مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٦ أكتوبر ٢٠١٦
بعد سوريا.. هل سيذهب بوتين إلى أوروبا الشرقية؟

عندما يُبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعض قادة المعارضة السورية، وهو يكاد يجهش بالبكاء، أنه «محبط» لأن دعواته لاستخدام القوة ضد هذا النظام السوري لم تلق آذانًا صاغية، ولأن ثلاثة فقط في الإدارة الأميركية يؤيدون هذا الخيار، فكأن هذه دعوة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمواصلة تحدي الولايات المتحدة، واستكمال السيطرة على سوريا كلها بعد القضاء على المعارضين السوريين، الذين نصحهم هذا المشرف على الملف السوري من الجانب الأميركي، بأن يقبلوا بالمشاركة في انتخابات رئاسية وتشريعية بوجود بشار الأسد!

وعندما ينصح مسؤولون كبار في «الكونغرس» الأميركي، من الحزب الجمهوري المعارض، بعض كبار رموز المعارضة السورية بأن يتجنبوا إبرام أي اتفاق حلٍّ لأزمة سوريا في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأنه سيكون بمثابة إملاءات روسية، نظرًا لأن موقف الرئيس باراك أوباما من هذه الأزمة سيزداد سوءًا، ولأن الروس قد كشفوا كل أوراقه، وأدركوا أنهم يستطيعون فعل ما يشاءون، ليس في هذا البلد وحده، وإنما في المنطقة كلها! وهنا، فإن المعروف أنه قد جرت العادة أن تصبح الإدارة الأميركية، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، بمثابة «بطة عرجاء»، لكن تجربة الأربع سنوات الأخيرة من عهد هذه الإدارة أثبتت أنَّ باراك أوباما أصبح هذه «البطة العرجاء» مبكرًا، عندما تراجع عن تلك الضربة العسكرية ضد نظام بشار الأسد بعد مشكلة الأسلحة الكيماوية والغازات السامة.

ما كان من الممكن أن تصل الجرأة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل في سوريا، لو لم يتأكد من أن الإدارة الأميركية قد أصبحت «بطة عرجاء» بالفعل، وأن رئيسها ليس صاحب أي قرار «استراتيجي»، وأنه بالإمكان أن يفعل الروس ما يشاءون في هذه المنطقة الحيوية، بالاعتماد على ميوعة الأميركيين في عهد هذه الإدارة التي اعترف قبطان سفينة سياساتها الخارجية بأنه أصبح «محبطًا»، لأن رغبته في استخدام القوة ضد نظام بشار الأسد أو التلويح بها لم تلق آذانًا صاغية، ولأن ثلاثة فقط من بين رموز هذه الإدارة قد استجابوا لهذه الدعوة.

وهكذا فإن تعاطي إدارة أوباما «الانكفائي» مع الأزمة السورية قد أوجد فراغًا ملأته، على عجل ودون أي تأخير، روسيا الاتحادية، ثم إنه من المعروف أن «إسراع» هذا الرئيس الأميركي بسحب القوات الأميركية من العراق قد أوجد فراغًا مبكرًا بادر الإيرانيون إلى ملئه عسكريًا وسياسيًا وعلى كل المستويات، وذلك إلى حدِّ أنهم باتوا يحتلون هذه الدولة العربية الرئيسية احتلالاً كاملاً، وعلى ما هي الأمور عليه الآن، وحيث تواطأ «هؤلاء» مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لتسليم مدينة الموصل ومنطقة الأنبار كلها لتنظيم داعش الإرهابي، الذي تجري الآن كل هذه الاستعدادات التي يقودها ويشرف عليها الأميركيون للقضاء عليه واقتلاعه من كل مناطق بلاد الرافدين، وربما من سوريا في فترة لاحقة.

إن هذا كله ومعه رداءة وميوعة السياسة التي تعاطى بها باراك أوباما مع هذه الأزمة السورية التي غدت مستفحلة، ومعه أيضًا تردد بعض الداعمين في تقديم إسناد فعال، خصوصًا بالأسلحة المتطورة للمعارضة السورية التي كانت قد نبتت في الصخر، كما يقال، نظرًا لخضوع سوريا لنظام من أسوأ الأنظمة الاستبدادية في العالم كله ولنحو أكثر من أربعين عامًا، قد شجع فلاديمير بوتين على المزيد من التمادي، وإلى حدِّ أن «الكرملين» قد هدّد بأنَّ استهداف الأميركيين لنظام بشار الأسد سيؤدي إلى زلازل مدمرة في هذه المنطقة «الشرق أوسطية» كلها.

وبالإضافة إلى أن سوريا قد أصبحت عمليًا ملحقة بروسيا الاتحادية، وأصبح قرارها في قاعدة «حميميم»، وليس في دمشق، فإنَّ ميوعة السياسة الأميركية قد شجعت «ستالين» الجديد، فلاديمير بوتين، على التمادي في استهداف تركيا وتنشيط إرهاب حزب العمال الكردستاني - التركي (p.k.k) ضدها، مما اضطر الرئيس رجب طيب إردوغان بعد ضربة مطار مصطفى كمال أتاتورك، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي يتهم فتح الله غولن بأنه هو الذي رتبها من مقره في بنسلفانيا في الولايات المتحدة، إلى الاعتذار لموسكو عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة المعروفة وفتح صفحة جديدة مع موسكو، ولكن مع التأكيد مرارًا وتكرارًا وعلى لسان رئيس وزرائه بأن موقف بلاده من الأزمة السورية لا يزال على ما هو عليه ولم يتغير.

في كل الأحوال لقد اتضح أن فلاديمير بوتين، هذا «الستاليني» المغامر قد شجعه التردد الأميركي في سوريا، وشجعه تردد باراك أوباما بعد السيطرة على هذا البلد العربي المحوري والاستراتيجي، على التطلع بعيدًا، والسعي لاستعادة مكانة الاتحاد السوفياتي الإقليمية والدولية، عندما كان في ذروة قوته وتألقه بدءًا بتسوية الأوضاع في أوكرانيا وبالطبع في جزيرة القرم وبجمهوريات البلطيق، وكل هذا وبالطريقة السوفياتية المعروفة، حيث قد تم قمع الجيش الأحمر لانتفاضة المجر عام 1956، وكان ربيع براغ في عام 1968، وكان غزو أفغانستان غير الموفق في عهد حفيظ الله أمين في عام 1979.. وكان حضور موسكو المؤثر الدائم في كل الأزمات الدولية، ومن بينها أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا، التي كادت تؤدي إلى حرب عالمية جديدة لولا تراجع نيكيتا خروتشوف وإدوارد كينيدي في اللحظة الأخيرة.

وهكذا.. ويقينًا أنه إذا نجح فلاديمير بوتين في سوريا كما نجح في غروزني وباتباع الأسلوب الوحشي - التدميري الذي اتبعه في الشيشان، وفي هذه الدولة العربية، فإنه سينتقل إلى أوكرانيا.. وبعدها إلى بعض دول أوروبا الشرقية التي أصبحت «مضيفةً» لصواريخ حلف شمال الأطلسي الموجهة إلى كل المواقع والمناطق الاستراتيجية الحساسة في روسيا الاتحادية، وهنا فإن المعروف أن زعيم الصين التاريخي ماو تسي تونغ، كان قد قال عندما أطلق المسيرة التاريخية: «إن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة».. وهذا يعني أن نجاح بوتين في هذا البلد العربي قد يكون هو الخطوة التي ستأخذه إلى استعادة ما خسره الروس بعد فشل التجربة الماركسية - اللينينية وانهيار أول تجربة سوفياتية. لقد شجَّعَت مراهنة الأميركيين على الروس، الذين من المفترض أنهم منافسوهم وبالتالي أعداؤهم، أكثر من مراهنتهم على أصدقائهم وفي مقدمتهم تركيا العضو المؤسس في حلف شمال الأطلسي، على سعي هؤلاء الأصدقاء إلى التقارب مع موسكو، وإلى غض النظر عن بعض نزوات فلاديمير بوتين العسكرية والسياسية، ولذلك فإنه غير مستبعد، إن لم تغير وتصحح الإدارة الأميركية الجديدة توجهات الولايات المتحدة الدولية، أن يأتي يوم قريب ليرى العالم الاتحاد السوفياتي في حلته الجديدة في صوفيا ووارسو وبلغراد وزغرب.. وأيضًا في بودابست.

اقرأ المزيد
٦ أكتوبر ٢٠١٦
النظام الدولي الجديد على جثث السوريين

في مطلع السبعينات، أعلن الرئيس الأميركي بوش انتهاء الحرب الباردة وزوال منطق القطبين العالميين، وبالتالي بداية النظام العالمي الجديد الأحادي القطب وبقيادة الولايات المتحدة الأميركية. هذا «النصر الأميركي» رافقته مرارة روسية ناجمة عن تفكك دول المعسكر الاشتراكي وذهاب كل دولة من دوله نحو استقلاليتها، وخروج مهين ومذل من أفغانستان بعد أن تمكن الأميركيون من دعم مقاومة للوجود الروسي تسببت له بخسائر جسيمة وشكلت أحد عناصر انهيار المنظومة. أمعنت السياسة الأميركية في إذلال الروس عالمياً، وإظهار هشاشة موقع روسيا العالمي. ذلك كله أتى في سياق فوضى سياسية وشبه انهيار اقتصادي داخل روسيا، زاد من ضعف موقعها العالمي. هكذا بدت روسيا في موقع المنهزم سياسياً وعسكرياً ودولياً، وهو شعور كان من الطبيعي أن يولد مرارة للنخب الروسية التي كانت منتشية عظمة على امتداد نصف قرن من الزمان، كأن روسيا قد استنسخت ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وتوقيعها صلح فرساي المذل آنذاك.

بعد استقرار نسبي داخلي وإعادة التماسك والحد من الفوضى، ومع بداية عهد فلاديمير بوتين المستمر منذ أكثر من عقدين، وقبل أن تتاح لروسيا فرصة اختبار قوتها في سورية، سعت القيادة الروسية الى استعادة الهيبة والنفوذ في العالم، من خلال الانخراط في تحالفات جديدة والانفتاح على قوى دولية خارج هيمنة الولايات المتحدة الأميركية. بدت القيادة الروسية كأنها محكومة بـ»عقدة نقص» تجاه موقع روسيا ودورها في العالم، كما اتسم سلوك القيادة بمنحى انتقامي مما أصاب الدولة العظمى، ومن هزيمة أفغانستان. افتعلت بعض المشاكل الدولية من قبيل إثبات الوجود والقول نحن هنا، وذلك في أوكرانيا عبر استعادة جزيرة القرم. يومها، لاح لكثيرين أن العالم على شفير حرب عالمية جديدة، لكن الخطوط الحمراء الأميركية وضعت حداً للاندفاعة الروسية. إلا أن بوتين ظل محكوماً بعقدة القيصر بطرس الأكبر، يريد استعادة الدور الروسي المؤثر بأي ثمن وفي أي مكان. وكان الشرق الأوسط فرصة مناسبة أدخلته مجدداً الى المنطقة ومنها الى العالم.

أدرك بوتين أن الولايات المتحدة تمارس سياسة انكفاء أو تردد في التدخل في شؤون الشرق الأوسط وفي الحروب الأهلية الدائرة فيه. كما كان متأكداً أن انغماس روسيا في هذه الحروب الأهلية، خصوصاً في سورية، لن يؤدي الى انزلاق نحو أخطار صدام روسي - أميركي كما لاح في أوكرانيا. ولأن روسيا لم تكن بعيدة من الشرق الأوسط تاريخياً، وفي سورية بخاصة، فإن الرئيس الروسي وجد التدخل في الحرب الأهلية السورية تحت عنوان القضاء على الإرهاب وعدم إسقاط الأسد، فرصة لإعادة إثبات الوجود والنفوذ السوريين. هكذا رأى بوتين أن الأوان قد حان لرسم معالم نظام دولي جديد تحتل فيه روسيا موقعاً موازياً لما تحتله الولايات المتحدة. وقد أظهرت الديبلوماسية الروسية كل الصلف والتعنت في مواجهة الرأي العام الدولي حماية للنظام السوري وإرهابه.

لكن هذا النظام الدولي الجديد الذي سهلته أميركا بتراجعها عن المنطقة، يرسمه بوتين بالدم والنار التي تلتهم جثث الشعب السوري. يريد نصراً سريعاً ومجانياً في سورية، ويدرك أن الوسيلة الوحيدة لتحقيقه تكون باستعادة أسلوب قمع انتفاضة الشيشان من خلال تدمير مدينة غروزني وتسويتها بالأرض. ولأنه لا يجد من يردعه، فهو ممعن في التدمير الممنهج لمدينة حلب وسائر المدن السورية، وقد يتحقق له ما يريد إذا لم تتدخل قوى، في شكل أو في آخر، تحد من اندفاعته الحالية. فهل يتحقق لبوتين حلمه في إيجاد هذا التوازن المرغوب مع الولايات المتحدة؟ سؤال تحوط به أكثر من علامة تشكيك، كلها برسم المستقبل.

اقرأ المزيد
٥ أكتوبر ٢٠١٦
الرهان الروسي في سورية ولبنان

أبلغنا الوزير سيرغي لافروف رأيه الثمين أنه من الأسهل الخروج من أزمة لبنان بعد التسوية في سورية. إذا كانت هذه هديته لضيفه اللبناني الرئيس سعد الحريري فنحن نشكره على هذه الهدية. فهي بالفعل توضح استراتيجية روسيا لكل من سورية ولبنان. وسط القصف الوحشي والعنيف الروسي لدعم قصف قوات بشار الأسد على الشعب السوري، السيد لافروف يتحدث عن تسوية في سورية.

أي تسوية هذه التي دمرت بلداً وقتلت مئات الألوف وشردت ملايين من هذا الشعب وهجرتهم وحولتهم الى اللجوء. إن لافروف ومعلمه بوتين يعولان على البقاء في سورية مع بشار الأسد خادماً لروسيا ولمصالحها في المنطقة. فلا يهم بوتين قصف المستشفيات وقتل الأطباء والجراحين والشعب الباسل لأن الوحش الروسي رأى طريقاً سريعاً مفتوحاً أمامه من إدارة أميركية متخاذلة وضعيفة قادها باراك أوباما الذي يعتز بأنه حاصل على نوبل للسلام، في حين أنه ساهم بموقفه المتراجع أمام روسيا بخراب ودمار سورية.

فاليوم سمع الرئيس الحريري الذي يزور روسيا من الثعلب الروسي أن الأزمة في لبنان أسهل حلها بعد التسوية في سورية. نجدد شكرنا لاستراتيجية روسية - إيرانية بالشراكة مع «حزب الله» لتكريس بقاء روسيا في سورية مع الأسد خادماً لمصالحها و «حزب الله» مهيمناً في لبنان عبر فرض مثالثة جديدة والتخلص من اتفاق الطائف. وهذه الاستراتيجية هي التي تبرر تعطيل «حزب الله» للانتخابات الرئاسية للمرشحين الأساسيين العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية.

إن كل ما يجرى على الأرض في سورية - والأزمة السياسية في لبنان - ينبغي أن يمثل تنبيهاً للأفرقاء المسيحيين المرتبطين بحلف سياسي مع «حزب الله» من أن الأخير لا يريد رئيساً في لبنان إلا بعد الحصول على المثالثة. فالحزب يراهن على تحسين شروط موافقته على انتخاب رئيس مسيحي عندما تتم التسوية الروسية في سورية بالشروط الروسية.

لكن في الحروب ثمة مفاجآت وليست دائماً مراهنات الوحوش هي المنتصرة. فهل راهن يوماً «حزب الله» على أن يقتل عنصره العسكري الأساسي عماد مغنية. وأمثاله عديدون. فحزب الله يزداد يوماً بعد يوم غطرسة وجنوناً في سعيه الى الهيمنة ولكن قد تصبح الجبهة السورية مستنقعاً لشبابه إن لم يحصل ذلك بعد.

إن القيادات المسيحية في لبنان التي راهنت على الحلف السوري - الإيراني- «الحزب الإلهي» أخطأت في التحالف مع هذا الحزب الذي يقاتل شعباً شقيقاً ويساهم في قتل الأبرياء لإبقاء رئيس يقتل مدنييه بعد الاغتيالات التي نفذها وكلاؤه في لبنان. خصوصاً أنه حلف لم يوصل أحدهم الى الرئاسة. مسيحيو لبنان لم يتعلموا لسوء الحظ من تاريخ المنطقة. فما زالوا يراهنون على تحالف يودي بهم الى الهاوية كما حصل في عهد الأسد الأب واستمر مع الابن. فالأب كان قد دخل لبنان بادعاء إنقاذ المسيحيين، لكنه سرعان ما عمل على انقسامهم عبر المجازر والقتل.

والآن الابن منشغل بقتل أبناء بلده، فيتولى «حزب الله» العنصر القوي في لبنان العمل على تقسيمهم فيضع عون في وجه فرنجية. إنها لعبة سياسية شهدها تاريخ لبنان مراراً والمسيحيون لم يتعلموا الدرس لسوء حظ، البلد الذي لا خلاص له من دونهم لأن أساس انتعاش لبنان هو الوجود المسيحي فيه. إن الرهان الروسي على بقاء بشار الأسد، مع تسوية على هذا الأساس وخروج لبنان من أزمته في مثل هذه الحالة، قد يواجه عقبات وعراقيل لأن الشرق الأوسط معقد وكل الأمور لا تسير مثلما تريده القيادات الوحشية الفاسدة. والتسوية في سورية بالشروط الروسية قد تكون مستنقعاً كارثياً للقوات الروسية. والمضحك المبكي تصريحات الناطقة باسم الأسد بثينة شعبان التي تقول في مقابلة مع إحدى وسائل إعلام الغرب أن سورية لم تسمح يوماً لقوة خارجية بالتدخل في شؤونها!

اقرأ المزيد
٥ أكتوبر ٢٠١٦
وداعاً حلب

... يقولها باراك أوباما بعدما نعَت واشنطن محاولات إحياء هدنة في المدينة المحاصرة بجهنّم الغارات الروسية، وصواريخ النظام السوري وبراميله... وأنياب الجوع والمرض.

يقول الرئيس الأميركي في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، وداعاً حلب، وداعاً لـ «إزعاجات» المفاوضات العسيرة مع «الشريك» الروسي الذي يطلب المستحيل: فصل مناطق «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) عن خطوط المعارضة المعتدلة، يتيح للروس إبادة مسلّحي الجبهة، ويتفرّغ النظام السوري للاستفراد بمقاتلي المعارضة وسحقهم. هكذا، في السيناريو المفضّل لدى الكرملين «تعود الأوضاع إلى طبيعتها في سورية».

وأما الـ400 ألف قتيل، فهم لدى موسكو والنظام السوري مجرد فائض... دماء.

يظن القيصر فلاديمير بوتين أنه ردّ الصاع صاعين إلى البطة الكسيحة، أوباما الذي سيسجّل التاريخ أن أبرز إنجاز له حيال المذبحة السورية، هو تدريب بضع عشرات من المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد، وتركهم بلا غطاء جوي، لتصطادهم طائرات السوخوي والبراميل المتفجّرة. وسيسجّل التاريخ أن إدارة أوباما منعت تزويد المعارضة السورية صواريخ مضادة للطائرات، كي تبقى للنظام حرية التحرُّك والتفوُّق جواً، وتبقى للروس حرية اختيار المناطق التي يختبرون فيها أسلحتهم، وبعضها يكرّس جرائم حرب يومياً، فيما الغرب يُصعِّد إلى أقصى «الممكن» مع الكرملين، فيندّد بالوحشية.

يظن بوتين أنه ردّ الصّاعَ صاعين إلى الإدارة الأميركية، واختار توقيت نعي التفاهم السياسي لإحياء الهدنة السورية، من أجل تجميد اتفاق أميركي- روسي لشطب فائض البلوتونيوم المستخدم في إنتاج أسلحة نووية، لدى روسيا والولايات المتحدة. استعار القيصر لغة واشنطن التي باتت «تهديداً استراتيجياً للاستقرار»، فحانت فرصة الانتقام من التشهير الأميركي بالأهداف الروسية في سورية، ومن العقوبات الأميركية- الغربية (الملف الأوكراني).

والوجه الآخر لقرار بوتين الذي يودّع به «شريكاً» مشاكساً في الحرب السورية، أنه يبرّئه من شبهات كثيرة بالتواطؤ مع موسكو، عبر إطلاق يدها مفوّضاً سامياً لإدارة الحرب. لكنه حتماً لن يبرّئه من دماء 400 ألف سوري، إذ سهّل عجز أوباما لأطراف معروفين الاستماتة لإنقاذ النظام في دمشق وتمديد عمر المذبحة، ومكّن الروس من إدارة جولات إبادة، تحت غطاء «قطع رأس الإرهاب».

البطة الكسيحة التي فضّلت «القوة الناعمة» نهجاً منذ سنوات، بدت أولاً متعفّفة عن متاعب الشرق الأوسط ومصائبه، لكنها، حتى النهاية، ما زالت أسداً مع أطراف عربية حاولت مرات إقناع الأميركيين بأن الوسيلة الوحيدة لإرغام النظام السوري على التفاوض مع معارضيه، هي تسليحهم لتعطيل قدرته على ارتكاب المجازر.

لا واشنطن ولا موسكو أصغتا للحرب، بل إن وقائع 12 شهراً من التدخُّل العسكري الروسي في سورية، سقط خلالها عشرة آلاف ضحية، تثبت تقاطع المصالح الأميركية- الروسية- الإسرائيلية عند منع إطاحة النظام.

وتُظهر وقائع سنة تلت توقيع القوى الكبرى الاتفاق النووي مع إيران، استعداد الغرب للاعتراف بدور لطهران في معالجة أزمات المنطقة العربية وحروبها، أو إدارتها. أي أن شروط المقايضة اكتملت، بين مصالح تجارية اقتصادية غربية، وأدوار إقليمية إيرانية، ستمنح الشرعية لأطماع «الحرس الثوري» على حساب أهل المنطقة المنكوبة بصراعاتها وطموحات «الكبار».

وإن بدا أنّ أسواق التجارة مع إيران «المنفتحة» على العالم، وخطط الإدارات الدولية لبقاع عربية، بذريعة إخماد براكينها، هي ثمن ناجز للصمت على المذبحة السورية، فمأزق انعدام الوزن في معالجة الأزمات الدولية، يثبت معضلتين: انعدام وزن الأمم المتحدة الراعية لحقوق الشعوب وسيادات الدول، وخطف «الفيتو» الروسي لمجلس الأمن.

وأما أنانية الغرب المتعولم، إن كانت تتعملق، فبغياب مفاهيم العدالة الإنسانية، الذي مكّن الجلاد من قتل الضحية مرات، بسيف حرب على الإرهاب، باتت أبدية، مثلما أصبحت دماء العرب تهرق بلا حساب، وأرضهم مباحة للشرق والغرب.

أصل المحنة في عالم القتل الرخيص ومخيمات التشرُّد والسكوت على ذبح الأطفال كل يوم، فراغ وحشي في غياب زعامات دولية عادلة. وأصل محنتنا أن الفكر العربي ما زال مدمناً على دور الرهينة للتاريخ ومذابحه... وعلى دور الضحية.

وداعاً حلب، يقول أوباما، ويودّعه بوتين بحفلة راقصة في قاعدة حميميم الروسية، على الأرض السورية، ترفيهاً للجنود الروس. أمام هؤلاء فصول أخرى من الحرب المجنونة.

اقرأ المزيد
٥ أكتوبر ٢٠١٦
تعاون إقليمي سعودي - تركي

تكتسب المحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف في تركيا أهمية مضاعفة، ليس لأنها تأتي على مفترقات حاسمة وتحولات ساخنة في المنطقة فحسب، بل لأنها شكّلت محطة مهمة في سلسلة من المحادثات المنهجية بين بلدين يلعبان دوراً عميقاً ومتماثلاً الى حد بعيد في الأزمة السورية المتفجرة والوضع في العراق، والأهم في محاربة الإرهاب.

ليس خافياً الدور الناجح الذي يلعبه ولي العهد السعودي في قيادته لحملة المناصحة واستئصال الشبكات الإرهابية، لهذا سبق لباراك أوباما أن قال إن وزارة الداخلية السعودية بقيادته نفذت أنجح حملة منهجية ضد "القاعدة" و"داعش" وعلى خلفية هذا الواقع وقياساً بالحرب على الإرهاب في سوريا والعراق، تشكل محادثات الأمير محمد مع رجب طيب اردوغان وبن علي يلديريم، محطة جديدة لرفع مستوى التنسيق بين الرياض وانقرة الى أعلى مراحل القوة، وخصوصاً بعد استدارة تركيا من التغاضي نسبياً عن "داعش" الى الحرب عليه.

ولي العهد أكّد أهمية عامل الأمن لضمان استقرار الدول وتطورها، وان التعاون الأمني بين السعودية وتركيا له أهمية قصوى، لا تصب في أمن وأمان البلدين فحسب، بل في أمن المنطقة واستقرارها واستطراداً في الأمن العالمي. بينما ركز الجانب التركي على ان العلاقات مع السعودية لها مكانتها الخاصة وتستمد قوتها من الروابط التاريخية الثقافية المشتركة، وان للبلدين آراء متطابقة في القضايا الإقليمية وفي مقدمها الأزمة السورية والعلاقات التركية - الخليجية عموماً.

واضح ان العلاقات بين البلدين تمر بمرحلة تراكمية دافئة، بدليل ان المحادثات في تركيا بين الأمير محمد وأردوغان، جاءت بعد أقل من عشرة أيام من لقائهما في الأمم المتحدة، ولأن المنطقة تمر في مرحلة عصيبة. وشدد ولي العهد على ان العلاقات مع أنقرة لها أهمية مفصلية عميقة وتتم على أسس من التعاون الاستراتيجي لمواجهة القضايا الاقليمية والإسلامية.

في ١٤ نيسان الماضي شكّلت زيارة الملك سلمان لتركيا منعطفاً مهماً بعد إنشاء "مجلس التنسيق السعودي - التركي"، وهو ما أدى الى زيادة تعاون البلدين على أكثر من صعيد، اذ أعلن منذ بداية السنة عن أربع مناورات عسكرية مشتركة بينهما. ثم ان زيارة ولي العهد تأتي في سياق ترسيخ التعاون ووضع الأسس لمواجهة التحديات المتصاعدة في دول المنطقة، التي تتعرض لتدخلات متصاعدة في شؤونها الداخلية حيث تعلن إيران صراحة انها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية!

الأمير محمد الذي تصفه شبكة "أم أس أن بي سي" بأنه "جنرال الحرب على الإرهاب"، اعتبر أن من المهم تعميق العلاقات وتقويتها على جميع الصعد، انطلاقاً من الرؤية التي وضعها خادم الحرمين الشريفين والرئيس التركي، وذلك في مواجهة كل التحديات المتصاعدة والسعي الى ترسيخ الأمن في الإقليم.

اقرأ المزيد
٥ أكتوبر ٢٠١٦
بعد انهاك “المعارضة” هل أتى دور “تأديب” الأسد .. !؟

لا يمكن فصل التصعيد الاعلامي الغير اعتيادي حول سوريا ، بأنه عبارة عن كلام في الهواء اذ أنه يرتبط بتطورات على الأرض قد تمهد لحدوث أمر كبير، و في الوقت ذاته لا يمكن الاعتماد عليه كلياً في رسم خطوط الطريق الذي سيتم السير عليه فب المرحلة القادمة ، اذ أن الأمور تطبخ في مطابخ لا يعلم بها إلا القلة القليلة، بينم يتخذ البقية موضع المتابع أو المراقب و كتوصيف دقيق موثق لما يحدث.

النبرة اختلفت بشكل كبير منذ ١٩ الشهر الجاري ، وهو تاريخ انهيار الهدنة الشكلية أو هدنة حسن النوايا بين أمريكا و روسيا ، و كان هذا التاريخ نقطة تحول جعلت الجميع يلملم حوائجه “السياسية” و يبدء باستلال سيوف الحرب ، وظهور الأمور على الاعلام “العلني” و ليس “السري”،  يشي بأن الأمور وصلت حد التمهيد الذي يسبق الاشباك، ووفقاً للعرف السائد في مثل هذه الأمور فإن مدة انطلاق الفعل ، تترواح  بين الاسبوع على أقل تقدير و الشهر في أبعد توقع.

ما يميز النبرة المتصاعدة الممهدة لتغيير التوجيهات هو الصخب الاعلامي الذي يحمل عدة روايات و لكنها جميعها تصب باتجاه واحد ألا وهو ، الحاجة إلى “لي ذراع” الأسد كشخص و روسيا كمقصد ، من خلال سلسلة من “الأخطاء” المقصودة ، كما حدث في دير الزور الشهر الفائت ، تفضي إلى زعزعت التركيبة الغير متجانسة بالأصل على الأرض التي تعتبر سلاح روسيا البري ، والذي يضم بعض العصابات التي تتخذ اسم “جيش سوريا” و عشرات الميلشيات التي تختلف باللغة و التركيبة،  صحيح أن مرجعيتها تعود لنبع واحد “المرشد ثورة ايران” إلا أن عقول المنفذين مختلفة ، و الأهم أن الروابط بين العصابات و المليشيات ليس بجيد و الخلافات بينهما عميقة، اضافة لعدم ثقة روسيا بالمقاتلين الذين يمهد لهم طيرانها على مدار الساعة، وفق ما كشفه محلل اسرائيلي بالأمس .

ووجدت المخابرات الأمريكية و قيادة الأركان المشتركة ، في استسلام أوباما و فريقه و اعتزالهما الملف السوري ، البوابة الأمثل لاعادة بسط سيطرة بلادهم على أكثر الملفات أهمية في العالم ، وتسريبات “واشنطن بوست” و إن كانت لاتؤخذ كتقرير صحفي ، و إنما هي الرسالة التي تمهد لما هو قادم ، رسالة تم تعزيزها من مرشح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب الذي قال “ لا يحترمون قادة أميركا وقصفهم لسوريا يجب أن يتوقَّف”، و على الصعيد الدولي توقيت ظهور تقرير الأمم المتحدة حول استهداف قافلة المساعادت في ريف حلب في ١٩ من أيلول بأنه بقصف جوي ، هو جزء من الخطة التمهيدية.

ووفقاً للمجريات الآنفة الذكر فإن الرد سيكون في ذات السياق الروسي ، الذي أخذ منحى ضرب الفصائل المعتدلة و انهاكها لحد كبير ، الأمر الذي بات بحاجة لشيء مماثل للأسد و بعض حلفاءه ، من خلال ضربات مركزة على نقاط القوة بغية الوصول إلى انهاك نسبي يفضي لاضطرار الجميع الدخول في التسوية و التهدئة .

اقرأ المزيد
٤ أكتوبر ٢٠١٦
الشعب العربي وين ...!!!

أثناء متابعتي لصفحات التواصل الاجتماعي بشكل يومي, أتفاجأ بأنه مازال هناك كلمات وقصائد وحتى أغاني تتكرر عن صمت العرب، كـ أغنية الضمير العربي التي تعود إلى أيام نكبة فلسطين, والشعارات التي يهتفون بها حتى اللحظة كـالشعب العربي وين, الدم العربي وين.

فعادت بي الذاكرة إلى بداية الثورة السورية عام 2011والتي بدأت شرارتها من محافظة درعا حين هب الشعب السوري بكافة أطيافه معلنين بدء ثورتهم ضد الدكتاتورية، ولكن لم يكن بالحسبان المواجهة المسلحة بالرصاص الحي، وضحى العديد من الشبان بأرواحهم لأجل نيل الحرية المطالبين بها، ومتأملين بأن الأمة العربية سوف تدعم ثورتهم. وبالفعل بدأ الدعم في بداية عام2012 ولكن دعمهم أقتصر فقط على الأسلحة، وحيث نزح الملايين من المدنيين العزل ولكن الدول التي دعمت الثورة السورية بالأسلحة فاجأتهم حين لم تستقبل مواطناً سوريا على أراضيها وهنا اقصد دول الخليج وعلى رأسها (السعودية، قطر)، والتزمت دول الجوار كـ (لبنان) ولكن بطريقة قذرة، فمنهم من حرم التعليم ومنهم من عاملهم كـ عبيد وصولاً إلى اغتصاب السوريات وإرغامهن على العبودية الجنسية على سبيل المثال لبنان.

اكتفى العرب بإرسال بطانيات وخيم وتصويرهن بأبشع الطرق والإذلال لكي تحصل الدول المضيفة للاجئين السوريين على بعض الدعم الزائد, وبعدما فقد الشعب السوري الثقة بالدول العربية بدأ يهتف كل جمعة في تظاهراته ياحيف ولله ياحيف على هالأمة العربية.

ومن هنا تشتت العرب السنة في سوريا وانقسموا إلى عدة فصائل معارضة، منها من بايع تنظيم الدولة داعش ومنهم من حمل سلاحه وانضم إلى جبهة النصرة ومنهم من تطوع في صفوف قوات النظام السوري وبقي القليل ضمن الفصيل المعتدل الجيش الحر، وبدأ الاقتتال الأخوي بينهم، والى اللحظة يقتلون بعضهم بالأسلحة التي دعمتهم الدول العربية بها, حيث تأكد أغلب السوريين بانه لا وجود لدولة عربية مساندة لشعب عربي في كل مناطق النزاع كـ فلسطين المحتلة وصولاً إلى العراق وسوريا.

أما الكرد رغم عدم وجود دولة لهم يساندون بعضهم في كل بقاع الأرض, كـ إقليم كوردستان العراق الذي استقبل اكثر من مليوني كردي سوري على أراضيه متمتعين بكافة حقوقهم رغم صغر مساحة أراضيها, وأيضاً دعمت وحدات حماية الشعب في معركة كوباني عام 2014 حين قام مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية داعش بشن هجوما واسعا على مدينة كوباني، حيث قام رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بتقديم تنازلات لـ أنقرة للسماح بمرور شحنات مساعدات عبر الأراضي التركية إلى كوباني وإرسال عدداً من قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق , ولم يقتصر الأمر على إقليم كوردستان وحسب، حيث هب الكرد من جميع المدن والبلدات في تركيا والعراق وسوريا وحتى إيران دعماً لمعركة كوباني, أما الدول العربية لم ترسل كيساً من مادة الطحين إلى الغوطة، وداريا, ومضايا, الذين مات العديد منهم جوعاً بسبب الحصار المفروض عليهم (فقط لانهم عرب سنة).

والطائفة المسيحية توحدت أيضاً في عهد النزاع في سوريا كما حصل بعام 2015 حين أختطف مسلحي تنظيم الدولة داعش 240 أشوريا من بلدة تل تمر غرب الحسكة شمال سوريا، لم يهدأ المسيحين حول العالم وكثفوا جهودهم لإطلاق سراح أخوتهم المختطفين وتكللت محاولاتهم بالنجاح بعد دفع الملايين كجزية عنهم، وهذا في حين لازال آلاف العرب السوريين محتجزين لدى النظام والتنظيم في سوريا ويمارس بهم اقسى وسائل التعذيب كـ الحرق, والغليان, والتفجير, والذبح, والجوع, ولم يتدخل أحد إلى الآن لإطلاق سراح المعتقلين العرب السنة.

وبعد 6سنوات من الثورة السورية لم يفلح العرب السوريين إلا بتقسيم أنفسهم إلى عدت فصائل متطرفة ومتشددة ومنها المعتدلة وهم قتلوا بعضهم البعض، ومازال العرب يعبدون شعار أمة عربية واحدة.

اقرأ المزيد
٤ أكتوبر ٢٠١٦
وقائع البحث عن مفقود في سورية

ليس هذا المقال عن علي الشهابي، المناضل أو السياسي أو الكاتب، إنه عن علي المفقود أو المغيّب قسرياً. هو إذن عن المفقودين في سورية الذين توحّدهم ظلمة الفقد، وتوحّد ذويهم وأصدقاءهم مشقة البحث عنهم.

اختفى علي الشهابي في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2012 في دمشق. سعى، بكل نبله وشهامته، إلى الحيلولة دون وقوع مجزرة في مخيم فلسطين، مستنداً في مسعاه إلى وزنه المعنوي في المخيم. وفي اليوم التالي لاختفائه، حاول عمه (عمر الشهابي) الاستفادة من علاقاته، بصفته عضو مكتب سياسي في الجبهة الشعبية القيادة العامة، للتحرّي عنه لدى الفرع الذي يرجّح أنه اعتقله (فرع فلسطين التابع للأمن العسكري)، فأجابه رئيس الفرع آنذاك، سهيل رمضان، إن علي لديهم في الفرع، ويجري التحقيق معه. في اليوم التالي، دهمت دوريةٌ من الفرع إياه الغرفة التي كان يسكنها علي في المخيم، بعد أن هجر بيته الذي صار، حينها، ضمن منطقة الاشتباكات، وصادرت كمبيوتره، ما يؤكد أن علي كان لدى فرع فلسطين بالفعل.

المريب الذي حصل بعد ذلك أن عمر الشهابي كرّر الاستفسار من رئيس الفرع نفسه عن مصير ابن أخيه، فكان جواب رئيس الفرع أنه تم الإفراج عنه بعد 48 ساعة من اعتقاله، وأوصله إلى باب الفرع، ما تشكل شهادة واضحة على الكذب.

هكذا ضاع الخيط، وانضم أهل علي إلى آلاف الأسر السورية الباحثة عن أبناء ضاعوا في "بطن الغول"، حسب تعبير الروائية حسيبة عبد الرحمن. وقائع وأحداث مكرورة: تبليغ الصليب الأحمر، ثم القضاء العسكري الذي يحوّل الأهالي، حين لا يعثر على اسم المفقود بين أسماء الموتى، إلى مكتب الأمن الوطني الذي يحوّلهم بدوره إلى مكتب المصالحة الوطنية. هناك ينتهي المطاف، يأخذون الاسم ورقم هاتف الأهل على أساس أن يتصلوا حين يعثرون على المفقود، الأمر الذي لا يحدث.

عالم من متاريس وحواجز وتنصل من المسؤولية، وردود متأففة. عيون يائسة، ودم منهك، وانتظار بعد انتظار، وإهمال واحتقار، وضعف بشري مؤلم، يحيل القلب إلى ما يشبه البالون المثقوب. ثم عودة خاوية إلا من أمل مفتعلٍ يتكئ على الهواء.

بعد عام من انقطاع أخبار علي، أثمرت جهود ذويه وأصدقائه عن بصيصٍ من الأمل، جاء على شكل رد من "الحكومة السورية" في 31/12/2013، على استفسار مؤسّسة الكرامة لحقوق الإنسان عن مصيره. يقول الرد "إن علي الشهابي اعتقل على أرضية شكوكٍ حول نشاطاته، ولا يزال رهن التحقيق من السلطات القضائية المختصة". "رهن التحقيق" بعد أكثر من سنة على اعتقاله؟ ولكن، لا يهم، ما يهم إنه على قيد الحياة، بات هذا الأمر الجوهري.

لم يعد الأهالي يأملون بخروج أبنائهم، بات أملهم يتركّز في بقائهم على قيد الحياة، لكن بصيص الأمل الذي أشعله ذاك الرد، راح يخفت مع مرور الأيام. السجناء القلائل الذين يخرجون من "بطن الغول" يذكرون أسماء من كانوا معهم، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي هناك من يعمل على نشر هذه الأسماء، فقد تعثر أسرة بائسة على اسم مفقودها. والقلق يثقل على أرواحهم من أن يصبح المفقود فقيداً. وبعد كل شيء، لم يعثر ذوو علي على اسم له.

"عالم من متاريس وحواجز وتنصّل من المسؤولية، وردود متأففة. عيون يائسة، ودم منهك، وانتظار بعد انتظار، وإهمال واحتقار، وضعف بشري مؤلم، يحيل القلب إلى ما يشبه البالون المثقوب. ثم عودة خاوية إلا من أمل مفتعلٍ يتكئ على الهواء"

كما لو من الهواء الخفيف، تناهى إلى سمع أهل علي أن سجيناً خرج ويقول إنه التقى علي في السجن. فجأة يصبح العالم أقل ثقلاً، ويصبح من الممكن للنهار أن يكون جميلاً. اتصالات وربط خيوط، متابعات واستفسارات، والأمل يضمحل أكثر كلما اقترب أكثر من المصدر المزعوم. سراب أو بالأحرى لا شيء.

في خريف عام 2014، يتقدّم ذوو علي بطلب "بحث عن مفقود" لدى القضاء العسكري. يجري تحويلهم إلى الشرطة العسكرية في القابون، حيث توجد قاعدة بيانات بأسماء المتوفين في السجن. يدخل العنصر إلى "مقبرة الكمبيوتر"، فيما يتعثّر الدم في شرايين المنتظرين. يخرج العنصر قائلاً: لا اسم له عندنا، ناصحاً بمراجعة مكتب الكفري في منطقة القزاز.

يقع المكتب في منطقة القزاز، يديره شخصٌ يدعى حسين الكفري، ويلقبه رجاله بالدكتور. عائلات كثيرة تنتظر. قدم أهل علي ورقة كشف عن مفقود، كغيرهم من الأهالي. "كان تعامل العناصر هناك غير عدائي" يقولون. بعد انتظار، جاءهم الرد: ليس علي الشهابي في قوائم الموتى، ولا يزال في فرع فلسطين.

لا يعلم الأهالي من هو الكفري، ولا يهمهم كثيراً أن يعرفوا. يقول العناصر العاملون في المكتب إنه تابع إلى المخابرات الجوية. ويبدو أنه حقق اختراقاتٍ ما لصالح بعض الأهالي، وهذا ما أعطى مكتبه هذه السمعة. واللافت أن مكتبه كان يقدّم الخدمات من دون مقابل مادي، وكأنه مؤسسة عامة تقوم بوظيفتها. وعلى كل حال، لم يستمر مكتب الكفري في العمل أكثر من ثلاثة أشهر.

ليس لعلي إذن اسم في "مقبرة الكمبيوتر". ويؤكد مكتب الكفري أنه حي، ينبغي، والحال هذا، الذهاب إلى محكمة الإرهاب، للبحث عن اسمه بين أسماء المعتقلين الذين ينتظرون المحاكمة. المحكمة نفت وجود اسم له.

فاتنا أن نقول إن أهل علي قدموا في القصر العدلي طلب الكشف عن مفقود إلى وزير العدل، فجاءهم الرد بأنه "لا توجد مذكرة توقيف بحق المدعو علي الشهابي". والحق أن لا شيء يشبه عبثية هذا الرد سوى عبثية تقديم الطلب، لكن الغريق يتعلق بخيوط الهواء. المحصلة أن الدولة الرسمية يجب أن نضيف هذه الصفة، لا دخل لها بعلي المفقود.

في المحاولة الأخيرة في محكمة الإرهاب، يقول العنصر بشيء من نفاد الصبر: لا يبقى السجين أكثر من سنة في الفرع، يُحال بعدها إلى المحكمة، ولا ينتظر أكثر من سنة أخرى. منذ متى اختفى فقيدكم؟ "منذ ثلاث سنوات"، "طيب افهمومها بقا". ينظرون إليه، ويقولون بقهر: "عسى الله أن لا يفجعك بعزيز"، وينصرفون من دون رغبة في أن "يفهموها"، فقد سبق لهم أن قابلوا، خلال رحلة البحث الطويلة، أمهاتٍ أو زوجاتٍ استلمن هويات مفقوديهن لإجراء معاملة شهادة الوفاة، ثم استلموا بعد سنوات ورقةً زيارة لهم، بعد أن أكّد لهم أحد السجناء الخارجين إنه حي في السجن الفلاني.

اقرأ المزيد
٤ أكتوبر ٢٠١٦
الجريمة ضد الإنسانية: حلب نموذجاً

من لم يرَ خراب حلب لن يدرك معنى الخراب.
هذه الانفجارات اليومية لأوعية المدينة وشرايينها، وهذا الدم المُرسَل متخثّراً ومختلطاً بالأتربة البيضاء، على وجوه العابرين فيها والمقيمين. حجرٌ وبشرٌ وعددٌ لا يُحتمل من الأطفال الموتى والراقدين تحت التراب، كأنّ بطن الأرض، كلّما اهتزّت، أو أجفلت، بصقتهم إلى العراء، وكلما انهارت عمارةٌ، أو دُكّ بناء، كانوا هناك.

من لم يرَ الصمتَ الذي يسوّر دمارَ حلب لن يدرك معنى الفظاعة.
صمتٌ معدنيٌ حادّ يخرق جدارَ صوت الطيور الفولاذية التي تحوّم في الفضاء، لتبصق نيرانها المستعرة على تاريخ أقدم مدينة في العالم، لم تزل مأهولة إلى الآن. صمتٌ يزن أطناناً، يُطبق على صدر المدينة، وقد أطبقت عليها غربانُ الكراهية السوداء، وطيور الحقد الأعمى تنقد بمناقيرها المسنّنة كبدَ الحاضرة - المأساة.

من لم ير وجع حلب لن يدرك معنى الفجيعة.
من تحت الركام، من قلب المقبرة ومن سابع أرض، فلتدركوا، مرّة أخيرةً ونهائيةً، أن الخارطة محفورة ههنا، على الصدور العارية، وأنها، وإن أُفنيتْ، أيها القتلة المجرمون، باقيةٌ هناك، مغروزةً، في اللحم، في الجينات. ولتدركوا، مرةً أخيرة ونهائية، أنها لن تكون لكم، هذي البلاد. أيها اللصوص الجناة المستبدون، هذا ليس نبعكم ولا الماء، هذي ليست أسرّتكم، ولا هي مفاتيحكم، ولا هنا ترابكم الأخير أو مدافنكم. حتى قتلى، لا نريدكم فيها، حتى خاسرين ممرّغين بوحول الإهانة والسوء، لا نريدكم معنا. عابرين ستظلون على سطح التاريخ، دمامل لن يلبث الوقتُ أن يفقأها، وباءٌ يسمّم سنابل أيامنا، لكنّ ريحاً مقبلة لن تلبث أن تذريه.
*

المرة الأولى التي ظهرت فيها عبارة "جريمة ضد الإنسانية" كانت خلال الحرب العالمية الأولى، بسبب جرائم الإبادة التي ارتكبها الأتراك بحق الأرمن، عام 1915، حين ندّدت روسيا وفرنسا وبريطانيا بتلك المجازر، معتبرة أنها "جرائم ضد الإنسانية والحضارة".

وفكرة الجريمة ضد الإنسانية جاءت ردّ فعل على الأفعال غير الإنسانية التي لا ترتبط بأخطاء، أو بأعمالٍ عسكرية، كجرائم الحرب على سبيل المثال، وإنما تلك الهادفة إلى قتل أو اضطهاد التجمعات المدنية التي تشكل عائقاً في وجه سلطة. وقد يتم استهداف الإنسانية بجرائم، من غير أن تتخذ تلك شكل إبادةٍ لمجموعةٍ بشرية.

أفضل من عبّر عن هذا المفهوم هو أندريه فروسّار، الصحافي والباحث والأكاديمي الفرنسي، حين قال "الجريمة ضد الإنسانية هي قتل أحدٍ ما بذريعة أنه قد وُلد". وتهمة الولادة تعيد إلى كل ما هو طبيعي في الكائن البشري، أي الى كل ما يعدو كونه خياراً لديه: الطبقة الاجتماعية، التعليم، الدين، الانتماء الإثني، إلخ، ومعناه أن هذي الجرائم إنما تستهدف إنسانية الفرد والمجموعة الملحق بها، عبر تجريد الضحية من قيمتها الإنسانية وكرامتها وحقوقها، وهذي الأخيرة هي، في الأصل، دوافع ارتكاب تلك الجرائم، وليست من عواقبها. ومعناه أن باعث الجريمة ليس خارجاً عن الجريمة، بقدر ما هو الجريمة نفسها.
*

لا أعتقد أن هناك مأساة بعد مأساة الشعب السوري اليوم. الأرقام تحكي. والصور تحكي. والَمشاهد المصوّرة تحكي. أما البشرية فصمّاء. أما الضمائر فنائمة. فيما أصبح السوريون مشرّدي هذي الأرض وملعونيها، وأرقام الضحايا والجرحى إلى ارتفاع. من السماء، تأتي اللعنة، قصفاً وبراميل وصواريخ تدخل سابع أرض لتنبش المختبئين هلعا. الجريمة ضد الإنسانية باتت جرائم تعاد وتُكرر، على مرأى من البشرية جمعاء. ما الذي يمنع صوت العالم إذاً من أن يعلو اعتراضاً؟ ما الذي يكمّ أفواه المنتفضين عادة، والمدافعين عن حقوق المقهورين والمظلومين؟ لماذا لم تتحرّك المجتمعات المدنية، لماذا لم تسر مظاهرات؟

الوقائع كلها هنا، تحت مرأى العين، في متناول اليد. هناك من يقتل المدنيين كل يوم، من يحاصرهم ويشرّدهم، لأنهم لا يطابقون رؤيته لما ينبغي "للشعب" برأيه أن يكون. وهناك من يحالفه في هذا، فيأتي ليضرب أرضاً ليست أرضه، وشعباً ليس شعبه. الأمر بهذه البساطة، أجل، وبهذا الوضوح...

الجريمة ضد الإنسانية؟ إنها خاصة، وأيضاً كل هذا الصمت المشين.

اقرأ المزيد
٤ أكتوبر ٢٠١٦
روسيا... عامُ في سورية

لا يختلف اثنان على أنّ 30 سبتمر العام الماضي كان يوماً مفصلياً من عمر الثورة في سورية، والذي شهد تدخل روسيا المباشر في الحرب السورية بذريعة مكافحة الإرهاب، حيث عمل الرئيس فلاديمير بوتين على إخراج هذا التدخل وهندسته، وإكسابه شرعية وطابعاً سياسياً ودينياً، مستنداً، بالدرجة الأولى، إلى أنّ حكومة دمشق طلبت منه التدخل، وهو لبّى النداء.

إبّان ذلك، اختلفت وجهات النظر والآراء في الوسط السياسي الخاص بالملف السوري بشأن طبيعة هذا الحراك الروسي، وما غايته ولماذا جاء بعد العام الرابع من عمر الصراع في سورية، إضافة إلى سؤال آخر في غاية الأهمية: من الذي أطلق يد روسيا في سورية، ولماذا؟

حملت تلك الأسئلة احتمالات عديدة، أوّلها متعلّق بإيران التي باتت عاجزة عن دعم الأسد اقتصادياً وعسكرياً، فلم تعد تستطيع الاستمرار منفردةً مع ذراعها في المنطقة حزب الله اللبناني، ناهيك عن الخسائر التي مُنيت بها في استنزاف القوة البشرية والاقتصادية، فتمّ الترجيح أن تكون طهران طلبت من موسكو التدخل لتستلم زمام الأمور، وتستمر في دعم الأسد الذي شارف، آنذاك، على السقوط جرّاء الهزائم التي تكبّدها، وخصوصاً في مدينة إدلب التي خرجت عن سيطرته بشكل كامل إضافةً إلى وصول الفصائل العسكرية إلى أبواب الساحل بما يُعرف البيت الداخلي للنظام.

فيما يبقى الاحتمال الثاني للتدخل الروسي، وهو الرغبة الأميركية لاستجرار روسيا في المستنقع السوري، لاستنزافها اقتصادياً وعسكرياً، فأوعزت لبوتين بإطلاق يده في سورية بعد تنسيق ثلاثي (أميركي روسي إسرائيلي)، ظهرت تداعياته في الزيارات المكوكية والاجتماعات التي سبقت التدخل بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتياهو.

عسكرياً، أكسبت روسيا نظام الأسد مظلةً جوية للاستمرار في ارتكاب المجازر بحق شعبه، والتي اشتركت بها موسكو مباشرة باستخدام أحدث الطائرات، إذ استطاع النظام خلالها استعادة معظم مناطق ريف اللاذقية المحرّرة المعروفة بموقعها الاستراتيجي، واستعاد بلدات ريف حلب الجنوبي من قبضة الفصائل.

والإنجاز الأهم تفريغ طوق العاصمة دمشق من الكيان السني من بلدات الغوطة الشرقية: داريا والمعضمية والزبداني، وأيضا حي الوعر في ريف حمص بموافقة دولية، عبر مصالحات أفضت إلى خروج أصحاب الأرض الأصليين، من غير عودة إلى شمال سورية، والمجيء بعوائل إيرانية عراقية من المكوّن الشيعي، في إشارة إلى تنفيذ التغيير الديمغرافي، والذي بات مؤخراً يهدّد مدينة حلب المحاصرة.

خلال عام دام من الاستفراد الروسي في سورية، ارتكبت روسيا أكثر من 160 مجزرة، معظمها على الأحياء المأهولة بالسكان، وقصفت أكثر من 60 مركز طبي ودفاع مدني ومستشفيات مدنية، معظمها في حلب، لتكون حصيلة القتلى أكثر من تسعة آلاف مدني، جُلّهم من النساء والأطفال، كما استطاعت روسيا توسيع نفوذها عبر الاستيلاء على قاعدة حميميم، وإنشاء أخرى في تدمر وتطوير قاعدة طرطوس، وهذا يجعلها تعزّز وجودها بالمياه الدافئة إلى إشعار آخر.

سياسياً، من الواضح أنّ روسيا استطاعت أن تفرض نفسها قوة دولية على جثث السوريين، محاولةً استعادة أمجادها السابقة قوة عظمى، وخصوصاً أمام أميركا وحلفائها التي باتت تُبدي امتعاضها، إلى حد ما، من استغلال روسيا في ربط الملف السوري بملفاتٍ عالقة، كالملف الأوكراني، ما يطرح هنا تساؤلاً آخر: ماذا تريد روسيا سياسياً؟

قد يبدو، على المدى القريب، أنّ ما يهم بوتين تحقيق نقاط لصالحه، تتعلّق بثلاث نقاط، أهمها ضم شبه جزيرة القرم بشكل نهائي، والاعتراف بها رسمياً جزءاً من روسيا الاتحادية. ثانياً رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وآخرها متعلّق بالدرع الصاروخي. من هذه المعطيات الثلاثة، يبدو جلياً أنّ بوتين تدخل في سورية، للحصول على تنازلاتٍ دولية، تحقّق تقدماً في الملفات الثلاث. حينها، ربما يحدث انفراج في الملف السوري، متعلق حصرياً باستغناء روسيا عن الأسد، وهو ما يبدو غير وارد في المنظور القريب.

اقرأ المزيد
٤ أكتوبر ٢٠١٦
هل ينهي أوباما الأسد بنهاية رئاسته

لم يخطر ببالي أن أثير مثل هذا التساؤل، مدركًا أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم ترغب أبدًا في فعل شيء، هذه سياستها التي هي في نظرها أقل ضررًا وأرخص ثمنًا، وإن أثبتت أحداث السنوات الثماني الماضية أنها كانت أعظم أذى وأغلى كلفة. الذي دفعني للتفكير حيال التعامل مع الأزمة السورية خارج الصندوق هو التصريحات المتعددة الصادرة عن موسكو، تحذر واشنطن بألا تتحداها في سوريا، حذارِ يا إدارة أوباما من استهداف نظام الأسد في دمشق، وإلا فإنها ستزلزل المنطقة!

إذن هناك احتمال، ولو ضئيل جدًا، أن تتحدى الولايات المتحدة تحالف دمشق في الفترة الزمنية القصيرة المتبقية من عهد الرئيس أوباما. الدوافع كثيرة، منها وقف الزحف الإيراني الروسي جوًا وبرًا في مناطق المعارضة، ووقف المجازر والتدمير الرهيب الذي تقوم به هذه الجيوش، التي ستهدد أمن المنطقة وأوروبا وربما العالم.

ولا بد أن في داخل البيت الأبيض من سيحذر الرئيس بشدة من عدم التعرض لنظام الأسد وعاصمته، منبهًا إلى خطورة تفكيك النظام وأنه سيعني انهيار الدولة، وسيتسبب في أن تعم الفوضى أنحاء البلاد. الحقيقة لم تعد هاتان حجتين مقنعتين، فالنظام مفكك ومنهار ويعيش إكلينيكيًا على قوات إيرانية وميليشيات شيعية متطرفة مجلوبة من لبنان والعراق وأفغانستان، والغالبية من أفرادها لا تتكلم اللغة العربية، لغة سوريا. كما أن الخوف من انتشار الفوضى حجة تصلح للتبرير منذ عامين، أما اليوم فإنه لا توجد زاوية في سوريا آمنة، فهي إما تعيش في حالة فلتان أمني، أو أنها تحت حماية وإدارة عصابات محلية وأجنبية تقوم بجباية أموالها من الأهالي بالقوة. وبالتالي فاستهداف مقر النظام في دمشق سيرسل رسائل متعددة؛ الأولى التأكيد على ضرورة احترام الخريطة التي قسمت الدولة بين «معارضتنا» و«قواتكم»، والتي تجاوزها الإيرانيون والروس بالهجوم على حلب وغيرها من مناطق المعارضة المعتدلة. من المؤكد أن الوضع القائم قبل القصف الأخير سيحترمه حلفاء دمشق. والثانية، ستكون رسالة مهمة للنظام بأنه إن رفض التفاوض بجدية مع المعارضة، ورفض مفهوم الحل السياسي المبني على الشراكة، فإنه هو أيضًا معرض لأن يفقد وجوده. حاليًا، يرفض كل الحلول مماطلاً لأنه يعتقد أن الروس والإيرانيين سيقضون على المعارضة بتدمير مناطقها، وبالتالي ليس مضطرًا للقبول بأي حل سياسي فيه تنازلات من جانبه.

ما هي ردود فعل حلفاء دمشق، في حال استهداف مراكز النظام؟ الحقيقة، إنهم ارتكبوا كل ممنوع قبل ذلك، لم يحترموا أي اتفاقيات دولية، أو تفاهمات ثنائية، أو مصالح إقليمية، أو اعتبارات أمنية، وقد أخضعوا الأتراك والأردنيين والخليجيين، وأذلوا الأميركيين. كل هذا حدث تحت سمع وبصر إدارة أوباما. ولو أنها تقوم بعملية واحدة كبيرة لربما رممت سمعتها وتاريخها وسهلت على الإدارة الجديدة أن تدخل البيت الأبيض في وضع تفاوضي أفضل مع نظام الأسد وحلفائه. وقد عرف عن النظام السوري تاريخيًا أنه يستجيب للضغوط الجادة وليس للتهديدات الكلامية التي اعتدنا من وزير الخارجية الأميركي ترديدها. فالأتراك عندما تمادى نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد بدعمه المعارضة الكردية التركية الانفصالية (PKK) بقيادة عبد الله أوجلان، حركوا دباباتهم باتجاه منفذ باب الهوى الحدودي مهددين بغزو سوريا. وخلال يومين سارع الأسد إلى تسليم أوجلان للأتراك عبر دولة أفريقية، وأغلق معسكرات التنظيم الكردي. أيضًا، عندما تجاهل الرئيس الحالي، بشار الأسد، التحذيرات الإسرائيلية حول تسليح حزب الله في جنوب لبنان، قاموا بخرق جدار الصوت فوق سكنه مباشرة، في مقر إجازته السري، وبعدها صلحت العلاقة بين الجانبين.

لو أن النظام في دمشق يظن، ولو لحظة، أنه مهدد بهجوم أميركي عليه فإنه سيبدل سلوكه، وكذلك سلوك حليفه الإيراني. والروس لا يريدون مواجهة مع الأميركيين من أجل حماية نظام مهترئ في وقت يتعاملون فيه بحذر مع أزمة أوكرانيا، القضية الأكثر أهمية لهم.

اقرأ المزيد
٤ أكتوبر ٢٠١٦
النووي القادم إلى سوريا

قرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما الانسحاب من الصراع في سوريا ، تاركاً الملف برمته للجنرالات الذين يبدو أنهم قد قرروا إدارة الملف في المرحلة اللاتوازن الأمريكية نتيجة الانتخابات التي لم تظهر وجه الوافد الجديد إلى البيت الأبيض.

الإعلان الأمريكي المزدوج (البيت الأبيض - الخارجية)، يوم أمس، حول  إنهاء المفاوضات فيما يتعلق بالملف السوري مع روسيا ، هو إشارة قطعية أن مكان الساسة قد انتهى و أتى الدور الكامل للعسكر و المخابرات ليقودوا النزاع المتجدد و المستمر مع روسيا ، في مشهد يشابه إلى حد ما خمسينيات القرن الماضي ، عندما بلغ الصراع الأمريكي الروسي “نووياً” ذروته.

و يحمل الإنهاء السياسي للعلاقة الروسية الأمريكية ، مع التحذير الواضح من وزير الدفاع الأمريكي قبل أيام من “نووي مصغر” روسي مطور ، بأن أمريكا قد وصلت لقناعة تامة أن الاشتباك سيحدث و أن التحضير له يجري.

العادات الأمريكية في الفترات الانتخابية لم تختلف ، فأوباما سيترك البيت الأبيض من دون أن يحمّل الرئيس القادم أي اتفاق لا يقبله ، وبالتالي سيبقي الأمور معلقة بين الانفلات و الضبط ، بانتظار القادم الجديد سواء أكانت كلينتون أم ترامب ، و في كلا الحالتين يحمل الاثنان نزعة “الاسطورة” الأمريكية التي يجب أن تبقى حاكمة ، ولايمكن أن تكون السيطرة إلا من خلال القوة.

المرحلة المتراوحة بين الانفلات التام و الانضباط الجزئي ، حملت في الأيام الماضية سلسلة من الأمور حول اتفاقات إقليمية بين عدة دول فاعلة في الملف السوري ، تم تغييبها إبان المفاوضات الروسية - الأمريكية ، و وجدت بالفشل مدخلاً للعودة و ترتيب الأوراق ، وماقاله الرئيس التركي في آخر ظهور اعلامي حول “ترقب” الدعم الكبير الذي ستقدمه السعودية و قطر للثوار ، بعد لقاءات جمعته مع ولي العهد السعودي ووزير الدفاع القطري الذين حجّا لأنقرة بشكل متتابع.

وبين هذا و ذاك تحتاج المعركة الكبيرة كي تنطلق لشرارة محددة بعينها ،و كلمة السر الخاصة بها هي “مضاد الطيران” ، والذي لايشكل تسليمه للثوار مشكلة بحد ذاتها ، و لا حتى اذا ما استعمل ضد طائرات الأسد فحسب ، بل القضية تفقد السيطرة تماماً مع سقوط أول طائرة روسية ، وهنا مربط الخيل ، اذ أن التحذيرات الأمريكية و كذلك الروسية ستكون فعلية هذه المرة ، سنكون أمام حرب من نوع جديد لا وجود للطائرات الاعتيادية مكاناً فيها ، إذ يتطلب الأمور طائرات من النوع الذي لا يُرى ، و الحاضر الأبرز هو الصواريخ العابرة للقارات التي شهدت حضوراً يعتبر تدريبياً في الفترة الماضية ، و سيكون جاهزاً للحضور القاتل في المرحلة القادمة.

و تشير مصادر متطابقة أن استعمال الصورايخ العابرة للقارات لن يكون مجرد صواريخ اعتيادية ، بل تحمل تأثيراً أشد فتكاً ، و في الوقت ذاته لن نكون أمام “هيروشيما” جديدة ، بل صواريخ “نووية مصغرة” كشف عنها وزير الدفاع الأمريكي و حذر منها أمام لجنة الكونغرس قبل عشرة أيام بقوله “ إن السيناريو المحتمل حاليا لاستخدام السلاح النووي ليس تبادل الهجمات بنموذج الحرب الباردة، بل هجمة أصغر. ومع ذلك، ستكون لها قوة تدميرية لا سابقة لها من جانب روسيا أو كوريا الشمالية مثلا".

ليس ببعيد بأن الحرب العالمية الثالثة التي حذر منها الجميع قبل سنوات بشكل متواصل ،قد نصل إلى أعتابها ، و لكن القضية الأهم في كل ذلك أن لادافع للتكاليف سواءً أكانت بشرية أم مادية سوى الشعب السوري المتبقي في الداخل .

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى