مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣٠ يونيو ٢٠١٦
موت بلا خروج لـ"الروح".. #السوريون-لاجئون-بكرامة

على السوريين حمد الله كثيراً على مرور اعتداءات مطار أتاتورك في إسطنبول دون وجود لأي سوري، لا بين المنفذين أو الضحايا ولا حتى العثور على جوار سفر أو ورقة تنتمي لهذا الشعب الشريد الطريد، وفي الوقت نفسه على الشعب السوري أن يتضرع طويلاً لله ، و لله وحده ، لأن تمر أزمات "القاع" و "الرقبان" و "أسوان" بأقل الخسائر الممكنة.

و لم يكن ينقص اللاجئ السوري المسحوق إلا أن تنضم الشرطة المصرية لقافلة أجهزة الجيش و الأمن و المخابرات اللبنانية و الأردنية، التي وجهت كل قدراتها و أسلحتها باتجاه العراة و المشردين من السوريين، الذين دفعتهم آلة القتل الأسدية و الطائفية للهيام في دول كان يظن أن هناك ما يجمعهم معها من روابط دم و عروبة و طبعاً دين، فإذا به يجد نفسه داخل شبكة من التعقيدات تخنقه دون أن تميته.

حملة مسعورة يقودها هذه الأيام الجيش اللبناني العتيد ، الذي قررت حكومته انتهاج "النأي بالنفس" عن تدخلات حزب الله الإرهابي في سوريا ، و باتت صريعة هذا الحزب و خاضعة له، و تحولت لأداة إذلال لمن هرب و بات ملاحق، بلا حول و لا قوة.

قائمة طويلة من المعتقلين الذين يقبعون في سجون يطلق عليها أنها تابعة للدولة اللبنانية شكلاً و لحزب الله الإرهابي حقيقة ، الذي وجد في هذه الطريقة خير وسيلة للانتقام لآلاف قتلاه في سوريا، و فشل كافة مشاريعه و انهيار كل ما يملك من الاسم و تاريخ عمد على تزييفه عشرات السنوات.

في الأردن يقبع على تلك الحدود الصحراوية قرابة مئة ألف شريد من النظام و تنظيم الدولة من جهة و السلاح و الجيش الأردني من جهة أخرى، لاذنب لهم إلا أنه حصارهم و قتلهم ببطئ عطشاً و جوعاً، هو وسيلة لتفريغ قيح داخلي و ملل دولي من حملهم و عجزهم أمام انهاء السبب و المسبب المستمر في جحافل النزوح.

اليوم لم تفاجئنا الصحف المصرية باعتقال ١٨ سورياً دخلوا أرض الكنانة بدون إذن، بعد أن كان الدخول و الخروج منها مرحباً به في عهد ما سبق الانقلاب، فهذه الحالة موجودة و التجاوزات بحق السوريون كثيرة في ظل ذلك النظام الشبيه بنظام الأسد، لكن التوقيت كان قاسياً ، و تحولت قضيتهم إلى جانب قضايا السوريون في لبنان و الأردن إلى جرح أعمق و أقسى و أشد إيلاماً.

السوريون المحاصرون في حزام دموي من كل الأطراف شمالاً التي أغلقت بنيران البنادق التي قتلت المئات، و جنوباً التي يحاصرون في كيظ الصحراء، و في الغرب يتربص العنصريون الذين يتغنون بتاريخ من السوء بأنهم من أتباع "الفنيق"، شرقاً يجلس المارد الشيعي بانتظار الفرصة للإتيان على ماتبقى، فيما ينتظرهم ملاحقات في مصر من نظام قرر دعم شبيهة و آثر المشاركة في القتل تسليحاً و سياسة.

في سوريا آلام الموت قصفاً قد تكون أخف وطئه ، من الموت المستمر و المتواصل و لكن دون خروج للروح...!؟

 

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
من حلب إلى مهاباد.. من حفر حفرة لـ«جاره» وقع فيها

كشف الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله فشل طهران في إقناع موسكو بضرورة الانخراط الكامل في معركة استعادة حلب وأريافها، من يد المعارضة السورية، إلا أن التسويق الإيراني للحملة العسكرية الجديدة على حلب، كأنها خيار استراتيجي حاسم لا بد منه، اصطدم بجدار الحسابات الإقليمية والدولية المعقدة، الذي يستحيل الالتفاف عليه في المرحلة الانتقالية الأميركية، حيث يحاول أغلب اللاعبين الحفاظ على مكتسباتهم العسكرية
والسياسية وتثبيتها كأمر واقع، قبيل دخول المنطقة والعالم عصرا أميركيا جديدا.

ولا تخفي طهران، التي استغلت الغطاء الجوي الروسي لتحقيق تقدم ميداني عجزت عنه طوال 4 سنوات، قلقها من الحسابات السياسية لموسكو، ومصالحها المرتبطة مع أكثر من جهة إقليمية مؤثرة، فالتباين بين الطرفين لم يعد مقتصرا على امتعاض طهران من التمسك الروسي بالهدنة التي تحد من حجم التوسع العسكري للحرس الثوري في سوريا، وباتت تؤثر ميدانيا على العمليات العسكرية التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية في حلب وأريافها، بل إن طهران التي أغرتها سابقا ورقة النزعات الانفصالية الإثنية والمذهبية في سوريا، وتعاونت مع موسكو في مساعدة أكراد سوريا، بهدف تحقيق طموحهم بتشكيل حكم ذاتي، وليس قناعة بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في تقرير مصيره، بل بهدف استخدامهم كأداة في تهديد الأمن القوي التركي، والضغط سياسيا على أنقرة، بدأت تتعامل منذ مدة مع واقع كردي إيراني مرتبط ومتأثر بالحالة الكردية العامة المتصاعدة في سوريا وتركيا والعراق، حيث لم تعد طهران بمنأى عن تداعياتها.

فمنذ أكثر من شهر، تسود المناطق الكردية، شمال غربي وجنوب غربي إيران، حالة من التوتر الشديد جراء الاشتباكات المسلحة المستمرة بين مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وقوات منظمة «البيجاك» مع الحرس الثوري، التي سقط فيها عشرات القتلى من الطرفين، في محيط مدينة مهاباد ومنطقة اشونية، غرب إيران.

وفي 20 مارس (آذار) الماضي، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي يطالب بقيام دولة فيدرالية في إيران، استئناف العمل المسلح ضد الحكومة الإيرانية، بعد توقف دام نحو 23 سنة، حيث دعا أمينه العام الكاكا مصطفى هجري، في كلمة ألقاها وسط حشد من مقاتلي الحزب بمناسبة حفل عيد النوروز الذي أقيم هذا العام في مقر الحزب في جبال قنديل الواقعة على الحدود الإيرانية العراقية، الشباب الأكراد إلى الانخراط في صفوف البيشمركة، قائلا: «في هذا العام، سنوحد القتال بين الجبال والمدن».

وعليه، فإن أكراد إيران يشعرون أن الفرصة متاحة أمامهم للحصول على مكاسب مشروعة، ورد الاعتبار لقضيتهم، بعد أن عادت المسألة الكردية إلى واجهة الأحداث على وقع أزمات المنطقة، حيث تمكن أكراد سوريا والعراق من المجاهرة علنا بطلب الانفصال، واستطاع أكراد تركيا إجبار أنقرة على تلبية كثير من مطالبهم، مما دفعهم إلى السير قدما في مواجهة طهران، والضغط عليها سياسيا وعسكريا، مستغلين ظروفا إقليمية استثنائية، وإمكانية استغلالهم لتقاطع مصالح دولية في الحصول على مطالبهم، على الرغم من عدم ثقتهم بالمجتمع الدولي الذي تخلى عنهم أكثر من مرة. ففي الذاكرة الكردية الإيرانية الورمة، لم تصمد جمهورية مهاباد الكردية، التي أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني عن قيامها في شمال غربي إيران سنة 1946 بغطاء سوفياتي، أكثر من 11 شهرا، فقد كانت ضحية تسوية بين واشنطن ولندن وموسكو، حيث رفعت موسكو الغطاء عنها لاحقا، بعد أن أقر لها بالسيطرة على جزء من ثروة إيران النفطية، فأعطى الديكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين الأمر لجيشه بالانسحاب من شمال وشمال غربي إيران، الأمر الذي سمح للجيش الإيراني بدخول مدينة مهاباد، واعتقال
الزعيم الكردي التاريخي الشيخ قاضي محمد، وإعدامه.

ومن حلب إلى مهاباد، الأولى فشل عسكري للميليشيات الإيرانية، ستصل تداعياته السياسية إلى الداخل الإيراني، وهو نتيجة تقاطع مصالح عواصم إقليمية ودولية مستجدة في سوريا، له أبعاد جيو - استراتيجيه، في مقدمتها استحالة قبول موسكو بتحمل تداعيات انتصار إيراني في شمال سوريا. أما الثانية، فمفادها أن إيران لم تعد محصنة بوجه عواصف المنطقة، فمحطات مهاباد المتكررة كشفت عن حجم المأزق في العلاقة بين المركز والأطراف في إيران، وأزمة الأقليات المتصاعدة، وخطرها على استقرار إيران الداخلي ووحدة أراضيها.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
ثمن المصالحة التركية الروسية

عندما يعرب الناطق الرسمي باسم الحكومة التركية، نعمان كورتولموش، عن أمنيته في أن تساهم تهنئة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس وزرائه، بن علي يلدرم، لنظيريهما في روسيا فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف، بمناسبة العيد الوطني لروسيا، في إعادة العلاقات بين البلدين التي تضرّرت نتيجة إسقاط المقاتلة الروسية في أكتوبر/ تشرين الثاني المنصرم إلى سابق عهدها ، فهو يوجه بذلك رسالةً تركية واضحةً تعكس استعداد أنقرة لتفعيلها سياسياً ودبلوماسياً باتجاه تحريك قنوات الاتصال المباشر وغير المباشر، وعلى المستويات كافة، للوصول إلى النتيجة المرضية للجانبين.

لم تتأخر موسكو كثيراً في الرد على التحية التركية، عندما أعلن بوتين أن بلاده ترحب بإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، مع بعض التحفظ حول وجود ما ينبغي أن تفعله أنقرة أولاً. وسارع الرئيس التركي، مرة أخرى، للإعلان أنه تسلم رسائل موسكو الانفتاحية، فأمر بإدراج اسم السفير الروسي في أنقرة، ألكسندر كارلوف، على لائحة المدعوين للإفطار الرئاسي الذي أقيم لأعضاء السلك الدبلوماسي في تركيا، ليأتي الرد الإيجابي بقبول الدعوة الذي لم يكن ليتم من دون موافقة الكرملين مباشرة. ثم جاء دور موسكو، هذه المرة، مع قرار وزارة الدفاع الروسية إشعال الضوء الأخضر أمام طائرات استطلاع تركية بالطيران في الأجواء الروسية وفق اتفاقية "الأجواء المفتوحة"، على الرغم من أنّ تركيا رفضت طلباً روسياً مماثلاً في فبراير/ شباط الماضي، ليعقبه، على الفور، إعلان نائب وزير الخارجية الروسي، فايلي نيبنزيا، أن بلاده وجهت الدعوة لتركيا لحضور اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود، في مدينة سوتشي جنوب غرب روسيا الشهر المقبل، تاركا الباب مفتوحاً أمام جلسة مباحثات تركية روسية مباشرة، في حال حضور وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو القمة.

باتت المسألة أكثر وضوحاً حول تقدّم لغة الانفتاح على أسلوب التصعيد والانغلاق في البلدين. ويستخدم الرئيس التركي نبرةً لا تُقارن بنبرة ما قبل سبعة أشهر من التحدّي والتهديد والوعيد "لا نعرف ما تتوقعه موسكو، لدي صعوبات في فهم الخطوة الأولى التي ينتظرونها". ويذكّر بوتين الأتراك، في زيارته اليونان أخيراً، بأن "روسيا لم تفكّر مطلقاً في الذهاب إلى الحرب مع تركيا، لكن الأمر لم يقتصر على طائرتنا التي أسقطت، بل قتل طيارنا أيضاً. تلقينا تفسيرات، ولكن لم يصل إلينا اعتذار". هل يعني هذا التطور أن تركيا جاهزة لمد يدها أولاً نحو روسيا، وأن ذلك لن يفسّر على أنه أقصى ما يمكن لأنقرة أن تقدّمه باتجاه إعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين؟

قبل أن يقول بوتين إن روسيا لن تنسى إسقاط الطائرة وقتل الطيار، وإن تركيا ستندم على فعلتها، ولن تفلت من العقوبات، كان البلدان يتجهان نحو شراكةٍ استراتيجيةٍ في مجال الطاقة بمشروع محطة الطاقة النووية وخط أنابيب الغاز بعقودٍ تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، بدأتها موسكو بتجميد واردات الخضروات والفواكه التركية، ثم ألحقتها بجملةٍ من القيود على أنشطة رجال الأعمال الأتراك في روسيا، ليتبعها وقف تدفق السياح إلى تركيا، ما أدى إلى انخفاض بنسبة 90% في عدد السياح الروس أخيراً. وقالت أنقرة أيضا ما عندها وقتها، عبر إبطاء مشروعات الطاقة مع روسيا، وتعطيل مشروع بناء محطة الطاقة النووية "أك كويو"، كما تم تجميد مشروع خط أنابيب الغاز الرئيس الذي تعلق عليه موسكو أهميةً كبيرةً، وكان مخططاً أن يحمل مشروع "السيل التركي" 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا سنوياً.

يتزايد الحديث عن تحولاتٍ في السياسة الخارجية التركية في صفوف القيادات السياسية التركية والإعلام المقرب منها، والتوتر التركي الروسي أحد أهم الملفات العالقة التي تحتاج إلى معالجةٍ سريعة، وتحرّكٍ لا يمكن تأخيره أكثر من ذلك. يعرفون في أنقرة جيداً أن لروسيا اليوم اليد الطولى في توتير علاقات تركيا بإيران والعراق ولبنان، وتسليح حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وتحريض حزب العمال الكردستاني، ومحاولة الضغط على لاعبين إقليميين ودوليين لعدم الاقتراب من أنقرة، مثل إسرائيل ومصر. كما يتابع الأتراك عن قرب ما تقوم به موسكو في سورية في تضييق الخناق على التحرّك العسكري واللوجستي التركي في المناطق الحدودية التركية السورية، وإيقاف حركة الطيران التركي فوق غرب الفرات البقعة الجغرافية الحسّاسة للأتراك.

وفي صلب التحول في الموقف التركي حيال روسيا، ربما هناك قناعة تركية جديدة باستحالة الرهان على موقف أميركي أوروبي داعم في المواجهة مع روسيا. هناك قلق تركي حقيقي حيال سيناريوهات تناقش في المحافل الغربية أن مواجهة عسكرية تركية روسية تعني للغرب فرصة إضعاف البلدين، وإخراجهما من لعبة التوازنات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التفاهم الغربي النووي مع إيران. المصالحة التركية الإسرائيلية وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين الأسباب التي ستأخذ مكانها في مسألة التحوّل التركي الروسي في قراءة مسار علاقاتهما ومستقبلها. قد تكون أنقرة قادرةً على إيلام موسكو في الملف الأوكراني، وكذلك موسكو في ردّها من خلال الملف الأرمني، لكن واشنطن قادرة على إيجاعهما معاً وبسهولة. وتندرج رسائل واشنطن إلى موسكو، أخيراً، في أن صبرها قد نفد حيال السياسة الروسية في سورية، وإبلاغها أنقرة مجدّداً على هامش قمة وزراء دفاع حلف الناتو أنها جاهزة لمناقشة مشروع المنطقة الآمنة في شمال سورية، تندرج، بعد هذه الساعة، في إطار المحاولة الجديدة للعب ورقة التوتر التركي الروسي، وعرقلة الغزل الجديد بين أنقرة وموسكو لا أكثر.

ألن يسأل أحد عن دور الإدارة الأميركية في تغريم أنقرة الثمن الاستراتيجي الباهظ الذي دفعته، بعد قرار تعليق الجيش التركي الطلعات الجوية فوق سورية؟ تقول موسكو إنه لا حل في سورية لا تتبناه وتعتمده هي، وواشنطن لا تقول أي شيء سوى تكرار مواقف قديمة، قد تكون غايتها منح روسيا الوقت والفرص التي تريدها هناك، فكيف ترضى أنقرة أن تبقى بين المطرقة الروسية والسندان الأميركي؟ تقول أنقرة إنها لا تعرف ما الذي تريده موسكو لإنهاء الأزمة، لكن الجانب الروسي، وعلى لسان السفير في أنقرة، كان واضحاً عندما طالب بتنفيذ شروط بلاده، وبينها اعتذار تركيا عن إسقاط الطائرة ودفع تعويضات، بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين عن الحادثة.

السيناريو التركي هو اعتذار بسبب سقوط القتيل الطيار ربما، والاستعداد لتقديم الدعم المالي لأسرته، لكن موسكو تريد الاعتذار بسبب إسقاط الطائرة ومعاقبة الفاعلين، وهو تباعدٌ من الممكن سد فجواته، في حوار سياسي دبلوماسي بعيد عن الأعين، من المفترض أن يكون قد بدأ بوساطة الجاليات الإسلامية في روسيا ورجال الأعمال الروس من أصل تركي المنتشرين في البلدين. وينقل الإعلام الرسمي في الجانبين الصورة مبتورةً، ويقدّم ما يرضي متابعيه، وهو عائق آخر أمام التهدئة تتطلب إزاحته من الطريق. ويطاول تراجع العلاقات مصالح البلدين التجارية والاستثمارية والسياسية، وليس مقبولاً بعد الآن الاكتفاء بإبراز خسائر الطرف الآخر. ربما مشكلة القيادات السياسية في الدولتين، والتي تحول دون إطلاق التغيير الواسع في ملف العلاقات التركية الروسية، هي الهتافات التي تردّدها القواعد الشعبية المناصرة في كل مناسبة، وفي كل موقف داخلي وخارجي، كرسالة تعبير عن دعمهم الواسع قيادييهم "تابع، فأنت في الطريق الصحيح".

تكرّر موسكو دائماً أنها متمسكة بتنفيذ أنقرة شروطها ومطالبها، قبل الدخول في أي نقاش باتجاه إنهاء التوتر وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، لكن تركيا حصلت على ما تريد كما يبدو، وهو تحريك قنوات الاتصال السياسي والدبلوماسي بين البلدين، لتسخين عملية الحوار، والانتقال إلى الخطوة التالية التي قد تكون على طريقة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم. لا بد أن تكون المصالحة حلقةً في إطار تفاهم حول إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، لكن المطلوب أيضا هو بناء الآلية السياسية والدبلوماسية والعسكرية المشتركة التي تحول دون وقوع أحداث مماثلة في المستقبل.

في العلاقة مع روسيا، تعرف أنقرة تماماً أنه حكم عليها بمجاورة دولةٍ عظمى، لن يكون من السهل محاكاتها. يقول التاريخ، والأرشيف أيضاً، إن التهديد والوعيد ليست اللغة التي يقبل بها الأتراك والروس في علاقاتهما.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
لماذا اعتذر أردوغان من بوتين؟

ليس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من نوع الزعماء الذين يعتذرون بسهولة، حتى وإن كانوا على خطأ. طباعه الحادة وكبرياؤه لا تسمح له بخطوة كهذه، وخصوصاً حيال شخص مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يشبهه كثيراً ويعرف تماماً كيف سيستغل هذا الاعتذار.

منذ اشتراط موسكو على تركيا تقديم اعتذار عن اسقاط مقاتلتها على الحدود السورية - التركية لاعادة العلاقات الطبيعية مع أنقرة، أصر أردوغان على أنه لا يمكن أن يعتذر عن حماية حدوده الوطنية، وحجته أن "السوخوي" الروسية خرقت المجال الجوي التركي. لذا تعتبر الرسالة التي كشف عنها الكرملين، سواء أكانت رسالة اعتذار مع "أسف عميق" أم لم تكن، دليلاً واضحاً على تحول في حسابات أردوغان. وعززت هذا الانطباع موافقة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على دعوة نظيره الروسي الى منتدى التعاون الاقتصادي للبحر الأسود "يوك" الجمعة المقبل. ويخطو الكرملين اليوم خطوة إضافية في اتجاه دفن الأحقاد في اتصال هاتفي من بوتين لاردوغان. وليس واضحاً ما اذا كان تصريح السفير الروسي في دمشق بأن الجيش السوري لن يهاجم مدينة حلب قريباً تندرج في السياق نفسه أيضاً.

لا يزال غامضاً سبب تحرك المصالحة على خط أنقرة - موسكو الآن، وما إذا كانت للاتفاق التركي - الاسرائيلي علاقة بالأمر. ولكن لا شك في أن أردوغان تحديداً حسبها جيداً، وربما خلص إلى أن مجرد "اعتذار"، وإن لم يكن من شيمه، سيعود عليه بمكاسب داخلية وخارجية كبيرة تزن أكثر بكثير من الاحتفال المتوقع للكرملين بنصر جديد.

ليس وضع أردوغان سهلاً في بلاده على رغم الفوز الانتخابي المريح الذي حققه. الاتهامات الموجهة اليه بالاستبداد والتسلط الى ازدياد. الحرب السورية مدت مخالبها الى أراضيه. الهزات الأمنية تفتك بمدنه من شرقها إلى غربها. السياحة التي تشكل عصب الاقتصاد التركي في حال مزرية. حتى زخمه لتنفيذ "مشروع العمر" بالانتقال الى نظام رئاسي تراجع.

أما علاقاته مع محيطيه، القريب والبعيد، فليست أفضل. واضيف اليها أخيراً التوتر مع أوروبا على خلفية اتفاق اللاجئين، والتشنج مع أميركا بسبب الحرب في سوريا والتباينات في مسألة الأكراد. من هذا المنطلق، تشكل المصالحة بين تركيا واسرائيل أكثر من مجرد اتفاق على الغاز، وإن تكن تتقدم قائمة أولويات أنقرة، إلا أنها أيضاً محاولة لاعادة ترتيب علاقاتها الخارجية سعياً الى تحويلها رصيداً سياسياً داخلياً.

... تبقى السلطة الهاجس الأكبر لأي حاكم من طراز أردوغان وبوتين. ويعرف أردوغان تحديداً أن سلطته ستواجه عاجلاً أم آجلاً تهديداً كبيراً ما لم يسارع الى احتواء المعارضة الداخلية المتنامية وتحسين اقتصاد بلاده المتداعي وتقليص لائحة أعدائه الكثر.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٦
من يحاسب حزب الله

اعترف أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في خطابه الأخير بمناسبة مرور أربعين يوما على مقتل القيادي العسكري مصطفى بدرالدين في سوريا، بأن حزبه يتلقى تمويله كاملا من إيران، من خلال قنوات خاصة لا علاقة لها بالدولة اللبنانية ولا بالأنظمة المالية النافذة.
“نحن يا أخي على رأس السطح، موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران. تمام؟ هل تريدون شفافية أكثر من هذا؟”.

هذا ليس بجديد، الجديد الوحيد في ذلك هو الاعتراف الصريح للأمين العام بهذه الحقيقة التي يعرفها الجميع منذ سنين. ربما هو الإحساس بفائض القوة. ربما هو الشعور بالانتصار على الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها، والتفوق على جميع القوى السياسية المؤتلفة معه في السلطة والمتواطئة معه في تهديم بنى الدولة واستتباع ما تبقى منها وتوظيفها في عمليات النهب المنظم لمقدرات البلاد ولعرق أبنائها وفي مراكمة الثروات الفلكية لمجموعة من السياسيين الفاسدين وأسرهم. لقد حقق حزب الله إنجازات هامة في هذه المجالات، فقد تغاضى عن فساد قوى السلطة حتى غرقت، وعطل الانتخابات النيابية والرئاسية وشل عمل المؤسسات واستتبع ما تبقى منها من هياكل مفرغة ليوظفها وفق أجنداته.

من هنا يأتي هذا الإحساس بفائض القوة وهذا الشعور بالنصر على الدولة والتفوق على باقي القوى السياسية الغارقة في بحر الفساد، ما مكن حسن نصرالله أن يقول واثقا للمعترضين فـ”ليعترضوا، هذا البحر ما شاء الله، البحر الأبيض المتوسط، اشربوا منه”.

والمعترض قد يكون أي لبناني أو غير لبناني، شخصا أو مؤسسة أو دولة، هذا لا يهم. ولكن المسألة ليست مسألة اعتراض من عدمه. فهل يمكن لأي كان أو أي جهة أن تتلقى أموالا بطريقة غير قانونية وتتباهى كونها خارج أي محاسبة؟ بالتأكيد لا، سوى حزب الله! فهو يؤكد المؤكد. حزب الله يتلقى مليارات الدولارات من دولة أجنبية خارج القوانين والأنظمة المالية لتنفيذ سياسات تلك الدولة داخل لبنان وخارجه. وهو خارج أي مساءلة أو محاسبة. وليس بإمكان القضاء اللبناني ملاحقته! إذن، فهو قوة سياسية وأيديولوجية وعسكرية غير لبنانية تحتل لبنان وتقاتل في سوريا بمواطنين لبنانيين لمصلحة نظام طهران.

حزب الله ليس حزبا لبنانيا وليس دويلة أو دولة ضمن الدولة اللبنانية. لقد بات قوة خارج الدولة، فزعيمه أعلن انفصاله عن الدولة اللبنانية وسيطرته على قرارها السيادي. (يستطيع أن ينقل الأموال والسلاح والأشخاص والمقاتلين والجثث من وإلى لبنان من دون أي إجراءات قانونية ومن دون معرفة أو بتواطؤ الأجهزة الأمنية)، إنه ذراع المافيا الإيرانية تعلن انتصارها على لبنان دولة ومؤسسات وأحزابا وعشائر وطوائف بما في ذلك الطائفة الشيعية نفسها، قوة لها مؤسساتها وتمويلها وعسكرها وسلاحها وسياستها الخارجية. هذه السياسة الخارجية التي تنطق بما يريده النظام الإيراني بصوت أعلى مما يتاح لهذا النظام أن يطلقه.

حزب الله الذي يخوض حرب النظام الإيراني بالوكالة في سوريا، وبعد الضربات الموجعة التي تلقاها في حلب، ها هو يرتد إلى لبنان ليعلن انتصاره عليه، هذا يؤكد أن عودة حزب الله إلى “لبنانيته” باتت مسألة متعذرة وأن عودته إلى لبنان ستكون كارثة على لبنان واللبنانيين سواء عاد منتصرا أو منهزما. من هنا فإن المطالبة بعودته لم تعد قضية القوى السياسية المسيطرة بسبب هذا الهاجس، ولو أنها لا تزال قضية الكثيرين ممن يعترضون على الحرب في سوريا، ولا يزالون يأملون في بعض من لبنانية هذا الحزب.

اعترافات حسن نصرالله ليست برسم الدولة اللبنانية وليست برسم المؤسسات الأمنية والقضائية في لبنان والتي عرفنا كيف تتعامل مع الجرائم والقضايا التي يكون حزب الله طرفا فيها وليس آخرها متفجرة بنك لبنان والمهجر. هذا الكلام يرسم قوى الحراك المدني التي اخترقت جدران الطوائف والمذاهب وأشهرت حربها على الفساد، فهل يمكن لها أن تحقق أهدافها في ظل صمتها عن جرائم حزب الله المالية والسياسية والأمنية؟

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
حلّوا عن سما اللاجئ السوري… يا عنصريين!

بداية عذراً على ما عنونا به النص، ولكن ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاعلامية، من حملة ممنهجة ضد اللاجئ السوري، تستأهل هكذا عنوان.
ما إن بدأ مسلسل التفجيرات في بلدة القاع، حتى أخذت أصابع الإتهام تتجه نحو اللاجئين السوريين، وتحوّل لاجئ المخيمات الى متهم ومُدان ومصدر للإرهاب، هذا اللاجئ الذي يفتقد في لبنان أقلّ حقوقه والذي يعاني من النظرة الاستعلائية لوزير خارجية قرر أن يفجّر عنصريته بالضعفاء.
جبران باسيل، الوزير البطل، لم يجد فسادا في لبنان، ولا سرقات، ولا تجاوزات يمكن معالجتها، فأصبح كلّ همه شيطنة اللاجئين السوريين والعمل على إعادتهم لبلدهم من أيّ بوابة كانت، هذا الهاجس الذي جعله يخترق البروتوكول ويترفع بمقامه عن لقاء بان كي مون لكون معاليه لا يستقبل موظفا أمميا سوف يوطن السوريين.
جهل باسيل، لم يتوقف هنا، بل تابع بتصريحه أنّ الإرهابيين قد أتوا من مخيمات اللاجئين، هذا الإعلان شكل مناخاً تعبويا دفع محافظ بعلبك- الهرمل، لمنعهم من التجوّل.
إذاً السوري مسجّل خطر، هذه الصفة برسم وزير الخارجية العتيد، ومن حثّ سبيله من اللبنانيين، وتحوّل هو الحلقة الأضعف في حرب 8 و 14، فيتابع حزب الله في القتل والتهجير فيما يتفنن اللبناني النزق هنا بالتمنين والاستكبار.
مع الإشارة أنّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قد صرّح أنّ الانتحاريين ليسوا من اللاجئين، ممّا يعني أنّهم قد تسللوا بطريقة غير مفهومة من مراكزهم في الجرود والتي يفترض أنّها مراقبة بواسطة الابراج الحديثة التي شيدتها بريطانيا للجيش اللبناني على حدود بلدة القاع مع سوريا.
والمعيب، في هذه العنصرية التي ترشّ سمومها ضد السوريين، أنّ لبنان بلد حروب وتشرد وتهجير، وشعبه ليس مرفها ومستقرا دائما حتى لا يدرك مأساة النازحين، كذلك لبنان هو من الدول التي تذوقت السوط السوري وسفكت دماء أبنائه بعهد حافظ الأسد، وأهينت كرامة شبابه بعهد الابن الطاغية.
من يعيّر السوريين بالتفجيرات الأخيرة ويردّ السبب للاجئيه، هم أنفسهم حلفاء حزب الله حليف النظام السوري، المتهم بما يقارب 24 تفجيراً شهدتهم الساحة اللبنانية قبل الأزمة السورية والثورة، وهم من لم يحاسبوا الحزب لا على حربه ولا على تبعات القتال العبثي وانعكاساته في لبنان!
اللاجئ السوري، لم يأتِ الينا سائحاً، ولا كي يترفه ويتنزه، ونحن اللبنانيون قد بتنا في حالة قرف من هذا الوطن، فكيف بهذا النازح المعزولة حقوقه، والمجرد من أقلّ الأولويات الحياتية.
العنصرية ضد اللاجئ السوري، لم تتوقف عند ناشطين بل شملت إعلاميين و فنانين، والعديد من ناكري الجميل ممن تناسوا فضل الشعب السوري على لبنان عامةً وجنوبه خاصة في حرب تموز 2006، حزب الله وحاضنته المؤيده والسياسة الموالية له لم يطعنوا فقط الشعب السوري وإنّما تنكروا لمن فتحوا لهم بيوتهم وأطعموهم وآووهم!

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
الدستور السوري... وجهة نظر روسية

أنتجت الحرب الأهلية السورية زوال الدولة، الى حد بعيد، ذات السيادة على قراراتها وأراضيها. البلاد السورية مستباحة اليوم لأطراف متعددة: من التنظيمات الإرهابية، الى أطراف دولية وإقليمية. بعد خمس سنوات على الحرب، بات اللاعبان المقرران لمصير سورية ومستقبلها هما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، أما سائر الأطراف من إيران الى ميليشياتها فليست سوى أدوات في خدمة الطرفين المقررين. لكن الثابت أيضاً أن الولايات المتحدة، شريكة روسيا في التخطيط والتقرير، أولت أمر التنفيذ المباشر الى روسيا، التي باتت تتصرف على قاعدة «الأمر لي»، على المستويات العسكرية، وفي التخطيط لطبيعة الحكم الانتقالي. تتصرف روسيا بفظاظة في تعاطيها مع الرئيس السوري ومع سائر الأطراف، ولا تجد حرجاً في استدعاء الرئيس الى موسكو أو الى قاعدتها العسكرية في منطقة اللاذقية لإبلاغه القرارات السورية ووجوب الانصياع اليها. لكن أفدح مظاهر الإذلال لسورية هو ما تسرب مؤخراً عن دستور لسورية المقبلة، وضعته روسيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة، وسيعرض على مجلس الأمن للموافقة عليه. حاول الإعلام السوري الرسمي نفي وجود مسودة لهذا الدستور، لكن إعلام «حزب الله» أكد وجود المسودة وأضاف أن لديه نسخة منها، نشرها في صحفه. المؤكد اليوم أن هذه النسخة موجودة وباتت قيد التداول.

تتضمن مسودة الدستور، كما نشرت في وسائل الإعلام، كل التفاصيل التي تتضمنها المشاريع الدستورية لأي بلد، من سلطات الرئيس الى طبيعة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والإدارية. لكن الدستور المختلف كثيراً عن الدستور الراهن يتضمن مجموعة توجهات تعبر عن الرؤية الروسية - الاميركية لمستقبل سورية. أول التوجهات تقوم على إلغاء كلمة «العربية» من الاسم المعتمد حالياً وهو «الجمهورية العربية السورية». هذا الشطب يرمز الى القول أن سورية للعرب ولغير العرب، وأن كل أقلية من حقها ان تجد لنفسها هوية، سواء أرادت أن تكون عربية أم غير عربية.

التوجه الثاني يؤكد تقسيم سورية وإنهاء موقعها كدولة مركزية، يتجلى ذلك في تثبيت مواقع الأقليات، خصوصاً منها الأقلية الكردية، التي تسعى الولايات المتحدة منذ بدء الحرب الى تكوين كيان ذاتي لها، مستقل عن الدولة المركزية، وقد قطعت خطوات في هذا المجال. تفصح الجملة التالية الواردة في المسودة عن هذا التوجه حيث تقول: «تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين».

التوجه الثالث يقوم على إقامة سلطة في جميع المجالات عماده المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية، على غرار ما بات واقعاً في العراق، واستلهاماً للنموذج اللبناني في المحاصصة والتفتيت. إن نموذج هذا الحكم يمنع الوحدة السورية من القيام، ويؤسس لنزاعات أهلية على المديين القريب والبعيد، خصوصاً ان هذا «التقسيم» لا يأتي في ظروف سلمية واستناداً الى استفتاءات شعبية كما يحصل عادة، بل جاء حصيلة حرب أهلية قسمت المجتمع السوري ومزقت نسيجه، وأسست لجبال من الكراهية والحقد والوعيد بالثأر والانتقام، مما لا يبشر بسورية هادئة في حال انتهت الحرب.

التوجه الرابع الأخطر هو ما يتصل بالقوات المسلحة الروسية ودورها المستقبلي. جاء في النص: «يحرّم تنظيم أعمال عسكرية، أو ذات طابع عسكري خارج مناطق سلطة الدولة، على أن ينحصر دور الجيش في الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادتها الإقليمية فقط». يفصح هذا النص عن أن لا مجال بعد الآن لإمكان انخراط الجيش السوري في قتال ضد العدو القومي اسرائيل. كان موضوع الجيش السوري وضربه وتقسيمه وشرذمته من المهمات المركزية للخطة الاميركية في سعيها لتدمير سورية وتقسيمها، لأن هذا التدمير وحده يؤمن شل فاعلية سورية في حال تغير النظام، وأتى بديل له يمكن أن يكون على طرف عداء لإسرائيل. وهذا التدمير أنجز بنسبة عالية جداً، بما يسمح لمثل هذا الطرح أن لا يصطدم بمعارضة فاعلة.

تلك بعض النماذج التي يقترحها الروس لمستقبل سورية. تجاهلت روسيا جميع الأطراف السورية، من رسمية ومعارضة، وهو موقف ينم عن حجم الاحتقار الذي تكنه السلطة الروسية للقيادة السورية قبل كل شيء. لا تقوم الملاحظات فقط على أن الدساتير لا تملى من الخارج على غرار ما كانت تفعله دول الانتداب والاستعمار، بل تأتي الدساتير حصيلة نقاش واسع بين مكونات المجتمع، بما يسمح بولادة تشريعات وقوانين تراعي مصالح المجموعات التي يتكون منها البلد. لكن المآل الذي وصلت اليه الحال السوري جعل من الخارج وصياً، فألغى أي دور للنظام وللمعارضة معاً، وهو تعبير عن حجم المأساة التي يعانيها الشعب السوري، والتي أضيفت الى معاناته عبر التدمير والقتل والتهجير.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
خارطة الميليشيات المسلحة في سوريا

أضحت خارطة الميليشيات المسلحة في سوريا بالغة التعقيد، في خلفياتها السياسية وادعاءاتها الفكرية، وفي مرجعياتها وبالأحرى تبعيتها، كما بالنسبة إلى مناطق انتشارها، ومدى نفوذها، أو دورها في رسم خارطة الصراع على الأرض. القصد أن الصراع في سوريا لم يعد يقتصر على النظام والمعارضة، فهذه تقسيمة باتت وراءنا بعد كل ما جرى في السنوات الماضية، فنحن اليوم، مع معادلة الصراع على سوريا، إزاء طبقات عديدة من الصراع، وتاليا إزاء أطراف عديدة، لم تعد فيها ثنائية نظام ـ معارضة تكفي للتوصيف. في عرض لخارطة الميليشيات المتصارعة يمكن ملاحظة الفصائل الآتية:
1 – قوات النظام، وهذه باتت بدورها بمثابة ميليشيا، لأنها تشتغل وفقا لطريقة الميليشيات، مع امتلاكها لأسلحة صاروخية ودبابات وطائرات، وأيضا لأن ثمة وحدات غير نظامية تشتغل كرديف لها، تنحدر من البيئات الموالية للنظام.

2 – الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وألوية النجباء وفاطميون وأبوالفضل العباس وغيرها من الميليشيات التي تشتغل كذراع لإيران، من لبنان والعراق وأفغانستان بالاعتماد على عصبة طائفية شيعية.

3 – القوات الجوية الروسية التي تشتغل بطريقة القصف، مع وحدات عسكرية مساندة لقوى النظام على الأرض في بعض المناطق.

صحيح أن هذه القوى متآلفة مع بعضها، في مناوءتها ثورة السوريين، وإمعانها القتل فيهم، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت نوعا من خلافات في ما بينها، تجلى في تخفيف الغطاء الجوي الروسي لتلك الميليشيات، الأمر الذي أدى إلى تراجعها وتعرضها إلى خسائر كبيرة في الرقة وحول حلب، وكأنت روسيا تريد أن تقول لإيران، في هذه الحركة، إنها هي التي تمتلك الورقة السورية، وأن إيران أصغر من أن تنازع روسيا هذه الورقة، فيما إيران تصور بأنها هي صاحبة القرار في سوريا وأن الفضل يعود لها ولميليشياتها اللبنانية والعراقية في صمود النظام حتى الآن.

مقابل هذه الجبهة ثمة فصائل المعارضة العسكرية، وهي تتألف من:

1 ـ فصائل الجيش الحر.

2- فصائل إسلامية معارضة. ويجدر التذكير بأن هذه جبهة تغلب فيها كفة الفصائل الإسلامية على كفة الجيش الحر بسبب القيود الموضوعة على دعمه وتسليحه، وبسبب تدفق الدعم على الجماعات الإسلامية.

في مقابل هاتين الجبهتين المتعارضتين ثمة جبهة النصرة، التي تعود مرجعيتها إلى تنظيم القاعدة، وثمة تنظيم داعش، وهما جبهتان تتمتعان بقدرات كبيرة، علما أن النواة القيادية في كل منهما يغلب عليها العنصر الخارجي (الأردن وتونس والخليج بالنسبة إلى الأولى والعراق بالنسبة إلى الثانية)، ناهيك أن هذين التنظيمين يتصارعان في ما بينهما، كما أنهما يشكلان أضرارا بثورة السوريين، بخطاباتهما وشكل عملهما، فضلا أنهما لا يعتبران نفسيهما جزءا من الثورة السورية، وكل منهما له أجندته الخاصة، وفي الأخير فهما يشكلان نوعا من ثورة مضادة، وقد شهدنا أن النظام يدرك ذلك، ويحاول الترويج إلى أنه يحارب الإرهاب، لذا فهو لم يستهدف داعش إلا بقدر لا يمس به.

شهدنا مؤخّرا صعود “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تستند أساسا إلى وحدات حماية الشعب الكردية، وهذه القوة باتت تحرز نجاحا ملموسا بحكم الدعم الدولي المقدم لها، لكن هذه القوات مازالت لم تحتك بقوات النظام، ناهيك أن المعارضة السياسية مازالت تبدي بعض الشبهات بخصوص تشكيلها ودورها، الأمر الذي يفترض حث الجهود لإيجاد توافقات حول المسألة الكردية في سوريا، بما يحفظ خصوصيتها القومية، وبما يصون وحدة شعب وأرض سوريا.

أخيرا يأتي دور قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهي تقوم بضربات جوية على مواقع داعش، فضلا عن تسرب بعض الأخبار التي تشير إلى تواجد عسكري بري لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا في سوريا، بدعوى مواجهة الإرهاب، وعلى أي حال فإن دور هذه القوات لا يبدو حاسما أو جادا إلى الدرجة المناسبة.

كل واحدة من هذه القوات لها أجندتها السياسية المختلفة عن الأخرى حتى المتحالفة معها، وهذا يصح على القوى المساندة للنظام والمعادية للثورة، كما يصحّ على القوى “الصديقة” للثورة. فوق ذلك فقد شهدنا اشتباكات بين أطراف كل معسكر، واشتباكات بين أطراف هذا المعسكر والمعسكر الآخر.

ويبقى السؤال للمستقبل: كيف ستتقاطع قوى كل معسكر مع بعضها؟ وكيف ستتقاطع مع قوى معسكر الخصم؟ لأن ذلك هو الذي سيحدد مستقبل شعب سوريا والدولة السورية.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
أردوغان وأرقامنا البائسة!

نسيت تماماً متى بدأت أكره الأرقام، لم أستطع يوماً استساغتها، إلى درجة أنني حتى يومنا هذا لم أتمكن من حفظ جدول الضرب! وما زلت أستعين بالآلة الحاسبة لأجد حاصل ضرب 7*9 مثلاً!

الشيء الوحيد الذي راق لي من لغة الأرقام والرياضيات كان الهندسة الفراغية، كانت متوافقة جداً مع نزوعي الخيالي، المبتعد عن الواقع دوماً.

بقيت الحال هكذا حتى آذار 2011 حيث أخذت علاقتي بلغة الأرقام بعداً آخر. إذ باتت فجأة مرتقبة ومنتظرة يومياً، كانت في تصاعد دائم لا يتوقف: 10 قتلى، 34 قتيلاً، 96 قتيلاً، 122 قتيلاً، وهكذا… بات من الصعب الآن معرفة إلى أين وصل الرقم بدقة.

ولكن علاقتي بالأرقام لم تتوقف عند هذا الحد. فسرعان ما اكتشفت أن تلك اللغة الخبيثة تدس أنفها في كل شيء، بل وبدقة أكبر: إنها تحكم كل شيء، وتحرك كل شيء!

عرفت لاحقاً أننا معشر أبناء الثورة كنا مولعين جميعاً بالهندسة الفراغية والشعر الحماسي والأغاني العاطفية.. كنا نبني أحلاماً ونخطط مستقبلاً، ولكن للأسف كان كل ذلك فراغياً! لا شيء حقيقي! كنا نجهل جميعاً اللغة التي ينبغي الحديث بها؛ لغة الأرقام.

إن إتقان هذه اللغة اللعينة يجعلك أوضح رؤية، وأقل دهشة، وأكثر معرفة لما قد يحدث.

فلغة الأرقام مثلاً تقول:

أن تركيا هي خامس أكبر شريك تجاري لروسيا، فالتجارة بين البلدين تجاوزت 50 مليار دولار في 2015، ومن المتوقع أن تصل في عام 2020 إلى 100 مليار دولار!

وفي السياحة يقصد تركيا قرابة خمسة ملايين سائح روسي، يدخلون إلى البلاد مليارات الدولارات سنوياً، لدرجة أن انخفاضاً في عدد السياح الروس يقدر ب 1.5 مليون بسبب توتر العلاقات أوقع خسائر بقيمة 4.5 مليار دولار في الاقتصاد التركي!

هذا طبعاً عدا عن الطاقة حيث تستهلك تركيا كميات هائلة من الغاز الروسي، وعدا مشاريع المحطات النووية لتوليد الكهرباء التي ستبنيها روسيا في تركيا!

أما في العلاقة مع إيران فإن لغة الأرقام تستطيع هدم فجوة النزاع العثماني الصفوي التاريخي لتقول:

إن التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي بلغ 14 مليار دولار، وأن أردوغان أعلن رغبته في رفع الرقم خلال سنتين إلى 30 ملياراً، وفي إيران قرابة 100 شركة تركية تنفذ مشروعات في مجالات عديدة بكلف تقدر بملايين الدولارات.

أما في العلاقات مع إسرائيل فتقول اللغة الخبيثة:

إن الميزان التجاري بين إسرائيل وتركيا ارتفع بنسبة 25% خلال العامين الماضيين، وحجم الصادرات التركية إلى إسرائيل قفز إلى 3 مليار دولار بحلول عام 2014، مسجلا ًزيادة قدرها 95% بعد أن كان نصف مليار دولار فقط في عام 2009.

إن من يتقن لغة الأرقام لن يصاب بالذهول إذا ما سمع باعتذار أردوغان لبوتين، أو سمع بإعادة العلاقات التركية الإسرائيلية التي لم تتوقف أصلاً، أو شاهد أردوغان مطمئناً تحت راية (ياحسين)!

تركيا ليست إلا مثالاً واحداً فقط لما يمكن أن تقدمه لنا لغة الأرقام، ربما كانت المثال الأفضل بالنظر للتطورات التي تعيشها علاقاتها اليوم مع دول ظننا أنها ستخاصمها كرمى لعيوننا!

هذه اللغة يمكنكم تعميمها لتشمل جميع الأصدقاء الذين بنينا يوماً أحلامنا الفراغية استناداً على دعمهم!

على الجانب الآخر: ما هي الأرقام التي نقدمها نحن للعالم طالبين منه أن يهرول لنجدتنا؟

للأسف إنها ليست مغرية كثيراً:

400 ألف قتيل

2 مليون مصاب ومعاق

11 مليون لاجئ ونازح

300 ألف معتقل

3 مليون منزل مدمر

700 ألف شخص تحت الحصار

689 مليار دولار خسائر اقتصادية إذا توقف القتال هذا العام!

الآن، ربما يجدر بنا أن نسأل أنفسنا:

ترى..

هل نعيب على الآخرين براعتهم في استخدام لغة الأرقام؟

أم نعيب على أنفسنا استمرارنا بتشييد أوهامنا وأحلامنا الفراغية على بحر من الأرقام البائسة؟!

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
أميركا العاجزة؟ أم أميركا المتواطئة؟

ما لم تراجع الإدارة الأمـــيركية موقـــفها من بــقاء الرئيس بـــشار الأسد في الحكم، فلن تنتهي الأزمة السورية، ولن تستقر الأوضاع في الإقليم، ولن تعود لمجلس الأمن الدولي هيبتُه، ولن يسود السلام العالمَ وتأمن الشعوب على مصالحها وتطمئن إلى مصائرها. لقد أضحى واضحاً أن من الأسباب الرئيـــسَة لاستــفحال الأزمة في سورية، على هذا النحو الذي لا نجد له مثيلاً في عالمنا اليوم، تذبذب الموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء الحالة في سورية، وتقاعسه عن التصرّف وفق مقتضيات الدستور الأميركي.

فليس هناك إطلاقاً من سبيل لتضع الحرب الأهلية في سورية أوزارها، سوى أن تقف الإدارة الأميركية موقفاً حازماً يحدّ من أطماع روسيا الاتحادية، ويصدّها عن ترسيخ وجودها العسكري والسياسي في هذه الدولة العربية، ويُنهي التدخل الإيراني الطائفي وأتباعه فيها ويتعامل مع بشار الأسد على أنّه مجرم حرب يجب أن يتنحى بعد أن دمر البلاد وقتل أكثر من نصف مليون مواطن سوري، وانتهى به طغيانه واستبداده إلى تهجير أكثر من عشرة ملايين شخص من المواطنين السوريين، إلى خارج بلادهم وتشريدهم داخلها. فما لم يتخذ الرئيس باراك أوباما هذا الموقف الحازم الذي يرقى إلى مستوى الالتزام الأميركي بحماية القوانين الدولية واحترام ميثاق الأمم المتحدة باعتبارها قوةً عظمى ودولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فلن تغير موسكو من سياستها التي تعتمدها في احتلالها سورية، ولن تتراجع عن تماديها في قتل السوريين بالهجمات الجوية التي يشنها سلاحها الجوي الحربي على المواطنين السوريين، وليس على عناصر من تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية، كما تزعم وتدعي، وأن تتوقف إيران عن تدخلاتها المخرّبة فيها.

لقد كشفت صحيفتا «نيويورك تايمز» و «وول ستريت جورنال» الأميركيتان في عدديهما الصادرين يوم الجمعة 17/6/2016، عن أن أكثر من 50 دبلوماسياً من وزارة الخارجية الأميركية، وقعوا مذكرة داخلية تنتقد بحدةٍ استراتيجيةَ إدارة الرئيس أوباما تجاه سورية، مطالبين بتنفيذ ضربات عسكرية ضد قوات بشار الأسد، لوضع حد للانتهاكات المستمرة ولوقف إطلاق النار. وجاء في المذكرة أن سياسة الولايات المتحدة لم تنجح في إيقاف العنف المتواصل في سورية، وهو ما يثبت فشلها حتى الآن. واعترفت المذكرة بأن للعمل العسكري مخاطره، كتوترات أخرى مع روسيا، لكن مقدميها أكدوا في الوقت ذاته أنهم «لا يدفعون نحو طريق يؤدي للهاوية وينتهي بمواجهة عسكرية مع روسيا، وإنما الهدف من الضربات يجب أن يكون إبقاء الأسد تحت السيطرة». وعلى الرغم من أن الدبلوماسيين الأميركيين الموقعين على هذه المذكرة بدوا وكأنهم في صحوة ضمير، إلا أنهم لم يكونوا في المستوى المطلوب من الحسم والحزم، حيث كانت غاية مطلبهم «الإبقاء على بشار الأسد تحت السيطرة».

ومما يلاحظه المراقبون تزامُن نشر هذه المذكرة مع ما أعلنه رئيس أركان القوات الجوية الأميركية عن استعداد الطيران الحربي الأميركي لتأمين إنشاء مناطق حظر جوي في سورية. لكنه أشار إلى وجود عوائق، وهي العوائق التي تبرر بها الإدارة الأميركية موقفها المريب من الوضع المتردي في سورية. فهل سيكون لهذه المذكرة مفعولها وتأثيرها فتحفز الرئيس الأميركي باراك أوباما على مراجعة السياسة المتذبذبة التي ينهجها والحسم تجاه بقاء بشار الأسد الذي يمارس القتل والتدمير، وعربدة روسيا في المنطقة وفرضها الأمر الواقع على دولها باعتبار أنها دخلت سورية ولن تخرج منها آجلاً أو عاجلاً؟ أم ستكون صيحة في واد؟

جميع الحسابات السياسية والمؤشرات تؤكد أن سورية التي يعرفها العالم، لم تعد كما كانت، فلقد أصبحت بلداً محتلاً من طرف دولتين التقت مصالحهما الآنية واختلفت أهدافها البعيدة، هما روسيا وإيران، اللتان تلعبان أخطر الأدوار على الأراضي السورية. فهل يدخل ضمن التفاهمات الغامضة بين روسيا والولايات المتحدة، انفراد موسكو بالحالة السورية والاعتراف لها بالهيمنة على هذا البلد، في مقابل تأمين مصالح أميركية في مناطق أخرى؟ منطقُ الأشياء يرجّح هذا الاحتمال، ما دامت المعلومات عن هذه التفاهمات غير متوافرة، وما دامت القوتان العظميان تعملان في الظلام، وهو دأب اللصوص، وهما اليوم لصّا السيادة الوطنية للشعوب والمتآمران على أمن المنطقة وسلامة كياناتها الوطنية.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
حزب الله والعقوبات الأميركية: إفلاس مالي وسياسي

كل الذين واجهوا طواحين الهواء سقطوا صرعى أوهامهم. وهي مسألة وقت قبل أن يفلس ماليا من أفلس سياسيا وبات فصيلا إيرانيا يأكل ويشرب من دماء أبنائه في سوريا.

من نتائج تعميم العقل الغيبي الذي لا يتوسل الأساليب العقلانية في فهم الأمور، الاستهانة بالعقوبات المالية الأميركية. هذه هي الثقافة التي جرى تعميمها “أعلى ما في خيلهم يركبوه”. بهذه الثقافة وهذه العقلية يواجه حزب الله، ويدّعي أن العقوبات المالية لا تؤثر عليه. وهذا في معيار من يفهم قليلا بالاقتصاد والمال معناه أنك خارج النظام، وأنك خارج الحياة الاقتصادية والمالية، ومن يستهين بهذه الخطوة هو من خارج هذا العالم، ولم ينتبه إلى أن الاقتصاد أسقط الاتحاد السوفيتي، والاقتصاد هو من فرض على إيران الدخول في العولمة بشروط أميركية. العقوبات المالية والاقتصادية ولا شيء آخر، هما اللذان دفعا القيادة الإيرانية نحو تقديم التنازلات للاميركيين، “الشيطان الأكبر” في لغة الممانعة. فيما تبدو الإدارة الأميركية غير مستعجلة في رفع كامل العقوبات عن إيران.

أما حين اقترب أصحاب المال من حزب الله فكانوا يراهنون على أنه مدخل لاستثماراتهم، وحققوا من خلاله أرباحا ومكاسب، وهم من العائلات التجارية و”البرجوازية”، حين بدا حزب الله سلطة تساعد على تكبير رأس المال وزيادة النفوذ والتسهيلات التي تساعد على مراكمة الثروات. وهم؛ أنفسهم، اليوم يهربون منه من أجل حماية أموالهم ومراكمة المزيد من الأرباح، من المال الحلال أيضا.

المال الحلال هذه الأيام يبدو بالنسبة إليهم بعيدا من حزب الله. حسن نصرالله، وهو ينظر إلى كيف تعقد صفقة شراء مئة طيارة بوينغ من أميركا لصالح إيران، وينظر كيف تعمل حكومة إيران على ترتيب العلاقات الاقتصادية مع واشنطن والغرب، وكيف أن دوائر المال في واشنطن تلاحق حزب الله وحساباته، يبدو في شخصية البطل الذي لا يعنيه ماذا تفعل أميركا وماذا تفكر.

قال نصرالله في خطابه الأخير لجمهوره إن “26 مقاتلا من حزب الله سقطوا لحزب الله خلال شهر يونيو في ريف حلب، فيما سقط 617 للجماعات المسلحة”. بمعزل عن الدقة في سرد الوقائع، لكن ذلك لا يجيب عن سؤال الجدوى: ذهب منهم 617 وذهب منا 26، وماذا يعني هذا الخطاب؟ هل هي عقلية البطل الذي يغلب من يواجهه، ويذهب إلى آخر الدنيا من أجل أن يظهر أنه بطل فقط، بلا غاية ولا هدف سوى أن يقال إنه البطل. هذا حال حزب الله حين تورط في رهانات إيرانية خاسرة داخل سوريا والفلوجة العراقية وفي اليمن. وها هو يكشف عن هشاشة في الخطاب وفي الرؤية وفي القدرة على مواجهة قضية جد متوقعة، ألا وهي مسألة العقوبات المالية.

وحين قال إن “مالنا من إيران”، كأنه يقول للقيادة الإيرانية “نحن أخلصنا لكم أنتم، ولا يمكن أن نقبل بأن تخضعوا لابتزازات أميركية لتخفيف الدعم المالي”. نصرالله الذي يفقد من خلال العقوبات المالية جانبا من استقلالية وفرتها شبكة استثمار حزب الله الدينية والمالية الشرعية وغير الشرعية، اليوم يبدو أكثر فأكثر تحت المظلة الإيرانية، وبالكامل. لذا فإن ما قاله خلال خطابه الأخير، موجه إلى الإيرانيين قبل غيرهم. فهو يقول لهم “نحن في حزب الله أيضا إيرانيون، وهكذا يجب أن تتعاملوا معنا ومع متطلباتنا”. لا سيما أنه في داخل الحكومة الإيرانية اتجاه ضاغط نحو المزيد من تخفيف دفع الأموال وتحويل المساعدات والدعم الخارجي، لا سيما إلى حزب الله.

حزب الله يواجه العقوبات المالية الأميركية كما يواجه تصريحا للرئيس سعد الحريري. يظن النظام المصرفي العالمي سيخاف من تفجير هنا أو هناك، أو سيرتجف من تصريح لزعيم ميليشيا مذهبية في ركن لبناني هزيل. وكل الذين واجهوا طواحين الهواء سقطوا صرعى أوهامهم. وهي مسألة وقت قبل أن يفلس ماليا من أفلس سياسيا وبات فصيلا إيرانيا يأكل ويشرب من دماء أبنائه في سوريا.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
في حضرة التواصل التركي – الروسي ... هل نحن الأعداء أم الأسد !؟

في الوقت الذي يتمسك به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بكلمته الشهيرة " على الأسد الرحيل بالسياسة أو القوة"، و بنغمات مختلفة تبع للمحفل الذي تصدر به ، يسير المركب التركي باتجاه الشواطئ الهادئة و في حملة مصالحات جماعية ، بشكل مكثف و سريع ، بحيث قد يكون في الغد "لا عدو لتركيا إلا الأسد أو السوريين"، و العداوة الأخيرة تتعلق بمدى صحة التسريبات و اتجاهات المصالح .

اليوم اختزل الصراع التركي- الروسي بمناكفات حول حقيقة ما رغب به الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من رسالته بالأمس لنظيره الروسي فلاديمير بوتين ، هل رغب "الاعتذار" أو مجرد القول "لا تؤاخذونا" ، فالفرق شاسع للطرفين ، و لكنه بالنسبة للسوريين لا فرق ، فالجليد اذيب وننتظر النتائج و انعكاساتها على الملف السوري ، وطبعاً يخطئ كثيراً من يقول أن هذه التطورات ابتداء من عودة العلاقات مع إسرائيل و من ثم صدمة الكهرباء لجسد العلاقات مع روسيا و كذلك الغزل المبطن للنظام المصري، أنه يتم وفق تراجيديا مقروءة من قبل المراقبين و تجار التحليلات و المنجمين ، فهي خطط لايمكن التوقع بها، فالدور الوحيد الذي يمكن ممارسته هو الجلوس و المتابعة لا أكثر.

من الممكن أن تكون الساعات القليلة التي تلت رسالة أردوغان لبوتين ، قد حملت آلاف التحليلات الدفاعية و الهجومية و الرمادية حول تطورات العلاقة بين البلدين، وطبعا حضر الخلاف في تفسيراتها بين الأنواع السياسية و العسكرية و الاقتصادية، و الغريب أن أحد لا يمكن أن يقتنع أن هذه الأمور لا تنظر لنا على أننا عناصر فاعلين ، و إنما نحن عبارة عن وقود يسعّر به النار كلما هدأت ، فغضب بوتين من تركيا يدفعه لحرق الحدود و مد الأكراد الانفصاليين بكل شيء، ورضاه قد يحول الكفة للعكس تماماً ، و كذلك امتعاض بوتين من تصرفات تركيا يدفعه لطرد آلاف التركمان من ريف اللاذقية ، و إعادة التوافق قد يغير المعادلة بالعكس، و في كل الأحوال لن يكون هناك حديث عن عدد القتلى أو الجرحى أو حجم الدمار ، فضمان انسياب الغاز و سير السياح يتجاوز بلهوانيات التصريحات و عنترياتها من كلا الطرفين .

و يغوص الكثيرون من خلال ما تمكنت متابعته من تحليلات في تفاصيل لا أدرى كيف توصلوا لها ، و تذكرني بتلك التي كانت تتحدث عن خلافات أسماء الأسد مع أنيسة مخلوف حول الطبخة التي سيتناولها بشار الأسد بعد صراعه مع آصف شوكت ، فالغريب أنه يدخلون أروقة المفاوضات و يستخرجون الهمسات و ينقلونها لتتردد في الكون ، بأن عصر الأكراد الانفصاليون قد انتهى ، و دور الأسد كذلك و بات الباب مفتوحاً أمام موالو أردوغان ، في حين يذهب آخرون للاتجاه المعاكس تماماً بأن الحلف بين الأسد و الأكراد الانفصاليون سيتعمق و تمهيداً لامتصاص فورة الانفصال الكردية.

و طبعا لم يغب الدور الجزائري الفاعل في ربط مصالحة بين أردوغان و الأسد و لنفس قضية الأكراد الانفصاليون ، في استرجاع لتجربة ٢٠٠٤ .

أيآ يكن لا نملك التحليل الحقيقي و الواقعي،  و كل ما يمكننا فعله في متابعة استعراضات بلهوانيو التحليلات ، علنا نمضي الوقت ريثما تظهر النتائج ، كحالنا نمضي الوقت بانتظار الافطار.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)