مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٤ سبتمبر ٢٠١٦
واقع عسكري جديد في حماة

تعتبر حماة أكثر المحافظات السورية التي تربطها حدود مع المحافظات الأخرى، فهي تلاصق حلب من الشمال، وإدلب من الشمال الغربي، واللاذقية من الغرب، وطرطوس من الجنوب الغربي، وحمص من الجنوب والشرق، والرقة من الشمال الشرقي.

ولذلك تكمن أهميتها في أنها المفصل الأخير في المعركة حول «المناطق المفيدة»، ولما كان طرفا الصراع (المعارضة والنظام) غير قادرين على حسم المعركة، ظلت محافظة حماة خارج عمليات الحسم.

موقع حماة جعلها ذات أهمية جيواستراتيجية، وجعلها في المقابل ـ وهذه إحدى مفارقات الجغرافيا ـ ذات مرتبة ثانية في معادلة المعارك العسكرية بسبب انفتاحها على هذا العدد الكبير من المحافظات، وهو السبب الذي جعل أطراف الصراع خلال السنوات الماضية تحجم عن محاولة السيطرة على المحافظة عسكرياً، والاكتفاء بالحصول على موطئ قدم تبعاً لحاجتها العسكرية، فاحتفظت الفصائل بمدينة مورك ومحيطها في الشمال كبوابة ومعبر لها بين إدلب وحماة، واحتفظ النظام بمناطق جنوب غربي المحافظة عند عتبة حمص، وبعض المناطق إلى الشمال الشرقي على مقربة من أثريا.

لكن في 29 آب (أغسطس) الماضي انتهت حالة «الستاتيكو» العسكري مع الهجوم الذي شنته «جند الأقصى» وفصائل من «الجيش السوري الحر» على مناطق مختلفة من ريف حماة الشمالي ضمن جبهة موحدة امتدت على طول 20 كلم.

ثمة أسئلة كثيرة تطرح عن أسباب فتح معركة حماة في هذا التوقيت وحاجة المعارضة الضرورية إلى تحقيق إنجاز عسكري في حلب، وعدم الانشغال في معارك أخرى جانبية قد تستنزفها.

ومن خلال طبيعة ردود فعل فصائل المعارضة الأخرى مثل «أحرار الشام»، تبين أن قرار فتح جبهة حماة كان قراراً فردياً من «جند الأقصى»، إما من أجل تخفيف الضغط عن حلب كما أعلنت هي نفسها، أو من أجل الحصول على ثقة الفصائل الأخرى لا سيما «جبهة فتح الشام» و «أحرار الشام»، وهو ما توج باتفاق «الجند» مع «فتح الشام» بعدم القتال في ما بينها والالتفات إلى قتال النظام وتنظيم «داعش»، أو ثالثاً من أجل الحصول على أراض جديدة قبيل توصل واشنطن وموسكو إلى اتفاق للهدنة كانت ملامحه الأولية واضحة قبيل إطلاق معركة حماة.

وبغض النظر عن الأسباب التي كانت وراء إطلاق معركة حماة، فإن واقعاً جديداً فرض في شمال المحافظة حماة مع نجاح هذه الفصائل في السيطرة على المصاصنة، معركبة، البويضة، حاجزي زلين والزلاقيات، مدينة حلفايا، قرية الناصرية وتلتها الاستراتيجية، طيبة الإمام، مدينة صوران، تل بزام.

وفي حال نجحت الهدنة وتم تثبيت وقف إطلاق النار، ستكون فصائل المعارضة قد عوضت ما خسرته في حلب، وتمكنت من تثبيت جغرافيا جديدة في ريف حماة الشمالي الذي لن يكون عمقاً استراتيجياً لها في إدلب وريف حلب الجنوبي فحسب، وإنما قاعدة انطلاق لتوجيه ضربات في قلب حماة بعدما أصبحت على مقربة من عاصمة المحافظة بعد السيطرة على مثلث (صوران، طيبة الإمام، حلفايا).

نتحدث عن مساحة تمتد من وسط محافظة حماة إلى شمال محافظة إدلب، إضافة إلى بعض المناطق في ريف حلب الجنوبي، وهذه المساحة ستخلق للمعارضة مع مدينة جرابلس ومحيطها في الريف الشمالي الشرقي لحلب نقطتي ارتكاز ومنطلقاً للهجوم على حلب من زاويتين مختلفتين في حال فشلت الهدنة.

وفي حال هذا الفشل، وبعد ما أعلنته كتائب الثوار من السيطرة على قرية كوكب بريف حماة الشمالي قبيل ساعات قليلة من بدء سريان الهدنة، فإن الفصائل لن تستطيع المحافظة على هذه المكتسبات إن لم تلتزم بالهدنة، فـ «جند الأقصى» يندرج ضمن لائحة المنظمات الإرهابية غير المنضوية تحت سقف الهدنة، وبالتالي سيستغل النظام ذلك للهجوم على هذا التنظيم تحت عنوان مكافحة الإرهاب.

ويخشى أن يذهب النظام إلى أبعد من ذلك، ويلاحق «جند الأقصى» إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة أثناء تراجعها إلى عمق الريف الشمالي لحماة، وربما إلى أقصاه حيث مدينة مورك التي تشكل موقعاً استراتيجياً يتطلع النظام منذ عام إلى استرجاعها.

وعند هذه النقطة قد تنقلب المعادلة العسكرية في غير صالح فصائل المعارضة، ويتعقد المشهد الميداني مع رفض فصائل مهمة الالتزام بالهدنة كـ «أحرار الشام» التي أعلنت ذلك رسمياً، ولديها فصيل مهم في حماة يقاتل إلى جانب «الجند» و «الجيش الحر»، اضافة الى «فتح الشام» غير المندرجة في اتفاق الهدنة.

بناء عليه، قد يكون الواقع العسكري الجديد مع الواقع المعقد في حلب حيث خطوط الاشتباك متداخلة سبباً في انهيار الهدنة مرة ثانية كما حدث نهاية شباط (فبراير) الماضي مع انهيار الهدنة الأولى.

اقرأ المزيد
١٣ سبتمبر ٢٠١٦
حجيج بلا إيرانيين

بعفويةٍ وبساطةٍ، أراد حاج مصري أن يمتدح إجرءات السلطات والأجهزة السعودية وخدماتها لحجاج بيت الله الحرام، فقال لأحد التلفزات، "بصراحة، اللي عاوز يحجّ يروح السعودية"، غير أن للمرشد الإيراني، علي خامنئي، رأياً آخر، إذ قال إن السعوديين غير مؤهلين لرعاية الحج، وغير جديرين بإدارة الحرمين. ودعا إلى إيجاد حلٍّ لهذه القضية، إلا أن دعوته لم تصل إلى مسامع أحد، والظاهر أنه توجه بها إلى مواطنيه، عسى أن يقتنع الذين رغبوا بأداء فريضة الحج منهم، ولم يُؤذن لهم، بهذا السبب. والخشية أن يبقى المواطنون الإيرانيون محرومين من التقرّب إلى رب العالمين بتأدية شعائر الحج إلى عددٍ غير منظورٍ من السنوات، طالما أن قائدهم المظفر يبحث عن حلٍّ لمشكلة عدم أهلية الأجهزة والسلطات السعودية لرعاية الحج. وإذ وقف نحو مليوني مسلم من 164 جنسية أمس في عرفة، وابتهلوا إلى العلي القدير العفو والمغفرة، واحتسبوا عند رب العزة صلواتهم وإيمانهم وتقواهم، فإن شعوراً بأسىً شديد لا بد وأن ينتاب كل مسلم في كل مطرحٍ لغياب إخوةٍ له في الدين والعقيدة، أرادوا أن يكونوا في هذه الشعيرة، لكن أهل القرار والحكم والسلطة في بلادهم اعتصموا بعقيدةٍ يبدو أنها أقوى لديهم، هي مخاصمة المملكة، لتعلو على إبداء ما من شأنه تيسير سفر الحجاج من مواطنيهم إلى حيث الرحاب التي يؤمها المسلمون في مناسك هذه الفريضة الكبرى.

ركب قادة إيران رؤوسهم، وتعامل معهم المسؤولون في السعودية بالنديّة اللازمة، فكان أن غاب عن الجمع الإسلامي الذي يتوحّد فيه العابدون المتنسّكون أمام رب البريّة مواطنون إيرانيون لا ذنب لهم، ولا مسؤولية عليهم في هذا النزاع الذي لا ينفكّ يشتد مع المملكة. وبذلك، يصير شديد الخطورة أن ذيول الأزمة المستعصية، وحروب الوكالة غير الخافية بين البلدين في غير مطرح، صارت تصيب واجبات الناس الدينية. ولا يحتاج المتفحّص في هذه الحال المفزعة إلى أن يحدّق في تفاصيل المداولات بين الجانبين السعودي والإيراني، بشأن ترتيبات قدوم الحجاج الإيرانيين، قبل أن تتخذ طهران قرارها الأحمق، بعدم سفر أي من مواطنيها إلى المملكة لتأدية المناسك، لا يحتاج إلى ذلك، لأن الأوجب على طهران كان أن تكون حريصةً، مهما كانت الشروط السعودية، على أن يؤدي مواطنوها الفريضة، لا أن تؤثر المماحكة والمناكفة والحرد، ثم تنتهي إلى مقترح خامنئي ذاك.

أما وأن الذي صار قد صار، فإن جهداً خلاقاً، وعسيراً جدا، لا بد وأن يبادر إليه أحد، من دول مجلس التعاون الخليجي أو من غيرها، يعمل على وقف تدهور العلاقات السعودية الإيرانية عند حدودٍ لا تتخطاها، فلا تصل إلى واقعةٍ من قبيل غياب حجاج إيرانيين عن الشعائر. وبديهي أن أمراً مثل هذا لا يمكن أن تتيسّر له أيٌّ من أسباب النجاح، من دون أن تقتنع طهران بأن ولايتها العامة التي تعمل من أجل تمديدها في العراق ولبنان وسورية واليمن، وغيرها، لن يتأتّى لها الظفر، طالما أن الشعوب العربية لا يمكن أن ترتضيها، ولا أن تسلم بها حقيقةً وأمراً واقعاً. وإذا كان القائمون على صناعة القرار وحوْزاته في طهران يظنون أنهم، بالزهو الإمبراطوري فيهم، والمشحون بما لا يمكن إخفاؤه من نزوعٍ مذهبي، يستطيعون أن يصنعوا لبلدهم تقديراً واحتراماً في وجدان العرب، فهم مخطئون، إذ يستحيل أن ينجم عن الاستقواء بالمليشيات والأتباع وذوي الولاءات للخارج غير المزيد من التباعد والشقاق.

ليس المقام هنا إعطاء الدروس والنصائح بشأن ما يحسُن أن يراه حكام إيران، وإنما إبداء جرعةٍ عاليةٍ من الأسى، من غياب إخوة مسلمين إيرانيين عن أداء فريضةٍ في الدين الذي يجمعنا، ويلمّ الأمة. كان المرتجى أن يكون الإسلام، وحده ولا شيء غيره، هو ما يرجّح تحكيم العقل والأخذ بمصلحة الأمة. ولكن، ثمّة حساباتٌ أقوى وأمضى.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٦
عيد الحزن في سورية

اليوم والعالم الإسلامي يحتفل بعيد الأضحى المبارك يشعر المواطن العربي الصادق بألم كبير إزاء ما يتحمله الشعب السوري من آلام من جراء قتل وقصف نظام استعان بالقوة الروسية وإيران و»حزب الله» لخراب بلده. سمعنا عن اتفاق أميركي روسي على هدنة لسبعة أيام وافق عليها النظام السوري ورحبت بها دول عدة. ولكن السؤال المطروح هل يلتزم النظام المجرم وحلفاؤه الروس والإيرانيون و»حزب الله» بهدنة وعدوا بها أحياناً (خلال مؤتمر فيينا) ولم يلتزموا يوماً مثل هذه الهدنة.

إن سكان مدن سورية وخصوصاً حلب يتطلعون إلى مثل هذه الهدنة لأنهم لن يتحملوا بعد ذلك القصف والحرب وقتل الأولاد والأمهات وانتشار الأمراض وتعرض المستشفيات والأطباء للقصف والدمار واستهداف الأطباء. ففعلاً عيد بأية حال عدت يا عيد لمدنيي سورية الذين يخضعون لتسلط وإجرام نظام بلدهم. والمعارضة السورية المعتدلة تنتظر حالياً المزيد من التفاصيل والمعلومات حول الاتفاق الأميركي الروسي ولو أنها تنظر إلى هدنة في الحرب بنوع من ترحيب ولكن بتحفظ طبيعي، كون الشكوك مشروعة بنوايا النظام وحلفائه. حتى جون كيري كان يقول: إذا تم تنفيذ الالتزام بالاتفاق لدى الإعلان عنه. وقالت بسمة قضماني (الناطقة الرسمية لهيئة التفاوض المعارضة) لـ «الحياة»: يجب أن تكون هناك ضمانات على أي أمر نقبل به لأن كل مرة يجعلوننا نوافق على أمور لا أحد ملتزم بها أصلاً ولا أحد يفرضها. وينبغي فرض تطبيق الاتفاق إذا كانت هناك خروقات وينبغي أن يقدم الاتفاق لرياض حجاب والهيئة العليا للمفاوضات كي تتم الموافقة عليه.

من الصعب الاعتقاد نظراً لما نراه على الأرض أن هذا الاتفاق سيطبق، كون بشار الأسد يقوم بتهجير سكان من مناطق مثل داريا والمعضمية (الغوطة الغربية) التي وقّعت مع النظام هدنة منذ سنتين والتزمت بها كلياً، وعلى رغم ذلك يريد النظام إفراغها لينقل إليها سكاناً يخضعوا له مئة في المئة. فبشار الأسد يرسم خريطة التقسيم التي تمر عبر الغوطة الغربية ودمشق ضمن خطته. وقد يدرك بشار أنه لا يمكن أن يستمر على رأس بلد دمره وخربه وقتل شعبه، فهو يخطط لمناطق يبقى على رأسها لشدة تمسكه بالسلطة. ومن اللافت أن تفاصيل الاتفاق الروسي الأميركي ستبقى في شكل كبير سرية ما يزيد قلق المشككين به.

لا أحد يثق بالمفاوض الأميركي الذي كثيراً ما قدم تنازلات للجانب الروسي. حتى مسؤولو البنتاغون مستاؤون من احتمال تبادل الاستخبارات والمعلومات العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة. ولكن على رغم التشكيك بهذا الاتفاق لا بد أن يرحب كل إنسان عاش في حرب تحت القصف والقنابل والقتال بإيقافها حتى لفترة، لأن الشعب السوري أنهك وتعب من الحرب والوحشية والتجويع. ولكن إذا كان الاتفاق الروسي الأميركي يحمل في طياته احتمال بقاء بشار الأسد فهو ساقط أساساً لأن لا مستقبل لسورية منتعشة ولإعادة إعمارها إذا بقي الأسد على رأس البلد. وحتى إشعار آخر سيبقى الشعب السوري في معاناته طالما بقيت على رأسه هذه القيادة. والحل يكون في إزالتها منذ بداية التحدث عن المرحلة الانتقالية وإلا لن يكون هناك حل إلا بالقوة.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٦
لن نعطي “الدنيّة” و “لن نرضخ” .. لأول مرة الفصائل السورية تتمرد و تقول لا لـ ”الاتفاقات الدولية”

قد يكون قرار ابرز الفصائل السورية بشقيها “الحر - الإسلامي”، برفض الاتفاق الأمريكي - الروسي ، بداية عهد جديد في الثورة السورية ، و تطبيق عملي لأول درس من “الطعنات” التي مرت على مدى السنوات الست الماضية ، لتعلن الفصائل التي وصفت بعشرات الأوصاف “المقللة من شأنها” ، بأنها رقم موجود على الأرض و فاعل و ليس منفذ لاتفاقات و صفقات دولية.

اجتمع اليوم ١٦ فصيل ممن يقاتلون تحت بند الجيش الحر ، إضافة لحركة أحرار الشام ، على بيان موحد بذات الحروف و ذات السياق ، نص بصريح العبارة أن “لن نرضخ” للقرارات الدولية التي تهدف إلى تمزيقنا داخلياً أكثر ، و لن نعطي “الدنيّة” على ثوابت ثورتنا ، الأهم أنها سمت الأمور بمسمياتها من “إجحاف” و ضعف الإرادة الدولية ، ورفض “الابتزاز” سواء على أكان سياسي بوعود تذرها الرياح عند أول هبوب لها ، أو إنساني يكون آني و لا يسد جوع أو ينقذ روح .

 ساق بيان الفصائل اليوم جملة من المسببات التي دفعته لهذا القرار الذي جاء مخالفاً للتمهيد السابق من خلال تصريحات فردية تارة ، تحريف التصريحات تارة أخرى ، أو إقدام جهة لا تملك على الأرض أي سلطة للتعبير عن المتواجدين على الأرض ، و يبدو أن القرار قد خُلق بناء على علم و دراية ، أن أي قرار دونه يعني قيادة أنفسهم إلى التهلكة.

نقاشات محمومة بدأت منذ يوم الجمعة الفائت ، بعد أن أعلن الاتفاق الأمريكي الروسي ، حول مدى إمكانية قبول الفصائل باتفاق كهذا ، اتفاق “مُقلَم الأظفار”، و يضع الثورة و ثوارها و الشعب على مذبح “الإرهاب” ، في حين لا يستثني الطرف المقابل من كل شيء فحسب، بل و يمنحه القدرة على الحركة و التقدم ، بدعم و مساندة من العالم ، صحيح كان يحظى بها منذ الأزل ، و لكن ستكون هذه المرة علنية و “فجّة”.

اليوم ستكون الفصائل التي قررت المضي ضد الاتفاقات الدولية مسؤولية كبيرة ، و أعمال جسام في مواجهة علنية مع العالم بأسره ، بكافة أطيافه سواء أكان من الناحية الدينية أم العرقية أو القومية ، فالجميع كشّر عن أنيابه ليوغل أكثر فأكثر في دماء السوريين ، ولم يعد يفزعه شيء إلا انتصار هذا الشعب ، انتصار سيغير خارطة المصالح ، ويرفض كل المشاريع من تقسيم و محاصصة و حماية وأمان للأعداء .

قد يكون في الكلام شيء من العاطفة و الانفعال، لكن بالفعل سيكون على الفصائل اليوم ، الاعتماد التام على نفسها و على قوتها بالاستناد الكامل لله و للشعب ، الذي سيكون المضحي الأول و الأكبر ، لذا المفروض أن تكون هذه الهدنة هي الأولى التي تقلب الموازين ، إذ في كل هدنة أو مؤتمر أو جولة مفاوضات ، نخسر عشرات الكيلو مترات و عشرات آلاف النازحين و المهجرين ، الأهم نخسر تواجدنا في مناطقنا ليتم استبدالنا بمرتزقة .

اليوم قد لا يتحقق شيء ميداني ، و قد لا تقوى الفصائل و الشعب على تحمل مغبة القرار ، و لكنها صرخة سيكون لها أثرها ، و ستغير من نظرة العالم للشعب السوري و ثورته ، الأهم ستثبت للعالم أجمعه أن الشعب السوري الحر مستعد لمحاربته بغية انتزاع حريته.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٦
داريا الطاهرة ستبقى كذلك .. و تدنسيها لايغير التاريخ

لطالما حاول سفاح الشام بشار الأسد أن يكسر شوكة الثوار والمدنيين في مدينة داريا مستخدماً كل قوته وترسانته العسكرية جواً وبراً، إلا أنه اصطدم بدفاع مستميت من مئات الشباب الذين وهبوا أنفسهم للدفاع عن مدينتهم داريا، والتي بقيت صامدة في وجه كل محاولات كسرها لأربع سنوات متتالية، رغم الحصار والتجويع والقتل اليومي.


واليوم وفي أول عيد أضحى يمر على مدينة داريا بعيدة عن أبنائها وأهلها، بعد أن أجبرتهم الظروف والتخاذل الدولي والمقربين منهم أن يتركوا مدينتهم ويخرجوا منها بسلاحهم مرفعي الرأس، للحفاظ على ارواح من تبقى من المدنيين وعددهم أكثر من 8 ألاف، يدخلها الأسد  "منتصرا"ً وحوله الرعاع من أذنابه وحاشيته، فيصلي على أنقاض مبانيها المدمرة، محاولاً إظهار نفسه أمام العالم أنه كسر شوكة مدينة صغيرة قاومته لسنوات عدة، ولم يستطع أن يدخلها بسلاح، بل دخلها بعد حصار وتجويع وقصف بشتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، ثم فرغ أهلها جميعاً لم يبق فيها طفل أو رجل او امرأة لأنه لم يكن ليجرؤ أن تخطوا قدماه على أرض داريا لو أن فيها طفل ينبض الدم في عروقه.


نصر الأسد المزعوم وتجواله في مدينة داريا الصابرة لن يغير التاريخ ولن يقول أن الأسد المجرم دخل داريا فاتحاً ولا حتى منتصراً بل سيخدل التاريخ بين صفحاته تلك السنوات الأربع التي صمد فيها أهل داريا وقدموا فيها أروع البطولات والتضحيات دفاعاً عن مدينتهم الثائرة، تكبدت فيها قوات الأسد والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وميليشيات إيران مئات القتلى والجرحى، وخسائر لا تقدر بالعتاد، وعلى هامش التاريخ سيذكر من دمر وقتل وسفك الدماء وجوع الأطفال في داريا، رجل معتوه أسموه الأسد، دخل داريا بعد أن فرغت من أهلها ليعلن نصره، أمام طغمة من المرتزقة والعبيد ومشايخ السلطان.


داريا الصامدة ستبقى أماً للثورة ولن ننسى يوماً ما قدمته من تضحيات وصمود رغم تخاذل الجميع عن نصرتها سيذكرهم التاريخ فرداً فرداً، كما لن ننسى أن في يوم عيد الأضحى دنس أرضها من قتلها ودمرها وفك دمائها، يدعي انتصاره عبر وسائل الإعلام بأن يتجول في أرضها، وهو يعلم أنها ستعود لأصحابها وسيعيدون الفتح ويحررونها من رجس كل من داس ترابها الطاهر.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٦
دخيلك يا حافظ الأسد

حدثني صديقي الفنان أسعد فرزات، نقلاً عن صديقه الفنان عبود ميم، قال: كنت أؤدي الخدمة العَسكرية في إحدى القطعات المتمركزة على الجبهة مع إسرائيل. وكنا، نحن الجنود والضباط ذوي الرتب الصغيرة نخاف من قائد اللواء إبراهيم طاء، من دون أن نعرفه عن قُرب، فنحن، أساساً، لا نراه إلا قليلاً، وهو، بحسب النظام العسكري، لا يسمح لأحدٍ أن يقترب منه أقل من ست خطوات، ولكنه، إذا تحدّث مع أحدنا، وغضب، يطلب منه الاقتراب، رويداً رويداً حتى يصبح في مرمى يديه ورجليه، ووقتها يباغته بلطمةٍ تجعل حنكَه يَخرج من مكانه، أو يرفسه في وسطه، فيجعل صوابه يطيش، وحينما ينتهي من تعجيقه يرفسه من الخلف، ليسير مسرعاً، بالقوة النابذة، عائداً إلى حيث كان يقف في البداية، لكنه لا يعود قادراً على الوقوف هذه المرة.

وأما بالنسبة إليَّ، فقد كان الأمر مختلفاً. ففي يوم من الأيام، علم (سيادتُهُ) أن في لوائه فناناً تشكيلياً، هو أنا، فأرسل في طلبي على جناح السرعة، فلما أصبحتُ أمامه، وقلبي يرتجف هلعاً، قال لي، متّخذاً هيئة الأب الذي يريد أن يفاجئ ابنَه بأنه قرّر تزويجه الفتاة التي يحبها:

- يا ابني، يا عبود، أنت حظك من السما. سيكون لك شرف رسم صورة القائد حافظ الأسد على هذا الجدار الذي يطلّ على مسبحي الخاص مباشرة، وأريدها صورةً لا تشبهها صورةٌ مما يُرْسَمُ لسيادة الرئيس في كتائب الجيش، وألويته، وفرقه، ولا داعي للعجلة، (مَزْمِزْ فيها على مهلك)، فلدينا متسعٌ من الوقت حتى موعد الحركة التصحيحية المباركة في السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الأول المقبل.

حينما أنهى كلامه، تنفستُ الصعداء، وقلت له: أنت تأمر سيدي.

واللواء إبراهيم طاء يأمر، بالفعل، فيُطَاع، إذ بمجرد ما أنهى كلامه وغادر المكان، هرع فريقُه الخاص لتأمين ما يلزم لي من الإطارات الخشبية، والأقمشة البيضاء، وفراشي التلوين، وعلب الدهان، وزيت الأساس، وأدوات الحفر والحَفّ والتسوية، إضافةً إلى ما يتطلبُه مزاجي الشخصي من مأكولاتٍ ومشروبات... وبعد أقل من ساعة، صدر أمرٌ خطيٌّ مُذَيَّلٌ بتوقيع سيادة اللواء، يتضمن إعفائي من الدوام، والاجتماع الصباحي، وتحية العلم، والسماح لي بالنزول إلى دمشق مساء، في سيارة مبيت الضباط، على أن أعود في الصباح، لمتابعة عملي الذي وصفه سيادة اللواء بأنه: عمل مُشَرِّف.

وبعد عدة أسابيع من العمل المتواصل، وبينما أنا أضع اللمسات الأخيرة على تلك اللوحة الجميلة، إذ رأيتُ موقفاً أذهلني. فقد تسلل مجندٌ من "دورة الأغرار" التي تُقام في مكان مجاور للمسبح، وهو لا يعرف شيئاً عن شخصية اللواء إبراهيم، ولا عن عائدية المسبح له، وبدأ خلع ملابسه، وقذف نفسه في الماء مثل سمكةٍ مرحة، وهو يردّد واحدةً من أغاني ذياب مشهور تقول (والله لأعبر مَيّتْكُم، وإن قالوا لي غريقة)، وبالمصادفة المحضة، ظهر اللواء إبراهيم، عاريَ الصدر، متدلي الكرش، ومعه أركان حربه من المرافقين الأشدّاء الذين يتمتعون بأشكالٍ تصلح لإيقاع الرعب في نفوس الناس، بسببٍ أو من دون سبب.

وبلمح البصر، لاحظ هؤلاء أن سيادة اللواء بدأ يغضب، فهرعوا نحو المجنّد، وسحبوه من الماء، ودفعوه إلى حيث يقف اللواء الذي كان يغلي من شدة الغضب... وفجأةً، وقبل أن يبدأ لطمه وتعجيقه، وكما لا يمكن لأحد أن يتوقع، ارتمى العسكري على صورة حافظ الأسد، وقال له:

- دخيلك يا سيدي يا أبو سليمان، أحب على شواربك، وواقع على حريمك، خلصني من هذا الرجل المغضوب الذي وجهه يقطع الرزق...

وبينما انفلت اللواء إبراهيم بالضحك، وأدار وجهه لئلا تقل هيبتُه أمامنا، انتبهتُ أن يَدَيّ العسكري، في أثناء وقوعه على الصورة، قد شوهتاها، فجعلتا وجه الأسد شبيهاً بوجه العسكري نفسه، فيما لو تعرض لضربٍ مبرح من سيادة اللواء إبراهيم طاء.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٦
الحل السوري.. أعباء ومكاسب!

ضربة على الحافر، وضربة على المسمار، كما يقال، فخلال ثلاثة أيام قال الأميركيون والروس تارةً إنهم على وشك الاتفاق، وتارة أخرى إنّ بينهم نقاط خلاف لا يمكن تجاوُزُها! لكن ما هي موضوعات التفاوض التي يجري الاتفاق أو الاختلافُ عليها؟ في البداية كان التفاوض على التنسيق بين الطرفين لضرب «داعش»، ويبدو هذا لأول وهلة أمراً هيناً، فكلاهما يعلنان مكافحة الإرهاب، لكنّ الروس يعتبرون أنّ هناك فرقاء آخرين هم في الحقيقة إرهابيون، مثل «جيش فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) بعد أن أعلنت قطع علاقاتها بـ«القاعدة»، وهذا ليس وجه الخلاف الوحيد، فالروس ما أتوا إلى سوريا لمكافحة «داعش»، بل لدعم نظام الأسد، وتثبيت منطقة نفوذ قديمة لهم، وقد احتاجوا للوصول لذلك إجراء اتفاقات مع النظام على سبيل الاستكمال، لأنهم كانوا قد بدؤوا بذلك قبل ثلاث سنوات، وأبرز الاتفاقات تتعلق بتكاليف التدريب والتسليح، ومستقبل البترول، والقواعد العسكرية (أهمها قاعدة حميميم). واحتاجوا أيضاً إلى اتفاق مع إيران، الموجودة على الأرض من خلال ميليشياتها وحرسها الثوري وجيشها النظامي منذ 2013. وأثناء ذلك، تكأكأت مساعيهم بالاشتراك مع الأميركيين من أجل الحل السياسي، واعتقدوا أنهم من خلال عاصفة قصف لا تتجاوز ستة أشهر، يمكنهم فرض أي حل يشاؤون، لكنهم، وبعد خمسة عشر شهراً، يجدون أنفسهم في المكان الأول، وبخاصة بعد فشلهم وفشل الإيرانيين في حرب حلب. لذلك بينما عاد النظام والإيرانيون للضغط من أجل إخلاء جوار دمشق، باعتبار أنّ الحرب طويلة، ولا يستطيع النظام والإيرانيون الاعتراف بالخسارة، لذلك فليجر تأمين المناطق المفيدة، فإنّ الروس صاروا مهتمين فعلاً بالحلّ السياسي، وهذا الذي عبّر عنه بوتين إبّان مجيئه إلى قمة العشرين من أنه: ليس هناك في سوريا غير الحل السياسي! وهذا الكلام ليس موجَّهاً للأميركيين فقط، بل وللأتراك والسعوديين أيضاً، إغراءً لهم بالبقاء في التفاوُض مع الروس، وليس مع الأميركيين فقط!

المهم أن البدء بـ«داعش» نقطةً للتلاقي لم يفد، لأن الروس يعتبرون المقاتلين في حلب جميعاً إرهابيين. لذلك انتقل الحديث إلى الهدنة المؤقتة من أجل الاحتياجات الإنسانية. والروس يريدون هدنة جزئية تستفيد منها المناطق الخاضعة للنظام، على أن يستمر قصف الجانب الشرقي من المدينة(!). وهذا يعني أنهم غير جادين. وخلال ذلك انشغل الطرفان باجتذاب تركيا. الروس سمحوا لأردوغان بالتدخل في شمال سوريا، فسارع الأميركيون للتظاهر بالموافقة باعتبار أنه سيكافح «داعش»، وعندما اصطدم الأتراك بالأكراد وقفت واشنطن بين الطرفين محاولة إقناع الأكراد بالانسحاب إلى شرق الفرات.

لدينا إذن أربعة أطراف خارجية رئيسية تعمل في الداخل السوري، ولكل طرف مصالحه واهتماماته وأعباؤه: الأميركيون والروس والإيرانيون والأتراك. وهناك أطراف أُخرى مهتمة، مثل قطر والسعودية والأردن، بيد أن اهتمامها مختلف، باعتبارها عربية وتهمها وحدة سوريا واستقرارها. أما الأطراف الرئيسية فتريد مصالح مقابل الأعباء، وبالطبع فإن إيران كانت أكثر المنفقين، ولها «أفضال» على إدارة أوباما، وإلاّ لما سمحت لها بالتخريب في العراق وسوريا واليمن.. إلخ. أما مصلحتُها الاستراتيجية فغير واضحة، إلا إذا اعتبرنا «حزب الله» كذلك باعتبار ابتزازه لإسرائيل، والنظام السوري باعتباره نظاماً طائفياً ضد «السنّة» (الأكثرية السورية)، ويضاف لذلك خط الهلال الشيعي فيما بين العراق وسوريا ولبنان.

أما تركيا فتريد منع قيام كيان كردي على حدودها، وقد كثر الكلام والاختلاف حول الأهداف الروسية، ويخيَّل إليّ أن الروس لا يريدون بإلحاح غير الشراكة والندية مع الولايات المتحدة. وأميركا تلعب معهم على المدى المتوسط والطويل وهم عديمو الصبر، لذلك أرى أن الأتراك والسعوديين والقطريين إن توحدت خطاباتُهم الآن يستطيعون الحصول من روسيا على بعض ما هو مهم لسوريا.

وما تزال الولايات المتحدة سيدة اللعبة في حروب سوريا والعراق، ثم إنها حاضرةٌ بقوة في بقية ملفات المنطقة العربية. واستراتيجيتها أيام أوباما أن لا يكونَ هناك غالب ولا مغلوب إن أمكن، فالحروب مستمرة!

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٦
هل نتفاءل بطبخة كيري - لافروف؟

يغري الميل الى التفاؤل بالجهد الذي يبذله جون كيري و»زميله» سيرغي لافروف (وهو الوصف المحبب الذي يطلقه الوزير الأميركي على نظيره الروسي) للتوصل الى حل للأزمة السورية. الحاجة الى التفاؤل تعود الى حجم الكارثة التي ضربت سورية نتيجة هذا النزاع. وصعوبة بقاء سورية دولة واحدة متماسكة، بعد كل معركة من المعارك التي تخوضها قوات النظام ضد فصائل المعارضة، وما تؤدي إليه من تهجير سكاني بلون طائفي ومذهبي. تهجير لا يمكن أن ينجم عنه سوى إعادة رسم الخريطة السورية، بحيث تصبح أكثر تجانساً من الناحية الطائفية، وأقل تعايشاً من الناحية الوطنية.

لكن التفاؤل بجهود كيري ولافروف لا يكون واقعياً إلا إذا استند الى الحقائق التي باتت ثابتة في الأزمة السورية. أولى هذه الحقائق، أن كل المحاولات السابقة لوقف القتال فشلت، وآخرها محاولة الوزيرين نفسيهما في شباط (فبراير) الماضي، لأنها لم ترتبط بخطة واضحة لتغيير النظام. إذ يجب أن نتذكر ويتذكر الطامحون الى حل هذا النزاع، أن مطلب التغيير هو الذي أشعل شرارة الثورة السورية منذ شهورها الأولى. وإذا كانت الخطة الأخيرة لكيري ولافروف تبدأ من وقف العمليات القتالية، في هدنة يفترض إذا نجحت أن توفر شيئاً من دماء السوريين لمناسبة عيد الأضحى، فإنها لا تنطلق بعد ذلك إلا للحديث عن «انتقال سياسي» في سورية. وهي العبارة الغامضة التي صار كل طرف في النزاع السوري يفسّرها على هواه. النظام يفهم الانتقال حكومة موسّعة تضم من يختارهم بشار الأسد ويضمن ولاءهم من المعارضة. والمعارضة من جانبها، تفهم الانتقال انتقالاً من مرحلة الى مرحلة، أي من حكم بشار الأسد الى ما بعد هذا الحكم، بنتيجة عملية ديموقراطية يختار فيها السوريون من يحكمهم في المرحلة المقبلة.

الواقعية تقضي الاعتراف أيضاً بأن هذا الاتفاق الثنائي الأميركي - الروسي لا يأخذ في الاعتبار أن هناك أطرافاً أخرى في الأزمة السورية، لم تكن موجودة على طاولة جنيف. طبعاً ليس الحديث هنا عن الأطراف الداخلية، سواء النظام أو المعارضة، التي أسلمت رقابها منذ زمن للمصالح الخارجية، بل عن أطراف إقليمية، في المنطقة وخارجها، من بينها تركيا وإيران اللتان أصبح دورهما مباشراً في النزاع، وقد تجدان أن الثمن الذي يريده كلّ منهما للسير في الحل، ليس مضموناً بنتيجة صفقة جنيف، سواء بالنسبة الى بقاء الأسد على رأس النظام، كما تريد إيران، أو الى هوية الأطراف المعارضة التي يستهدفها الاتفاق، وهل تشمل الطرف الكردي الذي يقلق تركيا.

ولأن كلاً من كيري ولافروف يدرك على الأرجح حجم العقبات التي تواجههما، فقد اختارا صيغة غامضة في شأن ما ستنتهي إليه عملية الانتقال السياسي، سمحت بالحد الأدنى من التفاهم الأميركي - الروسي في هذه المرحلة. تفاهم يقتصر على إطفاء النار في المواقع التي تشتعل فيها حالياً، بحيث يحافظ النظام على مواقعه المتقدمة في الجبهات التي اختار التقدم فيها لتكريس حدود «سورية المفيدة»، وتنسيق فاعل مشترك بين الولايات المتحدة وروسيا في مواجهة «التنظيمات الإرهابية»، بعد تحديد مناطق وجودها، وعزل هذه المناطق عن مناطق «المعارضة المعتدلة». وهذا سبب لنزاع من نوع آخر حول تصنيف الفئتين.

تؤكد الخطة الأخيرة للتسوية في سورية، حجم التراجع الذي وصل إليه الدور الأميركي في مقابل نفوذ الدور الروسي. موسكو هي التي يتوسل إليها جون كيري الآن للضغط على النظام لاحترام بنود الاتفاق، فيما لا يملك الأميركيون أي قدرة للضغط على أطراف المعارضة، التي فقد بعضها الثقة بدور واشنطن، بينما البعض الآخر يعاديها علناً.

غير أن جون كيري يواجه مشكلة داخلية أيضاً في قلب إدارته. فعلى رغم «الزمالة» التي يفاخر بها مع سيرغي لافروف، هناك أطراف نافذة مثل وزير الدفاع آشتون كارتر ووكالة الاستخبارات المركزية، لا تنظر الى الدور الروسي في سورية ولا الى لعبة فلاديمير بوتين في تلك الأزمة بالنظرة المتفائلة والساذجة نفسها، التي ينظر بها وزير الخارجية. وهذا سبب لانعدام التفاؤل، لأن القوى التي ستنفذ اتفاق جنيف على الأرض وفي الجو هي القوى التي يأمرها البنتاغون، وليس جون كيري.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٦
نخب بوتين على جثّة كرامة إيران

تبدو مفهومةً المرارة التي تحدث بها وزير الدفاع الإيراني، حسن دهقان، عن لا مبالاة روسيا في استعراضها عملية إذلالها إيران على رؤوس الأشهاد، ذلك أن طهران كانت ترغب في حصول مثل هذا الأمر بالخفاء، وتريد من روسيا أن تحقق لها الانتصارات على الخصوم، بدلاً منها، وتبقى محتفظة بسمعتها دولة إقليمية كبرى، مقرّرة وصانعة للتغيرات. أوجعها أن يتم الإعلان عن تحوّلها إلى تابع. لكن، هل يكفي الغضب والعتب لإخفاء هوان إيران؟

كشفت التطورات في سورية، أخيراً ومنذ عام، حدود القوة الإيرانية ومقدار فعاليتها، فهي ظهرت أصغر حتى من قوة إقليمية عادية، ورّطت نفسها في صراعاتٍ بدون حساب دقيق للخسائر والأرباح الممكن تحصيلها، واستندت إلى جملة من المعطيات المضللة ذات الطابع الآني، مغلفة بحماس ملالي إيران بالنصر الإلهي المؤزر.

استخدام روسيا قاعدة همدان في جهودها الرامية إلى إخماد الثورة السورية، وعلى عكس ما روّجه إعلام حلف ايران، وحتى وإن أعلنت إيران توقيف الأمر في الوقت الراهن، هو الحدث الذي سيؤسس لسياقاتٍ جديدة في الواقع الإقليمي الذي تدّعي إيران أنها تسيطر على مساراته، وهو في الواقع سيشكّل مساراً لضبط إيران، وإخضاعها لمنطق السياسة الدولية، بمعنى إعادة تحديث لهوية الدور الإيراني، ليصار إلى إعطائه توصيفاً سياسياً محدّداً ضمن لعبة الأمم الجديدة، بوصفه طرفاً سياسياً يدور في الفلك الروسي، ومحسوباً عليه.

تلك واحدة من أهم نتائج تداعيات الهزيمة الإيرانية في سورية، والاستنزاف الكبير الحاصل في مركّب قوتها، جرّاء انتشارها غير المحسوب في المشرق العربي، وسواء اعترفت دولة الملالي بهذا الأمر، أم استمرت في خداع أتباعها وتضليلهم، فذلك لن يغير في موازين القوة والمعادلات على الأرض.

استدعاء إيران الدب الروسي إلى ما كان يعتبر كرمها حتى وقت قريب، وإن كان استدعاء الضرورة، كونه أنقذ ماء وجه إيران من هزيمةٍ علنية في المنطقة، لن يكون بلا ثمن، وبالحسابات الروسية، فإن مثل هذا الاستجداء سيكون ثمنه الطبيعي الخصم من دور إيران ومساحة مصالحها ونفوذها، ذلك أنه، نظرياً، يعتبر النفوذ الإيراني بحكم الساقط، عشية اليوم الذي هرع فيه قادة إيران يطلبون النجدة من الكرملين، وبما أن روسيا ليست جمعيةً خيريةً وخاصةً، في ظل الظروف التي تعاني فيها من أوضاع استراتيجية معقَدة، فهي لن تبذل أي مجهود مجاني من دون حسابات دقيقة، وبما أن البيدر السوري لا يغطي في المساومات الدولية سوى مساحة صغيرة من حلولٍ ممكنة مع الغرب، فإن روسيا لن تترك لطرفٍ غيرها أن يحصل على نتائج مهمة، سورية لا يمكن قسمتها على طرفين. إما أن تشيل روسيا الملف السوري بكامله، وتتفاوض فيه على القرم وأسعار النفط والعقوبات الغربية، أو لن تحصل على شيء مقابل. وبمعنى آخر، لن يدفع الطرف الآخر ثمن سورية مرتين ولطرفين، حينها ستبدو الخيارات الأخرى أقل تكلفة.

كل خطوة روسية في سورية يجري حسابها بدقة في الكرملين، من حيث جدواها في الميدان وفعاليتها في المساومات الدولية، وتعمل روسيا على هندسة واقعٍ في سورية وحولها، يتفق مع تطلعاتها السياسية في بيئةٍ دوليةٍ معقّدةٍ، تحتاج إلى خوض صراعاتٍ عنيفة فيها، ولا شك أن الساحة السورية، في تقديرات صانع القرار الروسي، توفّر فرصةً مهمةً سواء على الصعيد الجيوبوليتيكي أو على اعتبار أنها الساحة الأكثر إنتاجاً للتداعيات وإمكانية استثمار تلك التداعيات في سياق إعادة التموضع الروسي في الواقع العالمي الجديد.

من الطبيعي أن تنظر روسيا إلى إيران، بعد أن عرفت مكامن ضعفها، وفكّكت شيفرة قوتها، على أنها مجرد جسر عبور لمرحلة، ومن الطبيعي أن إيران إذا أرادت أن تكون شريكاً لروسيا، فإن وضعها الحالي، بوصفها طرفاً استدعى الحماية، لا يؤهلها للشراكة، وإن حصول هذا الأمر يستدعي إعادة هيكلة لإيران، ليست الهيكلة السياسية التي يطالب بها الغرب، فتلك قد تكون أرحم بالنسبة للملالي، بل إعادة هيكلة القوة الإيرانية، بما فيه عقيدتها القتالية وإعادة هيكلة الدور الإقليمي لإيران، بما يتناسب والمصالح الروسية في المنطقة.

يغطي غبار الحرب السورية إلى حين على الواقعة الكبرى التي حصلت في الإقليم، والممثّلة بهزيمة مشروع إيران، وربما في حسابات الملالي أن الرضوخ للأجندة الروسية في المنطقة يبقى خياراً أفضل من خياراتٍ كثيرةٍ، بدأت تطل برأسها، مثل الصدام مع الغرب، نتيجة فشل الاتفاق النووي، أو انتقال الصراعات إلى الداخل الإيراني، من جرّاء الضعف الذي يجري تغطيته بغبار صواريخ بوتين المجنّحة وقاذفاته الاستراتيجية. لم يعد باستطاعة إيران إنكار حقيقة تراجع دورها لصالح روسيا، لكنها تخشى من إعلان هذه الحقيقة الآن، لكن لا وقت لدى فلاديمير بوتين لمراعاة خواطر الملالي، لديه فرصة مهمة لشرب نخب تحوّله اللاعب الأوحد في سورية، ولو على جثة كرامة إيران.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٦
رسالة راتني إلى المعارضة السورية

تثير الرسالة التي بعث بها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، إلى فصائل المعارضة السورية (يوم 3 سبتمبر/أيلول)، بخصوص مشروع اتفاق أميركي ـ روسي لوقف القتال، ونشرت أخيراً، تساؤلات وملاحظاتٍ عديدة.
مع ذلك، ما يلفت الانتباه أن الكيانات السياسية للمعارضة (خصوصاً الائتلاف) لم ترد على الرسالة، في حين أن بعض الفصائل المسلحة بعثت رداً، أخذت فيه على المبعوث الأميركي عدم إشراكها أو إطلاعها على ما يجري، وعن خيبتها من الموقف الأميركي، لاسيما السكوت عن تجاوزات النظام وروسيا كل الاتفاقيات، واعتبار أن طريقة التصرف ضد القاعدة، من دون النظام، تساعد النظام وتضرّ الثورة، ولا تضعف القاعدة، كما تم انتقاد طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، واعتبار أن ذلك يؤثر سلباً على وحدة الشعب السوري. وعموماً، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية على الرسالة:
أولاً، لم يتوجه راتني برسالته إلى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، وهي الهيئة القيادية المعترف بها دولياً، وإنما بعث بها مباشرة إلى ممثلي "الفصائل الثورية في سورية"، وحتى أنه لم يذكر "الائتلاف" بالاسم، الأمر الذي يفترض من هذه الهيئة التمعّن في هذا الأمر، والمراجعة بخصوصه، لا مراجعة الإدارة الأميركية، فقط، وإنما مراجعة الذات، ولا سيما عن سبب تدني مكانة "الائتلاف"، وخصوصاً سبل استعادته مكانته ودوره.

ثانياً، تأتي الرسالة بصيغة إخبار ("لا شك أنكم الآن قد سمعتم عن الاتفاق الذي نقترب من التوصل إليه مع روسيا")، وليس بصيغة تشاور، وهو الأمر المفترض، باعتبار أن المعارضة السورية، و"الائتلاف" خصوصاً، هي صاحبة الحق والمصلحة في التقرير في هذا الأمر، وكان الأصح وضعها بصورة ما يجري أولاً بأول.

ثالثاً، يلفت الانتباه أن راتني تسرّع في نشر رسالته (3 سبتمبر/أيلول) قبل أن يوقع الاتفاق الطرف الروسي، إذ لم يمض يوم واحد حتى تم الإعلان عن فشل المشروع، أو عن وجود لا اتفاق، ما يثير الشبهة بأن ما أراده راتني يتعلق فقط بالتنصل من المسؤولية، والتوضيح أن الولايات المتحدة ليس بيدها شيء تفعله.

رابعاً، يتحدث راتني كأن الولايات المتحدة دولة ضعيفة، لاحول لها ولا قوة إزاء روسيا، إذ يقول: "التعامل مع روسيا صعب للغاية... من الصعب جداً إجراء هذه المباحثات مع الروس حتى وهم يقتلون السوريين بشكل يومي. تسألنا المعارضة باستمرار: كيف يمكن لروسيا أن تظل راعية للعملية السياسية، بينما تتصرّف، في الوقت نفسه، طرفاً أساسي في الصراع؟ ونحن نسأل أنفسنا هذا السؤال كل يوم (!)...كلانا ليس لديه أي خيار سوى التعامل مع الآخر. وهذا يعني أن على الولايات المتحدة وروسيا أن يعالجا مخاوف بعضهما". هكذا يتكلم راتني، مع علمنا أن الولايات المتحدة لا تفعل شيئا عملياً، في حين أن روسيا طرف فاعل في القتال إلى جانب النظام، وهي تقصف السوريين بالطائرات بقنابل النابالم والقنابل الفسفورية، أي أن الولايات المتحدة ليس فقط لم تفعل شيئاً لفرض حظر جوي أو لفرض مناطق آمنة ووقف قصف النظام بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، وإنما هي سمحت لروسيا بالقصف الجوي أيضاً.

لا نتحدث هنا عن تدخّل أميركي، ولا بأي شكل، وإنما عمّا يمكن أن تفعله من دون تدخّل، من خلال أوراق ضغط كثيرة تمتلكها، ومن خلال قوتها الناعمة، وبالتعاون مع الدول العربية والإقليمية والاتحاد الأوروبي. وضمن ذلك، وقف القصف الجوي وفرض مناطق آمنة، وإمداد المناطق المحاصرة بالغذاء من الجو أو من البر، وفي أي طريقة، وعدم ترك النظام يهجّر السوريين لإحداث التغيير الديمغرافي، وصولاً إلى تمكين الجيش الحر من التصدّي للقصف بمضادات طائرات، وتقوية مكانة المعارضة سياسيا وعسكريا، أي القيام بعشر ما تقوم به روسيا للنظام؛ هذا ونحن نعلم أن ضغطا أميركيا بالقدر المناسب على روسيا من شأنه تغيير كل الوضع، وهو ما حدث إبّان أزمة الكيماوي (أغسطس/ آب 2013).

خامساً، إذا أحسنّا النيّة، فهذا اتفاق أولي كان يمكن أن يمهد لاتفاق أشمل وأعمق، إذ إنه لم يتضمن إطلاق المعتقلين في سجون النظام، ولا رفع الحصار عن المناطق المحاصرة، ولا وضع حداً للتهجير الديمغرافي، وهي القضايا الأساسية المفترض أنها خارج عملية المفاوضات، بحسب نص قرار مجلس الأمن 2254، وهذا ما يجب التأكيد عليه في كل اتفاق كخطوة أولى.

سادساً، وأخيراً، ثمّة إيجابيات كثيرة في مشروع الاتفاق، إذ نص على "وقف الهجمات العشوائية من النظام وروسيا على المدنيين والمعارضة... وتمهيد الطريق لإعادة إطلاق عملية سياسية موثوقة... تقوم روسيا بمنع طيران النظام من التحليق، وهذا يعني عدم حدوث قصف من النظام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بغض النظر عمن يوجد فيها، بما في ذلك المناطق التي توجد فيها جبهة "فتح الشام" إلى جانب فصائل المعارضة الأخرى، وفي المقابل، نعرض على روسيا التنسيق بشأن إضعاف "القاعدة" في سورية. وسيتضمن هذا التنسيق تفاهماً يقضي بأنه لن تكون هناك عمليات قصف من النظام ولن يكون هناك قصف عشوائي روسي". أيضاً، نص الاتفاق على وقف القتال في حلب، و"انسحاب النظام من طريق الكاستيلو، وإنهاء القتال حول طريق الراموسة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى حلب، من خلال كل من طريقَي الراموسة والكاستيلو، وإنهاء الهجمات والعمليات الهجومية في جميع أنحاء البلاد... سيقوم النظام والقوات الموالية له بسحب قواتهم من طريق الكاستيلو. وسيصبح طريق الكاستيلو منطقة منزوعة السلاح، وعلى وجه التحديد، فإن النظام سيقوم بها... المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ستدخل مدينة حلب، فور عودة الالتزام بالهدنة، وعلى الأرجح أن يكون دخولها من خلال طريق الكاستيلو. لكن شحنات المساعدات الإنسانية الأممية اللاحقة ستدخل حلب من خلال طريق الراموسة".

سابعاً، يؤكد المشروع "أن هذا الاتفاق مهم للعملية السياسية، لأننا نعتقد أن تحديد الالتزام بالهدنة يمكن أن يفتح الباب لعملية سياسية منتجة". وهذه نقطة ينبغي التركيز عليها، أي ربط أي اتفاق محلي وآني باتفاق شامل ونهائي، يفتح على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، بحسب بيان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254".

على أية حال، تم إعلان فشل هذا الاتفاق، لكن ذلك لا يعني أنه فشل نهائياً، إذ سيواصل الطرفان، الأميركي والروسي، جهودهما لصوغ اتفاق، وهذا ما ينبغي أن تدركه المعارضة، يتعلق بواقع خروج القضية السورية من أيدي السوريين، نظاماً ومعارضة، وأن التقرير في شأن مستقبل سورية بات في يدي الولايات المتحدة وروسيا (مع اعتبار الفارق في وزن الجانبين)، ما يفترض بالمعارضة أن تفعل الكثير لتنظيم صفوفها، وتطوير أوضاعها، وتوضيح خطاباتها، كي تستعيد مكانتها وتعزّز دورها إزاء شعبها وإزاء العالم.

أيضاً، السؤال الذي يمكن أن يطرح هل تأخّرت الفصائل في صياغة ردّها، أم أنها انتظرت طويلا أن يقوم الممثل السياسي (أي الائتلاف) بدوره في الرد على رسالة المبعوث الخاص للولايات المتحدة؟ عموماً، يضعنا تجاهل الطرفين "الائتلاف" وغيره من التشكيلات السياسية المعترف بها دولياً يضعنا أمام تساؤلاتٍ، ترقى إلى مستوى اتهام الإدارة الأميركية، ومن قبلها الأمم المتحدة، بتجاوز الكيان السياسي والقوى السياسية، لعقد تفاهمات مناطقية على الأرض مباشرة.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٦
أشلاؤنا حبر الاتفاقات .. “الهدنة” الأمريكية - الروسية هل تهدف حماية الشعب أم وأده !؟

تبقى المصطلحات “المطاطة” في التصريحات التي تلي كل اتفاق متعلق بسوريا ، هي العقدة اذ تتنوع التفسيرات و تتنوع معها الأساليب في عمليات القتل و التهجير المنظم ، الذين لم يعرفا هدوء أو سكينة رغم كل “الكذب” الدولي طوال السنوات الست الماضية.

اليوكم نقف على أبواب هدنة جديدة ، غير “مفهومة” الحقيقة إلا  أن توقيتها هو يوم الاثنين القادم ، و غير ذلك يبقى عبارة عن مصطلحات “مطاطة” لدرجة أننا نصل لمرحلة نشعر معها أن الاتفاق ستكون أرضه في الموزنبيق أو ربما كوريا الشمالية.

خرق الثنائي جون كيري وسيرغي لافروف ، فجر اليوم ، جدران الخلافات معلنين عن توصل لاتفاق حول هدنة مؤقتة تبدأ يوم الاثنين ، بمعدل ٤٨ ساعة تليها مثلها، فثالثة بعدهما ، وفي حال التمام سيكون هناك هدنة دائمة و بالتالي يكون الاجتماع يوم ٢١ أيلول الذي وعد به المبعوث الأممي إلى سوريا استيفان دي مستورا أنه “مفصلي” و يعيد الروح للمفاوضات التي توقفت من نيسان الماضي.

لكن الجغرافيا أو الخطوط التي ستمر الهدنة عليها غير محددة أو معروفة إطلاقاً ، فالمفاوضات السابقة ركزت على حلب و تحديداً على “الكاستلو” ، و لكن اليوم وفق منطق “المصطلحات المطاطة” ، تم الحديث عن هدنة عامة في سوريا، والغريب أن حلفاء الأسد لطالما تفوقوا على من يسمون “أصدقاء الشعب السوري” ( وهي أكذب التسميات على مر التاريخ) ، حيث أكد لافروف أن الأسد على علم بكل التفاصيل ، في حين الهيئة العليا للمفاوضات أكدت عدم علمها بأي شيء ، ومن هنا يتم الاستشفاف أن الأمور التي جرت في “مارثونيات” لافروف - كيري ، فيها من قضايا أساسية غير مناسبة للشعب السوري أو تضع أي أهمية له.

دأبت التوافقات السابقة جميعها الاعتماد على أشلاء و دماء الشعب كـ”حبر” لإبرام الاتفاقات المصلحية ، والتي دائماً جاءت في صف القاتل و حلفاءه ، و الاتفاق الجديد هو نسخة مشابهة لكل ما سبق، فاليوم التركيز على تكرار ذات الاسم “جبهة فتح الشام” ، في حين تتعامى علناً و “فجوراً” عن عشرات المليشيات الطائفية و أيضاً المصنفة على أنها ارهابية ، فالاتفاق وفقاً للواقع هو استهداف جميع من يقف ضد الأسد و حلفاءه و التهمة جاهزة ، حيث “المصطلحات المطاطة” قد أكدت على قتال الارهابيين  و “الجهاديين” و … و …. ، من طرف الشعب السوري فقط لا غير ، مع إمداد كل القوى المعادية له بالقبول و الدعم و التستر .

اليوم نقف على أعتاب هدنة لا مظاهر لنجاحها إلا في زيادة جراح السوريين و إنهاء أي آمالٍ لهم في البقاء في الأرض أو الحصول على أبسط مقومات الحياة ، فالمعضمية تتجه نحو الإنهاء و الإخلاء ، وحلب دخلت مرحلة مواجهة الموت جوعاً فيما غراب الموت “الروسي - الأسدي” لازال يمارس هواية القتل ، و ينتظر أن تنضم الطائرات الأمريكية ليكون القتل أكثر شرعنة و أكثر ايلاماً.

وفي انتظار الساعات التي تسبق الهدنة هانحن نعمل على توثيق القتل الذي سيزيد ، فالمهلة التي تسبق الهدنة هي مهلة جيدة للقضاء على أكبر قدر ممكن من السوريين ، دون حسيب أو رقيب كما العادة ، وما نشهده في إدلب و دوما و حلب جزء من مسلسل نأمل من الله أن يقتصر على أقل قدر من الخسائر.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٦
دعوه يشنق نفسه في سوريا.. ! (مقال)

عشية قمة العشرين الكبار في هانغتشو بالصين، سيطرت موجة من التفاؤل بإمكان التوصل إلى وقف للنار في سوريا يسمح بالعودة إلى محادثات جنيف، ويبدو أن الاتفاق على برنامج المحادثات المباشرة بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش القمة، خصوًصا حول الأزمة السورية، شجع جون كيري وسيرغي لافروف على دعوة ستيفان دي ميستورا إلى بدء التحضير لجولة جديدة من التفاوض، ولم يتواَن المبعوث الدولي عن إعلان ذلك.

في أقل من 48 ساعة انهار كل هذا مثَل وهم أو غمامة عابرة، فلا المحادثات المباشرة بين أوباما وبوتين حققت أي تقدم أو تفاهم يمكن أن يبنى عليه، ولا الحديث عن جولة محادثات جديدة بين كيري ولافروف يمكن أن يحقق شيئاً، وقد يكون من الضروري أن نتذكر أن اجتماعهما الماراثوني السابق لمدة تسع ساعات انتهى كما بدأ صفراً إلى اليسار، كما يُقال.

قبل أن يجلس بوتين في مواجهة أوباما كان قد أرسل قاذفاته ليمطر محيط معبر الكاستيلو في حلب بأكثر من مائتي غارة أعادت الحصار على مناطق المعارضة، ولهذا لم يكن غريبًا أن يفهم الأميركيون أن موسكو تحاول أن تضع عناصر القوة على الطاولة مع وصول أوباما إلى الصين، وهكذا إذا كانتالمحادثات بينهما هناك قد فشلت، فقد جاءت تصريحات وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يوم الأربعاء الماضي لتوحي بأن واشنطن تضع موسكو أمام خيار من اثنين:

أولاً: إما الاستجابة للخطة التي عرضها السفير مايكل راتني في رسالته إلى المعارضة والمتصلة بشروط وقف النار وفتح معبر الكاستيلو إلى مسافاتُ حددت بالأمتار (500 متر جنوبًا و3500 متر شمالاً)، مع تشديد على سحب النظام أسلحته الثقيلة والمتوسطة إلى مسافات محددة، بما ينهي فعاليتها لإقفال المعبر.

ثانيًا: وإما الانسحاب من عملية التفاوض، لأنه لا أمل في التوصل إلى اتفاق مع روسيا، ذلك أن دبلوماسيين أميركيين يحاولون إقناع روسيا باتخاذ خطوات نحو اتفاق حقيقي لوقف إطلاق النار ودفع النظام في اتجاه التحّول السياسي، لكن الأنباء الواردة من سوريا ليست مشجعة.
وإذا كان بوتين تعّمد التصعيد في حلب قبل ساعات من لقائه أوباما في عملية ضرب في الخواصر، فقد جاء الرد الأميركي ضربات متتالية في الخواصر، أولاً
عبر التهديد بالانسحاب من المحادثات، وثانيًا عندما اضطر لافروف في اليوم الثاني أن يحتّج لدى كيري على سلة جديدة من العقوبات التي اتخذتها واشنطن
ضد موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية، وثالثًا، وهو الأهم والأكثر دلالة، عندما أنهى كارتر تصريحه يوم الأربعاء كمن يصفق الباب في وجه موسكو عندما قال: "الخيار لروسيا والعواقب هي التي ستتحمل مسؤوليتها"!

الحديث عن العواقب ليس كلاًما سياسيًا عابًرا، والدليل أنه عندما لّوح الأمريكيون بالانسحاب من المفاوضات مباشرة بعد لقاء أوباما وبوتين، سارعت وزارة الخارجية الروسية إلى إصدار بيان يقول: "لا داعي لمثل هذه التصريحات الدرامية"، ولكي نستشف مدى الإحساس الدرامي المتصاعد في موسكو، يجب أن نقرأ تصريح أوباما بعد اللقاء مع بوتين الذي قال إن "المحادثات كانت صريحة لكن الفجوة مستمرة، ولم نتمكن من التغلب على الخلافات"، هذا في حين بدا بوتين وكأنه يحلم أو يتمنى التوصل إلى اتفاق عندما قال: "عندي أسباب تدفعني إلى الاعتقاد أن روسيا والولايات المتحدة قد تتوصلان إلى اتفاق بشأن سوريا خلال أيام"!

ولكن من أين يأتي بهذه الأسباب؟ عندما يتخذ أوباما مزيدًا من العقوبات ستزيد من نسبة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في روسيا، وعندما يصفق الباب في وجه بوتين قائلاً: "الخيار لكم في سوريا فتحملوا المسؤولية"، وهو ما يذّكر بكل التحليلات التي طالما فسرت تغاضي أوباما عن استئساد بوتين بأنه يهدف إلى تركه ينزلق إلى حرب استنزاف بدأ الآن يحّس بوطأتها، وهو ما يذّكر بقول لينين ذات يوم: "أعِط الأمريكيين ما يكفي من الحبال وهم كفيلون بشنق أنفسهم في آسيا"، فهل أعطى أوباما بوتين ما يكفي من الحبال ليشنق نفسه في سوريا؟

يدرك بوتين أن ما أخذه من أوباما في أوكرانيا وسوريا لن يستطيع أخذه غدًا من هيلاري كلينتون ولا من دونالد ترامب، لهذا يستعجل حصول اتفاق اللحظة الأخيرة مع أوباما الذي سيتمادى الآن في التعامي والابتعاد عن ذلك، على خلفية أنه لا يريد أن يترك لخلَفه اتفاقات ملزمة قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية.

ويعلم أوباما كما يعلم بوتين جيدًا أن العملية الروسية في سوريا بدأت في سبتمبر (أيلول) الماضي على أساس أنها مهمة محددة لأربعة أشهر، كما أعلن بوتين في حينه، ولكن ها هو يكمل السنة غارقًا في أزمة اقتصادية متصاعدة، وفي قتال المعارضة السورية في معابر مدينة حلب التي صارت ستالينغراد العصر، وأن كل ما فعله هو منع سقوط اللاذقية.

ويعلم أيًضا أن ما أنجزه الأمريكيون ضد "داعش" وبالتعاون مع الأكراد من كوباني إلى الحسكة مروًرا بمنبج لم يتمكن هو أن يفعل شيئًا منه سوى قصف المعارضة التي ستبقى جزًءا أساسيًا من مستقبل سوريا، لمصلحة بشار الأسد الذي لن يكون ولا يستطيع هو في النهاية أن يفرضه جزًءا من هذا المستقبل.

ويعلم بوتين بكثير من المرارة ما يعلمه أوباما بكثير من الخبث؛ أن الآتي أعقد من الذي مضى، فماذا سيفعل مثلاً إذا دخل الأميركيون غدًا بالتعاون مع الأتراك إلى الرقة، وإذا شاركوا في تحرير الموصل في العراق؟ وماذا سيقول للروس: ننزف اقتصاديًا في حرب هدفها دعم النظام السوري بحجة قتال "داعش" الذي تركنا قتاله للأمريكيين؟

ثم ماذا سيقول بوتين للأكراد الذين لّوح لهم بالفيدرالية في شمال سوريا، هل يتركهم هدفًا للدبابات التركية، كما فعل الأمريكيون الذين دعموهم بالطيران في منبج والحسكة ثم قصفوهم بالطيران في جرابلس؟

وعندما يعمل رجب طيب إردوغان على إقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا، ويدفع بعًضا من المنظمات المعارضة إلى إرسال إشارات عن السعي لتحويل هذه المنطقة إلى نوع من "كانتون سني" لمواجهة أي فيدرالية كردية، ماذا سيفعل بوتين الذي بدأ ينتقد التوغل التركي الذي بدأ يثير أيًضا الحمى في طهران، التي صحيح أنها تعادي طموحات الأكراد، لكنها لن تتردد في التحرك للحيلولة دون الهيمنة التركية في الشمال السوري؟

أوباما ذاهب إلى بيته، لكن بوتين ليس عالقًا في الكاستيلو فحسب، بل وسط شبكة من القوى والصراعات والحسابات الدموية المتقاطعة، وهو ينزف في الاقتصاد والمتاريس والهواجس المتصاعدة، على الأقل حتى مارس (آذار) المقبل بعد تشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان