مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٩ يونيو ٢٠١٦
من يحاسب حزب الله

اعترف أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في خطابه الأخير بمناسبة مرور أربعين يوما على مقتل القيادي العسكري مصطفى بدرالدين في سوريا، بأن حزبه يتلقى تمويله كاملا من إيران، من خلال قنوات خاصة لا علاقة لها بالدولة اللبنانية ولا بالأنظمة المالية النافذة.
“نحن يا أخي على رأس السطح، موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران. تمام؟ هل تريدون شفافية أكثر من هذا؟”.

هذا ليس بجديد، الجديد الوحيد في ذلك هو الاعتراف الصريح للأمين العام بهذه الحقيقة التي يعرفها الجميع منذ سنين. ربما هو الإحساس بفائض القوة. ربما هو الشعور بالانتصار على الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها، والتفوق على جميع القوى السياسية المؤتلفة معه في السلطة والمتواطئة معه في تهديم بنى الدولة واستتباع ما تبقى منها وتوظيفها في عمليات النهب المنظم لمقدرات البلاد ولعرق أبنائها وفي مراكمة الثروات الفلكية لمجموعة من السياسيين الفاسدين وأسرهم. لقد حقق حزب الله إنجازات هامة في هذه المجالات، فقد تغاضى عن فساد قوى السلطة حتى غرقت، وعطل الانتخابات النيابية والرئاسية وشل عمل المؤسسات واستتبع ما تبقى منها من هياكل مفرغة ليوظفها وفق أجنداته.

من هنا يأتي هذا الإحساس بفائض القوة وهذا الشعور بالنصر على الدولة والتفوق على باقي القوى السياسية الغارقة في بحر الفساد، ما مكن حسن نصرالله أن يقول واثقا للمعترضين فـ”ليعترضوا، هذا البحر ما شاء الله، البحر الأبيض المتوسط، اشربوا منه”.

والمعترض قد يكون أي لبناني أو غير لبناني، شخصا أو مؤسسة أو دولة، هذا لا يهم. ولكن المسألة ليست مسألة اعتراض من عدمه. فهل يمكن لأي كان أو أي جهة أن تتلقى أموالا بطريقة غير قانونية وتتباهى كونها خارج أي محاسبة؟ بالتأكيد لا، سوى حزب الله! فهو يؤكد المؤكد. حزب الله يتلقى مليارات الدولارات من دولة أجنبية خارج القوانين والأنظمة المالية لتنفيذ سياسات تلك الدولة داخل لبنان وخارجه. وهو خارج أي مساءلة أو محاسبة. وليس بإمكان القضاء اللبناني ملاحقته! إذن، فهو قوة سياسية وأيديولوجية وعسكرية غير لبنانية تحتل لبنان وتقاتل في سوريا بمواطنين لبنانيين لمصلحة نظام طهران.

حزب الله ليس حزبا لبنانيا وليس دويلة أو دولة ضمن الدولة اللبنانية. لقد بات قوة خارج الدولة، فزعيمه أعلن انفصاله عن الدولة اللبنانية وسيطرته على قرارها السيادي. (يستطيع أن ينقل الأموال والسلاح والأشخاص والمقاتلين والجثث من وإلى لبنان من دون أي إجراءات قانونية ومن دون معرفة أو بتواطؤ الأجهزة الأمنية)، إنه ذراع المافيا الإيرانية تعلن انتصارها على لبنان دولة ومؤسسات وأحزابا وعشائر وطوائف بما في ذلك الطائفة الشيعية نفسها، قوة لها مؤسساتها وتمويلها وعسكرها وسلاحها وسياستها الخارجية. هذه السياسة الخارجية التي تنطق بما يريده النظام الإيراني بصوت أعلى مما يتاح لهذا النظام أن يطلقه.

حزب الله الذي يخوض حرب النظام الإيراني بالوكالة في سوريا، وبعد الضربات الموجعة التي تلقاها في حلب، ها هو يرتد إلى لبنان ليعلن انتصاره عليه، هذا يؤكد أن عودة حزب الله إلى “لبنانيته” باتت مسألة متعذرة وأن عودته إلى لبنان ستكون كارثة على لبنان واللبنانيين سواء عاد منتصرا أو منهزما. من هنا فإن المطالبة بعودته لم تعد قضية القوى السياسية المسيطرة بسبب هذا الهاجس، ولو أنها لا تزال قضية الكثيرين ممن يعترضون على الحرب في سوريا، ولا يزالون يأملون في بعض من لبنانية هذا الحزب.

اعترافات حسن نصرالله ليست برسم الدولة اللبنانية وليست برسم المؤسسات الأمنية والقضائية في لبنان والتي عرفنا كيف تتعامل مع الجرائم والقضايا التي يكون حزب الله طرفا فيها وليس آخرها متفجرة بنك لبنان والمهجر. هذا الكلام يرسم قوى الحراك المدني التي اخترقت جدران الطوائف والمذاهب وأشهرت حربها على الفساد، فهل يمكن لها أن تحقق أهدافها في ظل صمتها عن جرائم حزب الله المالية والسياسية والأمنية؟

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
حلّوا عن سما اللاجئ السوري… يا عنصريين!

بداية عذراً على ما عنونا به النص، ولكن ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاعلامية، من حملة ممنهجة ضد اللاجئ السوري، تستأهل هكذا عنوان.
ما إن بدأ مسلسل التفجيرات في بلدة القاع، حتى أخذت أصابع الإتهام تتجه نحو اللاجئين السوريين، وتحوّل لاجئ المخيمات الى متهم ومُدان ومصدر للإرهاب، هذا اللاجئ الذي يفتقد في لبنان أقلّ حقوقه والذي يعاني من النظرة الاستعلائية لوزير خارجية قرر أن يفجّر عنصريته بالضعفاء.
جبران باسيل، الوزير البطل، لم يجد فسادا في لبنان، ولا سرقات، ولا تجاوزات يمكن معالجتها، فأصبح كلّ همه شيطنة اللاجئين السوريين والعمل على إعادتهم لبلدهم من أيّ بوابة كانت، هذا الهاجس الذي جعله يخترق البروتوكول ويترفع بمقامه عن لقاء بان كي مون لكون معاليه لا يستقبل موظفا أمميا سوف يوطن السوريين.
جهل باسيل، لم يتوقف هنا، بل تابع بتصريحه أنّ الإرهابيين قد أتوا من مخيمات اللاجئين، هذا الإعلان شكل مناخاً تعبويا دفع محافظ بعلبك- الهرمل، لمنعهم من التجوّل.
إذاً السوري مسجّل خطر، هذه الصفة برسم وزير الخارجية العتيد، ومن حثّ سبيله من اللبنانيين، وتحوّل هو الحلقة الأضعف في حرب 8 و 14، فيتابع حزب الله في القتل والتهجير فيما يتفنن اللبناني النزق هنا بالتمنين والاستكبار.
مع الإشارة أنّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قد صرّح أنّ الانتحاريين ليسوا من اللاجئين، ممّا يعني أنّهم قد تسللوا بطريقة غير مفهومة من مراكزهم في الجرود والتي يفترض أنّها مراقبة بواسطة الابراج الحديثة التي شيدتها بريطانيا للجيش اللبناني على حدود بلدة القاع مع سوريا.
والمعيب، في هذه العنصرية التي ترشّ سمومها ضد السوريين، أنّ لبنان بلد حروب وتشرد وتهجير، وشعبه ليس مرفها ومستقرا دائما حتى لا يدرك مأساة النازحين، كذلك لبنان هو من الدول التي تذوقت السوط السوري وسفكت دماء أبنائه بعهد حافظ الأسد، وأهينت كرامة شبابه بعهد الابن الطاغية.
من يعيّر السوريين بالتفجيرات الأخيرة ويردّ السبب للاجئيه، هم أنفسهم حلفاء حزب الله حليف النظام السوري، المتهم بما يقارب 24 تفجيراً شهدتهم الساحة اللبنانية قبل الأزمة السورية والثورة، وهم من لم يحاسبوا الحزب لا على حربه ولا على تبعات القتال العبثي وانعكاساته في لبنان!
اللاجئ السوري، لم يأتِ الينا سائحاً، ولا كي يترفه ويتنزه، ونحن اللبنانيون قد بتنا في حالة قرف من هذا الوطن، فكيف بهذا النازح المعزولة حقوقه، والمجرد من أقلّ الأولويات الحياتية.
العنصرية ضد اللاجئ السوري، لم تتوقف عند ناشطين بل شملت إعلاميين و فنانين، والعديد من ناكري الجميل ممن تناسوا فضل الشعب السوري على لبنان عامةً وجنوبه خاصة في حرب تموز 2006، حزب الله وحاضنته المؤيده والسياسة الموالية له لم يطعنوا فقط الشعب السوري وإنّما تنكروا لمن فتحوا لهم بيوتهم وأطعموهم وآووهم!

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
الدستور السوري... وجهة نظر روسية

أنتجت الحرب الأهلية السورية زوال الدولة، الى حد بعيد، ذات السيادة على قراراتها وأراضيها. البلاد السورية مستباحة اليوم لأطراف متعددة: من التنظيمات الإرهابية، الى أطراف دولية وإقليمية. بعد خمس سنوات على الحرب، بات اللاعبان المقرران لمصير سورية ومستقبلها هما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، أما سائر الأطراف من إيران الى ميليشياتها فليست سوى أدوات في خدمة الطرفين المقررين. لكن الثابت أيضاً أن الولايات المتحدة، شريكة روسيا في التخطيط والتقرير، أولت أمر التنفيذ المباشر الى روسيا، التي باتت تتصرف على قاعدة «الأمر لي»، على المستويات العسكرية، وفي التخطيط لطبيعة الحكم الانتقالي. تتصرف روسيا بفظاظة في تعاطيها مع الرئيس السوري ومع سائر الأطراف، ولا تجد حرجاً في استدعاء الرئيس الى موسكو أو الى قاعدتها العسكرية في منطقة اللاذقية لإبلاغه القرارات السورية ووجوب الانصياع اليها. لكن أفدح مظاهر الإذلال لسورية هو ما تسرب مؤخراً عن دستور لسورية المقبلة، وضعته روسيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة، وسيعرض على مجلس الأمن للموافقة عليه. حاول الإعلام السوري الرسمي نفي وجود مسودة لهذا الدستور، لكن إعلام «حزب الله» أكد وجود المسودة وأضاف أن لديه نسخة منها، نشرها في صحفه. المؤكد اليوم أن هذه النسخة موجودة وباتت قيد التداول.

تتضمن مسودة الدستور، كما نشرت في وسائل الإعلام، كل التفاصيل التي تتضمنها المشاريع الدستورية لأي بلد، من سلطات الرئيس الى طبيعة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والإدارية. لكن الدستور المختلف كثيراً عن الدستور الراهن يتضمن مجموعة توجهات تعبر عن الرؤية الروسية - الاميركية لمستقبل سورية. أول التوجهات تقوم على إلغاء كلمة «العربية» من الاسم المعتمد حالياً وهو «الجمهورية العربية السورية». هذا الشطب يرمز الى القول أن سورية للعرب ولغير العرب، وأن كل أقلية من حقها ان تجد لنفسها هوية، سواء أرادت أن تكون عربية أم غير عربية.

التوجه الثاني يؤكد تقسيم سورية وإنهاء موقعها كدولة مركزية، يتجلى ذلك في تثبيت مواقع الأقليات، خصوصاً منها الأقلية الكردية، التي تسعى الولايات المتحدة منذ بدء الحرب الى تكوين كيان ذاتي لها، مستقل عن الدولة المركزية، وقد قطعت خطوات في هذا المجال. تفصح الجملة التالية الواردة في المسودة عن هذا التوجه حيث تقول: «تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين».

التوجه الثالث يقوم على إقامة سلطة في جميع المجالات عماده المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية، على غرار ما بات واقعاً في العراق، واستلهاماً للنموذج اللبناني في المحاصصة والتفتيت. إن نموذج هذا الحكم يمنع الوحدة السورية من القيام، ويؤسس لنزاعات أهلية على المديين القريب والبعيد، خصوصاً ان هذا «التقسيم» لا يأتي في ظروف سلمية واستناداً الى استفتاءات شعبية كما يحصل عادة، بل جاء حصيلة حرب أهلية قسمت المجتمع السوري ومزقت نسيجه، وأسست لجبال من الكراهية والحقد والوعيد بالثأر والانتقام، مما لا يبشر بسورية هادئة في حال انتهت الحرب.

التوجه الرابع الأخطر هو ما يتصل بالقوات المسلحة الروسية ودورها المستقبلي. جاء في النص: «يحرّم تنظيم أعمال عسكرية، أو ذات طابع عسكري خارج مناطق سلطة الدولة، على أن ينحصر دور الجيش في الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادتها الإقليمية فقط». يفصح هذا النص عن أن لا مجال بعد الآن لإمكان انخراط الجيش السوري في قتال ضد العدو القومي اسرائيل. كان موضوع الجيش السوري وضربه وتقسيمه وشرذمته من المهمات المركزية للخطة الاميركية في سعيها لتدمير سورية وتقسيمها، لأن هذا التدمير وحده يؤمن شل فاعلية سورية في حال تغير النظام، وأتى بديل له يمكن أن يكون على طرف عداء لإسرائيل. وهذا التدمير أنجز بنسبة عالية جداً، بما يسمح لمثل هذا الطرح أن لا يصطدم بمعارضة فاعلة.

تلك بعض النماذج التي يقترحها الروس لمستقبل سورية. تجاهلت روسيا جميع الأطراف السورية، من رسمية ومعارضة، وهو موقف ينم عن حجم الاحتقار الذي تكنه السلطة الروسية للقيادة السورية قبل كل شيء. لا تقوم الملاحظات فقط على أن الدساتير لا تملى من الخارج على غرار ما كانت تفعله دول الانتداب والاستعمار، بل تأتي الدساتير حصيلة نقاش واسع بين مكونات المجتمع، بما يسمح بولادة تشريعات وقوانين تراعي مصالح المجموعات التي يتكون منها البلد. لكن المآل الذي وصلت اليه الحال السوري جعل من الخارج وصياً، فألغى أي دور للنظام وللمعارضة معاً، وهو تعبير عن حجم المأساة التي يعانيها الشعب السوري، والتي أضيفت الى معاناته عبر التدمير والقتل والتهجير.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
خارطة الميليشيات المسلحة في سوريا

أضحت خارطة الميليشيات المسلحة في سوريا بالغة التعقيد، في خلفياتها السياسية وادعاءاتها الفكرية، وفي مرجعياتها وبالأحرى تبعيتها، كما بالنسبة إلى مناطق انتشارها، ومدى نفوذها، أو دورها في رسم خارطة الصراع على الأرض. القصد أن الصراع في سوريا لم يعد يقتصر على النظام والمعارضة، فهذه تقسيمة باتت وراءنا بعد كل ما جرى في السنوات الماضية، فنحن اليوم، مع معادلة الصراع على سوريا، إزاء طبقات عديدة من الصراع، وتاليا إزاء أطراف عديدة، لم تعد فيها ثنائية نظام ـ معارضة تكفي للتوصيف. في عرض لخارطة الميليشيات المتصارعة يمكن ملاحظة الفصائل الآتية:
1 – قوات النظام، وهذه باتت بدورها بمثابة ميليشيا، لأنها تشتغل وفقا لطريقة الميليشيات، مع امتلاكها لأسلحة صاروخية ودبابات وطائرات، وأيضا لأن ثمة وحدات غير نظامية تشتغل كرديف لها، تنحدر من البيئات الموالية للنظام.

2 – الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وألوية النجباء وفاطميون وأبوالفضل العباس وغيرها من الميليشيات التي تشتغل كذراع لإيران، من لبنان والعراق وأفغانستان بالاعتماد على عصبة طائفية شيعية.

3 – القوات الجوية الروسية التي تشتغل بطريقة القصف، مع وحدات عسكرية مساندة لقوى النظام على الأرض في بعض المناطق.

صحيح أن هذه القوى متآلفة مع بعضها، في مناوءتها ثورة السوريين، وإمعانها القتل فيهم، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت نوعا من خلافات في ما بينها، تجلى في تخفيف الغطاء الجوي الروسي لتلك الميليشيات، الأمر الذي أدى إلى تراجعها وتعرضها إلى خسائر كبيرة في الرقة وحول حلب، وكأنت روسيا تريد أن تقول لإيران، في هذه الحركة، إنها هي التي تمتلك الورقة السورية، وأن إيران أصغر من أن تنازع روسيا هذه الورقة، فيما إيران تصور بأنها هي صاحبة القرار في سوريا وأن الفضل يعود لها ولميليشياتها اللبنانية والعراقية في صمود النظام حتى الآن.

مقابل هذه الجبهة ثمة فصائل المعارضة العسكرية، وهي تتألف من:

1 ـ فصائل الجيش الحر.

2- فصائل إسلامية معارضة. ويجدر التذكير بأن هذه جبهة تغلب فيها كفة الفصائل الإسلامية على كفة الجيش الحر بسبب القيود الموضوعة على دعمه وتسليحه، وبسبب تدفق الدعم على الجماعات الإسلامية.

في مقابل هاتين الجبهتين المتعارضتين ثمة جبهة النصرة، التي تعود مرجعيتها إلى تنظيم القاعدة، وثمة تنظيم داعش، وهما جبهتان تتمتعان بقدرات كبيرة، علما أن النواة القيادية في كل منهما يغلب عليها العنصر الخارجي (الأردن وتونس والخليج بالنسبة إلى الأولى والعراق بالنسبة إلى الثانية)، ناهيك أن هذين التنظيمين يتصارعان في ما بينهما، كما أنهما يشكلان أضرارا بثورة السوريين، بخطاباتهما وشكل عملهما، فضلا أنهما لا يعتبران نفسيهما جزءا من الثورة السورية، وكل منهما له أجندته الخاصة، وفي الأخير فهما يشكلان نوعا من ثورة مضادة، وقد شهدنا أن النظام يدرك ذلك، ويحاول الترويج إلى أنه يحارب الإرهاب، لذا فهو لم يستهدف داعش إلا بقدر لا يمس به.

شهدنا مؤخّرا صعود “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تستند أساسا إلى وحدات حماية الشعب الكردية، وهذه القوة باتت تحرز نجاحا ملموسا بحكم الدعم الدولي المقدم لها، لكن هذه القوات مازالت لم تحتك بقوات النظام، ناهيك أن المعارضة السياسية مازالت تبدي بعض الشبهات بخصوص تشكيلها ودورها، الأمر الذي يفترض حث الجهود لإيجاد توافقات حول المسألة الكردية في سوريا، بما يحفظ خصوصيتها القومية، وبما يصون وحدة شعب وأرض سوريا.

أخيرا يأتي دور قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهي تقوم بضربات جوية على مواقع داعش، فضلا عن تسرب بعض الأخبار التي تشير إلى تواجد عسكري بري لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا في سوريا، بدعوى مواجهة الإرهاب، وعلى أي حال فإن دور هذه القوات لا يبدو حاسما أو جادا إلى الدرجة المناسبة.

كل واحدة من هذه القوات لها أجندتها السياسية المختلفة عن الأخرى حتى المتحالفة معها، وهذا يصح على القوى المساندة للنظام والمعادية للثورة، كما يصحّ على القوى “الصديقة” للثورة. فوق ذلك فقد شهدنا اشتباكات بين أطراف كل معسكر، واشتباكات بين أطراف هذا المعسكر والمعسكر الآخر.

ويبقى السؤال للمستقبل: كيف ستتقاطع قوى كل معسكر مع بعضها؟ وكيف ستتقاطع مع قوى معسكر الخصم؟ لأن ذلك هو الذي سيحدد مستقبل شعب سوريا والدولة السورية.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
أردوغان وأرقامنا البائسة!

نسيت تماماً متى بدأت أكره الأرقام، لم أستطع يوماً استساغتها، إلى درجة أنني حتى يومنا هذا لم أتمكن من حفظ جدول الضرب! وما زلت أستعين بالآلة الحاسبة لأجد حاصل ضرب 7*9 مثلاً!

الشيء الوحيد الذي راق لي من لغة الأرقام والرياضيات كان الهندسة الفراغية، كانت متوافقة جداً مع نزوعي الخيالي، المبتعد عن الواقع دوماً.

بقيت الحال هكذا حتى آذار 2011 حيث أخذت علاقتي بلغة الأرقام بعداً آخر. إذ باتت فجأة مرتقبة ومنتظرة يومياً، كانت في تصاعد دائم لا يتوقف: 10 قتلى، 34 قتيلاً، 96 قتيلاً، 122 قتيلاً، وهكذا… بات من الصعب الآن معرفة إلى أين وصل الرقم بدقة.

ولكن علاقتي بالأرقام لم تتوقف عند هذا الحد. فسرعان ما اكتشفت أن تلك اللغة الخبيثة تدس أنفها في كل شيء، بل وبدقة أكبر: إنها تحكم كل شيء، وتحرك كل شيء!

عرفت لاحقاً أننا معشر أبناء الثورة كنا مولعين جميعاً بالهندسة الفراغية والشعر الحماسي والأغاني العاطفية.. كنا نبني أحلاماً ونخطط مستقبلاً، ولكن للأسف كان كل ذلك فراغياً! لا شيء حقيقي! كنا نجهل جميعاً اللغة التي ينبغي الحديث بها؛ لغة الأرقام.

إن إتقان هذه اللغة اللعينة يجعلك أوضح رؤية، وأقل دهشة، وأكثر معرفة لما قد يحدث.

فلغة الأرقام مثلاً تقول:

أن تركيا هي خامس أكبر شريك تجاري لروسيا، فالتجارة بين البلدين تجاوزت 50 مليار دولار في 2015، ومن المتوقع أن تصل في عام 2020 إلى 100 مليار دولار!

وفي السياحة يقصد تركيا قرابة خمسة ملايين سائح روسي، يدخلون إلى البلاد مليارات الدولارات سنوياً، لدرجة أن انخفاضاً في عدد السياح الروس يقدر ب 1.5 مليون بسبب توتر العلاقات أوقع خسائر بقيمة 4.5 مليار دولار في الاقتصاد التركي!

هذا طبعاً عدا عن الطاقة حيث تستهلك تركيا كميات هائلة من الغاز الروسي، وعدا مشاريع المحطات النووية لتوليد الكهرباء التي ستبنيها روسيا في تركيا!

أما في العلاقة مع إيران فإن لغة الأرقام تستطيع هدم فجوة النزاع العثماني الصفوي التاريخي لتقول:

إن التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي بلغ 14 مليار دولار، وأن أردوغان أعلن رغبته في رفع الرقم خلال سنتين إلى 30 ملياراً، وفي إيران قرابة 100 شركة تركية تنفذ مشروعات في مجالات عديدة بكلف تقدر بملايين الدولارات.

أما في العلاقات مع إسرائيل فتقول اللغة الخبيثة:

إن الميزان التجاري بين إسرائيل وتركيا ارتفع بنسبة 25% خلال العامين الماضيين، وحجم الصادرات التركية إلى إسرائيل قفز إلى 3 مليار دولار بحلول عام 2014، مسجلا ًزيادة قدرها 95% بعد أن كان نصف مليار دولار فقط في عام 2009.

إن من يتقن لغة الأرقام لن يصاب بالذهول إذا ما سمع باعتذار أردوغان لبوتين، أو سمع بإعادة العلاقات التركية الإسرائيلية التي لم تتوقف أصلاً، أو شاهد أردوغان مطمئناً تحت راية (ياحسين)!

تركيا ليست إلا مثالاً واحداً فقط لما يمكن أن تقدمه لنا لغة الأرقام، ربما كانت المثال الأفضل بالنظر للتطورات التي تعيشها علاقاتها اليوم مع دول ظننا أنها ستخاصمها كرمى لعيوننا!

هذه اللغة يمكنكم تعميمها لتشمل جميع الأصدقاء الذين بنينا يوماً أحلامنا الفراغية استناداً على دعمهم!

على الجانب الآخر: ما هي الأرقام التي نقدمها نحن للعالم طالبين منه أن يهرول لنجدتنا؟

للأسف إنها ليست مغرية كثيراً:

400 ألف قتيل

2 مليون مصاب ومعاق

11 مليون لاجئ ونازح

300 ألف معتقل

3 مليون منزل مدمر

700 ألف شخص تحت الحصار

689 مليار دولار خسائر اقتصادية إذا توقف القتال هذا العام!

الآن، ربما يجدر بنا أن نسأل أنفسنا:

ترى..

هل نعيب على الآخرين براعتهم في استخدام لغة الأرقام؟

أم نعيب على أنفسنا استمرارنا بتشييد أوهامنا وأحلامنا الفراغية على بحر من الأرقام البائسة؟!

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
أميركا العاجزة؟ أم أميركا المتواطئة؟

ما لم تراجع الإدارة الأمـــيركية موقـــفها من بــقاء الرئيس بـــشار الأسد في الحكم، فلن تنتهي الأزمة السورية، ولن تستقر الأوضاع في الإقليم، ولن تعود لمجلس الأمن الدولي هيبتُه، ولن يسود السلام العالمَ وتأمن الشعوب على مصالحها وتطمئن إلى مصائرها. لقد أضحى واضحاً أن من الأسباب الرئيـــسَة لاستــفحال الأزمة في سورية، على هذا النحو الذي لا نجد له مثيلاً في عالمنا اليوم، تذبذب الموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء الحالة في سورية، وتقاعسه عن التصرّف وفق مقتضيات الدستور الأميركي.

فليس هناك إطلاقاً من سبيل لتضع الحرب الأهلية في سورية أوزارها، سوى أن تقف الإدارة الأميركية موقفاً حازماً يحدّ من أطماع روسيا الاتحادية، ويصدّها عن ترسيخ وجودها العسكري والسياسي في هذه الدولة العربية، ويُنهي التدخل الإيراني الطائفي وأتباعه فيها ويتعامل مع بشار الأسد على أنّه مجرم حرب يجب أن يتنحى بعد أن دمر البلاد وقتل أكثر من نصف مليون مواطن سوري، وانتهى به طغيانه واستبداده إلى تهجير أكثر من عشرة ملايين شخص من المواطنين السوريين، إلى خارج بلادهم وتشريدهم داخلها. فما لم يتخذ الرئيس باراك أوباما هذا الموقف الحازم الذي يرقى إلى مستوى الالتزام الأميركي بحماية القوانين الدولية واحترام ميثاق الأمم المتحدة باعتبارها قوةً عظمى ودولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فلن تغير موسكو من سياستها التي تعتمدها في احتلالها سورية، ولن تتراجع عن تماديها في قتل السوريين بالهجمات الجوية التي يشنها سلاحها الجوي الحربي على المواطنين السوريين، وليس على عناصر من تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية، كما تزعم وتدعي، وأن تتوقف إيران عن تدخلاتها المخرّبة فيها.

لقد كشفت صحيفتا «نيويورك تايمز» و «وول ستريت جورنال» الأميركيتان في عدديهما الصادرين يوم الجمعة 17/6/2016، عن أن أكثر من 50 دبلوماسياً من وزارة الخارجية الأميركية، وقعوا مذكرة داخلية تنتقد بحدةٍ استراتيجيةَ إدارة الرئيس أوباما تجاه سورية، مطالبين بتنفيذ ضربات عسكرية ضد قوات بشار الأسد، لوضع حد للانتهاكات المستمرة ولوقف إطلاق النار. وجاء في المذكرة أن سياسة الولايات المتحدة لم تنجح في إيقاف العنف المتواصل في سورية، وهو ما يثبت فشلها حتى الآن. واعترفت المذكرة بأن للعمل العسكري مخاطره، كتوترات أخرى مع روسيا، لكن مقدميها أكدوا في الوقت ذاته أنهم «لا يدفعون نحو طريق يؤدي للهاوية وينتهي بمواجهة عسكرية مع روسيا، وإنما الهدف من الضربات يجب أن يكون إبقاء الأسد تحت السيطرة». وعلى الرغم من أن الدبلوماسيين الأميركيين الموقعين على هذه المذكرة بدوا وكأنهم في صحوة ضمير، إلا أنهم لم يكونوا في المستوى المطلوب من الحسم والحزم، حيث كانت غاية مطلبهم «الإبقاء على بشار الأسد تحت السيطرة».

ومما يلاحظه المراقبون تزامُن نشر هذه المذكرة مع ما أعلنه رئيس أركان القوات الجوية الأميركية عن استعداد الطيران الحربي الأميركي لتأمين إنشاء مناطق حظر جوي في سورية. لكنه أشار إلى وجود عوائق، وهي العوائق التي تبرر بها الإدارة الأميركية موقفها المريب من الوضع المتردي في سورية. فهل سيكون لهذه المذكرة مفعولها وتأثيرها فتحفز الرئيس الأميركي باراك أوباما على مراجعة السياسة المتذبذبة التي ينهجها والحسم تجاه بقاء بشار الأسد الذي يمارس القتل والتدمير، وعربدة روسيا في المنطقة وفرضها الأمر الواقع على دولها باعتبار أنها دخلت سورية ولن تخرج منها آجلاً أو عاجلاً؟ أم ستكون صيحة في واد؟

جميع الحسابات السياسية والمؤشرات تؤكد أن سورية التي يعرفها العالم، لم تعد كما كانت، فلقد أصبحت بلداً محتلاً من طرف دولتين التقت مصالحهما الآنية واختلفت أهدافها البعيدة، هما روسيا وإيران، اللتان تلعبان أخطر الأدوار على الأراضي السورية. فهل يدخل ضمن التفاهمات الغامضة بين روسيا والولايات المتحدة، انفراد موسكو بالحالة السورية والاعتراف لها بالهيمنة على هذا البلد، في مقابل تأمين مصالح أميركية في مناطق أخرى؟ منطقُ الأشياء يرجّح هذا الاحتمال، ما دامت المعلومات عن هذه التفاهمات غير متوافرة، وما دامت القوتان العظميان تعملان في الظلام، وهو دأب اللصوص، وهما اليوم لصّا السيادة الوطنية للشعوب والمتآمران على أمن المنطقة وسلامة كياناتها الوطنية.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
حزب الله والعقوبات الأميركية: إفلاس مالي وسياسي

كل الذين واجهوا طواحين الهواء سقطوا صرعى أوهامهم. وهي مسألة وقت قبل أن يفلس ماليا من أفلس سياسيا وبات فصيلا إيرانيا يأكل ويشرب من دماء أبنائه في سوريا.

من نتائج تعميم العقل الغيبي الذي لا يتوسل الأساليب العقلانية في فهم الأمور، الاستهانة بالعقوبات المالية الأميركية. هذه هي الثقافة التي جرى تعميمها “أعلى ما في خيلهم يركبوه”. بهذه الثقافة وهذه العقلية يواجه حزب الله، ويدّعي أن العقوبات المالية لا تؤثر عليه. وهذا في معيار من يفهم قليلا بالاقتصاد والمال معناه أنك خارج النظام، وأنك خارج الحياة الاقتصادية والمالية، ومن يستهين بهذه الخطوة هو من خارج هذا العالم، ولم ينتبه إلى أن الاقتصاد أسقط الاتحاد السوفيتي، والاقتصاد هو من فرض على إيران الدخول في العولمة بشروط أميركية. العقوبات المالية والاقتصادية ولا شيء آخر، هما اللذان دفعا القيادة الإيرانية نحو تقديم التنازلات للاميركيين، “الشيطان الأكبر” في لغة الممانعة. فيما تبدو الإدارة الأميركية غير مستعجلة في رفع كامل العقوبات عن إيران.

أما حين اقترب أصحاب المال من حزب الله فكانوا يراهنون على أنه مدخل لاستثماراتهم، وحققوا من خلاله أرباحا ومكاسب، وهم من العائلات التجارية و”البرجوازية”، حين بدا حزب الله سلطة تساعد على تكبير رأس المال وزيادة النفوذ والتسهيلات التي تساعد على مراكمة الثروات. وهم؛ أنفسهم، اليوم يهربون منه من أجل حماية أموالهم ومراكمة المزيد من الأرباح، من المال الحلال أيضا.

المال الحلال هذه الأيام يبدو بالنسبة إليهم بعيدا من حزب الله. حسن نصرالله، وهو ينظر إلى كيف تعقد صفقة شراء مئة طيارة بوينغ من أميركا لصالح إيران، وينظر كيف تعمل حكومة إيران على ترتيب العلاقات الاقتصادية مع واشنطن والغرب، وكيف أن دوائر المال في واشنطن تلاحق حزب الله وحساباته، يبدو في شخصية البطل الذي لا يعنيه ماذا تفعل أميركا وماذا تفكر.

قال نصرالله في خطابه الأخير لجمهوره إن “26 مقاتلا من حزب الله سقطوا لحزب الله خلال شهر يونيو في ريف حلب، فيما سقط 617 للجماعات المسلحة”. بمعزل عن الدقة في سرد الوقائع، لكن ذلك لا يجيب عن سؤال الجدوى: ذهب منهم 617 وذهب منا 26، وماذا يعني هذا الخطاب؟ هل هي عقلية البطل الذي يغلب من يواجهه، ويذهب إلى آخر الدنيا من أجل أن يظهر أنه بطل فقط، بلا غاية ولا هدف سوى أن يقال إنه البطل. هذا حال حزب الله حين تورط في رهانات إيرانية خاسرة داخل سوريا والفلوجة العراقية وفي اليمن. وها هو يكشف عن هشاشة في الخطاب وفي الرؤية وفي القدرة على مواجهة قضية جد متوقعة، ألا وهي مسألة العقوبات المالية.

وحين قال إن “مالنا من إيران”، كأنه يقول للقيادة الإيرانية “نحن أخلصنا لكم أنتم، ولا يمكن أن نقبل بأن تخضعوا لابتزازات أميركية لتخفيف الدعم المالي”. نصرالله الذي يفقد من خلال العقوبات المالية جانبا من استقلالية وفرتها شبكة استثمار حزب الله الدينية والمالية الشرعية وغير الشرعية، اليوم يبدو أكثر فأكثر تحت المظلة الإيرانية، وبالكامل. لذا فإن ما قاله خلال خطابه الأخير، موجه إلى الإيرانيين قبل غيرهم. فهو يقول لهم “نحن في حزب الله أيضا إيرانيون، وهكذا يجب أن تتعاملوا معنا ومع متطلباتنا”. لا سيما أنه في داخل الحكومة الإيرانية اتجاه ضاغط نحو المزيد من تخفيف دفع الأموال وتحويل المساعدات والدعم الخارجي، لا سيما إلى حزب الله.

حزب الله يواجه العقوبات المالية الأميركية كما يواجه تصريحا للرئيس سعد الحريري. يظن النظام المصرفي العالمي سيخاف من تفجير هنا أو هناك، أو سيرتجف من تصريح لزعيم ميليشيا مذهبية في ركن لبناني هزيل. وكل الذين واجهوا طواحين الهواء سقطوا صرعى أوهامهم. وهي مسألة وقت قبل أن يفلس ماليا من أفلس سياسيا وبات فصيلا إيرانيا يأكل ويشرب من دماء أبنائه في سوريا.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٦
في حضرة التواصل التركي – الروسي ... هل نحن الأعداء أم الأسد !؟

في الوقت الذي يتمسك به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بكلمته الشهيرة " على الأسد الرحيل بالسياسة أو القوة"، و بنغمات مختلفة تبع للمحفل الذي تصدر به ، يسير المركب التركي باتجاه الشواطئ الهادئة و في حملة مصالحات جماعية ، بشكل مكثف و سريع ، بحيث قد يكون في الغد "لا عدو لتركيا إلا الأسد أو السوريين"، و العداوة الأخيرة تتعلق بمدى صحة التسريبات و اتجاهات المصالح .

اليوم اختزل الصراع التركي- الروسي بمناكفات حول حقيقة ما رغب به الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من رسالته بالأمس لنظيره الروسي فلاديمير بوتين ، هل رغب "الاعتذار" أو مجرد القول "لا تؤاخذونا" ، فالفرق شاسع للطرفين ، و لكنه بالنسبة للسوريين لا فرق ، فالجليد اذيب وننتظر النتائج و انعكاساتها على الملف السوري ، وطبعاً يخطئ كثيراً من يقول أن هذه التطورات ابتداء من عودة العلاقات مع إسرائيل و من ثم صدمة الكهرباء لجسد العلاقات مع روسيا و كذلك الغزل المبطن للنظام المصري، أنه يتم وفق تراجيديا مقروءة من قبل المراقبين و تجار التحليلات و المنجمين ، فهي خطط لايمكن التوقع بها، فالدور الوحيد الذي يمكن ممارسته هو الجلوس و المتابعة لا أكثر.

من الممكن أن تكون الساعات القليلة التي تلت رسالة أردوغان لبوتين ، قد حملت آلاف التحليلات الدفاعية و الهجومية و الرمادية حول تطورات العلاقة بين البلدين، وطبعا حضر الخلاف في تفسيراتها بين الأنواع السياسية و العسكرية و الاقتصادية، و الغريب أن أحد لا يمكن أن يقتنع أن هذه الأمور لا تنظر لنا على أننا عناصر فاعلين ، و إنما نحن عبارة عن وقود يسعّر به النار كلما هدأت ، فغضب بوتين من تركيا يدفعه لحرق الحدود و مد الأكراد الانفصاليين بكل شيء، ورضاه قد يحول الكفة للعكس تماماً ، و كذلك امتعاض بوتين من تصرفات تركيا يدفعه لطرد آلاف التركمان من ريف اللاذقية ، و إعادة التوافق قد يغير المعادلة بالعكس، و في كل الأحوال لن يكون هناك حديث عن عدد القتلى أو الجرحى أو حجم الدمار ، فضمان انسياب الغاز و سير السياح يتجاوز بلهوانيات التصريحات و عنترياتها من كلا الطرفين .

و يغوص الكثيرون من خلال ما تمكنت متابعته من تحليلات في تفاصيل لا أدرى كيف توصلوا لها ، و تذكرني بتلك التي كانت تتحدث عن خلافات أسماء الأسد مع أنيسة مخلوف حول الطبخة التي سيتناولها بشار الأسد بعد صراعه مع آصف شوكت ، فالغريب أنه يدخلون أروقة المفاوضات و يستخرجون الهمسات و ينقلونها لتتردد في الكون ، بأن عصر الأكراد الانفصاليون قد انتهى ، و دور الأسد كذلك و بات الباب مفتوحاً أمام موالو أردوغان ، في حين يذهب آخرون للاتجاه المعاكس تماماً بأن الحلف بين الأسد و الأكراد الانفصاليون سيتعمق و تمهيداً لامتصاص فورة الانفصال الكردية.

و طبعا لم يغب الدور الجزائري الفاعل في ربط مصالحة بين أردوغان و الأسد و لنفس قضية الأكراد الانفصاليون ، في استرجاع لتجربة ٢٠٠٤ .

أيآ يكن لا نملك التحليل الحقيقي و الواقعي،  و كل ما يمكننا فعله في متابعة استعراضات بلهوانيو التحليلات ، علنا نمضي الوقت ريثما تظهر النتائج ، كحالنا نمضي الوقت بانتظار الافطار.

اقرأ المزيد
٢٧ يونيو ٢٠١٦
بعد تأكيد نصرالله أنه لن ينسحب من سوريا أي دور لأي رئيس سوى إدارة الأزمة؟

بعدما أكد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله انه لن ينسحب من القتال في سوريا وسيخوض معركة حلب حتى النهاية ومهما بلغت التضحيات "لأن الدفاع عن حلب هو دفاع عن سوريا، والدفاع عن سوريا هو دفاع عن لبنان وإفشال للمشروع الاميركي - الصهيوني في المنطقة"، فإنه ربط بقوله هذا مصير لبنان بمصير سوريا كما ربطت منظمة التحرير الفلسطينية في الماضي حل القضية اللبنانية بحل القضية الفلسطينية... وتحوّل لبنان ساحة مواجهة وتصدٍ بعدما كان ساحة صمود فقط.

الواقع أن أخطر ما في هذا الكلام هو أن لا رئيس للبنان إلا بعد ان تتبلور صورة الوضع في سوريا، إلا إذا كان رئيساً كرؤساء سابقين لا دور لهم سوى إدارة الأزمات والحروب في انتظار تقرير مصير لبنان ربما هوية ونظاماً. وهو ما واجهه في الماضي عندما تعذّر عليه فصل قضيته عن القضية الفلسطينية، وحتى عن أزمة المنطقة كلاً وعن وضع الجولان السوري الذي صار حل الوضع في أجزاء محتلة من جنوب لبنان مرتبطاً بحله، مع أن مضمون قرارات مجلس الأمن حولهما مختلف فرفُع شعار "وحدة المسارين اللبناني والسوري" وذهب المغالون الى حد القول بوحدة المسار والمصير أيضاً.

لذلك فلا خروج من هذا الارتباط إلا إذا قرر القادة في لبنان تحييده انطلاقاً من "اعلان بعبدا" كي لا يظل حل أي أزمة تقع فيه مرتبطاً بحل أي أزمة في أي دولة في المنطقة. فعلى القادة إذاً أن يقرروا إما تحييد لبنان وإما ابقاءه ساحة مفتوحة لصراعات كل خارج قريب أو بعيد. فإذا لم يقرر "حزب الله" الانسحاب من سوريا فلا مجال للبحث في تحييد لبنان، ولا بد عندئذ من انتظار ما سيتقرر في سوريا لمعرفة ما سوف يتقرر في لبنان.

ولا شيء يدل حتى الآن على أن الحرب في سوريا ستنتهي قريباً كي تنتهي الأزمة في لبنان، وانه لا بد ربما من انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفة أي سياسة ستنتهجها الادارة الاميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، أهي سياسة الخروج منها والانكفاء، أم سياسة التصدي والهجوم لاحكام السيطرة على كل المنطقة وإن كان ذلك بات صعباً مع استعادة روسيا دورها وقوتها بحيث صارت قادرة على مقاسمة اميركا مساحات النفوذ فيها بموجب اتفاق شبيه باتفاق سايكس - بيكو، حتى اذا ما تعذّر التوصل الى مثل هذا الاتفاق اصبح التقسيم هو الحل الذي لا مفر منه، ويصبح دور القادة العمل على ابقاء لبنان خارج هذا التقسيم ليظل نموذجاً للعيش المشترك.

لذا يمكن القول إن لبنان يواجه ما واجهه عام 1943 عندما قرر انهاء الانتداب الفرنسي عليه والحصول على الاستقلال، فكان ميثاق 43 غير المكتوب، أو يواجه مرحلة ما قبل حرب الـ75 التي انتهت باتفاق الطائف الذي عدّل دستور لبنان. لكن لا ميثاق 43 حقق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، ولا اتفاق الطائف حقق ذلك ايضاً وظلت لكل طائفة مطالب تريد تكريسها في الدستور. فاذا كان السلاح الفلسطيني في لبنان أشعل حرب الـ75 التي انتهت باتفاق الطائف وبوصاية سورية عليه، فأي اتفاق سيأتي به سلاح "حزب الله" بين اللبنانيين؟ هل بتعديل اتفاق الطائف، أم ان الخلاف على تعديله قد يفرض نظام "الفيديرالية" فيه خصوصاً اذا ما اعتمد هذا النظام في اكثر من دولة عربية؟

وهكذا فإن رئاسة الجمهورية اصبحت بعد موقف "حزب الله" القاطع والجازم من الحرب في سوريا والعراق، ولا أحد يعرف في أي دولة أخرى، بين خيارين: إما انتخاب رئيس يدير الأزمة التي لا حل لها ما دام الحزب يحارب خارج لبنان، وإما انتخاب رئيس للجمهورية بعد حل أزمته التي لا حل لها إلا بعد حل الأزمة في سوريا، وهو ما حصل له عندما تعذّر عليه حل مشكلة احتلال اسرائيل لأراضٍ في الجنوب ما لم تحل القضية الفلسطينية أو ان تحل قضية الجولان. فهل هذا ما يريده قادة في لبنان يدّعون حبهم له ولا يحبون أحداً عليه... وهم يفعلون عكس ما يقولون؟!

اقرأ المزيد
٢٧ يونيو ٢٠١٦
مع ميشيل كيلو بشأن المسألة الكردية

طرح الصديق ميشيل كيلو أفكاراً على غاية الأهمية، في مقالته "مشكلة تتطلب حلاً عاجلاً" في "العربي الجديد" (18/6)، تحدّث فيها، بصراحته المعهودة، عن التحولات والتعقيدات والمداخلات الخارجية الحاصلة في الصراع السوري. كتب: "قبل الحرب الأميركية ضد الإرهاب والاحتلال الروسي لسورية، كان حل القضية السورية يعني تطبيق وثيقة جنيف... لإقامة نظام ديمقراطي، لا محلّ فيه للأسد ونظامه، تتوقف بقيامه الحرب ويسود السلام. بعد إدخال واشنطن قوات "البايادا" بقوةٍ إلى الحرب، وقتال روسيا المكثف ضد الجيش الحر، لم تعد تسوية صراع المعارضة/ النظام كافيةً لتسوية المسألة السورية، ولم يعد حل "جنيف 1" كافياً لإنهاء الصراع، لسببين: ضمور مطلب تغيير النظام في أولويات الدول الكبرى والإقليمية، وبروز توجه يتصل بإعادة النظر في بنية الدولة السورية وهويتها"... ما "يطرح السؤال حول ما إذا كانت الدولة الديمقراطية تلبي المطالب القومية لبعض مكوّنات الشعب السوري، علماً بأنها ليست موجهة إلى النظام، بل إلى الثورة وبديلها الديمقراطي الذي يخيّر بين قبول حكم ذاتي فيدرالي في الدولة الجديدة وتقويض قدرتها على حل مشكلات سورية، في حال حافظت على بنيتها المركزية". ويتابع: "إذا كانت القرارات الدولية لا تصلح لتسوية هذه المشكلة، فهل نتوقع أن تصدر قراراتٌ جديدةٌ تنظم علاقاتٍ تلبي مطالب "البايادا" وبين الدولة المنشودة؟ أية علاقة ستربط هذه القرارات بوثيقة جنيف، وما نتج عنها من قرارات؟" ويتساءل: "يبدو الحل الديمقراطي كأنه يبتعد بقدر ما يتداخل مع الحل القومي، أو يتوارى وراءه، فهل ابتعاده مؤقت، وهل يحسن بنا انتظار تدخلاتٍ من خارج الشرعية الدولية تتيح للدول الأجنبية المتصارعة في بلادنا، التلاعب بالحل القومي، بعد أن تلاعبت، طوال نيفٍ وخمسة أعوام، بالحل الديمقراطي؟ ألا يجب علينا المبادرة إلى إجراء حوار وطني، يشارك فيه ممثلون عن جميع مكونات الشعب السوري، يحدّد هوية المطالب القومية وحدودها، ويجعل الحل الديمقراطي مدخلاً ملزماً إلى تحقيقها؟".

هذه التساؤلات جد مشروعة، وعلى المعارضة السورية أن تعقد ورشة لمناقشتها، خصوصاً عليها أن تشتغل على صوغ مقاربة سياسية واضحة، تتعلق بالمسألة الكردية في سورية، بما يحفظ وحدة أرض سورية وشعبها، وبما ينصف الأكراد، ويعترف بخصوصيتهم القومية.

ومن معرفتي المباشرة، واهتمامي بهذه القضية، أعرف أن المعارضة حاولت ذلك، وثمّة مداخلاتٌ إقليمية ترسم سقفاً لمقاربةٍ كهذه، وأن ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي وقواته "حماية الشعب" تثير الشبهات، إلا أن هذا لا يعفي أحداً من المسؤولية عن القصور في إيجاد مقاربة مشتركة.

"لعل الثورة من أجل الحرية والكرامة، لكل السوريين، مواطنين وجماعات، تحث على تفهم المسألة الكردية من خارج إطار المفاهيم السائدة التي طالما غيّبت، أو همّشت، حال التنوّع السوري"

ولعل الثورة من أجل الحرية والكرامة، لكل السوريين، مواطنين وجماعات، تحث على تفهم المسألة الكردية من خارج إطار المفاهيم السائدة التي طالما غيّبت، أو همّشت، حال التنوّع السوري، الإثني والديني والمذهبي، وتعاملت معه بطريقة توظيفية، أو على أنه جزء من فولكلور، سواء في الخطاب السلطوي للنظام أو في خطابات أطراف المعارضة، في حين تم إنكار هذا الاختلاف أو طمسه، أو مواجهته بطريقة تعسّفية.

هكذا، فإن انطلاقة الثورة وضعت أطياف المجتمع السوري في خضم مواجهتين في آن: في مواجهة نفسها، بما يعني ذلك تعريفها ذاتها الهوياتية ومكانتها وأولوياتها. وفي مواجهة بعضها بعضا؛ علما أن المداخلتين مستغرقتان في المشروع العام للثورة.

في كل الأحوال، إن صوغ الإجماعات السورية الجديدة هو من أولى مهمات المعارضة التي تطرح نفسها بديلاً للنظام، ما يفترض منها أن تتجاوز صندوقه السياسي والمفاهيمي، وأن تعترف بالأخطاء والتقصيرات الحاصلة في التعاطي مع المسألة الكردية. ولا بد أن ينطلق ذلك، بدايةً، من اعتبارها قضية الكرد قضية شعبٍ له خصوصيته القومية وطموحاته الخاصة التي يجب أخذها بالاعتبار، لأن قضية الحرية لا تتجزأ، ولا يجوز أن نطلب الحرية أو حق تقرير المصير لأنفسنا ونمنعها عن الآخرين، وإنما ينبغي التوصل إلى حلولٍ مناسبةٍ، وفق منظور ديمقراطي وسلمي، يراعي التطورات الاجتماعية والسياسية الحاصلة في مجتمعنا.
انطلاقا من ذلك كله، أعتقد أن الصديق ميشيل كيلو يتفهم أن المعضلة المتمثلة في إيجاد مقاربةٍ مناسبةٍ وديمقراطيةٍ للمسألة الكردية، لا تتبدّى فقط إزاء الثورة والمعارضة السوريتين، إذ هي تتبدّى أيضاً إزاء الأكراد أنفسهم، أفراداً وكيانات سياسية، أي أنها معضلة كردية أيضا، ما يعني أن هذا السؤال مطروح أمام الكرد أنفسهم، قبل أي أحد آخر.

مثلاً، إذا كان بعض الكرد يرون أنفسهم جزءاً من أمةٍ كرديةٍ متمدّدة بين عدد من بلدان المنطقة (وهذه حقيقة)، فإن هذا يطرح تساؤلاتٍ على من يعملون وفقاً لهذا النهج، أو هذه الرؤية، إن كانوا يرون أن الكردية "الأممية" تتقدّم على الهوية السورية؟ أو ماذا سيفعلون بخصوص مواطنيتهم السورية؟ السؤال التالي الذي يطرح نفسه لمن يعطي الأولوية لهويته الكردية ـ القومية هو: هل هذا الوقت الدولي والإقليمي المناسب لقيام دولةٍ كرديةٍ عابرةٍ لبلدان سورية والعراق وتركيا وإيران؟ وهل موازين القوى تسمح بذلك؟ ثم هل هذا الظرف المناسب للخروج من إطار الوطنية السورية، وتقويض وحدة سورية، وطناً لكل السوريين، في زمنٍ تشتد فيه معركتهم من أجل حريتهم، ومن أجل إسقاط نظام الاستبداد وهزيمة قوى التطرف المسيطرة الآن على المشهدين السوري والعراقي في آن معاً؟ أخيراً، أليس الأجدى إيجاد معادلةٍ تضمن التوازن بين الانتماء والخصوصية القوميين والانتماء لسورية، وطناً ومجتمعاً، في نظام ديمقراطي يتأسّس على دولة مواطنين أحرار ومتساوين، في آن معاً.

هذه الأسئلة أو ما يعادلها جرأةً وصراحةً وجديةً مطروحة على قوى المعارضة، أيضا، التي هي مدعوّة لمناقشة المسألة الكردية، وهذا ما يجعلني أضم صوتي إلى صوت ميشيل في هذا الأمر، حتى لا نكرّر تجربة النظام الاستبدادي الإقصائي في طمس تعدديّة مجتمع السوريين وتنوعه، وسلبهم خصوصياتهم وحريتهم، وحتى نتمكّن من صوغ معادلةٍ جديدةٍ في عقد اجتماعي جديد، يعترف بمكونات المجتمع السوري الإثنية والطائفية، في إطار وحدة أرض سورية وشعبها، مع تأكيد ذلك في نصوص دستورية واضحة.

ما يجدر التأكيد عليه، هنا، هو الحرص على عدم افتعال معارك وهمية، أو الدخول في مناقشات بيزنطية، من حول الفيدرالية أو غيرها، لأن هذا سيكون من مهام الهيئة الدستورية مستقبلاً، وبالوسائل الديمقراطية، مع فهمنا أن الإصرار على الدولة المركزية مساوٍ تماماً للدولة الاستبدادية، أو قد يفضي إليها، ما يستوجب البحث عن خياراتٍ لشكل دولةٍ لا يُستبعد فيها أي خيار مسبقا، ولا يقرّر مسبقا من أي طرف، علماً أن فكرة الفيدرالية لا تتعلق بالكرد وحدهم، وإنما تتعلق بمختلف مناطق سورية، ولاسيما الأطراف التي ظلت مهمّشة، ومحرومة حتى من مواردها، ومن الافتقاد للخدمات المناسبة. ويستنتج من ذلك أن فكرة الفيدرالية لا تقوم على عمود الطائفية ولا الإثنية، وإنما على أساسٍ مناطقي أو جغرافي، وعلى أساس دولة مواطنين أحرار ومتساوين، وفي دولة مدنيةٍ ديمقراطية، أي دولة مؤسسات وقانون، بغض النظر عن الانتماءات القبلية، مع الحفاظ على خصوصية الجماعات القومية، لأن هذه جزءٌ من الحرية والديمقراطية.

لذا، نحن مدعوون اليوم جميعاً للإجابة على هذه الأسئلة المهمة، وصوغ إجماعات جديدة لسورية جديدة، سورية دولة مواطنين أحرار ومتساوين ودولة مدنية ديمقراطية.

اقرأ المزيد
٢٧ يونيو ٢٠١٦
انتحار حسن رابح وانتزاع فردية السوريين

لا تشي الصفحة الشخصية على موقع «فايسبوك» الخاصة بالراقص السوري – الفلسطيني، حسن رابح، بأن صاحبها سيقدم على الانتحار. ثمة مواقف سياسية ناقدة للأوضاع السائدة من سورية إلى فلسطين مروراً بلبنان. فقد جمع حسن، كأي سوري من أصل فلسطيني، بين العداء لإسرائيل ولنظام الأسد، وأضاف احتقاراً للممارسات العنصرية ضد السوريين والفلسطينيين في لبنان.

ووفقاً لهذا البروفايل، فحسن لا يملك دوافع عامة، تختلف عن بقية السوريين، للإقدام على فعل الانتحار، أي أن انتحاره ليس له أساس اعتراضي. ذلك أن أي واحد منا يكتب على صفحته يومياً الكثير مما سجله حسن، انطلاقاً من مواقف سياسية لا نمل تكرارها. أما قرار الانتحار فمرده مطارح أخرى لا يمكن كشفها بسرعة، لارتباطها بفردية المنتحر وخصوصيته، وأمسى فعل الانتحار نفسه جزءاً منها. ولعل إخراج البعض الحادثة مما هو خاص، وزجها في سياقات عامة عن اضطهاد السوريين والفلسطينيين في لبنان، ينتزع من حسن جزءاً من فرديته، ويسقط عنه مشروعية الانتحار، الذي أراده جوانياً، لا يرمي إلى احتجاج عمومي يتوسل قضايا كبرى وثورات.

تأثيرات الخارج، بما تحمل من حروب وقتل وظلم وتشريد، ساهمت في تشكيل وعي حسن الفردي، كأي فرد معني بمحيطه، لكنها لم تكن شرطاً لخطوة الانتحار التي تتصاعد أسبابها غالباً من داخل الذات احتجاجاً على الذات نفسها، بكل ما تحمل من تناقضات وتعقيدات. ما يعني أن الخارج جزء يفرز تأثيرات وليس كلاً يؤسس للفعل الانتحاري.

الربط السريع بين قرار حسن الفردي والأحوال المأسوية لبلده، والبلد الذي يقيم فيه، يكشف إلغاء فردية السوري وزجه في سياقات سياسية عامة. واللافت أن هذا التوجه جاء من مؤيدي الثورة، الذين لم يتنبهوا إلى أن إقصاء الفردي، وتوسيعه إلى العام، لعبة بعثية استخدمها النظام السوري سابقاً، ليحوّل شعبه قطيعاً يتحرك بنوازع مشتركة، بدل أن يكونوا أفراداً لديهم خيارات مختلفة. فالفرد يجب أن يموت فداء للوطن و «القائد»، أما أن يموت بقرار شخصي فهذا منبوذ ومدعاة للسخرية في بلاد القسوة البعثية.

لقد أراد هؤلاء أن يموت حسن من أجل القضية ومآلاتها، بمفعول ضدي، بينما اختار هو أن يموت لأجل نفسه. أرادوه خليل حاوي الثورة السورية، وأراد هو أن يكون حسن، فقط حسن، الراقص الشجاع، الذي يملك قرار موته.

اقرأ المزيد
٢٧ يونيو ٢٠١٦
مشكلة «سبراتلي».. المواقف الأميركية والروسية

بعث لي أحد القراء الأفاضل رسالة على بريده الإلكتروني يستفسر فيها عن الأزمة الراهنة في بحر الصين الجنوبي ومواقف كل من واشنطن وموسكو منها، وقد فضلت أن أرد عليه من خلال هذا المقال، زيادة في الفائدة وتعميم المعلومة.

«سبراتلي» هي مجموعة من الجزر الصغيرة في بحر الصين الجنوبي، لكل منها اسم مثل جزر «نانشا»، و«شيشا»، و«دونجشا»، و«هوانجيان». هذه الجزر تدّعي الصين ومجموعة من الدول الآسيوية، مثل الفلبين وماليزيا وفيتنام وجزيرة تايوان وسلطنة بروناي، حق السيادة على كلها أو بعضها، نظراً لموقعها الاستراتيجي (ثلث الشحنات البحرية العالمية تعبر ممراتها)، وما يُقال عن احتواء باطنها على ثروات هائلة من النفط والغاز.

وحتى عام 1988 لم تكن الصين تولي اهتماماً كبيراً بهذه الجزر، التي كانت مسرحاً لموقعتين حربيتين في عامي 1974 و1988 ما بين القوات البحرية الصينية والفيتنامية، وإن كانت تمارس السيادة الاسمية عليها. لكنها بعد ذلك، وانطلاقاً من خططها لمد نفوذها نحو الجنوب، أرسلت بكين قواتها لاحتلال الجزر والتمركز فيها. وفي محاولة ذكية منها لضمان عدم تدخل الأميركيين في النزاع بحكم ارتباطهم باتفاقيات أمنية ودفاعية مع بعض الدول المعنية بالنزاع، ولاسيما تايوان والفلبين، منحت بكين بعض الشركات الأميركية حق التنقيب عن النفط والغاز في تلك الجزر. ولهذا السبب صمتت واشنطن طويلاً عن الموضوع، بل أعلنت رسمياً التزامها الحياد، وسط غضب حليفاتها الآسيويات اللواتي طالبن تارة بالتحكيم الدولي، وتارة أخرى بعقد حوار شامل في المنطقة، تشارك فيه كل الدول المعنية بالمشكلة، إضافة إلى اليابان والولايات المتحدة، لمناقشة قضايا الحدود والمياه والأمن، والاستغلال المشترك لثروات بحر الصين الجنوبي.

في عام 2002 جرى التوقيع على مذكرة بين الأطراف المعنية بالنزاع، تحظر على أي طرف القيام بأية إجراءات أحادية استفزازية، وخصوصاً إقامة المنشآت العسكرية فوق الجزر أو استحداث ما يغير طبيعتها، لكن الصينيين لم يلتزموا بنصوص المذكرة عبر التذكير بأن الصين هي أقدم دول المنطقة، وأنها هي التي اكتشفت تلك الجزر منذ أكثر من ألف عام، ناهيك عن أنها توجد في نطاق بحر يحمل اسم الصين. كما أنهم اتهموا الفلبين ودولاً أخرى بجر المنطقة إلى مشاكل لم تكن موجودة قبلاً من خلال استيلائها بالقوة على نحو 40 بالمائة من الجزر والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، بُعيد سماعها باحتمال وجود ثروات نفطية فيها. وقد دعم الصينيون وجهة نظرهم هذه بالزعم أن القوانين البحرية الدولية الحديثة، من تلك التي وقعوا عليها، غير صالحة للتطبيق في حالات تداخل الحقوق والمصالح، بل وتخلق مشاكل وتعقيدات إضافية، خصوصاً حينما يسعى طرف دون الأطراف مجتمعة باللجوء إلى طلب التحكيم الدولي. ولم ينس الصينيون في هذا السياق الإشارة إلى أن كل المعاهدات والوثائق التاريخية الخاصة بتحديد أراضي جمهورية الفلبين مثل: معاهدة واشنطن الإسبانية الأميركية لعام 1900 والدستور الفلبيني الصادر قبل عام 1997 لم يحتو على ما يشير إلى أن أي جزيرة من جزر بحر الصين الجنوبي تدخل في نطاق الأراضي الفلبينية.

في عهد إدارة أوباما الحالية، التي أعلنت على لسان وزيرة خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون، أن واشنطن تعتمد سياسة «الاستدارة»، بمعنى تحويل اهتمامها من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، استبدلت الولايات المتحدة موقفها المحايد السابق من الأزمة، بموقف الانحياز إلى جانب حليفاتها الآسيويات، وقامت بتزويد الأخيرة بأحدث أدوات القتال، وشرعت أيضاً في استمالة عدوتها الفيتنامية القديمة، وذلك في محاولة منها لمحاصرة النفوذ الصيني المتمدد، فتسببت بذلك في استفحال الأزمة أكثر من أي وقت مضى.

أما روسيا، التي وضعت منطقة «آسيا/ الباسيفيكي» في المرتبة الرابعة لجهة أولويات سياساتها الخارجية، ولا توجد لها خلفية تاريخية مشتركة معها، فإنها أعربت مراراً عن التزامها الصارم بالحياد في أزمة بحر الصين الجنوبي، كما ناشدت جميع أطراف الأزمة على حل خلافاتها بالطرق الدبلوماسية. وموقف روسيا هذا دافعه هو الخوف من انفلات الأمور ووقوع نزاع عسكري في المنطقة يجرها جراً إلى ما لا تريد الانخراط فيه في ظل مشاكلها الحالية.

غير أن هناك عوامل أملت على موسكو مؤخراً أن تميل نحو بكين فيما يتعلق بهذا النزاع، على الرغم من أن هذا التغيير أحدث قلقاً لدى هانوي التي هي إحدى الدول المطالبة بحق السيادة على الجزر، وفي الوقت نفسه إحدى أهم الحليفات الاستراتيجيات لموسكو في آسيا، ففي أبريل 2016 قال وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» إن بلاده لا تدعم تدويل النزاع في بحر الصين الذي تطالب به الدول الآسيوية، فما كان من بكين إلا أن رحبت بهذا الموقف الذي أزعج الفيتناميين كثيراً.

وهناك اعتقاد أن هذا الموقف الروسي المتعجل ما هو إلا انعكاس للاضطراب والخلل والتنافس السائد في العلاقات الروسية الأميركية، إضافة إلى أن نتائجه كانت عكسية! بمعنى أنه أظهر روسيا أمام الرأي العام الدولي في صورة الدولة المأزومة، التي لم تجد حلاً لأزماتها والعقوبات المفروضة عليها إلا بالارتماء الكامل في أحضان الصينيين ودعم مواقفهم على حساب فيتنام، التي هي أكبر مشتر في جنوب شرق آسيا للأسلحة الروسية بمختلف أنواعها، وأكبر عميل لهم في مجال بناء محطات الطاقة النووية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان