مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ أكتوبر ٢٠١٦
هل يُشعل الارتباك الغربي تجاه روسيا حرباً عالمية؟

لا تنشب الحرب وفق خطة مسبقة في كل الأحوال. الحروب أنواع عدة. أحدها ينتج من أخطاء سياسية أو عسكرية، أو سياسات تبدو لصانعيها محسوبة قبل أن تؤدي إلى تداعيات تصعب السيطرة عليها.

وليست الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وحدها التي اندلعت بسبب أخطاء ارتكبتها قوى أوروبية كبرى، وأدت إلى أحداث تداعت حتى وجدت هذه القوى نفسها أمام حرب لا مفر منها. ولكنها تُعد المثال الأكثر دلالة على هذا النوع من الحروب، ربما لهول ما ترتب عليها من ضحايا وخسائر ودمار.

وعلى رغم أن العالم تغير كثيراً، بل ربما جذرياً في العقود السبعة التي أعقبت انتهاء تلك الحرب، ينطوي الصراع الروسي - الغربي في سورية على ملامح يبدو بعضها قريباً من المقدمات التي أدت إليها.

لقد تمكنت القوى الدولية الكبرى من تجنب نشوب حرب واسعة منذ انتهاء الحرب الثانية، وسعت إلى تحقيق مصالحها بوسائل أخرى. لجأت أحياناً إلى نمط الحرب بالوكالة في مختلف مناطق العالم. كما أصبحت حروب الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا أدوات فاعلة في الصراع الدولي.

وهذا التغير الهائل في العالم يُضعف احتمال نشوب حرب عالمية كبرى أخرى (ثالثة)، لكنه لا يُلغيه أو يجعله مستحيلاً. لذلك تصعب مقاومة إغراء التفكير باحتمال تصاعد التوتر الذي ازداد في الأسابيع الأخيرة بين روسيا والغرب حول الأزمة السورية باتجاه حرب واسعة النطاق.

كما يصعب حصر دلالة تحذير موسكو من مثل هذه الحرب في السعي إلى منع أي دعم غربي للمعارضة السورية يُغير ميزان القوى في حلب، ويحول دون سقوطها في أيدي قوات نظام الأسد والميليشيات المتعددة الجنسية التي تعمل معه. قد يكون هذا «الردع» الهدف الرئيس للخطاب الروسي عن زلزلة الشرق الأوسط، واللعب الخطر في سورية، والتحولات المرعبة في المنطقة كلها في حال إقدام الغرب على أي تدخل مؤثر.

غير أن هذا الخطاب التحذيري القوي يحمل في طياته معنى أن الحرب الضارية في سورية قابلة للتوسع، ولكن لغير ما تقصده موسكو بل لعكسه تحديداً. فهذا احتمال يزداد بازدياد ارتباك الغرب وعجزه عن الفعل، فيما يقلّله التدخل بوسائل كالتسليح النوعي للمعارضة. لذلك لم يعد ممكناً الاستمرار في استبعاد هذا الاحتمال إذا بقيت الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تأمل بوقف مذابح حلب مرتبكة وعاجزة.

وربما يكون السبيل الوحيد إلى تجنبه الإسراع بتقديم دعم عسكري نوعي إلى المعارضة السورية يُمكّنها من الصمود في حلب ومناطق أخرى صار وجودها فيها مُهدَّداً. فالبديل عن هذا الخيار هو أن تجد الدول الغربية نفسها بعد حين في موقف شديد الصعوبة قد يدفعها إلى التدخل المباشر الذي تحذر منه موسكو.

ويتطلب ذلك تحرر واشنطن من فوبيا وقوع أسلحة نوعية تقدمها إلى المعارضة في أيدي عناصر متطرفة. وقد يكون هذا خطراً محتملاً، ولكنه ليس كبيراً. فإذا افترضنا استيلاء جبهة فتح الشام (النصرة) مثلاً على بعض الصواريخ المضادة للدبابات، لن يكون لديها ترف تخزينها في ظل القصف الجوي المتوحش الذي يفرض استخدامها فورياً. كما أن عدد عناصر هذه الجبهة في حلب محدود، ويُعدَّ بالمئات وليس بالآلاف، بشهادة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي لم يُعرف عنه أي تعاطف مع المعارضة، بل العكس.

غير أن استمرار التردد الغربي في حسم خيار إمداد المعارضة بهذه الأسلحة يزيد احتمال توسع الحرب حين تجد الدول المترددة في شأن هذا الخيار أنها لم تعد قادرة على تحمل التحدي الروسي الذي يُتوقع له أن يتنامى في حال سيطرة حلفاء موسكو على حلب.

وعندها قد يصبح توجيه ضربات صاروخية ضد مطارات وقواعد عسكرية تابعة لنظام الأسد، وإسقاط طائراته، خياراً جدياً بما قد يفتح الباب أمام توسيع الحرب وتدويلها.

وهكذا يزداد احتمال نشوب حرب واسعة كلما تأخر الغرب في اتخاذ موقف قوي ضد روسيا يفرض عليها مراجعة سياستها المغامرة عبر تمكين المعارضة من إلحاق خسائر بطائراتها وقواتها في سورية. فالارتباك والتردد الغربيان يشجعان موسكو على المضي قدماً في سياسة التوسع المدفوعة بحلم قومي متطرف لاستعادة أمجاد إمبراطورية.

ويصح، هنا، أن نستعيد درس الحرب العالمية الثانية التي كان ارتباك بريطانيا في مواجهة التوسع الألماني السبب الرئيس لإشعالها. صحيح أن العالم تغير كما سبقت الإشارة. كما أن روسيا البوتينية تختلف عن ألمانيا النازية الهتلرية. ولكن الاختلاف بينهما يتعلق بمرجعية النزعة القومية المتطرفة، وليس بجوهرها وطابعها المغامر وميلها التوسعي.

غير أن أوجه الشبه بين الارتباك الأميركي تجاه روسيا الآن، والارتباك البريطاني إزاء ألمانيا قبل ما يقرب من ثمانية عقود، تبدو أهم. كما أن المقارنة بين شخصيتي أوباما ورئيس الوزراء البريطاني حينئذ تشمبرلين قد تكون أهم من المقارنة بين شخصيتي بوتين وهتلر.

كان تشمبرلين مؤمناً بإمكان الحل السلمي لأية أزمة مهما بلغت حدتها، وراغباً في تجنب أي عمل عسكري. ولذلك ظل يراهن على أن يكتفي هتلر أو يشبع، فتغاضى عن ضم النمسا، ثم رضخ لضغوط هتلر في شأن إقليم السوديت في تشيكوسلوفاكيا، وقدمها «هدية» له في مؤتمر ميونيخ المشهور في أيلول (سبتمبر) 1938 على رغم ارتباطه معها بمعاهدة تعاون دفاعي. وكان لديه اعتقاد قوي بأن الأمر سينتهي عند هذا الحد.

لكن هتلر فسر موقف تشمبرلين وحلفائه بأنه ضعف، ما فتح شهيته لمزيد من التوسع. ولم يمض عام على مؤتمر ميونيخ حتى كانت ألمانيا قد غزت بولندا في 1 أيلول (سبتمبر) 1939 فاشتعلت الحرب العالمية.

وإذا أردنا أن نحدد البداية الحقيقية لتلك الحرب، في سياق السعي إلى استيعاب درس من التاريخ، لا بد أن نعود إلى الاتفاق الذي أسفر عنه مؤتمر ميونيخ في 1938، قبل عام على اندلاعها.

والسؤال الآن هو: أليست هذه أوجه شبه معتبرة بين بعض أهم مقدمات تلك الحرب، وخصوصاً السياسة البريطانية تجاه التوسع الألماني في وسط أوروبا وشرقها، وبعض ما يحدث الآن وخصوصاً السياسة الأميركية تجاه الهجمة الروسية في سورية؟

اقرأ المزيد
٢٤ أكتوبر ٢٠١٦
ما بعد معركة حلب تأسس قبلها

بعد هدنة أو ثلاث، لا بد أن تتواصل معركة حلب، حتى إن تم إخراج مقاتلي جبهة «تحرير الشام» («القاعدة» سابقًا) من حلب، فهذا لن يكون إلا فصلاً من المعركة، وليس خاتمتها على نحو ما يقول البعض، أو يتوهم آخرون. وثمة سببان معروفان لهذا المآل؛ أولهما أنه ليس من برنامج للحل السياسي لدى الطرف المصر على أخذ المدينة بالحرب قتلاً وترحيلاً لمن فيها ودمارًا لمعالمها، ثم احتلالاً بالقوة وفق النموذج الذي طبقه حلف النظام في محيط دمشق على مثال داريا في غوطة دمشق الغربية، وعلى نحو ما سيؤول إليه الحال في أكثر مدن غوطة دمشق الشرقية. أما السبب الثاني فيتصل بالفريق الآخر من المجتمع الدولي والموصوف باسم «أصدقاء الشعب السوري» بقيادة واشنطن، الذي لا يملك الإرادة بالمضي نحو حل سياسي، بات يتطلب تغييرات ميدانية، توقف الذاهبين إلى الحل العسكري عن مسارهم، وتدفعهم إلى طاولة المفاوضات، للوصول إلى توافقات للحل السياسي عبر تنازلات متبادلة، وتكمن في خلفية هذا الموقف مخاوف من اندلاع حرب تخرج من الداخل السوري إلى محيطه الإقليمي، قبل أن تتحول إلى حرب عالمية كثرت التحليلات حول مساراتها ونتائجها الكارثية.

في ظل الوقائع القائمة، التي تعكس صلفًا في معسكر حلف الروس والإيرانيين ونظام الأسد، وإحساسًا بالقوة، وإصرارًا على الهدف بالاستيلاء على حلب، وضعف وغياب للإرادة في الطرف الآخر، تبدو معركة حلب محسومة النتائج، وهي سقوط المدينة بيد المهاجمين الذين سينتقلون إلى مرحلة تالية في حرب الشمال السوري، ستكون إدلب ميدانها، وفق سيناريو لن يكون بعيدًا عما تم في حلب، وإن اختلف بعض تفاصيله بحكم المعطيات المحلية ليس أكثر من ذلك، وسيكون المدافعون عن إدلب في وضع، لن يختلف كثيرًا عما كان عليه حال المدافعين عن حلب إلا في بعض التفاصيل، لأن بيئة الحرب الإقليمية والدولية، لا ينتظر أن تتغير كثيرًا في الفترة القريبة، وهو عامل يشجع حلف الروس والإيرانيين ونظام الأسد على إنجاز سريع لهذا الفصل في حرب الشمال السوري.

إن الخلاصة المنتظرة لما بعد معركة حلب مزيد من الخسائر في صفوف السوريين في حرب غير متكافئة من الناحيتين السياسية والعسكرية، تبدو معالمها الرئيسية في الداخل في ثلاثة تعبيرات؛ أولها انحسار مساحات الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام، وتمدد الأخير وحلفائه فيها، والثاني مزيد من الخسائر البشرية والمادية في صفوف معارضي النظام وحواضنهم الاجتماعية، وبالتالي مزيد من معاناة سكان مناطق الشمال، والثالث تراجع قوة تشكيلات المعارضة المسلحة، وقد تختفي بعض تلك التشكيلات من مسرح الشمال.

ولا يكمن سبب هذه الخلاصة في العامل الإقليمي والدولي بوزنه المؤثر فقط، بل يمتد إلى العامل المحلي الذي ساهمت في تكريسه سياسات وممارسات، شكلت الأساس فيما لحقه ويلحقه من خسارات وهزائم، ولعل أول تلك السياسات والممارسات، هي انفصال السياسي عن العسكري، ومحاولة الأخير تحت حجج مختلفة، أن يزاوج بين الدورين العسكري والسياسي لصالح مشروعه في نظام أكثري لسوريا المقبلة، باعتبارها عربية - إسلامية - سنية، مقابل مشروع سياسي، يقوم على «سوريا لكل السوريين، دولة ديمقراطية تعددية»، وهو مشروع استدعى مسايرة السياسي للعسكري، ولو على حساب مشروعه الأشمل والأقرب إلى أهداف ثورة السوريين، كما استدعى في آن معًا سكوته عن وجود وممارسات جماعات مسلحة متطرفة، ومصنفة في القائمة العالمية بوصفها تنظيمات إرهابية، مثل «جبهة النصرة»، فرع «القاعدة» في سوريا، التي غيرت اسمها إلى «جبهة فتح الشام»، وأعلنت انفصالها عن «القاعدة»، دون الذهاب إلى تغييرات عميقة في قياداتها وبناها التنظيمية وفي منظماتها الفكرية والسياسية وأهدافها، التي بقيت على أرضية «القاعدة»، ومثل «جند الأقصى»، التي وصفتها التشكيلات المسلحة للمعارضة، بالتابعة لتنظيم داعش الموصوف بـ«الإرهاب والتطرف»، ثم سكتت عن مبايعة «جند الأقصى» لـ«جبهة فتح الشام» واندماجها فيها.

والخط الثاني في السياسات والممارسات باعتبارها سببًا فيما صار إليه الوضع الحالي، تمثله الصراعات البينية، ليس في المستوى السياسي فقط، ولا بين السياسي والعسكري، بل في الطرف الأخير رغم تقارباته الآيديولوجية والسياسية الإسلاموية. فثمة حذر وتوجس وعصبوية، وتنافس محاط بالشك والشكوك والاغتيالات، وحروب غير معلنة بين الجميع.

أما الخط الثالث في سياسات وممارسات التشكيلات العسكرية، فقد بدا في علاقتها مع الحاضنة الشعبية. وبدل أن تبذل جهودها في خدمة الحاضنة، التي منحتها معظم عوامل «القوة» التي صارت إليها، فإنها عملت على إخضاعها آيديولوجيًا وسياسيًا، واستخدمت مختلف الوسائل مزاوجة بين الترغيب والترهيب، وبدل أن تحسن سبل الحياة، جعلتها أصعب.

وسط تلك السياسات والممارسات وبالتزامن مع بيئة إقليمية ودولية سلبية التأثير، بدا من الطبيعي الوصول إلى ما صار إليه الوضع في الشمال السوري، وصار بالإمكان لروسيا وحلفها مع الإيرانيين ونظام الأسد تحقيق تقدم ميداني على الأرض وتحقيق تقدم سياسي من شأنه تغيير موازين القوة والمضي على طريق استعادة السيطرة في الشمال الذي تمثل معركة حلب فصلاً أساسيًا فيه، وقد تكون إدلب فصله الثاني، إن لم تحصل معجزة، تبدل النتائج التي تلوح في الأفق.

اقرأ المزيد
٢٤ أكتوبر ٢٠١٦
من يمثل العرب السنة في سوريا والعراق؟

تهجير ممنهج للعرب السنة في الموصل وفي ريف دمشق، ولا تزال عيون إيران وروسيا على سكان حلب.. بات من الواضح للجميع أنه ليس هناك حل يلوح في الأفق لتخليص الشام والعراق من الهيمنة الإيرانية وأدواتها في الدولتين اللتين راحتا ضحية الشعارات الزائفة والجمهوريات الفاسدة، فلم يكن من الغريب تفتت العراق وسوريا بعد أن اندلعت الحرب في إحداهما والثورة في الأخرى، على خلاف دول الربيع العربي الأخرى التي لم تتأثر وتنهار بشكل كلي كحال سوريا والعراق، فلطالما كان الناس في البلدين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية مقموعين وممنوعين من التعبير عن ثقافاتهم في ظل نظامين طاغيين أسدي وصدامي.
 
كانت نتيجة القمع وطمس الهويات حروب دموية في البلدين استشرست كل طائفة فيها للدفاع عن هويتها المطموسة، فما كان من الأكراد إلا أن لملموا قواهم و بنوا جيوشهم و مؤسساتهم ووجدت إيران في الشيعة العرب الأداة المجانية التي تقاتل فيها أعدائها في المنطقة وهم العرب السنة الذين تجد نفسها في سباق على النفوذ معهم في المنطقة العربية، فجهزت إيران كذلك الميليشيات وسلحتها وأضفت عليها سحنة طائفية خلقت جدار لن تهدمه السنين بين الشيعة العرب ومواطنيهم في بلاد الشام والرافدين، أما ممثلي السنة ففشلوا في إيجاد معبر عن التيار السني المحافظ بتمثيل حداثي يقود إلى جعل العرب السنة جزء من الحكم في سوريا والعراق في المستقبل، بينما نجحت تنظيمات كداعش والقاعدة في تشكيل حالات سنية ذات شعبية بين السكان، حتى أن الفصيلين نجحوا في إرساء أسس دولة تمارس التجارة وتقوم ببعض الصناعات و تفتح المدارس رغم أنها دولة غير صالحة للاستمرار في ظل معاداتها لكل القوى العالمية الإسلامية منها والغربية.
 
الحل يكمن في إيجاد ممثل حداثي للعرب السنة في العراق والشام يلتف حوله السكان ويكون قادر على تمثيلهم دون أن تكون له أي شبهات بالإرهاب

البكاء على الحليب المسكوب لن يفيد كثيراً فلا أحد سمع صوت بكاء الطفل عمران رغم أننا رأينا العالم كله يشاهد وجهه المدمى في الصحف والشاشات، ولن يسمع أحد كذلك صوت النازحين من الموصل الذين لم يختاروا داعش، بل داعش اختارتهم لتنشأ دولتها بينهم.
 
في الانتخابات الأميركية هناك أربعة مرشحين للرئاسة، كلينتون وترامب واثنين آخرين غير معروفين يمثلون أحزاب ثالثة لن تنجح حتماً، السياسيون ينصحون الناخبين بالتصويت إما لترامب أو لكلينتون حصراً، فإذا كنت تفضل هيلاري على ترامب وامتنعت عن التصويت لهيلاري وبدلاً عن ذلك صوتت للمرشح الثالث أو الرابع فهذا يعني أنك أعطيت صوتك لترامب حين صوتت لمرشح ليس لديه أي فرص للفوز.. وقوف العرب السنة إلى جانب داعش أو القاعدة هو بمثابة التصويت للمرشح الرابع أو الثالث، وبالتالي تعود الفائدة على المرشح العدو وهي ميليشيات إيران التي تنكل بالعرب السنة والتي تحتكر السلطة والتمثيل السياسي في سوريا والعراق، إذا أنت صوت لمرشح غير صالح أصلاً للحكم ولن يسمح العالم له بتمثيل العراق أو سوريا يوماً وهذا هو سبب استمرار الحرب في البلدين.

الحل يكمن في إيجاد ممثل حداثي للعرب السنة في العراق والشام يلتف حوله السكان ويكون قادر على تمثيلهم دون أن تكون له أي شبهات بالإرهاب، ولعل تجربة الحريري في لبنان تجربة رائدة حيث أنها مثلت السنة اللبنانيين بمحافظين وليبراليين بشكل دفع العالم بأسره للوقوف ضد قيام نظام الأسد باغتيال الحريري، إلا أنها تجربة ارتبطت تماما بشخص الحريري ولم ترتكز على أرضية فكرية مما أضعفها مؤخرا على حساب التيارات السلفية التي رأى فيها جزء من سنة لبنان معبرا يجابه عقيدة حزب الله الفاشستية.

ولعل تجربة تيار المستقبل هي تجربة تستحق الدراسة للاستفادة من أخطائها كي يشكل كيانا سياسيا وفكريا يكون نداً لميليشيات إيران الإرهابية أمام المجتمع الدولي لمواجهة داعش وكل أشكال التطرف التي يتخذها الغرب حجة لاستمرار قصف المدنيين في المناطق ذات الغالبية السنية.

فمع كل استفراد حزب الله في لبنان وهيمنته بسلاحه على جميع قطاعات الحياة فيه إلا أن وجود تمثيل سياسي للسنة ممثل بسعد الحريري يحمي سنة لبنان من الكثير من التجاوزات ويجعلهم شركاء في حكم البلاد حتى أن مسألة كتعيين رئيس جديد للبلاد لا تمر دون موافقة ممثل السنة والذي سيكون رئيس حكومة في ظل الإدارة اللبنانية الجديدة.

اقرأ المزيد
٢٤ أكتوبر ٢٠١٦
الموصل وحلب وبيروت

لم يكن مقدراً لـ «دولة البغدادي» أن تعيش طويلاً. العراق لا يستطيع احتمالها. والمنطقة لا تقدر على التعايش مع وجودها. والعالم لا يستطيع غضّ النظر عن ارتكاباتها. حين تختار مجموعة إرهابية العيش تحت عنوان ثابت ومعروف، ترتكب خطأً قاتلاً. قوة الإرهاب تكمن في سرّيته وقدرته على التخفّي. حين يصبح له عنوان، يبدأ العدّ العكسي لشطبه. ثم إن تنظيم «داعش» بفكره وطبيعته وأساليبه هو عملية انتحارية واسعة. اللافت هو أن رحلة «داعش» ألحقت أفدح الأضرار بمن ادعت أنها جاءت لنصرتهم والدفاع عنهم. يعاقب المكون الذي ينتمي إليه أصلاً أبناء «داعش» مرتين، الأولى على يديه والثانية على أيدي خصومه.

قال المسؤول الكردي: «أنا لا أقلل من تضحيات الجيش العراقي والبيشمركة، ولكن من دون الغارات الأميركية كان يمكن معركة الموصل أن تكون مريرة وطويلة وشبه مستحيلة». واعترفَ بأنها قد تستغرق بعض الوقت «لأن أوباما لا يستطيع أن يفعل في الموصل ما فعله بوتين في غروزني أو ما يفعله حالياً في حلب. لدى أوباما معارضة ورأي عام وصحافة حرة، في حين نجح بوتين في تطويع المؤسسات والأصوات وإلحاقها بمطبخ القصر».

رأى أن الموصل ستعود «لكن السؤال هو إلى أين تعود؟ إذا استعيدت على قاعدة التوازن والمسؤولية الوطنية وتبادل الاعتراف بين المكونات، ستكون استعادتها خطوة على طريق استعادة العراق. وإذا استُخدِمت نتائج معركتها لتعزيز الخلل في التوازن بين الشيعة والسنّة، فإن فكرة داعش ستبقى حية أو ستستيقظ عند أول فرصة».

صحيح إلى أين سترجع الموصل؟ وماذا يريد حيدر العبادي وماذا يستطيع؟ وماذا يريد نوري المالكي وجنرالات «الحشد الشعبي»، وماذا يريد قاسم سليماني من الموصل؟

في ظل الانشغال بدخان حرائق الموصل، قد يتقرر مصير مدينة عربية عريقة أيضاً هي حلب. وتقع حلب، كما الموصل، على خطوط تماس مذهبية وإقليمية. لا يمكن تشبيه ما يفعله الروس في حلب بما يفعله الأميركيون في الموصل. الأزمة مختلفة وهوية اللاعبين وحساباتهم. أزمة حلب سابقة على وجود «جبهة النصرة» فيها وأبعد. أزمة سورية سابقة على وجود «داعش» ولا يمكن اختصارها بوجود الإرهابيين، على رغم خطورتهم.

يصرّ الروس والإيرانيون ومعهم النظام السوري على استعادة حلب الشرقية. يصرّون على الانتصار في هذا الفصل المهم من الحرب، وإن كان واضحاً أنه انتصار لا ينهي الحرب على رغم أهميته. مرة جديدة يطرح السؤال عن اليوم التالي. إلى أي سورية ستعود حلب علماً أنها تعيش أزمة مكونات؟

خدع القيصر كثيرين. كان الاعتقاد أنه سيمنع سقوط النظام، لكنه سيرغمه على السير في حل سياسي شبه معقول. ثم ساد الاعتقاد بأنه سيكتفي بمحاصرة المدينة ليطلق مبادرة جدّية للحل. ثم اكتشف الجميع أن حلب مجرد محطة في برنامج الانقلاب الكبير الذي ينفّذه بوتين ضد الغرب وحلفائه، لإعادة تطويب روسيا قوة عظمى مرهوبة الجانب. إذا حلّت عقدة حلب بأسلوب غروزني، فإن الحرب السورية ستنجب مزيداً من الانتحاريين، وسيمتد حديث «المظلومية السنّية» من الأنبار إلى حلب.

من حسن الحظ أن بيروت لا تعيش ما تعيشه الموصل وحلب. لكنها معلّقة في النهاية بمصير المدينتين من زاوية الجغرافيا والانخراط والمشاعر، ولأن هذا الكعك من ذاك العجين. قطعت توتّرات المنطقة رأس الجمهورية اللبنانية. أبقتها بلا رئيس منذ سنتين ونصف السنة. الذين حلموا بفوز سريع للمعارضة في سورية عادوا خائبين. ومثلهم الذين حلموا بهزيمة سريعة للمعارضة.

كانت بيروت مدينة مهمة يوم كانت رئةً وملاذاً وشرفةً ومختبراً. انكمشت قامتها كانحسار القامات على مسرحها. وعلى رغم ذلك يبقى لما تعيشه شيء من المعنى. تشهد بيروت حالياً محاولة لإنهاء عهد الرأس المقطوع. تسير في الاتجاه المعاكس لحروب التفكُّك والطلاق في العراق وسورية.

في وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، حفلة لتوزيع كؤوس السمّ على مؤيديه ومعارضيه. أغلبهم كانوا يفضّلون تفادي رؤيته مجدداً في القصر. جملة من العوامل الداخلية والإقليمية دفعت كثيرين إلى التسليم بتناول هذا الدواء المر. ثمة من يعتقد بأن الجنرال الثمانيني سيضطر إلى تجرُّع بعض السمّ بعد فوزه. سعد الحريري تحوَّل خبيراً في تجرُّع الكؤوس الصعبة. أغلب الظن أن مشاهد حلب والموصل كانت بين العوامل التي دفعته إلى الإقدام على «مخاطرة كبرى»، تتمثّل في ترشيح عون المقيم في الضفة الأخرى.

هناك ما هو أهم من قصة الجنرال. هل يستطيع اللبنانيون أن يبعثوا برسالة جديدة في هذه المنطقة المهددة بأن توغل أكثر في عصور الظلام؟ رسالة مفادها أن بيروت يمكن أن تتّسع ليعيش الشيعي والسنّي والمسيحي في دولة واحدة، وعلى قاعدة تبادُل الاعتراف واحترام الحقوق والمخاوف. أنا لست سائحاً غريباً. لا أطالب بأكثر من شبه جمهورية وشبه دستور وشبه قانون. مثل هذه الخيمة ضرورية للسنّي والشيعي والمسيحي، مهما توهّم أي طرف منهم، أنه قوي ويستطيع إملاء إرادته. ولا خيار أمام العراق وسورية غير التفكير بخيمة من هذا النوع، كي لا يتحول الانتصار في الموصل وحلب مجرد وعد بحروب أشد وأدهى.

اقرأ المزيد
٢٤ أكتوبر ٢٠١٦
حلب.. ولم نندم على الكرامة

هناك.. تحت الأرض، في الرطوبة والعتمة والهدوء الرهيب، مع فأس ورفيق، كان يحفر نفقاً، ربما للتفجير أو للتسلل أو للإمداد، حسبما تختار المعركة حينها، تفاصيل الخاتمة لا تعنيه ما دام الطريق واحداً وهو يحفر نفقاً إلى الحرية.

وفي الهدوء الرهيب، ومع كل ضربة فأس وانفلاق حجر، كان يظهر وجه طفلٍ قتيل في الحولة، ذعر معتقلة في دمشق، قصيدة شيخ في دوما، عوائل معدة للحريق في بانياس، مدارس وزعت أطفالها أشلاء في حلب.. حين عاد إلى بيته، اضطر أن يحفر مرة أخرى، كان أهله تحت أنقاضه ميتين.

حربنا طويلة لأن جيل الظلم طويل.. قضيتنا حق ثابت وطريقٌ طويل، وأمانةُ شعب من الشهداء وحقّ جيل قادم بالحرية والكرامة، وستدومُ ما دام الظلم.

وفي النفق المجاور، كان يجلس من فقد ستة من إخوانه شهداء يتحدث بيقين عن معركة قادمة، وبجانبه من فقد أربعة، ومن فقد اثنين، وبصمت كان يستمع من أعدّ نفسه للفقد العظيم كي يجد أهله طريقاً للهواء.

"ربما ننفق كل العمر كي ننقب ثغرة.. ليمرّ النور للأجيال مرّة"

وفوق غابة الأنفاق والمرابطين في العتمة، كانت الأرض القيامة.. هنا حلب، أخطر مدن العالم، وأجمل مدن العالم، فقيرة بالغذاء، غنية بالرجال.

بين كل مجزرتين، تطبخ أم لأبنائها الميتين عمّا قليل، ويجهّز مقاتل جعبته لخندق سيغدو قبراً للأعداء.. أو لنفسه، وتحفر مقابر عاجلة بين البيوت والحدائق، وتزفّ عروس لشهيد قادم، ويلعب الأولاد بجدية عابثة لعبة الحرب، ويولد طفل بعينين من ثأر وغضب، وتستكمل الحرية نشيدها السعيد في قلوب الثائرين..

وقريباً جداً من حافة المذبحة، كانت تمر حياة العالم وأهلها بحالتها العادية جداً.. بعاديّتها المرعبة! وجربنا جميع أنواع الموت، ومسارات الشظايا، وخيارات الركام، واحتمالات الأشلاء، وأشكال الفجيعة، وألوان الدم، وأعداد الضحايا، ودروب الشهادة، وبعد أيام.. بعد شهور.. بعد سنين في المذبحة، وقفنا وسط المقبرة الشاسعة بلامبالاة.. ضاحكين -بكامل جذوة القلب- للحرية العظيمة.

في مجزرة مدرسة ما، وبعدما انتُشلت أشلاء الإرهابيين الصغار، بقي جسد طفلة عالقاً تحت أنقاض البناء، بقيت أمها وأبوها أسبوعاً واقفين أمام الركام بينما تزيحه القبعات البيض، ولما وجدوا في النهاية جسد الطفلة القتيل ارتاحوا.. فرحوا.

وفي مجزرة مدرسة ما، كانت المعلمتان معاً على المقعد أمام الطلبة الصغار في درس الظهيرة، وبعد ثانيتين كاملتين، كانت المعلمتان معاً على المقعد نفسه.. بلا رأسين.. بلا طلبة.

وفي مجزرة مدرسة ما، على الأرض الحافلة بالموت والأشلاء، تمدد جسد الطفلة بسكينة هادئة، والدم انساب فوق الوشاح.. قانياً حتى دفتر الرسم المفتوح على جملة ملونة "أنا أحب سوريا".. وكانت سوريا تدفن المحبين بلا ملل.

وفي مجزرة قادمة، سوف نخبر الضحايا أن يموتوا متأنقين، وأن يتركوا احتياطاً بجانبهم كاميرات دقيقة، ربما تحتاجهم أوراق صحيفة توزع مع شاي الصباح، وسوف نخبر النساء أن يكتبن في وصاياهن المعطرة اقتباسات من سيمون دو بوفوار، حتى يصبح لموتهنّ معنى في حديث المنظمات والوزيرات الجدد، وسوف نخبر الطفل القتيل أن يدوّن عشر مرات في دفتر الرسم عن الفارق الدقيق بين مجلس الأمن والإرهاب، ولكننا سنخبر الناجي الوحيد من الرحيل الكبير بالحقيقة الوحيدة: كم أنت وحدك.

وبينما كنّا نموت، والمذبحة تهيم على رؤوس الناس، والموت يأتينا بكلّ سلاحه البري والجوي والبحري، كانت الإبادة المعلنة مجرد بند محتمل في غرف المؤتمرات، وكانت المذبحة كأي فعل سياسي تُطرح بهدوء للنقاش أو التعديل أو المساومة، كانت مذبحة أنيقة وشرعية وحديثة كما يليق بالدول الكبرى، ولم تكن فعل تنظيمات صغرى أو خطاب جهاديين كلاسيكيين لكي تصبح -عند الخبراء- من "الإرهاب".

وكانت الدول التي وزعت الشعارات الأخلاقية والإنسانية على شعوب الأرض قروناً، تتباحث بجدية عن حجة بليغة أو تبرير علميّ دقيق للمذبحة الكبرى، كأن يكون ثمة فرد بين كل ألفين ينتمي لفصيل يكرهونه.

قد يعيش الآخرون في سكينة العائلة والمدن الهادئة والترف الجميل، دون حصار أو قصف أو موت سريع في الطرقات، ولكنهم لا يعرفون أن طعم الحرية أجمل من كل ذلك.

وكانت تجتمع "الأمم" لتناقش الحلّ الأثير أمام المذبحة: ترحيل الشعب عن مدائنه، وكانوا يشكرون السفّاح إن أوقف المذبحة ساعتين، ويطلبون منا بوادر حسن نية بالمقابل، كأن نلقي السلاح والشهداء وما نزعمه من ضمير ونمضي للعار والهزيمة راضين بالمكافأة.

وكانت أرومتنا الكبرى وقومنا العرب الأقحاح مشغولين بجداول الكرة والغاز، ولم يتجاوز أحد الزعماء المحترمين أناقته وهدوءه الحكيم كي يستنكر أو يدين أو يشجب موتنا العلني، كانت حتى كلمات المواساة أكثر مما يستحق الميتون.

وقد يسألوننا مرة أخرى: هل كانت تستحق الحرية كل هذا الموت؟!
ولكن السؤال الأجدى بعد هذا الموت: هل عالمٌ بكل هذا العار يستحقّ الحياة حقاً؟!

إن حربنا طويلة لأن جيل الظلم طويل.. ولا تقف الثورة عند شخص أو معركة أو مدينة، قضيتنا حق ثابت وطريقٌ طويل، وأمانةُ شعب من الشهداء وحقّ جيل قادم بالحرية والكرامة، وستدومُ ما دام الظلم.

قد يعيش الآخرون في سكينة العائلة والمدن الهادئة والترف الجميل، دون حصار أو قصف أو موت سريع في الطرقات، ولكنهم لا يعرفون أن طعم الحرية أجمل من كل ذلك.

ولم نندم على الكرامة.

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٦
هل إرهاب الملالي استفزاز أم ابتزاز؟

لا تفتأ وسائل الإعلام العالمية، تمطرنا صباح مساء بأخبار عدوان ملالي إيران، وإرهابهم في المنطقة العربية بدءاً بالعراق وليس انتهاء باليمن. هذا العدوان الذي يحظى بصمت أوباما وساسة دول الغرب والمنظمات الدولية، يعني بلا أدنى شكّ أن ما يفعله الملالي أحد أمرين، إما استفزاز وإما ابتزاز لأولئك الصامتين المتواطئين والمرتجفين مما قد ينالهم من (نعيم) الملالي، وفي كلتا الحالتين، فالملالي هم الرابحون من إرهابهم ولن يكونوا خاسرين أبدًا في ظل منظومة التراخي الدولية.

ومن مؤشرات ابتزاز الملالي واستفزازهم كما ورد في وسائل الإعلام العالمية:

تصريح وزير الخارجية الأمريكي الذي نشرته مجلة " فورين أفيرز" الأمريكية من أن سياسات طهران في اليمن، ودعمها لرئيس النظام السوري وحزب الله،تعقّد الاتفاق النووي! وما لبثت أمريكا أن جاءها رد الملالي سريعًا على لسان مساعد وزير خارجيتها بقوله:"إن قضايا المنطقة لا علاقة لها بالاتفاق المبرم بين الدول الست الكبرى وطهران"! أما كبيرهم خامنئي الذي كان يتحدث أمام حشد من الناس فقد قال مخاطبًا وزير الخارجية الأمريكي دون ذكر اسمه: "هل يمكن التفاؤل بكم بعد هذه التصريحات؟". وهذان الردان يثبتان مخاوف كثيرين في أمريكا وفي دول العالم كلها، من أن باراك أوباما قدم للملالي امتيازات باتوا يستغلونها لمشاريعهم العدوانية والتوسعية في المنطقة العربية، بل إنهم أصبحوا أكثر وقاحة وجرأة في التباهي بسيطرتهم على عدد من العواصم العربية، وأن لهم ميليشيات في تلك الدول، وهم من يزود الأقزام الحوثيين بالصواريخ التي يطلقونها على حدودنا الجنوبية، كما تمادوا في الوقاحة حدّ مطالبتهم أمريكا وروسيا بنصيبهم من الكعكة السورية، أو نصيبهم من تركة الرجل المريض بشار، وذلك في حديث اللواء يحيى رحيم صفوي للقناة الخامسة للتلفزيون الرسمي الإيراني، الذي عبر فيه عن قلقه إزاء محاولات أمريكا خداع روسيا في الملف السوري، محذراً موسكو وواشنطن من أن تتجاهلا نصيب إيران في هذا الملف خلال تعاملاتهما الثنائية!

ومما يؤكد استخفاف الملالي بأوباما ودول الغرب الداعمة لهم في الاتفاق النووي، قول المستشار العسكري لخامنئي منذ أيام، إن حضور المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية والعراق، ودعم طهران للميليشيات الحوثية في اليمن، وحزب الله في لبنان يأتي تماشياً مع أهداف الثورة الإسلامية.. مضيفا أنه :"منذ اليوم الأول لانتصار الثورة، قال الإمام الخميني إننا سندافع عن المسلمين والمظلومين في العالم، وهذه هي خصوصية التفكير الثوري والديني والإنساني " حسب تعبيره .

وإمعاناً في الاستخفاف بالداعمين لعدوان الملالي، وجّه قائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي، رسالة إلى زعيم ميليشيات الحوثيين في اليمن حثه فيها على الاستمرار في "المقاومة" ضد عمليات التحالف لإعادة الشرعية، واعدًا باستمرار الدعم الإيراني لهذه الميليشيات الموالية لطهران.

وحسب كثير من المتابعين لعدوان الملالي، فقد "ظهر تحوّل كبير في وسائل الإعلام الأمريكية تجاه الحوثيين وطهران؛ حيث حذروا من أن ضعف الردّ الأمريكي على الحوثيين بقصف راداراتهم سوف يشجع هذه الميليشيات المدعومة من طهران، على إعادة هجومها. كما استغل الجمهوريون هذه الهجمات، فاتهموا إدارة أوباما بمساعدة طهران على تمويل وكلائها الإرهابيين في المنطقة عبر شحنها أموالاً تقدّر بمئات الملايين من الدولارات".

لهذا تساءلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن سخاء إدارة وباما في تعاملها مع إيران، بمواصلة تخفيف العقوبات عليها في إطار الاتفاق النووي، وكيف أن طهران تردّ على هذا السخاء باستهداف القطع البحرية الأمريكية في الخليج العربي. وأضافت الصحيفة أن إيران تريد فكّ التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية، فتساءلت ثانية عن توقيت حادثة الصاروخين الذي جاء بعد يوم واحد مما أسمته (ضربة بالخطأ أدّت إلى مقتل مدنيين في صنعاء)، مؤكدة أن الهجوم الفاشل على المدمرة التي كان على متنها مئات البحارة الأمريكيين، تذكيرٌ آخر بأن الاتفاق النووي زاد من طموحات إيران بدل تحجيمها، على الرغم من التنازلات الهائلة من جانب الولايات المتحدة!!

وكان السيناتور جون ماكين وهو رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قد قال في بيان يوم الجمعة الماضي: إن "النظام الإيراني هو من وفّر على الأرجح الصواريخ التي أطلقت على المدمرة الأمريكية "، مشيدًا بـالضربات الناجحة على رادارات في مناطق تخضع لسيطرة الميليشيات. ولم يفته أن يؤكد أن "تزايد السلوك العدواني الإيراني تجاه الولايات المتحدة، سببه تقديم تنازلات لا حصر لها من قبل إدارة أوباما التي دفعت فدية 1.7 مليار دولار، للدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وذلك من أجل إطلاق سراح الأسرى الأمريكيين، لذا فإنها تستخدم هذه الأموال لدعم مذابح بشار الأسد في سورية، وتمويل المتمردين الحوثيين في اليمن الذين يطلقون صواريخ على السفن الأمريكية ".

يتزامن هذا القول مع إعلان وكالات إيرانية إطلاق الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح، صواريخ ايرانية من نوع زلزال 3 على أهداف سعودية منذ أيام، كما يتزامن مع الكشف عن حركة تهريب نشطة لأسلحة إيرانية للحوثيين، عبر منطقة مجاورة للحدود اليمنية قال مسؤولون أمريكيون: إن إيران وظفت علاقتها الجيدة مع تلك المنطقة في زيادة كميات الأسلحة المهربة إلى الحوثيين، وإن بعض تلك الأسلحة قد يكون استخدم في مهاجمة سفن أمريكية وإماراتية في البحر الأحمر والبحر العربي..

وعن تصاعد النشاط الملالي الإرهابي وتوسعه خصوصاً في سورية واليمن - واستخفاف الملالي وأتباعهم برعاة الاتفاق النووي وابتزازهم – أكد الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي، تشارلز كراوثامر، في مقابلة على شبكة فوكس نيوز، أن سبب ذلك يرجع إلى أن الأطراف اللاعبة، وهي: روسيا وإيران وحزب الله وقوات النظام السوري، تدرك تماماً أن الرئيس الأمريكي أوباما، لن يحرك حتى إصبعه، لتغيير الواقع في الفترة المتبقية له في البيت الأبيض.

واستكمالًا لمشروع الملالي الإرهابي التوسعي، أسس المعممون بالتعاون مع القيادات العراقية، ميليشيات الحشد الشيعي، بذريعة محاربة داعش، لكن الأهداف غير المعلنة أبعد من ذلك بكثير، يأتي على رأسها التغيير الديموغرافي للمدن العراقية التي يشكل فيها السنة أغلبية سكانية، إضافة إلى إنشاء طريق إلى البحر المتوسط، لربط العاصمة الإيرانية ببوابة بحرية تطل عليه لتسقط الحواجز بينها وأوروبا، لهذا سيطرت الميليشيات الإيرانية والعراقية، على مناطق عراقية يسكنها عرب سنة جرت فيها عمليات قتل وتهجير يندى لها جبين الإنسانية التي فرغها الملالي وأتباعهم وكل المجتمع الدولي من معانيها. وفي هذا الصدد يذكر مراسل صحيفة الأوبزرفر في بيروت، أن مقابلات أجريت على مدار الأشهر الأربعة الماضية مع مسؤولين وعراقيين نافذين، ومواطنين في شمال سورية، أكدت تلك المقابلات أن معالم الطريق الإيراني نحو المتوسط بدت معروفة، ما يجعل من مهام ميليشيات الحشد الشعبي تحقيق طموحات طهران، بداية من محافظة ديالى العراقية نحو محافظة صلاح الدين حيث شهدت كلتاهما أسوأ حملات التطهير العرقي والطائفي لإفراغ المكون السني، قبل أن يصل الممر الإيراني إلى الموصل حيث تفتقر إيران للعناصر الموالية لها في هذه المنطقة، ولذا زرعت الحكومة العراقية وميليشيات الحشد عناصر طائفية غرب المدينة، بحجة منع مسلحي داعش من الفرار، بينما الواقع تأمين الممر الإيراني في المناطق الحدودية، إلى أن يشق طريقه نحو طرطوس.

ويعدّ تزويد إيران الميليشيات بالسلاح انتهاكاً للقوانين الدولية، وفق ما أكده المتحدث للشؤون السياسية في الأمم المتحدة. لكنها ما زالت تزود الميليشيات الشيعية في مختلف الدول بالسلاح، وبعشرات من صواريخ سكود والقذائف والراجمات.

لقد بات واضحاً لعقلاء العالم، أن الاتفاق النووي كان قرارًا خاطئاً، وأنه ساعد الملالي على الاستمرار في العدوان والاستخفاف بالدول الداعمة، بابتزازها تارة، واستفزازها تارة أخرى، يفعلون هذا في الوقت الذي يعلنون فيه براءتهم من زعزعة أمن المنطقة، متهمين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا بأن "التدخل اللامسؤول لهذه الدول في شؤون سائر الدول أدى إلى اتساع نطاق انعدام الأمن والحروب والإرهاب، وانتهاك سيادة الدول المجاورة لها.. وأن تردي الأوضاع في سورية واليمن والبحرين والعراق وليبيا جاء نتيجة تدخل أغلب الدول.. ولذلك فإن هذه الدول ليست في موقع يؤهلها لتنصح الآخرين بعدم التدخل في شؤون المنطقة" وذلك ردًا على انتقادهم تدخلات إيران في شؤون دول المنطقة!

ختاماً لن يغير إرهابيو إيران عداءهم لدول الخليج العربي، ولن يحول الاتفاق النووي دون أحلامهم التوسعية في المنطقة، ولن يكفوا عن إثارة النعرات المذهبية، وادعاء المظلومية للشيعة العرب، ولن يتوانوا عن تقويض الأمن القومي العربي، وزعزعة الاستقرار في الوطن العربي، مادام هناك من يتواطأ معهم مستفيدًا من أموالهم وتآمرهم، تتساوى في ذلك دول الغرب وبعض دول العرب.

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٦
قبل "إنجاز" الحل النهائي في حلب

تسلك روسيا في سورية سلوك "رجل أعمال" غِنم صفقة كبيرة، ولن يدعها تفلت من يده بأي ثمن، وسيحاول، ما وسعه الجهد، تعظيم هذه الصفقة التي تتمثل ببسط وجودٍ عسكريٍّ دائم في هذا البلد، والتمتع بحرية حركةٍ مطلقةٍ حاضراً ومستقبلا، والقيام بمناوراتٍ عسكريةٍ فعلية، وليس على سبيل المحاكاة، كما يتم في المناورات التقليدية، وذلك باستعراض أسلحته المتطورة وتجريبها، وتحقيق نتائج "فعالة"، مثل تهديم شرق حلب على رؤوس عشرات الآلاف من سكانها. وكانت حلب، منذ العام 2012، قد شهدت تدميراً واسعاً على يد النظام، باستخدام أسلحةٍ روسيةٍ، لا قيد على استخدامها داخل الحدود، ومنها طائرات ميغ وسوخوي، وصواريخ غراد وسام. هذا قبل أن يتدخّل الروس بصورة مباشرة في خريف العام 2015، ويستكملوا تهديم الحاضرة التاريخية التي زيّن لهم من زيّن أنها، في مكونها الديمغرافي وثقافة أهلها ومعتقداتهم، تشبه غروزني الشيشانية التي جرى تهديم 98% منها، وعدد سكانها نحو 300 ألف نسمة في نهاية القرن الماضي. والآن، يقول مسؤولون روس إن غروزني حديثة قد أنشأوها. وبمعنى أنه لا مشكلة في هدم مدينةٍ كاملةٍ تخص شعباً آخر، وبكل إرثها الإنساني والروحي، ما دام في الإمكان بناء مدينةٍ حديثة على أنقاضها، تتبع السلطة فيها لموسكو. وهذا هو المصير الذي يبّيتونه لحلب الشهباء التي تماثل في عظمتها القاهرة وبغداد والقيروان وفاس.

نقلت الأربعاء الماضي (19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري) وكالة تاس الروسية عن أناتولي بونتشوك، وهو نائب مدير دائرة التعاون العسكري والتقني، قوله إن العملية الجارية في سورية أثبتت أن التجهيزات القتالية الروسية ذات خصائص تكتيكية وتقنية عالية في ميدان القتال، وإن نجاحاتنا في مكافحة الإرهاب (في سورية) زادت اهتمام الزبائن الأجانب بالأسلحة روسية الصنع، بما فيها العتاد البحري. ويعلم الجميع أن روسيا لا تكافح "داعش"، بل تكافح المدنيين بممارسة إرهاب الدولة الأجنبية عليهم. ومن الطبيعي أن تؤدي أية أسلحة تقليدية متطورة إلى الفتك بالمدنيين، وتقويض المنشآت المدنية، كالأسواق الشعبية والأحياء السكنية والمخابز والمشافي، وهي الأهداف المفضلة لـ "الأسلحة الروسية ذات التقنية العالية". ويتطلع الروس، في هذه الغضون، إلى سحق المعارضة السورية المسلحة، وأكبر قطاع ممكن من البيئة الديمغرافية للمعارضة خلال الشهور الثلاثة المقبلة، قبل أن يصل رئيسٌ جديدٌ إلى البيت الأبيض، مستغلين ولع الرئيس أوباما في عقد الاجتماعات، وتأمل الوضع في سورية عن بُعد، والامتناع عن الإتيان بأي فعل "حتى لا تسوء الأوضاع أكثر"، علماً أن العزوف الدولي عن اتخاذ أية مبادرة على الأرض وفي الجو هو بالذات ما جعل الوضع يسوء أكثر، وبالذات منذ عامٍ مضى.

يُسهم ترويج الأسلحة الروسية في منح هيبةٍ للدولة الروسية في نزوعها القيصري، ومنافسة الصناعات العسكرية الغربية، وتكريس الاعتماد على السلاح الروسي، كما يُسهم في رفد الخزينة، في ظل انخفاض أسعار البترول، والعقوبات المفروضة أوروبياً وأميركياً، على خلفية التدخل الروسي في أوكرانيا. وقبل أيام، كان أناتالي بونتشوك قد أعلن، في تصريحاتٍ بثتها قناة روسيا اليوم، أن صادرات الأسلحة الروسية بلغت ثمانية مليارات دولار، حتى أغسطس/ آب الماضي، وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد أعلن، في وقت سابق، أن روسيا باعت، في العام 2015، أسلحة بمبلغ 14.5 مليار دولار إلى 58 دولة، في حين يبلغ مجموع الطلبات للسنوات المقبلة حوالي 50 مليار دولار. ويفاخر الروس بأن صادراتهم من الأسلحة تمثل ما نسبته 25% من مجمل صادرات السلاح في العالم، ولا تتقدم، حتى الآن، على روسيا سوى الولايات المتحدة التي تحتل 33% من سوق السلاح العالمي.

وتقدّم موسكو تسهيلاتٍ للتزود بأسلحتها، فقبل أيام، جرى الإعلان في موسكو أن الأخيرة عرضت على الأردن اتفاقاً ملزماً بشراء أسلحة وتجهيزات تقنية بمبلغ 387 مليون دولار، وذلك لسداد قرض للقوات المسلحة الأردنية بقيمة 350 مليون دولار (مع فوائد هذا المبلغ)، وقد تم منح القرض في العام 2006 لشراء تجهيزاتٍ عسكريةٍ روسية، وجرى شراؤها بالفعل كما تقول موسكو. وقد جاء العرض الروسي الذي وافق عليه مجلس الدوما (البرلمان) رداً على طلب الأردن منذ العام 2012 إلغاء الديون الروسية عليه. وبهذه الطريقة، تضمن موسكو التزود بمزيد من أسلحتها، مع تقديم تسهيلات كبيرة.

على هذا النحو، تتم المراهنة اقتصادياً في موسكو على بيع الأسلحة، وربما بأكثر من المراهنة على صادرات الحبوب والنفط والغاز. وتشجّع موسكو، كما واشنطن، السباق بين دول العالم قاطبةً على التسلح، وذلك لضمان ازدهار صناعة الأسلحة الروسية، كما الأميركية.

ولهذا، فإن التدخل الروسي المباشر في سورية، قبل أزيد من عام، قد استهدف، في المقام الأول، الإجهاز على الحل السياسي، المتمثل بمفاوضات جنيف، والاستعاضة عن الحل التفاوضي بلقاءاتٍ يجريها وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في عواصم أوروبية، مع اعتماد الحل العسكري على أوسع نطاق (أو بالأحرى تكريس الحل العسكري الذي اعتمده النظام وتوسيعه)، وهو ما يتوافق مع المصلحة الروسية، بصرف النظر عن رأي السوريين، وكذلك بصرف النظر عن أن المدنيين المنكوبين هم من يتم تجريب الأسلحة المتطورة على أبدانهم.

ولهذا، فإن ما يتواضع العالم والضمير البشري على تسميتها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على يد القوات الروسية في حلب وإدلب، وغيرهما من مدن منكوبة، فإنه، في نظر أصحاب هذا "الإنجاز"، لا يعدو أن يكون فرصةً ثمينةً سانحةً، لاستعراض الأسلحة في عرضٍ حيٍّ أمام زبائن مستهدفين في الخارج.

ومنذ أيام، يجري الحديث عن تحضيرات روسية لـ "حلّ نهائي" في حلب، تتهيأ له سفن حربية في المتوسط، تحمل قاذفات مقاتلة. وبما أن أجزاء واسعة من الشهباء قد جرى تهديمها من قبل بأسلحة روسية استخدمها النظام، أو استخدمها الروس أنفسهم، فإن مهمة تحويل الأجزاء الكبرى من حلب إلى غروزني أخرى تبدو سهلة التحقيق في أنظار الخبراء العسكريين الروس. ولا يؤدي تباطؤ المجتمع الدولي في فرض عقوباتٍ على موسكو سوى لتشجيعها على ارتكاب مزيدٍ من جرائم الحرب، فيما ينشط الوزير لافروف في عقد لقاءاتٍ مع وزراء أوروبيين وسواهم، لإثارة انطباعاتٍ زائفة بالبحث عن حلول مزعومة، فيما الهدف الوحيد روسياً لهذه اللقاءات هو كسب الوقت، وصرف الأنظار عما تفعله القوات الروسية بأسلحتها المتطورة ضد ما تبقى من حلب ومن حلبيين، إضافة إلى أدلب وريف دمشق.

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٦
ردع الذيل أم ردع الكلب؟

يدلي بشار الأسد بتصريحاتٍ عنترية، يريد بها إظهاره بمظهر رئيس مستقل، وإنكار حقيقة أنه صار "دميةً" بيد موسكو وطهران، منذ استدعى جيشي الدولتين لاستعمار سورية، ووافق على أن يكون لهما وجود عسكري وسياسي غير محدود زمنيا فيها.

عندما يدعو حاكمٌ على وشك السقوط قوىً استعمارية لاحتلال بلاده، يتحوّل إلى دميةٍ يتلاعب بها، ويحرّكها سادتها الذين يحمونها؟ وبما أن بشار الأسد غدا دميةً في أيدي غزاة استعماريين يحتلون بلاده، فإنه لم يعد رجل خيار وقرار، للسبب السابق، ولأن الحرب السورية تتحوّل إلى حرب إقليمية كونية الأبعاد، لا علاقة له برسمها وتقريرها، ولا سيطرة له على قواتها. لذلك، يضحك السوريون، عندما يعلن تصميمه على استعادة كل شبر من بلادٍ غدا دميةً بيد محتليها الذين ربط مصيره الشخصي بمرتزقتهم، ويتساءلون: بأي قواتٍ ستستعيد "الدمية" أكثر من 70% من الأرض السورية، إذا كان ما بقي من عسكره عاجزين عن صد أي هجوم على مواقعهم، كما حدث، أخيراً، في ريف حماة، حيث نشرت صور الفرار الجماعي لمئات من ضباطه وجنوده الذين كان قد أخبرهم، مراتٍ عديدة، في عامي الثورة الأولين بأنها "خلصت"، وها هو يحتمي بجيش الاحتلال الروسي، بعد مرور نحو من ستة أعوام على حربه ضد شعب يدّعي أنه موال له، بدلالة ما يلقيه عليه، هو والروس، من براميل متفجرة وقنابل ارتجاجية وفراغية وفسفورية، من طائرات جيشه الذي فرّ ثلاث مراتٍ خلال أقل من خمسة عشر عاماً أمام الجيش الإسرائيلي، بعد أن سلمه الجولان، وسوّغ فراره بافتقاره إلى أسلحة وذخائر، ثم تبين بعد الثورة أن لديه من الأسلحة والذخائر ما مكّنه من شن الحرب ضد شعب سورية الأعزل طوال ستة أعوام، لم يستخدم خلالها معظم الذخائر التي تزوّده روسيا بها يومياً.

قال حسن نصر الله عام 2013 إنه أرسل مرتزقته إلى سورية لإنقاذ بشار الأسد الذي كان على وشك السقوط. وفي نهاية عام 2015، قال بوتين لجنرالاته إنه تدخل في سورية لإنقاذ بشار الأسد من السقوط. لكن من كان على وشك السقوط طوال ثلاثة أعوام يستمتع بدور المهرّج، ويتعنتر على السوريين، مؤكّدا اقتناعهم بأنه يستقوي عليهم بمن يحرسونه منهم، من دون أن يدرك أن تدخلهم جعله من مخلفاتٍ ماضٍ ثاروا عليه، نصّب هلفوتاً مثله رئيساً عليهم، لن يذكر التاريخ من "إنجازاته الوطنية"، غير استدعاء غزاة أجانب، وقطاع طرق، وأفاقين، ومرتزقة من حثالات البشر، لشن الحرب عليهم.

إذا كانت إيران وروسيا قد أنقذتا رجلاً متهالكاً، تسبب في حربٍ يرجّح أن تتسع لتصير إقليمية في الأشهر المقبلة، هل يكون من المقبول التمسك به، بحجة تحقيق حل سياسي، هو الجهة الرئيسة التي تحبطه؟ أم يجب التخلي عنه، وردع منقذه وحاميه: فلاديمير بوتين الذي غزا سورية، ودمر ما كان سليماً من عمرانها وقتل شعبها، وها هو ينقل حربها إلى المجال الدولي، بسياسات حافة الهاوية التي تثير توتراً خطيرا مع أميركا، يرتبط منع انفجاره باتفاق موسكو مع واشنطن على تسوية خلافاتٍ ليس لسورية علاقة بها، وحلول لها تلبي مصالح الكرملين، صار من المؤكد أن الحل السياسي السوري لن يتحقق قبل بلوغها، بعد أن كان اتفاق واشنطن وموسكو على أولويته سبيلهما إليها؟

من دون ردع بوتين، سياسياً وعسكرياً، لن يحول شيء دون انتقال الحرب على سورية إلى المجال الإقليمي، أو تتوقف حرب روسيا ضد سورية. والآن: هل تخطط واشنطن لردع روسيا، أم إنها تخطط لحربٍ إقليمية تمعن في تمزيق دول المنطقة، وتغرق روسيا في لجاجها، كانت دوماً هدف البيت الأبيض وقصده الخفي الذي ساق سورية، ويسوق اليوم الدول الإقليمية، وبوتين الأحمق، إليه؟

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٦
دمارٌ آخر في سورية

طالت، في سورية، الأزمة، الحرب، الثورة، الانتفاضة، المذبحة... إلخ، سمّها ما شئت. طالت أكثر مما قدّرت أكثر التوقعات تشاؤماً، وتوغلت في الدم والحاجة إلى حدودٍ فاقت كل توقع. نعم، تُخرج الأزمات، الحروب، الثورات أجمل ما في الإنسان من تضامناتٍ، فهي لحظة تاريخيةٍ فارقةٍ وتحولية، يسعى أجملنا إلى المساهمة في دفع هذه التحولات إلى المواقع المرغوبة، من خلال دعم الساعين إلى التغيير بالوسائل المالية، أو بدعم الفئات الأكثر حاجةً بين كتلة العائلة القريبة أو الأصدقاء الأقرب لاستمرارهم بالعيش بكرامة. يستحق المستقبل هذه الوقفة وهذا الانحياز، ويستحقّ، كحد أدنى، دعم هذه المتغيرات، هذا مما لا شك فيه، فالحلم بسورية أخرى بات في متناول اليد. كل من يعرف سورية، يعرف قصصاً من تضامن العائلات والأصدقاء لا تصدّق، قصص فيها من الإيثار ما يجعلها نموذجاً استثنائياً في الوفاء، ففي مواجهة الموت والحاجة، هناك دائما ما هو استثنائي في العلاقات بين البشر.

الامتداد الزمني الطويل للحدث السوري، قلب المعادلة أكثر من مرة بين من يدعم، وبين من يحتاج إلى الدعم، هناك مقتدرون كثيرون قدموا الكثير، ليجدوا أنفسهم، في سياق عملية الطحن المستمرة، غير قادرين على إعالة أنفسهم، ما حوّلهم من داعمين إلى محتاجين إلى الدعم. هناك كثيرون ممن عاشوا بنفسٍ عزيزة طوال حياتهم، وكانوا نسيج وحدهم، عصاميين حتى العظم، لم يطلبوا من أحدٍ يوماً أي شيء، كسرتهم الأحداث، وأجبرتهم على طلب حاجتهم من آخرين، ولم يكن الآخرون قادرين على ردهم في أحلك الظروف. هناك عاملون في الخليج تعهدوا حماية عائلاتهم من الحاجة، بعد سنواتٍ وجدوا أنفسهم يفقدون عملهم، لم يعودوا قادرين على إعالة أنفسهم، وانضموا إلى المحتاجين الذين كانوا يعيلونهم. يقول صديقي المقتدر الذي ينحدر من منطقةٍ منكوبةٍ إنه أخذ على عاتقه إعالة كل إخوته وعائلاتهم الذين يعدّون خمساً وأربعين شخصاً، موزعين على ثماني عائلات، الذين فقدوا أعمالهم جميعا، وهو يعتقد أنه سيحتاج أن يصرف عليهم عشر سنوات مقبلة على الأقل. ويقول: لا أعرف إذا كنت أستطيع الاستمرار كل هذه المدة، لكني متأكّد، أنهم سيحتاجون إلى المساعدة سنوات طويلة، وفي هذه السنوات سيزداد عددهم، وهذا من سنّة الحياة، على الرغم من كل الأوضاع الصعبة التي ستعيشها سورية.

إذا كان هذا المثال قريباً إلى تقدير الواقع المقبل، بصرف النظر عن نتائج الصراع على الأرض، حتى لو سقط النظام اليوم، أو تم التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ، تحتاج إلى أكثر من عشرين عاما لتقف على قدميها، فكيف في حال استمرار التدمير الذي نراه، والذي لا يعرف أحدٌ متى يمكن أن يتوقف؟

هناك آخرون ممن تعهدوا أسرهم في الدعم، وجدوا أن القصة طويلة، وأن لا مجد لهم فيها، بعد أن استطالت كل هذا الوقت، وأخذوا ينسحبون من الوقوف إلى جانب عائلاتهم لأسبابٍ واهية، في وقتٍ يزداد وضع هؤلاء تدهورا.

يبدو أن الاستثمار الأفضل، في ظل الأوضاع اليائسة التي تعيشها سورية اليوم، هو هجرة العائلة، أو أفراد منها على الأقل، وعلى هؤلاء الناجين من "المحرقة السورية" تقع مسؤولية إعالة عائلاتهم التي ستبقى في سورية زمناً طويلاً. في تقديري، أن الأغلبية الساحقة من السوريين الذين سيبقون في سورية، أكانوا يعملون أم عاطلين عن العمل، سيبقون بحاجةٍ إلى مساعدة دائمة ومستمرة ودورية، سنوات طويلة ما بعد توقف التدمير في سورية.

كما أن الأزمات تخرج أجمل ما في الإنسان، ففي المقابل، تخرج أسوأ ما عند الآخرين، ولأن السوريين ليسوا شعباً من الملائكة، فإن حجم الصراع على الفتات بين المحتاجين صورة أخرى لاستطالة الأزمة السورية. أصدقاء وأقارب كثيرون عاشوا علاقاتٍ اجتماعيةً جميلة في ما بينهم قبل انطلاق الاحتجاجات في سورية، وجدوا أنفسهم، بسبب التهجير، يعيشون مجتمعين في أماكن صغيرة ضيقة، استمرار ضيق الحال بين الجميع جعلهم يصطدمون مع بعضهم على تفاصيل تافهة، والعلاقات القوية التي بين أشخاصٍ كثيرين عملت الأزمة وضيق الحال على تدميرها، وكانت هذه العلاقات أجمل ما في حياتهم. تقول ابنة أحد الأصدقاء، إنهم كانوا مجموعةً جميلة ومترابطة من الأصدقاء والأقارب قبل الاحتجاجات، أجبرتهم الأزمة على العيش المشترك في منزل واحد في جرمانا قرب دمشق، خرجوا جميعاً من تجربة العيش المشترك مختلفين ومتخاصمين، تحولت الصداقات القوية عداوة، ونميمة تجاه بعضهم البعض مستمرة.

الأزمة الطويلة، والتهجير والاقتلاع الجماعي، والإفقار المستمر، والقهر الواقع على الجميع، كل ذلك وغيره، دفع إلى متغيراتٍ هائلةٍ داخل المجتمع السوري، وداخل العائلة الواحدة في السنوات التي تلت انطلاقة الاحتجاجات، والتي خلفت آثاراً اجتماعية وصحية ونفسيةً، من الصعب الخلاص القريب منها. ليس كل السوريين اليوم أنفسهم الذين كانوا مطلع العام 2011، لم يتغيروا بفعل الزمن فحسب، بل تغيروا، بفعل هول الحدث العاصف والصادم الذي شهده بلدهم، والجريمة الكبرى التي ارتكبها النظام بحق شعبه، والجروح العميقة التي أوقعها في كل بيت سوري. لا يشبه السوريون اليوم السوريين الذين عاشوا في البلاد قبل الانتفاضة. تغير السوريون كما تغيرت معالم كثيرة في بلدهم، وكذا كثير من تكويناتهم وعلاقاتهم الاجتماعية. اختفى الشعب السوري الذي عاش في "مملكة الصمت" الرهيبة للنظام الأسدي. ولكن، لم يولد بعد شعب "جمهورية الحرية". تبدو كل العوامل تلعب دوراً سلبياً في ولادة هذه الجمهورية، وفي الطريق الطويل المليء بالمآسي والصعاب، للوصول إلى هذا الهدف، كل شيء يتغير في سورية، بما فيها التضامنات الاجتماعية الجميلة التي أخذت في الانهيار، تحت الضغوط الهائلة للأزمة السورية. إنها التراجيديا السورية، تراجيديا إنسانية معممة، غير قابلة للرواية والتوثيق، بحكم اتساعها الهائل والمذهل.

اقرأ المزيد
٢٣ أكتوبر ٢٠١٦
العودة إلى سورية

سؤالٌ يبدو أبدياً، يُطرح على كل مثقف سوري يكتب مقالات ينتقد فيها النظام، وخصوصاً ممارسات الأجهزة الأمنية وسلطة الأمن، أو يتحدّث عن معتقلي الرأي، والسؤال الأبدي هو: هل ستجرؤ على العودة إلى سورية بعد كتابتك هذه؟.

أسافر كثيراً خارج وطني سورية، لكنني أعود إليه دوماً، لأنه انتمائي، ولأني أؤمن أن لي كل الحق أن أعيش فيه، وأن أتكلم بنزاهة ومصداقية، والأهم بحرية. ولست وحدي من يتلقى تحذيرات وتخويفا من الأصدقاء، بعد أن نكتب مقالات عن انتهاكات الأجهزة الأمنية وعن المعتقلين، وتحديداً مُعتقلي الرأي، وعن عنف السلطة من استعمال البراميل المتفجرة والدبابات لمحاربة ما تسميها جماعات إرهابية مسلحة.

ما الذي يعنيه في علم النفس أن يُسأل الشعب السوري (23 مليونا قبل الثورة، ونزح حوالي نصفه بعد العنف الفظيع): هل تجرؤ، أيها المثقف الذي تنتقد النظام وأجهزته الأمنية القمعية، على العودة إلى سورية؟ سؤال يعني أن كل الشعب السوري مُروّع من الأمن، وأن ثمة حالة من الرُهاب النفسي التي تقارب الذعر من مجرّد انتقاد النظام والمخابرات، حتى أن العملية التربوية في سورية (بشكل عام وواسع) تعتمد على استمرار تحذير الأولاد من التحدّث بالسياسة، أو الانتماء إلى أحزابٍ معادية للنظام، والذاكرة الجمعية للشعب السوري لا تنسى المعتقلين الإسلاميين، والمنتمين لرابطة العمل الشيوعي، وحتى المدافعين عن حقوق الإنسان، أفواجاً بالآلاف، غُيبوا في السجون، بعضهم عشرين سنة.

أصابت تلك الاعتقالات الناس بحالةٍ من الذعر الأخرس، بل أصبحت لدى بعضهم حالة رهيبة من العُصاب النفسي، تُسمى التماهي مع المُعتدي. وقد أبدع مصطفى حجازي في كتابيه "سيكولوجية الإنسان المقهور" و"سيكولوجية الإنسان المهدور" في تحليلها، وهي أن هول الذعر ممن يمثلون الأجهزة الأمنية يجعل المواطن يبرّر لها استبدادها، ويلوم كل من تجرأ مُعترضاً أو مُخالفاً الرأي الوحيد السائد في سورية. بل يتعمد بعض هؤلاء من ضحايا حالة التماهي هذه أن يجهروا بأن الأجهزة الأمنية على حقّ في اعتقال الشبان الذين سيخرّبون الوطن بأفكارهم المُعادية لسياسة الممانعة والمقاومة التي تمثلها سورية وحدها! ومفهوم المؤامرة أحد ركائز الأجهزة الأمنية في سورية، فكل رأي مُخالف للرأي الأوحد مؤامرة، وصاحبه مدفوع من الخارج، وربما يقبض أموالاً لتخريب البلد، حتى أن مئات الشبان، ومعظمهم دون الثامنة عشرة، اعتقلوا بسبب جرأتهم على تصوير المُظاهرات السلمية بالموبايل، والأكثر إيلاماً الحالة النفسية التي يشعر بها معظم السوريين بأنهم متهمون حتى يثبت العكس، كما لو أن السوري مُضطر لتقديم براءة ذمةٍ يوميةٍ للأجهزة الأمنية، ولأن يسلمها، بكل رضى، عنقه، لكي لا تعتقله ويعدها ألا يفكّر، وبأن لا يتكلم إلا عن نظرية المؤامرة، ولا يؤمن إلا بالله عز وجل، وبأن سورية دولة الممانعة والمقاومة ضد العدو الإسرائيلي.

هذا هو النمط الذي تم فبركة السوري على أساسه عقوداً. لكن، بعد أن انتفض السوريون مطالبين بالحرية، لم يعد هذا السؤال مقبولاً لدى الكتاب الذين ينتقدون النظام وأجهزته الأمنيه: هل ستجرؤ وتعود إلى سورية. وكم أحزنني حين راهن أصدقاء ومعارف على عودتي إلى سورية بعد نشر مقالي "مؤامرة بندر بن سلطان" (العربي الجديد، 23/12/2014)، عن المسرحية الهزلية، حرق المسؤولين في المشفى الوطني في اللاذقية هضبةً من حبوب الهلوسة (كما ادّعوا)، أرسلتها إليهم قناة الجزيرة. ثم مقالات أخرى، وصفت في أحدها شاحنةً محملة بأكوام جثثٍ مشوهة لشبان قُتلوا بالبساطة التي تُقتل فيها الحشرات، مرّت تستعرض بضاعتها في شوارع اللاذقية، ليرى الناس مصير الإرهابيين(!). بعد كل مقال لأصدقائي الكتاب الذين أصرّوا على البقاء في سورية، والتحدّث بحرية، مستعدين لدفع ثمن كلمة الحق، يتساءل السوريون: هل ستجرؤون على العودة إلى سورية، في كل مرة تغادرونها وتكتبون بجرأة؟ وقاطع سوريون مذعورون هؤلاء الكتاب الشجعان، وحذفوهم من صداقاتهم في "فيسبوك"، أو تعمّدوا أن يسخروا من أفكارهم، لإرضاء الأجهزة الأمنية، وإرضاء عنصر المخابرات الصغير المزروع في دماغ كل سوري؟ المنطق الغريب الذي تستعمله معظم أجهزة المخابرات في سورية حين يستدعون كاتباً، بسبب مقالٍ لم يعجبهم: لا يجوز نشر الغسيل الوسخ أمام العالم. .. ما مهمة الكتابة إن لم تنشر الغسيل الوسخ، وتحك عن الفساد والسلبيات في مؤسسات الدولة؟.

سأعود إلى سورية، مع أصدقائي الكتاب الذين يعتبرون الكتابة شرفاً، وكلمة حق، ودفاعاً عن حقوق الإنسان بالحرية والعيش الكريم. وسنستمر بنشر الغسيل الوسخ أمام عيون العالم كله.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٦
أي عراق وأية سورية... بعد حربي الموصل وحلب؟

من الموصل، حيث تقود الولايات المتحدة، بأركانها وطيرانها وسلاحها الحديث (وإن بأيدي العراقيين)، الحرب على «داعش» لطردها من المدينة العراقية، الى حلب في سورية، حيث تقوم روسيا بعملية لا تختلف عن ذلك كثيراً لتفريغ المدينة من سكانها، يقول المشهد السياسي في المنطقة عبارة واحدة: لا دولة في كل من العراق وسورية، على رغم جعجعة النظامين فيهما عن السيادة الوطنية والاستقلال والقرار الحر. بل وأكثر، على رغم الاسطوانة الفارغة والمكررة، لدى ولي أمر النظامين في طهران، عن «المقاومة والممانعة» ضد ما يطلق عليه تمويهاً اسم «الاستكبار العالمي».

واذا كان لـ «الاستكبار» هذا، كما قد يقال، عنوان آخر غير عنوان الدولتين العظميين اللتين تحاربان جنباً الى جنب مع «الولي الفقيه» تحت شعار الدفاع عن تابعيه في العراق وسورية، فهل من معنى بعد ذلك لـ «المقاومة والممانعة»، أو حتى لوجود دولتين مستقلتين ونظامي حكم في بغداد ودمشق؟

لكن السؤال الحقيقي في النهاية ليس هنا. انه عما بعد حرب الموصل وحلب، الذي لن يبقى كما كان قبلها في أي حال... وليس بالنسبة للبلدين المعنيين فقط، انما أساساً بالنسبة الى المنطقة كلها فضلاً عن صورتها في العالم وعلاقات القوى السياسية والاجتماعية والطائفية والعرقية فيها.

فقد يستمرّ، وإن بصورة موقتة، نظام حزب «الدعوة» بحكومة حيدر العبادي في العراق ونظام «البعث» برئاسة بشار الأسد في سورية، لكن عراقاً آخر وسورية أخرى هما حتماً ما سيجد «القائدان المظفران» (ليس مستبعداً أن يعلن العبادي والأسد بطلي تحرير) نفسيهما فيهما بعد انتهاء هذه الحرب.

أي عراق، وأية سورية، بل أية منطقة مختلفة كلياً، سيجد العالم نفسه أمامها بعد حرب تدمير كل من الموصل وحلب، ثاني أكبر مدينتين في البلدين من ناحية، وأكثرها كثافة سكانية من طائفة معينة هي الطائفة الاسلامية السنّية من ناحية ثانية؟

في تصريح لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد لقاء فيينا في شأن الحرب في حلب (للمناسبة، لم يدع اليه النظام السوري) أن تدمير المدينة في شكل كامل، على طريقة غروزني، لن ينهي الحرب لا في سورية ولا في حلب نفسها. في المقابل، قال بيان مشابه لوزارة الخارجية الروسية، بعد بدء العملية الحربية في الموصل، أن هذه المدينة مهددة بكارثة إنسانية. هل ما سبق مجرد اتهامات متبادلة بين الدولتين اللتين تخوضان الحرب هنا وهناك، أم أنه يلمح الى أمر آخر سيبرز الى العلن في المستقبل القريب أو حتى المتوسط والبعيد؟

لم يعد خافياً أن الولايات المتحدة وروسيا لا تريدان التورط في حرب ساخنة بينهما، على رغم تحريك الصواريخ والأساطيل (معظم الأسطول الروسي بات في بحار المنطقة)، لكنهما لم تسلما بعد بما يبدو تعديلاً لميزان القوى الدولي والاقليمي فيها. هل هي الحرب الباردة مجدداً، انطلاقاً من الشرق الأوسط وليس أوروبا هذه المرة، بخاصة أن المنطقة مهيأة لمختلف أنواع الحروب بالوكالة، أم أن الأمر ليس سوى مرحلة البحث بتقاسم النفوذ؟

في الوقت ذاته، لا شك في أن موسكو فلاديمير بوتين تريد، من خلال حربها في حلب، فرض «حسم عسكري» للأزمة في سورية، خصوصاً بعدما أقامت فيها ما وصف بقاعدتين «الى أجل غير مسمى»، عبر معاهدة مكتوبة مع الأسد في جانب، وبموافقة كاملة من حاميه الايراني في جانب آخر. ولهذا، فليست حرب حلب، من وجهة نظرها، إلا معركة في حرب أوسع تشمل الأراضي السورية كلها، ولو أنها تتم سياسياً وإعلامياً، كما كانت منذ بدء التدخل الروسي قبل عام، باسم الحرب على الإرهاب.

لكن أية سورية بعد سقوط حلب، كما أي عراق بعد تحرير الصومال، هما ما قد يشكلان ساحة هذه الحرب؟

لن ينتهي «داعش» في العراق، ولا طبعاً «جبهة فتح الشام» في سورية، لأن مقاتليهما (عشرات الآلاف، وفق كل التقديرات) لا بد سينتشرون في مدن وبلدات وقرى البلدين، فضلاً عن الصحارى الشاسعة فيهما وعبر الحدود الواسعة في ما بينهما، ليشكلوا ما يمكن وصفه بـ «جيوش نائمة» لن تلبث أن تعود الى القتال ضد النظامين اللذين لم يوفرا أداة للقتل والقمع والتدمير والتجويع والتهجير الا واستخدماها بحق شعبي البلدين، كما ضد من يدافع عن هذين النظامين أو يحميهما... من القوات الأميركية، الى الروسية، الى الإيرانية والميليشيات التابعة لها تحت أسماء مختلفة.

ولأنه لا همّ للولايات المتحدة وزميلاتها الأوروبيات سوى منع المقاتلين هؤلاء من الانتقال الى الغرب، كما لا همّ لتركيا سوى إقفال حدودها في وجوههم، فضلاً عن هواجس روسيا وإيران بدورهما من أمر مماثل، فليس مبالغاً فيه القول ان سورية الأخرى (بعد حرب حلب) والعراق الآخر (بعد حرب الموصل) سيكونان الساحة المفتوحة على مصراعيها للحروب المقبلة.

وعملياً، فاذا لم يكن ذلك كله كافياً ستكون ممارسات «الحشد الشعبي» وأشباهه في العراق والميليشيات الايرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية في سورية جاهزة لصب المزيد من الزيت على النار.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٦
كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي؟

قبل 5 أعوام، انقسمت دول المنطقة بين مناصر للربيع العربي، وخصوم له متوجسين منه. انغمس الفريقان في تحولات المنطقة غير المسبوقة، كل تبعاً لاجتهاده، من دون اتفاق بينهما بل مع قدر كبير من التنافس، والنتيجة هي ما نعيشه جميعاً الآن، وأستعير جملة رائعة صاغها الزميل الكبير حازم صاغية في مقالته الأسبوعية بهذه الصفحة قبل أيام تصف واقع الحال الذي نعيشه بأنه «انهيارنا العظيم المتمادي»، فما السبيل لوقف هذا «الانهيار العظيم المتمادي» العابر للحدود والذي كلما توقعنا أننا رأينا أسوأه، يسفر عمّا هو أسوأ؟

لا وقت للتلاوم، ونحن ننتظر صور أحدث هجرة من هجرات أبناء المنطقة، والتي اتسمت بأنها هجرات للسنّة الذين شكلوا تاريخ المشرق العربي، بكل امتداداته التاريخية لزمن الحضارة والازدهار ومقاومة الغزاة. نعم جميعنا ينتظر صور الهجرة الكبرى لسنّة الموصل، تلك المدينة العظيمة التي عقدت فيها يوماً نية الجهاد وتحرير الأقصى من الصليبيين، وشهدت مع حلب، رفيقتها في التاريخ والشهادة، أهم حركة إحياء سنّي قبل ألف عام. على رغم حلكة الليل، ثمة أمل، بأن «الإخوة الكبار» بصدد إعادة ترتيب علاقاتهم والانتقال من التنافس إلى التنسيق، ولكنهم في حاجة إلى إعادة رسم خطوط التماس التي فرقتهم. قبل خمسة أعوام كان الموقف من الربيع العربي والثورات وما تبع ذلك من مواقف حيال الإسلاميين الذين تصدروا المشهد، هو ما حدد المواقع والتمترس خلفها. اليوم اختلط المشهد، وتداخلت التحالفات وتبدلت. ظهر ذلك في الخلاف السعودي - المصري اثر قصة التصويت الشهيرة بمجلس الأمن، إذ بدت مصر وكأنها في المعسكر الآخر الذي يواجه السعودية، حليفها المفترض، ثم أصرت على إظهار «استقلالها» باستقبالها رئيس الاستخبارات السورية علي مملوك بغرض «تنسيق المواقف سياسياً بين سورية ومصر وكذلك تعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان»، كما ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، بعد أن صرخت قائلة: «لن نركع لغير الله» (عبارة خارج السياق والزمان).

في المقابل، وقبل ذلك بأيام يجتمع في الرياض وزراء خارجية دول مجلس التعاون وتركيا في ورشة عمل جادة، يتباحثون وينسقون المواقف ويضعون الخطط لمعالجة قضايا المنطقة الجارية والدامية والمهددة للأمن القومي العربي، أو بالأحرى «أمن المنطقة القومي»، فالأتراك باتوا شركاء مع السعوديين والخليجيين على أرض العرب من الموصل شمالاً حتى اليمن جنوباً، وللأسف غابت عن الاجتماع مصر، على رغم أنها معنية به وبكل تفاصيله.

إذا رسمنا دوائر المتغيرات الحاصلة، وفق معطيات التحالفات القديمة سنجد تداخلاً كبيراً بمن حضر ومن غاب، ما يعطي الأمل بتغير مهم في خطوط الانقسام من ضفتي الموقف من الربيع العربي إلى ضفتي الاستقرار ضد الفوضى، وهو ما ينبغي أن يكون لوقف حال الانهيار العظيم، الذي يراه حازم صاغية «مدهشاً ويستعصي على التفسير وهو يحصل بهذا الحجم الجيولوجي» وهذا التوصيف البليغ للأستاذ صاغية، وهو من عاش تاريخ كوارث العرب في هذا القرن والذي قبله وسجلها بأكثر من كتاب ومقالة، فيتساءل «كيف يمكن أن يجتمع في منطقة واحدة، وفي المرحلة الزمنيّة عينها، انهيار دول بأمّها وأبيها، وانهيار شعوب تغادر بلدانها بالآلاف المؤلّفة؟ وكيف يمكن أن يتزامن انهيار الأفكار والطوائف والإثنيّات والأحزاب والأيديولوجيّات كأنّها أبراج من قشّ؟»

حال الانهيار المتمادي هذه هي ما يجب أن تشكل تحالفات المنطقة، من هو معها أو جاهل بخطرها ومن هو مدرك كارثيتها على الجميع، بناء على ذلك يجب أن تتشكل التحالفات.

الأسابيع الأخيرة شهدت أقبح صور الانهيار في حلب، ثم تتبعها الموصل، ولكنها أيضاً شهدت تحركات تشير إلى تغيير مهم في المسار، ابتدأها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، إذ زار أنقرة، ومن هناك أطلق جملته الشهيرة التي تم تناقلها على نطاق واسع لترسم طبيعة المرحلة إذ قال: «نحن وتركيا مستهدفان، والبلدان بحاجة الى بعضهما البعض»، ما يعني أن الذي يجمع المملكة وتركيا هو إدراكهما الاستهداف والتحديات الممثلة في الفوضى واختراق أمن المنطقة، وبالتالي يجب أن يعملا معاً. هذا يفسر طبيعة اجتماع الرياض بين الخليجيين والأتراك، فالتحديات التي أدركوها مجتمعين جعلتهم ينحون تلك الاختلافات بينهم التي شكلت منحنى سلبياً خلال سنوات الربيع العربي الأولى، الى مرحلة تعاون يجب أن يكون عنوانها «وقف الانهيار العظيم والمتمادي».

يصب هذا في زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الى تركيا، ولقائه المسؤولين هناك بما في ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان، وترافقت الزيارة مع تصريحات دافئة متبادلة بين الطرفين، ما شجع على التفاؤل بأنها إيذان بطي فترة توتر بين البلدين، وما كان لها أن تتم من دون الرغبة والنصح السعوديَين، وإدراك الإمارات وتركيا ضرورة فتح صفحة جديدة للتعامل مع أزمات المنطقة.

ما يجرى في ليبيا اليوم من أحداث يكشف كيف أن الاختلافات الأيديولوجية التي حكمت علاقات «الإخوة الكبار» في المنطقة كانت عبثية، فرئيس وزراء حكومة الإنقاذ خليفة الغويل والذي قاد انقلاباً على حكومة الوفاق المدعومة من المجتمع الدولي كان وحكومته شركاء مع الإسلاميين و «الإخوان»، ولا تزال مجموعة من الميليشيات الإسلامية بشرق ليبيا تدين له بالولاء، في الوقت نفسه مد يده للتصالح مع القائد العسكري خليفة حفتر المعادي بشدة للإسلاميين و «الإخوان»، والمدعوم مصرياً، ويجمعهما اليوم العداء مع حكومة الوفاق التي يقودها السراج المدعوم من السعودية وتونس والجزائر والمغرب، إضافة الى المجتمع الدولي، فمن مع من في ليبيا؟ وأين الأيديولوجيا؟ إنها الفوضى التي غلبت الجميع، فتجلى ذلك في ليبيا، والتي تشكل خريطة «انهيارنا العظيم المتمادي» وهي التي ينبغي أن تتفرغ القوى للقضاء عليها.

كان ينبغي للأخ الأكبر أو «الإخوة الكبار» أن يدعموا عملية التغيير التاريخية في الجمهوريات العربية بترشيدها وتسهيل الخلافات الطبيعية التي ستطرأ بين قوى سياسية عاشت عقوداً تحت حكم قمعي ماتت فيه السياسة وافتقد الجميع مهارات التوافق والديموقراطية. للأسف اختار كل «أخ كبير» مجتمعاً أو متضامناً مع إخوة كبار آخرين يوافقونه الرأي فريقاً في تلك الجمهوريات البائسة، لم ينتصر أحد، وكانت النتيجة التي نراها اليوم، وتجسدها الحال الليبية بتشظياتها التي تولد منها تشظيات أخرى كل بضعة أشهر.

الآن وقد سادت روح التعاون بين «الإخوة الكبار» فالفرصة مواتية لتعديل مسار التاريخ، لترسم خطوط الاتفاق والانقسام الحالية حول من مع «التوافق» ومن هو ضده؟ من يشارك في خطة لإحلال سلام مجتمعي يجمع كل الفرقاء في اليمن وسورية وليبيا ومن يريد نصرة فريق على آخر؟ ويشمل ذلك الأخذ على يد من يعطل اتفاقاً توافقياً، فطرف واحد يمكن أن يخرب عمل جماعة.

ولكن سيبقى «فريق الإخوة الكبار» في المنطقة، مفتقداً لمصر، بحجمها وثقلها الاستراتيجي، ولا بد أن الرياض تشعر بالضيق لأن الحليف الذي تمنت لم يكن معها في الاجتماع الخليجي - التركي، إذ كيف تمكن مناقشة إنقاذ الموصل من إيران، وسورية من الفوضى واليمن من الانقسام، في غياب القاهرة وهي صاحبة علاقة بكل «الأقاليم» العربية الثلاثة. الجيد أنها لم تيأس بعد، لا تزال تأمل بعودة الغائب، وعسى أن يكون ذلك قريباً.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى