دحر تنظيم «داعش» في الموصل سيكون لمصلحة السُنَّة العرب عموماً بقدر ما هو في مصلحة إيران والشيعة في العراق، لأن ضحايا هذا التنظيم الإرهابي هم السُنَّة بالدرجة الأولى، شعباً وحكومات. القضاء على «داعش» بات مطلباً عالمياً وموضع وفاق بين الغرب والشرق، فلا خلاف على ضرورة الحسم العسكري ضده، بل هناك إيكال لمهمة الإشراف على القضاء عليه للولايات المتحدة في العراق ولروسيا في سورية. كل المؤشرات تفيد بأن المعركة العسكرية، وإن طالت، ستنتهي بتحرير الموصل من «داعش»، وأن سحق «داعش» في العراق سيجعله تنظيماً ضعيفاً في سورية. تداخل الساحتين العراقية والسورية سيؤدي إلى ترابط ما بينهما، بما يعني أن لا حل للأمن العراقي بلا حل للأمن السوري، والعكس بالعكس، لا سيما أن كبار اللاعبين الإقليميين كتركيا وإيران، متمسكون بأدوات نفوذهم في الدولتين العربيتين المهمتين، وأن بينهم عنصر الكرد وكل ما يحيط به من وئام وخصام وتلاقي مصالح وتنافسها. معركة الموصل قد تُحسَم عسكرياً خلال أسابيع، كما يقال، لكن تزاحم الأجندات المتعارضة ما بعد المعركة ينذر بتعقيدات وقد يؤدي إلى إلغاء تمرد وولادة تمرد آخر في آن. لذلك، فإن التحذيرات حول الأداء السياسي للحكومة العراقية ترتبط بأدائها في الميدان ومدى سماحها لما يسمى «الحشد الشعبي» الشيعي – الذي تدرب إيران ميليشياته – بالمشاركة في معركة الموصل، ثم استخدام الانتصار لهدف إخضاع السُنَّة في المدينة السنّية الكبرى بالعراق. أما المدينة السنّية الكبرى في سورية، حلب، فإنها قد تكون مرشحة لوقف النزيف، إذا صدقت التعهدات التي توصلت إليها الأطراف المؤثرة التي التقت الأسبوع الماضي في لوزان.
لوزان، أولاً، طبقاً لمصدر قريب من المفاوضات الوزارية التي شملت الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية وقطر وإيران – أضيف إليها العراق ومصر بطلب من طهران واستبعدت منها بريطانيا وفرنسا بموافقة أميركية على مطلب روسي. يقول المصدر أن ما قاله السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، لجهة موافقة تركيا والسعودية وقطر على إقناع أطراف المعارضة السورية بالانفصال عن «جبهة النصرة» كلام صحيح، لكنه ناقص. السفير تشوركين نفى أن يكون هناك مقابل روسي للاستعداد الثلاثي المتعلق بالفصل، وقال علناً أن لا مقابل في المعادلة.
المصدر القريب من المفاوضات أكد أن ما تم التوصل إليه في نهاية المفاوضات هو أن الثلاثي التركي – السعودي – القطري أعرب عن «استعداده للتجاوب مع روسيا عبر النفوذ مع المعارضة السورية المسلحة للانفصال عن جبهة النصرة، إنما، على روسيا مسؤولية موازية وهي أن تتواصل مع النظام في دمشق وتضمن أن يقوم بتجميد عملياته العسكرية في حلب، ووقف القتل الممنهج للمدنيين، وفك الحصار».
«وافق الروس»، يقول المصدر، وبالتالي، ليس صحيحاً أنه لم يكن هناك «مقابل» كما قال تشوركين. اتفق الوزراء على الاستمرار في النقاش وعقد الاجتماعات على مستوى العسكريين على أساس التفاهم «بالاتجاهين».
حديث لوزان انصبّ على حلب قطعاً مع تركيز الروس على إخراج «جبهة النصرة» من حلب وعمل إجراءات انفصال المعارضة السورية عن الجبهة. كانت مقترحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في صلب النقاش رغم اقتناع البعض بأنها ساذجة في جزء منها وبهلوانية، لا سيما عندما تطوّع لمرافقة 900 عنصر من «جبهة النصرة» لمغادرة المدينة.
المصدر أكد أن البحث لم يتطرق إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد لأنه ركّز قطعاً على حلب وعلى المقايضة بين الطرفين الأساسيين وهما: تركيا والسعودية وقطر من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى. لوحظ على دي ميستورا أنه كان أقرب إلى الموقف الروسي ونقل المصدر عنه أنه تحدث عن «صعوبة كبيرة» في تنفيذ ما طُلِب من روسيا وأنه عبّر عن رأيه أنه «أسهل» على الدول الثلاث أن تنفِّذ ما تطلبه منها روسيا وإيران.
الإيرانيون كانوا مترددين في حضور اجتماع لوزان، ثم اشترطوا وجود مصر والعراق. الإصرار الإيراني على وجود مصر في خضمّ التقارب الروسي – المصري واهتزاز العلاقات الخليجية – المصرية أثارا الكثير من التساؤلات والاستغراب. أما الانزعاج الخليجي فقد كان نتيجة قرار استبعاد فرنسا وبريطانيا من الاجتماع.
أثناء الاجتماع، ووفق المصدر، كان وزير الخارجية الإيراني مدافعاً قوياً عن النظام السوري وكان «صوت النظام في الاجتماع». عندما وافق الروس على «المقابل»، لم يكن الإيرانيون طرفاً موافقاً أو معارضاً.
أما الأتراك فإنهم توجهوا بصورة مباشرة إلى الإيرانيين في الاجتماع ليقولوا «عليكم واجبات أيضاً» بالذات لوقف عمليات «حزب الله» والميليشيات في سورية. وأتى الرد الإيراني بتجاهل المطروح والتركيز بدلاً من ذلك على خروج «النصرة» من حلب والقضاء على الإرهاب.
قد تحوّل معركة الموصل الأنظار العالمية عن معركة حلب التي فضحت روسيا بالذات مما سيريح موسكو من الأضواء والانتقادات وسيبعد من دمشق المحاسبة. لكن تدفق تنظيم «داعش» من العراق إلى سورية قد يصعِّب أكثر وأكثر الانتصار الذي يصبو إليه محور روسيا – إيران – النظام والميليشيات الشيعية التابعة لطهران، بل قد يعزز احتمالات سقوطه في مستنقع.
كلام «حزب الله» عن «تكديس» عناصر «داعش» في سورية كإفراز لمعركة الموصل، سوية مع تهديد دمشق بإجراءات غير معروفة لمنع هجرة «داعش» من العراق إلى سورية، إنما يشير إلى القلق من عواقب معركة الموصل على الرقة وعلى معركة حلب. ثم إن «الحرس الثوري» الإيراني – الذي سيكون على الأرجح في معركة الموصل عبر قاسم سليماني – قد يجد نفسه ممزّقاً بين المعركتين على أكبر مدينتين عربيتين سنيتين.
مهما كان، فإن الانتصار في الموصل، بالنسبة لإيران، هو ضرورة قاطعة. كذلك، فإن توحد القوى الشيعية العراقية في الفترة الأخيرة يشير إلى قرار استراتيجي بأن لا مناص من الحكم الشيعي في مناطق السنّة. «فإما على السنّة التعايش مع هذا الواقع مع الشكر، وإما المذبحة التي سترتد عليهم» وفق ما قال مراقب قريب من التفكير الشيعي، اعتبر أن معركة الموصل ستؤدي بالضرورة إلى إخضاع السُنّة.
وهذا تماماً ما يثير مخاوف سنّة العراق وسنّة منطقة الخليج الذين ينظرون إلى رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أنه «الوجه المعتدل للنيات الإيرانية» وفق مصدر خليجي مطّلع أشار إلى أن العبادي أضاف «تجميليات» إلى «الحشد الشيعي» بتحميله العلم العراقي واعتباره مشاركاً في المعركة، إنما ليس في الخط الأمامي منها. وفق هذا المصدر فإن الخليج يعتبر العبادي «رجلاً ضعيفاً غير قادر» على منع «الحشد الشعبي» الذي تديره جماعة نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق، ووراءه إيران، وبالذات «الحرس الثوري».
مشاركة دول الخليج في التحالف الدولي والإقليمي حول الموصل ليست مشاركة عسكرية، إنما قد تكون سياسية ومالية. هناك حوالى 60 ألفاً من الجيش العراقي ومعه «البيشمركة» الكردية وكذلك «الحشد الشعبي» في معركة ضد 4 آلاف من عناصر «داعش» تمد فيها الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا المعونة الجوية وتشارك إيران في إدارتها على الأرض عبر «الحرس الثوري». أمام هذه المعادلة العسكرية، بالتأكيد ستكون هذه نهاية «داعش» في العراق حتى وإن كان بعد فترة طويلة وبكلفة إنسانية باهظة. هذا في العراق، وليس في سورية.
لعل الهدف من إخراج عناصر «داعش» إلى سورية هو تطهير العراق وتلويث سورية، ولعله يكون فخَّاً للالتفاف عليهم وملاحقتهم هناك بعد إنهاكهم عسكرياً.
التصور الأميركي حول الموصل هو أن على الحكومة العراقية أن تمنع «الحشد الشعبي» في الموصل كي لا تثير حفيظة الخليج. وأن على الكرد منع «حزب العمال الكردستاني» من المشاركة في المعركة كي لا يثير ذلك حفيظة الأتراك. ففي العراق، إن مسعود بارزاني وكرد العراق شبه حليف للأتراك، ما يشير إلى أن الأتراك «أصبحت لهم سياسة أكثر تعقيداً وذكاءً من السابق» عبر تمييزهم بين هذه الصداقة وذلك العداء مع «حزب العمال الكردستاني»، يقول المصدر الكردي.
أما إذا أصرت إيران وحلفاؤها في العراق على إدخال «الحشد الشعبي» الشيعي إلى داخل الموصل، فإن «داعش» سيزداد شراسة، والبيئة ستزداد شكوى، ما قد يحملها على أن تفضّل بطش «داعش» على بطش ميليشيات «الحشد» الشيعي.
تحرير الموصل يمكن أن يشكّل عودة عربية مهمة للتأثير في العراق إذا لعبت دول الخليج دوراً مهماً في استئصال الضمانات من الولايات المتحدة ومن الحكومة العراقية لجهة أمان السنَّة وحقوقهم في العراق، بعيداً من نبرة الإذلال وأهداف الإخضاع.
بعد سقوط الهدنة في حلب، بدا سريعًا أن كل ما قيل في واشنطن عن بدائل من الدبلوماسية بعد توقف المحادثات بين جون كيري وسيرغي لافروف، وعن إمكان توجيه ضربات جوية أميركية إلى النظام السوري، لم يكن أكثر من بيانات إنشائية لمجرد الاستهلاك الذي تستدعيه ضرورات الحملة الانتخابية لصالح هيلاري كلينتون.
الدليل الحسي على هذا لم يتأخر، أولاً عندما سارع البيت الأبيض إلى التوضيح أن لا أوباما ولا الكونغرس في وارد توسيع الانخراط العسكري في سوريا، وثانيًا عندما لحس البيت الأبيض سريعًا إعلانه عن وقف التفاوض مع روسيا، فقد سارع كيري إلى الركض وراء لافروف في لوزان يوم السبت الماضي، حيث لم تسجل المحادثات أي تقدم، رغم حرص واشنطن على إشراك الدول الإقليمية الست؛ السعودية وتركيا ومصر وإيران والأردن وقطر، ولو بهدف محاصرة الموقف الروسي الذي يصر على الحسم العسكري في حلب.
اجتماع الأحد الماضي في لندن بين كيري و«أصدقاء سوريا» الأوروبيين؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الذي بدأ بتحريك عملية العقوبات على موسكو والنظام السوري، جعل روسيا تسارع إلى مناورة مكشوفة تمامًا، وهي عرض وقف النار في حلب لمدة ثماني ساعات، مما أثار الاستهجان في الأمم المتحدة على الأقل، لأن هذه المدة ليست كافية لدفن القتلى، فكيف بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين؟ على خطٍ موازٍ كان من المثير جدًا أن يسارع فلاديمير بوتين إلى إظهار أنه هو أيضًا يملك بدائل من الدبلوماسية مع واشنطن، ويستطيع أن يحرّكها فورًا وبطريقة ترضي الإيرانيين حلفاءه في القتال لدعم النظام السوري، وهكذا برز في الأسبوع الماضي أن هذه البدائل ليست سوى الحوثيين وصواريخهم الإيرانية، التي أطلقت فجأة وتباعًا على السفن الأميركية عند الشواطئ اليمنية عند باب المندب.
كان الأمر واضحًا تمامًا: مرتزقة طهران في خدمة موسكو، ففي حين كانت الأنباء تتحدث عن بدائل أوباما من الدبلوماسية وعن بنك من الأهداف السورية رفعت إلى البيت الأبيض، تعرّضت المدمرة «يو إس إس ميسون» لصاروخ أطلق من مواقع الحوثيين في اليمن، فيما بدا أنه رسالة مشتركة روسية - إيرانية على التهديدات الأميركية، وتأكيد على جدية تحذير موسكو السابق، بأن أي عدوان على مواقع النظام السوري يمكن أن يصيب الجنود الروس وسيؤدي إلى زلزلة المنطقة.
رغم إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف ديفيس أن واشنطن لن تدع الهجوم الصاروخي الذي انطلق من أراضٍ يسيطر عليها الحوثيون، والذي استهدف بارجة حربية أميركية قبالة ساحل اليمن، يمر دون عقاب، وعلى الذين أطلقوا الصاروخ تحمل العواقب، وتأكيد السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر أن بلاده تأخذ على محمل الجد الاعتداء على السفينة من قبل الحوثيين، وأن واشنطن والمجتمع الدولي ملتزمان بحماية الملاحة البحرية في المضيق، ولا يجوز السكوت عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، استمر إطلاق الصواريخ.
بعدما تعرضت المدمرة «ميسون» مرة ثانية لصاروخين من مراكز الحوثيين، أطلقت البحرية الأميركية خمسة صواريخ «توماهوك» من المدمرة «يو إس إس نيتز» على ثلاثة مواقع لرادارات متنقلة يديرها الحوثيون، لكن واشنطن حرصت فورًا على أن تصدر بيانات تطمينية، أولاً عندما قال إيريك شولتز المتحدث باسم البيت الأبيض، إن القصف الأميركي ليس تمهيدًا لحملة جديدة، وليس مشاركة بأي شكل في النزاع الطائفي في اليمن، وثانيًا عندما أعلن بيتر كوك المتحدث باسم البنتاغون أن القصف هدفه فقط حماية قواتنا، ونحن لا نسعى إلى دور أكبر في النزاع.. ولست أدري لماذا لم يقل البيان للحوثيين: «سامحونا وعدم المؤاخذة»!
رسالة الرد المخملي الأميركي وصلت طبعًا إلى موسكو وطهران والحوثيين، لكنها كانت بلا هيبة أو مفعول، ولهذا تعرضت ثلاث سفن أميركية مساء يوم السبت الماضي، وهي «ميسون» و«نيتز» و«بوتس» إلى هجمات صاروخية من مراكز الحوثيين، فيما بدا أنه رسالة أكثر سخونة وتحديًا لتأكيد أن البدائل الروسية والإيرانية جاهزة لمواجهة أي عمل عسكري أميركي في سوريا!
في موازاة إطلاق صواريخ الحوثيين كانت حاملة الطائرات الروسية «كوزنتسوف» قد وصلت إلى الشاطئ السوري في سياق تحرك قالت موسكو إنه للرد على أي شكل من أشكال التهديدات، وبينما كانت الصواريخ الإيرانية تنطلق من المواقع الحوثية في اتجاه المدمرات الأميركية، أعلنت طهران عن إرسال سفينتين حربيتين قبالة سواحل عدن وباب المندب، وقياسًا بالموقف الأميركي المهادن لم تكن هناك من حاجة إلى حاملة الطائرات، فقد وصلت المهزلة إلى حد مطاردة عبد الملك الحوثي لأوباما ومدمراته بالصواريخ الإيرانية!
الرياض دانت بشدة الهجوم الصاروخي على المدمرات الأميركية، معتبرة أن هذا عمل إرهابي يعرض الملاحة الدولية للخطر، واستهداف ممنهج من قبل ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران لحركة الملاحة التجارية في باب المندب، خصوصًا أن هذا يأتي بعد هجوم الحوثيين على سفينة للإغاثة الإماراتية بداية الشهر، وبعد إطلاقهم للصواريخ البالستية تجاه الأراضي السعودية، وآخرها تجاه منطقة مكة المكرمة في التاسع من هذا الشهر!
حرص إدارة أوباما على تجاوز الاعتداءات والاكتفاء بالرد المحدود، لا يتلاءم مع أصوات غاضبة ارتفعت في واشنطن، حيث قال رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس السيناتور جون ماكين، إن إيران تدعم الحوثيين في اليمن الذين يطلقون الصواريخ الإيرانية على السفن الأميركية، وذلك بالأموال المُفرج عنها وفق الاتفاق النووي.
ماكين علّق أيضًا على بث إيران فيديو يظهر اعتقال سبانك نمازي رجل الأعمال الإيراني الأميركي في طهران بتهمة التجسس، وكذلك اعتقال البحارة الأميركيين في مياه الخليج من قبل الحرس الثوري بداية السنة، واعتبر الأمر بمثابة «مسلسل لإرعاب أميركا من قبل النظام الإيراني الذي صار أكثر وقاحة بفضل الدولارات المفرج عنها، وللأسف تنفق إيران هذه الدولارات على دعم الأسد والحوثيين الذين يقصفون سفننا بالصواريخ».
ويعتبر ماكين أن سلوك إيران العدواني تجاه أميركا يتزايد، نظرًا لتقديم تنازلات لا حصر لها من قبل إدارة أوباما عبر الصفقة النووية التي يعتبرها خطرة جدًا، لأنه «منذ دخولها حيّز التنفيذ علمنا أن الإدارة الأميركية دفعت فدية بقيمة 1.7 مليار دولار للدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، وذلك من أجل إطلاق سراح الأسرى الأميركيين.. إن صفقة أوباما لن تغير العداء الإيراني تجاه الغرب، ولن توقف طموحاتها لتقويض مصالحنا وأمننا القومي كما ستساهم في زيادة زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط»!
السيناتور ليندسي غراهام يدعو إلى رد حاسم على الحوثيين وإلى التوضيح للإيرانيين أنهم يتحملون مسؤولية ارتكاب المجموعات التي يدعمونها كالحوثيين عن أي أعمال عدائية ضد أميركا، ويعتبر أن قيام إدارة أوباما برفع العقوبات تسبب بإثراء آيات الله، وجعل من إيران كابوسًا ثقيلاً في المنطقة، لكن كل هذه التعليقات لن تغير شيئًا من سياسة أوباما الذي يحزم حقائبه و«لن يحرك حتى إصبعه»، كما كتب المحلل الأميركي المعروف تشارلز كراوثامر!
نعم.. أنا مع نظرية المؤامرة.
منذ بداية القرن الواحد والعشرين والمؤامرة العالمية مستمرة على العراق والشام بشكل خاص، والحديث في هذا يطول..
والموصل هي فصل من فصول حكاية هذه المؤامرة، ومثلها الرمادي والفلوجة وحلب والقصير وداريا وتدمر.
لنقل إن الحكاية بدأت من هروب أو تهريب 500 سجين من عناصر القاعدة في العراق في تموز من عام 2013. في عهد نوري المالكي الميمون.!!.
ما غاية هذا الهروب أو التهريب، لاسيما إذا ما علمنا أن احتجاجات أهل الأنبار السلمية في ذلك الوقت بدأت تفرض حضورها على الساحة السياسية والاجتماعية، وتترك صدى مسموعاً على المستوى العربي والدولي.!!؟.
وزير العدل العراقي السابق حسن الشمري يقول: إن تهريب السجناء كان بهدف تعظيم دور تنظيم القاعدة.
ويقال إن بعض العناصر السابقين في تنظيم القاعدة وافقت على التعامل مع الاستخبارات الإيرانية وانضمت إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية المشكل حديثاً.
ثم استفحل التنظيم إلى أن استولى على الموصل في حزيران عام 2014 بدون أي قتال يُذكر.
كان عدد أفراد الجيش العراقي في الموصل يزيد عن ثلاثين ألفاً هربوا كلهم بالقمصان الداخلية أو بالثياب المدنية أمام سطوة ألفين أو ثلاثة آلاف عنصر من تنظيم الدولة، وهكذا استولى التنظيم على كامل أسلحة الجيش من دبابات ومدافع وأسلحة متطورة، إضافة إلى أكثر من نصف مليار دولار لطشها التنظيم من البنك الحكومي.
كيف حدث هذا.!؟. الجواب عند من يرفضون نظرية المؤامرة.!!.
بعد هيمنة التنظيم على الموصل روّجت إيران لوعدٍ إلهي باستعادة المدينة من خلال عرض إعلامي لصور قاسم سليماني القائد الأسطوري الإيراني الذي لا يقهر.!!، وهو محاط بعساكره، ويتعهد بتحرير الموصل قريباً.
لكن تنظيم الدولة بقي وتمدد في العراق ثم الشام، وفي مناطق العرب السنة حصراً، وأعلن أبو بكر البغدادي الخلافة الإسلامية أمام تهليل وتكبير المريدين، وكيف لا يكون كذلك، والبغدادي القرشي الحسيني، كما يُطلق عليه تفخيماً وتعظيماً، سوف يطبق الشريعة الإسلامية.!!؟. في أراضي دولة الخلافة، وهكذا بدأ يقطع يد السارق ويرجم الزانية ويقتل المرتد ويفرض الجزية على أهل الذمة.!!.
وهذا هو التدمير الثاني للمدن السنية في العراق بعد تدميرها الأول على يد الاحتلال الأميركي، وبعد تدمير المدن السنية في سورية على يد سلطة الأسد والمتعاونين معه من ميليشيا إيران وحزب الله اللبناني، وفيما بعد على يد القيصر الروسي بوتين الذي عاث في الأرض إجراماً.
أمام هذا الخطر الداهم.!! أمر العبادي بتشكيل ميليشيا الحشد الشعبي الطائفي تلبية لنداء السيستاني بالجهاد الكفائي، ثم كانت استراتيجية القرار الإيراني بأن يصبح الحشد الشعبي سلطة موازية أو أقوى من سلطة الجيش العراقي، كما هو الحال مع الحرس الثوري الإيراني.
وهكذا تغولت هذه الميليشيا حتى أصبحت دولة ضمن دولة، فهي لا تتلقى أوامرها من رئيس الوزراء ولا من الجيش العراقي، فقط هي تلتزم بأوامر وتوجيهات مكتب الولي الفقيه في إيران، تماماً كما هو الحال مع ميليشيا حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
واليوم تتألف فصائل الحشد الشعبي من 67 فصيلاً، وهي تموَّل من خزينة العراق وتتحلى بشرعية الوجود، تماماً كما هو حال أي دار بغاء مرخصة بشكل رسمي.
والحكومة العراقية المرخِّصة لهذا الحشد رصدت له هذا العام مبلغ مليار دولار وفتحت له مخازن الجيش العراقي وصار قادراً على صنع صواريخ وعربات عسكرية، جعلت قادته يعلنون صراحة أن الحشد صار أقوى من الجيش العراقي.
ومنذ بداية تشكيل هذا الحشد كان يعتمد على الحقد المذهبي لمحاربة العرب السنة بحجة محاربة داعش.
ولكي تتوالى فصول الحكاية ذبحت داعش رهينة أميركية في أيلول 2014، ثم رهينة ثانية في تشرين الثاني، وهكذا أصبح داعش والإرهاب الإسلامي مشهوراً بذبح الناس الأبرياء، وأمسى الإعلام العالمي والعربي التابع له يشتغل على هذه اللعبة ليلاً نهاراً.
وانتقاماً للذبيحتين أمرت أميركا بتجييش الجيوش وأعلنت عن قيام تحالف من عشرات الدول لمحاربة داعش، وكانت أولى ضرباته الجوية في 19 أيلول 2014.
ويقال إن أول من طالب بإنشاء هذا التحالف هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز حيث حذّر الغرب من داعش وألحّ على التدخل لمحاربته.
واستمرت المطمطة بمحاربة داعش إلى أن أُنهكت المنطقة العربية السنية في العراق والشام، وأخيراً لابد للثمرة من أن تنضج ويحين قطافها.
وهكذا بدأ التحول الكبير، واتُخذ القرار بالقضاء على داعش.
وفي البدء كان العراق، فقد انطلق التدمير الثالث والأخير بحق أهل السنة، فبعده لن يكون هناك شيء قابل للتدمير، وإن حدث فهو تدمير المدمَّر، ويكون حلم نوري المالكي قد تحقق، فهو القائل: سنجعل العرب السنة ثلاثة أقسام، قسم تحت التراب وقسم في بلاد الشتات وقسم يصبحون عبيداً عندنا ".. هذا ما قاله نوري المالكي، كما روي عنه، والله أعلم.
في أقل من عام تم تدمير تكريت والرمادي، والتدمير الأكبر جرى في مدينة الفلوجة، وكان الدور الأكبر للحشد الطائفي في ارتكاب المجاز ضد أهل هذه المدن بحجة انتمائهم لداعش.
والآن جاء دور الموصل، فقبل أيام قليلة بدأت حرب عالمية ضد هذه المدينة، وهي الآن تنتظر مصيرها الأسود، فالتحالف يضم 86 دولة، وهم يواجهون خمسة آلاف أو أكثر قليلاً من داعش. وهناك أكثر من مليون ونصف إنسان محصورون بين المطرقة والسندان.
إذن لن يكون حال الموصل أقل سوءاً من حال الفلوجة.
حيدر العبادي يدّعي أن الحشد الشعبي لن يشارك في تحرير الموصل، لكن ميليشيا القوات العراقية والحشد الشعبي يرفعون الرايات الطائفية ويهتفون بعبارات مذهبية تحريضية، وهم في الطريق الى الموصل، وأحد عوامِّهم يقول: سندخل الموصل والمدينة المنورة ونقيم مجالس حسينية في الكعبة.
أما قيس الخزعلي الامين العام لـ عصائب أهل الحق، والمتخم بالحقد التاريخي، فيقول بالصوت والصورة: تحرير الموصل هو تمهيد لدولة العدل الإلهي وثأر وانتقام من قتلة الحسين لأن هؤلاء الأحفاد ( أهل الموصل ) من أولئك الأجداد ( بني أمية ).
من هنا فإن أميركا تعلم ما سوف يجري في الموصل، ولذلك فإن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي وجه رسالة إلى حيدر العبادي حذر فيها من تكرار سيناريو الفلوجة.
هذه الرسالة أشبه بفقاعة صابون كاذبة، فقبل أن يجف حبر رسالة المسؤول الأميركي، بدأت الأعمال الإجرامية تُرتكب، فعند نزوح المئات من الموصل خوفاً من وقوعهم بين نارين، استقبلتهم ميليشيات الحشد الطائفي، فعبر شريط فيديو ظهر على صفحات التواصل الاجتماعي بدأ أحد عناصر الميليشيات، وهو يهوي بمطرقة حديدية على بعض الفارين من الموصل في عملية تكسير العظام البشرية من المدنيين.
فإذا كانت البداية هكذا، فكيف يكون الحال بعد دخول الميليشيات الطائفية إلى الموصل، والصحف الإيرانية توحي بأن المعركة هي بين الفرس والعرب السنة..!!؟.
في الموصل نحو مليون ونصف إنسان، وكلهم معرضون لمصير مخيف، ولا سيما إذا ما علمنا أن إيران وعبر ميليشياتها سيصبون أحقادهم على أهل الموصل، فالموصل بحسب محلل عسكري عراقي كان برتبة لواء يقول: إن ما يميز الموصل هو أنها كانت تضم عدداً كبيراً من قادة الجيش العراقي، والإيرانيون الآن يريدون الانتقام من هزائمهم على يد العراقيين في حرب الثماني سنوات ".
وذكر المحلل العسكري أن 80 % من عناصر مكافحة الإرهاب في الجيش العراقي هم من المليشيات الإيرانية، فيما ينتسب عناصر الشرطة الاتحادية إلى مليشيا عصائب الحق"، كما أن 95 فصيلاً من الميليشيات الطائفية سيشاركون في المعركة بإدارة مباشرة من المخابرات الإيرانية المعروفة باسم " اطلاعات " وهذا يعني دمار الموصل.
ولا أظن أن اشتراك تركيا في حرب الموصل سيغير كثيراً من معادلة الدمار المتوقع.
من هنا أستعير أخيراً فقرتين من مقالي " الفلوجة وقطع الرؤوس " الذي نشر قبيل سقوط الفلوجة:
إن الفلوجة ( الموصل ) ستسقط، عاجلاً أو آجلاً، وستُرتكب العديد من المجازر بحق الأهالي، ويُشرّد الباقون، ويهيمون تائهين في الآفاق، وتصبح الفلوجة ( الموصل ) قاعاً صفصفاً وأطلالاً دارسة، كما حدث مع مدينة تكريت والرمادي.
أما عناصر تنظيم الدولة، فربما يجري بينهم وبين الميليشيات الإيرانية والعراقية اتفاق باطني..!!. بحيث يتسللون من الفلوجة ( الموصل )، ويتوجهون إلى أماكن أخرى متفق عليها لاستكمال عملية خراب المدن والعمران وإبادة العرب السنة، سواء في العراق أم سورية أم غيرها من البلدان العربية ".
ومن أجل كل ما تقدم أنا أؤمن بنظرية المؤامرة.
لا شك أن تنظيم داعش أصبح بالنسبة للعالم الحديث حصان طروادة الذي تلتف حوله كل المصالح و الاتفاقيات الدولية و الذي مهّد لظهوره و انتشاره و تضخم الأنا المتطرف لديه تخاذل المجتمع الدولي عن واجباته تجاه شعوب الشرق الأوسط و جعل جغرافيتها البشرية و الطبيعية بؤرة لصراع القوى الكبرى في تصفية حساباتهم المؤجلة منذ أيام الحرب الباردة و توسع قطبي الثروة و النفوذ المتمثل بأمريكا و روسيا في إعادة الاعتبار لرسم خارطة فكرية قديمة متجددة من خلال فرض سياساتهم و نفوذهم الاستعماري بعد إحياء النزاعات الطائفية في منطقة تعاني من تظلم قومي و تناحر طائفي و استبداد أنظمة عسكرية بمصائر العباد .
و يمكننا أن نعزو البدء بمعركة الموصل لطرد التنظيم المتطرف منها و تأجيل معركة الرقة و عدم موازاة المعركتين في وقت واحد إلى التعقيد في الأزمة السورية و الصراع الروسي الأمريكي على سوريا و عدم بلوغهما إلى اتفاق حول القوى المشاركة في عملية استعادة الرقة مع عدم وجود جيش موحد للتوغل الميداني و المشاكل التنظيمية و الفكرية التي تعتبر السمة الرئيسة للقوى التي يتم إعدادها لمعركة الرقة سواء الفصائل التابعة للجيش الحر المدعومة من تركيا أو قوات سوريا الديمقراطية التي تعول عليها أمريكا , خاصة أن هاتين القوتين بينهما خلافات جسيمة و اشتباكات مستمرة في نقاط التلاقي فضلاً عن اعتراض كل من وحدات حماية الشعب القوة الرئيسة في قوات سوريا الديمقراطية و تركيا على مشاركة الآخر في المعركة .
بينما حظيت الاستعدادت لمعركة الموصل رغم تأخرها بالجاهزية التامة و توافق قوات الحكومة العراقية المشتركة مع بيشمركة إقليم كوردستان في حصار الموصل و الهجوم عليها مع اتفاق شبه مبدئي على مرحلة ما بعد استعادتها , إضافة إلى رغبة الإدارة الأمريكية بتحقيق انجاز و لو كان جزئياً على الإرهاب المتمثل بداعش قبل نهاية الفترة الرئاسية لأوباما نظراً للانتقادات الكثيرة الموجهة للإدارة الحالية بسبب اللين الذي أظهرته أمام روسيا في إطلاق يدها و قوتها العسكرية في سوريا ناهيك عن عدم وجود جدية لديها في ايجاد حلول سياسية يتوقف بموجبه الحرب الدائرة في سورية منذ خمس سنوات و تميز موقفها بضبط النفس و إنهاك المعسكر الروسي الإيراني من خلال إطالة أمد الأزمة .
و تعتبر الموصل المعقل الأخير لتنظيم داعش في العراق و باستعادتها قد يكون النهاية الحتمية له و يتقلص نفوذه إلى الرقة السورية إلا أن معركة الموصل ستكون شديدة التعقيد بسبب اعتماد التنظيم الإرهابي على المفخخات و العمليات الانتحارية و استخدام المدنيين دروعاً بشرية لتفادي الضربات الجوية و سيحاول الاستماتة ما أمكنه ذلك كونه يدرك أن طول خط الدفاع يكسبه قوة و قدرة أكبر على التصدي و يشتت القوى المهاجمة فضلاً عن انهيار معنويات جنوده حال طردهم من الموصل .
عندما نستقرىء ناحية ما من معضلتنا التي باتت مصدر در المكاسب والغايات لكثير من الجهات ، نضطر إلى ذكر من تسبب بإيجاد هذا الإرهاب المنظّم وذلك بآيادِ هي من بيئتنا في الأغلب , فمما داعش وغيره من ( روبوتات ) إلا صناعة خارقة في الدقة ، وحدها الشعوب المغلوبة على أمرها تكون عرضة لهجماتها وذلك بإيعاز وسيطرة مباشرة من صانعها الذي فاق بحدة تخطيطه كل تخطيط آخر ؟!
لا أعلم إن كانت هذه الحملة العسكرية أو غيرها ستفيد في القضاء على داعش ، وهناك في المقابل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عن النزاعات والطائفية التي وفرت لكل ذلك أرضية خصبة ، وخلقت لهم حواضن متعددة , لا ننس أن نذكّر مرة أخرى أن محاربة داعش في بقعة دون أخرى قد ترجعنا لنقطة البداية. إذن والحال هذا لا بد من قطع دابر هذه الآفة التي أتت على الأخضر واليابس ,ولا خلاص دون تلافي تلك الأزمات الآنفة الذكر ومن ثمَّ تجفيف المنابع ؛ وهذه الأخيرة لن تجيء دون عقل رشيد وحكمة وتكاتف وإخلاص ...
في اللقاء الأول الذي جمعني، كرئيس للمجلس الوطني السوري، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خرجت، بعد أقل من ساعتين بقليل، باستنتاج واحدٍ لم يتغير حتى الآن، هو أنه ليس لموقف روسيا في النزاع السوري الراهن هدفٌ أكبر من الانتقام من الغرب الذي قوّض مواقع موسكو في العراق وليبيا، ومن قبل في أفغانستان وأوروبا الشرقية، وأن موسكو مصمّمة على أن تحوّل الأزمة السورية إلى مدخلٍ لقلب الطاولة على الغرب، وإحباط خططه ومعاقبته على سياسات العزل والتهميش والاستخاف التي عاملها بها خلال عقودٍ ثلاثة، بعد زوال الاتحاد السوفييتي. ولهذا، كان ردّي على تساؤل الوزراء الغربيين الذين كنت ألتقيهم في إطار تجمع أصدقاء الشعب السوري، بشأن ما يريده الروس، وفي ما إذا حققت زيارتي أي نتائج، أن موسكو ليست معنيةً بسورية، إلا بمقدار ما تشكّل بالنسبة لها مناسبةً لإعلان تمرّدها على الغرب، وإظهار قدرتها منذ الآن على مقاومة مخططاته، والضغط عليه، لتأكيد وجودها قوّة عظمى، واستعادة مركزها الدولي، واستعادة الاعتراف بمكانتها العالمية.
جميع هذه المطالب ليست بيدنا، وإنما بيد الغرب. لذلك أيضاً لا يستطيع الروس أن يروا فينا محاورين جديين، ولا مفاوضين، إنما رسل لنقل رسائلهم إلى الغرب، ولا تعنيهم حججنا ولا قضيتنا، ولا يهمهم مصير سورية، ولا مصير الشعب السوري. وهذا يعني أن على أصدقائنا الغربيين، إذا أرادوا أن يساعدونا ويدعموا قضيتنا، ألا يكتفوا بالضغوط والعقوبات على موسكو، وإنما عليهم أن يسعوا إلى فتح حوارٍ مع روسيا، ليس من أجل تقديم تنازلاتٍ مجانية لها في القضايا العالقة التي تهمها في أوكرانيا والقرم ودول البلطيق والدرع الصاروخي وغيرها. ولكن، من أجل إعادة الاعتبار الدولي لها، وحفظ كرامتها وكبح جماح روح الانتقام التي تحرّك سياستها، والتي برزت في مسألة أوكرانيا، وانتهت بإلحاق القرم، وها هي تقود إلى تدمير سورية. وكنت أعتقد، بالفعل، أنه من دون تخلي الغرب عن سياسة عزل موسكو وتهميشها، والسعي، بالعكس، إلى استيعابها، لن يكون من الممكن دفعها إلى تعديل سياستها، وتبني موقف إيجابي لصالح التعاون من أجل السلام والأمن والاستقرار الدولي. لكنني، عندما كنت أتساءل، أمام زملائي الغربيين، عمّا إذا كان حوارهم مع موسكو ممكناً، كان الجواب أنه مستحيل: الغرب لن يفاوض روسيا على أي موضوع من هذه الموضوعات.
لم يتغيّر هذا الوضع حتى الآن، على الرغم من المظاهر. ليس لدى الغرب أي استعداد لفتح مفاوضات من أي نوعٍ مع موسكو، في كل ما يتعلق بالمصالح الغربية في أوروبا بشكل خاص، فهو هنا متشبثٌ إلى أبعد الحدود بعنفوانه وعنجهيته. لكن، بعد سنواتٍ من الصراع المرير في سورية، نجد اليوم وزراء خارجية الغرب، وفي مقدمتهم الوزير جون كيري، يجرون وراء سيرغي لافروف، من عاصمةٍ إلى عاصمة، على أمل أن يحصلوا منه على تنازلٍ، مهما كان جزئياً، يفتح ثغرةً في الوضع المأساوي المعدوم الأفق القائم في سورية، والذي أغلقه الفيتو الروسي بشكلٍ لا سابق له، ضارباً عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية القانونية والأخلاقية، في وقتٍ يفرض فيه الوزير الروسي كل يوم، وفي كل جلسةٍ، شروطه المذلة بحق واشنظن التي كانت تدّعي، وتتصرّف بالفعل حتى مجيء باراك أوباما، كقائدة للعالم.
كيف وصل الوضع إلى هذه الحال، وأصبحت الولايات المتحدة التي لا تزال، على الرغم من كل ما أصابها من عناء، تمثل أعظم قوة عسكرية واقتصادية وسياسية وتقنية وعلمية في التاريخ، تتسوّل حلاً للأزمة السورية لدى دولةٍ لم تكن تعيرها، منذ سنوات قليلة، أي اعتبار، وترفض حتى محاورتها؟ وكيف وجدت الولايات المتحدة نفسها تقف مكتوفة اليدين، وعاجزةً عن القيام بأي فعل أو رد فعل، وهي القوة الأعظم، أمام ما يجري من حرب إبادةٍ يوميةٍ بحق مدنيين، ليس لهم من ذنب سوى انتمائهم إلى شعبٍ تجرأ على المطالبة بحكومةٍ تمثله، وبالحرية التي بنت عليها الولايات المتحدة شرعية نفوذها العالمي، وتدخلاتها التي لم تتوقف في مصائر الشعوب ومستقبلها؟
ليس في هذا أي سر. إنه يعبر ببساطةٍ عن الإخفاق العميق الذي منيت به السياسة الغربية، منذ بداية الأزمة السورية. لا ينجم هذا الإخفاق عن انتزاع روسيا مكاسب استثنائية في سورية، ولا عن فشل الغرب في تحقيق أهدافه فيها، فروسيا والغرب يشتركان في موقفٍ واحدٍ، هو أن كليهما لا يعنيهما أمر سورية والسوريين. لكن، بينما تسعى روسيا، بإغلاق فرص السلام في سورية، إلى إحراج الغرب وتركيعه، وإجباره على فتح مفاوضاتٍ حول ملفاتها الرئيسية المعلقة معه، يحاول الغرب أن ينأى بنفسه بأي ثمن عن الصراع، وهو مستعدٌّ، في سبيل ذلك، لتوكيل موسكو بمهمة التوصل إلى حلٍّ في سورية، لكنه غير مستعد، مهما كان الثمن، خصوصاً عندما يكون من دم السوريين، لتقديم أي تنازلٍ يمسّ بمصالحه وهيمنته العالمية. وبينما ينتظر الغرب للتهرّب من المفاوضات مع موسكو غرق روسيا في ما يسميه المستنقع السوري، تراهن موسكو على التقويض المستمر لصدقية الغرب الاستراتيجية والسياسية والأخلاقية الذي يتفاقم كل يوم مع تجلي عجز الغرب عن القيام بأي فعل، وفقدانه أي خياراتٍ في سورية. وما من شكٍّ في أن روسيا لا تزال الرابحة في هذه المناورة الكبرى، بمقدار ما نجحت في تجنيب نفسها، بنجاحها في إخضاع إيران وحشودها لجدول أعمالها، الانخراط برياً، وبشكل واسع، في الحرب، بينما يكاد الغرب يفقد عناصر قوته، وتسيده السياسية والرمزية، فالعجز عن استخدام القوة مع توفرها يلحق الضرر بصدقية الدول أكثر بكثير من الضرر الناجم عن الافتقار إليها.
أخطأ الغرب في تهميشه روسيا، وإغلاق الباب في وجهها، والسعي إلى ضرب الحصار من حولها عندما كان ينبغي فتح حوار إيجابي لضمها إلى المنظومة الدولية، وتشجيعها على لعب دور إيجابي فيها، بعد زوال الاتحاد السوفييتي. والآن، يخطئ بشكل أكبر، عندما يركع تحت أقدامها، ويقبل التفاوض معها في شروطٍ مذلةٍ حول سورية التي لم تعد أزمةً محليةً، وإنما أصبحت محكّاً للصراع على الهيمنة والمبادئ الدولية. وكان الأولى به أن يرفض أي حوارٍ ما لم تلتزم روسيا وحليفتها الإيرانية بالمواثيق والاتفاقات الدولية، وتتوقف عن القصف الأعمى للمدنيين، وتجويع المدن وحصارها، وترويع سكانها وتهجيرهم.
يحاول الغرب أن يمتصّ نقمة الروس على سياساته الرامية إلى عزلهم، وتهميشهم بتعويضهم في سورية، حيث لا يعتقد أن له مصالح استراتيجية مهمة. وهذا ما فعله أيضاً مع إيران التي فاوض معها على الملف النووي الذي يهمه، لكنه أطلق يدها في الإقليم، وتركها تذرع الخراب والدمار، من دون أن يرميها بحجر، وهو ما فعله كذلك مع نظام الأسد نفسه، حين أباح له القتل بالجملة، ومن دون رادعٍ ولا خوف من عقاب، لمجرد قبوله بتسليم أسلحته الكيماوية. باختصار، لا يقبل الغرب التفاوض على مصالح تخصه، لكنه مستعد للتنازل بأريحيةٍ بالغةٍ في كل ما يتعلق بحيوات الآخرين ومصالحهم ومستقبل أبنائهم، فسواء ذهبت سورية، أم بقيت على قيد الحياة، لن يضير ذلك الغرب في شيء. سوف يتعامل على كل الأحوال مع من يرثها، وفي أسوأ الحالات يمكنه أن يمحوها ببساطةٍ من الذاكرة.
لكن الحقيقة أن الغرب هو اليوم الخاسر الأكبر من فشله في الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الدولية التي انتزعها بالقوة والسياسة والقدرة على تحمل المسؤولية. وخسارة الغرب الأطلسي السياسية والمعنوية أكبر أثراً من أي خسارةٍ عسكرية، وهي ستتفاقم باضطراد. والسبب أن الغرب الذي دفع نحو الاندماج العالمي جعل مصائر الدول والمجتمعات أكثر ترابطاً اليوم من أي وقت مضى. وكما لم يعد من الممكن حصر عواقب اختلال الأمن وزعزعة الاستقرار في منطقة، ومنعه من الانتشار في بقية أجزاء العالم، لم يعد ممكناً حصر هزيمة الغرب في سورية في النطاق السوري، ولا المشرقي. بمقتل هذا البلد العربي الذي لم يكن أبداً حصناً من حصون الغرب، سقطت الهيمنة الغربية العالمية، ومعها كل شاراتها الرمزية، من دون أن يعني ذلك انتزاع روسيا، أو أي قوةٍ أخرى، مكانة الغرب الريادية. لم يحصل ذلك بسبب هزيمةٍ عسكريةٍ ولا أزمة داخلية اقتصادية أو سياسية، وإنما لتخلي واشنطن، عاصمة الغرب، عن التزاماتها الدولية، وتهرّبها من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية التي أقامت على أساسها صرح نفوذها وتفوقها المعنوي وقيادتها العالمية منذ أكثر من قرن.
هذه الأيام كنت أطالع مجلدًا ممتعًا حوى كل أعداد جريدة سعودية قديمة، اسمها «أخبار الظهران» صدرت من ديسمبر (كانون الأول) 1954 حتى أبريل (نيسان) 1957. وكان سجلاً حافلاً ونادرًا للقضايا السعودية، الداخلية والخارجية.
للتذكير، فإن الملك المؤسس عبد العزيز تُوفي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1953، ما يعني قرب عهد جريدة «أخبار الظهران»، التي كان الأديب والصحافي السعودي، الرائد، عبد الكريم الجهيمان هو مدير تحريرها، من عهد النشأة السعودية الحديثة.
في العدد الأول من الجريدة، الصادر، لفتني هذا الخبر، وذلكم النص، عن الملك عبد العزيز، حيث يقول:
«عندما زار مصر في الحرب الأخيرة، استقبل وفدًا من الصحافيين السوريين وأسداهم نصحه الكريم بالدعوة إلى التضامن، وألا يأخذوا بدسائس الغير، ثم قال لهم: لقد كنت أسمع في أذني هذه، وأشار إليها، أن السوريين قوم يقولون كثيرًا، لكنهم لا يجمعون على رأي واحد، وكنت أتجاوز عن هذا القول، لأني مدرك أن دمشق هي مبعث الحركة العربية وصاحبة الفضل الكبير في التقريب بين البعيد والقريب، فعليكم أن تتماسكوا وتهجروا المنافع، فالوقت الآن وقت الملمّات».
ثم يضيف: «لقد عشت خمسًا وعشرين سنة في الفيافي والقفار، ولقيت من شظف العيش ومرارة الحياة شيئًا كثيرًا، ونالني من طعنات السيف والسنان ما جعل الحياة في نظري لا تساوي شيئا مذكورًا بالنسبة إلى إعلاء كلمة الحق ورفع راية الاستقلال (ثم أشار جلالته إلى أحد أصابعه المشوّهة في بعض المعارك وكشف عن ساعده الأيسر مشيرًا إلى طعنة فيه، وإلى طعنات سواها في جسمه)».
يخاطب السوريين آنذاك، بصراحة حول قضيتهم الوطنية: «أنا إن دعوتكم أيها السوريون إلى التضامن والعمل، فإنما أدعوكم من أجل بلادكم، من أجل سوريا (وبدا على جلالته التأثر، فضرب الأرض بعصاه ضربًا خفيفًا). وقال: ثقوا بأني لا أطمع في حكم سوريا، بل أريدها دولة مستقلة استقلالاً تامًا. إن وصيتي لكم أن تعملوا متضامين. إني للعرب عمومًا، ولسوريا خاصة». (جريدة «أخبار الظهران»، العدد الأول، 26 كانون الأول، 1954).
كان حديث سوريا حينها، عن الاستقلال، والاستعمار، والتقسيم، واختلاف الأحزاب والكتل السياسية، وكان حديث عبد العزيز متجهًا لصميم العلّة الشامية التي أضاعت الحق في غبار التنابذ.
الآن، تعاني القضية السورية الوطنية، مع وحشية النظام، وغزو الروس، وإجرام الإيرانيين وتوابعهم، ومصيبة «داعش»، وراديكالية «النصرة»، من التناحر على المناصب والتمثيل والنفوذ، وبعد جهد جهيد ظهر الجسم السياسي الممثل للشعب السوري الرافض لمشروع بشار ومن يدعمه.
ما صحّ بالأمس، يصح اليوم، والاتحاد قوة.
كنتُ أستمع إلى استغاثة الطبيب الجراح الوحيد الباقي في أحد أحياء شرق حلب، وهو يقول: «كل يومٍ في هذه المدينة المنكوبة هو في عُمُر دهرٍ بل دهور. وإذا كان طويلاً عليّ، فهو طويلٌ جدًا على أطفال حلب ونسائها وشيوخها، فليرحمنا الرحمن الرحيم». وما مضت ساعاتٌ على هذه الاستغاثة حتّى رأيتُ أحد المقاتلين الذين دخلوا إلى دابق وقُراها وهو يقول: صحيحٌ أننا ذاهبون إلى بلدة الباب لطرد «داعش» منها، لكنّ هدفنا التالي هو مدينة حلب لإنقاذها من الغُزاة! والمقاتل صادقٌ في طموحه، لكنّ الوقائع على الأرض تجعل من الـ35 كيلومترًا بين دابق وحلب، بمثابة مئات الأميال!
وليست هذه الأيام في عُمُر حلب ومآسيها بمبعدة عن وقائع نحو الألف عام في حياة هذه المدينة منذ فتحها على أيدي العرب، وإلى أن حسم العثمانيون مسألة السيطرة على محيطها ثم عليها عام 1516 - 1517م. بعد فتح حلب في عام 637م استطاع الروم (= البيزنطيون) دخول حلب اثنتي عشرة مرة عبر خمسمائة عام. وقد اتخذ العرب من دابق ونواحيها خطَّ الدفاع الأول عن حلب. ولأنّ دابقًا تقع وسط مروجٍ ممتدة، فقد ظلّت عُرضة لهجمات الروم في نهضات الدولة البيزنطية، ويقول المسعودي إنّ مرج دابق جرى تبادُلُهُ زُهاء العشرين مرة خلال ثلاثين عامًا، مما دفع العرب إلى بناء تحصينات هائلة في المرج خاصة، ولذلك تكثر في أنحاء المرج «الخرائب» المقترنة بأسماء القرى، التي هي في الأصل حصون، أو آثار لقرى ومزارع كانت عامرة. و«الحدث الحمراء» التي يذكرها المتنبي في قصيدته «على قدر أهل العزم» في امتداح سيف الدولة الحمداني، هي إحدى القلاع، التي كان القصدُ من بنائها الدفاع عن حلب، التي اتخذها سيف الدولة عاصمة لإمارته.
لقد كانت الصوائف والشواتي التي سميتْ بها الحملات العربية أيام الأُمويين والعباسيين، هدفها حفظ محيط حلب من أجل حفظ المدينة. ولأنّ المحيط شاسعٌ جدًا حتى بمقاييس مواصلات اليوم؛ فإنّ مقارّ المرابطين بالصيف والشتاء تحولت بدورها إلى إمارات تصغُر أو تكبُر تبعًا لقدرة مقاتليها على الصمود في وجه الهجمات، إلى أن انتصر السلاجقة في موقعة ملا زكرد عام 1071م وأسروا إمبراطور الروم آنذاك، وتغلغلوا في آسيا الصغرى، فابتعدت الجبهة عن حلب إلى وراء ما صار يُعرفُ اليوم بباب الهوا، الذي صار مركزًا حدوديًا بين تركيا وسوريا. ولذا فإنّ ملاحم الدفاع عن حلب، تُشبه في نظر المؤرّخ ابن الأثير، ملاحم الدفاع عن القدس وعن عسقلان والكرك أيام الحروب الصليبية.
لماذا نذكر هذا كلَّه اليوم؟ نذكره ليس لتعزية النفس فقط (والتعزّي مسوَّغ لسوء الحظ)؛ بل للقول إنّ حلب كانت دائمًا مدينة استراتيجية، لوقوعها على التخوم بين الدول والإمبراطوريات. وهي دُرّة في الموقع والوظائف بحيث كان الجميع حريصين على الاستيلاء عليها مهما بلغ الثمن. والطريف أنّ سليم الأول عندما اندفع للاستيلاء عليها وواجهه الجيش المملوكي بقيادة قنصوه الغوري ملك مصر والشام آنذاك بمرج دابق للدفاع عن حلب؛ إنما كان بين أسباب هجمة العثماني، اتهامه الغوري بالتآمُر مع إسماعيل شاه الصفوي الذي كان سليم قد هزمه في وقعة جالديران عام 1514م. وبالطبع ما كان الصفوي وقتها طامعًا ولا قادرًا على الاقتراب من حلب بعد هزيمته المدوّية. لكنّ الأمر اليوم الذي يستحق الذكر أنّ عشرات الألوف من الإيرانيين والمتأيرنين بحلب ومن حولها، يقاتلون ويموتون هناك، مرة للدفاع عن «العتبات»، ومرة للدفاع عن الأسد الممانع، وهذه المرة كما يقولون لأنهم يريدون استعادة شيعية حلب! وقد كانت حلب مدينة عالمية منذ قرونٍ وقرون وفيها العرب والتركمان والأكراد، وبين هؤلاء جميعًا السنة والشيعة. لكنّ ناصر الدولة ابن حمدان، وابن أخيه سيف الدولة، ويقال إنهما كانا شيعيين، عندما دعاهما الفاطميون للولاء لهم مقابل ترك المدينة بأيديهم، أَبَيا ذلك، وانصرفا للدفاع عن عروبة الدولة وعن بني العباس، باعتبار أنّ الأمر كما قال المتنبي: «لا يصلُحُ عُرْبٌ ملوكُها عَجَمُ».
إنّ التاريخ لا يعيد نفسه، أو أنه يقع التشابه بين البدء ووهم الإعادة، بين المأساة والملهاة. والكوميديا المأساوية اليوم في المدينة ومن حولها هو الصراعُ بين الإيرانيين والأتراك وعلى سوريا والعراق. حضر الإيرانيون إلى حلب بعد حمص بدعوة من الأسد الضرغام أو من دون دعوة، فكان لا بد أن يحضر الترك. في حمص كان همُّ الإيرانيين والمتأيرنين غير القتل والتهجير نبش قبر خالد بن الوليد لأنه كما قالوا كان خصمًا لعلي وفاطمة! ولا ندري في دمشق وحلب قبور من نبشوا وينبشون. بيد أنّ التاريخ لفظاعته يصبح بمثابة الأُسطورة، أو هو يرتقي إلى مصافّها(!). ما قال الأتراك إنهم دخلوا سوريا قاصدين حلب، بل قالوا إنهم يريدون الحيلولة دون قيام كيان كردي على حدودهم. ثم ها هم يقولون الآن إنهم يريدون إقامة المنطقة الآمنة بعد طول انتظار. لكنهم بعد دابق سيجدون أنفسهم في مواجهة الإيرانيين. ولن يقبل الروس والأميركيون ذلك، لكنّ أحدًا من السوريين لا يقبل أيضًا أن تكون حلب للإيرانيين الذين هبَّ الروس لنجدتهم ونجدة الأسد. وكان المتنبي يقول في القصيدة، إياها: «وكيف تُرجّي الروم والروس هَدْمها - وذا الطعنُ آساسٌ لها ودعائمُ»، الروس ما يزالون روسًا، فهل صار الإيرانيون رومًا؟! وبالمناسبة؛ فإنه في بحث حسن نصر الله الحثيث عن فضائل للهجمة الروسية، قال - لا فُضَّ فوه - إنهم منعوا تقسيم سوريا!
ليست حيوات المدن كحيوات الأفراد. إنما ما قيمة المدينة من دون ناسها؟ الجرّاح الحلبي يومُهُ طويل، وليلُهُ أطول، وكان المتنبي قد تساءل عن مشاعر سيف الدولة في ليل حلب المدلهمّ: «فكيف ليلُ فتى الفتيان في حلب؟». نعم إنّ ليل المدن العربية المنكوبة طويلٌ كنهارها، ومن حلب إلى دمشق، إلى تعز وصنعاء وبيروت وبغداد. كلُّ هذه المدن غاصّة بالغُزاة، والذين يريدون الحلولَ محلَّ أهلها، الذين عاشوا فيها وعمروها وصنعوا حياتها وهم يدافعون عنها ولا يقبلون موتها.
في مرويات الآثار الملحمية أنّ دمشق، وأنّ حلب، تبقيان بعد خراب الأمصار. وفي المرويات أيضًا، بحسب الشيخ الطبّاخ، أنّ المُرابط بحلب له عشرة أضعاف أجور المرابطين بالثغور، فهل يكون الطبيب الحلبي منهم؟ إن لم يكن طبيب حلب وأطفالها ومقاتلوها من المرابطين، فمن يكون المرابطون إذن؟
بداية لا بد من التأكيد على أنَّ معركة الموصل التي انطلقت فجر يوم الاثنين الماضي وكانت بدايتها بداية موفقة وناجحة، حيث أعرب وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر عن اعتقاده بأن حسمها يحتاج إلى أكثر من أربعة أسابيع، هي في جانب رئيسي منها معركة أميركية داخلية وأن الرئيس باراك أوباما أرادها إنجازًا يسبق الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تجري في الثامن من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لتعزيز المكانة الانتخابية لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون التي كانت عملت إلى جانبه وزيرة للخارجية وإنْ فترة قصيرة.
والمعروف أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب قد دأب خلال هذه المعركة الانتخابية على الأخذ على الرئيس باراك أوباما الديمقراطي بأنه «قصَّر» في مواجهة «داعش» وأنه كان بإمكانه أن يقضي على هذا التنظيم الإرهابي قبل أن يصبح بكل هذه القوة وقبل أن يتجذر في العراق وسوريا وقبل أن ينتشر كل هذا الانتشار ويشكل هذا الخطر الحقيقي والفعلي على الولايات المتحدة وعلى الدول الأوروبية والعالم بأسره.
ولذلك فإن الرئيس باراك أوباما قد بادر لإسناد مرشحة حزبه، الحزب الديمقراطي، بشن أول حرب فعلية على «داعش» وخوض معركة الموصل التي كانت قد بدأت بداية ناجحة، بعد تطويق خلافات الأطراف المعنية بالتهدئة بين بغداد وأربيل وبالاتفاق على عدم دخول قوات الحشد الشعبي في عمق هذه المدينة السنية ومنع الأزمة المستجدة بين تركيا والحكومة العراقية من الانفجار وفوق هذا كله إسناد العمليات التي يقوم بها الجيش الحر بدعم تركي في المناطق الحدودية السورية - التركية.
إنه لم يكن بالإمكان الإقدام على مثل هذه المواجهة الصعبة مع هذا التنظيم الإرهابي بدءًا بإخراجه من مدينة الموصل، التي كان احتلاله لها بتواطؤ من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ومعه عدد من كبار ضباط جيشه، قبل إخماد كل هذه البؤر المتأججة وقبل تهدئة كل هذه التوترات بين مَنْ مِن المفترض أنهم يشكلون ضد «داعش» جبهة واحدة، وهنا فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الرئيس باراك أوباما كان قد حرص حرصًا شديدًا على تجنب الدخول في مواجهة عسكرية مع الروس وإنْ محدودة طالما أنه اتخذ قرار معركة الموصل كبداية لاقتلاع تنظيم ما يسمى: «الدولة الإسلامية» المزعومة من العراق وسوريا والمفترض أيضًا من الشرق الأوسط ومن العالم بأسره وهذا إنْ بقيت رياح مواصلة هذه المواجهة ناشطة وتهب في الاتجاه الصحيح.
والغريب فعلاً أنَّ الأميركيين، والمقصود هو هذه الإدارة التي على رأسها باراك أوباما، كانوا يقولون إن القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، الذي لم يستهدف ولو بعملية واحدة لا روسيا الاتحادية ولا نظام بشار الأسد ولا إيران، يحتاج إلى خمسة عشر عامًا وهذا مع أنهم كانوا قد بادروا، للقضاء على «داعش»، إلى تشكيل تحالف دولي برئاسة الولايات المتحدة الأميركية ضم أكثر من ستين دولة، من بينها بعض الدول العربية، لكنه - أي هذا الحلف - بقي يتعامل مع وضع بكل هذه الخطورة بمجرد الطلعات الجوية الاستعراضية مِما عزز القناعة لدى كثيرين بأنه من المستحيل القضاء على هذه «الآفة» التي غدت كونية أو على الأقل إخراجها من بعض مواقعها الرئيسية.
ثم ولعل ما يجب تذكُّره ونحن بصدد الحديث عن هذا التنظيم، الذي لا شك في أن الهدف الرئيسي لتشكيله وإعطائه هذا الاسم: «الدولة الإسلامية» هو تشويه الدين الإسلامي، وبخاصة في الولايات المتحدة وفي الغرب الأوروبي، هو أن الروس بقوا يتمسكون ومعهم إيران بالطبع بمقولة إن الأولوية هي للقضاء على «داعش» وإن الجهة الوحيدة القادرة على القيام بهذه المهمة هي: «الجيش العربي السوري»، أي جيش بشار الأسد، الذي من المعروف أنه سلَّم مدينة الرقة تسليم اليد لهؤلاء الإرهابيين الذين أعلنوها عاصمة لهم دأبوا على الانطلاق منها إلى وجودهم العسكري في هذه المنطقة كلها.
وهنا ألا يعني استمرار هذه الحرب التدميرية، التي يشنها الروس بقصفاتهم الاستراتيجية وبكل ما يملكون من إمكانات عسكرية، ومعهم الإيرانيون ونظام بشار الأسد، على حلب حتى بعد بدء معركة تحرير الموصل أنهم يقفون حيث يقف
«داعش» وأنه غير مستغرب أن تصبح معادلة المواجهات في سوريا وفي العراق وفي المنطقة الشرق أوسطية كلها أكثر وضوحًا وأن تتكشف الأمور على حقيقتها وتصبح المواجهة بين هذه الأطراف الأربعة، أي روسيا وإيران ونظام بشار الأسد وهذا التنظيم الإرهابي، وبين الأميركيين وتحالفهم ومعهم من يؤيدهم من دول الغرب ومن الدول العربية!!
لقد ثبت الآن أن أولوية روسيا ومعها حلفها الشيطاني، الذي يضم إيران ونظام بشار الأسد وأكثر من أربعين تشكيلاً طائفيًا مرجعيتها الولي الفقيه في طهران، على رأسها «النجباء» و«عصائب أهل الحق» وحزب الله اللبناني، هي ليست القضاء لا على «داعش» ولا على «النصرة» التي اتخذت اسمًا لاحقًا هو: جيش فتح الشام «جفش»، وإنما القضاء على المعارضة السورية المعتدلة وعلى الجيش الحر الذي ثبت أنه الوحيد الذي قاتل ولا يزال يقاتل «داعش» على الأراضي السورية على الأقل.. وإلا فإنَّ المفترض أن يبادر فلاديمير بوتين بمجرد بدء معركة تحرير الموصل إلى وقف القتال في حلب وإعلان الانضمام إلى هذه المواجهة التي بدأت في ثاني أكبر مدينة عراقية فجر يوم الاثنين الماضي وعلى اعتبار أن الأولوية ي فعلاً للقضاء على ما يسمى زورًا وبهتانًا: «الدولة الإسلامية».
وحقيقة أن تجارب الأعوام الخمسة الماضية قد أثبتت أنه ضرب من الوهم وإلى حدِّ العمى السياسي أن تكون هناك مراهنة، حتى من قبل أصحاب النيات الحسنة والمعروفين بطيبة قلوبهم، على انضمام روسيا وحلفائها إلى هذه المعركة التي بدأت فجر الاثنين الماضي فقد ثبت أن الروس كانوا، مثلهم مثل إيران ومثل نظام بشار الأسد، وراء خلق «داعش» وحمايته والسعي على مدى كل هذه الفترة الدامية الطويلة إلى إبعاد الاستهداف عنه وتوجيه هذا الاستهداف إلى الجيش
الحر والمعارضة السورية المعتدلة.. وهكذا فإنه غير مستبعد، كما يقول البعض، ن تكون تلك العمليات الإرهابية التي كانت ضربت باريس وبروكسل.. والغرب كله في مقدمته الولايات المتحدة لها علاقة إنْ بصورة مباشرة أو غير مباشرة
بالمخابرات الإيرانية وربما أيضًا بالمخابرات الروسية.
في كل الأحوال، فإن السؤال الذي يتردد الآن في هذه المنطقة وفي الغرب كله وفي الولايات المتحدة هو: هل أن معركة الموصل يا ترى سوف تستمر وتتواصل وسوف تنتقل من العراق إلى سوريا وإلى كل مكان فيه لهذا التنظيم الإرهابي
ولو خلية سرطانية واحدة أم أن الأيام المقبلة ستثبت أن هذه المعركة هي مجرد معركة «توظيف» وأنها ستتوقف، حتى وإن أُخرج «داعش» من هذه المدينة العراقية، عند مجرد إسناد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في معركة الانتخابات الرئاسية التي من المفترض أنْ تنتهي بإجراء انتخابات يوم الثامن من نوفمبر المقبل؟!
بمجرد الإعلان عن طلب إيران الوساطة التركية بينها والسعودية، بدأت التحليلات لمعرفة أسباب رغبة طهران في إعادة العلاقات مع المملكة، وهي لا تزال تقتل وتجرم وتعربد في سورية والعراق واليمن ولبنان، وترسل الميليشيات والعصابات الإجرامية إلى دول الخليج للتفجير والتدمير. ولذلك لا بد من مقابلة تلك التساؤلات بتساؤلات لا تقل أهمية.
هل بالفعل، نجحت السعودية في نفض «هستيريا إيران»؟ وهل تمكنت من كبح جماح إيران ولجم تحركاتها في المنطقة على رغم كثرة ضجيجها وجرائم ميليشياتها؟ ألا يمكن اعتبار طلب إيران «الوساطة التركية» بروباغندا جديدة وتسويقاً لوجه آخر
والأهم، هل لاستعراض السعودية قوتها وعضلاتها واستعدادها للمواجهة، دور في ذلك بعد إقامة مناورات «رعد الشمال» (برية وجوية)، وهي الأضخم في المنطقة بمشاركة دول عدة، بينها دول عربية وإسلامية منها باكستان وتركيا ومصر والإمارات والسودان. وكذلك إقامة «درع الخليج» المناورات البحرية الأضخم في مياه الخليج ومضيق هرمز على مرأى ومسمع من الدولة الفارسية؟
ماذا يعني للخصم الإيراني اللدود أن تنجح المملكة في بناء تحالفين يعتبران الأهمين في تاريخ المنطقة من حيث الزمان، والمكان، والهدف، ورسالة «الردع»؟
أيضا، ماذا يعني قيادة السعودية لتحالفين مهمين، أحدهما عربي، لإعادة الشرعية في اليمن، والآخر إسلامي، يضم 40 دولة؟ وماذا يعني أن تستبعد إيران من التحالف الإسلامي وترفض وجودها رفضاً قاطعاً باعتبارها «رأس الشر» في المنطقة؟
ماذا يعني أن تواجه المملكة إيران في منطقة القرن الأفريقي، بل إن بعض تلك الدول الأفريقية قامت بقطع علاقاتها مع إيران تأييداً لقرار السعودية وتصعيداً معها، بعد حرق سفارتها في طهران، وممثليتها في مشهد؟
ماذا يعني أن يرفض السودان التعاون مع إيران ويغلق مكاتبها وممثلياتها، وينحاز للرياض، محذراً من الأهداف التخريبية الإيرانية؟
من اللافت، أن المرشد الإيراني خامنئي في أول شهر سبتمبر الماضي، أعلن أن تطوير القدرات «الدفاعية والهجومية» حق لبلاده لا يمكن التخلي عنه. أعتقد أنها المرة الأولى التي يستخدم فيها خامنئي لفظ «هجومية»، ما جعل واشنطن وحلفاءها الغربيين يشعرون بخيبة أمل بعد مضي عام على الاتفاق النووي مع إيران، وعدم تغير سلوكها ومزاجها التهديدي، وممارسات حرسها الثوري عبر الزج بالميليشيات الطائفية ووكلائه وواجهاته في عمليات إرهابية، مع استمرار التصعيد في مياه الخليج، عبر هجمات تشنها زوارق إيرانية صغيرة.
لا يزال «البنتاغون»، وعلى رغم تزايد الخشية الدولية من التحركات الإيرانية، يصنف قدراتها إجمالا بأنها «ضعيفة»، كونها لا تملك أنواع الأسلحة الملائمة لشن هجمات تدمر القدرات الحيوية العسكرية، أو البنية الأساسية لمن تعده خصما لها. وإذا شئنا الدقة فإن إيران لا تملك جيشاً قوياً كبقية الجيوش التي لديها أسلحة جوية وبحرية وبرية قادرة على تحقيق الأهداف الهجومية كما يمكن أن تفعل تركيا أو باكستان مثالاً.
ويُعزى ذلك إلى أن إيران تفتقر منذ العام 1979 إلى التكنولوجيا اللازمة، كما أنها أهملت جيش الشاه، وأنشأ الخميني موازيا له الحرس الثوري لحماية نظامه من السقوط في حال قيام ثورة شعبية ضده.
ويضاف لذلك أن إيران وضعت نصب عينيها بعد الثورة كيفية الرد على التهديد الأمريكي، ولأنها لا تستطيع بلوغ القدرات القتالية غير التقليدية التي تملكها أمريكا، فقد حرصت على بناء قوات عسكرية تمزج بين التقليدي وغير التقليدي، ليمكنها أن تهاجم أي نقاط ضعف في المنطقة لدى أمريكا وحلفائها. لكن إبرام الاتفاق الغربي مع إيران بشأن برنامجها النووي غيّر المعادلة، بإتاحته موارد مالية أكبر لطهران بعضها تسلمته (نقداً) من إدارة أوباما، مع تخفيف القيود على تصدير التكنولوجيا، وصادرات السلاح لإيران، وتضاؤل التهديدات الغربية للنظام الإيراني، وهو ما جعلها تتصرف كشرطي في المنطقة.
في المقابل، هناك خيبات ومرارة إيرانية، بعد ظهور ضعف قدرات الحرس الثوري في سورية والعراق ووكلائه (حزب الله، الحشد الشعبي وبقية خلاياها الإرهابية في المنطقة) وحتى استخدامها للصواريخ البالستية ليس كافياً حتى بعد سنوات قادمة، وليست قوة يعتمد عليها. والملاحظ أن إيران قامت أخيراً بتعزيز الحرس الثوري والجيش الذي ورثته من الشاه، في أول عملية إعادة بناء منذ حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق (1980 - 1988)، ما يشير إلى نياتها القيام بعمليات عسكرية مباشرة.
وإذا كان ذلك سيدفع خامنئي للاستثمار في تطوير القدرات «الهجومية» لبلاده، فماذا يمكننا أن نرى في القادم من الأيام؟ ستقوم إيران بالاعتماد على قوات مزودة بصواريخ دقيقة التصويب؟ (الصواريخ البالستية الإيرانية الحالية غير دقيقة ولا تخدم سوى الأغراض النفسية بحسب محللين عسكريين)، وتطوير قواتها الجوية، بعد أن أظهرت الحرب في سورية أنه من دون مساندة جوية قوية لن تكون هناك فاعلية للقوة الإيرانية، ولولا التدخل الروسي لغرقت إيران وميليشياتها في المستنقع السوري غرقاً تاماً وتكبدت خسائر تاريخية. لكن برنامج التطوير العسكري الإيراني، بحسب ما نشر في صحف أمريكية، يتطلب أموالاً طائلة، وهو ما تفتقر إليه حالياً. ولكنها لن تتراجع وستستمر في نهجها الراهن المعتمد في حروبها على وكلائها وميليشياتها وواجهاتها الإجرامية، في توظيف «الإرهاب غير التقليدي» لمهاجمة دول في المنطقة كما تفعل حالياً. ولن تتوقف إيران عن ممارساتها الخبيثة وخططها التوسعية بغية الهيمنة، طالما تشعر بأن الغرب يسايرها ويتجاهل أفعالها!
لا تزال دول مثل العراق ولبنان وسورية في عهدة الحرس الثوري الإيراني وقيادات تلك الدول ضعيفة أمام قاسم سليماني.
كما أن طهران تعتمد على تحريك طابورها وخلاياها في منطقة الخليج العربي، وفبركة الأحداث واختلاق الأكاذيب مثل كذبة قناة العالم الإيرانية بأن السعودية عرضت على الداعية التركي المقيم في بنسلفانيا فتح الله غولن اللجوء إلى المملكة بهدف توتير العلاقات السعودية - التركية، يسند خططها إعلام أصفر يجيد التضليل الإعلامي والحقن الطائفي والمذهبي.
الأكيد أن إيران دولة مارقة، لا حدود لها في الكذب والتضليل والإجرام، ولا تتوقف عن افتعال الأزمات، هرباً من واقعها، وتصديراً لمشكلاتها الداخلية بعد أن وصل عدد من هم تحت خط الفقر المدقع إلى 15 مليون نسمة، وقد فقدت من رصيدها الكثير في العالمين العربي والإسلامي، وإدارة أوباما أخفقت بمجاملتها، وستغادر البيت الأبيض غير مأسوف عليها.. بينما تمكنت السعودية من تكبيل بعض أحلام طهران في دول الجوار الجغرافي وأثبتت أنها لا تخشى المواجهة، والشواهد حاضرة ولافتة في سورية واليمن والبحرين.
إن طلب الوساطة عبر تركيا لا يعدو أن يكون جزءا أصيلاً من العبث والمراوغة، اللذين اعتادت طهران ممارستهما لكسب الوقت، ريثما تلتقط أنفاسها من النكسات المدوية التي تواجهها في أماكن عدة. وهي مراوغة جبانة، لأنها لا تواجه خصمها بنفسها، بل تعمد إلى استئجار الأذناب والتُّبَّع واجهاتٍ لينوبوا عنها، ولا يهم إيران وعملاءها أن يبيدوا شعباً، أو يغيروا جغرافية منطقة. يهمهم فقط تحقيق مرامي السياسة الإيرانية المتآمرة، المبنية على الاستعداء الطائفي، والتأجيج المذهبي، والإرهاب، وزعزعة استقرار الدول. وخير مثال على ذلك مشاركة طهران في اجتماع لوزان السبت الماضي لمحاولة إحياء الهدنة في سورية، فقد أرسلت وزير خارجيتها إلى سويسرا وهي تواصل إراقة دماء المدنيين في حلب ومدن وبلدات سورية لا حصر لها. وما أرسلته إلا لتبدو بمظهر الحريص على السلام، وهي الوالِغة في دماء السوريين والعراقيين واليمنيين وقبلهم اللبنانيين، ولن تشعر مطلقاً بالرَّوَاء إلا بكسر شوكتها باعتبارها مصنعاً مفرخاً للإرهاب تستضيف قادته وتمول عناصره وتفرز سمومه.
إيران لا تمل العبث بالحجارة، وكأنها لا تعلم أن بيتها من زجاج، والمهم في الأمر، أن السعودية قادرة على ذر الملح على جروح طهران وإعطاب صفحات تاريخها الأسود أكثر!.
تتضارب التسميات التي تلحق بمحافظة ادلب في شمال سوريا ، مع تواصل عمليات التوافد إليها من شتى المناطق السورية التي يتم افراغها من ثوارها، وتحولت خلال عام ، لأكبر تجمع للثوار من مختلف الأعراق و الايدلوجيات و كذلك الانتماءات التنظيمية و المناطقية، و باتت “المحشر” للثورة السورية بانتظار القيامة أو العودة للانطلاق من جديد.
من أرض الانتصارات إلى المحافظة الأولى المحررة بشكل شبه كامل ، لتصل إلى منبع الفتوحات ، ولتتحول رويداً رويداً مع توافد المهجرين من محيط دمشق القريب و البعيد ، إلى الثقب الأسود مع همسات متفاوتة بين التفاؤل بأن تكون “يثرب” التي لجئ إليها الرسول الكريم “صل الله عليه و سلم” ، أو مدينة “غزة” الفلسطينية التي تتراوح بين الموت و الحياة حسب ما يشتهي العدو الاسرائيلي أو يرغب الجار المصري.
لا يمكن قراءة الأوضاع في ادلب في من وجهة نظر تقوم على أن ما يجري، هو شيء مفروض و طبيعي في ظل تخلي العالم بعربه و عجمه عن الشعب السوري و ثورته، و بالتالي النجاة بأقل الخسائر الممكنة و النزوح داخل سوريا، كي لا نصاب بداء الجفاء الذي يقتل محاولات العودة من جديد للأرض التي انتزعنا منها، اذا ما اتجهنا لخارج الحدود.
قد لا يكون مفاجئٍ ما تعرض له أهالي المعضمية ، فجر اليوم ، عندما وصلوا لأرض الميعاد “ادلب” ، من استقبال باهت، وغياب أي تحضيرات أو مكان شبه مناسب للاقامة، فمع تزايد الوافدين و ضعف ذات البين لدى المستضيف، الذي يضيّف مئات الآلاف في حواضره و ريفه و جباله و هضابه، بات الوجه البارد ليس مذمة، و إنما البحث عن النتائج أو حلول جذرية، هو الكلام الأجدى نفعاً.
فمنذ أن احتضنت ادلب أهالي حماه الفارين من الانتكاسات هناك و كذلك أهالي دير الزور و الرقة و ريف اللاذقية وصولاً إلى أهالي حمص و اليوم دمشق و محيطها و لانعرف على من يأتي الدور ، كانت الأحاديث عن رغبة جمعية (الأسد و حلفاءه بمباركة شبه رسمية من دول العالم و منظماته)، بتحويل ادلب الخضراء لمكان تجميع كل الخارجين عن السيطرة ، تمهيداً لتحويلها لـ”غزة” جديدة محاصرة بقوات الأسد و المليشيات الايرانية و مرتبطة مع الحياة عبر “باب الهوا”.
في حين يعاند آخرون هذا الطرح، و يعتبره أن انهزامي و تشاؤمي، و يرى بادلب اليوم في حالة تشابه “يثرب” التي احتضنت الرسول الأكرم (عليه الصلاة و السلام)، تمهيداً لترتيب الأوراق و التوحد بغية الانطلاق من جديد باتجاه مكة أو كما نصبو دمشق لانهاء وجود “الكفرة” أو رأس نظام الأسد.
ويبقي الوضع الضبابي في ادلب يسيطر على المحللين و قارئي التطورات ، كما يبقى النزاع بين التمسيات قائماً إلى حين غلبة الصحيح ، فهل سنشهد قصفاً عاماً و شاملاً أم جنة رغداء و أرض التحضير .
على أبواب الموصل، أطلق الأتراك والعرب صافرة الإنذار، وحذروا كل الأطراف المشاركة في تحريرها من مغبة اللعب بالتوازن السكاني للمدينة وما حولها.
فخديعة مشاركة بعض الأطراف في هذه المعركة تحت ذريعة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، ما هي إلا غطاء من أجل فرض الهيمنة على هذه المنطقة. وفي قناعة الأتراك ودول الخليج أن هذه الجهات لن تتوانى، من أجل الوصول إلى أهدافها، عن دفع ميليشياتها الطائفية إلى تكرار ما فعلته في مناطق أخرى تم طرد التنظيم الإرهابي منها، والقيام بعملية تطهير عرقي تؤدي إلى تغيير ديموغرافي، مما سوف يخرج المعركة عن أهدافها، ويتحول الخلاص من «داعش» إلى كابوس، يؤدي إلى إخلاء الموصل من أهلها، في إطار سياسة تهجير منظم، تنفذها ميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، الطامح إلى تأمين ممرات برية بين إيران وسوريا عبر شمال العراق، تؤمن لعدده وعتاده عبورًا آمنًا إلى الشمال السوري وصولاً إلى مدينة حلب، وهذا ما استفزّ أنقرة، ودفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى رفع مستوى التحدي في تصريحاته، حيث أكد أول من أمس (الاثنين) أن قواته ستشارك في معركة تحرير الموصل «شاءوا أم أبوا».
تستحوذ الموصل وحلب على الحيز الأكبر من الذاكرة التركية العثمانية، خصوصًا بعد أن أعادت أحداث المنطقة المتسارعة الاعتبار لموقعهما الجغرافي، ضمن المجال الحيوي التركي، مما دفع أنقرة إلى المجاهرة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في لحظة اضطراب جيو - سياسية تعصف بالمنطقة، دفاعًا عن فضائها الاستراتيجي في سوريا والعراق. هذا التحول في الموقف، يعتمد في جزء من حساباته على الذاكرة العربية - التركية في غلافها العثماني، وفي محاولة استرجاعها، لتوظيفها في إطار المصالح المشتركة بين الجانبين التركي والعربي، حيث يتوجب عليهما تنقية الذاكرة من رواسب تاريخية أليمة وضرورة تجاوزها.
ففي بداية القرن السادس عشر، لم تتأخر السلطنة العثمانية في الرد السريع والحاسم على تواطؤ الحاكم الجديد لإيران، شاه إسماعيل الصفوي، مع البرتغاليين والمماليك، ومحاولته المبكرة الالتفاف على الدولة العثمانية والاستعانة بالبرتغاليين من أجل الوصول إلى اليمن والحجاز، وبالمماليك بهدف الحصول على موطئ قدم في بلاد الشام، لكنه دفع الثمن سريعًا على جرائمه المذهبية في بغداد، التي احتلها سنة 1508، والتي فرضت عليه منازلة حاسمة مع العثمانيين في جالديران في عام 1514، وتلتها معركة مرج دابق سنة 1516 بين العثمانيين ومماليك مصر، الذين وقفوا إلى جانب الصفويين ضد العثمانيين، وقد شكل الانتصار العثماني في كلتا المعركتين نهاية للطموحات الصفوية في الولايات العربية، وإلى سيطرة السلطان سليم الأول على بلاد الشام ومصر، لتعيش إيران طوال قرون عقدة الجدار العثماني، الذي حاصرها داخل الهضبة الإيرانية وجعلها بين فكي كماشة تركي وعربي يشكلان الأغلبية الإسلامية.
وعليه، فقد شكل لقاء الرياض الذي جمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع نظيرهم التركي يوم الخميس الماضي، نقطة تحول بنّاءة تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية، تفرض التوصل إلى حد أدنى من توافق المصالح،
الذي يعزز القدرة تدريجيًا على التوصل إلى تفاهمات استراتيجية طويلة الأمد، تهيئ لقيام رؤية مشتركة حول أغلب قضايا المنطقة، من خلال إعادة تجميع للمكونين الرئيسيين العربي والتركي، باعتبارهما يشكلان الجدار العثماني، الذي كان لقرون عدة السد المنيع بوجه أغلب الغزاة الذين حاولوا العبور باتجاه شرق المتوسط.
مرة جديدة تستغرق طهران في قراءة الأحجام والإمكانيات وفقًا لشروطها، وتراهن على الطائرات الروسية في حلب، والأميركية في الموصل، من أجل القفز فوق حدود سايكس – بيكو، وتجاوز ثوابت مائة عام من الموروث العثماني الذي تتشارك أنقرة والعواصم الخليجية في الحفاظ على حدوده التاريخية في العراق وسوريا، حماية التوازن السكاني الذي يتعرض لعملية تغيير مدروسة، مما يجعل احتمال الرد التركي السعودي الخليجي على العبث الإيراني والغطرسة الروسية أمرًا غير مستبعد، خصوصًا بعد التصريح الأخير لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي قال إن بلاده ستقدم المزيد من السلاح للمعارضة السورية، الذي لن يتم دون المشاركة التركية، التي ستجد نفسها قريبًا مضطرة للتوازن في علاقتها مع موسكو وطهران، حيث لن تقف مصالحها الاقتصادية معهما عائقًا أمام الدفاع عن حلب والموصل، بعدما أصبحت عملية درع الفرات والانتشار في قاعدة بعشيقة تحظيان بغطاء إقليمي.
دون أوهام أو رهانات مصيرية، حسم الأتراك وعرب الخليج أمرهم وأصبحوا أكثر استعدادًا لإنجاز تقاربات تحفظ لكل طرف خصوصياته، وما التحية التي ألقاها وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد على قبر مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك إلا المؤشر الصريح للمكان الذي تنطلق منه ورشة إعادة التأسيس للعلاقات التركية – الخليجية.
تسربت مؤخراً إلى العلن تسجيلات كان من المفترض أن تبقى قيد السرية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ما ورد في هذه التسجيلات من كلام كيري عندما خاطب مجموعة من المعارضين والناشطين السوريين، ربما تعكس الأسباب الحقيقية وراء عدم استهداف الولايات المتحدة لعناصر حزب الله العاملة في سوريا.
فبحسب وزير الخارجية كيري، فإن حزب الله "لا يتآمر ضد" مصالح الولايات المتحدة، واستناداً لهذه الحقيقة قررت الإدارة الأمريكية غض الطرف عن أنشطة الحزب في سوريا. قد لا يظهر الخطر من التغاضي عن نشاطات حزب الله في سوريا مباشرة على المصالح الأمريكية، لكن المشكلة في أن التغاضي عن نشاطات حزب الله في سوريا لها آثار بعيدة المدى، فالرؤى والمصالح المختلفة التي لدى الطرفين فكونه لا يستهدف حالياً المصالح الأمريكية لا يعني ذلك أن هناك توافقا في الرؤى لدى الطرفين ولا يعني أيضاً أن الحزب لا يتآمر بشكل مباشر أو غير مباشر ضد المصالح الأمريكية.
بعض الخبراء والمحللين السياسيين الغربيين يعتقدون بأن ظاهرة الميليشيات الشيعية المتطرفة ليس لديها ذلك الصدى والتأثير على المصالح الغربية في المنطقة مقارنة بنظيرتها السنية مثل داعش والقاعدة، من المرجح اليوم أن نشهد عودة قوية لظهور ما يسمى بالهلال الشيعي في المنطقة سببه الدفع لفرض واقع جديد بالقوة المسلحة من خلال الدعم الإيراني لميليشيات مسلحة كحزب الله وغيره من الميليشيات الشيعية المتطرفة في سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين، إضافة إلى تجنيد عناصر مدفوعة طائفياً من أفغانستان وباكستان. هذا التحول سوف يؤجج حالة عدم الاستقرار في حال ترك الأمر على ما هو عليه وسيؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة بغض النظر عن من يتآمر بشكل مباشر أو غير مباشر على المصالح الأمريكية بل سيرسل المنطقة كلها إلى الجحيم.
الفيلسوف الألماني هيجل يقول إن التاريخ يعيد نفسه كما تعيد الشمس دورتها من نقطة الانقلاب، مقولة هيجل تلك وباستعراض تاريخي سريع يتبين أن الدول الراعية والداعمة للجماعات الفاعلة غير الحكومية بهدف التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، هو عبارة عن عامل زعزعة للاستقرار ككل، فقد عانت مثلا دول الخليج السنية، حلفاء الغرب والولايات المتحدة ولفترة طويلة من أطماع إيران الجيوسياسية لفرض هيمنتها على المنطقة.
نصّبت طهران نفسها من خلال ولاية الفقيه، المدرسة التي استحضرها وبلورها مؤسس جمهورية إيران الإسلامية آية الله الخميني، كممثل عن المسلمين الشيعة في العالم. تبدو الاختلافات بين إيران وباقي المجتمعات الشيعية في العالم العربي في المعتقدات واللغة والثقافة غير مهمة وليست ذات علاقة طالما أن حزب الله يلمع في هذه المجتمعات كعلامة تجارية لشرعنة أسباب وجوده مدعوما من إيران في المنطقة.
خلق هذا الرابط الخاطئ بين إيران والمجتمعات الشيعية من خلال حزب الله هو بمثابة حجر أساس لاستيراد فكر الفكر الثوري الإيراني والتفسير المتشدد للدين الإسلامي. إذا كانت سياسة "الاحتواء" هي سياسة أمريكا تجاه إيران، فإن رسالة كيري تعتبر غير منطقية بعض الشيء. إنه من مصلحة الجميع وليس فقط أمريكا كبح جناح نشاطات حزب الله وتحجيمه.
تاريخياً ظهر حزب الله في لبنان مدعوماً من إيران عام ١٩٨٢، ومنذ تأسيسه، أعلنت هذه الميليشيا الشيعية هدفها الرئيسي وهو تدمير والقضاء على إسرائيل، حليف أمريكا الأساسي في الشرق الأوسط. اعتنق حزب الله الفكر الإيديولوجي المتطرف لإيران والذي ينادي بإقامة جمهورية إسلامية بناء على تفسير متعصب ومتشدد للقرآن. عقيدة حزب الله وداعش قد تكون تختلف ولكنهما يلتقيان في التطرف بغض النظر عن المسميات.
لقد عمل حزب الله على تثبيت أقدامه من خلال تكتيكات حرب العصابات والتي كانت واضحة بشكل جلي وحتى قبل ظهور القاعدة أو أي حركة إسلامية سنية متشددة للقتال في العراق أو سوريا. يملك حزب الله تاريخا في الهجوم على أهداف أمريكية وإسرائيلية حول العالم. فتفجيرات بيروت عام ١٩٨٣ والتي نتج عنها خسارة ٢٤١ من الأمريكيين العاملين في الحكومة الأمريكية خير دليل، وقد قادت التحقيقات إلى ضلوع حزب الله في العملية. إن سجل حزب الله حافل ويعبر عن الكثير من النوايا الانتقامية تجاه أمريكا وحلفائها.
تجاهلت الاستراتيجية الأمريكية الحالية وبشكل فاضح قلق حلفائها في المنطقة. فبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، عبرت كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية عن حالة عدم الثقة تجاه إيران وعدم الرضا من العلاقة الجديدة التي نشأت بينهما. أفضى توقيع المعاهدة إلى رفع العقوبات عن إيران، وبالتالي أعطى هذا الأمر للحرس الثوري الإيراني- فرع من الجيش الايراني- مساحة جديدة للعمل بشكل حر وبدون قيود في المنطقة وبالأخص في سوريا والعراق من خلال استخدام الأموال التي تم تحريرها لدعم جماعاته المسلحة في المنطقة كحزب الله. نتيجة لذلك، لم تعد تستطيع الولايات المتحدة الضغط على إيران لتغيير موقفها في سوريا مما أدى إلى ارتفاع حدة التوتر بين الطرفين الأمريكي والإيراني.
الأمر هو مسألة وقت ليس أكثر قبل أن يقوم "محور المقاومة" بتفعيل سلسلة من العمليات المباشرة والكاملة لاستهداف ليس فقط المصالح الأمريكية في المنطقة بل أيضا مصالح حلفائها. هذا إذا افترضنا جدلا أن القائمين على وضع السياسات الأمريكية على علم كامل بتبعات ونتائج الفكر الإيديولوجي القائم على بناء جمهورية إسلامية مشابهة للخلافة الإسلامية بفكر داعش من خلال تفسير متشدد للقرآن واستخدام القوة العسكرية لتطبيقه وإرهاب الآخرين. تماما بشكل مماثل للفكر السلفي الجهادي لجماعات مثل داعش والقاعدة، فإن ولاية الفقيه تؤمن بأهمية تقديم الأسباب الدينية لتبرير وشرعنة تجنيد المقاتلين ودفعهم للموت تحت غطاء الشهادة من خلال استهداف "الشيطان الأكبر" الغرب وحلفائه.
هناك توافق دولي على أن الأمل الوحيد في سوريا لوضع حد للحرب هو العمل على تسوية سياسية تقبل بها جميع الأطراف المتناحرة. يتم من خلال هذه التسوية السياسية وضع حل لمشكلة الأسد والجماعات المسلحة الشيعية التابعة له، وروسيا من جهة، والجماعات المتطرفة الأخرى كداعش وجبهة فتح الشام من جهة أخرى. كل هذه الأطراف يجب أن تتحمل المسؤولية وتبعات الموقف في سوريا>
ومع هذا، على الغرب أن يفهم أن الأسد هو السبب الرئيسي لاستمرار دوامة العنف في سوريا. ولا يمكن للأسد أن يكون جزءا من الحل، ولكن على الأرجح ووفق ما تفيد به وقائع الديموغرافيا والنماذج الموجودة لهياكل أنظمة الحكم في المنطقة، قد يكون من الأفضل استبدال شخصية الأسد بشخصية سنية لتقود مجلسا وطنيا مكونا من ممثلين عن كافة الأطراف المتنازعة بما فيها المعارضة المسلحة المعتدلة وممثلون عن النظام. بالإضافة إلى وضع دستور وعقد اجتماعي جديد يحمي حقوق الأقليات الدينية والعرقية في سوريا. يمكن لهكذا مقترح أن يلقى أذنا صاغية لدى روسيا و بالأخص أن ميدفيديف سابقا عبر أن مصلحة روسيا تكمن في إبقاء سوريا حليفا لروسيا وليس في شخص الأسد.
المهمة القادمة التي ستضطلع بها الإدارة الأمريكية الجديدة وحلفائها في الغرب هي العمل على إعادة بناء الثقة مع حلفائهم التقليديين في المنطقة كتركيا، والأردن، ودول الخليج. هذا يعني إشراك الأوربيين في محادثات ثنائية وجماعية مع باقي الأطراف لبحث تسويات مختلفة يمكن أن تتوافق عليها هذه الأطراف. من الممكن أن الوزير كيري ينظر إلى أن القضاء على المتطرفين السنة كأولوية في الصراع، لكن لا يمكنه أن يشيح بنظره عن قوة طائفية متطرفة أخرى في المنطقة كحزب الله. في وضع فوضوي كما هو حال المنطقة الآن، الموضوع ليس سوى مسألة وقت قبل أن تصبح الميليشيات الشيعية المتطرفة خطرا مباشرا جديا على الولايات المتحدة الأمريكية.