مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ سبتمبر ٢٠١٦
أفتونا بجواز “وجودكم” و مدى ضرورة “استمراركم” بيننا

يتبادل الشرعيون المسيِّرون للفصائل في سوريا الفتاوى بين تحريم و تحليل ، واباحة و نهي ، حول قضايا الاندماج و المشاركة هنا و هناك ، في الوقت الذي تغص به السماء بأرواح الشهداء بشكل وصل لدرجة أن المعدل اليومي للشهداء يفوق الـ ١٠٠ ، من مدنيين ضعفاء و مقاتلين أشداء ، في حين أنهم يجلسون في مكامنهم يحللون القضايا و يصدرون الفتاوى التي لم تقد في يوم من الأيام لشيء ايجابي.

خرج شرعيو جبهة “فتح الشام” أمس الأول ببيان يقضي بـ”حرمانية” المشارك في معارك “درع الفرات” كونه تعامل مع عدو كافر صائل (الأمريكان) ، سبقهم شرعيو حركة أحرار الشام الاسلامية ببيان الإباحة ، في حين رد شرعيو المجلس الاسلامي السوري بالتحليل شرط عدم التوقف ضد الأسد و حلفاءه ، رد شرعي جيش الاسلام بأن تركيا دولة اسلامية فيجوز التعاون معها ، أنكر بعض أعضاء أهل العلم بيان الاباحة و أكدوا عدم مشاركتهم به ، و قال …. و رد … في حين اعتبر ….. ، أما …… فقد أشار إلى …. ، و يستمر الحديث و التكثيف البياناتي حول القضية ، و تجد الآيات ذاتها تطرح من جميع الأطراف و بتفسيرات متضاربة بشدة ، تجعل غالب الظن أن الخلاف بين دينين و ليس داخل مذهب واحد ، و حتى داخل ذات الشعبة.

السادة الشرعيون يعملون بكد و جد على مدار الساعة لتحليل المعطيات و اطلاق الفتاوى، و توجيه الجيوش لفتح هنا أو قصف هناك ، مراعين مبادئ الظروف و الحالة و الوضع السياسي و الحال المعاشي ، بالطبع على رأس أولوياتهم هو التقارب و التجاذب بين البقية من ذات التوصيف “الشرعي” ، الذي يشّرع كل شيء حتى من الممكن أن يصل الأمر به إلى إعلان الحرب و الإبادة على فصيل آخر ، فهو “الشرعي” الذي لا ينام على خطأ.

قد أصيب و أخطئ ، و أتحمل مسؤولية ما أفعل و أقول ، وذلك في حدود الأمور التي أملك ، و لكن أتساءل بشكل دائم لم لا يعترف “الشرعيون” بأخطائهم و يتوبوا إلى الله ، وكيف يختلفون حول ذات المصدر ، فيصر البعض على أنه صاف زلال و الآخرون رجس من عمل الشيطان ، و يقسموا المناطق و الدول لكفر و اسلام ، و الرايات لطاغوت و توحيد ، في حين يصمتون صمت الجبال حول مصدر الدخل و الدعم و تجدهم في عداد الأموت اتجاههم.

في كل يوم نودع عشرات الشهداء من خيرة المقاتلين و القادة العسكريين ، في مختلف الساحات ، و لكن عندما تبحث بين الأسماء لا تجد شرعي موجود بينهم ، و حين يقتل أحدهم فهو يقتل قصفاً بالخطأ أو استهداف تحت وسم “الاغتيال” بفتوى شرعي يقابله ، أليس أولى بهم إدارة الحرب و الافتاء بالمستجدات الدائرة على الأرض و الميدانية بشكل لصيق بالمقاتلين “المجاهدين” الذي يعمدون على مدهم بفتاوى الجهاد و ووجوبه ، و كيف يحكمون إذاً.

أذكر جيداً عندما كنت في أحد الأماكن أن فتوى من مجلس شرعي أفتى بعدم جواز مشاركة الشيخ “فلان” في المعارك خوفاً عليه من أن يقتل فتضيع المنطقة و قد تضيع الأمة من بعده ، و بالفعل قد تضيع الأمة إن قتل ، و لكن ان بقي بذات السوية فإن الأمة ستباد.

ليت الشرعيين المتناحرين بين سلفية بأنواعها و تلك المتصوفة بأشكالها ، أن يقولوا لا إله إلا الله فقط ، و ينطلقوا لساحات الوغى علّنا، نجدهم أسوة حسنة ، و ليكونوا بصدق “ورثة الأنبياء” أفضل من أن يكونوا ….. .

اقرأ المزيد
٢٣ سبتمبر ٢٠١٦
ماذا تريد روسيا في سوريا…

لم يكن للاتحاد السوفياتي في الماضي، ولروسيا الاتحادية الآن، من هم سوى أخذ سوريا والسوريين من كارثة إلى أخرى. ليس التفاهم الأميركي ـ الروسي الأخير في شأن الهدنة سوى امتداد للخط الذي سارت عليه موسكو دائما. هذا التفاهم الذي تبيّن كم هو هشّ تريد روسيا تفسيره بما يتناسب مع ما تعتبره حماية لمصلحتها. ومصلحة روسيا في هذه المرحلة وضع قسم من الأراضي السورية تحت وصايتها ورضوخ أميركا لشروطها.

باختصار شديد، هناك طلب روسي بسيط من الإدارة الأميركية. فحوى هذا الطلب أنّ سوريا أرض روسية وأنّ بشار الأسد ليس سوى دمية تحركها موسكو وأنّ المعارضة السورية كلّها مجموعة إرهابيين لا أكثر… وما على أميركا سوى القبول بهذا الواقع الذي يعني بين ما يعني قيام “سوريا المفيدة” التابعة لإيران.

هذا هو المفهوم الروسي للتفاهم في شأن الهدنة. لذلك، عندما قصفت الطائرات الأميركية، عن طريق الخطأ، أو غير الخطأ، قوات تابعة للنظام السوري في دير الزور، ردت موسكو بقصف لقافلة تنقل مساعدات إلى المواطنين في حلب. قتلت مدنيين ومنعت دخول المساعدات إلى المدينة المحاصرة.

من حقّ روسيا متابعة سياستها السورية التي تصبّ في تفتيت سوريا والانتهاء منها. هناك فرصة لا تعوّض اسمها إدارة باراك أوباما التي لم تعترض يوما بشكل جدّي على السياسة الروسية، خصوصا في سوريا. كانت نقطة التحوّل استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في سياق حربه على الشعب السوري صيف العام 2013.

بدل أن ينفّذ باراك أوباما وعيده بضرب القوات التابعة للنظام بغية معاقبتها على اللجوء إلى السلاح الكيميائي، قبل الرئيس الأميركي كلّ ما عرضه عليه الرئيس فلاديمير بوتين. قبل كل شيء، نسي أوباما أنّه كان رسم “خطا أحمر” لبشار الأسد وأنّه اعتبر أن على رئيس النظام السوري الرحيل.

ارتضى بضمانات بوتين الذي عرض التخلص من مخزون السلاح الكيميائي في سوريا بدل معاقبة الأسد الابن على اللجوء إلى هذا السلاح لقمع السوريين. أكثر من ذلك، اقتنع بالكلام الجميل الصادر عن بوتين في مقال كتبه في صحيفة “نيويورك تايمز” عن التعاون من أجل إقرار السلام والاستقرار في العالم. صدّق أن الرئيس الروسي الذي لا يؤمن سوى بنظرية محو المدن، على غرار ما فعل في غروزني، يمتلك خريطة طريق واضحة على استعداد للسير فيها إلى النهاية عندما لا يجد في واشنطن من هو على استعداد للوقوف في وجهه.

لماذا يأخذ بوتين باراك أوباما على محمل الجد هذه المرّة ولا يقنعه، عن طريق قصف قافلة الإغاثة بأن لا مجال أمامه سوى الاستسلام لروسيا في سوريا؟ صحيح أن هناك مراكز قوى أميركية، من بينها وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية والأمنية، لا تقبل بأن تكون الولايات المتحدة مجرد غطاء للسياسة الروسية في سوريا، لكنّ الصحيح أيضا أن إدارة أوباما لن تتهاون في كلّ ما من شأنه القبول بأن تكون روسيا صاحبة القرار في سوريا. فهذه الإدارة تضمّ مستشارين نافذين من الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس متعاطفين مع إيران مثل فاليري جاريت أو منحازين للنظام السوري مثل روبرت مالي. هذه الإدارة يهمّها قبل كلّ شيء حماية الاتفاق في شأن الملف النووي مع إيران، كما يصعب عليها إدراك أنّ النظام السوري و“داعش” وجهان لعملة واحدة وأن لا خلاص من “داعش” من دون القضاء على النظام السوري.

عندما يجد فلاديمير بوتين أمامه إدارة من هذا النوع أدارت ظهرها لكلّ ما له علاقة بحقوق الإنسان وحقّ تقرير المصير للشعوب، ليس ما يمنعه من متابعة سياسته السورية. إنّها سياسة قديمة جدا تقوم على ضرب القوى الحيّة في سوريا ومجتمعها الغنيّ بتنوعّه وعلى نشر البؤس والفقر في البلد وتشجيع كلّ نظام قمعي فيه.

لا حاجة إلى العودة بعيدا إلى خلف. يكفي كيف دعم الاتحاد السوفياتي نظام البعث الذي أخذ سوريا ومعها مصر إلى حرب 1967 للتأكد من أن موسكو كانت في كلّ وقت مع سوريا الضعيفة والمهزومة التي تستخدم الإرهاب والابتزاز لتأكيد وجودها في المنطقة.

نجح الإرهاب والابتزاز حتّى مع روسيا نفسها وقبل ذلك مع الاتحاد السوفياتي. ألم يدخل حافظ الأسد عسكريا إلى لبنان بضوء أخضر أميركي واسرائيلي عندما كان رئيس الوزراء الكسي كوسيغين في زيارة لدمشق؟ هل قبل الاتحاد السوفياتي بمثل هذه الخطوة لمجرّد أنّها ذات طابع تخريبي كانت بين أولى نتائجها اغتيال النظام السوري لكمال جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني “حامل وسام لينين”؟

لم تعترض موسكو يوما على الممارسات السورية في لبنان. لم تعترض قبل ذلك على ارتكابات المسلّحين الفلسطينيين في لبنان. لم تقم يوما بأي عمل ذي طابع إيجابي في مجال خدمة الشعب السوري وتخليصه من الظلم اللاحق به منذ تحول النظام في البلد إلى نظام تتحكم به الأجهزة الأمنية في العام 1958 ومنذ انتقاله إلى حكم البعث في 1963 تمهيدا لسيطرة الضباط العلويين على مقدرات البلد في الثالث والعشرين من فبراير 1966.

كان الكرملين مع الظالم ضد المظلوم في سوريا، أكان ذلك في عهد الاتحاد السوفياتي أو في عهد روسيا الاتحادية. لم يتغيّر شيء في موسكو على الرغم من مرور السنين. الجديد الآن أن هناك إدارة أميركية مستعدة للذهاب إلى أبعد حدود في مسايرة الكرملين الذي ينسق مع إسرائيل في شأن كل شاردة وواردة. هل تنبع قوّة فلاديمير بوتين من هذا التنسيق؟ الجواب نعم، بل ألف نعم. ففي الماضي القريب جرّب براك أوباما الدخول في مواجهة مع بنيامين نتانياهو. اكتشف أنّه عاجز عن ذلك. عليه الآن الدخول في مواجهة الحلف الروسي ـ الإسرائيلي في وقت تشارف ولايته الثانية والأخيرة على نهايتها.

من لم يستطع مواجهة نتانياهو لن يتمكن من دون شكّ من مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الروسي معا. هذا لا يمنع من التساؤل مرّة أخرى لماذا هذا الإصرار الدائم في موسكو على الانحياز إلى كلّ من يريد الشرّ لسوريا وشعبها.

قد يكون الجواب الوحيد على ذلك أن ليس في استطاعة روسيا إلّا التدمير. من يريد مثلا حيّا على ذلك، يستطيع الاستعانة بتجربة الاتحاد السوفياتي في اليمن الجنوبي. ما الذي فعله الاتحاد السوفياتي في هذا البلد الذي استقل في العام 1967؟ هل بقي شيء من مدينة عدن التي كان يمكن أن تكون إحدى أهمّ المدن في شبه الجزيرة العربية قبل أن يقضي عليها الوجود السوفياتي في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته تمهيدا للسقوط في مستنقع التطرف الديني في 1994، وهو تطرف لم تخرج منه حتّى الآن.

ماذا تريد موسكو تحقيقه في سوريا؟ هل من عاقل يستطيع أن يبني على نظام بشّار الأسد. يمكن الاستعانة بما بقي من النظام لاستكمال عملية تدمير سوريا لا أكثر. لا يبدو أن هناك هدفا آخر للكرملين في هذا البلد…

اقرأ المزيد
٢٣ سبتمبر ٢٠١٦
ماذا عن التغيير الديموغرافي في سورية؟

لم تكن أزمة «اللاجئين والمهاجرين وتحركاتهم الكبرى» لتتحول عنواناً للقمة الدولية التي عقدت في الأمم المتحدة، لولا امتداد أبشع حروب هذا القرن منذ الحرب العالمية الثانية، إلى أكثر من 5 سنوات، أي الحرب السورية التي شهدت تدفقاً للنازحين هو الأكبر نتيجة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه.

فعلى ظهر النزوح السوري الذي فاض عن قدرة دول الجوار على الاحتمال، ركب النازحون من أفريقيا ودول آسيوية، قوارب الموت أو سلكوا طرق الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا، مع كل المآسي التي أنتجتها غرقاً وموتاً وإذلالاً. ولم يكن قادة العالم ليخصصوا هذه القمة لللاجئين لولا أن الدول الراعية للإرهاب، لا سيما النظام السوري وإيران، استفادت من «تحركاتهم الكبرى»، من أجل دس المجموعات المتوحشة في صفوفهم، لارتكاب الجرائم الفظيعة في دول الغرب، بهدف وصم الثورة السورية بالإرهاب.

وعلى رغم أن عدد اللاجئين في العالم يفوق عدد الذين غادروا سورية، ويبلغ وفق إحصاءات الأمم المتحدة 65 مليون نازح نتيجة النزاعات الدموية، فإن ما يجري في سورية هو المثل الفاقع عما دعا إليه بعض قادة الدول في نيويورك، وهو الحاجة إلى إيجاد الحلول للحروب، وللفقر، وعدم الاكتفاء بالإغاثة، لمعالجة الأزمة المتمادية.

ففي سورية يشكل تفريغ المناطق بعد تجويع سكانها الذين يبقون على قيد الحياة، إذا نجوا من البراميل المتفجرة وقصف الطيران السوري والروسي، سلاحاً حربياً وأسلوباً متعمداً في الصراع الدائر، أمام أنظار قادة الدول الفاعلة، الذين أطنبوا الآذان في خطبهم في المنظمة الدولية قبل أيام.

وفي سورية يقود استمرار الحرب إلى التمادي في «الضرب تحت الزنار» حتى لو كان تحت مظلة هدنة مزعومة، إلى المزيد من المآسي، مثل قصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة تنتظر دخول الأحياء المحاصرة في حلب، رداً على قصف أميركي لمواقع الجيش السوري في دير الزور. ويقال إن هذا الضرب يتم، إما انتقاماً لمقتل جنود أميركيين جراء غارات روسية على بعض المواقع، أو انتقاماً لمقتل جنود روس نتيجة غارات أميركية.

ويشمل «الضرب تحت الزنار» موضوع التهجير وإجبار الناس على النزوح في سورية، ضمن خطة مبرمجة على يد النظام وحلفائه الإيرانيين، لإحداث تغييرات ديموغرافية، بحيث يصبح البحث عن حل سياسي أكثر صعوبة مع تراكم الأحقاد وتعقيدات مخلفات الحرب، إذا وضعت أوزارها، ما يبقي على بذور تجددها. فتحت مظلة التهجير يجري تغيير معالم مناطق بأكملها في سورية.

فمن حي الخالدية وغيره في حمص، إلى القصير إلى رنكوس والزبداني ومضايا... ثم قبل أيام داريا وقريباً المعضمية وحي الوعر في حمص أيضاً حيث جرى إحراق متعمد لدوائر الأملاك العقارية وبعض الأحوال الشخصية... وفي أحياء كبرى في قلب دمشق وفي ريفها مثل مزة البساتين وكفرسوسة ويعفور... تعتمد أساليب شيطانية ومافيوية من أجل تملك الإيرانيين عقارات في عملية بدأت منذ 2012، وحلول عراقيين ولاؤهم للميليشيات المقاتلة إلى جانب النظام، ولبنانيين تابعين لـ «حزب الله»، مكان السكان الأصليين.

هناك يجري اختطاف فرد من عائلة من قبل أزلام النظام ليدخل سجون النظام، فيطلب من أهله مبلغ من المال للإفراج عنه، وإذا قصروا عن تأمينه «يشار» إليهم بأن يبيعوا قطعة الأرض التي يملكونها في محيط العاصمة، فيفعلون. لكن بيع الأرض مشروط بموافقة أجهزة المخابرات، لتتحكم بهوية الشاري. وهناك تشترط الاتفاقات التي ترعاها إيران تارة وروسيا أخرى، من أجل فك حصار قوات «الدفاع الوطني» الموالية و «حزب الله»، عن أحياء أعياها القصف والتجويع والتخلي، أن يستسلم المقاتلون ويرموا السلاح ليحصلوا على الأمان مع عائلاتهم مع وعد بـ «تنظيف سجلاتهم»، أو أن ينتقلوا إلى إدلب، إذا رفضوا ذلك. وطالما أن معظمهم يلجأ إلى الخيار الثاني، يصنفون بأنهم «إرهابيون». وينص «قانون» الإرهاب الذي أصدره النظام، على حق الأخير بمصادرة أملاك «الإرهابيين»، لتبيعها الدولة لمن تشاء. وبعضها تملكتها إيران باعتبارها من الأصول التي توازي بعض القروض التي منحت للدولة السورية. وهناك يشب حريق متعمد في أسواق البازورية في آب (أغسطس) من العام الماضي في دمشق القديمة بعدما رفض تجاره الأصليون بيع عقاراتهم لجهة تبغي التوسع في التملك في منطقة قريبة من مقام السيدة رقية. وهناك يطلب من سكان أبنية إخلاؤها بحجة مخالفات البناء كما يحصل في كفرسوسة... تمهيداً لإجبارهم على بيعها.

يدرك بشار الأسد لماذا ستمتد الحرب في بلاده أكثر من غيره، على رغم أنه قال بالأمس انها لن تتوقف ما دامت جزءاً من صراع عالمي.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٦
لماذا كان حج هذا العام الأنجح؟

غادر حجاج بيت الله تعالى، ضيوفُ الرحمن، الديارَ المقدسةَ بعد أن أتموا مناسكهم بكل يسر وسهولة وراحة وأمن وطمأنينة، بتوفيق من المولى تعالى لقيادة المملكة العربية السعودية وحكومتها التي سخرت إمكاناتها كافة لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، ابتغاء وجه الله تعالى. لقد كان حج هذا العام هو الأنجح في سلسلة مواسم الحج الناجحة كلها، بإجماع استطلاعات آراء الحجيج والمراقبين وحملات الحجيج، وأتصور أن هذا النجاح المؤزر ثمرة جهود ضخمة ومتكاملة وإدارة تنظيمية كفؤة، قامت على توافر أربعة عناصر ساهمت في هذا النجاح المشرف:

الأول: الأعمال والمشاريع التوسعية الضخمة التي لا سابق لها في تاريخ مشاريع الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، لخدمة بيت الله تعالى وحجاج بيته جل وعلا، مما كان له المردود الإيجابي الكبير في استيعاب أعداد الحجيج المتزايدة، وفي تسهيل وتيسير أداء مناسكهم، وفي سلاسة تنقلاتهم في المشاعر المقدسة كافة.

الثاني: التنظيم الدقيق المتكامل والتنسيق السلس المتناغم بين الجهات والأجهزة الرسمية والأهلية والتطوعية المعنية كافة، بتقديم الخدمات المختلفة، سواء على مستوى سير وتحركات الحجيج، ووسائل النقل وقطار المشاعر أو خدمات المرور أو الخدمات الصحية أو خدمات الكشافة الإرشادية والتوجيهية أو الخدمات الأمنية والعسكرية.. إلخ.

الثالث: المستوى العالي والمتطور في نوعية الخدمات المقدمة إلى الحجاج هذا العام، بتوظيف الأجهزة التقنية في أعمال التوجيه والإرشاد والأجهزة الذكية والتسجيل الإلكتروني والخرائط الإرشادية والمعصم الإلكتروني مما كان له أبلغ الأثر في انخفاض عدد التائهين نسبياً. كذلك قام قطار المشاعر المقدسة بنحو 1600 رحلة، ومع هذه الزيادة لم تتأثر دقة التفويج ومواعيد انطلاق الرحلات، كما التزمت حملات الحج كافة بجداول تفويجها، ونجحت هيئة تطوير مكة في الإشراف على تشغيل وصيانة أكثر من 36 ألف دورة مياه موزعة على كامل المشاعر المقدسة، مجهزة بالخدمات اللازمة كافة، إضافة إلى التنظيم الرائع من قبل رجال الأمن للحركة على جسر الجمرات.

الرابع: منع إيران لحجاجها هذا العام بسبب تعنتها وإصرارها على فرض توجهاتها السياسية والأيديولوجية، بتسييس الحج، مما دفع المملكة إلى رفض هذا التوجه الفوضوي المخرب، لخروجه على مقاصد الحج الكبرى، ومخالفته لقوله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ». وحسناً فعلت المملكة، إذ حظيت بتأييد إجماعي من الدول الإسلامية، فحمت الحجيج من السلوكيات السلبية للحجاج الإيرانيين، ممن يقدمون حاملين توجيهات الولي الفقيه بالتظاهر ورفع شعارات سياسية عدائية وطائفية تفرق بين المسلمين وتثير اضطرابات وفوضى وحوادث أليمة يروح ضحيتها مئات الحجاج جرحى وقتلى. لقد ساهم عناد إيران بمنع حجاجها، في إضفاء أجواء من الأمن والطمأنينة والصفاء والسكينة على موسم حج هذا العام، إذ خلا من مظاهر الشغب والفوضى والعبث. المسلمون قاطبة يعرفون أن لإيران تاريخاً عريقاً في إثارة الاضطرابات والفوضى في مواسم حج سابقة، وذلك منذ ثورة الخميني، الذي كان يكلف الحجاج الإيرانيين بالترويج للثورة الإيرانية وتنظيم حملة دعائية لصالح الجمهورية الإسلامية بين الحجاج. ولقد تسبب هذا المسلك التخريبي لإيران في سقوط مئات الحجاج قتلى وجرحى، بينهم حجاج إيرانيون دفعت بهم حكومتهم إلى الموت تحت شعارات ضالة ومضللة. الحجاج الإيرانيون ليسوا حجاجاً عاديين كبقية حجاج العالم الإسلامي الذين يقدمون لأداء الفريضة كعبادة خالصة لله تعالى، وإنما هم مكلفون أيديولوجياً وسياسياً، يقودهم عناصر من الحرس الثوري يجيدون لغات أجنبية للترويج لأجندة إيران السياسية بين حجاج العالم الإسلامي باعتبار موسم الحج أفضل فرصة للدعاية لفكر الولي الفقيه.

إن لجهود المملكة العربية السعودية في خدمة بيت الله تعالى وزواره، تاريخاً عريقاً ومشرفاً ومعروفاً، لا ينكره إلا معاند مكابر أو ناكر جاحد. والذين ينادون بالتدويل مسيسون يدورون في فلك إيران.

تصوروا لو كانت المشاعر المقدسة تحت حكم ولاية الفقيه أو حكومة إسلام سياسي، كيف يكون وضع الحج وحالة الحجيج؟ صراعات سياسية ومزايدات حزبية وفتن طائفية.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٦
سورية المحتلة والسوريون الضائعون

حين تمتلئ سماء سورية بطائرات عسكرية أجنبية، وأرضها بأسلحة وبمقاتلين من دول عدة، وحين تصبح لروسيا ولأميركا ولإيران وتركيا قواعد عسكرية في المدن السورية كافة، حين يحصل كل ذلك نجزم بأن سورية أصبحت محتلة.

طلب النظام من روسيا حمايته في مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة، منذ 2011، وكذلك فعلت المعارضة حينما طلبت كل أشكال الدعم والتدخل العسكري لتخليص سورية من المجزرة. لكن لا روسيا استطاعت إنهاء الثورة ولا أميركا نصَرَتْها. تطور الأحداث كان يَخضع للشروط الإقليمية والدولية، وكان لأميركا ولروسيا دور مركزي في تأجيل الحل السياسي وإدامة الحل العسكري، بقي الأمر كذلك حتى انهارت سورية بالكامل وأصبحت إمارات متقاتلة! دُمرت مدنُها وقُتل مئات ألوف الناس، وشُرد الملايين ونُهب الاقتصاد وأصبحت خسارتها أكثر من 250 مليار دولار.

بعد الهدنة الأخيرة، حدثت لقاءات بين كيري ولافروف وكُتبت وثائق، ومنها ما ظل سرياً، ورفضت القيادة الأميركية إعلانها، وهي بالتأكيد ستُعلن في وقت قريب. لكن هذا السلوك الامبريالي، الذي وافقتها روسيا عليه على رغم رغبتها في إفشاء السر، وبغياب المعارضة والنظام عنه، يؤكد مجدداً أن سورية محتلة.

النظام، ومنذ بداية الثورة، شعر أنها ستطيحه لا محالة كما حدث في تونس ومصر، فكانت الضرورة هذه تستدعي طلب التدخل الإقليمي والدولي. المعارضة أيضاً طالبت به، بسبب رؤيتها المشوشة للتموضعات الدولية والإقليمية، وأوهامها عن أن أميركا تريد نظاماً سورياً جديداً وبما يُكرر تجربة التدخل في العراق وليبيا، وبالتالي المعارضة والنظام أصبحا أدوات بيد الخارج. متانة الثورة وضخامة التدخل لمصلحة النظام، هما ما جمّد الوضع وأبقيا النظام، وفي مرحلة لاحقة لعبت أميركا دوراً مركزياً في ضبط كل العمليات العسكرية المناهضة للنظام.

أيضاً قوة الثورة، وعلى رغم كل أخطاء المعارضة، دفعت النظام والدول الإقليمية والعظمى لتسهيل دخول ألوف الجهاديين إلى سورية. وفي المقابل، فإن تلاشي قوة النظام العسكرية دفعه إلى الاستعانة بالميليشيات الطائفية التي تقودها إيران. عنف النظام ورداءة تحليل المعارضة للثورة والوعي الديني الشعبي هي ما سمح للجهاديين وللسلفيين بالوصول من الخارج أو الانبثاق من الداخل، وهذه فئات معادية للثورة أولاً، وللنظام ثانياً، وقد خاضت معاركَها بعد أن تمكنت من الشعب، أي قضت على منظماته السياسية والمدنية والإعلامية والإغاثية المستقلة، وبنت سلطتها الشمولية. والدقة تدفعنا للقول إنها خاضت معارك ضد النظام، وهي تُمكِن نفسها، لكنها ظلت معارك أقرب إلى صد هجوم قوات النظام، أو التدخل حينما تُنهِك فصائل الجيش الحر تلك القوات كما حدث في مناطق كثيرة في سورية.

الجهادية والسلفية ليستا من الثورة بشيء، وكذلك فالقوى السياسية المعارضة الحداثية لم تكن هي من أطلق الثورة، لكنها تساوقت مع بعض أهدافها وحاولت تسييد أهداف أخرى تراها ممثلةً للثورة. يعنينا هنا السلفية والجهادية، فهما تعلنان أن ثورتهما ليست من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل من أجل دولة إسلامية متخيَّلة ومن أجل استعادة المجتمع الإسلامي الذي هويته من هوية الأكثرية الدينية. أهدافهما هذه مناقضة لأهداف الشعب، الذي كرّر طيلة 2011 و2012 أن الشعب السوري واحد، أي أن أهداف ثورته هي من أجل كل السوريين.

في مطلق الأحوال، تمكنت الجهادية والسلفية من الثورة، وبالكاد نجد في 2016 تنظيمات عسكرية مستقلة أو سياسية، كما كانت في الأعوام الأولى للثورة، فأغلبيتها أصبحت خاضعةً لهذه التنظيمات.

على العموم، الدور السوري انتهى الآن، وسورية محكومةٌ بالتوازنات الإقليمية والدولية، وما يُعد من هُدنٍ أو اتفاقات علنية وسرية ليست لمصلحة السوريين. نعم كان السوريون ثائرين ضد النظام، والآن، أصبحت مهمّتهم الثورة ضد الاحتلالات المتعددة الأشكال.

ربما هذه المرحلة لم يحن وقتها لغياب أي دور فاعل للسوريين الوطنيين، لكن حينما تهدأ الجبهات سيجد السوريون أنفسهم مكبلين باتفاقات تضرّ بمصالح النظام والمعارضة معاً.

بكلمة واحدة، قاد الاستبداد البلاد إلى الاحتلال، وساعدته المعارضة الانتهازية في ذلك.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٦
«تنازلات كيري» لا تأتي بهدنة ولا بحلٍّ سياسي

قبل أيام، مسّت الحاجة إلى مَن يفاوض على «هدنة» بين موسكو وواشنطن، وكانت أروقة مجلس الأمن مسرحاً لسجالات انفعالية بين المندوبَين الأميركي والروسي بمقدار ما كان مسرح العمليات السوري يشير إلى أن الاتفاق الأخير بين الدولتَين يترنّح، فهو لم يأتِ متأخّراً فحسب بل جاء متسرّعاً أيضاً، وتبيّن أنه ما كان ليُنجز لولا استجابة أميركية للشروط الروسية. وقد اتضح ذلك في تهافت موسكو على حماية مكسبها، ملحّةً على التعجيل بتفعيل الاتفاق قبل انقضاء «أسبوع الاختبار» متجاوزةً انتهاكات نظام بشار الأسد للهدنة، وعلى السعي الى تحصين هذا المكسب بجعله قراراً صادراً عن مجلس الأمن، ولو تطلّب الأمر كشف بنود الاتفاق حتى السرّية منها.

كان الرئيس الروسي أعلن بنفسه أنه يؤيد نشر مضمون الاتفاق، ولم يفعل ذلك من قبيل الشفافية، بل لإخراج انتصاره الديبلوماسي الى العلن، ولإحراج الإدارة الأميركية بعدما استنتج أن الخلاف بين جناحَيها قد يطيح مكسبه. وقد أفضى الجدل الإعلامي على نشر أو عدم نشر مضمون الاتفاق، معطوفاً على تعارض مواقف الخارجية والبنتاغون والـ «سي آي أي»، الى اقتناع عام بأن إدارة اوباما قدّمت تنازلات عسكرية وسياسية تتعارض مع مواقفها المعلنة ولا تحبّذ الكشف عنها، حتى لو كانت فعلت ذلك على سبيل المناورة، أو متوقّعة أن يفشل الروس في التزام تعهداتهم بالنسبة الى الهدنة والسلوك المفترض من جانب النظام وحلفائه الإيرانيين.

لكن هذا الجدل كان مرشّحاً للانتقال الى مجلس الأمن، لو عُرض عليه الاتفاق بكل تفاصيله، وكان سيفتح بالضرورة نقاشاً في غير مصلحة الطرفَين سواء للمطالبة بإيضاحات وتعديلات، أو لشرح بعض المفاهيم ومدى تطابقها مع ميثاق الأمم المتحدة. إذاً كانت موسكو تعلم أن ثمة مجازفة في مطالبتها بتدويل الاتفاق لكنها وجدت الفرصة مناسبة لإرباك إدارة اوباما وتسجيل النقاط ضدّها. وقد تجلّى ذلك أيضاً في استدعاء روسيا مجلس الأمن الى جلسة طارئة - لإدانة أميركا؟ - بعد مقتل جنود للنظام السوري في قصفٍ على دير الزور، إذ أظهر فارقاً شاسعاً مع ردود الفعل الأميركية الباهتة على القصف التدميري المنهجي لحلب بقصد تهجير مدنييها ومقاتليها، وهو ما لم تقل موسكو يوماً أنه «خطأ» ولم تعتذر عنه بل إنها مصمّمة على المضي به، وبتغطيةٍ بات يوفّرها الاتفاق مع واشنطن.

هل تقصّدت الطائرات الأميركية المغيرة على موقع لتنظيم «داعش» في دير الزور قصف موقع معروف وليس مستحدثاً لقوات الأسد، وهل أرادت بذلك الردّ على استفزازات فلاديمير بوتين لإبلاغه أن خياراتها لا تقتصر فقط على التلويح بإلغاء الاتفاق، وهل ذهبت موسكو الى مجلس الأمن لأنها أدركت أن القصف الأول من نوعه منذ بدء الحرب الأميركية على «داعش» انما كان رسالة موجّهة اليها وقد تكون أودَت بجنود روس؟... أي خبير عسكري يدقق في الخريطة سيقول أن الضربة كانت متعمّدة لأن مواقع «الدواعش» والأسديين ليست متلاصقة الى حدّ يسمح بـ «الخطأ». وكانت المفارقة أن تعليقات عدّة اعتبرت أنها المرّة الأولى والوحيدة التي يكون فيها القصف الأميركي الخاطئ مصيباً، لأن «داعش» ونظام الأسد هما واحدٌ أولاً وأخيراً. ولو أتيح لمجلس الأمن أن يدرس هذه الواقعة في إطار «الحرب على الإرهاب» لما استجاب للإدانة التي أرادتها موسكو. وهكذا أمكن الأخيرة أن تتعرّف الى ما يعنيه تعطيل مجلس الأمن عندما احتاجت الى تفعيله. والسؤال المهم هنا أن جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا منذ تدخّلها هل تكفي «شرعية الأسد» لتغطيتها وهل يمكن أن تبقى مستثناة من المساءلة الدولية؟

في أي حال، أكدت البلبلة الحاصلة أن الاتفاق الأميركي - الروسي لم ينهِ الاستعصاء الدولي، أو لعله زاده تعقيداً، خصوصاً عندما بلغ الطرفان استحقاق «العمليات المشتركة» ضد الإرهاب من دون أن يُنضجا ظروفاً مناسبة للتعاون. وبطبيعة الحال، لم تكن اعتراضات البنتاغون والـ «سي آي أي» معنيةً بالمعارضة السورية أو بقضية الشعب السوري، بل بالمبدأ العام الذي بُنيت عليه مشاركتهما المفترضة مع الروس بالخطط والمعلومات والخرائط، وكلّها جُمعت أو أعدّت بتعاون عسكري واستخباري داخل حلف الاطلسي أو مع حلفاء وأصدقاء من خارج هذا الحلف. ثم إن العمل مع الروس في سورية، رغم رفضهم الانضمام الى التحالف الدولي ضد الإرهاب، يمثّل نقلة استراتيجية نوعية من دون أن تكون هناك استراتيجية متوازنة ومتّفق عليها، ورغم تحديد مجالها في الزمان والمكان فإن فلاديمير بوتين سيحاجج لاحقاً بأن لا شيء يبرر عدم تطبيقها في اوكرانيا على سبيل المثل.

لكن، حتى بالنسبة الى الشأن السوري، قد تكون منطلقات الخارجية الأميركية في تنازلاتها لروسيا مختلفة وأقل تدقيقاً بالتفاصيل من ملاحظات العسكريين والاستخباريين الذين يعملون على تماسٍ مباشر مع الأرض ومع نظراء لهم في غرفتي الـ «موك» والـ «موم». فأي اتفاق مهما كان صارماً، سيأخذه الروس على أنه ترخيص أميركي لسحق المعارضة، معتدلةً أو متطرّفة، وسيطبّقونه على طريقتهم وبمنطقهم «الشيشاني» المعروف. وإذا كانت واشنطن غضّت النظر بين عامَي 1994 و1996 فيما كانت روسيا ترتكب جريمتها في الشيشان، فقد ساعدها آنذاك نسبياً أن وسائل الإعلام الحديث لم تكن في ذروة تطوّرها كما هي اليوم، إلا أن التفريط بالمعارضة السورية وتعريضها لمذبحة على أيدي الروس والأسديين والايرانيين لن يكونا مجرد غضّ نظر بل مشاركة فعلية وعلنية في الجريمة.

قد تكون واشنطن خشيت الابتزاز الروسي في شأن كشف مضمون الاتفاق، ولعلها شعرت بأنه سيكون بمثابة ضبطها متلبّسة بتنازلات مكتوبة وموّقعة. وطالما أن الأمر متروك للتكهّن، فإن التراشق بتُهم عدم التزام التعهّدات، ومراجعة النهج الاوبامي السلبي طوال الأزمة، واستقراء الخطّ البياني للتغيير الذي طرأ على المواقف الأميركية منذ التدخّل الروسي، يمكن أن ترسم خريطة تنازلات جون كيري. وهي تظهر ببساطة أن واشنطن رضخت لميزان القوى على الأرض، بعدما ساهمت طوال الأعوام الخمسة في هندسة اختلاله لمصلحة نظام الأسد، وبعدما تغاضت عن تدخّل ايران وميليشياتها، وأخيراً بعدما تركت الروس يفرضون أمراً واقعاً لا يمكن العمل إلا بمنطقه «الشيشاني». لم يصدّق أحد أن الهدنة «التجريبية» التي أقرّها اتفاق الدولتَين تضمن إقلاع الروس عن ذلك المنطق، بل إنهم أبدوا استعجالاً لاستئناف القصف حتى قبل اختبار الهدنة التي لم تصمد أصلاً سوى ساعات قليلة.

لم يحدّد كيري هدفاً لتنازلاته سوى «خفض مستوى العنف»، أما الأسد فترجمها، مكرّراً خلال أقلّ من شهرين تصميمه - أي تصميم الروس والإيرانيين - على استعادة كل مناطق سورية... استعادتها، طبعاً، خاليةً من أهلها. أما «تنازلات كيري» فيمكن إيجادها في كل العناوين، سواء في الترتيبات العسكرية، أو في التفاهمات السياسية. وليس واضحاً أبداً أنه استطاع في المقابل انتزاع أي تنازل روسي، فوقف طيران النظام وبراميله الذي قدّم على أنه مكسب مُنح استثناءً في الغوطة، والفصل بين فصائل المعارضة و «جبهة فتح الشام» («النصرة» سابقاً) لم يكن واقعياً طالما أن الاتفاق «لم يُبنَ أساساً على الثقة بالروس» كما ردّد الأميركيون، وبالتالي حتى لو وُجدت خرائط واضحة ومفصّلة لا يمكن ضبط الروس الذين يصنفون كل من ليس مع الأسد بأنه «إرهابي»، وفي حال توصّلت الجهود الراهنة للفصائل الى صيغة لتوحيد صفوفها فإن التمييز في ما بينها سيغدو استحالة.

صحيح أن الهدنة المفترضة رُبطت باستئناف الحل السياسي، إلا أنها لم تُربط بالحفاظ على شيء من التوازن الميداني، بل تُرك عرضة لكل الاحتمالات. لكن «تنازلات كيري» السياسية، وفقاً للمتداول، لم تكتفِ ببقاء الأسد وبتمييع «الانتقال السياسي» بل تجاوزتهما لتكريس الاحتلالَين الروسي والإيراني، وهذا كافٍ وحده لتقويض أي حل سياسي وللحؤول دون عودة المهجّرين وإعادة الإعمار، فلا الروس يوحون بالثقة لاستعادة الاستقرار ولا الإيرانيون مستعدّون للتخلي عن خطط التغيير الديموغرافي لتوطيد نفوذهم.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٦
هدنة سورية الوهمية

من يصدق أن نظام بشار الأسد كان سيلتزم الهدنة بعد خمس سنوات من قصف شعبه بطائراته وقنابله وغازه الكيماوي. وقف القتال والتراجع عنه ليسا موجودين في ثقافة عائلة الأسد ونظامه. وحده قرار مجلس الأمن الرقم 1559 أجبره على التراجع والخروج من لبنان. لكن لم يوقف تدخله، فاستمر في اغتيال شخصيات لبنانية عدة حتى انتقل إلى قتال أهل بلده.

الحاجة الآن ماسة إلى قرار مجلس أمن جديد يخرج الأسد من سورية. فأي إنسان على رأس بلد يحرم شعبه من المساعدات الإنسانية ويوقف القوافل الإغاثية ويعرض مسؤوليها للقتل ويقصف أبناء شعبه وأهله بالكيماوي ويفرغ المدن من معارضين له كي يرسم خريطة جديدة لمؤيديه؟

من استمع إلى مستشارة الأسد بثينة شعبان على القناة الرابعة البريطانية، وهي تقول للصحافية كاترين نيومان إن سورية تواجه الاستعمار وهيمنة الخارج، يدرك مدى إنكار الواقع المرير في أوساط نظام بلد يعيش تحت رحمة روسيا وإيران و «حزب الله». لو لم تدخل روسيا إلى سورية لما استطاع الأسد البقاء. وسيستمر ألم الشعب السوري طالما لم تتخل روسيا عن الأسد، فهو يقاتل شعبه للاستمرار على رأس بلد مدمر هُجر ملايين منه ولن يعودوا وهو في الحكم.

كان الاتفاق الروسي - الأميركي على الهدنة محكوماً بالفشل. صحيح أن المدنيين في المدن السورية متعطشين لوقف النار إذ أنهكهم القصف والقنص والقتل وتدمير المستشفيات وقتل الأطباء. لكن هدنة تم التفاوض عليها بين جون كيري الذي يتنازل كثيراً للثعلب الروسي سيرغي لافروف لم تحمل أي أمل بالنجاح، خصوصاً أن كيري كان وعد حلفاءه قبل ستة شهور بأنه لن يصل إلى اتفاق تعاون عسكري مع الروس إلا بضمانات روسية في شأن المرحلة الانتقالية في سورية. لكنه عاد وأعلن اتفاقاً للهدنة وإدخال المساعدات الإنسانية سرعان ما فشل من دون أن يكون هناك أي تغيير في الموقف الروسي من المرحلة الانتقالية.

كيف يمكن أن يوافق الجانب الأميركي على تبادل معلومات عسكرية واستخباراتية مع الجانب الروسي وروسيا تحارب وتحمي نظام بشار الأسد؟ وعد كيري مرات عدة المعارضة السورية بفرض إدخال المساعدات الإنسانية إلى المدن المحاصرة من النظام ولكنه لم يفِ بوعده وفشل في ذلك. ولم يكن قصف قافلة المساعدات الإنسانية أمس سوى إجرام جديد من نظام يتغذى من راعييه الروسي والإيراني اللذين لا يعرفان معنى الإنسانية.

لا حل اليوم للوضع السوري حتى يقرر الحليف الروسي أن الأسد أصبح عبئاً عليه ويتخلص منه. وهذا لن يحصل إلا بتغيير في السياسة الأميركية التي كانت بالغة الضعف في وجه فلاديمير بوتين. وكل المفاوضات بين كيري ولافروف تشير إلى ذلك، كما مفاوضات أوباما مع بوتين بعد استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي.

تغيير الإدارة الأميركية قريباً إذا تم انتخاب هيلاري كلينتون قد يكون فرصة أفضل لإظهار حزم وقوة أكبر للسياسة الأميركية في مواجهة بوتين، ولو أن الولايات المتحدة لا تبالي بالشعب السوري واهتمامها الأول هو مصالحها، فقد ترى إدارة أميركية جديدة مصلحة في عدم ترك هيمنة روسيا على المنطقة والضغط عليها للتخلي عن بشار الأسد. فقد قال الجانب الروسي مراراً - لمن يريد الاستماع إليه - إنه ليس في زواج مع بشار الأسد، لكنه لا يرى بديلاً له. لهذا بإمكان احتمال تقاطع المصالح الأميركية - الروسية في عهد أميركي جديد أن يقلب المعادلة، على رغم أن ذلك يبقى مجرد رهان.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٦
لماذا تخشى أميركا انهيار داعش؟

ليس للأمر علاقة بعمالة تنظيم داعش للولايات المتحدة الأميركية، كما يعتقد بعضهم، فالتنظيم ليس صنيعة مخابرات أميركية أو إسرائيلية أو إيرانية أو روسية، كما يحلو لبعضهم أن يطلق عليه، لا لشيء سوى للهرب من مسؤوليةٍ حقيقيةٍ تقع على الجميع، أسهمت في ظهور هذا التنظيم. ومع ذلك، تخشى أميركا من انهيار التنظيم، لأسبابها الخاصة المتعلقة بأمنها بالدرجة الأولى.

عندما تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على مساحاتٍ وأراض واسعة في العراق وسورية، كانت أميركا تراقب، وهي التي كانت تعلم جيداً أن حجم فظاعات رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، ستقود، لا محالة، إلى ظهور التشدّد بطريقةٍ أعنف وأكثر تطرفاً عن القاعدة التي كان يقودها أبو مصعب الزرقاوي في العراق تحديداً، وبقية أماكن وجود القاعدة حول العالم.

ولأن لأميركا خططاً وأهدافاً واستراتيجيات، ولأن لها بدل الطريق عدة طرق، للوصول إلى غاياتها، تركت التنظيم يظهر ويكبر ويتمدّد، ولعلنا نتذكّر جيداً التصريحات الأميركية التي هولت وكبرت من حجم التنظيم وقوته، بل إن وزير الدفاع الأميركي السابق، ليون بانيتا، قال إن الحرب على هذا التنظيم قد تستغرق 30 عاماً.

ساهم الإعلام الأميركي، والغربي عموماً، بالتطبيل لأسطورة داعش، فلقد ضجّت المواقع والصحف الأميركية والغربية بأخبار التنظيم، بعضها يتحدّث عن قوته، وبعضها الآخر يتحدّث عن أماكن انتشاره، حتى وصل الأمر بصحيفةٍ أميركية إلى نشر خريطة للعالم، وضعت عليها أماكن انتشار داعش، في حين ساقت صحيفةٌ أخرى أمثلة عديدة على كيفية استغلال التنظيم قضية اللاجئين، وكيف أن عشرات من عناصره تسرّبوا إلى أوروبا من خلاله. وأمثلةٌ لا مجال لحصرها وذكرها هنا ساهمت كلها في نسج أسطورة التنظيم، تماماً كما أسهمت أميركا وإعلامها في تعظيم شأن قاعدة العراق، وأنها التنظيم الذي لا يهزم، حتى أن قائد القوات الأميركية في العراق، ريكاردو سانشيز، قال، في مؤتمر صحفي في المنطقة الخضراء في بغداد عام 2005، إننا "ربما فقدنا الأنبار إلى الأبد"، في إشارةٍ إلى سيطرة القاعدة على المدينة، فتخيل كيف لقائد القوات الأميركية، بقضّها وقضيضها، أن يصدر على لسانه هذا التصريح!

تركت أميركا داعش يتمدّد في العراق وسورية، لتضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد، فهي، من جانب، استعادت وجودها في العراق الذي خسرته وقتياً عقب انسحاب قواتها من العراق نهاية 2010 ومطلع 2011، وباتت لأميركا اليوم خمس قواعد كبيرة في البلاد.

الأمر الآخر أن أميركا وجدت في هذا التنظيم فرصة لها لسحب البساط من تحت تنظيم القاعدة، ولها في ذلك مآرب عدة، فللقاعدة استراتيجية مختلفة عن تنظيم الدولة الإسلامية، استراتيجية بيّن أهدافها الزعيم السابق للتنظيم، أسامة بن لادن، يوم أن قال لن تنعم أميركا بالأمن قبل أن نلمسه واقعاً في فلسطين، بمعنى أن استراتيجية القاعدة كانت تقوم على مهاجمة الغرب في عقر داره، وهو ما نفذته القاعدة في سلسلة هجمات دامية.

في المقابل، كان تنظيم الدولة الإسلامية يقوم على استراتيجية مركزية، تؤكد على دولة الخلافة التي لها حدود تتوسع وتنكمش، تبعا لطبيعة سير المعارك، ولاحظنا كيف أن تنظيم الدولة بدأ يسحب حتى ولاءات عناصر القاعدة الذين صدّقوا أنه بات هناك للخلافة حدود وجغرافيا يجب الدفاع عنها.

قوّت أميركا، عبر إعلامها وتصريحات مسؤوليها، تنظيم الدولة الإسلامية، حتى إن زعيمه، أبو بكر البغدادي باتت له مكانة كبيرة بين صفوف الجهاديين في العالم، وبزمن قياسي، في وقت خفت صوت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
لاحظنا، بعد ذلك، كيف أن مئات الجهاديين تدفقوا على العراق وسورية للدفاع عن دولة الخلافة، الأمر الذي وجدت أميركا أنه خلاص من المتشدّدين، وخصوصاً أتباع القاعدة الذين خلع عشرات منهم بيعتهم الظواهري وبايعوا البغدادي، والتحق كثيرون منهم بصفوفها في العراق وسورية.

ما يقارب من عامين ونصف العام من ساعة ظهور التنظيم وإعلان خلافته، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يقصف المواقع التي يتحصن بها عناصر التنظيم في الجغرافيا التي اختارها التنظيم لنفسه، أمر منح الولايات المتحدة وكل أطراف التحالف الدولي الفرصة للتخلص من كبار القيادات التابعة للتنظيم، أو حتى التابعة للقاعدة، ممن بايعوا البغدادي.

عندما شنت تركيا عملية "درع الفرات"، واستطاعت أن تطرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة جرابلس السورية المحاذية للحدود مع تركيا، انكشفت حقيقة التنظيم، وأنه ليس بالقوة التي روجتها أميركا وإعلامها وكبار مسؤوليها، فقد تمكنت القوات التركية في ساعات من استعادة جرابلس وبلا خسائر كبيرة، الأمر الذي شجع الرئيس التركي، أردوغان، على مطالبة العالم بالسماح لتركيا بعمليةٍ مماثلةٍ في الموصل.

تخشى أميركا من انهيار "داعش"، لأنها تدرك أن القاعدة في الانتظار، وهي التي ستتلقف عناصر التنظيم، هذا إذا لم يكن تنظيم الدولة هو نفسه سيتبنى استراتيجية القاعدة، بعد أن ثبت له عدم جدوى استراتيجية البغدادي إقامة دولة الخلافة، الأمر الذي يعني أن أميركا والغرب ستكون على موعد مع صيفٍ لاهب، أو ربما حتى خريف ساخن.

أما لماذا لا تبقي أميركا على هذا التنظيم والحال هكذا، فللأمر، على ما يبدو، علاقة بصفحة أخرى من التآمر، خصوصاً في أعقاب الاتفاق الأميركي الروسي الذي بقيت أغلب بنوده غير معروفة.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٦
هل تسرّعت أنقرة في تأييد التفاهم الأميركي - الروسي؟

خمس سنوات دموية، دفع فيها المدنيون ومدنهم الثمن الأشد كلفة. لم نسمع شيئاً بعد عن الديمقراطية الموعودة وخطط إعادة بناء سورية الجديدة، وإشارة الانطلاق نحو المرحلة الانتقالية. كل ما وصلنا إليه هو تفاهم أميركي روسي، لا نعرف حدوده القانونية ومشروعيته الدولية ومصداقيته السياسية، يعلن خطة وقف للنار على جبهات القتال، وتحييد بعضها.

تركيا التي انتقدت هدنة فبراير/ شباط المنصرم التي أطلقت يد روسيا في سورية، ما دفع وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، إلى اتهامها بتقويض الهدنة، وطاردها على حدودها السورية، أشهراً طويلة، كابوس "داعش"، وشعرت "بالخطر الكردي"، يقترب أكثر فأكثر من الجوار السوري، وأفاقت، وفي حضنها ثلاثة ملايين وافد سوري، وصلت أعباء استضافتهم إلى عشرة مليارات دولار، وعانت، أخيراً، من التصعيد الواسع في عمليات حزب العمال الكردستاني في جنوب شرقها، تركيا هذه أعلنت تأييدها العلني للتفاهم الأميركي الروسي الذي تكشف أنه يشمل أكثر من مسألة وقف إطلاق النار، وإعلان الهدنة بين المتقاتلين.

وعلى الرغم من معرفتها أن اتفاق الهدنة يهيئ الظروف للحل السياسي الذي يحمي مصالح من يعد الاتفاق ويشرف على تنفيذه، قبل مصالح الحلفاء والشركاء، وأن مواد التفاهم لا تسري على تنظيمي داعش والقاعدة في سورية، وأن انتهاكات للهدنة سيتم التعامل معها بالتنسيق العسكري المباشر بين واشنطن وموسكو، وأن كلام لافروف نفسه، المختلف تماماً هذه المرة، وهو يتحدث عن تحولٍ في مواقف القيادات التركية حيال بشار الأسد، حيث لم تعد توجه الإنذارات
"بدعمها الاتفاق الروسي الأميركي في سورية، قد تكون تركيا دخلت في ورطة تقديم الكثير لموسكو ولواشنطن، وحتى لبشار الاسد نفسه، من دون أن تدري"

والتحذيرات المطالبة برحيله، على الرغم من ذلك، ترى تركيا في الاتفاق فرصةً لوضع حدّ للعنف الذي يعاني منه الشعب السوري منذ فترة طويلة، وأن هذه الهدنة ستكون أكثر فعالية، ولها الأثر في تهيئة الظروف الملائمة للانتقال إلى الحلّ السياسي، وأن التفاهم الأميركي الروسي سيكون فرصةً لتكريس قبول خطي حلب والموصل درعي الدفاع الأول لتركيا من جهة حدودها مع سورية والعراق، ومنع تنامي أي خطر على أمنها القومي على مقربة من الخطين. وأن الاتفاقية تتضمن احترام وحدة سورية وتماسكها، لمنع أي كيان قومي أو إيديولوجي يسعى إلى تغيير الحدود الجغرافية أو المعايير الديمغرافية للبلاد، وأن وقف القتال وتقديم المساعدات في حلب يمثلان أهمية كبيرة بالنسبة لها، وأنها ستدعم جهود ضمان صمود الهدنة، وأن الاتفاق قد يتحول خريطة طريق باتجاه وقف الأعمال القتالية، وسيسمح باستئناف المحادثات السياسية بشأن مرحلة انتقالية في سورية.

يقدّم المقرّبون إلى حكومة "العدالة والتنمية" في تركيا المشهد اليوم على أن القيادات السياسية تعلمت من دروس فشل اتفاقية وقف النار والهدنة في فبراير، وأنها نجحت في خمسة أشهر فاصلة في تغيير سياستها الروسية والسورية، والكثير من تحالفاتها المحلية هناك، والخروج من وضعية اخسر اخسر، على الرغم من أنها رفعت مع منظر سياستها السابق أحمد داود أوغلو شعار اربح اربح. وقد تمكنت أنقرة، بدعم مثل هذه الاتفاقية، من قطع الطريق على حلم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بالتنسيق مع واشنطن ودعم روسي، لناحية التمدّد عبر جرابلس ومنبج ثم الباب وتل رفعت، باتجاه إنشاء ممرّ واصل بين مقاطعتي كوباني وعفرين الكرديتين، فيما يكتفي أنصار زعيم الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، صالح مسلم، اليوم برفع الأعلام الأميركية على مداخل منبج لحمايتها من السقوط بيد الجيش السوري الحر والقوات التركية المساندة، والترديد أن الدخول التركي إلى جرابلس يشبه دخول مستنقعٍ يصعب الخروج منه.

ألا يزعج تركيا إعلان وزيري الخارجية، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، التوصل إلى خطةٍ لإرساء هدنة، سيسفر صمودها عن تعاون عسكري بين البلدين؟ ومن يضمن لها أن حلفاءها المحليين في سورية لن يتحولوا إلى أهداف أميركية، بعدما كانوا حتى الأمس القريب أهدافاً روسية؟ أين عثرت القيادة التركية في بنود الاتفاقية على ما يضمن شروطها ومطالبها المعروفة، لناحية وجود خطةٍ واضحةٍ لتغيير النظام؟ وهل تشمل مواد الاتفاقية مطلب إزاحة الطرف الكردي الذي يقلق تركيا من طريق الحل المرتبط بالكيان الكردي على حدودها الجنوبية؟

يصوّر بعضهم التفاهم بين واشنطن وموسكو أنه قد يستهدف سياسة تركيا السورية، وأن تقع أنقرة في مصيدة ما نجحت في منعه سنوات طويلة، أي استهداف حلفائها المحليين عبر شن الضربات الجوية ضدهم تحت غطاء القضاء على الجماعات المتطرفة، وأن كل ما حصلت عليه كان هدنة عيد الأضحى، وتعهدات فتح الممر أمام إدخال المساعدات الغذائية إلى حلب.

ونكتشف اليوم أن ما قيل وكتب عن اتصالاتٍ بين أنقرة والنظام السوري كان هدفها، إذا ما تمت فعلاً، التمهيد لإعلان اتفاقية وقف النار والهدنة في سورية لتكون مقدمةً لتطبيق تفاصيل خطة التفاهم الأميركي الروسي. فهل فعلت ذلك أنقرة فعلاً، وهل قبلت مواد الاتفاقية وتفاصيلها التي ترفض واشنطن الكشف عنها، وتتضمن كثيراً من الغموض والتأويل والتفسيرات المتناقضة؟

هناك من يردّد أن التفاهم الأميركي الروسي يعني، بشكل أو بآخر، سقوط مشروع الدولة الإسلامية السنية التوجه، الإخوانية الميول في سورية، وأن قيام نظام إسلامي في سورية سيصبح ضرباً من الاستحالة، فهل تزعج مثل هذه التحليلات أنقرة أم لا، أم هي متمسكة بنظامٍ علمانيٍّ تريده نموذجاً أفضل لسورية المستقبل، حيث فشلت، في ذلك، مع "الإخوان المسلمين" في مصر، أم هي تريد التريث لانجلاء المشهد السياسي والأمني في سورية، وعندها تقول ما عندها؟
في الطرف المقابل، هناك من يرى أن تركيا اليوم بين خيار ما تسمى واقعية الصفقة الأميركية – الروسية ومحاولة تغيير الأوضاع الميدانية لصالحها، فهي تعرف أن مشروع وقف النار قد لا يدوم، لأنه لا ضمانات واضحة في حماية تنفيذ الخطة، وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الانتقال إلى حكومة وحدة وطنية بعد الأسد. لذلك، نراها تتمسك بخطة تحويل بعض المناطق إلى مناطق آمنة، وطروحات إنشاء مناطق حظر الطيران في شمال سورية.

وإن تفاهم أنقرة وموسكو بشأن سبل التوصل، في أسرع وقت ممكن، إلى وقفٍ لإطلاق النار في مدينة حلب، ومسارعة تركيا إلى إعلان أن عمليةً بريةً تقودها يمكن أن تنجح في طرد تنظيم داعش من مدينة الرقة، إذا حصلت على دعم جوي من التحالف الدولي، يعكس حقيقة رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان في التمسّك بإقحام الأكراد المحسوبين على صالح مسلم في خانة الإرهاب، متحدّياً الموقف الأميركي الذي يرفض المنطق التركي، ويعتبر هذه المجموعات شريكاً في الحرب على "داعش" في سورية وفي العراق.

بدعمها الاتفاق، تكون تركيا تدافع ربما عن إنجازات "درع الفرات"، وفتح الطريق أمام تمدّد حليفها الجيش السوري الحر في شمال سورية، وحماية حصته في المعادلات السياسية والأمنية المقبلة في خارطة سورية الجديدة، لكن أنقرة ملزمة بالرد على تساؤلاتٍ تكاد تتحول إلى انتقاداتٍ بينها كيف تدعم تركيا اتفاقاً لا تعرف مضمونه، ويرفض حليفها الأميركي الكشف عن بنوده، تحت مقولةٍ لن يصدّقها الأطفال، حتى في تجنب الكشف عن الوثائق أمام مجلس الأمن، حتى لا يُساء فهمها، وتضع المعارضة السورية في خطر! ألا ترى في ذلك استهدافاً لمصداقيتها ودورها في سورية، خصوصاً إذا ما بدا بعضهم يردّد أن أنقرة لعبت دوراً في إخراج التفاهم، ولا تريد البوح بذلك؟ ثم كيف سترد على ما يقال حول وجود مواد تتحدّث عن المحاصصة الطائفية، وإنهاء دور "أصدقاء الشعب السوري"، وفرض الوصاية الروسية على سورية بغطاء أممي؟ وخصوصا أن بعضهم بدأ يتساءل ما إذا كانت تركيا أطلقت يد كيري للمساومة على كل شيء، وقلصت في خطة "درع الفرات"، وحولتها إلى "درع الساجور"، ونسيان وحدات صالح مسلم في منبج تحت حماية العلم الأميركي؟

ويقول الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، إن أنقرة تدعم اتفاق وقف إطلاق النار. هذا من حيث المبدأ. لكن، للأسف، لدينا مخاوف بالغة بشأن استمراريته مع مواصلة المعارك التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، واستئناف مباحثات السلام، لكن لافروف ينفي وجود اختلافات بين موسكو وأنقرة حول تصنيف "الإرهابيين" في سورية، ويؤكد أنهما تشتركان في الموقف نفسه بشأن ضرورة انسحاب قوات المعارضة السورية من المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين.

بدعمها الاتفاق، قد تكون تركيا دخلت في ورطة تقديم الكثير لموسكو ولواشنطن، وحتى لبشار الاسد نفسه، من دون أن تدري، فهل علينا أن نقول، ونفترض أنها لم تحسب ذلك جيدا؟ فهناك حتماً ما هو أهم وأبعد من مسألة إيقاف النار لإيصال المساعدات إلى المحتاجين.

لا يشير الاتفاق إلى خريطة طريق مفصلة حول المسألة السورية، ويستثني دور المعارضة، بشكل أساسي، مع تهميشها في معظم الفقرات عند التطرّق إليها، بل هو يفتح الطريق أمام تعاون عسكري روسي أميركي للقضاء عليها بكل فصائلها، ويعطي روسيا المشروعية التي كانت تبحث عنها لاستهداف هذه القوى، بمباركةٍ أميركيةٍ، وتحت شعار محاربة مجموعاتٍ تم توصيفها إرهابية لا يمكن تبنيه، وترويجه والدفاع عنه بمثل هذه البساطة. هل هناك ما لا نعرفه في أسباب تأييد أنقرة التفاهم الأميركي الروسي؟

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٦
هل ينهي اتفاق حلب الأخير النفوذ الأميركي في المنطقة؟

يعتقد كثيرون أن أوباما أوصل أميركا إلى بر الأمان٬ وأخرجها من حروب شرق أوسطية٬ واستعاد توازنها الاقتصادي٬ وسمح لها أن تركز انتباهها على منطقة آسيا٬ ومواجهة التمدد الصيني. ولا يمانع أن يمنح البعض الرئيس أوباما وسام الذكاء والشجاعة٬ لأنه لم ينجر وراء العاطفة٬ وكان واقعًيا في سياساته: المصلحة الأميركية لا غير!

في سياق هذه الواقعية٬ توصل أوباما٬ منذ أيام مع الروس٬ إلى اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا وفتح ممرات إنسانية٬ علاوة على التعاون في محاربة الإرهاب٬ وبالتحديد «داعش» و«النصرة» (فتح الشام)٬ هذا التعاون يتأسس على فرضية تحييد الخلاف حول مصير الأسد٬ والعمل على هزيمة الإرهاب واستكشاف سبل الحل السياسي في سوريا٬ ما هو مسكوت عنه في الاتفاق هو الاعتراف الضمني بالأسد ونظامه٬ ومنحه بالممارسة الحق في الدفاع عن نفسه٬ وأن يكون شريًكا في الحرب على الإرهاب! بعبارة أخرى٬ لم يعد أوباما يرى في الأسد عقبة٬ وإزاحته شرًطا٬ ولا عجب إن سمعناه غًدا يقول٬ كما يردد الروس والإيرانيون: لنترك للشعب السوري حرية القرار. وإذا ما قال ذلك لم يعد ثمة خلاف مع الروس على الإطلاق٬ ولا مع الإيرانيين٬ إنما سيكون خلافه مع حلفائه في السعودية٬ وتركيا وبعض دول الخليج.

وهذا يعني أن سياسة أوباما تأسست على التحالف مع الأعداء٬ والابتعاد عن الحلفاء!

اعتبر أوباما في إحدى تجلياته (الواقعية) أن روسيا دولة من الدرجة الثانية (دولة إقليمية)٬ ونبذ رئيسها عدة مرات٬ وفرض عقوبات عليها٬ لكنه اضطر الآن أن يتابع مع روسيا تفاصيل في الشرق الأوسط٬ بعد تدخلها في سوريا٬ وفي عملية السلام بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية وكذلك في أزمة أوكرانيا٬ واضطر أن يعترف بأنها ند٬ وأن وجودها في سوريا أصبح واقًعا لا يغيره سوى المصادمة المباشرة معها٬ الاصطدام خيار استبعده أوباما منذ اليوم الأول٬ وبالتحديد عندما خرق الأسد خطه الأحمر في سوريا. وكم كانت فرحة أوباما بعدما تدخل بوتين لإراحته من ضرب الأسد وتبعات المواجهة مع الروس! كما ثَّمن لروسيا كثيًرا تعاونها معه لحل المشروع النووي الإيراني «سلمًيا».

يعتقد أوباما رغم إقراره بإيجابية التعاون مع روسيا أنها بتدخلها في سوريا تغرق نفسها في الوحل السوري٬ وأن أميركا ستكتفي بالتفرج على هذه الورطة! يرى أوباما أن روسيا ترتكب حماقة بتدخلاتها في أوكرانيا وفي سوريا٬ وأن النتائج عليها حصار أوروبي٬ وعداء عربي٬ وهواجس إسرائيلية! وهذا كله يجعل أميركا القوة الوحيدة المتحكمة في القرار٬ ومن دون تكاليف!

في الخليج العربي يتحرش الإيرانيون بسفن أميركا الحربية٬ ويجبرونها على إرسال الملايين من الدولارات في طائرات خاصة٬ وسًرا٬ ولا يتورعون دوًما عن تهديدها٬ ناهيك عما فعلوه في الماضي بالقوات الأميركية في بيروت٬ أو الُخبر وفي أماكن أخرى من العالم. وفي بحر الصين٬ يتحرك بوتين ويرسل سفنه الحربية لإجراء مناورات مع الصين٬ في تحٍد واضح للإدارة الأميركية التي تطالب الصين بتخفيف وجودها العسكري في هذه المنطقة! كما أن حليف أميركا٬ وصديق أوباما٬ الرئيس إردوغان٬ لم يتورع عن اتهام أميركا بالتآمر عليه٬ وتصالح مع بوتين٬ مع أنه ثاني أقوى دولة في حلف «الناتو»٬ المخصص أصلاً لمواجهة الاتحاد السوفياتي.

الأغرب٬ أن المرشح الأميركي دونالد ترامب قال علانية إن أوباما رئيس ضعيف٬ وإنه يفضل عليه بوتين القوي!

إذن نحن أمام واقع قلما رأيناه من قبل؛ رئيس دولة عظمى يقول بأن أميركا لا تزال القطب الأوحد٬ بينما تخسر يومًيا سمعتها٬ وكلمتها٬ وحتى حلفاءها٬ لقد تحولت أميركا في نظر الخصوم إلى كيان أجوف٬ وأصبحت سمعة رئيسها بلا معنى٬ لأنه يقول ما لا يفعل٬ وفي نظر الحلفاء أصبحت دولة مشكوًكا في مصداقيتها. فالمملكة العربية السعودية٬ كمثال٬ كانت الحليف الوفي والأوثق لأميركا٬ لكن أميركا تسن ضدها قانوًنا لمحاكمتها بتهمة الإرهاب للاستيلاء على مدخراتها المالية٬ أميركا تحاكم حليفها بالإرهاب٬ وتصادق عدوتها إيران٬ وتمدها بالمال٬ وتسمح لها بتطوير السلاح النووي والباليستي٬ بحجة الحفاظ على الاستقرار! في مفهوم الكونغرس أصبحت المملكة التي لم تتلفظ بكلمة ضد أميركا٬ ولم تتواَن لحظة عن مساعدتها متطرفة٬ وأصبحت إيران٬ قاتلة المارينز في لبنان والخبر في السعودية٬ ومنشئة الميليشات الطائفية٬ والمخططة لقتل السفير السعودي في أميركا٬ وقاتلة الجنود الأميركان في العراق٬ وحاضنة قياديي «القاعدة»٬ والمترجمة لكتب مفكر الإرهاب سيد قطب في نظر أميركا٬ والمشعلة لبركان الحقد الطائفي٬ دولة معتدلة٬ وأصبحت المملكة الحليفة عدوا!

ما يهم أن هذه السياسة الأميركية المشوشة كانت لها تداعياتها في المنطقة والعالم٬ على المستوى العالمي نشاهد اليوم غياب الهيبة الأميركية٬ وانفراط القطبية الأحادية٬ واستبدال الأقطاب المتعددة بها٬ وتزايد النزاعات٬ وخواء الأمم المتحدة٬ في أوروبا تدخل الروس لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية٬ واقتطعوا أرًضا من أواكرانيا وضموها لروسيا٬ وتمددت الصين في بحر الصين الجنوبي٬ وأنشأت٬ رغم صدور قرار دولي من محكمة العدل الدولية٬ حظًرا جوًيا فوق منطقة بحرية متنازع عليها٬ وفي أفغانستان تعاظمت قوة «طالبان» واتجهت باكستان أكثر صوب الصين. وفي منطقة الشرق الأوسط نشاهد تسارع دول كثيرة نحو روسيا٬ وكانت آخرها تركيا٬ لعقد تفاهمات مع القيصر الروسي الذي دخل المنطقة ولا يفكر في الخروج منها٬ وحتى الصين أصبح لها موطئ قدم في الشرق الأوسط على حساب الرصيد الأميركي.

لقد أظهر اتفاق حلب الأخير أميركا على وجهها الحقيقي؛ دولة ليست بالعظمى٬ وعاجزة ليس عن حماية حلفائها٬ بل حتى مصالحها٬ كانت أميركا٬ مع بداية عهد أوباما٬ دولة تدافع (ولو انتقائًيا) عن حق الشعوب بالحرية٬ وتطالب بنزع السلاح النووي٬ وتفعيل الأمم المتحدة٬ ومحاربة الإرهاب٬ وأصبحت بعد نهاية عهده دولة متآمرة على حرية الشعوب٬ وعلى حقوق الإنسان٬ ولا تبالي بانتهاكات القانون الدولي٬ ولا بانتشار السلاح النووي٬ ولا بتحول الأمم المتحدة إلى داعم للاستبداد والقهر.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٦
ليس لها إلا لـ“أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “

قال لي لاتستخدمها، فهي باتت مستهلكة لحد أن أحداً لن يتأثر بها ،  قررت ترك الموضوع بحثاً عن توصيف أو شيئ يساعدنا على لئم جراحنا ، و تضميدها وحدنا ، وفي الوقت ذاته أن نبقى نحتمل مزيداً من الضربات ، و لكن لا أجد سوى أن ألجأ لها ، لأكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ” .

أرقب مناقشات الجمعية العام للأمم المتحدة ذات الرقم ٧١ ، وما ينهال منها من صور عن لقاءات و اجتماعات ثنائية و ثلاثية و كذلك تلك ذات الـ٢٣ جهة في آن معاً ، و في نفس الوقت أتابع عداد الغارات ، و سجل الرصد و مناطق القصف و نوعيته و مخلفاته من بارود و غبار و منازل و أحلام و أتوقف متوجساً أمام الأرواح المتصاعدة ، و أنا أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.

تتكثف الصور و الفيديوهات من مواقع استهداف الهلال الأحمر في ريف حلب الغربي ، و أشاهد فظاعة ماحدث و كيف مزقت أجساد كانت ناعمة و طاهرة، إلى حد يُسمح لها بلمس الطعام دون أن يمتعض أحد ، و أتلقف تصريحات الغضب من الدول و الهيئات و المنظمات ،  لأتعامل بنحو اعتيادي مع خبر تعليق الأعمال الانسانية في سوريا ، و أقف قليلاً لأتسائل هل المطلوب تعليقها أم تعليق عمل سلاح الجو و نزع مخالبه ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.

تصدر روسيا بياناً توضيحياً حول الاستهداف بالأمس وتنفي كل ماحدث و تضعه في اطار المسؤولية الدائمة لـ”الثورة” و “الثوار” ، و يتبعها الأسد ببيان مشابه و أكثر “وقاحة” ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.

تبدل الأمم المتحدة الكلمات و تقول أن ماحدث هجوم مجهول المصدر و ليس قصف جوي ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.

أرقب المتحدثين الذين يعتلون منصة الأمم المتحدة ليبثوا كلماتهم في المحفل الأممي، فأوباما يقول أن روسيا تسعى لاعادة أمجادها بالقوة ، و هولاند يعبر عن العجز بالقول “كفى” ، الأردن و لبنان يحملان همومهما من اللاجئين السوريين باحثين عن مصدر رزق جديد ، و قطر تقول أن لامكان للأسد و السعودية تساندها بذات القول ، و تركيا تنضم لهما و تشدد على قتال “الارهابيين” ، و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.

في اجتماعات خصص لها اسبوع يبحث الجميع عن مفردات و هوامش في الحرب علي الشعب السوري ، ينتقون بشدة العبارات و التعابير الوجهية و المخفية ، حتى لا يجرح شعور أحد ، بمن فيهم القاتل ، و لكن جميعهم يصمتون أمام “الأسد” و يقولون “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “.

ليس تكبيراً به أو رفعاً من شأنه ، و إنما هو العجز المتولد من المصالح المتضاربة ، والجودة المتوفرة من قبل الأسد في توفير المنطقة الملائمة للاشتباك العسكري بين جميع الدول ، فيما تكون للسياسة مكان آخر .

و من المفروض أن نملك أدوات فك العقدة و لكن يبدو أنها مفقودة هي الأخرى ، و لأعود و أكرر “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ “

اقرأ المزيد
١٩ سبتمبر ٢٠١٦
«فولكلور أممي» وملايين المنكوبين

تبدأ في نيويورك اليوم الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تشكل مناسبة لقادة الدول الـ193 الأعضاء في المنظمة، لمخاطبة نظرائهم والعالم ومناقشة ملفات عدة والبحث عن تسويات لأزمات. ودرجت العادة أن تعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة، قمم تركز على مواضيع محددة تتطلب أوسع قدر من التعاون بين الدول.

وفي كل عام تكون الاجتماعات فرصة لظهور وجوه جديدة على المسرح العالمي، كما سيكون الحال بالنسبة إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ومناسبة لوداع آخرين وأبرزهم هذه السنة الرئيس الأميركي باراك أوباما المنتهية ولايته والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي سيكون التنافس على خلافته أحد المواضيع المطروحة على هامش الاجتماعات، علماً أن اختيار خلفه أمر متروك لمجلس الأمن.

وهذه الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت أولى جلساتها في لندن في العام 1946. وعلى امتداد تلك السنوات الطويلة، قلما علقت في الأذهان أحداث مميزة تخللت اجتماعات الجمعية العامة، مثل إقدام الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف على الضرب بحذائه على الطاولة متوعداً الأميركيين، أو الظهور الأول للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أو الخطاب الأخير للزعيم الليبي معمر القذافي.

والملفت أيضاً أن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قلما شكلت بحد ذاتها منطلقاً لمبادرات تاريخية، بل شكلت فرصة لعقد قمم على هامشها لهذا الغرض. ولعل أبرز المناسبات من هذا النوع هذا العام، اللقاءات حول أزمة المهاجرين واللاجئين والتي استهلت بقمة مطلع الأسبوع نوقشت خلالها أزمة الهجرة الأخطر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية والمتداخلة مع الفوضى المستحكمة في ليبيا وأيضاً مع النزاع السوري الذي برزت قناعة أخيراً على أن حله بات كالعادة في عهدة التسويات الأميركية - الروسية.

وكانت قمة الهجرة موضع انتقادات حتى قبل انعقادها بأيام، وذلك لتبنيها إعلاناً سياسياً بدائياً، لم يتضمن أهدافاً محددة بأرقام ولا التزامات قاطعة عن كيفية تقاسم أعباء اللاجئين الذين ناهز عددهم 24 مليوناً (فضلاً عن 41 مليون نازح داخل بلدانهم)، وهو رقم مخيف بحد ذاته، بل اقتصر الإعلان على تأكيد «احترام الحقوق الأساسية» لهؤلاء وعلى التعاون الدولي من أجل مكافحة تهريب البشر، إضافة إلى محاربة العنصرية والعداء للأجانب في الدول التي تستضيفهم وحق أطفالهم في التعليم.

ومع غياب الأهداف المحددة والالتزامات الواضحة حيال موضوع الهجرة، باتت الآمال في هذا الشأن معلقة على قمة ثانية يستضيفها أوباما اليوم، ستخصص لجمع مساهمات الدول وتعهداتها المالية تجاه المهاجرين والنازحين لدعم البرامج الإغاثية عالمياً.

لا شك في أن قضية اللاجئين سببت ضغوطاً هائلة على دول أخذت تفقد قدرتها على التحمل، مثل اليونان وأيطاليا، ما بدأ يهدد بخلافات أوروبية، تجسدت بوادرها في انتقادات حادة وجهها رئيس الحكومة الإيطالي ماتيو رينزي إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية انغيلا مركل، وهي انتقادات تكاد ترقى إلى مستوى اتهامهما بعدم المبالاة حيال معاناة بلاده مع الهجرة.

سيكون قدر كبير من الأضواء مسلطاً على نيويورك هذا الأسبوع، لكن الواقعية السياسية تقتضي عدم الرهان كثيراً على ما يجري أمام الكاميرات بل خلف الكواليس، خصوصاً في لقاءات ممثلي الدول الكبرى مع مندوبي قوى إقليمية فاعلة، غير أن الرهان الأساسي يبقى التوصل إلى تفاهمات، أقله في ما يتعلق بإدارة أزمة اللاجئين، لئلا تتحول الاجتماعات في نيويورك إلى مجرد «فولكلور» أممي لا يقدم ولا يؤخر في الاستحقاقات والأزمات.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان