أردوغان وأرقامنا البائسة!
أردوغان وأرقامنا البائسة!
● مقالات رأي ٢٨ يونيو ٢٠١٦

أردوغان وأرقامنا البائسة!

نسيت تماماً متى بدأت أكره الأرقام، لم أستطع يوماً استساغتها، إلى درجة أنني حتى يومنا هذا لم أتمكن من حفظ جدول الضرب! وما زلت أستعين بالآلة الحاسبة لأجد حاصل ضرب 7*9 مثلاً!

الشيء الوحيد الذي راق لي من لغة الأرقام والرياضيات كان الهندسة الفراغية، كانت متوافقة جداً مع نزوعي الخيالي، المبتعد عن الواقع دوماً.

بقيت الحال هكذا حتى آذار 2011 حيث أخذت علاقتي بلغة الأرقام بعداً آخر. إذ باتت فجأة مرتقبة ومنتظرة يومياً، كانت في تصاعد دائم لا يتوقف: 10 قتلى، 34 قتيلاً، 96 قتيلاً، 122 قتيلاً، وهكذا… بات من الصعب الآن معرفة إلى أين وصل الرقم بدقة.

ولكن علاقتي بالأرقام لم تتوقف عند هذا الحد. فسرعان ما اكتشفت أن تلك اللغة الخبيثة تدس أنفها في كل شيء، بل وبدقة أكبر: إنها تحكم كل شيء، وتحرك كل شيء!

عرفت لاحقاً أننا معشر أبناء الثورة كنا مولعين جميعاً بالهندسة الفراغية والشعر الحماسي والأغاني العاطفية.. كنا نبني أحلاماً ونخطط مستقبلاً، ولكن للأسف كان كل ذلك فراغياً! لا شيء حقيقي! كنا نجهل جميعاً اللغة التي ينبغي الحديث بها؛ لغة الأرقام.

إن إتقان هذه اللغة اللعينة يجعلك أوضح رؤية، وأقل دهشة، وأكثر معرفة لما قد يحدث.

فلغة الأرقام مثلاً تقول:

أن تركيا هي خامس أكبر شريك تجاري لروسيا، فالتجارة بين البلدين تجاوزت 50 مليار دولار في 2015، ومن المتوقع أن تصل في عام 2020 إلى 100 مليار دولار!

وفي السياحة يقصد تركيا قرابة خمسة ملايين سائح روسي، يدخلون إلى البلاد مليارات الدولارات سنوياً، لدرجة أن انخفاضاً في عدد السياح الروس يقدر ب 1.5 مليون بسبب توتر العلاقات أوقع خسائر بقيمة 4.5 مليار دولار في الاقتصاد التركي!

هذا طبعاً عدا عن الطاقة حيث تستهلك تركيا كميات هائلة من الغاز الروسي، وعدا مشاريع المحطات النووية لتوليد الكهرباء التي ستبنيها روسيا في تركيا!

أما في العلاقة مع إيران فإن لغة الأرقام تستطيع هدم فجوة النزاع العثماني الصفوي التاريخي لتقول:

إن التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي بلغ 14 مليار دولار، وأن أردوغان أعلن رغبته في رفع الرقم خلال سنتين إلى 30 ملياراً، وفي إيران قرابة 100 شركة تركية تنفذ مشروعات في مجالات عديدة بكلف تقدر بملايين الدولارات.

أما في العلاقات مع إسرائيل فتقول اللغة الخبيثة:

إن الميزان التجاري بين إسرائيل وتركيا ارتفع بنسبة 25% خلال العامين الماضيين، وحجم الصادرات التركية إلى إسرائيل قفز إلى 3 مليار دولار بحلول عام 2014، مسجلا ًزيادة قدرها 95% بعد أن كان نصف مليار دولار فقط في عام 2009.

إن من يتقن لغة الأرقام لن يصاب بالذهول إذا ما سمع باعتذار أردوغان لبوتين، أو سمع بإعادة العلاقات التركية الإسرائيلية التي لم تتوقف أصلاً، أو شاهد أردوغان مطمئناً تحت راية (ياحسين)!

تركيا ليست إلا مثالاً واحداً فقط لما يمكن أن تقدمه لنا لغة الأرقام، ربما كانت المثال الأفضل بالنظر للتطورات التي تعيشها علاقاتها اليوم مع دول ظننا أنها ستخاصمها كرمى لعيوننا!

هذه اللغة يمكنكم تعميمها لتشمل جميع الأصدقاء الذين بنينا يوماً أحلامنا الفراغية استناداً على دعمهم!

على الجانب الآخر: ما هي الأرقام التي نقدمها نحن للعالم طالبين منه أن يهرول لنجدتنا؟

للأسف إنها ليست مغرية كثيراً:

400 ألف قتيل

2 مليون مصاب ومعاق

11 مليون لاجئ ونازح

300 ألف معتقل

3 مليون منزل مدمر

700 ألف شخص تحت الحصار

689 مليار دولار خسائر اقتصادية إذا توقف القتال هذا العام!

الآن، ربما يجدر بنا أن نسأل أنفسنا:

ترى..

هل نعيب على الآخرين براعتهم في استخدام لغة الأرقام؟

أم نعيب على أنفسنا استمرارنا بتشييد أوهامنا وأحلامنا الفراغية على بحر من الأرقام البائسة؟!

المصدر: مدونة حارات سوريّة الكاتب: محمد سلوم
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ