالون يأملون في بعض من لبنانية هذا الحزب.

اعترافات حسن نصرالله ليست برسم الدولة اللبنانية وليست برسم المؤسسات الأمنية والقضائية في لبنان والتي عرفنا كيف تتعامل مع الجرائم والقضايا التي يكون حزب الله طرفا فيها وليس آخرها متفجرة بنك لبنان والمهجر. هذا الكلام يرسم قوى الحراك المدني التي اخترقت جدران الطوائف والمذاهب وأشهرت حربها على الفساد، فهل يمكن لها أن تحقق أهدافها في ظل صمتها عن جرائم حزب الله المالية والسياسية والأمنية؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان