مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٥ سبتمبر ٢٠١٦
إرهاب في لبنان بالجرم المشهود

بعد مضي قرابة ثلاث سنوات على جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس اللبنانية، وراح ضحيتها أكثر من خمسين قتيلاً وعشرات الجرحى، أصدر القضاء اللبناني قبل أيام قراره الاتهامي بالجريمة، وأكد ضلوع المخابرات السورية وتورطها، إن لجهة التخطيط، أو لجهة التمويل والتجهيز واتخاذ القرار، فسمّى ضابطين في هذه المخابرات على الأقل، وطلب ملاحقتهما، وملاحقة كل من يظهر متورّطاً معهما على مستوى اتخاذ القرار أو المسؤولية. وأفرد القرار الاتهامي ما توفر لديه من أدلة جرمية دامغة في الملف، تثبت صحة روايته ودقتها، واتهامه الضابطين. وبالطبع، لو لم تتوفر لدى القضاء اللبناني هذه الأدلة الدامغة، لما تجرأ على توجيه الاتهام الصريح لهما، وللقيادة التي تقف خلفهما، وذلك يعد تطوراً مهماً وخطيراً في آن.

وقبل قرابة أربع سنوات أيضاً (أغسطس/ آب 2012) أوقفت أجهزة الأمن اللبنانية (شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي) الوزير السابق ميشال سماحة، على خلفية تهريب مواد متفجرة بسيارته من دمشق إلى بيروت، وطلبه من أحد الأشخاص تفجيرها في مناطق لبنانية شمالية، وفي تجمعاتٍ سياسية ودينية، كما طلب اغتيال شخصياتٍ دينيةٍ وسياسية، بغرض إثارة الفتنة. وقد ضبطت شعبة المعلومات المواد المتفجرة، كما ضبط الوزير بالجرم المشهود من خلال تسجيل محادثته بكاميرا خفية، فضلاً عن أنه اعترف أمام القضاء اللبناني بفعلته تلك، وأكد أنه استلم المواد المتفجرة من أحد ضباط الأمن السوري رفيعي المستوى. ودان القضاء اللبناني الوزير سماحة، وأصدر حكمه بحقه، وتأكّد للقاصي والداني تورّط جهاتٍ أمنية سورية بمحاولة التفجير، وإثارة الفتنة، كما يتم اليوم التأكد والتثبت من تورّط تلك الجهات في محاولة القتل والتفجير وإرهاب الناس، ومحاولة إثارة الفتنة في البلد. وهو بالطبع ما يمكن أن يطرح سؤالاً عن الجهة التي تقف خلف التفجيرات التي طاولت مناطق لبنانية أخرى في الضاحية الجنوبية لبيروت، أو في البقاع، طالما أن القرار الاتهامي وجّه إصبعه في هذه الجريمة في طرابلس إلى هذين الضابطين. وهو ما يطرح سؤالاً آخر ما إذا كان القضاء اللبناني سيتمكن من ضبط خيوط جديدة في التفجيرات التي طاولت تلك المناطق، للتأكد والتثبت ما إذا كانت جهة واحدة تقف خلف كل التفجيرات التي طاولت لبنان بين العام 2011 وآخر التفجيرات، أم أن السياسة ولعبة المصالح ستوقف مساعي القضاء، وتجعلها تصل إلى طريق مسدود.

بعد القرار الاتهامي الذي صدر عن القضاء اللبناني في جريمة مسجدي التقوى والسلام، والذي اتهم صراحة المخابرات السورية بالضلوع في العملية، ومن دون انتظار للحكم الذي يمكن أن يصدر عن المجلس العدلي، طالما أن هناك سابقة في التثبت من ذلك في جريمة ميشال سماحة، يمكن القول إن القضاء اللبناني أثبت، بالجرم المشهود، تورّط تلك المخابرات، والنظام الذي يقف خلفها، بعمل أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه إرهابي بامتياز. لذا، من غير الجائز للعالم أن يصدّق أن هذا النظام يحارب الإرهاب، وفقاً للرواية التي يرفعها على الدوام، ومن غير المقبول أن يتم التغاضي بعد اليوم عن كل هذه الجرائم، وما أكثرها في سورية أو حتى في لبنان.

لكن السؤال الأهم والأكثر حاجة إلى إجابة هو في موقف القوى التي تدعم هذا النظام تحت عنوان أنه يحارب الإرهاب والمجموعات الإرهابية. كيف سيكون موقف هذه القوى من هذا الاتهام، ومن تورّط هذا النظام، أو دعنا نقول ربما أجزاء منه، بهذه الأعمال الإرهابية؟ هل ستقتنع أن حربها معه، وإلى جانبه، مساندة معروفة أو غير معروفة، محسوبة أو غير محسوبة للإرهاب؟ هل ستعي مخاطر هذه المساندة، أو الاستمرار فيها على علاقاتها بالمكونات اللبنانية الأخرى، وعلى لبنان بشكل عام؟ هل ستكتشف، ولو لاحقاً، أن بعض التفجيرات التي أصابت المناطق التي تشكل حاضنةً لها قد تكون من صناعة من فجّر مسجدي التقوى والسلام؟ أم ستقفز فوق ذلك كله من أجل مصالح سياسية وفئوية ضيقة، وستستمر في مشروعها، من دون أدنى اعتبار لمآلات الأمور، بعد كل هذا الكم من الإجرام الذي يصيب الأمة؟

أثبت القضاء اللبناني مرة أخرى أن من يستهدف أمن البلد واستقراره بالفتنة والإرهاب والتخريب والاغتيالات بات معروفاً ومكشوفاً، ولم تعد المسوّغات التي ذهب بعضهم تحت عنوانها لمساندة هذا النظام تنطلي على أحد، فهل المطلوب الاستمرار في لعبة الدم من دون إقامة أي اعتبار لمخاطر ذلك؟ آن الأوان لكي يكتفي المتورطون بهذا القدر والحجم من مساندة من ثبت تورطه بالإرهاب والدم، وإلا فإن الإصرار يعني تفسيراً واحداً يجعل الجميع ينظرون إلى ما يجري على قاعدة الشراكة الكاملة بين الذين كشفهم القرار الاتهامي والذين يواصلون دعمهم لهم، ضاربين بعرض الحائط كل المصالح الوطنية والعلاقة بين مكونات الوطن والأمة، ما يصح القول عنه، في حينه، إنها شراكة كاملة في الإرهاب الحقيقي.

اقرأ المزيد
٥ سبتمبر ٢٠١٦
خيارات صالح مسلم الكردية في شمال سورية

تحت عنوان الحرب على "داعش" والوحدات الكردية، التنظيمين الإرهابيين بالنسبة لأنقرة، تواصل القوات التركية، بالتنسيق مع الجيش السوري الحر التابع للمعارضة السورية، تطهير القرى المجاورة لجرابلس، والإعداد لمعركتي منبج والباب. وفي الأثناء، تتحدث تقارير الاستخبارات التركية عن أن الوحدات الكردية في شمال سورية، والتي أعلنت التزامها بالانسحاب إلى شرق الفرات استجابةً لطلب أميركي، ونتيجة التحذيرات التركية باستهدافها، تتحرّك بالاتجاه المعاكس، وتواصل نقل المقاتلين من القامشلي وعين العرب (كوباني) باتجاه مدينة منبج، وإقامة التحصينات، استعداداً لمعركة طويلة الأمد مع قوات الجيش السوري الحر المدعومة تركياً. هل يفعل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ذلك بتوصيةٍ أميركية، أم تحدياً لها، بعدما تركته وحيداً، يواجه الآلة العسكرية التركية، وأسلحتها الثقيلة وطائراتها، في غرب الفرات؟

بدأت أقلام وكتابات عربية وغربية تنشر أن تركيا أعلنت الحرب على أكراد سورية، لكننا لا نعرف إذا ما كان رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (العراقي) مسعود البارزاني الذي زار أنقرة قبل يوم من انطلاق عملية "درع الفرات" ثم نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي تعمد الوجود في العاصمة التركية لحظة انطلاق العمليات، واكتفاء موسكو بالتذكير بحصة النظام السوري بين شركاء تركيا في التآمر على أكراد سورية.

وقد جدّد لقاء جنيف، في 26 أغسطس/آب الماضي، بين وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، إشعال الضوء الأخضر أمام تركيا، لتمضي بعمليتها التي لا نعرف بعد الشق الخفي فيها، لكن العقبة هي زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) صالح مسلم الذي يريد أن يفسد التركيز على الشق الأهم فيها، أي تدمير قوة داعش في سورية، وفتح الطريق أمام ولادة صيغة حل سياسي جديد، بسبب اعتراضه على حصته وموقعه المتراجعين في المشروع.
سيناريو الهجوم المعاكس باتجاه جرابلس وجوارها بالتنسيق بين المتضررين الكبيرين، داعش والوحدات الكردية، مستبعد حتماً، لأنه سيدمر كل ما بناه صالح مسلم في العامين الأخيرين، في علاقاته مع لاعبين إقليميين ودوليين عديدين، لكن مسلم الذي يقرّر المقاومة حتى النهاية، قبل مغادرة غرب الفرات، يريد أن يبين لأنصاره وحلفائه المحليين أنه لن يتراجع، ولن يستسلم بمثل هذه السهولة، وأنه يريد أن يقاوم، ليساوم لاحقاً على الورقة الثمينة المتبقية بيده في شرق الفرات، في كانتونات القامشلي وعين العرب وما تحت سيطرته في الحسكة، باتجاه بناء الكيان الكردي، حتى ولو تراجعت مساحته في هذه المرحلة.


مشكلاته التركية
مشكلة صالح مسلم الأولى أنه، بنظر الأتراك، يقود حزباً إرهابياً، يعتبر امتداداً لحزب العمال الكردستاني في تركيا، وأن أنقرة لن تتراجع عن موقفها هذا بسهولة، بل العكس هو الصحيح، فهي تجهد لإقناع حلفائها الغربيين، وتحديدا واشنطن، بما تقوله عبر تقديم مزيد من الوثائق والأدلة التي تثبت ذلك.

مشكلة صالح مسلم الثانية أنه سيفقد قريباً خطوط تماسّ عديدة، كان يملكها في المواجهة مع تنظيم داعش، وأن خياراته باتت شبه محدودة، أن ينافس تركيا على الوصول إلى الرقة، بعدما تكاد الأبواب تسد في وجهه في معركة الباب، لكنه اختار معركة منبج، لتكون القشة القاضية في ضرب علاقاته الجيدة مع أميركا التي تبنته، ودافعت عنه بوجه أنقرة ودمشق، ورجحت كفته على المعارضة السورية المعتدلة.

ورطة "أبو ولات" الأخرى ستكون محاولة إشغال تركيا في جبهتين مرة واحدة في شمال سورية، جبهة منبج التي سيخوضها هو وجبهة الباب التي ستقودها "داعش". ستكون حتماً مواجهة قاسية على الأتراك وحلفائهم السوريين إذا ما وقعت، لكن "داعش" التي تعرف أنها ستدمر هناك، وقد لا تقاتل مرة أخرى كما حدث في جرابلس، وترجئ المواجهة إلى مكان وزمان آخرين. فما الذي ستفعله الوحدات الكردية، وهي التي تعرف أنها ستدفع الثمن الباهظ عسكرياً وسياسياً، كونها ستقاتل الأتراك حلفاء واشنطن بالسلاح الأميركي المقدّم لها لمحاربة "داعش"، وكونها ستفقد ثقة حلفائها العرب والسريان الذين راهنوا على سورية الديمقراطية الموعودة في أدبيات حزب الاتحاد الديمقراطي.

فاجأني أحد الأصدقاء الأتراك المقربين من حكومة "العدالة والتنمية"، وأنا أحاوره في خيارات تركيا وقدرتها على الصمود في مطلب انسحاب القوات الكردية من غرب الفرات، بقوله إن المعركة الحقيقية قد تكون في شرق الفرات نفسه، إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة كردياً، وتعرّضت القوات التركية إلى مقاومة حقيقية من الوحدات الكردية، وفشلت واشنطن في ضبط الإيقاع الكردي، فتركيا ستخوض حرباً على جماعاتٍ إرهابية، كما تصفها هي، تهدد أمنها القومي بالتنسيق والتعاون مع حزب العمال الكردستاني الذي أسس وخطط وأشرف على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي نفسه، حسب الوثائق التركية التي قد تقبل بها الإدارة الأميركية عاجلا أم آجلا.

صالح مسلم الذي تفاهم مع النظام السوري في الحسكة، وكان يوزع صور جنود أميركيين باللباس العسكري الكردي، ليخيف كثيرين بالدعم الأميركي المكشوف له، وليقنع العالم بأنه اليوم في موقع الوحدات البرية للجيش الأميركي في سورية، يتابع حتما ما ينشر في الإعلام العربي حول اتصالات بعيدة عن الأضواء بين أنقرة ودمشق. قد تكون معلومات صحيحة، وقد لا تكون، لكن الأهداف التركية السورية هي نفسها، على الرغم من كل شيء، حماية وحدة سورية، وقطع الطريق على مشاريع التفتيت والتجزئة، وتغيير شكل البنية السياسية والدستورية فيها.

يجيد صالح مسلم الكردية والعربية والتركية، وهي أهم لغات المنطقة، ليخاطب أبناءها بها. وما قد ينقذه من ورطته سيناريو وحيد معقد بعض الشيء، هو التخلي عن مشاريع وأحلام الاستفراد بسورية الضعيفة الجريحة اليوم، أو الرهان على سقوط تركيا في مصيدةٍ أميركية روسية، أعدت لها، عبر لعب ورقة الأكراد هناك، لاستدراجها إلى المستنقع السوري الذي تحدث عنه مسلم نفسه. وغير ذلك، فهو سيعني قبول الجميع، إقليميين ودوليين، بالخطة التركية التي تقوم على تجفيف المستنقع السوري، وليس قتل البعوض الذي يحوم هناك فقط.


حقائق يتجاهلها
بين الخيارات المتبقية لصالح مسلم أن يتراجع، مثلاً، عن مناورات اللعب على تناقضاتٍ محليةٍ وإقليمية تتعلق بالملف السوري، وأن يقلد أكراد شمال العراق فيما فعلوه مع أنقرة. أن يخلع لباس الجهوزية، ليأخذ مكانه في كل مربع أمني وسياسي، تبعاً لحاجات لاعبين محليين وإقليميين، مراهنا على حصة "الأسد" في سورية الجديدة. وأن يقبل حقيقة أن تركيا، على الرغم من كل التناقضات، ومن تعارض المصالح مع اللاعبين الكبيرين، الأميركي والروسي، لا يمكن لها أن تتجاهل ما يحدث في سورية، لأنها الأكثر تداخلاً وتفاعلاً مع الموضوع السوري الذي تنعكس تبعاته على داخلها ودورها الإقليمي. وأن التقاء المصالح مع واشنطن في الحرب على "داعش" والتلويح بالورقة الكردية في سورية لا يعني استعداد الإدارة الأميركية للتفريط بتركيا في بقعةٍ جغرافيةٍ وسياسيةٍ وعسكريةٍ واقتصاديةٍ واسعة، حدودها المؤقتة قد تكون شرق الفرات. لا بل إن العقبة أمام الأكراد في سورية الذين يتبنون مقولات مسلم تجاهلهم أن أنقرة تملك أوراق ضغط مؤثرة، مثل استئناف العلاقات مع روسيا الذي منحها ورقةً سياسية إضافية، تستطيع التلويح بها، لتعزيز التعاون مع الروس، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى دعوة القوات الكردية الانسحاب إلى شرق نهر الفرات، فكيف ستناقش لاحقاً مسألة السماح بتشكيل إقليم سياسي كردي مستقل، على حدودها مع سورية، يحاصرها من الجنوب بعد شمال العراق؟

ويتجاهل مسلم مشروع المنطقة الآمنة، أو منطقة محظورة الطيران، في جوار جرابلس بعرض حوالي مئة كيلومتر على الحدود، وعمق حوالي 45 كيلومتراً. وأن تسهيل عودة اللاجئين إليها يخدم الطرح الأوروبي والتركي على السواء، وينهي التوتر الحاصل في اتفاقية اللاجئين الموقعة في مارس/ آذار المنصرم، من دون أن تدخل حيز التنفيذ، بسبب الشروط والشروط المضادة بين الجانبين. كما يتجاهل أن لعب تركيا ورقة إخافة واشنطن وموسكو، بدخول قوات الجيش السوري الحر لمنع الانخراط التركي الأقوى في المعركة ضد داعش، قد انتهى مع دخول آلاف المقاتلين العرب والتركمان المعركة.

ويتجاهل مسلم أن تزايد العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني، في جنوب شرق تركيا في الأسابيع الأخيرة، لا يمكن فصله عن حراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سورية، بهدف إكمال توصيل الممر الكردي على طول الحدود التركية، وربما حتى المنفذ البحري على شرق المتوسط. ويتجاهل أن يصدّق أكراد سورية أن ما تريده واشنطن من الكرد يتجاوز قتال "داعش"، وهو بناء كيان كردي سوري، فقبلوا بصيغة التعاون، بينما الحقيقة هي التبعية، وليس التحالف. وفرصتهم الأهم هي الضغط باتجاه قبول إشراكهم في مفاوضات جنيف المقبلة، والطريق يمر عبر تغيير أساليبهم في التعامل مع الملف السوري، كما فعلت تركيا تماماً، وهي التي نجحت في سحب ورقة "داعش" من يدهم.
"يتجاهل مسلم مشروع المنطقة الآمنة، أو منطقة محظورة الطيران، في جوار جرابلس بعرض حوالي مئة كيلومتر على الحدود، وعمق حوالي 45 كيلومتراً"

ويتجاهل صالح مسلم أيضاً ما قاله وزير الدفاع التركي، فكري أشيق، إن جيش بلاده سيبقى في المنطقة الآمنة، ولن ينسحب إلا بعد أن تتمكن مجموعات الجيش الحر من بسط سيطرتها على كامل تلك المنطقة، وهو أبعد من التسعين كيلومتراً التي يجري الحديث عنها، ولها علاقة مباشرة بتسهيل انتقال المقاتلين الأكراد عبر الفرات أميركيا، وبترك العلاقات الكردية السورية والأميركية أمام اختبار جديد فجره ريدور خليل، الناطق باسم وحدات حماية الشعب الكردية، بقوله "قواتنا في غرب الفرات لا يمكن أن تتراجع تحت الضغط التركي، أو تحت أي ضغط آخر، لأننا أصحاب الأرض". ورد عليه الرئيس التركي، أردوغان، بقوله "لن نأخذ بالتهديدات الكردية، ولا حتى بالنصائح الغربية بعدم المغامرة والدخول إلى عش الدبابير السوري".

ويتجاهل مسلم أن التفاهم الأميركي التركي الروسي أرجأ المشروع الكردي في سورية، بانتظار إعادة صياغته، فقيادة القامشلي غير قادرة على القيام بما يتعارض عملياً مع الخطط الأميركية والروسية، واليوم التركية والإيرانية، في سورية، والمؤكد أن أموراً كثيرة ستتغير في سورية في الفترة المقبلة.

قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في اجتماعه مع وفد كردي يمثل حزب الاتحاد الوطني، بزعامة رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني، إنه لن يقف في طريق حق الأكراد في تقرير مصيرهم، "على أن نتفاهم في ما بيننا، إما بالبقاء معاً أو الانفصال". وقد تواترت أخيراً نصائح عربية للأكراد، عليهم أن يأخذوا ببعضها، مثل حقيقة أن الحليف الأميركيّ لا يضحّي بالوزن التركي كرمى للوزن الكرديّ. وألا يأخذوا ببعضها، مثل أن الخيار الكردي الوحيد في سورية هو أن يتحملوا طريق الصحراء الطويل، لأنها الخطى التي كتبت عليهم لكي يصلوا، فهناك خيارات أخرى.

اقرأ المزيد
٥ سبتمبر ٢٠١٦
إطلاق النار على الشاشات

في الحديث عن الكارثة السورية، تمكننا العودة كل يوم إلى ما قاله الكواكبي في «طبائع الاستبداد»، من أن «الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها، من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفرّاش، إلى كنّاس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته».

ومع تدحرج كرة الدم السورية واتساعها بفضل حلفاء الأسد، يصير الحديث عن الاستبداد وتشريح بنيته ضرورة فكرية، خاصة بعد أن أتاحت إدارة أوباما لبوتين في الملف السوري هذا الظهور العسكري الفج في الساحة السورية، ليبدو كقيصر جديد لروسيا.

مستبد أول يرفض التنازل ويتحالف مع مستبدين، مستبدون بيدهم جيوش وحاملات طائرات وآلاف الجنود، ومعارضة مسلحة لم تمتلك حتى اللحظة مضاد طيران.

إعلامياً، مازالت المناقشات السياسية تميل لمناقشة الخبر السوري المستمر، بينما تروي وقائع الأرض آلاف الحوادث المرعبة، حوادث تستند في عمقها إلى هذه القاعدة الاستبدادية التي ساندت الطاغية المستبد وأطالت في عمره حتى الآن.

روى لي صديق إعلامي حوادث هائلة الدلالة لم يسمع بها الإعلام، حوادث إطلاق النار على شاشات التلفزيون من قبل عناصر وجنود وشبيحة وموالين لنظام الأسد، وذلك عندما كانوا يشاهدون سقوط تماثيل حافظ الأسد وصور بشار في عدد من المناطق السورية في أعوام 2012 و2013 و2014، وكلهم كانوا يتابعون القنوات العربية الإخبارية لمعرفة الخبر السوري، لكنهم عندما كانوا يرون سقوط رمزهم المستبد وتحطيم تماثيله تحت أرجل الناس لم يجدوا أمامهم سوى شاشات التلفزيون ليطلقوا عليها النار انتقاماً وتثبيتاً لسلطة أرادت طوال عقود حكمها أن تكون هكذا، عبارة عن رصاص ونار.

هنا أيضاً ينسى الإعلام البحث عن إيريك فروم وهو يحلل في كتابه «تشريح التدميرية البشرية» سيكولوجيا الطغاة من هتلر إلى ستالين.

وهنا أيضاً تصير العودة إلى الفيلسوفة الأميركية ذات الأصل الألماني هنه أرنت ضرورة أخلاقية، وهي تعرفنا في مناقشتها لبنية الشمولية والاستبداد كيف يكون شخص نازي مثل إيخمان الذي قبضت عليه إسرائيل وحاكمته، عبارة عن منفذ أوامر في بنية استبدادية جعلته يرى حرقه ملايين اليهود في ألمانيا فعلاً لا علاقة له به شخصياً.

وأيضاً هناك كتاب ممدوح عدوان «حيونة الإنسان» الذي استمد بعض أحداثه من وقائع الحرب الأهلية اللبنانية، حيث تصير المجازر لذة لطغاة صغار دخلوا أتون هذا اللهب والسعير.

كل عنصر مسلح عند الطاغية يرى نفسه طاغية، كل ضابط، كل موالٍ، كل شخص موال لنظام الأسد هو أسد صغير، وتتدحرج كرة الدم ويرى كل هؤلاء الطغاة الكبار والصغار أن من يتخلى عن السلطة الآن يموت ولن تعود السلطة إليه أبداً.

عندما مات باسل الأسد في 21 كانون الثاني (يناير) 1994 في حادث سير، في ذلك اليوم رأيت عاملاً سورياً قروياً موالياً يعمل في تلك الأيام 12 ساعة في اليوم ليحصل على أجر يبلغ 150 ليرة، رأيته يبكي أمامي ويتمنى لو أنه خسر أولاده الشبان الخمسة ولم يسمع بخبر موت باسل.

وحين وقع المثقفون السوريون «بيان 99» بعد توريث السلطة لبشار الأسد مطالبين بإصلاحات سياسية، شاهدت صحافياً موالياً كان يشرف على ملحق ثقافي يضرب الطاولة بيديه ويصرح في ممرات الجريدة مطالباً بمحاسبة كل من وقّع على هذا البيان.

من هنا يمكن مثلاً أن نتعرف إلى البنية العميقة للاستبداد، حيث يصير المستبد راعياً ومنتجاً لقطيع كامل من المستبدين. وتفكيك هذه البنية معرفياً جزء لا يتجزأ من مهمة تنظيف العقل الإنساني وتنويره.

اقرأ المزيد
٥ سبتمبر ٢٠١٦
تقاسم خريطة سورية يرسّخ التقسيم خياراً وحيداً؟

يبدو صعباً أن تبرم روسيا والولايات المتحدة اتفاقاً استراتيجياً في سورية. أقصى ما يمكن أن تتوصلا إليه تفاهمات على وقف للنار هنا وهدنة هناك. أو رسم حدود العمليات الجوية لكل طرف. وسبل ضرب جبهة «فتح الشام» (النصرة). والأسباب كثيرة ذاتية وموضوعية. فالثقة مفقودة بين الطرفين على رغم رغبتهما في التعاون. ففي حين تتطلع موسكو إلى تفاهم واسع يشمل جملة من القضايا والملفات الشائكة، تبدأ بأوكرانيا ولا تنتهي ببلاد الشام، ترغب واشنطن في تعاون لا يتجاوز سورية. خصوصاً أنها باتت أكثر ارتياحاً إلى توازن القوى على الأرض. فهي حاضرة عبر دعمها «قوات سورية الديموقراطية» وغالبيتها الكردية. كما أن تدخل تركيا التي هرولت إلى مراضاتها بعدما أشاحت بوجهها نحو الكرملين، يضيف قوة إلى هذا الحضور.

حتى وإن توصل الأميركيون والروس إلى اتفاق استراتيجي، فإن العبرة ستكون بالتنفيذ. وهذا دونه عقبات كبرى. صحيح أن اللاعبين الخارجيين رسموا حدود «مناطقهم» وتدخلهم، وحجزوا لهم مقاعد على طاولة أي مفاوضات لرسم صورة بلاد المشرق العربي، إلا أن مشاريعهم ومصالحهم تتضارب ولا يقيمون اعتباراً لمصالح سورية وإن بالغوا في إبداء الحرص على وحدتها! حتى داخل صفوف الحلفاء تتعارض الأجندات. فاللاعبون الإقليميون لهم أجندات مختلفة تتجاوز قدرة الكبار على فرض الحلول والتسويات. والحروب المندلعة بالوكالة، أو مباشرة، في المسرح السوري، لا تشي مثلاً بتفاهم استراتيجي بين واشنطن وأنقرة بقدر ما تزخر باختلافات ومواجهات على الأرض. أما الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في الجانب العربي فلا شيء يقلقهم أكثر من إيران وسياسة التدخل التي تعتمدها في الإقليم. ويشككون في سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما. ومثلهم أوروبا التي لا تخفي انزعاجها من استئثار البيت الأبيض والكرملين بالملف السوري. وكذلك الأمر على جبهة دمشق وحليفيها الروسي والإيراني. فلكل من هذه الأطراف الثلاثة هدفه الخاص وأجندته المختلفة. وأبعد من ذلك أن المتصارعين على الأرض لا يثقون بوعود الولايات المتحدة أو روسيا أو بقدرتهما على الوفاء. وإذا صح أن الكرملين يمسك وحده بالقرار فإن البيت الأبيض يجد نفسه حائراً وسط وجهات نظر مختلفة بين الخارجية والبنتاغون والكونغرس، وجل ما تلتقي عليه هذه هو محاربة «داعش» فحسب.

بات توزيع المسؤوليات عن المناطق في سورية واضحاً لا لبس فيه. تقاسم المتدخلون الجغرافيا والديموغرافيا. لذلك تستحيل رؤية حل في الأفق القريب ما لم تتلاق هذه الأطراف على رؤية واحدة وأهداف واضحة. بالطبع لن يأتي الحل على هوى الأطراف المحلية المتصارعة. فمنذ أن قرر هذا الطرف أو ذاك الاستقواء بقوة خارجية قريبة أو بعيدة، بات منطقياً أن تراعي أي تسوية مصلحة هذه القوى الخارجية. فعندما استنجد النظام بإيران والميليشيات الحليفة رهن قراره تلقائياً برغبات طهران وسياساتها، حتى باتت لبعض الميليشيات مناطق نفوذ تنفرد بها عن دمشق نفسها، من داريا إلى القلمون والقصير... وكذلك دعوة روسيا إلى التدخل تعني منحها مساحة كبيرة في المجال السياسي وباتت اليوم تنفرد بعقد تفاهمات مع فصائل مقاتلة هنا وهناك بصرف النظر عن موقف النظام ورغباته. كما أن المعارضة التي هللت أخيراً لتدخل تركيا الميداني من بوابة جرابلس، ستجد نفسها مرغمة على مراعاة المواقف السياسية لأنقرة وسماع كلمتها. فالدعم العسكري الذي قدمته وتقدمه هذه إلى «الجيش الحر» وشركائه لن يكون بلا ثمن، حتى وإن توجهت حكومة بن علي يلدريم إلى تسريع وتيرة تطبيع العلاقات مع دمشق. لن يكون أمام «الهيئة العليا للمفاوضات» رفع صوت الاعتراض عالياً، ما دامت الآلة العسكرية التركية على الأرض توفر للفصائل المقاتلة فرصة تصحيح ميزان القوى في المواجهة مع النظام وحلفائه.

قد لا تكون هذه المشكلة الوحيدة التي تواجه المعارضة اليوم بجناحيها السياسي والعسكري. ذلك أن أي تفاهم بين روسيا والولايات المتحدة على لائحة الفصائل الإرهابية سيؤدي إلى مزيد من إضعاف لجبهة خصوم النظام، ولا سيما المعتدلين منهم. فالكرملين يكاد يلتقي مع دمشق في اعتبار معظم الفصائل إرهابية. في حين ترغب واشنطن في تحييد بعضها، خصوصاً تلك التي توفر لها دعماً وتدريباً. كما أن سعي القوتين الكبريين إلى تفاهم على سبل إبعاد المعتدلين عن «جبهة فتح الشام» («النصرة») قد يعقد مجريات الحرب على «تنظيم الدولة»، ويعيد خلط الأوراق في صفوف المقاتلين على الأرض. «أحرار الشام» مثلاً التي تضعها موسكو في سلة واحدة مع العناصر الجهادية قد لا تستسيغ الابتعاد عن «النصرة»، فكيف بقتالها؟ وكانت دافعت عنها في مواجهتها مع «داعش». هي تعتقد بأن الموسى ستصل إليها عاجلاً أم آجلاً، ولا تريد أن تكون الثور الأبيض بعد أكل الثور الأسود. كما أن «الائتلاف الوطني» الذي يقطف ثمار مشاركة الجبهة ميدانياً في قتال قوات النظام سيجد نفسه بعد أي اتفاق أميركي - روسي أمام خيار الابتعاد عنها. لن يكون بمقدوره الإفادة من العائد السياسي الذي توفره مشاركتها الميدانية. علماً أن الجبهة التي أعلنت قطع صلاتها بتنظيم «القاعدة» لا تزال تعيش تداعيات هذا القرار. فهناك صراع بين أجنحتها. بين من يريد التماهي مع «أحرار الشام» والفصائل التي انضوت تحت عباءة «الهيئة العليا للمفاوضات» وأولئك المتشددين الراغبين في إعادة ربط ما انقطع مع زعيم التنظيم أيمن الظواهري، وهم الغلبة. إضافة إلى ذلك، بات طبيعياً أن تبدل فصائل كثيرة ولاءاتها. وهذا ما يعقد مهمة الساعين، خصوصاً الأميركيين، إلى التوافق على لائحة واضحة بالتنظيمات الإرهابية. كما أن فصائل الجبهة الجنوبية تعيش في فضاء آخر تبعاً لأجندات رعاتها الإقليميين في إطار تفاهم يكاد يكون الثابت الوحيد. وهو ما حال دون تحركها في الفترة الأخيرة لتخفيف الضغط مثلاً عن المناطق التي كان النظام يحاصرها وبدأت «تستسلم» الواحدة بعد الأخرى.

هناك من يتوقع أن يدفع تقاسم اللاعبين الخارجيين الجغرافيا السورية الأطراف المحلية إلى تسوية سياسية، وإن بقوة الفرض والإرغام. لكن سعي هؤلاء إلى تثبيت مصالحهم أولاً وأخيراً يعقد الحلول. وقد فاقم تدخل تركيا الوضع وبدل المشهد كلياً. باعد بين الحلفاء القدامى والجدد. صحيح أن أنقرة تفاهمت مع الجميع بمن فيهم دمشق، إلا أنها بالتأكيد لن تعود إلى الوراء مثلها مثل الذين سبقوها إلى الميدان. بل تستعجل الخطى نحو مشاركتهم في المستنقع السوري. وهكذا يتساوى الجميع في العجز عن الحسم ما دام لا قدرة على بناء نوع من التوازن بين المصالح المتضاربة. فلروسيا حساباتها التي لا تلتقي وحسابات أميركا وتركيا. بل لا تلتقي في النهاية مع حسابات النظام وحليفه الإيراني الذي يتهم بالمساهمة في سياسة التهجير ودفع عجلة التغيير الديموغرافي. علماً أن تدخلها العسكري طال أمده المقرر ولم تستطع فرض التسوية لعجزها عن إلحاق هزيمة ساحقة بخصوم النظام. وهي لا تسقط من حساباتها قدرة الآخرين على إغراقها في المستنقع. فكيف لها أن تقيم توازناً بين ما ترغب فيه وما يرغب الآخرون فيه؟ وللولايات المتحدة مصلحة في الحفاظ على علاقات استراتيجية مع أنقرة، لكنها في النهاية لا يمكنها التخلي عن دعم «وحدات حماية الشعب» طرفاً قادراً على مواجهة «داعش»، لكنه خصم لدود تضعه حكومة بن علي يلدريم في سلة واحدة مع حزب العمال الذي تقاتله «تنظيماً إرهابياً». وهكذا تبدو في حيرة لا تسمح لها باعتماد سياسة راسخة وثابتة، وتضعف حربها على الإرهاب. أما الرئيس رجب طيب أردوغان فهو الآخر يعيد النظر في حساباته لتقويم الأخطاء. ولن يكون سهلاً على حكومته أن تقيم توازناً بين رغبتها في احتضان المعارضة وسعيها إلى تطبيع العلاقات مع النظام في دمشق. هذا من دون الحديث عن أوروبا التي يضايقها الثنائي الروسي - الأميركي، لكنها لا تبدو قادرة على فرض موقفها وهي تغرق في أزمة اللاجئين ومواجهة ذئاب «تنظيم الدولة» في مدنها وشوارعها.

حيال عجز الجميع عن الحسم العسكري وابتعاد التسوية كأنها باتت من المستحيلات، لا يبقى سوى ترسيخ حدود تقاسم المسؤوليات الذي يفرضه تدخل المتدخلين بانتظار أن ترسو سورية الجديدة على خريطة فيديرالية تأخذ الواقع القائم على الأرض والتغييرات التي فرضتها الحرب الأهلية... إلا إذا لم يعد مفر من التقسيم الفعلي الذي أصبح حقيقة على الأرض بقوة الكبار الدوليين والإقليميين مباشرة أو عبر وكلائهم، وينتظر نضج الظروف في المنطقة كلها وتفاهم الكبار على النظام الدولي الجديد. وقد لا ينفع الرهان على تغيير واسع وكبير تقوم به إدارة أميركية جديدة، خصوصاً إذا قدر لهيلاري كلينتون دخول البيت الأبيض. الخريطة السورية ترتسم فيها حدود باتت شبه ثابتة والحرب على «داعش» ليست أولوية جميع اللاعبين. بل هناك في إسرائيل من يحذر من القضاء نهائياً على «دولة البغدادي» لأنه يرى إلى بقائها ضرورة لمواجهة تحالف موسكو - طهران - دمشق!

اقرأ المزيد
٥ سبتمبر ٢٠١٦
تفجيرا طرابلس: صمت الممانعين

لا يضيف القرار الاتهامي الصادر في شأن جريمة تفجيري مسجدي السلام والتقوى في طرابلس اللبنانية الشيء الكثير إلى الصورة الراسخة لآليات عمل نظام حافظ وبشار الأسد وسلوكه وقيمه ونظرته إلى أسلوب التعامل مع خصومه في الداخل والخارج.

اللبنانيون الذين تعرّفوا إلى هذا النظام عن كثب منذ أربعين عاماً عندما تدخلت قواته في حربهم الأهلية قبل أن يمنح العرب حافظ الأسد تفويضاً سياسياً وعسكرياً شاملاً، لم يفاجأوا بالقرار الظني الصادر قبل يومين والذي أكد لهم المؤكد، من أن أجهزة الاستخبارات السورية خططت ونفذت التفجيرين اللذين ذهب ضحيتهما اكثر من خمسين قتيلاً مدنياً إضافة الى مئات الجرحى، لدى خروجهم من المسجدين عقب صلاة الجمعة في 23 آب (أغسطس) 2013. أصابع الاتهام وُجّهت إلى النظام السوري قبل أن تجف دماء الضحايا وكان الاتهام صائباً.

ذريعة الجريمة، «الانتقام من خصوم النظام»، لا تشكل بدورها تبدّلاً في أساليب القتل المعتمدة، حيث لا قيمة لحياة المدنيين ولا أهمية لمدى انحيازهم إلى الخصوم، ناهيك عن استسهال اللجوء إلى سفك الدماء سواء بالتفجير أو بالاغتيال ضد أي معارض أو خصم.

الجديد في القرار الاتهامي الذي يفصّل أدوار الضباط السوريين وعملائهم اللبنانيين، هو الصمت الذي قوبل به في لبنان. وباستثناء بعض التعليقات من السياسيين الطرابلسيين ومن الخصوم المعروفين لنظام بشار الأسد، ساد صمت المقابر ضفة «الممانعين» اللبنانيين الذين أعلنوا بصمتهم موافقتهم على ارتكاب أجهزة الاستخبارات السورية الجرائم المتمادية ضد مواطنيهم.

يقول «منطق» الممانعين اللبنانيين إنهم يعرفون سوء نظام الأسد وإجرامه وكل موبقاته ومثالبه، لكنهم لا يجدون مفراً من تأييده ودعمه. لماذا؟ «لأنه أفضل من داعش». هكذا يدفع الممانعون وأشباههم انفسهم الى الثنائية العدمية في حصر الخيار بين تنظيم ديني متطرف يقتل ويفجر الناس في الأسواق والشوارع وبين نظام «وطني وتقدمي»... يقتل ويفجر الناس في الأسواق والشوارع. وهذا واحد من جملة طويلة من التشابهات بين الأسد و «داعش».

بيد أن الممانعين ليسوا على قدر السذاجة التي يريدون أن يتصورها الآخرون عنهم. بل إنهم يعلمون تمام العلم المآلات الكارثية التي يسيرون بعيون مفتوحة على اتساعها صوبها. ويعلمون ان انخراطهم في حرب النظام السوري على شعبه وعلى معارضيه من اللبنانيين، لا يقل عن فتح أبواب جهنم لألف عام من الحروب الأهلية والطائفية والجهوية التي دمرت مجتمعات المنطقة. ويعلمون أن التغيير الديموغرافي الذي ينفذونه جهاراً نهاراً في دمشق ومحيطها، على نحو لم يعد في حاجة إلى إثبات، لا يمكن أن يمر إلا على بحور من الدماء.

هؤلاء الممانعون الذين لا تنقصهم الوقاحة لاستغلال اسم فلسطين (الضابط المخطط لتفجيري طرابلس من «فرع فلسطين» في الاستخبارات السورية)، وادعاءات العلمانية وحماية الأقليات والتنوير ومحاربة الإمبريالية، مقابل اتهام خصومهم بالظلامية والتكفير والعمالة للغرب، لم يقولوا كلمة واحدة في الاعتراض على سلوك حليفهم الممعن في اغتيال وقتل وتفجير مواطنيهم.

بصمتهم هذا يعلنون منظومة جديدة من الأولويات، حيث تقع مصلحة لبنان كدولة واللبنانيين كمجتمع في اسفل القائمة، وتسبقها ولاءات خارجية وطائفية تكرس انقسام هذه البلاد انقساماً لا عودة عنه.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٦
جلب الأسد إلى لبنان

لولا تخاذل إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما في قضية إستخدام نظام بشار الاسد السلاح الكيميائي بحق الشعب السوري قبل أعوام لكان الاسد اليوم خلف قضبان سجن العدالة الدولية. وحتى هذه اللحظة لا يزال هذا النظام متورطا في جرائم موصوفة كان آخرها قبل أيام عندما دعت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الى فرض عقوبات على دمشق بعدما أكد التحقيق أن جيش الاسد شنّ هجومين كيميائيين في عاميّ 2014 و2015 على بلدتين في محافظة إدلب هما تلمنس وسرمين. وكالعادة برز الفيتو الروسي في مجلس الامن ليحمي القاتل.

في الساعات الماضية، أصدر القاضي آلاء الخطيب القرار الإتهامي في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس وقد تضمن القرار تسمية ضابطين في المخابرات السورية المخططين والمشرفين على عملية التفجير وهما النقيب في فرع فلسطين في المخابرات السورية محمد علي علي والمسؤول في فرع الامن السياسي في المخابرات السورية ناصر جوبان. وليس هناك من حاجة للتفتيش عمن يجب أن يوجه اليه الاتهام لإصداره الامر بتنفيذ الجريمة المزدوجة والتي أدت الى إستشهاد أكثر من 45 وجرح 500 آخرين في 23 آب 2013 على رغم ان القرار الاتهامي للقاضي الخطيب يقول "ان الامر قد صدر عن منظومة امنية رفيعة المستوى والموقع في المخابرات السورية".

في السجن يقبع الوزير السابق ميشال سماحة في قضية نقل متفجرات لتنفيذ مخطط أرهابي في الشمال أيضا. أما البطل الحقيقي للمخطط فهو اللواء السوري علي المملوك الذي يداوم خلف مكتبه في دمشق. لكن في كلتا قضيتيّ المسجدين وسماحة نحن امام الاسد الذي يتحمّل المسؤولية مباشرة.

في تغريدته امس عبر حسابه على تويتر قال الرئيس سعد الحريري: "... سنتابع جهود القاء القبض على المتهمين من أدنى قتلتهم إلى رأس نظامهم المجرم". والطريق الى هذا القصاص العادل معروف في كل الشرائع الدولية. ولنا شاهد هنا، هو المطالبة المستمرة بالاقتصاص من الرئيس الليبي معمّر القذافي جراء إرتكاب أجهزته إخفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه قبل 38 عاما على رغم ان القذافي أصبح تحت التراب.

قبل أيام كشف النائب مروان حمادة أن وزير الاشغال السوري حسين عرنوس بعث اليه ببطاقة دعوة لحضور معرض إعادة إعمار سوريا في 7 أيلول الحالي بدمشق في حين كان حمادة يتلقى سابقا مذكرات جلب بحقه من النظام السوري. لا ضير في أن يخطو القضاء اللبناني خطوة في إتجاه إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحق الاسد. وإذا كان هناك من وسيلة لتنفيذ المذكرة فلتكن على شاكلة بطاقة دعوة الى حضور جلسة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية على ان يكون القضاء اللبناني في إنتظار الاسد لتوقيفه. قد يكون هذا الكلام ضربا من الخيال، لكن الواقع هو ان الطغاة يتساقطون والاسد لن يكون إستثناء وهو من دمّر سوريا.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٦
الرأي العام العالمي يساعد على الانتصار

يتساءل سوريون كثيرون ومناصروهم عن سبب هذا الموقف المتردّد، والمتشكك أحياناً، من المجتمع المدني والرأي العام الأوروبي والأميركي تجاه ثورة الشعب السوري وحقه في التخلص من حكم مافيوي عائلي، حكمه بالحديد والنار أكثر من خمسة وأربعين عاماً، ويستغربون غياب الدور الذي لعبه المجتمع المدني الغربي إلى جانب حق شعب فيتنام في التخلص من الهيمنة الأميركية، أو في دعم مسعى شعب جنوب إفريقيا للتحرّر من نظام الفصل العنصري. ولماذا لم تستطع كل المظالم والدماء في سورية دفع النخب الثقافية الغربية إلى الشعور بالذنب تجاه تقصير حكوماتها بحق قضية السوريين العادلة، كما حصل عندما تظاهرت هذه النخب في شوارع مدن الغرب، دعماً لتطلعات الأفارقة الجنوبيين نحو الحرية والمساواة والعدالة، أو تلك النزعة لدى النخب الأوروبية التي ناصرت، بكل قوة، حقوق دول أميركا اللاتينية في التحرّر من الدكتاتوريات الموالية للغرب التي حكمتها، وتحكّمت بمصيرها عقوداً، أو الحماس الغربي للوقوف إلى جانب دول أوروبا الشرقية، عندما خرجت شعوبها بالملايين في رومانيا وألمانيا الشرقية وتشيكيا وهنغاريا، مطالبة بإسقاط مستبديها الشيوعيين الذين أذاقوها الأمرّين عقوداً من الحقبة الشيوعية.

من حقنا أن نتساءل، ومن واجبنا أن نبحث عن الأسباب. وعلينا التوقف عن القول إن القصة كلها مؤامرةٌ تحاك ضدنا، نحن العرب والمسلمين، لأن خسارة معركة الرأي العام العالمي هي أحد أسباب تأخر انتصار القضايا العادلة للشعوب التي تواجه طغاةً بقسوة الذي نواجهه ووحشيته.

على الرغم من أن الحكومات الغربية تعتبر أن مصالح حكوماتها ورضا شعوبها، وليس العواطف والمشاعر الإنسانية هي الأسس التي تضمن كسب معاركها الانتخابية ضد خصومها السياسيين، إلا أن التاريخ يعلِّمنا أن نجاح أنصار أي قضيةٍ في تحويل قضاياهم ومظالمهم إلى قضايا رأي عام في الدول الديمقراطية كان دائماً مقدّمة لانتصار هذه القضايا، ولو أنه شرط لازم غير كاف.

خصّصت، أخيراً، وقتاً لمتابعة وسائل الإعلام والصحافة الأوروبية وبعض الأميركية، وللحديث إلى مطلعين نسبياً على ما يجري في سورية، في الوسط الثقافي الأوروبي وبعض الدبلوماسيين المتقاعدين الذين عملوا، قبل تقاعدهم، في دول الربيع العربي، وفي سورية خصوصاً. وحاولت متابعة مقالات بعض كتاب الرأي المختصين بالشرق الأوسط في أوروبا الغربية ولقاءاتهم مع محطات التلفزة الغربية، وراقبت تصريحات وتحليلات محللين غربيين كثيرين لوسائل إعلام ناطقة بالعربية. كما كنت أحاول أن أتلمّس نظرة المواطن الأوروبي إلى ما يجري في سورية. من ذلك كله، أستطيع أن ألخص مواقف صنّاع الرأي في أوروبا والغرب من الثورة السورية كالتالي:
أولاً، الأسد مستبد وفاسد ودكتاتور، ورث السلطة عن أبيه المستبد والدكتاتور والفاسد أيضاً. والاثنان قادا ما يشبه مجموعة عائلية، ارتكبت جرائم كثيرة بحق السوريين الذين من حقهم المطالبة بالتخلص من هذه المجموعة، ونيل حريتهم واستعادة قدرتهم على انتخاب حكوماتٍ تحترم حقوقهم ومحاسبتها، لكن البديل التي أفرزته الثورة السورية (هم يعتقدون أن القوى التي تقاتل الأسد هي "داعش" وتنظيمات شبيهة تختلف مع "داعش" على أحقية حكم سورية وإدارة الخلافة الإسلامية فيها) سيكون أكثر استبداداً ودمويةً، وقد يقضي على بعض الحريات الاجتماعية التي أتاحها نظام الأسد العلماني (لا أوافق أن نظام عائلة الأسد علماني، هو مافيوي لا يعنيه لا الدين ولا الشريعة ولا العلمانية، بل يستخدمها جميعاً لاستمرار سلطته)، وبعض مبادئ "البعث" الخاصة بحقوق المرأة والأقليات الدينية.

ثانياً، في البداية، كان هناك تعاطف كبير مع الثورة والمعارضة السورية، لأن معظم الوسط الثقافي والصحافي المهتم بالشرق الأوسط كان يكتب عمّا يجري في سورية ودول الربيع العربي أنه شبيه بالثورات المطالبة بالانفتاح والديمقراطية في أوروبا الوسطى والشرقية، عند سقوط الاتحاد السوفييتي. وبمراجعة مقالات كتبها مهتمون بالشأن السوري، قبل أربعة أعوام، كانت تعتبر التظاهرات السلمية ومشاركة جميع أطياف الشعب السوري فيها، إضافة إلى دور المرأة السورية الواضح فيها، أمراً إيجابياً ومبشراً. غير أن مقالات هؤلاء أنفسهم اليوم، بعد ظهور "داعش" وجبهة النصرة والرايات السود، وهيمنتها على المشهد المعارض السوري، سنجد حجم التغيير الذي حصل، وخصوصاً بعد ظهور صور قطع الرؤوس والرجم والجلد وسبي النساء والرايات السود والعمليات الإرهابية في أوروبا.

أصبح كثيرون من صناع الرأي في أوروبا يفضّلون بقاء ما يعتقدون أنهم مستبدون علمانيون حداثيون على وصول المتطرفين الإسلاميين لحكم تلك الدول والمجتمعات، حيث لم تستطع هذه الثورات، حسب رأيهم، تقديم بديل مقنع آخر، يجعلهم ينزلون إلى الشارع لمناصرته.

لا تقل معركة الرأي العام أهميةً إطلاقاً عن أي معركة أخرى، يخوضها الشعب السوري في سبيل حريته ومستقبل أبنائه، وأن غياب إعلام معارض واع ومدرك مستلزمات هذه المعركة ساهم أيضاً في هذه الخسارة، حيث تُركت الساحة لآلة النظام الإعلامية، لكي تنقل ما يحدث في سورية بالشكل الذي يخدم صورة طاغيتها. وقد ساعد وجود "داعش" و"النصرة" والتنظيمات الإسلامية الأخرى، وما ارتكبته من جرائم بحق السوريين، وما تطرحه من أفكار ظلامية في تأكيد الصورة التي أراد هذا الإعلام طبعها في الرأي العام العربي والعالمي، عن الثورة السورية ومآلاتها.

هل لا تزال هناك فرصة لعمل شيء؟ نعم، لو خلُصت النيات.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٦
سورية: إلى أين وصلنا؟

من الصعب القول إنّ هنالك توافقاً، أو صفقة دولية منجزة، حول سورية، بين الروس ومعهم الإيرانيون والأتراك والأميركان، وتفسير ما يجري من تطوراتٍ تشي بترتيباتٍ على الأرض وفصل المناطق المتنازعة، بوصفه تنفيذاً لهذه الصفقة الكلية، بقدر ما يعكس تسوياتٍ وصفقاتٍ وتفاهماتٍ جزئيةٍ مرتبطةٍ بمصالح الدول الإقليمية، وانعكاسات التحول في ميزان القوى على الأرض.

على صعيد النظام والروس، هم في الطريق إلى استكمال مشروع "سورية المفيدة"، عبر عمليات هندسةٍ ديمغرافيةٍ طائفيةٍ سافرة، يتم خلالها تهجير سكان أحياء دمشق، وريفها، من كل معارضي النظام، ما يعني تحجيم "الكتلة السنية" هناك، بدايةً من الزبداني، مروراً بعين الفيجة ووادي بردى، ثم الحجر الأسود والقدم ومخيم اليرموك، وصولاً إلى داريا والمعضمية، والحبل على الجرار.

في الأثناء، تجري عملية إنهاء "ملف حيّ الوعر" لتصفية حمص، والتفرّغ لجيوبٍ أخرى من المقاومة في المناطق الممتدة بين دمشق والساحل وحمص وحلب واللاذقية، وشريط الحدود السورية اللبنانية، فيما ارتفع سقف طموح النظام لضم حلب إلى الكيان الجديد.

في المقابل، تسعى تركيا جاهدةً إلى إنهاء "حلم الكيان الكردي"، عبر التدخل العسكري عبر الفرات، ودفع القوات الكردية إلى شرق النهر، ويشي الموقف الدولي الرمادي تجاه هذا التدخل بوجود تفاهماتٍ مسبقةٍ عليه مع الأميركان، وربما الروس، إذ توقف الأتراك عن الإلحاح في المطالبة بتسليم فتح الله غولن، بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي أنقرة. في المقابل، أعطى الأميركيون ضوءاً أخضر ضمنياً لتدخل الأتراك في مواجهة التمدّد الكردي في شمال سورية.

في المناطق الجنوبية، محافظة درعا، يبدو أن الأمر متروك، مؤقتاً، للهدنة والستيتس كيو، أي الأمر الواقع، بتفاهماتٍ بين الأردن ومعه غرفة الموك والروس، فيما تتكثف جهود الأردن والحلفاء على مواجهة تنظيم داعش، عبر الجيش الحرّ، في درعا الجبهة الجنوبية، وفي المناطق الريفية الشرقية- الجنوبية جيش سورية الجديد.

تبقى، إذا، حلب البؤرة الساخنة حالياً، والمنطقة المتنازع عليها، لكن مصيرها، هي الأخرى، مرتبط بما يجري من مفاوضات ونقاشات تركية وإيرانية وروسية، إذ تحاول وسائل الإعلام المقرّبة من طهران والنظام السوري التبشير بأن هنالك تفاهماتٍ بين تركيا وإيران حول حلب مقابل التدخل التركي. وتشير تلك المصادر إلى اجتماعات سرية تجري في العراق ودول عربية أخرى، واجتماعات على مستويات عليا منتظرة، لا يمكن التأكد من صحتها، لكن تلك الأخبار والتسريبات تكشف عن الأهداف والأفكار التي تحكم رؤية النظام السوري، في محاولته تجيير الاستدارة التركية لصالحه إلى أوسع مدى.

ضمن هذه المعطيات، نجد أنفسنا أمام ما كنّا نتحدث عنه سابقاً، وما كشفته دراسة خطيرة منشورة لمؤسسة راند قبل شهور حول معالم الحل المطلوب في سورية، والتي تقوم، ابتداءً، على تحديد مناطق النفوذ وترسيمها، وعقد هدنات عسكرية، خطوة أولى نحو الحل السياسي.

ويبدو أن هذه الصورة تكاد تكون جاهزةً في مناطق كثيرة. في إدلب شبكة النصرة وأحرار الشام. في غرب الفرات وريف حلب الشمالي، وجود للجيش الحر المدعوم من الأتراك. في الحسكة الأكراد. سورية المفيدة تحت سيطرة النظام، درعا والمناطق الجنوبية للجيش الحرّ بإدارة أردنية وأميركية وغربية غير مباشرة، فيما دير الزور ما تزال مقتسمة بين داعش والنظام.

بالضرورة، تبقى المشكلة الأخرى المتمثلة في داعش، ومصير الرقة بعد انتهاء التنظيم، وهي أيضاً مسألةٌ خاضعةٌ للتفاهمات الدولية والإقليمية، وإن كانت المقالات والتحليلات الغربية تشي اليوم بإعادة تفكير غربية في تسارع عملية القضاء على داعش، لطرح تساؤلات ونقاشات مسبقة حول تداعيات سقوط التنظيم، أو اليوم التالي لذلك.

يعكس هذا وذاك من التحولات والترتيبات تغيراً جذرياً يحدث في ديناميكيات الصراع في سورية أو عليها، وعلى الأغلب، أننا نتحدّث عن اتفاقات جزئية ومرحلية، إلى أن يتم التفاهم على الكعكة الكبيرة؛ أي المشهد الأخير لهذه الدراما الدموية.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٦
ثورة مفصلية

بتحوّل حرب النظام الأسدي ضد الشعب السوري إلى حدثٍ تتخطى مجرياته وأهميته دائرته الوطنية المباشرة، وبتطاير شرر هذه الحرب إلى بلدان مجاورة، عربية وغير عربية، وبتدخل إيران المبكر الذي نقلها إلى الإقليم، وبصراع أميركا وروسيا الذي أدخلها إلى المجال الدولي، شهدت المعضلة السورية تحولين مفصليين، هما:
أولاً، انضواء ثورة السوريين من أجل حريتهم في صراعٍ حدّه الأول نضال شعبي/ وطني، من أجل نظام جديد يبنى على مفردات إنسانية وثورية، يؤسّس على الحرية، مبدأ احتضن دوماً الحداثة والعدالة والتقدم. وحدّه الثاني شمولية استبدادية تجسّدها سياسياً الأسدية، ومذهبياً نظم عديدة: عربية وإقليمية. هذا التناقض، بالاصطفافات المتناقضة عربياً وإقليمياً ودولياً، التي ترتبت عليه، أضفى أهمية مفصلية، تتخطى المكان السوري على ثورةٍ بدأت محض سورية، وأكسبها سماتٍ تشبه التي عرفها صراع تاريخي/ كوني، محوره الإنسان ككائن يتعيّن بالحرية: مقصد شعب يريد نمطاً من العيش، ركيزته المواطنة المتساوية والعدالة، منفتح على أعظم قدر من التجدّد الإنساني الذي يعينه على فك أغلال عبوديةٍ تجسّدها زمر استبدادية متحكّمة، تستند على تكويناتٍ دنيا وما قبل مجتمعية، هي الطوائف التي حدّثتها أمنياً، وفرضت من خلالها قيمها وممارساتها المعادية للإنسان، وواجهت أمنياً وطائفياً ثورة الحرية بثورةٍ مضادةٍ، أخضعت جميع السوريات والسوريين لأنواع شتى من العنف، وعملت لجرّهم إلى صراع هوياتٍ مذهبي، يبطل ما بينهم من أواصر وطنية وإنسانية، تاريخية وراهنة، ويحول شعبهم الواحد إلى اقلياتٍ مقتتلة، يمهد صراعها لتفجير حروبٍ عربيةٍ/ إقليمية، من الضروري أن تنتشر من سورية إلى المنطقة، ويحفز إنشاء (وصعود) تنظيمات إرهابية معادية للحرية وللمقاتلين من أجلها، تقضي من جانبها على التطلعات الثورية لدى شعوب المنطقة، وتحرقها بنيران اقتتالٍ مذهبيٍّ بين هوياتٍ متنافية، لا يوفر مواطناً أو جماعة أو دولة.
بهذه الأبعاد، تلزم ثورة الحرية كل عدو للاستبداد السياسي والاقتتال المذهبي بالانتماء الطوعي إليها، وبالانخراط فيها، وإن لم يكن سوري المولد، ما دام أن انتصار الثورة المضادة الأمنية والمذهبية لن يقضي على تطلعاته وحدها، بل سيقضي، أيضاً، على حقه في الحياة والكرامة، حتى إن وقف، كشخص، على الحياد، وامتنع عن تأييد ثورة الحرية في سورية، مع أن عائدها الإيجابي لن يقتصر على السوريين، بل سيطاول كل مواطنٍ على امتداد المنطقة. لذلك، لا بد أن يعتبر كل محبٍّ للحرية نفسه سورياً، وأن ينضم إلى الثورة، ويدافع عنها كأي واحدٍ من أبنائها، داخل ميدانها السوري المباشر وخارجه، ويواجه الثورة المضادة مناطقياً وإقليمياً ودولياً، كعدو يلزمه واجبه تجاه نفسه وشعبه بالنضال ضده، ليكون انتصار الحرية في سورية انتصاراً شخصياً له ولشعبه، ولكل رافض للذل والمهانة.

ثانياً: بتركيز قوى الثورة المضادة جهودها على سورية، وبقتالها لإنزال هزيمةٍ بثورتها، تكون، في الوقت نفسه، هزيمة للحرية في كل مكان، يستطيع أنصار الحرية خوض معركتها في البلدان التي حولها تدخل حكامها في سورية إلى ساحةٍ أخرى للمعركة ضد الاستبداد التي يعني خوضها مواجهة الثورة المضادة الموحدة، وتشتيت قواها من خلال وحدة الثوار العابرة للحدود، وتركيز جهودهم على تبديل علاقات القوة بينهم وبين قوى الثورة المضادة، وخصوصاً في إيران، مركز الثورة المضادّة الإقليمية ومحركها المذهبي والطائفي.

تستوطن الحرية قلوب الأحرار وعقولهم، قبل أن تقيم، بتضحياتهم والتزامهم الثوري/ الإنساني، وطناً للحرية، يكون وطناً لكل طالب لها، وثائر من أجلها، ولكل عدو للاستبداد والظلم يربط مصيره بمصير مركزها السوري، ويؤمن أن من يقصر في الدفاع عن سورية وشعبها اليوم، يخون شعبه ونفسه، اليوم وغداً.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٦
هدنة “حلب” الأمريكية - الروسية .. هل هي سلاح للثوار أم عليهم ..!؟

“أنا حريص للغاية على سماع أفكاركم و ملاحظاتكم حول مضمون هذه الرسالة .. سنعود للاتصال بكم قريباً لتزويدكم بتفاصيل أكثر دقة”، هي الخاتمة التي حملتها رسالة المبعوث الأمريكي إلى سوريا ما يكل راتني إلى الفصائل العاملة في حلب، سبقها أربعة صفحات من الحديث عن أمور تتعلق بمبادئ الهدنة و ميزاتها الفنية و التعبوية ، كأنها سلاح جديد يتم منحه للثوار ، فهل هي سلاح له أم عليه ..!؟

الاتفاق الأمريكي - الروسي ، لا يمكن أن يكون ملخص في رقعة جغرافية واحدة تمتد على بضع كيلومترات ، وترك الملايين الأخرى من الكيلو مترات خارج الاتفاق ، أي لاتقصف في الكاستلو و احرق ما تبقى ، وكأن القضية السورية باتت ملخصة في طريق امداد لمنطقة بعينها و ترك قرابة ٥٠ منطقة أخرى في مواجهة الحصار المفضي للتهجير، اذ تلخيص الأمر بهذا الشكل يشير إلى تثبيت الأمور في بقية المناطق و اعتبارها أمراً واقعاً .

القراءة في رسالة المبعوث الأمريكي تحتاج لنفس طويل ، اذ الكلام المنمق الذي يشير إلى وجود مشكلة مع مكون أساسي موجود في صفوف الثوار (النصرة - فتح الشام) وقائمة تطول لتشمل الكثير من الفصائل ، وترك كل الجحافل التي تدعم الأسد و تسانده ، ارهابها يفوق أي ارهاب عرفته البشرية ، سواء أكان المستند على أساس ديني أم عرقي (فارسي)، أم حقد تاريخي، و تجاهلها يجعل عدم التساوي في الكفة واضحاً جداً .

استند “راتني”على أمر غاية في الخطورة، وتمثل بوصف أن روسيا تدعم الأسد و امريكا تدعم المعارضة ،وهو أمر غير واقعي مطلقاً ، فلا وجود لأمريكا على الأرض أو في الجو في المواجهة مع الأسد ، الذي يحظى بدعم يفوق العقل من قبل روسيا ، في الأرض و الجو و السياسة ، وحديث كهذا يصدر من الممثل الأمريكي في الشأن السوري يمنح بلاده سك البراءة من كل ما ارتكبته أمريكا بحق الشعب السوري من خذلان وصل حد المواجهة الفعلية على الأرض.

رسالة “راتني” لم توضح أي شيء عن فحوي الاتفاق الأمريكي الروسي ، و إلى أين يصل وما الهدف منه ، و مدى تطابق أهدافه مع رؤية الشعب السوري، أو على أقل تقدير رأي العناصر الفاعلة على الأرض ، الأمر الذي يعتبر بمثابة تهميش حقيقي ، يضاف إلى انذار باقتراب المواجهة ، عند الحديث عن وجود تنسيق بين الدولتين “روسيا - أمريكا” لاضعاف القاعدة ، في اشارة فعلية إلى جبهة فتح الشام التي تتقاسم مع الثوار المناطق انتشاراً و ادارة، في المقابل لا ذكر لأي مليشيا شيعية تدنس أرض سوريا و ترتكب من الفظائع ما لايعد و لا يحصى ، اضافة للحرس الثوري الذي تدعي امريكا أن قائد جناحها الخارجي “فيلق قدس” قاسم سليماني على قوائم المطلوبين و المدرجين تحت مسمى الارهاب، وهو الارهاب ذاته الذي ستضرب جبهة فتح الشام لأجله.

و كشفت الرسالة التي بعثها بتاريخ الأمس “راتني” إلى الفصائل، أن وصف الحليف لـ”أمريكا” غير صحيح مطلقاً ، فهذه التفاصيل التي تم تدارسها على مدى أسابيع طويلة ، كان يعلم بأدق تفاصيلها الأسد و حلفاءه من كبيرهم وحتى صغيرهم ، و الحملات الجنونية على المناطق التي تم تحريرها ضمن “ملحمة حلب الكبرى” ، خير دليل على نوعية المعلومات التي يمتلكونها ، وحتى التوقيت ، اذ مقتل المئات بحملات مسعورة و انتحارية ، كانت تهدف لاخراج “الراموسة” من المعادلة ، الأمر الذي يعيد للأسد و حلفائه قدراتهم على التلاعب بأي اتفاق سيتم تنفيذه على الأرض ، في الوقت الذي سحب سلاح الثوار الفعال و المواجهة له من خلال اعادة اغلاق طريق “الحياة” الجديد لحلب.

قد لا يكفي بضع سطور للحديث عن رسالة من بضع صفحات تخفي مفاوضات امتدت على مدى ساعات طويلة و جولات ماراثونية من المباحثات ، و لكن الخطوط العريضة التي تكشفها الرسالة أن الاتفاق هو سلاح جديد للأسد ضد الشعب السوري، وكما سبق و أن تحدثت في مقال سابق “الاتفاق الأمريكي - الروسي .. لا تنتظر من “قاتل” أن ينقذك”.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٦
الاتفاق الأمريكي - الروسي .. لا تنتظر من “قاتل” أن ينقذك

منذ خمس سنوات و نيف و الحال على ماهو عليه ، ليس ثباتاً بل تصاعداً بحجم القتل و شدته، ضد الشعب السوري ، و كلما كثرت الاجتماعات و اقتربت الاتفاقات من التمام ، يكثر معها الموت و يتنوع بأشكال لم نعهدها ، لتكون مفاوضات من يقتل أكثر و بطريقة أشد شناعة.

اليوم نقف على أعتاب الاتفاق الأمريكي الروسي ، الذي امتدت مفاوضاته قرابة التسعة أشهر ، من الزيارات وجولات المفاوضات الماراثونية ، المعلن منها و المخفي ، السياسي و العسكري و طبعا المخابراتي، و لم يتمخض عن هذا المناكفات إلا شيء واحد ، ارتفاع معدل الموت و اشتداد حملة التدمير و الأخطر تضيق الخناق على المتواجدين في سوريا مساحةً و معيشتة ً و حياة.

ما ظهر من مسودة الاتفاق قبل قرابة الشهر و النيف في آخر زيارات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى روسيا ، عبارة عن بنود فضفاضة، لاتؤثر بشيء على الوضع في سوريا ، الوضع الذي يتميز بشائكته لحد الادماء لنفسه و لكل من يعمل به ، صراعات لا تعرف حدود ولا مسار، ولا أفق لأي حل ، مع اختلاط عجيب بالتركيبة العاملة على الأرض.

يلخص مايكل راتني المبعوث الأمريكي إلى سوريا الحل بنقاط أساسية ثلاث ، تترتكز في أساسها على منطقة جغرافية واحدة تكون بمثابة حقل التجارب لتعتمد كالاستراتيجية فيما تبقى ، ويقوم الاتفاق وفق راتني على اقامة منطقة منزوعة السلاح في شمال حلب و من ضمنه الكاستلو ، وفق ما يؤكده البند الثاني من الاتفاق و المتمثل بسحب قوات الأسد من هذا الطريق و جعله طريقاً ذو صبغة عمومية ، فيما يتضمن النص الثالث الذي كُشف عنه هو توقف روسيا عن قصف المعارضة السورية ، توقفٌ لا معنى له في ظل نص الاتفاق الأساسي (بين روسيا و أمريكا) على استهداف مشترك لـ”جبهة النصرة” أو “فتح الشام” ، اذ لافرق بين الاسمين فالتغيير لم يحدث أي أثر له في النظرة لهذا الفصيل ، الذي تتشابك مناطق نفوذه مع بقية الفصائل السورية لحد كبير ، و قد تصل للتشارك في منزل واحد ، و بالتالي عملية وقف القصف تكون عبارة عن “وهم” جديد ، تضعه الادارة الأمريكية في أعين الجميع و لاسيما السوريين أنها تسعى لحقن الدم ، في حين أنها تتجه إلى المشاركة في “اسالته”.

و قد يكون من الخطئ الذي يواصل الثوار بشقيهم (السياسي - و العسكري) الارتكاز و الانتظار على ما تفضيه المباحثات الدولية ، حتى يتم التعامل معها على الأرض ، و من الخطئ الأكبر القول هو السيطرة الكاملة لأمريكا أو لروسيا على الأرض السورية ، فهناك أسلحة لازالت متمردة ، لو اتفقت أو على الأقل تنازلت بعض الشيء عن عنجهية أو تصرف أرعن من تصرفاتها ، لقلبت الآية بشكل كامل ، و لنا في فك حصار حلب و اعادة حصارها من جديد ( نفى من يرغب و أكد من يشاء) ، درس و عبرة ، فلا الواحد استطاع أن يغلب الكثر ، و لا البضع تمكنوا من مواجهة الكل ، فهنا لا بطولة في التفرد ، و إنما القوة أن تضبط الأمور بشكل سليم ، فالموت القادم لن يطالك وحدك ، و كذلك الموت القادم لشريكك في الأرض لن يختصر عليه.

و أمام كل ما سبق ذكره ، لا يمكن الانتظار من “قاتل” أن يأتي لنصرتك أو مساندتك ، و إنما سيكون انتظار لاجتماع القتلة ليتم لنهائك بشكل كامل .

اقرأ المزيد
٣ سبتمبر ٢٠١٦
داريا وأخواتها

كان المشهد استثنائياً في داريا السورية. آلاف من المواطنين يتم اقتلاعهم من أرضهم وبيوتهم، وترحيلهم إلى بقاع أخرى بعد حصار استمر أكثر من أربع سنوات. مشهد يقود تلقائياً إلى التفكير بسيناريوهات مماثلة عاشتها أراض عربية، ولا سيما فلسطين المحتلة، والتي لا يزال يعيش النظام السوري وحلفاؤه تحت راية تحريرها، ورسم الطريق إليها.

داريا التي سطرت، منذ بداية الثورة السورية وحتى يومها الأخير من الصمود، سقطت ضحية التهجير الممنهج الذي يتبعه النظام وحلفاؤه، باعتراف الأمم المتحدة، ضمن مخطط تأسيس ما بات يصطلح على تسميتها "سورية المفيدة"، وهو مسمى لم يعد خافياً أنه يهدف إلى رسم حدود التقسيم، وتحديد الأراضي التي يريد نظام الأسد الاحتفاظ بها ضمن أي اتفاق سياسي مرتقب، أو حتى في حال تعثر التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، وتقرّر إبقاء الوضع على ما هو عليه.
ضمن هذا السياق، لم تكن داريا الأولى، ولن تكون الأخيرة. والترانسفير الذي بدأ سابقاً من الزبداني في 2015 عبر ترحيل 225 عائلة، ها هو يتمدّد ويتوسع، ليصل إلى داريا ومن بعدها المعضمية، في إطار إفراغ الغوطة من سكانها المعارضين، وإيجاد بيئة حاضنة للنظام وحلفائه فيها ضمن المشروع "الممانع".

كثير من الكلام يتداول عن مخططات الإحلال في المناطق المفرغة من سكانها، قد يكون في معظمه شائعات لا أساس له من الصحة. غير أن ما هو صحيح ومتأكد منه أن داريا باتت خالية، وأن لا موعد أعطي لأهلها للعودة إليها، ولا سيما بعد تسجيلات مصورة تظهر عمليات بيع أثاث المنازل التي لم يتمكن أصحابها من نقلها معهم. حال هي عملياً استنساخ للسياسة الإسرائيلية التي اعتمدت تجاه الفلسطينيين المطرودين من أراضيهم في عام 1948، حين تم اعتبار كل ما تركوه خلفهم "أملاك غائبين"، يحق لدولة الاحتلال التصرف فيها. وهو الأمر نفسه الذي سيحصل مع أراضي أهل داريا الغائبين أو المغيبين، فكلها ستكون ملكاً للأسد الذي رفعت صورته على أنقاض المدينة.

قد لا تكون هذه فقط هي الصيغة المستنسخة من تجربة الاحتلال الإسرائيلي، فالتهجير بالأساس ونقل السكان وإحلال آخرين محلهم هي عملياً ما قامت به الدولة العبرية في الفترات اللاحقة لقيامها على خلفيات دينية وعقائدية، وهو الأمر الذي يسير على هديه النظام على خلفيات مشابهة أساسها الولاء، وتأسيس كيان صافٍ سياسياً يؤمن الاستمرارية للأسد وآله.

وقبل التهجير والإحلال والمصادرة، لا يمكن تجاهل العقلية المؤسسة لهذه الممارسات، وهي أيضاً عقلية مستوحاة من الممارسات الإسرائيلية. عقلية لا تقتصر على المستوى الرسمي السوري، بل أصبحت منتشرة بين أنصاره من كل الفئات وعلى المستويات كافة، وحتى غير السوريين. فكل من هو غير موال للنظام أو لا يبجل الأسد وممانعته يستحق القتل. أمر مشابه للنظرة الإسرائيلية أو اليهودية إلى الآخرين من "الأغيار" الذين يرون أيضاً أنهم لا يستحقون الحياة. وعلى هذا الأساس كانت المجازر في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1948 إلى اليوم. غير أن الأسد وحلفاءه تمكنوا من التفوق في هذه النقطة وارتكبوا من المجازر خلال الأعوام الخمسة الماضية ما لم يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الثماني والستين الماضية.

على الرغم من ذلك، لا يزال النظام السوري وحلفاؤه يرفعون شعار أن كل ما هو جارٍ على الأرض السورية هو في سبيل وقف محاربة إسرائيل، أو سد الطريق إلى القدس، والتي يبدو أن الوصول إليها، بحسب هذا المنطق، لن يكون إلا بعد تدمير كل المدن السورية المعارضة وتهجير سكانها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان