مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ سبتمبر ٢٠١٦
بوتين يبادر ويناور، وأوباما يتعاون

الشكوك في فرص نجاح الاتفاق الأخير لوقف العمليات القتالية في سوريا الذي توصل اليه المسؤولون الاميركيون والروس، عميقة وواسعة، وتشمل حتى جهات اميركية رسمية. مسؤولون في القيادة المركزية المسؤولة عن العمليات العسكرية في سوريا والعراق قالوا علناً إنهم لا يتوقعون تشكيل "مركز التطبيق المشترك" الذي سيشرف على تنسيق العمليات العسكرية الاميركية - الروسية ضد تنظيمي "داعش" و"جبهة" النصرة فوراً بعد مرور سبعة أيام من الهدوء وفقا للاتفاق، نظراً الى انعدام الثقة بروسيا. ومعارضة وزير الدفاع آشتون كارتر وكبار العسكريين لأي تنسيق ميداني مع روسيا معروفة، لانه سيؤدي في رأيهم الى اعطاء الشرعية للقوات الروسية التي تمارس القصف العشوائي في سوريا، كما سيكافئ الجيش الروسي الذي احتل شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، فضلاً عن أي تعاون كهذا سوف يكشف طبيعة عمل القوات الاميركية وكيفية جمعها للمعلومات الاستخبارية. المتحفظون عن الاتفاق في واشنطن يراهنون على الاسد وحلفائه لتقويضه حتى قبل بدء تطبيقه.

سياسياً واستراتيجياً ليس من المبالغة القول إن موافقة واشنطن على الاتفاق هي بمثابة تسليم أميركي بأن روسيا هي الطرف الرئيسي الذي يبادر عسكرياً وسياسياً في سوريا، حيث تجد واشنطن نفسها – بسبب غياب قوات أميركية في سوريا - مضطرة الى ردود الفعل. وهناك عقبات كبيرة امام تطبيق الاتفاق من أبرزها سجل النظام السوري وحلفائه مثل ايران و"حزب الله"، وأيضاً روسيا في عدم احترام تعهداتهم ووعودهم، وخصوصاً منذ الاتفاق الاول لوقف العمليات القتالية في شباط الماضي. الاتفاق لا يتطرق الى كيفية مساءلة أي طرف ينتهك الاتفاق، كما لا يشير الى مسؤوليات أطراف مثل ايران والميليشيات الشيعية.

وهناك صعوبات تقنية ولوجيستية، وخصوصاً بعد معاودة النظام وحلفائه حصار حلب، الامر الذي يجعل مسألة فك تداخل قوات "جبهة النصرة"، التي تريد واشنطن ان تضربها مع روسيا، والفصائل الاخرى في حلب مسألة بالغة الصعوبة. وأكثر ما تخشاه قوات المعارضة التي لا تؤيد "جبهة النصرة" سياسياً، لكنها تجد نفسها ميدانياً تحارب مع "النصرة" أو قرب "النصرة" قوات النظام وحلفائه، هو انه اذا بدأ الاميركيون والروس بالفعل عمليات مشتركة لضرب النصرة، ان يؤدي ذلك الى تعزيز الوضع العسكري لنظام الاسد (تعزيز نفوذ موسكو) الامر الذي سيلغي أي ضغوط على الاسد لمعاودة المفاوضات. تطبيق الاتفاق العسكري – في غياب تفاهم على عملية سياسية تؤدي الى رحيل الاسد وحاشيته الدموية - سيؤدي الى إلحاق نكسة كبيرة بالمعارضة السورية.

تبريرات الوزير كيري للاتفاق لا تتعدى التمنيات. هذه هي النتيجة المنطقية لخمس سنوات من التردد والتخبط الاميركيين في سوريا.

اقرأ المزيد
١٥ سبتمبر ٢٠١٦
نجح الحج وفشلت إيران وسقطت ورقة التوت الأخيرة

بعد أن أعلنت مقاطعتها لموسم الحج هذا العام وحرمان شعبها والشعوب غير الفارسية داخل جغرافية ما يسمى بإيران من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، بدأ النظام الإيراني بترويج الإشاعات تارة، واللجوء للتهديدات المباشرة وغير المباشرة تارة أخرى، بهدف إفساد موسم الحج وإرباكه.

قررت طهران مقاطعة الحج لأهداف سياسية محضة، فبعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاقية الحج صدرت الأوامر من "الولي الفقيه" برفض التوقيع ومغادرة جدة والعودة إلى طهران فورا. ذلك التغير المفاجئ في المواقف كان يهدف في المقام الأول إلى إرباك موسم الحج والتأثير على بقية الدول والشعوب الإسلامية، من خلال ماكينة إعلامية ضخمة سخرت كافة إمكاناتها وبلغات مختلفة، لهذا الغرض. من هنا، ومع اقتراب موسم الحج، شاهد وتابع الجميع الحملة الإعلامية الشعواء ضد المملكة التي شنها مسؤولو النظام الإيراني وعلى رأسهم الخامنئي وبقية رموز النظام والكتاب والصحفيين بلغة أقل ما يقال عنها إنها تتصف بالبذاءة والوقاحة والسفه. وقد ارتفعت وتيرة هذه الحملة المحمومة مع غرة شهر ذي الحجة لتصل إلى مرحلة أن القارئ لا يجد خبرا أو تقريرا في الصفحات الرئيسية للصحف الإيرانية ووكالات الأنباء التابعة للنظام والحرس الثوري إلا وقد هاجم السعودية وأطلق أبشع الأوصاف والعبارات ضد المملكة.

إن هذا الوضع الإعلامي والسياسي المنحدر أخلاقيا ومهنيا ودبلوماسيا من الجانب الإيراني يؤكد على حقيقة الأهداف الإيرانية تجاه بلاد الحرمين حكومة وشعبا، ومحاولة إلحاق الضرر بها بكافة الطرق والوسائل، لكن القيادة السعودية تركت للنظام الإيراني المهاترات الإعلامية واللغة السوقية وسخرت جهودها وإمكانياتها -كما جرت العادة- لخدمة ضيوف الرحمن والسهر على راحتهم وأمنهم وأدائهم النسك بكل يسر وسهولة. بعبارة أخرى، كان بإمكان السعودية معاملة إيران إعلاميا بالمثل إلا أنها ربأت بنفسها عن السفاهة حتى لا يخلط القارئ والمراقب المحايد بين الطرفين، وعملت الرياض طبقا لأبيات الإمام للشافعي يرحمه الله عندما قال:

يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا

من هنا كان الرد السعودي غير المباشر على مزاعم طهران، ومحاولات تجييش دول العالم الإسلامي ضدها، على الأرض، فتحقق بفضل الله ثم بتوجيهات القيادة واحترافية العمل من قبل القطاعات المختلفة المشاركة في موسم الحج نجاح باهر على كافة الأصعدة وانسيابة كبيرة في تحركات الكتل البشرية من منى إلى عرفة ثم من عرفة إلى مزدلفة ثم الإفاضة إلى منى ورمي الجمرات وانتهاء بطواف الوداع، دون أي حوادث تذكر، بحمد الله.

هذه الحقيقة الماثلة على الأرض استدعت إلى الأذهان الدور الإيراني التخريبي في العديد من مواسم الحج خلال ثلاثة عقود ونيف، وأن غياب حجاج إيران وبخاصة من يقوم النظام الإيراني بإرسالهم إلى موسم الحج لأهداف لا تمت لأداء الركن الخامس بصلة قد كشف أكثر من أي وقت مضى ارتباط الأعمال التخريبية والمشكوك في مسبباتها بأهداف طهران تجاه موسم الحج لضرب السعودية في أهم ما تفتخر به وهو خدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما وتحقيق الأمن والأمان لضيوف الرحمن خلال موسم الحج.

في نهاية المطاف، بفضل الله وتوفيقه، نجحت السعودية نجاحا باهرا ومشرفا في تسخير كافة الإمكانات لضيوف الرحمن ليخرج هذا الموسم في أبهى حلله، وفي الجانب الآخر فشلت إيران فشلا ذريعا في إقناع، ليس دول العالم الإسلامي فحسب، بل والشعب الإيراني أيضا بإشاعاتها ومزاعمها الكاذبة ضد المملكة وقدرتها على إدارة الحج، وانكشف للجميع مشروع طهران الرامي إلى تسييس شعيرة الحج التي قال الله سبحانه وتعالى عنها في محكم التنزيل "فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ"، وتحويلها إلى شعارات سياسية كاذبة وجدال عقيم وفسوق أيديولوجي وفكري مقيت، وتأتي الطامة الكبرى من رأس الهرم الإيراني عبر دعوته الحجاج للتوجه إلى كربلاء بدلا من مكة، فأي مرشد وأي فقيه وأي مرجع تقليد هذا؟!

لقد أبى النظام الإيراني إلا أن يفضح نفسه ورموزه أمام الجميع وتسقط ورقة التوت الأخيرة، "واللي ما يشتري يتفرج"، كما يقال.

الواقع أن الشعب الإيراني الجار يستحق أن يكون في حال أفضل مما هو عليه اليوم، فهل هناك من رجل رشيد ينقذ ما يمكن إنقاذه؟ الجواب يملكه الشعب الإيراني دون غيره!.

اقرأ المزيد
١٥ سبتمبر ٢٠١٦
إيران تعمل على شق صف المسلمين!

ساءت العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران إثر الغزو الأميركي للعراق، وتفاقم الأمر مع رئاسة محمود أحمدي نجاد، ثم الحرب في سوريا والتدخل الإيراني في اليمن.

كان العالم يأمل بأنه مع حكومة حسن روحاني ستبدأ خطوات الانفراج بين الدولتين. لم يفكر أحد بصداقة أو بتحالف، إنما مجرد أن يجلسا ويتحدثا إلى بعضهما البعض. في السابق كانت هناك على الأقل علاقات دبلوماسية بينهما، هذا غير متوفر الآن، وقد تراجعت العلاقات بين الدولتين مع روحاني لأن صلاحياته محدودة والسياسة الإيرانية الخارجية بيد كل من المرشد الأعلى والحرس الثوري.

ثم جاء موسم الحج؛ حاول المرشد علي خامنئي أن يستفيد من عدم مشاركة الحجاج الإيرانيين هذا العام. يعرف أن السبب يعود إلى تعنت قيادته، ويعرف أيضًا أن الحكومة لا تتمتع بشعبية، ويعرف أيضًا وأيضًا أن الإيرانيين لا يكنون أي مودة للسعوديين، فرأى أنه من السهل عليه أن يشن هجومًا كلاميًا قاسيًا على السعودية واضعًا اللوم عليها، معتقدًا بأنه في ذلك يبعد المسؤولية عنه، لكن لم يكن له ما اعتقد.

يقول علي رضا نادر محلل السياسة الدولية في «مؤسسة راند» وواضع الكثير من التقارير عن إيران: «في الأساس لا تستطيع حكومة روحاني فعل أي شيء، إذ لا سلطة للرئاسة في إيران ولست متأكدًا من أن روحاني في وضع يسمح له بتعديل الأحداث أو تغيير مجراها ومن الصعب رؤية تغيير جذري في إيران».

أسأل: ماذا يريد خامنئي من العالم العربي ومن الشرق الأوسط؟ يقول: «أعتقد أن خامنئي يريد أن يتأكد من أن الجمهورية الإسلامية قوة مهيمنة على كامل المنطقة».

تبرر إيران سياستها العدوانية ضد العرب بأنها تتعرض لحصار عربي، وبالتالي إذا لم «تشن» هجومًا قويًا سيكون دفاعها ضعيفًا، وتضاعف هجومها في سوريا والعراق واليمن.

يقول نادر: «تعتقد إيران أنها إذا لم تقاتل (داعش) و(القاعدة) في العراق وسوريا فسوف تواجههما في الداخل. وخطتها أن تربط دول الخليج بهذه المنظمات فتحصل بهذه الطريقة على دعم شعبي أكبر داخل إيران، ودعم من الشيعة في الشرق الأوسط وربما بعض السنة، وتصبح أقرب إلى بعض الدول الغربية لجهة الادعاء بأنها ضد (القاعدة) وضد (داعش)».

يرى أنه إذا نجح التحالف الدولي والعربي بدحر «داعش» فإن إيران ستجد أعداء جددًا. ستكون هناك دائمًا مجموعات سنية متطرفة وستكون الولايات المتحدة الأميركية دائمًا الحائط الذي سترمي عليه إيران المسؤولية، وقد تعود إلى مضاعفة نشاطها ضد إسرائيل، ثم هناك المنافسة مع تركيا.

إن قائمة الأعداء بالنسبة إلى إيران غير محدودة حتى ولو انتهى «داعش»، ومن المستبعد أن يختفي بالكامل، لأنه ستظل هناك مجموعات أخرى تتحدى محاولة سيطرة إيران على العراق وسوريا.

يقول نادر: «من يعرف كم ستستمر الحرب في سوريا، وقد يحدث عصيان في العراق في المستقبل القريب، لهذا لا أعتقد أن الأسباب التي تقوم عليها السياسة الإيرانية الخارجية ستختفي».

شيعة العراق العرب ليسوا عملاء لإيران، وصار السوريون يقولون الآن: سوريا للسوريين فقط. ولا يعتقد نادر أن الكثير من الشيعة العرب يريدون القتال من أجل إيران. هناك أقلية صغيرة بينهم ملتزمة بالآيديولوجيا الإيرانية وتقاتل من أجلها، إما لأنها تعتمد كليًا عليها ماديًا، أو لأنها تشعر بالتهميش.

من الأسباب التي تجعل من إيران مؤثرة في العراق أن الحكومة المركزية العراقية لم تنجح في القتال ضد «داعش» فتحركت إيران ومولت الميليشيات الشيعية في العراق، الأمر الذي أضعف الحكومة المركزية هناك وجعلها تعتمد أكثر على إيران.

بالنسبة إلى نظام الأسد، فلا أصدقاء له سوى روسيا وإيران و«حزب الله» اللبناني.

ويتساءل نادر: هل العلويون وحتى السنة الذين يدعمون النظام يحبون إيران؟ كلا. لكنها تساعدهم على البقاء، وإذا انتهت الحرب الأهلية فإن الحكومة السورية ستكون أكثر منها قبل الحرب، اعتمادًا على إيران.

لهذا نرى الجنرال قاسم سليماني يتنقل بين العراق وسوريا، وكأنه «يشرف على ممتلكاته». رغم أنه لم يحسم الحرب في أي منهما حتى الآن. وساعد هذا على انتشار الشائعات بأنه قد يكون الرئيس الإيراني المقبل. جاء روحاني بعلي شمخاني مستشار الأمن القومي ليواجه سليماني، وهو شخصية مهمة لكنه بيروقراطي، في حين تصور القيادة الإيرانية سليماني كبطل. شعبيته تعتمد على أنه يدافع عن إيران ضد «داعش» وضد السنة المتشددين، وأنه هزم الأميركيين في العراق، وجعل من إيران دولة قوية في الشرق الأوسط. هذا المفهوم منتشر لدى النخبة في إيران التي ترى أن النظام السوري لم يسقط ولا تزال حلب محاصرة.

وهل هذا يعود إلى إيران أم إلى روسيا؟ يقول نادر: «للاثنين معًا. التدخل الروسي كان حاسمًا لكن إذا نظرنا إلى القوات البرية في سوريا نرى أن الأكثر فعالية ليسوا السوريين، بل هم العراقيون والإيرانيون و(حزب الله). وهذا يؤجج الحرب المفتوحة حول سوريا وحول دور كل من السعودية وإيران».

ويضيف نادر: نظريًا هناك مجال لتسوية الخلافات بين الدولتين، يتخوف من أن يصبح الصراع أوسع. ويرى «إن أبسط شيء أمام الدولتين أن تجلسا وتتحدثا حتى لو لم تتفقا حول تحديد مصالحهما».

يوضح: «إن الإيرانيين والسعوديين يعرفون القليل عن بعضهما البعض، وهذا بحد ذاته خطر». هناك احتمال بأن يحدث شيء في المنطقة؛ قد تحدث اصطدامات، وقد تتأثر مناطق أبعد، الشرق الأوسط متفجر ويزداد الأمر سوءًا ويصل إلى أفغانستان وباكستان.

لكن ما دامت إيران تضع في استراتيجيتها السيطرة على المنطقة مهما كانت الكلفة من خراب وخسائر، فلن يستطيع أحد إقناع الطرفين بالجلوس معًا، لا الولايات المتحدة قادرة ولا أوروبا. حتى الرئيس الأميركي المقبل لن يستطيع أن يقنع الدولتين بالجلوس، غير أنه من المفيد أن نرى ماذا سيفعل. الصورة قاتمة وقد تمتد إلى سنوات عدة.

يقول نادر: «من المثير مراقبة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثم هناك انتخابات رئاسية في إيران العام المقبل، والوضع في تركيا مائع، الترتيبات الداخلية في بعض الدول مؤثرة جدًا». ويضيف: «هناك أيضًا خلافة خامنئي. فإذا نجحت النخب السياسية في الدول المعنية بما فيها السعودية، واستطاعت أن تتفهم بعضها بعضًا، ستتوفر الفرصة، إلا أن عدم معرفة ما سيجري داخل كل دولة لا يسمح لنا بالتفاؤل، فالظروف التي تسمح بالتفاؤل غير متوفرة الآن».

أسأل: رغم أن الحكومة الإيرانية لا تتمتع بالشعبية فهل النظام مستقر؟ يقول نادر: «بالنسبة إلى أوضاع الشرق الأوسط نعم. وازدادت نسبة الاستقرار بعد خروج أحمدي نجاد من السلطة، وبعد توقيع إيران الاتفاقية النووية، لكن كل هذا نسبي لأنه بعد خامنئي سيكون الاستقرار قضية مفتوحة على كثير من الاحتمالات».

يرفض نادر المراهنة على الاستقرار المستقبلي لإيران، لكن: «إذا قارناها الآن بالعراق وسوريا ولبنان وأفغانستان نلاحظ أنها أكثر استقرارًا حتى من تركيا، لكن كل شيء قد يتغير بسرعة».

عام 2009 خرجت مظاهرات ضخمة في إيران، وكان الاقتصاد يعاني، وكانت هناك انقسامات داخلية كثيرة، لكن السلطة نجحت في تجاوز ذلك ووقفت إدارة الرئيس باراك أوباما وقفة الممانعة وكأنها تحمي النظام، عكس ما فعلت مع دول «الربيع العربي». كان هناك تفكير «أميركي أوبامي» بحمايته استعدادًا لما سيتوفر لاحقًا من التوقيع على «النووي».

لكن، الوضع الاقتصادي لا يزال سيئًا جدًا، إذ بين اللاجئين إلى أوروبا الكثير من الإيرانيين. ليس هناك لاجئ جاء من دول الخليج. وهذا دليل مؤكد على أنظمة يريدها شعبها وتريده، وعلى نظام يريد التوسع على حساب حماية شعبه. أسقط النظام الإيراني صفة الاحترام عن شعبه عندما أمر مليونًا منهم بالعبور إلى كربلاء لأداء ما سماه «زيارة عرفة» وألغى مبدأ السيادة عند العراق. هذه الخطوة تؤكد سعي طهران إلى شق صف المسلمين. لكن، هل يبقى الحرس الثوري هو الأقوى؟

يقول نادر: «إنهم أقوياء وبعد خامنئي سيكون لهم الدور الأساسي في تقرير من سيخلفه».

أسأل، أي إن الحرس الثوري سيكون العنوان في إيران؟ يجيب: نعم!

اقرأ المزيد
١٤ سبتمبر ٢٠١٦
بشار والجولان: صح النوم!

فجأة تذكرت وكالة أنباء النظام الأسدي (سانا) أن الجولان السوري تحت الاحتلال الإسرائيلي. وفجأة تذكرت قيادة (الجيش العربي السوري) استباحة الطيران الإسرائيلي الحربي للجو والأرض السورية في عهد عائلة الأسد المجيدة.

«سانا» أعلنت أن الجيش السوري أسقط طائرتين إسرائيليتين إحداهما حربية في سعسع بريف دمشق، وأخرى للاستطلاع بريف القنيطرة في الجولان.

إسرائيل نفت دعوى النظام الأسدي، وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن هناك قذيفة، أو صاروخ أرض جو «طائش» جراء «الحرب الأهلية الداخلية السورية» ولكنه توعد في نفس الوقت فأكد بجملة كاشفة: «يعتبر الجيش الإسرائيلي، النظام السوري مسؤولاً عما يجري داخل أراضيه، ولن يحتمل أي محاولة للمس بسيادة دولته وسلامة سكانها».
متحدثة أخرى باسم الجيش الإسرائيلي أوضحت أن الضربة الأخيرة هي الرابعة منذ 4 سبتمبر (أيلول).

هناك من يسأل: هل هي «مسرحية» من قبل الرعاة الدوليين للنظام السوري، خاصة روسيا - رغم مطالبة موسكو الطرفين بالهدوء - لإعادة تأهيل النظام الأسدي شعبيًا، على اعتبار أن أي «نصاب» يتحرش بإسرائيل، صوريًا، أو بطريقة مبالغ فيها إعلاميًا، يحصد الشرعية والشعبية، لدى العرب، مهما ارتكب ضد شعبه من جرائم؟ والجواب واضح لدى هؤلاء.

لكن في الثقافة الأمنية الإسرائيلية، حتى لو صح هذا الاحتمال، يعتبر أمن إسرائيل «خطا أحمر» حقيقيًا، ليس كخط أوباما الرقيق اللطيف.
من أجل ذلك فالدولة العبرية تتعامل مع مسألة الحدود والقدرات العسكرية المهددة في جوارها، بسرعة وحزم.
نتذكر في هذا السياق حادثتين، قريبتين:

* يناير (كانون الثاني) 2015 أعلن «حزب الله» اللبناني عن مقتل 6 من عناصره بغارة إسرائيلية استهدفت أحد مواقعه في مزرعة الأمل بقنيطرة الجولان بينهم جهاد نجل «قبضاي» الحزب عماد مغنية، وقيادات من «حزب الله»، وعميد في الحرس الثوري الإيراني.
غضبت إيران حينها، وجعجعت ضد إسرائيل كعادتها، وقال القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، إن على إسرائيل أن تنتظر «عاصفة مدمرة».
* قبل ذلك وبحثًا عن شرعية ما، ترمم وجه النظام الهرم، في مايو (أيار) 2013 كانت الأخبار تتحدث عن أن بشار الأسد قرر فتح جبهة «مقاومة» بالجولان، وتظاهر عناصر من عصابة جبهة أحمد جبريل على الحدود، وبس!

إسرائيل احتلت نحو 12 ألف متر مربع من الجولان في 1981 ومن حينها اعتبرت جبهة الجولان أكثر الحدود الإسرائيلية أمنًا، وهو الأمر الذي ذكر به ولد النظام المدلل، رامي مخلوف، الغرب، للمقايضة، في بداية الانتفاضة السورية.
هناك مسلسل سوري كوميدي شهير، بطله فنان النظام غوار الطوشه، عنوانه: صح النوم!

اقرأ المزيد
١٤ سبتمبر ٢٠١٦
فرص نجاح هدنة سورية

للمرة الثانية خلال ستة أشهر، يتوصل الطرفان، الروسي والأميركي، إلى اتفاق "لوقف العمليات القتالية" في سورية، يستثني جبهة النصرة التي غدا اسمها جبهة فتح الشام، وتنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الرغم من أن واشنطن وموسكو حاولتا، هذه المرة، معالجة الأسباب التي أدت إلى انهيار الهدنة السابقة، بدليل المفاوضات الماراثونية المستمرة منذ أشهر، سواء على المستوى السياسي (كيري - لافروف) أو على المستوى الفني (اجتماعات روبرت مالي- ألكسندر لافرنتيف في جنيف)، والاعتناء بأدق تفاصيل تنفيذ الاتفاق، إلا أن حظوظ الهدنة التي أعلنها الجانبان يوم الجمعة الماضي لا تبدو مع ذلك أفضل من سابقتها.

ومع أن تفاصيل كثيرة في الاتفاق غير معلنة، وبعضها قد لا يتم الإعلان عنه أبداً، إلا أنه يمكن، مع ذلك، تلمس بعض السمات العامة التي قد تتحول، بمرور الوقت، إلى ألغام تفجر الاتفاق من الداخل. يلاحظ أولاً أن المسألة السورية يتم التعامل معها على نحو متزايدٍ باعتبارها شأناً ثنائياً روسياً - أميركياً خالصاً، بعد أن استبعد كل طرف حلفاءه من المفاوضات الفعلية عندما حان وقتها، مع ترك حق التقاط صور لهم على هامش اجتماعاتٍ يزداد طابعها البروتوكولي كل مرة. وإذا كان مفهوماً أن هدف أي اتفاق هو خدمة مصالح أطرافه، فالمفهوم أيضاً أن المتضرّرين والمستبعدين سوف يسعون إلى إفشاله. ثاني ملامح الضعف في الاتفاق أنه يتعامل مع قضايا ميدانيةٍ بحتةٍ بمعزل عن أي إطار سياسي للحل، فهو يتعامل مع موضوع وقف العمليات القتالية، ومراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، والتنسيق الأمني والعسكري لاستهداف جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة، ما يعني فعلياً أن غرض الاتفاق تجميد الوضع الميداني بين النظام والمعارضة، وتأجيل البحث في الحل السياسي إلى ما بعد وصول إدارة أميركية جديدة. لكن الحكمة التقليدية تقول: اتفاق ميداني ناقصٌ إطاراً سياسياً يساوي الفشل.

ثالثاً، صمم الاتفاق، حصراً، للتعامل مع الهواجس الأميركية والروسية، مغفلاً بذلك كل سياقات الصراع المحلية والإقليمية، فالرئيس بوتين كان يسعى وراء هدفين رئيسين، يوشك أن يحققهما له الاتفاق: الأول، والأكثر أهمية، انتزاع موافقة إدارة الرئيس أوباما على التنسيق أمنياً وعسكرياً بين قيادة العمليات الروسية في سورية وقيادة قوات التحالف الذي تقوده واشنطن (ما يعني اعترافاً أميركياً سياسياً وعسكرياً بروسيا دولةً ندّاً)، وثانياً، انتزاع موافقة واشنطن "لفرط" القدرات العسكرية للمعارضة السورية، من خلال استهداف جبهة فتح الشام، ومن ثم تفكيك جيش الفتح الذي يمثل التحدّي العسكري الأكبر لقوات النظام وحلفائه في شمال غرب البلاد. أما إدارة أوباما فقد حصلت، في المقابل، على مبتغاها في موافقة روسيا على وقف استهداف النظام المدنيين في مناطق المعارضة، لأن ذلك يخفف الضغوط عليها في عز موسم الانتخابات، بسبب عدم اكتراثها بمقتل العشرات منهم يومياً، فضلاً عن قذف آلاف اللاجئين باتجاه أوروبا. وثانياً، انتزاع موافقة روسية على تركيز الجهد الحربي على تنظيم الدولة وجبهة النصرة، بدلاً من استهداف "المعارضة المعتدلة". لكن هذا الأمر تحديداً هو ما يمثل العقدة الأكبر في الاتفاق، ففي حين تسعى المعارضة إلى تجنب الدخول في مواجهةٍ مع الروس والأميركيين، إذا هي رفضت الاتفاق، إلا أنها، من جهة أخرى، لن تستطيع الوقوف موقف المتفرّج على استهداف "النصرة" التي تعد جزءاً أصيلاً من جيش الفتح الذي يخوض معارك طاحنة ضد قوات النظام وحلفائه في جنوب غرب حلب وشمال حماة، وهذا ما أدى، فعلياً، إلى سقوط الهدنة السابقة التي كبلت حركة فصائل المعارضة، فيما استمر استهداف الروس والنظام الفصائل الإسلامية المكونة جيش الفتح، بحجة أنها "نصرة" أو تتعاون مع "النصرة".

هناك تفاصيل كثيرة تضمنها الاتفاق، وأخرى سكت عنها، مثل وضع المليشيات المدعومة إيرانيا، ووضع وحدات حماية الشعب الكردية، ونطاق حركة طيران النظام، وكل واحدة من هذه القضايا كفيلةٌ بتفجير الاتفاق من الداخل، لكن العنوان الرئيس يبقى أن هذا اتفاق أمني بامتياز، لا يوصل إلى حل في سورية، لا بل يمثل، بشكله الحالي، وصفة لاستمرار الصراع بعد حرفه عن مساره الأصلي.

اقرأ المزيد
١٤ سبتمبر ٢٠١٦
واقع عسكري جديد في حماة

تعتبر حماة أكثر المحافظات السورية التي تربطها حدود مع المحافظات الأخرى، فهي تلاصق حلب من الشمال، وإدلب من الشمال الغربي، واللاذقية من الغرب، وطرطوس من الجنوب الغربي، وحمص من الجنوب والشرق، والرقة من الشمال الشرقي.

ولذلك تكمن أهميتها في أنها المفصل الأخير في المعركة حول «المناطق المفيدة»، ولما كان طرفا الصراع (المعارضة والنظام) غير قادرين على حسم المعركة، ظلت محافظة حماة خارج عمليات الحسم.

موقع حماة جعلها ذات أهمية جيواستراتيجية، وجعلها في المقابل ـ وهذه إحدى مفارقات الجغرافيا ـ ذات مرتبة ثانية في معادلة المعارك العسكرية بسبب انفتاحها على هذا العدد الكبير من المحافظات، وهو السبب الذي جعل أطراف الصراع خلال السنوات الماضية تحجم عن محاولة السيطرة على المحافظة عسكرياً، والاكتفاء بالحصول على موطئ قدم تبعاً لحاجتها العسكرية، فاحتفظت الفصائل بمدينة مورك ومحيطها في الشمال كبوابة ومعبر لها بين إدلب وحماة، واحتفظ النظام بمناطق جنوب غربي المحافظة عند عتبة حمص، وبعض المناطق إلى الشمال الشرقي على مقربة من أثريا.

لكن في 29 آب (أغسطس) الماضي انتهت حالة «الستاتيكو» العسكري مع الهجوم الذي شنته «جند الأقصى» وفصائل من «الجيش السوري الحر» على مناطق مختلفة من ريف حماة الشمالي ضمن جبهة موحدة امتدت على طول 20 كلم.

ثمة أسئلة كثيرة تطرح عن أسباب فتح معركة حماة في هذا التوقيت وحاجة المعارضة الضرورية إلى تحقيق إنجاز عسكري في حلب، وعدم الانشغال في معارك أخرى جانبية قد تستنزفها.

ومن خلال طبيعة ردود فعل فصائل المعارضة الأخرى مثل «أحرار الشام»، تبين أن قرار فتح جبهة حماة كان قراراً فردياً من «جند الأقصى»، إما من أجل تخفيف الضغط عن حلب كما أعلنت هي نفسها، أو من أجل الحصول على ثقة الفصائل الأخرى لا سيما «جبهة فتح الشام» و «أحرار الشام»، وهو ما توج باتفاق «الجند» مع «فتح الشام» بعدم القتال في ما بينها والالتفات إلى قتال النظام وتنظيم «داعش»، أو ثالثاً من أجل الحصول على أراض جديدة قبيل توصل واشنطن وموسكو إلى اتفاق للهدنة كانت ملامحه الأولية واضحة قبيل إطلاق معركة حماة.

وبغض النظر عن الأسباب التي كانت وراء إطلاق معركة حماة، فإن واقعاً جديداً فرض في شمال المحافظة حماة مع نجاح هذه الفصائل في السيطرة على المصاصنة، معركبة، البويضة، حاجزي زلين والزلاقيات، مدينة حلفايا، قرية الناصرية وتلتها الاستراتيجية، طيبة الإمام، مدينة صوران، تل بزام.

وفي حال نجحت الهدنة وتم تثبيت وقف إطلاق النار، ستكون فصائل المعارضة قد عوضت ما خسرته في حلب، وتمكنت من تثبيت جغرافيا جديدة في ريف حماة الشمالي الذي لن يكون عمقاً استراتيجياً لها في إدلب وريف حلب الجنوبي فحسب، وإنما قاعدة انطلاق لتوجيه ضربات في قلب حماة بعدما أصبحت على مقربة من عاصمة المحافظة بعد السيطرة على مثلث (صوران، طيبة الإمام، حلفايا).

نتحدث عن مساحة تمتد من وسط محافظة حماة إلى شمال محافظة إدلب، إضافة إلى بعض المناطق في ريف حلب الجنوبي، وهذه المساحة ستخلق للمعارضة مع مدينة جرابلس ومحيطها في الريف الشمالي الشرقي لحلب نقطتي ارتكاز ومنطلقاً للهجوم على حلب من زاويتين مختلفتين في حال فشلت الهدنة.

وفي حال هذا الفشل، وبعد ما أعلنته كتائب الثوار من السيطرة على قرية كوكب بريف حماة الشمالي قبيل ساعات قليلة من بدء سريان الهدنة، فإن الفصائل لن تستطيع المحافظة على هذه المكتسبات إن لم تلتزم بالهدنة، فـ «جند الأقصى» يندرج ضمن لائحة المنظمات الإرهابية غير المنضوية تحت سقف الهدنة، وبالتالي سيستغل النظام ذلك للهجوم على هذا التنظيم تحت عنوان مكافحة الإرهاب.

ويخشى أن يذهب النظام إلى أبعد من ذلك، ويلاحق «جند الأقصى» إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة أثناء تراجعها إلى عمق الريف الشمالي لحماة، وربما إلى أقصاه حيث مدينة مورك التي تشكل موقعاً استراتيجياً يتطلع النظام منذ عام إلى استرجاعها.

وعند هذه النقطة قد تنقلب المعادلة العسكرية في غير صالح فصائل المعارضة، ويتعقد المشهد الميداني مع رفض فصائل مهمة الالتزام بالهدنة كـ «أحرار الشام» التي أعلنت ذلك رسمياً، ولديها فصيل مهم في حماة يقاتل إلى جانب «الجند» و «الجيش الحر»، اضافة الى «فتح الشام» غير المندرجة في اتفاق الهدنة.

بناء عليه، قد يكون الواقع العسكري الجديد مع الواقع المعقد في حلب حيث خطوط الاشتباك متداخلة سبباً في انهيار الهدنة مرة ثانية كما حدث نهاية شباط (فبراير) الماضي مع انهيار الهدنة الأولى.

اقرأ المزيد
١٣ سبتمبر ٢٠١٦
حجيج بلا إيرانيين

بعفويةٍ وبساطةٍ، أراد حاج مصري أن يمتدح إجرءات السلطات والأجهزة السعودية وخدماتها لحجاج بيت الله الحرام، فقال لأحد التلفزات، "بصراحة، اللي عاوز يحجّ يروح السعودية"، غير أن للمرشد الإيراني، علي خامنئي، رأياً آخر، إذ قال إن السعوديين غير مؤهلين لرعاية الحج، وغير جديرين بإدارة الحرمين. ودعا إلى إيجاد حلٍّ لهذه القضية، إلا أن دعوته لم تصل إلى مسامع أحد، والظاهر أنه توجه بها إلى مواطنيه، عسى أن يقتنع الذين رغبوا بأداء فريضة الحج منهم، ولم يُؤذن لهم، بهذا السبب. والخشية أن يبقى المواطنون الإيرانيون محرومين من التقرّب إلى رب العالمين بتأدية شعائر الحج إلى عددٍ غير منظورٍ من السنوات، طالما أن قائدهم المظفر يبحث عن حلٍّ لمشكلة عدم أهلية الأجهزة والسلطات السعودية لرعاية الحج. وإذ وقف نحو مليوني مسلم من 164 جنسية أمس في عرفة، وابتهلوا إلى العلي القدير العفو والمغفرة، واحتسبوا عند رب العزة صلواتهم وإيمانهم وتقواهم، فإن شعوراً بأسىً شديد لا بد وأن ينتاب كل مسلم في كل مطرحٍ لغياب إخوةٍ له في الدين والعقيدة، أرادوا أن يكونوا في هذه الشعيرة، لكن أهل القرار والحكم والسلطة في بلادهم اعتصموا بعقيدةٍ يبدو أنها أقوى لديهم، هي مخاصمة المملكة، لتعلو على إبداء ما من شأنه تيسير سفر الحجاج من مواطنيهم إلى حيث الرحاب التي يؤمها المسلمون في مناسك هذه الفريضة الكبرى.

ركب قادة إيران رؤوسهم، وتعامل معهم المسؤولون في السعودية بالنديّة اللازمة، فكان أن غاب عن الجمع الإسلامي الذي يتوحّد فيه العابدون المتنسّكون أمام رب البريّة مواطنون إيرانيون لا ذنب لهم، ولا مسؤولية عليهم في هذا النزاع الذي لا ينفكّ يشتد مع المملكة. وبذلك، يصير شديد الخطورة أن ذيول الأزمة المستعصية، وحروب الوكالة غير الخافية بين البلدين في غير مطرح، صارت تصيب واجبات الناس الدينية. ولا يحتاج المتفحّص في هذه الحال المفزعة إلى أن يحدّق في تفاصيل المداولات بين الجانبين السعودي والإيراني، بشأن ترتيبات قدوم الحجاج الإيرانيين، قبل أن تتخذ طهران قرارها الأحمق، بعدم سفر أي من مواطنيها إلى المملكة لتأدية المناسك، لا يحتاج إلى ذلك، لأن الأوجب على طهران كان أن تكون حريصةً، مهما كانت الشروط السعودية، على أن يؤدي مواطنوها الفريضة، لا أن تؤثر المماحكة والمناكفة والحرد، ثم تنتهي إلى مقترح خامنئي ذاك.

أما وأن الذي صار قد صار، فإن جهداً خلاقاً، وعسيراً جدا، لا بد وأن يبادر إليه أحد، من دول مجلس التعاون الخليجي أو من غيرها، يعمل على وقف تدهور العلاقات السعودية الإيرانية عند حدودٍ لا تتخطاها، فلا تصل إلى واقعةٍ من قبيل غياب حجاج إيرانيين عن الشعائر. وبديهي أن أمراً مثل هذا لا يمكن أن تتيسّر له أيٌّ من أسباب النجاح، من دون أن تقتنع طهران بأن ولايتها العامة التي تعمل من أجل تمديدها في العراق ولبنان وسورية واليمن، وغيرها، لن يتأتّى لها الظفر، طالما أن الشعوب العربية لا يمكن أن ترتضيها، ولا أن تسلم بها حقيقةً وأمراً واقعاً. وإذا كان القائمون على صناعة القرار وحوْزاته في طهران يظنون أنهم، بالزهو الإمبراطوري فيهم، والمشحون بما لا يمكن إخفاؤه من نزوعٍ مذهبي، يستطيعون أن يصنعوا لبلدهم تقديراً واحتراماً في وجدان العرب، فهم مخطئون، إذ يستحيل أن ينجم عن الاستقواء بالمليشيات والأتباع وذوي الولاءات للخارج غير المزيد من التباعد والشقاق.

ليس المقام هنا إعطاء الدروس والنصائح بشأن ما يحسُن أن يراه حكام إيران، وإنما إبداء جرعةٍ عاليةٍ من الأسى، من غياب إخوة مسلمين إيرانيين عن أداء فريضةٍ في الدين الذي يجمعنا، ويلمّ الأمة. كان المرتجى أن يكون الإسلام، وحده ولا شيء غيره، هو ما يرجّح تحكيم العقل والأخذ بمصلحة الأمة. ولكن، ثمّة حساباتٌ أقوى وأمضى.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٦
عيد الحزن في سورية

اليوم والعالم الإسلامي يحتفل بعيد الأضحى المبارك يشعر المواطن العربي الصادق بألم كبير إزاء ما يتحمله الشعب السوري من آلام من جراء قتل وقصف نظام استعان بالقوة الروسية وإيران و»حزب الله» لخراب بلده. سمعنا عن اتفاق أميركي روسي على هدنة لسبعة أيام وافق عليها النظام السوري ورحبت بها دول عدة. ولكن السؤال المطروح هل يلتزم النظام المجرم وحلفاؤه الروس والإيرانيون و»حزب الله» بهدنة وعدوا بها أحياناً (خلال مؤتمر فيينا) ولم يلتزموا يوماً مثل هذه الهدنة.

إن سكان مدن سورية وخصوصاً حلب يتطلعون إلى مثل هذه الهدنة لأنهم لن يتحملوا بعد ذلك القصف والحرب وقتل الأولاد والأمهات وانتشار الأمراض وتعرض المستشفيات والأطباء للقصف والدمار واستهداف الأطباء. ففعلاً عيد بأية حال عدت يا عيد لمدنيي سورية الذين يخضعون لتسلط وإجرام نظام بلدهم. والمعارضة السورية المعتدلة تنتظر حالياً المزيد من التفاصيل والمعلومات حول الاتفاق الأميركي الروسي ولو أنها تنظر إلى هدنة في الحرب بنوع من ترحيب ولكن بتحفظ طبيعي، كون الشكوك مشروعة بنوايا النظام وحلفائه. حتى جون كيري كان يقول: إذا تم تنفيذ الالتزام بالاتفاق لدى الإعلان عنه. وقالت بسمة قضماني (الناطقة الرسمية لهيئة التفاوض المعارضة) لـ «الحياة»: يجب أن تكون هناك ضمانات على أي أمر نقبل به لأن كل مرة يجعلوننا نوافق على أمور لا أحد ملتزم بها أصلاً ولا أحد يفرضها. وينبغي فرض تطبيق الاتفاق إذا كانت هناك خروقات وينبغي أن يقدم الاتفاق لرياض حجاب والهيئة العليا للمفاوضات كي تتم الموافقة عليه.

من الصعب الاعتقاد نظراً لما نراه على الأرض أن هذا الاتفاق سيطبق، كون بشار الأسد يقوم بتهجير سكان من مناطق مثل داريا والمعضمية (الغوطة الغربية) التي وقّعت مع النظام هدنة منذ سنتين والتزمت بها كلياً، وعلى رغم ذلك يريد النظام إفراغها لينقل إليها سكاناً يخضعوا له مئة في المئة. فبشار الأسد يرسم خريطة التقسيم التي تمر عبر الغوطة الغربية ودمشق ضمن خطته. وقد يدرك بشار أنه لا يمكن أن يستمر على رأس بلد دمره وخربه وقتل شعبه، فهو يخطط لمناطق يبقى على رأسها لشدة تمسكه بالسلطة. ومن اللافت أن تفاصيل الاتفاق الروسي الأميركي ستبقى في شكل كبير سرية ما يزيد قلق المشككين به.

لا أحد يثق بالمفاوض الأميركي الذي كثيراً ما قدم تنازلات للجانب الروسي. حتى مسؤولو البنتاغون مستاؤون من احتمال تبادل الاستخبارات والمعلومات العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة. ولكن على رغم التشكيك بهذا الاتفاق لا بد أن يرحب كل إنسان عاش في حرب تحت القصف والقنابل والقتال بإيقافها حتى لفترة، لأن الشعب السوري أنهك وتعب من الحرب والوحشية والتجويع. ولكن إذا كان الاتفاق الروسي الأميركي يحمل في طياته احتمال بقاء بشار الأسد فهو ساقط أساساً لأن لا مستقبل لسورية منتعشة ولإعادة إعمارها إذا بقي الأسد على رأس البلد. وحتى إشعار آخر سيبقى الشعب السوري في معاناته طالما بقيت على رأسه هذه القيادة. والحل يكون في إزالتها منذ بداية التحدث عن المرحلة الانتقالية وإلا لن يكون هناك حل إلا بالقوة.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٦
لن نعطي “الدنيّة” و “لن نرضخ” .. لأول مرة الفصائل السورية تتمرد و تقول لا لـ ”الاتفاقات الدولية”

قد يكون قرار ابرز الفصائل السورية بشقيها “الحر - الإسلامي”، برفض الاتفاق الأمريكي - الروسي ، بداية عهد جديد في الثورة السورية ، و تطبيق عملي لأول درس من “الطعنات” التي مرت على مدى السنوات الست الماضية ، لتعلن الفصائل التي وصفت بعشرات الأوصاف “المقللة من شأنها” ، بأنها رقم موجود على الأرض و فاعل و ليس منفذ لاتفاقات و صفقات دولية.

اجتمع اليوم ١٦ فصيل ممن يقاتلون تحت بند الجيش الحر ، إضافة لحركة أحرار الشام ، على بيان موحد بذات الحروف و ذات السياق ، نص بصريح العبارة أن “لن نرضخ” للقرارات الدولية التي تهدف إلى تمزيقنا داخلياً أكثر ، و لن نعطي “الدنيّة” على ثوابت ثورتنا ، الأهم أنها سمت الأمور بمسمياتها من “إجحاف” و ضعف الإرادة الدولية ، ورفض “الابتزاز” سواء على أكان سياسي بوعود تذرها الرياح عند أول هبوب لها ، أو إنساني يكون آني و لا يسد جوع أو ينقذ روح .

 ساق بيان الفصائل اليوم جملة من المسببات التي دفعته لهذا القرار الذي جاء مخالفاً للتمهيد السابق من خلال تصريحات فردية تارة ، تحريف التصريحات تارة أخرى ، أو إقدام جهة لا تملك على الأرض أي سلطة للتعبير عن المتواجدين على الأرض ، و يبدو أن القرار قد خُلق بناء على علم و دراية ، أن أي قرار دونه يعني قيادة أنفسهم إلى التهلكة.

نقاشات محمومة بدأت منذ يوم الجمعة الفائت ، بعد أن أعلن الاتفاق الأمريكي الروسي ، حول مدى إمكانية قبول الفصائل باتفاق كهذا ، اتفاق “مُقلَم الأظفار”، و يضع الثورة و ثوارها و الشعب على مذبح “الإرهاب” ، في حين لا يستثني الطرف المقابل من كل شيء فحسب، بل و يمنحه القدرة على الحركة و التقدم ، بدعم و مساندة من العالم ، صحيح كان يحظى بها منذ الأزل ، و لكن ستكون هذه المرة علنية و “فجّة”.

اليوم ستكون الفصائل التي قررت المضي ضد الاتفاقات الدولية مسؤولية كبيرة ، و أعمال جسام في مواجهة علنية مع العالم بأسره ، بكافة أطيافه سواء أكان من الناحية الدينية أم العرقية أو القومية ، فالجميع كشّر عن أنيابه ليوغل أكثر فأكثر في دماء السوريين ، ولم يعد يفزعه شيء إلا انتصار هذا الشعب ، انتصار سيغير خارطة المصالح ، ويرفض كل المشاريع من تقسيم و محاصصة و حماية وأمان للأعداء .

قد يكون في الكلام شيء من العاطفة و الانفعال، لكن بالفعل سيكون على الفصائل اليوم ، الاعتماد التام على نفسها و على قوتها بالاستناد الكامل لله و للشعب ، الذي سيكون المضحي الأول و الأكبر ، لذا المفروض أن تكون هذه الهدنة هي الأولى التي تقلب الموازين ، إذ في كل هدنة أو مؤتمر أو جولة مفاوضات ، نخسر عشرات الكيلو مترات و عشرات آلاف النازحين و المهجرين ، الأهم نخسر تواجدنا في مناطقنا ليتم استبدالنا بمرتزقة .

اليوم قد لا يتحقق شيء ميداني ، و قد لا تقوى الفصائل و الشعب على تحمل مغبة القرار ، و لكنها صرخة سيكون لها أثرها ، و ستغير من نظرة العالم للشعب السوري و ثورته ، الأهم ستثبت للعالم أجمعه أن الشعب السوري الحر مستعد لمحاربته بغية انتزاع حريته.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٦
داريا الطاهرة ستبقى كذلك .. و تدنسيها لايغير التاريخ

لطالما حاول سفاح الشام بشار الأسد أن يكسر شوكة الثوار والمدنيين في مدينة داريا مستخدماً كل قوته وترسانته العسكرية جواً وبراً، إلا أنه اصطدم بدفاع مستميت من مئات الشباب الذين وهبوا أنفسهم للدفاع عن مدينتهم داريا، والتي بقيت صامدة في وجه كل محاولات كسرها لأربع سنوات متتالية، رغم الحصار والتجويع والقتل اليومي.


واليوم وفي أول عيد أضحى يمر على مدينة داريا بعيدة عن أبنائها وأهلها، بعد أن أجبرتهم الظروف والتخاذل الدولي والمقربين منهم أن يتركوا مدينتهم ويخرجوا منها بسلاحهم مرفعي الرأس، للحفاظ على ارواح من تبقى من المدنيين وعددهم أكثر من 8 ألاف، يدخلها الأسد  "منتصرا"ً وحوله الرعاع من أذنابه وحاشيته، فيصلي على أنقاض مبانيها المدمرة، محاولاً إظهار نفسه أمام العالم أنه كسر شوكة مدينة صغيرة قاومته لسنوات عدة، ولم يستطع أن يدخلها بسلاح، بل دخلها بعد حصار وتجويع وقصف بشتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، ثم فرغ أهلها جميعاً لم يبق فيها طفل أو رجل او امرأة لأنه لم يكن ليجرؤ أن تخطوا قدماه على أرض داريا لو أن فيها طفل ينبض الدم في عروقه.


نصر الأسد المزعوم وتجواله في مدينة داريا الصابرة لن يغير التاريخ ولن يقول أن الأسد المجرم دخل داريا فاتحاً ولا حتى منتصراً بل سيخدل التاريخ بين صفحاته تلك السنوات الأربع التي صمد فيها أهل داريا وقدموا فيها أروع البطولات والتضحيات دفاعاً عن مدينتهم الثائرة، تكبدت فيها قوات الأسد والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وميليشيات إيران مئات القتلى والجرحى، وخسائر لا تقدر بالعتاد، وعلى هامش التاريخ سيذكر من دمر وقتل وسفك الدماء وجوع الأطفال في داريا، رجل معتوه أسموه الأسد، دخل داريا بعد أن فرغت من أهلها ليعلن نصره، أمام طغمة من المرتزقة والعبيد ومشايخ السلطان.


داريا الصامدة ستبقى أماً للثورة ولن ننسى يوماً ما قدمته من تضحيات وصمود رغم تخاذل الجميع عن نصرتها سيذكرهم التاريخ فرداً فرداً، كما لن ننسى أن في يوم عيد الأضحى دنس أرضها من قتلها ودمرها وفك دمائها، يدعي انتصاره عبر وسائل الإعلام بأن يتجول في أرضها، وهو يعلم أنها ستعود لأصحابها وسيعيدون الفتح ويحررونها من رجس كل من داس ترابها الطاهر.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٦
دخيلك يا حافظ الأسد

حدثني صديقي الفنان أسعد فرزات، نقلاً عن صديقه الفنان عبود ميم، قال: كنت أؤدي الخدمة العَسكرية في إحدى القطعات المتمركزة على الجبهة مع إسرائيل. وكنا، نحن الجنود والضباط ذوي الرتب الصغيرة نخاف من قائد اللواء إبراهيم طاء، من دون أن نعرفه عن قُرب، فنحن، أساساً، لا نراه إلا قليلاً، وهو، بحسب النظام العسكري، لا يسمح لأحدٍ أن يقترب منه أقل من ست خطوات، ولكنه، إذا تحدّث مع أحدنا، وغضب، يطلب منه الاقتراب، رويداً رويداً حتى يصبح في مرمى يديه ورجليه، ووقتها يباغته بلطمةٍ تجعل حنكَه يَخرج من مكانه، أو يرفسه في وسطه، فيجعل صوابه يطيش، وحينما ينتهي من تعجيقه يرفسه من الخلف، ليسير مسرعاً، بالقوة النابذة، عائداً إلى حيث كان يقف في البداية، لكنه لا يعود قادراً على الوقوف هذه المرة.

وأما بالنسبة إليَّ، فقد كان الأمر مختلفاً. ففي يوم من الأيام، علم (سيادتُهُ) أن في لوائه فناناً تشكيلياً، هو أنا، فأرسل في طلبي على جناح السرعة، فلما أصبحتُ أمامه، وقلبي يرتجف هلعاً، قال لي، متّخذاً هيئة الأب الذي يريد أن يفاجئ ابنَه بأنه قرّر تزويجه الفتاة التي يحبها:

- يا ابني، يا عبود، أنت حظك من السما. سيكون لك شرف رسم صورة القائد حافظ الأسد على هذا الجدار الذي يطلّ على مسبحي الخاص مباشرة، وأريدها صورةً لا تشبهها صورةٌ مما يُرْسَمُ لسيادة الرئيس في كتائب الجيش، وألويته، وفرقه، ولا داعي للعجلة، (مَزْمِزْ فيها على مهلك)، فلدينا متسعٌ من الوقت حتى موعد الحركة التصحيحية المباركة في السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الأول المقبل.

حينما أنهى كلامه، تنفستُ الصعداء، وقلت له: أنت تأمر سيدي.

واللواء إبراهيم طاء يأمر، بالفعل، فيُطَاع، إذ بمجرد ما أنهى كلامه وغادر المكان، هرع فريقُه الخاص لتأمين ما يلزم لي من الإطارات الخشبية، والأقمشة البيضاء، وفراشي التلوين، وعلب الدهان، وزيت الأساس، وأدوات الحفر والحَفّ والتسوية، إضافةً إلى ما يتطلبُه مزاجي الشخصي من مأكولاتٍ ومشروبات... وبعد أقل من ساعة، صدر أمرٌ خطيٌّ مُذَيَّلٌ بتوقيع سيادة اللواء، يتضمن إعفائي من الدوام، والاجتماع الصباحي، وتحية العلم، والسماح لي بالنزول إلى دمشق مساء، في سيارة مبيت الضباط، على أن أعود في الصباح، لمتابعة عملي الذي وصفه سيادة اللواء بأنه: عمل مُشَرِّف.

وبعد عدة أسابيع من العمل المتواصل، وبينما أنا أضع اللمسات الأخيرة على تلك اللوحة الجميلة، إذ رأيتُ موقفاً أذهلني. فقد تسلل مجندٌ من "دورة الأغرار" التي تُقام في مكان مجاور للمسبح، وهو لا يعرف شيئاً عن شخصية اللواء إبراهيم، ولا عن عائدية المسبح له، وبدأ خلع ملابسه، وقذف نفسه في الماء مثل سمكةٍ مرحة، وهو يردّد واحدةً من أغاني ذياب مشهور تقول (والله لأعبر مَيّتْكُم، وإن قالوا لي غريقة)، وبالمصادفة المحضة، ظهر اللواء إبراهيم، عاريَ الصدر، متدلي الكرش، ومعه أركان حربه من المرافقين الأشدّاء الذين يتمتعون بأشكالٍ تصلح لإيقاع الرعب في نفوس الناس، بسببٍ أو من دون سبب.

وبلمح البصر، لاحظ هؤلاء أن سيادة اللواء بدأ يغضب، فهرعوا نحو المجنّد، وسحبوه من الماء، ودفعوه إلى حيث يقف اللواء الذي كان يغلي من شدة الغضب... وفجأةً، وقبل أن يبدأ لطمه وتعجيقه، وكما لا يمكن لأحد أن يتوقع، ارتمى العسكري على صورة حافظ الأسد، وقال له:

- دخيلك يا سيدي يا أبو سليمان، أحب على شواربك، وواقع على حريمك، خلصني من هذا الرجل المغضوب الذي وجهه يقطع الرزق...

وبينما انفلت اللواء إبراهيم بالضحك، وأدار وجهه لئلا تقل هيبتُه أمامنا، انتبهتُ أن يَدَيّ العسكري، في أثناء وقوعه على الصورة، قد شوهتاها، فجعلتا وجه الأسد شبيهاً بوجه العسكري نفسه، فيما لو تعرض لضربٍ مبرح من سيادة اللواء إبراهيم طاء.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٦
الحل السوري.. أعباء ومكاسب!

ضربة على الحافر، وضربة على المسمار، كما يقال، فخلال ثلاثة أيام قال الأميركيون والروس تارةً إنهم على وشك الاتفاق، وتارة أخرى إنّ بينهم نقاط خلاف لا يمكن تجاوُزُها! لكن ما هي موضوعات التفاوض التي يجري الاتفاق أو الاختلافُ عليها؟ في البداية كان التفاوض على التنسيق بين الطرفين لضرب «داعش»، ويبدو هذا لأول وهلة أمراً هيناً، فكلاهما يعلنان مكافحة الإرهاب، لكنّ الروس يعتبرون أنّ هناك فرقاء آخرين هم في الحقيقة إرهابيون، مثل «جيش فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) بعد أن أعلنت قطع علاقاتها بـ«القاعدة»، وهذا ليس وجه الخلاف الوحيد، فالروس ما أتوا إلى سوريا لمكافحة «داعش»، بل لدعم نظام الأسد، وتثبيت منطقة نفوذ قديمة لهم، وقد احتاجوا للوصول لذلك إجراء اتفاقات مع النظام على سبيل الاستكمال، لأنهم كانوا قد بدؤوا بذلك قبل ثلاث سنوات، وأبرز الاتفاقات تتعلق بتكاليف التدريب والتسليح، ومستقبل البترول، والقواعد العسكرية (أهمها قاعدة حميميم). واحتاجوا أيضاً إلى اتفاق مع إيران، الموجودة على الأرض من خلال ميليشياتها وحرسها الثوري وجيشها النظامي منذ 2013. وأثناء ذلك، تكأكأت مساعيهم بالاشتراك مع الأميركيين من أجل الحل السياسي، واعتقدوا أنهم من خلال عاصفة قصف لا تتجاوز ستة أشهر، يمكنهم فرض أي حل يشاؤون، لكنهم، وبعد خمسة عشر شهراً، يجدون أنفسهم في المكان الأول، وبخاصة بعد فشلهم وفشل الإيرانيين في حرب حلب. لذلك بينما عاد النظام والإيرانيون للضغط من أجل إخلاء جوار دمشق، باعتبار أنّ الحرب طويلة، ولا يستطيع النظام والإيرانيون الاعتراف بالخسارة، لذلك فليجر تأمين المناطق المفيدة، فإنّ الروس صاروا مهتمين فعلاً بالحلّ السياسي، وهذا الذي عبّر عنه بوتين إبّان مجيئه إلى قمة العشرين من أنه: ليس هناك في سوريا غير الحل السياسي! وهذا الكلام ليس موجَّهاً للأميركيين فقط، بل وللأتراك والسعوديين أيضاً، إغراءً لهم بالبقاء في التفاوُض مع الروس، وليس مع الأميركيين فقط!

المهم أن البدء بـ«داعش» نقطةً للتلاقي لم يفد، لأن الروس يعتبرون المقاتلين في حلب جميعاً إرهابيين. لذلك انتقل الحديث إلى الهدنة المؤقتة من أجل الاحتياجات الإنسانية. والروس يريدون هدنة جزئية تستفيد منها المناطق الخاضعة للنظام، على أن يستمر قصف الجانب الشرقي من المدينة(!). وهذا يعني أنهم غير جادين. وخلال ذلك انشغل الطرفان باجتذاب تركيا. الروس سمحوا لأردوغان بالتدخل في شمال سوريا، فسارع الأميركيون للتظاهر بالموافقة باعتبار أنه سيكافح «داعش»، وعندما اصطدم الأتراك بالأكراد وقفت واشنطن بين الطرفين محاولة إقناع الأكراد بالانسحاب إلى شرق الفرات.

لدينا إذن أربعة أطراف خارجية رئيسية تعمل في الداخل السوري، ولكل طرف مصالحه واهتماماته وأعباؤه: الأميركيون والروس والإيرانيون والأتراك. وهناك أطراف أُخرى مهتمة، مثل قطر والسعودية والأردن، بيد أن اهتمامها مختلف، باعتبارها عربية وتهمها وحدة سوريا واستقرارها. أما الأطراف الرئيسية فتريد مصالح مقابل الأعباء، وبالطبع فإن إيران كانت أكثر المنفقين، ولها «أفضال» على إدارة أوباما، وإلاّ لما سمحت لها بالتخريب في العراق وسوريا واليمن.. إلخ. أما مصلحتُها الاستراتيجية فغير واضحة، إلا إذا اعتبرنا «حزب الله» كذلك باعتبار ابتزازه لإسرائيل، والنظام السوري باعتباره نظاماً طائفياً ضد «السنّة» (الأكثرية السورية)، ويضاف لذلك خط الهلال الشيعي فيما بين العراق وسوريا ولبنان.

أما تركيا فتريد منع قيام كيان كردي على حدودها، وقد كثر الكلام والاختلاف حول الأهداف الروسية، ويخيَّل إليّ أن الروس لا يريدون بإلحاح غير الشراكة والندية مع الولايات المتحدة. وأميركا تلعب معهم على المدى المتوسط والطويل وهم عديمو الصبر، لذلك أرى أن الأتراك والسعوديين والقطريين إن توحدت خطاباتُهم الآن يستطيعون الحصول من روسيا على بعض ما هو مهم لسوريا.

وما تزال الولايات المتحدة سيدة اللعبة في حروب سوريا والعراق، ثم إنها حاضرةٌ بقوة في بقية ملفات المنطقة العربية. واستراتيجيتها أيام أوباما أن لا يكونَ هناك غالب ولا مغلوب إن أمكن، فالحروب مستمرة!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى