مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٦ يونيو ٢٠١٦
الإرهابي بشار و متلازمة "البطاطا المسلوقة" .. رسالة أراد منها القوة فأظهرت ضعفه

بين أول يوم من عام ٢٠١٥ و اليوم شهدنا ظهورين للإرهابي المسردب بشار الأسد خارج مقر اقامته السري ، بين قواته التي انهكت و لم يبق منها إلا بضع الميلشيات التي تقاتل بدافع غريزي، يتطلبها بقائها أحياء بعضاً من الوقت بانتظار النهاية المحتومة لأي قاتل و داعم لطاغية سفاح.

اليوم لم يتغير المشهد كثيراً بعد عام و نيف من حيث المكان الذي ابتعد عن السابق بضع كيلومترات ، لكن هناك تغير ملحوظ في طبيعة اللباس الذي ظهر به الإرهابي و الذي ينم عن فقده ازاره "الحزام"، و الذي يدل عن فقده سلطات عديدة أبرزها عدم قدرته تأمين أي حماية أو سند لأي من أتباعه، و ظهوره بهذا الشكل ما هو إلا للقول "إني مثلكم أنتظر ساعة مقتلي أو عزلي و تغييبي".

رغم ما ذكرته آنفاً إلا أن المشهد المتعلق بوجبة الطعام لم يتغير ، وبات هناك متلازمة عنيدة بين الأسد و قواته و البطاطا المسلوقة الخالية من أي منكهات أو أمور دسمة، وهذا دليل أن لا تغير طرأ رغم كل كثافة الحضور الروسي و مليشيات الأخير،  و كل ما يحدث عبارة عن تضخيم مطلوب من اللاعبين الدوليين بغية تحسين شروط التفاوض و انهاء الأمور بشكل يرضي الجميع و برضاء الجميع، و بأسلوب أقل ضرر ممكن بتضارب المصالح.

المتلازمة بين الأسد و البطاطا المسلوقة ، تذكرني بالمتلازمة بين سوريا و النظام الحالي ، و هي التي يحب العالم حمايتها بالإبقاء على هيكلية النظام مع تغيير بعض الوجوه، دون المساس بالأسس التي يقوم عليها من خلال ثلاثية الجيش و الأمن و الخارجية، ماعدا ذلك يمكن أن يتغير ، أي أن المتلازم بين الحل و بقاء النظام مستمرة، و لو طال أمر الإرهابي الأكبر بعضاً، الذي ظهر اليوم محاولاً استرجاع شيء من هيبته بعد أن أفقدته إياها روسيا و أذلته بعد استدعاء وزير الدفاع الروسي له بشكل مهين لأرض سوريا بالاسم و روسية بالفعل .

يسعى الإرهابي فيما تبقى له من أيام في الحكم أن يحافظ و لو على بعضاً من ماء الوجه، و يريد أن يرسل رسالة ضمنية لروسيا ، أنه يمكن أن يكون قوي بوجود حاشيته التي ظهر بينها والتفت حوله، و لكن يأبى النجاح أن يكون حليفه، فقد عجز عن تغيير نوعية الطعام، و حافظ على "البطاطا" المسلوقة كعنصر أساسي الدالة على أنه لن يغير السياسية التي ينتهجها مهما حدث، و مستمر حتى فناءه ،

اقرأ المزيد
٢٦ يونيو ٢٠١٦
أوراق القيصر السوري

روت لي ابنتي من نيويورك كيف اشتغلوا لمدة شهر وبالتعاون مع الحقوقي الأميركي «ديفيد كرين» لتعميم الصور التي هرب بها المدعو قيصر (وهذا اسم مستعار) من سوريا، ويقول القانوني «ديفيد كرين» إنه اجتمع بالقيصر وتحدث معه، وهو مختفٍ الآن باسم مستعار في بلد أوروبي. ومما روى عن تجاربه أنه لم يعد يتحمل التصوير (بعد قرابة 11 ألف جثة ماتت جوعاً وتعذيباً موثقة بـ55 ألف صورة) فقد كانت مهمته تصوير الجثث وتوريدها للقصر الجمهوري! ومن الغريب هذا التوثيق الذي قد يفتضح، ولكنه يذكر بالعقلية النازية الجهنمية، فهتلر لم يكن يرتاح قبل أن يرى النهاية لخصومه أو من يعتبرهم خصومه مصورين بفيلم حي من نوع 8 ملميتر في أيامهم! ويقول قيصر: وفي يوم كان أحد الضحايا صديقاً لهم فقرر الهرب لأنه سيكون الصورة القادمة والضحية التالية التي لا مفر منها.

ويتشكك «كرين» كثيراً في أن يتجاوز مجلس الأمن محلة الإدانة والدعوة إلى فتح تحقيق في المسألة، وذلك لمعرفته العميقة بهذا المجلس المنحاز وخاصة أن بعض زعماء الدول الكبرى فيه مهتمون لنجاة صديقهم الموهوب في القتل. وفي أميركا قام البعض بالتفاف مختلف من خلال الضغط في مجلس النواب والشيوخ الأميركيين، حتى قام الجمهوري كريس سميث (Chris Smith) بالتعاون معهم وعرض الفاجعة على لجنة مستقلة.

وحالياً تم تحضير خمس قضايا للرفع القانوني في وجه الأسد المفلت من العدالة بالفيتو الذي يسخره في صالحه بعض حلفائه. ولابد أن يكون للعدالة الدولية موقف ليس فقط في وجه النظام بل أيضاً في وجه بعض المجموعات المسلحة مثل «النصرة» و«داعش» وحتى بعض العناصر المحسوبة على «الجيش الحر» (روى لي صديقي طبيب الأسنان من بصرى الحرير كيف استسلم تسعة جنود للمعارضة المسلحة فقتلوهم ميدانياً).

يقول «كرين» عن خبرته الشخصية إن والده كان ضابطاً يخدم في الجيش الأميركي في ألمانيا الاتحادية ورأى وهو طفل معسكر «داخاو» الألماني حيث كان يجمع ويصفى المعتقلون. وقال لقد شممت رائحة الرعب وما زالت في أنفي حتى درست الحقوق، وكرست نفسي اليوم للسوريين، كما فعلت مع المجرم تشالز تايلور (رئيس ليبريا السابق المسؤول عن قتل مئة ألف أو يزيدون).

وحين يتحدث عن حملة بوش الابن يقول كنت أنا في وزارة الدفاع حين تمت التهيئة لاجتياح العراق، والحق أقول لكم، كانت من أجل النفط لا أكثر ولا أقل.

ومن أعجب ما يذكر الرجل عن قضية المجرم تشارلز تايلور أن عمله لم يسند من الحكومة الأميركية بل تمت عرقلته في بعض المراحل، ليكتشف بعجب أن تايلور كان عميلًا مدللًا ليس عند الاستخبارات المركزية (CIA) فقط، بل أيضاً المخابرات المركزية العسكرية (DFA)، وربما كان أحب إلى قلوبهم حتى لو قتل مائة ألف أويزيدون، أو مثل بشار 470 ألفاً من الأنام، وعطب مليونين وهروب عشرة ملايين! ومن أعجب ما يسرد أن هناك الكثير من المجرمين الذين لا يمكن جرهم لعدل أو عدالة أو محكمة أو هيئة لأنهم محروسون في المحافل الدولية بالفيتو غير المسؤول. لينتهي بالقول: إن الطريق لتحقيق العدالة طويل ومليء بالمفاجآت والمطبات، ولكن يكفي أننا نجحنا مرة في جر مجرم عتيد إلى العدالة، ووضعنا الأصفاد والسلاسل في معصميه، ومن نجح مرة في تحقيق العدالة فقد ينجح مرات.

ومن هذه الخلاصة نصل إلى أن الظلم في الأرض عريق، وبين الخلائق مستمر وعتيق، ومن ظلمات هذا الجو كان لابد من قانون وعدالة ووقف لمجرمي الحروب عند حدودهم بشكل حاسم.

اقرأ المزيد
٢٦ يونيو ٢٠١٦
نصرالله: الخروج من سوريا

لو أن الاستفتاء الذي يعرفه الغرب، وآخره في بريطانيا حيث أظهر تفوقا لمؤيدي خروج المملكة من الاتحاد الاوروبي جرى تطبيقه عندنا، لقال الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في إطلالته امس أن قرار الاكثرية في بيئته الحاضنة هو الخروج من سوريا. لكن نصرالله لم ينطق بهذا القرار الذي صار متداولاً على نطاق واسع في الايام الماضية. وتروي شخصية شيعية بارزة أنها فوجئت بعبارة يرددها امامها مناصرون للحزب تقول: "ماذا نفعل في سوريا؟" وذلك بعد معركة ريف حلب الجنوبي بين 10 و17 حزيران الجاري وأسفرت حسب المعلومات الرسمية للحزب عن سقوط 26 عنصرا ووقوع عنصر في الاسر. وبعيدا عن الجدل حول حجم خسائر الحزب في سوريا فإن الثابت هو تلاشي الامال في أحراز إنتصار عسكري ساحق في سوريا عموما وحلب خصوصا وحلت مكانها آمال في تثبيت الواقع الميداني فلا يتغيّر نحو الاسوأ كما ظهر في أعلام الحزب وإيران على السواء بالقول: "روسيا لأميركا: لن نسمح بتقدم المسلحين في حلب".

إطلالة نصرالله التي جاءت في ذكرى أربعين مصرع القائد العسكري البارز في الحزب مصطفى بدر الدين في ظروف غامضة في دمشق لم تغص في هذه الظروف ومنها معلومات عن إتصال تلقاه الاخير قبل وفاته ودفعه الى الانتقال من لبنان الى سوريا حيث لقي حتفه. وحتى يأتي اليوم التي تروى فيها الحقائق كاملة بات واضحا أن سوريا صارت مصيدة لـ"حزب الله" من القمة الى القاعدة وكانت فاتحتها إغتيال القائد البارز عماد مغنية قبل أعوام من بدء الحرب السورية في عمق المنطقة الامنية بدمشق ثم كرّت السبحة فوقع غيره في المصيدة ومنهم نجل مغنية جهاد في الجانب السوري من الجولان وأيضا سمير القنطار في دمشق وآخرهم بدر الدين. وأعترف نصرالله بخطر سوريا عندما قال في كلمته بذكرى مرور أسبوع على مقتل بدر الدين في 20 أيار الماضي: "... كنت أمنعه (أي بدر الدين) من موقع مسؤوليتي المباشرة عنه من الذهاب الى سوريا حرصا عليه وصونا له..." لكن هذا الاعتراف لم يمنع نصرالله من القول: "... باقون في سوريا وسيذهب قادة الى سوريا أكثر من العدد الذي كان موجودا سابقا...".

لا يختلف إثنان على أن قرار ذهاب "حزب الله" الى سوريا قرار إيراني من المرشد علي خامنئي. ولن يغيّر هذا القرار سوى المرشد نفسه. من هنا يفهم المرء طريقة تعاطي وكالة الانباء الايرانية (أرنا) امس مع بيان كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة للحزب، فتجاهلت الوكالة كليا الموضوع الرئيسي في البيان المتصل بالعقوبات المصرفية الاميركية وركزت فقط على تجديد الكتلة "إلتزامها دعم سوريا في مواجهة قوى الارهاب التكفيري".

لو كان في البيئة الشيعية حركة تشبه حركة "الامهات الاربع" الاسرائيلية التي مهدت لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان لأختلفت الصورة ولربما أعلن نصرالله الخروج من سوريا.

اقرأ المزيد
٢٦ يونيو ٢٠١٦
عن أخطاء المعارضة السورية

تبدو مواجهة الذات في اللحظات الحرجة صعبة، ومؤلمة. مع ذلك، فهذا الاختبار لا بد منه إذا أردنا تصحيح مسيرتنا وأوضاعنا. على ذلك يمكن القول أن ثمة أخطاء للمعارضة السورية، ولا ينبغي إنكار ذلك أو تجاهله، أولاً، لأن من يعمل يخطئ ويصيب. وثانياً، لأن تجارب الحركات والثورات السياسية قائمة أصلاً على الصحّ والخطأ، إذ لا وجود هنا لوصفات نموذجية. وثالثاً، لأن تجربة هذه المعارضة حديثة، وقد انبثقت مؤخّراً، وفي ظروف صعبة ومعقّدة تقدر بالسنوات وليس بالعقود. ورابعاً، لأن السوريين كانوا محرومين من الحياة السياسية، لذا فهم يفتقدون الخبرات في هذا المجال، مع الاحترام لكل تكوينات المعارضة، التي حاولت فرض ذاتها قبل الثورة طوال العقود الماضية، ودفعت أثماناً باهظة ثمناً لذلك.

مع ذلك، ففي الكلام عن المعارضة يفترض أن نلاحظ مسألتين، أولاهما، عدم الخلط بين المعارضة والثورة، فالأولى تخصّ الهيئات السياسية، وهذه قد تخطئ وقد تصيب، وقد تقصّر، أو تعجز عن القيام بما عليها، لأسباب ذاتية وموضوعية، وهذا ديدن كثير من الحركات الثورية عبر التاريخ. في حين تعبّر الثورة عن الشعب، الذي يحاول مصارعة النظام، وفقاً لإمكانياته، وخبراته (وهي محدودة طبعاً)، ووفقاً لمستوى تطوره السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. أما المسألة الثانية فهي أن التمييز بين المعارضة والثورة لا يعني أن نقد المعارضة مسموح ومطلوب، وأن نقد الثورة غير ذلك، فالنقد مطلوب في كل الحالات لتصحيح أو لترشيد المسار والخطابات والبنى وأشكال النضال، لكنه يفترض أن يؤسس كل ذلك على الانحياز للثورة. بمعنى أكثر دقة أريد أن أقول بصراحة إن موقف أي كان من المعارضة، قبولها أو رفضها، لا يفترض أن يؤثّر في الموقف من ثورة السوريين العادلة والمشروعة، إذ لا يجب الخلط في الموقف الأخلاقي والسياسي بين الاثنين.

من تجربتي، ومع كل الكارثة الحاصلة في سورية بسبب النظام، لا سيما في محاولاته دفع الثورة للانحراف عن أهدافها الأساسية المتعلقة بالتغيير، وإقامة نظام ديموقراطي، أو دولة مواطنين، باستخدامه أقصى قدر من العنف، وتحويله الصراع من السياسة إلى صراع على الوجود، ومحاولته إسباغ صبغة طائفية على الثورة، وإظهار الأمر على أنه صراع ضد الإرهاب، ينبغي الاعتراف أن النظام استطاع أخذ بعض القطاعات المترددة من السوريين، ليس قبولاً منها به، وإنما بسبب الخوف من بطشه، أو بسبب انعدام اليقين من البديل.

هكذا، فلقد أخطأنا كمعارضة في عدم انتباهنا للدرجة المناسبة لاستراتيجية النظام هذه، وبعدم تمسكنا بانتهاج خطاب واضح وحاسم، خطاب ديموقراطي يتأسس على المواطنة، والحق في الحرية والعدالة والمساواة، في سورية متنوعة ومتعددة وديموقراطية ومدنية (لا دينية ولا طائفية ولا عسكرية). نعم لقد بات هذا الخطاب، الذي وسم الثورة في بداياتها الأولى، شبه غائب، وباتت لدينا خطابات مختلفة، ومتخلفة، لا ترقى إلى التضحيات التي قدمها السوريون من اجل حقهم في العيش بحرية وكرامة.

أيضا، أخطأت المعارضة في تغليبها البعد العسكري على البعد الشعبي في الثورة، وفي غلبة العسكرة على مظاهرها، وعدم اتباعها الكيانات العسكرية لرؤية سياسية واضحة، وفي هذه الفجوة بين الكيانات السياسية والعسكرية، وسكوتها عن الخطابات المتطرفة، ذات الصبغة الدينية والطائفية والتي تساهم مع النظام في صبغ سورية بلون واحد، تعسّفي وإقصائي.

ضمن هذه الأخطاء يمكن الحديث عن علاقات التبعية أو الارتهان لهذه النظام او ذاك، وهو أمر قد يبدو اضطرارياً بسبب الظروف المأسوية لشعبنا، وبسبب ضعف الإمكانيات، لكن هذا الوضع بالذات هو الذي يضع صدقية المعارضة على المحك، وفي نطاق المساءلة في شأن سلامة مواقفها، وصوابية خطاباتها، وخطط عملها. ما أعنيه هنا أن المعارضة يمكن لها أن تعزز مكانتها من خلال ترسيخ صلاتها مع شعبها، وإيجاد هيئات عمل تستطيع من خلالها تعبئة طاقاته، واستمداد الحيوية والفاعلية منه، كما من خلال حرصها على تمثيلها مصالح السوريين، إزاء الدول الصديقة أو الداعمة. وباختصار، نعم هذا ما ينبغي أن تفعله المعارضة لتعزيز مكانتها القيادية، أي أن احترامها ذاتها هو الذي يفرض على الآخرين احترامها، وتوطيد صلاتها مع شعبها هو الذي يمنحها القوة والاستقلالية.

بيد أن الحديث عن أخطاء المعارضة، أو نقدها فقط، لا يكفيان، أو لا يجديان وحدهما، لأن المطلوب زجّ مزيد من الجهود والطاقات في إطار قوى الثورة والمعارضة، بمعنى أن بعض المسؤولية يقع على عاتق القوى التي ما زالت لا تميل للانضواء أو للاشتغال ضمن «الائتلاف» أو ضمن الكيان الجمعي للمعارضة، كـ «الهيئة العليا للتفاوض»، كما يقع على عاتق الأفراد الذين يمتلكون الخبرات والطاقات التي يمكن أن تغني المعارضة، وأن تسهم في إضفاء الحيوية عليها، وتطوير خطاباتها وأشكال عملها، إذ يوجد كثيرات وكثيرون ممن يأنفون العمل في الكيانات الجمعية لسبب أو لآخر. كما أن بعض المسؤولية يقع على عاتق الكتل الاجتماعية التي لا تشتغل كقوة ضغط على المعارضة من اجل توسيع هيئاتها، وتحسين مستوى تمثيلها، ومن أجل تطوير عملها، وترشيد خطاباتها، لا سيما أن مثل هذه الكتل باتت موجودة، خارج سيطرة النظام، في المناطق المحررة، وفي مناطق الشتات في البلدان العربية والأجنبية، علماً أن مثل هذا الضغط يحصل أحياناً لكن بطريقة عفوية وفردية وعبر وسائط التواصل الاجتماعي.

نعم نحن في حاجة إلى تطوير أوضاعنا، لكن هذا في حاجة إلى تضافر كل الجهود أيضاً، فالعملية الثورية في سورية معقدة جداً، وتعترضها صعوبات كثيرة. وعليه لا يكفي رمي المعارضة بالتقصير أو بترداد أخطائها، وإنما المطلوب أكثر من ذلك، مطلوب المساهمة من الجميع، وبخطوات عملية، لوضع شعبنا على سكة الحرية والمواطنة والديموقراطية... سورية للجميع.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٦
خارطة الطريق الروسية في سوريا ورهانات فلاديمير بوتين

يخطف “القيصر الجديد” فلاديمير بوتين الأضواء على المسارح السياسية ويجابه أو يحارب من أوكرانيا والجوار الروسي إلى سوريا. وعبر اندفاعته السياسية والعسكرية يريد أن يثبت أنه غير معزول بسبب الحرب الباردة المحدودة أو العقوبات الغربية وأنه على العكس يسجل النقاط.

عبر اختبارات القوة المتنوعة والتوتر غير المسبوق مع حلف شمال الأطلسي والاستمرار في الانغماس في سوريا، يمارس سيد الكرملين لعبة المبارزة الكلاسيكية ويتصور أن امتلاكه الآلاف من الرؤوس النووية والصواريخ الاستراتيجية وخشية واشنطن باراك أوبـاما من “المجابهة الشاملة” يخولانه بواسطة الابتزاز والاختراق تحقيق رهاناته وتعزيز موقع بلاده العالمي، بَيْدَ أن اللعبة المفتوحة مع القوى الغربية والناتو وتعقيدات الوضع على الساحة السورية وحجم مصالح القوى الإقليمية وتصميم مناهضي منظومة بشار الأسد، يمكن أن تبدد على المدى المتوسط رهانات بوتين وتنقلب لعبة الروليت على مصالح روسيا، إذ أنها لعبة حظ مميتة ولا يعلم من يغامر بها إذا كانت الرصاصة الأخيرة ستكون من نصيبه.

في مرحلة الاضطراب الاستراتيجي العالمية يصعد نجم بوتين؛ الرئيس المتمرس بالأمن والمحارب المختال من الشيشان إلى جورجيا وأوكرانيا، وهو أيضا السياسي الداهية الذي أخرج بلاده من حقبة السبات أيام بوريس يلتسين ونسج صلات مصالح يتحكم بها مع أصحاب الرساميل وما يسمى الزمر أو المافيات. ويحاول الرئيس الروسي الحفاظ على شعبيته الداخلية من خلال استعراض العضلات والمغامرات المحسوبة في الخارج من أجل التغطية على الفشل الاقتصادي ومشاكل روسيا الهرمة، ليس هناك من تردد في استخدام كل الأساليب البهلوانية سياسيا وعسكريا. قبل زيارته إلى الصين نهاية هذا الأسبوع تحدث الرئيس الروسي بإصرار عن تمسك بلاده بالقانون الدولي لحل الأزمات واحترام سيادة الدول، لكن من يراقب فيديو لقاء وزير الدفاع الروسي بالرئيس السوري في قاعدة حميميم يلاحظ عدم اهتمام موسكو بحفظ ماء وجه حلفائها، ومن يقرأ تقارير المنظمات المحايدة عن استخدام روسيا للقنابل الحرارية المحرمة دوليا وللفوسفور الأبيض في قصف مناطق في حلب، يستنتج عقم وتناقضات الخطاب البوتيني ويتذكر أن قنابل النابالم الأميركية لم تغير مجرى التاريخ في فيتنام وأن كل أنواع السلاح لن تمكن روسيا من التحكم بسوريا على المدى المتوسط.

بعد زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى موسكو، والاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري في طهران، وبلورة التقاطعات الروسية مع إسرائيل وإيران على الساحة السورية، اهتز بشكل بسيط السقف الأميركي نتيجة تفاقم الوضع الميداني وعدم احترام تفاهمات كيري – لافروف إلى حد أن البعض في واشنطن أخذ يهزأ من وزير الخارجية المخضرم ويطلق عليه لقب “كيروف”. في هذه الأثناء وبالرغم من كل الحضور الروسي في سوريا يصعب على بوتين لعب دور الحكم والخصم أو عراب الحل السياسي، وهو غير قادر على إلزام النظام في دمشق فك الحصار عن مئات الآلاف من السوريين أو إطلاق المعتقلين. إزاء الاستعصاء الداخلي والخارجي، صدرت مذكرة الدبلوماسيين الأميركيين الذين عملوا أو تعاطوا مع الملف السوري وفيها مطالبة بتغيير الأسلوب ودرس احتمال توجيه ضربات للنظام السوري كي يلتزم بوقف الأعمال العدائية، وسرعان ما تفهم جون كيري الأمر في مسعى للضغط على نظيره المتجهم الدائم سيرجي لافروف، والغريب أن موسكو أخذت هذا الموضوع على محمل الجد وانبرى ميخائيل بوغدانوف، نائب لافروف، والسيدة ماريا زاخاروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية للتحذير من أي مجازفة أميركية، ومن أجل المزيد من التشويق في مسلسل رمضاني من نوع آخر جرى الكشف عن تفادي صدام بين مقاتلتين أميركية وروسية في الجنوب السوري، لكن جرى ختام المشهد الدرامي المصطنع بتراجع الشريف الأميركي وقول الناطق باسم البيت الأبيض رفض إدارته الانجرار إلى أي مجابهة شاملة مع روسيا، وهكذا لا يقبل الرئيس باراك أوباما أن يمنح دبلوماسيته ورقة التلويح بالقوة، ويترك الملف السوري عمليا في عهدة نظيره الروسي، بينما يتعامل معه بشكل مختلف في الجوار الروسي إذ تستمر العقوبات ضد موسكو بسبب أوكرانيا ويكشر الناتو عن أنيابه في بولندا ورومانيا وبلدان البلطيق.

ومن الواضح أن إدارة أوباما ترفض المقايضة أو المساومة بين الملفات المختلفة، وتفضل التركيز على الحرب ضد داعش واستمرار العمل مع روسيا وفق مسار فيينا والقرارات الدولية، وحسب مصدر أميركي معني بهذا الملف سيكون هناك تأكيد على موعد الأول من أغسطس لبدء المرحلة الانتقالية، وسيكون ذلك المحك للعلاقة مع موسكو على مدى الأشهر الأخيرة من ولاية أوباما ومع الإدارة الجديدة بحكم الأمر الواقع.

انطلاقا من هذه المعطيات انتهز فلاديمير بوتين فرصة انعقاد المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبورغ خلال الأسبوع الماضي، وبحضور وجوه دولية بارزة (الأمين العام للأمم المتحدة، رئيس المفوضية الأوروبية، ورئيس الوزراء الإيطالي) في ما يطلق عليه منتدى “دافوس الروسي”، وأراد أن يعطي الانطباع أنه لا يمكن الالتفاف عليه وأنه أخذ يستعيد الأمجاد السوفيتية وهو صاحب القول الشهير “نهاية الاتحاد السوفيتي كانت أكبر خطأ جيوسياسي في القرن العشرين”، لكن الواضح بالنسبة إليه أن هذه العودة لم تكن عبر البوابة الأوكرانية، بل عبر اختراقه الاستراتيجي في سوريا. ومن هنا كان طرحه لنظرته حول الحل السياسي في سوريا، ومرة أخرى تحدث بوتين باسم الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك خلال جلسة نقاشية في المنتدى الاقتصادي العالمي إذ قال “الأسد ‘ملتزم’ بالعملية السياسية لحل الأزمة السورية، وأنه وافق خلال زيارته لموسكو على تطوير دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة في سوريا”. وأبرز بوتين تمايزا مع وجهة نظر دمشق وطهران بقوله “المشكلات في سوريا تتمحور حول مكافحة الإرهاب، ولكنه ليس كل شيء، إذ أنه في جوهر هذا الصراع هناك تناقضات داخل المجتمع السوري، والرئيس الأسد يدرك ذلك”، مضيفا “السؤال ليس حول السيطرة على المناطق المختلفة، رغم أهمية ذلك، السؤال هو حول توفير الثقة بين جميع أطراف المجتمع”.

بعد ذلك حدد بوتين خارطة الطريق الروسية وأبرز عناصرها:

تشكيل حكومة فعالة، يمكن لجميع سكان البلاد الوثوق بها.

المشاركة بنشاط في عملية تطوير الدستور الجديد.

إجراء انتخابات جديدة؛ انتخابات مجالس المحافظات، وانتخابات برلمانية.

ويلاحظ أن الانتخابات الرئاسية غير مطروحة، بل يكشف بوتين عن رفضه محاولة من أسماهم الشركاء الغربيين إعادة هيكلة السلطات السورية وهذا يعني حسب رأيه رحيل الأسد. من دون مواربة ومن دون مفاجأة يتمسك بوتين بورقته السورية ويحاول أن يعيد إنتاج النظام مع عدم حسم مصير رأسه وعدم احترام تفاهمات فيينا التي تقول ببدء حكم انتقالي يمارس كل صلاحيات السلطة التنفيذية. إنه التسويف وإنها المراوغة على الطريقة البوتينية. يرفع القيصر الجديد الصوت ضد أعمال الناتو العدائية في جواره لمجرد إجراء مناورات وتركيز منظومات دفاع صاروخي، بينما يشن في سوريا حربا من دون هوادة ويستفيد من الخلل في ميزان القوى الدولي كي يفرض استمرار نفوذه.

يقر رئيس أركان الجيش الروسي (أو يناور ليغطي ضربات روسية قادمة) أن الوضع في سوريا يزداد تعقيدا، ومن الواضح أن التدخل المحدود وعدم الفعالية في التنسيق العملي بين الروس والمحور الإيراني وارتباطات موسكو مع واشنطن وإسرائيل، تجعل رهانات بوتين صعبة المنال وتترك الساحة السورية مسرحا للعبة الأمم وشعبها منسي ومتروك.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٦
سوريا: التصعيد حتى الربيع المقبل

لن ينتهي الصراع في سوريا وعليها في العقد الحالي. أقصى ما يمكن طموحه، تحقيق حالة من الهدنة الهشة التي تتخللها عمليات إرهابية وتصفوية، لتبريد بعض «الرؤوس الحامية« التي تتمنع أو تستقوي في الوقت الخطأ. محاولة أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وأخرى إقليمية في مقدمتها إيران والسعودية وتركيا وحلفاء كل واحدة منها، تحقيق التفوق في منطقة الشرق الأوسط التي تتسع فيها يومياً الفوضى، يفرض المزيد من الغموض حول الأهداف الحقيقية لها، خصوصاً كل ما يتعلق بمدى استعدادها للقبول بقواعد التسوية وحجم التنازلات التي ستقبل بها.

التصعيد العسكري القائم في سوريا مستمر ولن يتوقف هذا العام. لن ينتصر أحد ولن يهزم أحد. كل شيء بحساب. من لا يصدق أو يقبل ليراقب مؤشر الأرباح والخسائر لدى الأطراف في المعارك اليومية حتى نهاية العام الحالي، حيث سيتبين التعادل. ليس في هذا سخرية وإنما هذا هو الواقع. المطلوب أن تصرخ القوى المشاركة من الألم والتعب، أو التعب والإرهاق.

قبل عام بالضبط خطب الرئيس بشار الأسد معلناً تقريباً خسارة الحرب لأن «الجيش منهك والخسائر تتزايد والتراجع قائم». لم يكن ينقص هذا الخطاب إلا إعلان انسحابه الى دولة تضمن له السلامة. بعد عام كامل خطب الأسد من المكان نفسه في مجلس الشعب معلناً، «متابعة الحرب ضد الإرهابيين وكل المعارضة المسلحة إرهابية». التدخل الروسي والجمود الأميركي، قلبا الوضع فتقدمت القوات الأسدية وتراجعت القوى المعارضة». الآن تتزايد ضربات المعارضة من جهة بعد أن وجدت الحلول التقنية لاستخدام المعارضة للأسلحة المتقدمة، المدفع الذي حصد تسعة مقاتلين من «حزب الله« استخدم من مقاتل سوري دربه الأميركيون وأخذوا بصمته ووضعوها على المدفع بحيث لا يمكن لغير المقاتل الذي بصمته موجودة استخدامه وضد الهدف الذي يتم تصويره حتى تتأكد المخابرات الأميركية من صحة الواقعة.

روسيا الدولة الكبرى، مثال كبير على احترامها للقواعد الميدانية. موسكو تنسق ليلاً ونهاراً مع واشنطن وتل أبيب، الى درجة أنه: حتى عندما تحلق طائرة روسية باتجاه موسكو، فإن واشنطن تعرف باكراً قبل التحليق نوعية الطائرة وخط تحليقها. بدورها فإن إسرائيل تطلع على كل التحركات والأهداف، وهي مطمئنة الى أن قوات المعارضة والجيش السوري اللذين لا يبعد أحدهما عن الحدود أكثر من مائة متر، لن يطلقا طلقة واحدة ضدها. وقائع اكتمال «العجة« السورية تفرض الالتفات الى الخلف وليس الى الأمام حيث يقف الجندي الإسرائيلي.

تركيا استوعبت بعكس إيران الطموحة جداً، كما يبدو الوقائع والتحولات أن عليها تقديم التنازلات وبالتالي خفض سقف طموحاتها. يوم غد، أو قبل نهاية الشهر الحالي إذا وقع أي طارئ ستتصالح أنقرة مع تل أبيب، وستبدأ مساراً جديداً بعيداً عن الحرب حتى النصر. أما إيران فإن مسارها نحو التغيير والاعتدال ما زال طويلاً، لم تستوعب طهران أن نقطة ضعفها مهما بلغت من القوة تكمن في كونها شيعية في بحر من السنة. هذا التناقض أساسي وفي صلب التحولات. مما يطيل الخيارات الإيرانية أن الخارج فيها متداخل مع تشكلات الداخل بين المعتدلين والمتشددين.

تبقى الولايات المتحدة الأميركية. لن يقع أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية. حتى مذكرة الديبلوماسيين الأميركيين لم تطالب بأكثر من تغيير في تكتيك الرئيس القادم سواء هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب هو الذي سيقرر أي تغيير استراتيجي ولذلك يجب انتظار العام المقبل.

سؤال ميداني طرحته صحيفة «لوموند« الجدية: كيف حصل «داعش» على مليار دولار من العوائد المالية من بيع النفط؟ وكيف نجح في اختراق «الحصون» المصرفية لاستخدام هذه الأموال واستثمارها رغم الحرب الدولية ضده؟ لا جواب لدى «لوموند« رغم أنها على الأرجح تعرف بعض أو أغلب مفاتيح هذا السر، لكن ليس كل ما يُعرف يُقال، حتى تدق الساعة. عندئذٍ يُعرف الخيط الأبيض من الأسود.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٦
العراق وسورية 2030

كيف ستكون حال العراق وسورية بحلول 2030؟ سيئاً، فلا شيء في الأفق يدعو إلى التفاؤل، ذلك أننا - العرب - نحسن القفز في الحروب والفوضى، ولكننا لا نحسن الخروج منها! حال العراق السيء لم يبدأ بسقوط الموصل بيد «داعش» قبل عامين، حاله سيئة منذ الغزو الأميركي عام 2003، وعلى رغم كل المال والجهد والنفط والماء لم يخرج من عثرة إلا إلى أخرى.

عمر الأزمة في سورية خمس سنوات، ولا أمل بحل قريب. لنتذكر أن الحرب الأهلية في لبنان استمرت 15 سنة، ومن يتذكر متى انهارت دولة الصومال؟ قبل أكثر من ربع قرن. لذلك من العبث التفاؤل بخروج آمن قريب من دون مشروع جاد للتدخل ووقف حال الانهيار. ثم إن موعد 2030، الذي اختارته السعودية ومصر وقطر وأبوظبي موعداً لتحقيق نهضة تنتقل فيها بلادهم إلى عالم مستقبلي قريب جداً، ما يعني أن عليهم الانشغال أكثر بإعادة الاستقرار إلى العراق وسورية، إذا استطاعوا الاتفاق على خطة مشتركة، فهذان البلدان، اللذان يشكلان جل المشرق العربي، ليسا بهامشيين يمكن استمرار حياة جيرانهما بسلام من دونهما.

يمكن أن تنتهي الحروب في أيام، حصل هذا في البوسنة عام 1994، وبعدها تبدأ عملية إعادة بناء قد تؤتي أكلها خلال عقد واحد، وقد حصل هذا أيضاً في البوسنة، التي استقرت وباتت اليوم تستقطب استثمارات أجنبية وخليجية، ولكنه يستلزم عزيمة صادقة لفعله، وهو ما يفتقده المجتمع الدولي أو تحديداً اللاعب الأساسي (الولايات المتحدة) الغائبة الحاضرة في سورية والعراق، ومن الخطأ المراهنة على تغير حقيقي في السياسة الأميركية على يد رئيس جديد، إذ لا ضمانات لذلك، وأثبتت تجربة السنوات الأخيرة مرارة الاعتماد على واشنطن فقط.

ستنتصر قوات الحكومة العراقية وميليشياتها في الفلوجة، بل قد تستعيد حتى الموصل، فهي تتلقى دعماً غير مسبوق من الأميركيين والإيرانيين معاً، يا للغرابة! وغضت واشنطن والمجتمع الدولي الطرف عن وحشية ميليشياتها ضد المدنيين. ولكن لن يكون هذا كفيلاً حتى بإعادة العراق إلى «استقرار صدام حسين»، بلد موحد تحت سيطرة استخبارات قاسية، وإنما سيكون صفحة أخرى من صفحات الفوضى، تمرداً آخر يحمل اسم غير «داعش»، قد يكون أكثر أناقة أو بشاعة، ولكنه سيبقى تمرداً يأكل مزيداً مما تبقى من «الدولة العراقية»، مولّداً صراعاً قبيحاً آخر يأتي من رحم صراعات عدة تتوالد في رحم الفوضى والحروب والفشل العربي. وعندما يطفح بقبحه ينسحب الرئيس الأميركي وقواته مما اقترفت أيديهم في المنطقة، ثم يسرب تصريحاً أحمق لمجلة أميركية يقول: «مللت من الشرق الأوسط، هؤلاء العرب والمسلمون يعشقون الحروب». ويمضي بعيداً، وبراءة الأطفال في عينيه أو عينيها!

لماذا يحصل هذا في عالمنا؟ لماذا نعجز عن النهوض بالمقارنة مع أوروبا، التي أعادت ترتيب بيتها سريعاً بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك كوريا، بل حتى فيتنام؟! إنها التدخلات الخارجية والإقليمية السلبية، وكذلك غياب توافق إقليمي على مشروع واحد يقود المواجهة والنهوض.

في المنطقة معسكران متباينان متورطان في صراعات المشرق العربي، وكلاهما يفتقد رؤية مشتركة بين مكوناتهما، فالروس والإيرانيون مثلاً، متفقان في سورية ضد الثورة، ولكن لكل منهما رؤيته للمستقبل وأسبابه للتورط في الصراع، الروس يريدون إعادة بناء نظام قمعي يشبه النموذج الذي صنعوه في الشيشان، ويكون تحت حمايتهم، ويوفر لهم مساحة نفوذ في شرق المتوسط، في مقابل ترك سورية للإيرانيين يتمددون فيها بمشروع طائفي خرافي لا يوافق مزاجهم العلماني الحاد، رؤيتان لا تستحقان الحياة في عالم متحضر، ولا بد أن تصطدما.

في الجهة المقابلة، نجد السعوديين والأتراك والقطريين والأميركيين والفرنسيين متفقين فقط على مبدأ إسقاط النظام «الذي فقد شرعيته»، وقد قالوا ذلك منذ خمسة أعوام، ولكنهم مختلفون في ما عدا ذلك، على الثوار الذين يستحقون الدعم والذين لا يستحقونه، وعلى الأولويات، وهل هي «داعش» أم النظام؟ وعلى السلاح الذي يمكن دعم المعارضة به، بل حتى على مذكرة المفاوضات، ما أدى إلى كثير من الشكوك في النيات، وخصوصاً مع الجانب الأميركي، يغطونه بعبارات تزعم الاتفاق وتنفي الخلاف. لقد حصل انسجام كبير خلال العامين الماضيين بين الدول الثلاث الأولى، وحققت فيه تقدماً طيباً على الأرض، أجهضه الروس بتدخلهم الصيف الماضي، ولكنه لا يزال يفتقد الرؤية الواحدة.

هذه التباينات تدعو إلى التشاؤم بأن عمر أزمة المشرق العربي سيطول، ذلك أنها ستمنع أي طرف من تحقيق انتصار حاسم. ولنأخذ معركة الشمال السوري نموذجاً. التوافق السعودي - التركي - القطري مكّن الثوار من تحقيق انتصارات واسعة هناك، حتى اقتربوا من الساحل العام الماضي، وتراجع مع انتصاراتهم حتى «الدواعش» والأكراد، ولكن التدخل الروسي أحبط ذلك وخلط أوراق اللعبة دولياً ومحلياً. الأسبوع الماضي شهد دورة أخرى لمصلحة الثوار بدعم من الحلفاء الثلاثة، إذ استعادوا المبادرة وأثخنوا في «حزب الله» و»الحرس الثوري» الإيراني، ولكن لا شيء يضمن ألاّ تكون هذه دورة من دورات الحرب، فليس مستبعداً أن تتدخل إيران في شكل مباشر أكبر، وترسل آلافاً من قواتها إلى سورية، منتشية بالتقدم الذي حققته في العراق، ومستفيدة من تحسن علاقاتها مع الأميركيين، الذين باتوا شركاء لها في معركة الفلوجة، ولكن السعوديين لن يستسلموا لو حصل هذا، وسيعيدون الكرة، فثمة قاعدة استراتيجية لن تحيد عنها الرياض مهما كلف الأمر، وهي منع إيران من الانتصار في سورية والهيمنة عليها. الخلاصة أنها دورة عنف يدفع ثمنها الشعب السوري والمنطقة بما تطفح به من إرهاب، كحادثة مهاجمة مخفر أردني متاخم للحدود السورية، الأسبوع الماضي، سقط فيها ستة من رجال الأمن هناك.

دورة العنف هذه ستتكرر في الموصل، التي لن تقبل أنقرة ولا أكراد العراق أن تستقر لحكومة بغداد ومن خلفها طهران، وكذلك في منبج والرقة، التي تراها خاصرة رخوة تهدد أمنها القومي، وسترفض تمدد حزب كردي معاد فيها، تعلم أنها لا تستطيع تغيير موقف واشنطن الغريب الداعم لبغداد (ومن خلفها طهران) والأكراد، بعدما ضيعت أكثر من فرصة للتدخل مبكراً في سورية قبل أن يستفحل الوضع ويصبح تدخلها مستحيلاً من دون موافقة أميركية، ولكنها تعلم أيضاً أن الانتصارات العسكرية و«فتوحات» المدن لن تأتي بالاستقرار من دون توافق دولي وإقليمي، لذلك تستطيع وحلفاؤها تعطيل أي انتصارات لخصومها في الموصل والرقة ومنبج، مستفيدة من وجود رفض للفاتحين الجدد.

في الأفق تحول أميركي قادم، تجلى في خطاب 51 ديبلوماسياً بالخارجية الأميركية يحتجون على سياسة حكومتهم في سورية، احتجاجهم ليس مهماً لو توقف في أروقة الوزارة، ولكنه بدأ يحدث تأثيراً في واشنطن، يعززه الضغط السعودي، وعلى رغم عدم وجود تنسيق بين الطرفين فإنه يكاد يكون الخطاب نفسه، وجاءا في الوقت نفسه، إذ يدعوان إلى الاستمرار في المفاوضات، ولكن مع ضغط عسكري أميركي على النظام السوري، وهو ما لم يفعله أوباما، وتراجع عنه أكثر من مرة حين أتته الفرصة.

وزير خارجيته جون كيري التقى الديبلوماسيين، وقبلهم ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المنشغل هو أيضاً بسورية وبالموقف الأميركي الغريب فيها. تدريجياً عاد التشدد إلى الخطاب الأميركي وانتقد بحدة الدور الروسي فيها، ولكنه توقف هناك، وسيكون من السذاجة أن تترك دول المنطقة اختياراتها المستقلة، وتنظر إلى واشنطن، مؤملة بأن تتغير في آخر خمس دقائق من ولاية الرئيس أوباما!

باختصار، ما لم تطور الرياض وأنقرة والدوحة التنسيق بينها إلى مشروع إقليمي متكامل لا يعتمد على واشنطن أو غيرها، تعيد به ترتيب المنطقة من حولها، فحال الفوضى والانهيار ستستمر معنا حتى 2030، ولن نملك حينها غير الدعاء بالسلامة من شرر كالقصر يرمى علينا بين آونة وأخرى من هلالنا، الذي كان يفترض أن يكون خصيباً.

اقرأ المزيد
٢٥ يونيو ٢٠١٦
نحو مجموعة سُداسية لمعالجة الأزمة السورية

دعا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى تشكيل مجموعةٍ دوليةٍ تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، للإشراف على العملية التفاوضية السورية، على غرار المجموعة التي عكفت على الإشراف على مفاوضات الملف النووي الإيراني، ونجحت في مهمتها، وإن استغرقها الأمر وقتاً طويلاً (نحو عشر سنوات!).

عبر عن الدعوة رئيس "الائتلاف"، أنس العبدة، في بروكسيل، في أعقاب المباحثات التي جرت بين الائتلاف وهيئة التنسيق الوطني السورية (برئاسة حسن عبد العظيم)، وتوجّه العبدة بدعوته هذه إلى الاتحاد الأوروبي الذي وعد، حسب ممثليه في ذلك اللقاء، بدراسة الدعوة باهتمام.

مبعث الدعوة هو استشعار الطرف السوري المعارض أن الثنائية الأميركية الروسية لم تحقّق تقدماً يُذكر على طريق الحل السياسي، ولم تضع حداً لتغوّل النظام على المدنيين وعلى المرافق المدنية، وأن اندفاع موسكو إلى الانخراط في الحل السياسي السوري تجلى في اعتماد الحل العسكري على نطاق واسع، والإجهاز عملياً على الحل السياسي في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً في محاولات موسكو الدؤوبة الالتفاف على مرجعية العملية (جنيف1) ومحاولة تفريغها من مضمونها، وقد تبدّى ذلك بوضوح شديد في تبني الرئيس فلاديمير بوتين، أخيراً، فكرة "حكومة وحدة وطنية" التي يروّجها النظام بديلاً لمشروع الانتقال السياسي الذي يحظى بأوسع تأييد دولي وإقليمي. علماً أن الانتقال السياسي هو الذي يضمن تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ فعلية. علاوة على اندفاع موسكو، بصورةٍ منهجيةٍ، باستهداف المدنيين، وبالذات في مناطق إدلب وريف حلب. وهو ما جعل موسكو جزءاً من المشكلة، لا الحل. فضلاً عن الاستخدام الروسي الأراضي السورية، وفق أجندة خاصة بها، منصةً للاحتكاك مع تركيا، مع السعي الروسي إلى تمكين الاتحاد الديمقراطي الكردي من الاقتراب من الشريط الحدودي مع تركيا، وذلك من أجل إلهاب المسألة الكردية في الداخل التركي.

لهذه الأسباب، يبدو الدور الروسي على جانبٍ كبير من السلبية. ويكتسب هذا الدور مزيداً من الاندفاع في أجواء "الانكفاء" الأميركي الذي عبّر عنه الرئيس باراك أوباما، أخيراً، في رده على رسالة 50 دبلوماسياً أميركياً، بقوله إنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية، على الرغم من إدراك البيت الأبيض أن هناك حلاً عسكرياً ناشطاً ومحموماً، تؤديه موسكو مع طهران ومع قوات النظام. قد يؤدي إلى انهيار تام لا سمح الله. كما حذّر بوتين نفسه، ولكن، من دون أن تغيّر حكومته سلوكها في دعم الحل العسكري الذي لا يُبقي ولا يذر.

تتماشى الدعوة إلى تشكيل مجموعةٍ دوليةٍ سداسيةٍ للإشراف على العملية السياسية تماماً مع رسالة الأمم المتحدة وميثاقها، ومع دور مجلس الأمن الذي أبدى انشغالاً دائماً بالأزمة السورية. ولكن، من دون تحقيق نتيجة تذكر، توقف خيار التدمير. وليس هناك أي مسوّغ جدّي، يمنع تشكيل هذه المجموعة التي ستضم، في حال الأخذ بها، روسيا، إلى جانب ألمانيا وبقية الأعضاء الدائمين. ألمانيا قريبة من قضايا المنطقة، وسبق أن لعبت دوراً تمهيدياً في مفاوضات الملف النووي الإيراني، كما عملت، أكثر من مرة، وسيطاً تفاوضياً بين حزب الله وإسرائيل. هذا علماً أنه ليس هناك منطق في اقتصار المهمة على دولتين فقط، أياً كانت منزلتهما. ونحن نعلم أن مفاوضات جنيف حظيت، منذ بدايتها في العام 2012، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة، نظراً لأهمية الملف السوري.

فشلت الثنائية الروسية الأميركية فشلاً ذريعاً، وأدّت إلى تراجعٍ مستمر في حظوظ العملية السياسية، حتى أنها أوقفت مفاوضات جنيف، وجعلت الهدنة (وقف الأعمال العدائية) تترنح باستمرار، وقد ساهمت موسكو، من جانبها، مساهمةً نشطة في خرق الهدنة، وقامت، في الوقت نفسه، بالتغطية الدائمة على الخروق التي لا تتوقف للنظام.

في هذه الأيام، تدعو موسكو إلى عودة سريعة إلى المفاوضات، ومن اللافت أنها تطلب من المعارضة عدم وضع شروط مسبقة، ويُخشى أن موسكو باتت تعتبر التمسّك بمرجعية العملية السياسية شرطاً مسبقاً (!)، وهذه، إذا صحّ هذا التقدير، حيلةٌ مكشوفة لترويج التخلي عن هذه المرجعية. أما البدء مجدداً من نقطة الصفر، والدوران في حلقة مفرغة، فالخشية أن يكون عين الحكمة في أنظار للدبلوماسية الروسية.

علاوة على ما تقدّم، فإنه قد يُراد من الإلحاح الروسي على واشنطن على استئناف التفاوض، في هذه الآونة بالذات، منع فكرة إنشاء مجموعةٍ دوليةٍ من التفاعل، بهدف الإبقاء على الثنائية، والحؤول دون توسيعها، ومواصلة عزل أطرافٍ دوليةٍ فاعلةٍ، مثل الاتحاد الأوروبي والصين، عن مجرى العملية السياسية، ومواصلة العبث بها، والأسوأ من ذلك العبث الأسود بمصير ملايين السوريين ومصير وطنهم.

تحتاج فكرة المجموعة الدولية الى متابعةٍ حثيثة، من "الائتلاف" بالذات، من أجل كسب أوسع تأييد لهذه الفكرة الإيجابية التي تمثل أفضل ردٍّ على الفشل الروسي الأميركي، ومن شأنها أن تضع المجتمع الدولي مجدداً أمام مسؤولياته المباشرة، كما تستعيد الدور الغائب لمجموعة "أصدقاء سورية"، وتقوم بتفعيل دور مجلس الأمن وأعضائه الدائمين حيال القضية الأكثر أهمية في عالمنا، والأشد استعصاءً، والأكثر تعريضاً لحياة المدنيين للخطر الداهم والمتحقق.

ولعل الأمر يحتاج إلى جهدٍ، وإلى مبادرةٍ من أجل استصدار قرار جديد لمجلس الأمن، يوسّع الجهة المنوط بها الإشراف المباشر والتام على العملية السياسية، ولا شك أن فرص صدور مثل هذه القرار متوفرة، فليس لدى واشنطن أو موسكو ما يسوّغ استبعاد الأعضاء الدائمين، والحصيلة البائسة للثنائية تُملي التحرّك على هذا الطريق، بما يُيّسر استئناف التفاوض في ظروفٍ أقلّ سوءاً، إن لم تكن تحمل بشارة أمل بأن المجتمع الدولي، بمكوناته الرئيسية، قد جدّد عزمه على إنهاء المأساة، والبدء بتحقيق تطلعات الشعب السوري، وتوفير ظروفٍ أفضل وأكثر نجاعة لمكافحة الإرهاب، بمختلف أشكاله ومصادره، وفي المقدمة منه إرهاب تنظيم داعش.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
ورحل البطل "خالد" شامخاً .. و ترك ارثاً ثقيلاً واجب الإتمام

غادرنا منذ قليل أحد أبطال الثورة السورية، الذين كان لهم الدور الأبرز في عكس صورة الثورة بأفراحها و أتراحها، بنصرها و دمها ، ناقلاً الصورة الحقيقة التي حاول العالم بأسره تغييبها ، لكنه نقلها بكل رجولة و بطولة قد تساوي بطولات الحرب و إن كانت تفوقها.

خالد العيسى الذي لم يكمل عامه الـ٢٤ ، كان من ذلك الجيل الذي نبضت الثورة بهم ، و انتقلت لكل مكان و انعكست بكل الأرجاء، اجتهد و تحول من هاو إلى متمرس ، و الأهم كان شجاعاً لحد لايدركه كل من يقف خلف حاسوب أو يتابع الأخبار وهو بعيد مئات أو آلاف الكيلومترات.

قبل أيام قليلة من استهدافه و هادي العبدالله ، كان حاضراً في مواجهة البراميل، نالهما الأذى و الإصابة، و لكن لم يتوقفا أبدا ، بل كانت وقوداً لمواصلة المشوار بعزيمة و إصرار أكثر ، ضاربين بعرض الحائط كل الخطر الذي يحيط بهما، فهما المستهدفين الأوائل، فهم العين التي لا تنام أو تغفى عن الجريمة، التي لابد أن تنقل ، و يسمع بها كل أصم و يراها كل متعامي.

 الثورة السورية ععندما تفقد كل اعلامي و حامل للكميرا، تفقد عيناً لها و روحاً  و نبضاً ، و يجعلها أقل تأثيراً، فكل شخص له أسلوبه و طريقته التي توصل الرسالة لشريحة ما، و لكن أمثال خالد و هادي كانوا من أصحاب القاعدة الواسعة و الاستقطاب الأكبر و الأكثر تأثيراً على مختلف الفئات المحلية و العربية و العالمية.

خالد رحل تاركاً ارثاً كبيراً، و كذلك حملاً ثقيلاً على الجميع لاسيما العاملين في الحقل الإعلامي أن يكونوا، أكثر جديدة و إصرار على مواصلة المشوار، وفاء له و لمئات آلاف الشهداء، إذ الحق لايمكن أن ينطفئ و لكن يتعرض للظلم و التغيب، مالم يصرخ به أحداً.

عزاؤنا لجميع السوريين عموماً ، و لعائلته خصوصاً ، و لهادي العبدالله أيضاً الذي يودع هو الآخر رفيقاً جديداً، بعد أن فقد طراد الزهوري، وعرفت هادي و طيبته و تأثره حينها .

خالد العيس و طراد الزهوري هم مثال لمئات الناشطين و الإعلاميين الذين غابوا عن سماء الثورة و لكنهم بقوا نجوماً تضيء الدرب الذي يجب أن يكتمل.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
هل تستطيع روسيا حسم الصراع في سوريا

بفضل السياسة الأمريكية تظن روسيا أنها أصبحت هي الآمر الناهي في الصراع الجاري في سوريا، بعد خمس سنوات من الحرب فيها من دون نهاية. فأمريكا وهي تسعى لاستدامة القتال والمعارك في سوريا سعت إلى توسيعها، ولم تمنع أي مغامر من القدوم إليها والمشاركة في معاركها وحربها وتدميرها وقتل أهلها.

وقد عملت أمريكا منذ السنة الأولى للاقتتال في سوريا على إمساك مجريات المعارك فيها، بحيث لا يتمكن أحد من حسمها لصالحه مهما بذل من جهود عسكرية، ومهما امتلك من قدرات عسكرية وطائرات حربية متقدمة، أو صواريخ باليستية وغيرها، ومهما أرسل من جنود أو متطوعين، سواء كانت إيران أو روسيا أو غيرها، فامريكا لن تسمح لإيران بالقضاء على المعارضة السورية، كما لن تسمح للسعودية وتركيا وقطر ومن معها بالقضاء على الأسد ومحوره الطائفي، وبذلك فإن أمريكا ما لم تتدخل فعلاً وليس قولا لحل هذه الأزمة فإن القتال في سوريا سوف يتواصل لسنوات طويلة.

وعندما تشعر أمريكا بالحرج من إيران، أو من السعودية بناء على وعودها واتفاقياتها المتناقضة مع أطراف الصراع، فإنها ترجع الأمر إلى حجج كثيرة، كان آخرها إلقاء المسؤولية على الطرف الروسي، الذي أتت به أمريكا على مراحل للتورط في سوريا، كان آخرها تدخله العسكري المباشر بتاريخ 30/9/2015 ثم إعلانه الرسمي في بداية شهر مايو 2016 عن الانسحاب العسكري من سوريا، من دون ان ينسحب سياسيا ولا يتوقف عن دعم جيش الأسد ومحور إيران، وبالأخص بعد توقيع اتفاق 22 شباط 2016 بين روسيا وأمريكا، باسم وقف الأعمال العدائية في سوريا، الذي تبنته الأمم المتحدة بتاريخ 27/2/2016.

كانت روسيا قد أبدت تغييراً مفاجئاً ثم أعلنت تدخلها أولاً، ثم عندما أعلنت عن انسحابها العسكري بعد تدخل دام خمسة أشهر تقريبا، ثبت لها بوجه قاطع أن محاولتها القضاء على الثورة السورية عسكريا مستحيل، ثم تبين لها ان الضغط العسكري الهائل الذي ضربت فيه مناطق المعارضة وفصائل الثورة السورية بالطائرات والصواريخ الباليستية الروسية لم يستطع أن يفرض عليها الهزيمة، ولا قبول الحل السياسي الذي تطرحه روسيا بالنيابة عن الأسد وإيران في جنيف 3 على يدي دي مستورا. وبعد تأكد روسيا فشل ضغوطها العسكرية والسياسية، فإنها لا تريد الاعتراف بعجزها عن حل المسألة السورية، وسمحت لبشار الأسد بأن يواصل جرائمه بقتل الشعب السوري واستعمال البراميل المتفجرة، بل أجرت تطويرا عليها بالخراطيم المتفجرة لتقتل أعدادا أكبر من الشعب السوري، ومعها المليشيات الإيرانية الطائفية التي تقتل على الهوية الطائفية بكل قسوة، سواء في دمشق أو في حلب أو في إدلب أو غيرها، وحيث أن روسيا تعلم أن أمريكا لا تمانع هذا القتل والتدمير الممنهج على الشعب السوري بغض النظر عن مصدره، فإنها أي روسيا أصبحت تمارس عمليات القتل نفسها للشعب السوري، وهي تدعي السياسة الأمريكية نفسها بالسعي للحل السياسي في جنيف، بخداع أطراف الصراع في سوريا، بأنها ترعى حلاً سياسياً ومفاوضات بين بشار والمعارضة في جنيف، ولذلك أخذت روسيا تكذب على الدول العربية، وبالأخص الخليجية منها، بأنها طرف قادر على الحل السياسي وراع له، لأن روسيا تريد المساعدة من الدول العربية والتغطية على جرائمها بسكوتها عن قصف الطائرات الروسية للمدنيين، وتدميرها للأسواق المستشفيات والمساجد وغيرها، أو خداعها كما حاولت خداع الحكومة التركية قبل إسقاط الطائرة الروسية المعتدية على الأجواء التركية.

ولكن روسيا بحكم وجودها العسكري أكثر من أمريكا داخل سوريا، وبحكم شراكتها في محور الأسد وإيران في قتل الشعب السوري فإنها أقدر من امريكا في ادعاء أنها قادرة على إيجاد حل سياسي، بدليل أنها تفرض الاتفاقيات والهدن بين المتقاتلين مع أمريكا أو بدونها، كما فعلت في الهدنة الأخيرة لمدة ثمان وأربعين ساعة، وهي تعلم انها تفرض الهدنة لصالح الطرف الذي يمارس القتل، وهو جيش الأسد وميليشيات إيران المقبلة من ايران والعراق ولبنان وغيرها، فكان آخر الهدن التي أعلنت عنها روسيا في حلب اعتبارا من منتصف ليل الخميس 15/6/2016، بعد أن خسر الأسد كثيرا من المعارك مع المعارضة السورية، بينما قالت وزارة الدفاع الروسية مساء الأربعاء في بيان لها إنه «بمبادرة من روسيا يدخل نظام تهدئة حيز التنفيذ في حلب لمدة 48 ساعة في 16 يونيو بهدف خفض مستوى العنف المسلح وتهدئة الوضع»، فروسيا تتدخل لفرض هدنة عندما يحتاجها جيش الأسد والإيرانيون وحزب الله اللبناني فقط.

المؤسف أن هذا القرار العسكري من وزارة الدفاع الروسية جاء وكأنه رد فعل على تحذير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لروسيا وبشار الأسد من مغبة عدم احترام وقف الأعمال العدائية، وقول كيري وزير الخارجية الأمريكي بعد لقائه نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، خلال زيارة للنرويج «على روسيا أن تفهم أن صبرنا ليس بلا حدود، وهو في الواقع محدود جدا في ما يتعلق بمعرفة ما إذا كان الأسد سيوضع أمام مسؤولياته أم لا»، بينما كانت هناك مساعدة لجيش الأسد ومحور ايران، وهذه المساعدة قضية متفق عليها بين روسيا وأمريكا.

فمن يصدق أن يصدر هذا التحذير الأمريكي بحضور وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى روسيا، بينما الجيش الإيراني وميليشيات الحرس الثوري الإيراني هي التي تسيطر على الأراضي التي يحكمها بشار الأسد وروسيا معا، فلماذا لم يوجه كيري هذا التحذير إلى جواد ظريف وهو يقف إلى جانبه، إن في ذلك دلالة على أن إيران لم تعد صاحبة القرار في سوريا، أو هكذا يريد كيري أن يوهم العالم، وإذا كان ذلك صحيحا فإن إيران وجيشها وحرسها الثوري ومليشياتها العالمية أصبحت مجرد أداة عسكرية قاتلة بيد الروس والأمريكان معا أولاً، وفي هذا التصريح الأمريكي دلالة على أن أمريكا قادرة على فعل شيء إذا نفد صبرها ثانيا، أي أنها هي صاحبة القرار مع روسيا أيضاً، ولكن وبعد خمس سنوات من قتل الشعب السوري، وقتل أكثر من نصف مليون سوري، وتشريد أكثر من عشرة ملايين في كل أنحاء العالم، لم ينفد صبر امريكا بعد، وربما تحتاج أمريكا إلى خمس سنوات اخرى حتى ينفد صبرها.

هذا التصريح الأمريكي أو التحذير لروسيا ينبغي أن يدفع السياسة الروسية إلى البحث عن حلول أخرى في سوريا، غير العسكري والإبادة البشرية التي مارسها الجيش الروسي في الأشهر الخمس الأولى من تدخل روسيا العسكري، وغير الحلول السياسية العقيمة التي تبقي القاتل بشار الأسد في الحكم، لأنه بقاءه في الحكم الشكلي هو استمرار لتوريط روسيا في سوريا، وهي تمارس القتل في الشعب السوري، بينما كيري ومن يحمل وجهة نظره من الساسة الأمريكيين يستمتعون برؤية الموت والدماء والقتل في سوريا، فالهدن التي تدعو لها روسيا لن تساعد على الحل، كما أن الأعمال العسكرية لم تساعد على الحل، وفشل روسيا في إلزام بشار الأسد على الرحيل يتم بضغوط أمريكية عن طريق إيران، وهذا سوف يورط روسيا أكثر وأكثر في سوريا، وهذا يعني أن الطرفين الدوليين روسيا وأمريكا عاجزتان وحدهما عن إيجاد حل عسكري وسياسي للصراع، او انهما راغبتان باستمراره وترعيانه ولا ترعيان عملية السلام في جنيف إلا إعلامياً، وإلا فإن روسيا عاجزة عن الحل العسكري والسياسي، وهي متورطة في سوريا مثلها مثل إيران وتوابعها الطائفية، ولن تستطيع التخلص من الصراع في سوريا إلا وهي خاسرة ولو بعد حين.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
حسابات موسكو وطموحات طهران

لم يعد هناك من شكوك في أن العلاقات الروسية- الإيرانية والروسية - السورية تواجه خلافات كبرى تنعكس على أداء كل من الأطراف الثلاثة على الصعيد الميداني في شكل موجع كما أظهرت الأيام الماضية في ريف حلب الجنوبي، حيث كبرت الخسائر الإيرانية والسورية النظامية وخسائر الميليشيات التابعة لكل منهما في مواجهة الفصائل المسلحة السورية على اختلافها.

قد لا تغير موقعة قرية خلصة خيارات إيران و «حزب الله» في الميدان السوري بعد الخسائر الكبيرة فيها، وقد لا تعدّل في التعاطي مع ساحة النفوذ السورية التي يعتبرانها حيوية، وفق قول مسؤولين إيرانيين العام الماضي إن خسارة سورية تعني أن القوات الإيرانية ستضطر إلى «مقاتلة الأعداء في طهران». وعلى رغم مغالاة قادة الملالي المتشددين في إيران بهذا الاستنتاج، فإن تعظيم الحاجة إلى التمدد في النفوذ على أنه مصيري بالنسبة إليهم، يأتي من باب التضخيم الذي اعتاد عليه هؤلاء في التعبئة السياسية والإعلامية لشحن أهدافهم التوسعية بما تمليه عليهم سياسة تصدير الثورة والأحلام الإمبراطورية من جهة، ولتصوير خسائر تدخلاتهم في دول الإقليم على أنها «مظلومية» تلحق بهم، وليست ظلماً يلحقونه بشعوب الدول التي يمعنون في التسبب بالضرر والتفتيت والشرذمة الطائفية في نسيجها الوطني والاجتماعي منذ عقود.

نشوة «الانتصارات» الموضعية التي حققها المحور «الممانع» منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي في سورية باستعادة النظام وحلفائه من الميليشيات الإيرانية بعض الأراضي، أعمت بصيرة قادة طهران ومعهم «حزب الله» عن تلك القاعدة التي كانوا ينبهون بشار الأسد إليها منذ انخراطهم العلني في المحرقة السورية عام 2013، حين كانوا يقولون لحاكم دمشق إن دعم موسكو له «ناجم عن مصلحة، أما دعمنا نحن فهو ناجم عن التزام أخلاقي ودفاع عن محور المقاومة».


عمى البصيرة هذا يشمل:
- أن موسكو حققت هدفاً رئيساً من تدخلها العسكري الجوي بضمانها حماية دمشق وبقاء الأسد وإبعادها تركيا من التدخل المحتمل في الداخل السوري ومنعها من إقامة منطقة آمنة تكون حاضنة لنفوذها. إعلان موسكو في آذار(مارس) الماضي سحب الجزء الأكبر من قواتها الجوية كان إشارة إلى اكتفائها بما حققته، بدليل انتقاد ديبلوماسييها حديث الأسد عن تحرير كل سورية.

- التمهيد لحل سياسي استناداً إلى ميزان القوى المحلي مع إبقاء مصير الأسد في يدها، من طريق الاتفاق على انتخابات رئاسية وتشريعية يشترك فيها جميع السوريين بمن فيهم النازحون، برقابة دولية، مقابل المطالبة بتنحيه. وهي ضمنت نفوذها في المنطقة انطلاقاً من سورية بتسليم من الإدارة الأميركية، عبر تحويل مشروع الحل إلى قرار من مجلس الأمن.

- سايرت موسكو طموح طهران والأسد في استعادة حلب عبر قصف همجي نفذته طائراتها بالتزامن مع محادثات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة في نيسان (أبريل) وأيار (مايو) الماضيين، ما أدى إلى فشلها وتعليقها مرتين. لكن القوات النظامية والإيرانية والميليشيات عجزت عن إحداث تقدم في حلب، في وقت أخذت تظهر أسلحة نوعية في أيدي الثوار، ما شكل رسالة بأن الولايات المتحدة والدول الداعمة للمعارضة قد تفرج عن مزيد من الأسلحة التي كانت محرّمة على فصائلها، وهو ما يفسد أولوية الحل السياسي على قاعدة ميزان القوى الحالي، لأنه يهدد بعودة الأرجحية لمصلحة المعارضة. والأهم أنه يقوض رهان بوتين على الإقلاع بالحل السياسي في عهد أوباما تجنباً لمخاطرة مجيء إدارة أميركية غير متحمسة مثله للتعاون مع موسكو في هذا الصدد.

- أن أولوية محاربة «داعش» كنقطة اتفاق بين موسكو وواشنطن واجهت مفارقة في الميدان السوري، فبينما تدعم واشنطن والدول الغربية قوات «سورية الديموقراطية» و «الجديدة» ضد التنظيم الإرهابي، وتخوض فصائل أخرى من «الجيش الحر» معارك مع التنظيم على الحدود التركية، تتجاهل قوات النظام وإيران و «حزب الله» المعارك مع «داعش» الذي تدعي أن هدفها الأول دحره، فتحشد إمكاناتها العسكرية حول حلب لاستعادتها. ومع حصول الخطأ الروسي بقصف «قوات سورية الجديدة» الذي أثار حفيظة واشنطن، فإن موسكو استدركت الأمر سريعاً، لأن أولوية محاربة «داعش» جزء من عقيدة بوتين العسكرية، فالقيصر مهتم بأن تشترك القوى الدولية والفصائل السنية بمحاربة الإرهاب حتى لا يثير انفراده بذلك المسلمين الروس (20 مليوناً).

حسابات روسيا المختلفة عن حسابات إيران سبق لوزير الدفاع سيرغي شويغو أن أبلغها إلى نظيريه السوري والإيراني قبل أسبوعين خلال اجتماعهم في طهران. لكن من الصعب على الأخيرة، وبالتالي على «حزب الله» إعادة حساباتهما.

اقرأ المزيد
٢٤ يونيو ٢٠١٦
أميركا خسرت مزاعم التفوق الأخلاقي بسبب سياستها السورية

بدا البيت الأبيض ضعيفاً وهو يدافع عن سياسات الرئيس باراك أوباما نحو سورية رداً على مذكرة قاسية لـ51 ديبلوماسياً أميركياً وموظفاً في وزارة الخارجية، دعت إلى «الاستخدام المدروس لأسلحة بعيدة المدى وأسلحة جوية» ضد نظام بشار الأسد، معتبرة أن الوضع القائم في سورية ما زال يؤدي إلى «أوضاع كارثية في المجال الإنساني وعلى الصعيد الديبلوماسي والإرهاب». وأكد موقعو المذكرة أن «المنطق الأخلاقي للتحرك من أجل وقف المجازر وآلاف الضحايا في سورية بعد خمس سنوات من حرب رهيبة، واضح وغير قابل للجدل». تلك الصفعة التي أشارت إلى «المنطق الأخلاقي» هي التي أدت بالبيت الأبيض إلى الرد بنبرة دفاعية وبطرح أسئلة تعجيزية تبريراً لسياسات الإدارة. فلقد بات تعبير «وما هو البديل» أو «اعطونا الخيار الآخر» جزءاً من السياسة الأوبامية وبين مفردات أعضاء الإدارة الحاكمة. والرسالة ذاتها واضحة وهي: أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً ضد النظام في دمشق، ومعركتها الأولى اليوم هي ضد «داعش» وليس ضد بشار الأسد. لذلك، فإن إدارة أوباما تحاول أن تتملّص من المعارضة السورية المسلحة المتمثلة في «الهيئة العليا للمفاوضات» وتوافق ضمنياً مع روسيا على استبدال تلك المعارضة على الأرض بقوات كردية وعشائرية تشكل «قوات سورية الديموقراطية»، مهمتها الأولى محاربة «داعش» لا إسقاط النظام. هذا التوجه يتزامن مع تقاعس دولي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، حيث يتم عملياً اختزال المسألة السورية إلى أزمة لاجئين ومأساة إنسانية تتطلب التركيز على إدخال المعونات الإنسانية بعيداً من تصنيفها سياسية مع إبعادها عمداً عن مسار المحاسبة على ارتكاب الجرائم والفظائع. فلقد تم إجهاض «بيان جنيف» الذي تحدث عن عملية سياسية انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة. وحققت «عملية فيينا» التي ولّدتها روسيا ما تبتغيه وتوقفت حيث خططت لها موسكو أن تتوقف. أعضاء مجلس الأمن تقوقعوا في بيانات خالية وانحنوا أمام ما فرضته السياسة الروسية – الإيرانية بإذعان بلا «الخطة باء». الأمانة العامة للأمم المتحدة بلعت كلامها عن «المحاسبة» وخضعت للشريكين الروسي – الأميركي في إدارة المأساة السورية من دون أن تجرؤ على الاحتجاج. وهكذا خسرت الأمم المتحدة القيادة الأخلاقية، وتخلّت عن مبادئ المحاسبة، وتراجعت عن القيم، ورضيت بأن تكون أداة تنفيذية لإلغاء «بيان جنيف»، واختبأت في ثوب ضعفها عندما داهمها موعد آخر لعملية سياسية هو الأول من آب (أغسطس) حين كان من المفترض أن تبدأ عملية سياسية انتقالية أقل حزماً من التي أطلقها «بيان جنيف». مواساتها الوحيدة هي أن القيادة الأميركية والقيادة الروسية فقدتا البوصلة الأخلاقية في سورية قبل أن تضطر قيادة الأمم المتحدة للالتحاق بهما.

هذا الأسبوع، وصل عدد اللاجئين والمشردين في العالم إلى 65 مليوناً، ولسورية حصة كبيرة من هذا الرقم المذهل يفوق 10 ملايين لاجئ ومشرد. الأمم المتحدة توقفت عن تعداد القتلى في سورية الذين تؤكد إحصاءات أخرى أن عددهم تجاوز 400 ألف في غضون 5 سنوات. كل ذلك بدأ عندما سارت احتجاجات مدنية مطالبة بالإصلاح في الشوارع السورية، فقرر النظام أن يتعاطى معها أمنياً لا سياسياً وتفاوضياً. والبقية تاريخ. ذلك أنه كان واضحاً منذ البداية أن إطالة المعالجة الأمنية بلا محاسبة واستخدام الإرهاب عذراً لتجنب الإصلاحات سيؤديان إلى إنماء الإرهاب في سورية على أيدي النظام وعلى أيدي معارضيه من الخارج وعلى أيدي الذين قرروا تحويل سورية إلى ساحة لاستدعاء الإرهابيين من بلادهم حيث يُحارَب الإرهاب بعيداً من المدن الروسية والأميركية وغيرها. فلا أحد بريء من سورية.

فشل هذا التفكير واضح في العمليات الإرهابية التي طاولت أوروبا والولايات المتحدة وقد تطاول روسيا في مرحلة ما. إنما الآن، تعتقد القيادات الأميركية والروسية والأوروبية أن الأولوية هي للحرب على «داعش» في عقر الدار السورية وكذلك العراقية. في العراق بدأت عملية استدعاء الإرهابيين كي لا تحاربهم الولايات المتحدة في المدن الأميركية، كما قال الرئيس جورج دبليو بوش حينذاك.

في العراق، بدأت عملية اضمحلال الجيش عندما قررت الولايات المتحدة تفكيكه بقرار سياسي اتخذته إدارة بوش عمداً، وليس خطأً كما يقال اليوم. فالجيش العراقي كان بين أقوى الجيوش العربية وكان يمثّل خطراً على إسرائيل وإيران معاً. كان الجيش العراقي الأقوى في المعادلة العسكرية الاستراتيجية العربية – الإسرائيلية، وكان مدهشاً قرار سورية الالتحاق بحرب ضد العراق تدمّر الوزن العربي في المعادلة الاستراتيجية العسكرية مع إسرائيل. هكذا، بدأ تفكيك الجيوش العربية في حرب العراق، فاستفادت إسرائيل واستفادت إيران التي لن تنسى للدول الخليجية دعمها للعراق أثناء الحرب العراقية – الإيرانية مع أنها تناست دور الولايات المتحدة دعماً لصدام حسين في تلك الحرب نفسها.

في العراق اليوم، تتحكّم الميليشيات بالساحة العسكرية. تحل الحشود الشعبية مكان الجيش. يتظاهر الجيش العراقي بأنه متماسك. تلتحق «الصحوات» بحروب على الإرهاب من «القاعدة» إلى «داعش». النتيجة نفسها وهي أن الميليشيات حلّت مكان الجيش.

وكذلك في سورية حيث الميليشيات التي تديرها إيران هي التي تتحكم بالساحة العسكرية وتتهكم على الجيش السوري. روسيا مستاءة لأنها تفضّل الجيش على الميليشيات، لكنها وجدت نفسها خاسرة أمام الإصرار الإيراني على فوقية الميليشيات على الجيش في سورية.

الأهم لروسيا هو ألا يحل مكان النظام في دمشق أي إسلاميين، فهي منذ البداية حاربت «الربيع العربي» لأنها عارضت صعود الإسلاميين إلى السلطة، ودعمت بشار الأسد لأنها افترضت أن البديل المطروح هو صعود الإسلاميين إلى السلطة. وهي مصرّة على عدم استبعاد الأسد من الترشح للرئاسة لأنها ترفض أن تقع سورية في أيدي قيادة إسلامية. وهي تتمسك بكلمة «علمانية» تحت كل ظرف لأنها لن تسمح بأن تحكم سورية الجديدة قوى إسلامية.

لذلك، تلتقي روسيا والولايات المتحدة اليوم على دعم «قوات سورية الديموقراطية» باعتبارها من وجهة نظر موسكو البديل العلماني عن القوى المعارضة الأخرى في سورية على نسق تلك الممثلة في «الهيئة العليا للمفاوضات»، ومن وجهة واشنطن، القوى القادرة على محاربة «داعش» عملياً على الأرض. وكلاهما يوافق على وجهة نظر الآخر.

فلقد كانت إدارة باراك أوباما داعمة صعود الإسلاميين إلى السلطة في مطلع «الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا واليمن. واجهتها القيادة الروسية على مستوى الرئيس فلاديمير بوتين مواجهة شرسة إلى أن التقيا في سورية وتمكنت موسكو تدريجاً من سحب واشنطن إلى معسكرها، باستثناء الخلاف بينهما على تركيا وكذلك مصر إلى حد ما.

موسكو متمسكة بالعلاقة المتينة مع الرئيس عبدالفتاح السيسي العازم على منع «الإخوان المسلمين» من المشاركة في الحكم في مصر. واشنطن تعارض تجاوزات السيسي، لكنها تحاول إصلاح العلاقة الأميركية – المصرية بعدما دمّرها الرئيس أوباما بمواقفه الداعمة رئيس «الإخوان المسلمين» محمد مرسي.

بوتين في عداء واضح مع تركيا لأن الرئيس رجب طيب أردوغان يُعتبر نموذج صعود الإسلاميين إلى السلطة. أوباما وقع في حب نموذج تركيا واعتبره الصالح للعالم السنّي أجمع، قبل أن يعيد النظر اضطراراً لا اقتناعاً.

ما يقوله المطلعون على تطورات الساحة السورية هو أن واشنطن وموسكو تبدوان متفقتين الآن على الحد الأدنى من التوافق وهو «قوات سورية الديموقراطية» المكونة من الأكراد والعشائر العربية، وأن الخبراء الأوروبيين والأميركيين على الأرض لمساعدة هذه القوات لتحارب «داعش» أولاً. فهذه القوات تشمل أقليات وليس فيها حركات سلفية أو جهادية. وهي تبدو البديل الذي يتم إعداده لقوات المعارضة السورية تحت لواء «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تلقى دعم تركيا والسعودية وقطر وغيرها.

السؤال الذي تتداوله الأوساط المتابعة لهذه التطورات هو: هل تدرك المعارضة السورية المسلحة المنتمية إلى «هيئة المفاوضات» أبعاد نقطة تقاطع المصالح الأميركية – الروسية على مصيرها لا سيما أن «قوات سورية الديموقراطية» تقوم بعمليات أساسية في ريف حلب وتتوجه نحو تحرير الرقة؟ وهل لديها أي خيار طالما لا تحصل على المعونات العسكرية التي تمكّنها من استعادة الزخم والمبادرة؟ وما هي آفاق الرفض أو الموافقة السعودية والتركية على هذه التطورات؟

ديبلوماسياً وتفاوضياً، هناك شبه إلغاء الأمر الواقع للمعارضة السورية من خلال الصمت على الرِّجل الثالثة من طاولة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا والمتمثلة في العملية السياسية التي كان يفترض أن تبدأ في الأول من آب. هذا الإلغاء يتم عبر التركيز على التمسك بوقف العمليات العدائية وإدخال المساعدات الإنسانية، وكلاهما لا يصبو إلى شيء يُذكر.

موسكو ربحت ما راهنت عليه. فلقد حوّلت المعركة من إلغاء النظام إلى إلغاء المعارضة مروراً بإلغاء «بيان جنيف» وإلغاء استحقاقات «عملية فيينا» وهي عاكفة على تكريس بقاء النظام في دمشق برئيسه حالياً حتى إشعار آخر.

فلاديمير بوتين وطاقمه الديبلوماسي والعسكري نفذوا ما تعهدوا به ولم يخف بوتين ما في باله سوى أنه، أحياناً، لعب ورقة الأسد بإرضاء موقت للرغبة الأميركية برحيله. روسيا كانت واضحة في ما أعلنته وفعلته ونفذته، على عكس إدارة أوباما التي توعّدت وترددت وتلكأت وتراجعت، ثم شاركت. وها هي الآن تدافع عن نفسها بتبريرات دفاعية.

الناطق باسم البيت الأبيض، جوش إرنست رد على المذكرة الاحتجاجية للديبلوماسيين الأميركيين مشككاً في إمكان تجنب حرب شاملة مع سورية في حال استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد. قال: «أعتقد أن ذلك يعني أنه ينبغي علينا أن نوجه قوة الجيش الأميركي ضد نظام الأسد، وأعتقد أن الأمر يثير الكثير من الأسئلة: أولاً، كيف يمكن القيام بذلك من دون إيذاء المدنيين الأبرياء؟ ثانياً، لست متيقناً من التفويض القانوني الذي سيستند إليه الرئيس للقيام بأمر مماثل. ثالثاً، يبدو الأمر كمنزلق، فهل تقتصر المسألة على جولة واحدة من الضربات الصاروخية، ثم نمضي بعد ذلك شهراً ونحن نحاول التفاوض مجدداً؟ وفي حال لم يتحقق أي شيء، هل نشن مزيداً من الضربات الجوية، أم علينا أن نواصل تصعيد عملنا العسكري؟ وما هي نقطة النهاية؟ يصعب أن ينتهي الأمر من دون حرب على أمة ذات سيادة تتلقى الدعم من روسيا وإيران».

يا للهول! إن لم يكن هناك تكتيك ركيك للدفاع عن سياسة فاشلة بهذا المقدار من الإهانة لذكاء 51 ديبلوماسياً، فما قاله جوش إرنست هو المسودة الكلاسيكية. لا داعي لتفنيد كل جملة نطق بها، فكل كلمة تشكل دليلاً وقاموساً للسياسة الأوبامية.

هذا الرد يفضح ما خلفته السياسة الأميركية نحو سورية وهو افتقاد أي أساس للزعم بأن للولايات المتحدة الأرضية الأخلاقية العليا. هذه السياسة سلبت الولايات المتحدة من القدرة على القول أنها ذات قيم أعلى من الدول الأخرى. لذلك، أتى الاحتجاج الجريء لهذا العدد الكبير من الديبلوماسيين الأميركيين الذين أرادوا للولايات المتحدة ألا تخسر التمييز في هذه المرتبة المهمة عالمياً.

مثل هذا الاحتجاج ما كان ليأتي من الديبلوماسيين في روسيا ولا من الموظفين في الأمم المتحدة. الولايات المتحدة لا تتوقف عند إدارة أو عند سياسة أو عند رئيس ما. وأقل ما يمكن الاعتراف لها به هو أهمية جرأة ديبلوماسيين أميركيين أن يعارضوا رئيسهم ويقولوا له: «خذلتنا أخلاقياً وإنسانياً وقيماً».

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان