مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٤ أكتوبر ٢٠١٦
لماذا تعثّر البديل السوري أميركياً؟

لم يتعثّر البديل السوري روسياً وحسب، بل تعثر أميركياً أيضاً. وعلى الرغم مما كانت أميركا قد تعهدت به من جعل حقوق الإنسان أحد البنود التي ستلزم سياستها الخارجية بها، فإنها اتخذت، منذ البداية، موقفاً متوجّساً من الثورة، على الرغم من أنها التزمت ببناء دولةٍ ديمقراطيةٍ، لمجتمعٍ ذي سويةٍ ديناميةٍ وثقافيةٍ حديثة، لأن قيام دولةٍ كهذه يهدّد إسرائيل التي تحتل أراضي سورية، وتفتقر إلى قدراتٍ مماثلةٍ لقدرات الشعب السوري، وستواجه مصاعب جدية، بمجرّد أن يفعل النظام الديمقراطي العتيد ديناميته التي عطلها الاستبداد، فإن أصابت عدوى الديمقراطية العالم العربي، صار الخطر على إسرائيل وجودياً، ووقعت في ورطةٍ ستلزمها بتغيير حساباتها تجاه العرب، وستغيّر حسابات العالم تجاهها، وهي التي لم تتخلص إطلاقاً من مشكلاتها الوجودية مع الفلسطينيين، فإنْ نال هؤلاء استقلالهم، وأقاموا دولتهم الحرّة والسيدة، في حاضنةٍ عربيةٍ ديمقراطية وحديثة، تعرّضت لتحدياتٍ ستجهض مشروعها التوسعي/ الاستيطاني، وتضعف مجتمعها الهش الاندماج، ولن يبقى لها من خيار غير العيش، بدلالة الظرف العربي الجديد، والإقلاع عن فرض إرادتها على جيرانها، وإرغامهم على العيش تحت سطوة قوتها التي سجنتهم، مذ تأسّس كيانها في قلب منطقتهم، داخل مأزق تاريخي، عزّزه تأخرهم، وتخلف نظمهم الأيديولوجية والسياسية التي ستحرّرهم ثورة الحرية منها، وستقلب صفحتها، وتفتح صفحة جديدة يبدأ معها تاريخ عربي/ إنساني جديد.

في حساباتها الواقعية، بنت واشنطن مواقفها على المفردات التي اعتمدتها موسكو، وتتلخص في رؤية الحدث السوري، على ضوء المصالح الخارجية والعلاقات والتوازنات الدولية، والامتناع عن تحديد موقفها منه، انطلاقا من مطالبه وأهدافه السورية، وإن كانت تشبه، في شكلها ومضمونها، ما هو قائم من أوضاع ومعتمد من قيم في بلدان الغرب. يفسر هذا التشابه بين سياستي الدولتين لغة النفاق التي اعتمدتها إدارة أوباما تجاه الثورة، لإيهام السوريين بأنها ملتزمة باحترام حقوق الإنسان معياراً لسياستها الخارجية، وعازمة على التقيد بها في الحال السورية أيضاً، بينما ركّزت خططها الحقيقية على إيجاد بيئةٍ، تسمح بتفكيك سورية وإعادة تركيبها، في سياق تفكيك دول المنطقة الأخرى وإعادة تركيبها الذي كانت كوندوليزا رايس، وزيرة خارجيتها الأسبق، قد بشّرت بها، ودشّنتها في العراق، خطوةً أولى تحقّق ما سمته "الفوضى الخلاقة": الوسيلة التي ستحول دون بقاء الأمور على حالها الراهنة، ودون قيام نظام ديمقراطي ترفضه أو إسلامي، لأن إسرائيل ترفضهما وتؤيد، في الوقت نفسه، إطالة أمد الفوضى، أقله إلى أن يكمل الأسد تدمير آخر معقل لمقاومتها: مجتمع ودولة سورية.

على العكس من موسكو التي تخاف على النظام السوري، استخدمت واشنطن الحرب التي يشنها ضد شعب"ه"، لتحقق أهدافاً استراتيجية لها ولإسرائيل، أهمها انتزاع السلاح الكيماوي من النظام الأسدي مقابل الإبقاء عليه، ووقف البرنامج النووي الإيراني مقابل إدراج الملالي في سياقات استراتيجية جديدة، عابرة للحدود، فيها وظيفةٌ إنقاذية وجديدة لنظامهم. بما أن بلوغ هذين الهدفين كان مستحيلاً، من دون حربٍ ضارية وطويلة، فقد جعلت من جرّ البلدين إليها، وإطالة أمدها، هدفين متلازمين، حرصت على تحقيقهما بواسطة تدخلات يومية، حافظت على قدرٍ من التوازن بين النظام والمعارضة، حال دون انتصار أو هزيمة أي منهما، ومن دون وقفها، وفي الوقت نفسه، خروج أي متدخل أجنبي منها، بما أنها أزمة يتوقف النجاح في إدارتها على التحكّم بقواها، وعلى حسن إدارتها.

ثمّة معيار آخر حكم الموقف الاستراتيجي الأميركي من المسألة السورية، هو الحرب ضد الإرهاب الذي زاد من انعدام ثقة أميركا بالثورة وفرص نجاحها، وامتناعها عن إسقاط النظام قبل توفر شرطين، التقت واشنطن مع موسكو فيهما، هما: إيجاد بديل مستقر له، حالت سياساتها دون تشكله، ومنع القوى المتطرفة والإرهابية من احتلال موقع حاسم في أي وضع راهن أو بديل. التقت سياستا واشنطن وموسكو على هذين الهدفين اللذين شكلا أرضيةً مشتركةً بينهما، اتسعت، بمرور الوقت، إلى أن قرّبت موقفيهما، وإنْ في فترتين زمنيتين متفاوتتين، الأمر الذي يفسر أحد جوانب عدم اعتراض البيت الأبيض على الغزو الروسي لسورية، والاعتراض النسبي على التصنيف المعتمد روسياً للتنظيمات الإرهابية الذي استهدف ما تسميها أميركا "القوى المعتدلة" بالدرجة الأولى، تلك التي تعتبر واشنطن وجودها ضامناً لتوازن القوى بين النظام والثورة، وبينها وبين الطرف الروسي، وتضع كسره تحت بند المحظورات، خشية أن يفضي اختلاله إلى انفراط عقد الجيش الحر، وانفراد النظام والإرهاب بالساحة العسكرية، وما يرتّبه ذلك على أميركا من ضغوطٍ قد تستغلها موسكو لإرغامها على تغيير موقفها، نحو اتجاهٍ تحدّد هي خياراته.

بالوضع الذي وسم حال المعارضة، اقتربت واشنطن تدريجياً من موقف موسكو حيال النظام، وخشيت أكثر من الروس، ما اعتبرته فراغاً ستملؤه تنظيماتٌ إرهابية، ستجر الغرب إلى معركةٍ كبرى، وستتمكّن من توسيعها تدريجيا، ليس فقط داخل سورية، وإنما في بلدانه ومراكزه أيضاً. بذلك، صارت المعارضة، بجمودها وعجزها عن التفاعل بإيجابية مع البيئة العسكرية والسياسية، وبخلافاتها، جزءاً من معضلةٍ دوليةٍ، تتخطى الوضع السوري وصراعاته، وزاد طينها بلةً رفضها القبول بسياسة واشنطن حيال الحرب ضد الإرهاب، وامتناعها عن وقف جهودها على هذه الحرب، واشتراطها أن تتلازم مع مواصلة الصراع ضد النظام. بهذا كله، دخلت علاقات البيت الأبيض مع المعارضة في نفقٍ ردّ عليه بقرارين كبيرين، هما: البحث عن بديلٍ لقواتها تحارب بمعونته الإرهاب الذي تصاعد وانتشر بسرعةٍ، مع صعود "داعش" العاصف، وانتزاعها مناطق واسعة من الجيش الحر شمال سورية، ونجاح "القاعدة" في وضع يدها على إدلب ومواقع مهمةٍ في المحافظات السورية الأخرى، واستيلائها على مواقع استراتيجية للنظام، خزن فيها كمياتٍ ضخمة من الأسلحة والذخائر، بينما تقلص وجود الجيش الحر عدداً وانتشاراً، وتلقت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (البايادا) الكردي، دعماً أميركياً جوّياً، عزّزه دعم بري، ضم مستشارين ووحدات نخبة، أسهموا بدور مهم جداً في طرد "داعش" من مواقع مهمة، وقلصوا مناطق سيطرتها في الشمال السوري، حيث بدأت تتخلق نظرة أميركا إلى مستقبل سورية. وقال مسؤولوها الكبار إنها لن تكون كسورية الحالية التي زالت ولن تعود، ولن يقوم فيها نظامٌ ديمقراطيٌّ مركزيٌّ، يتولى تنظيم أوضاع مختلف مكونات الجماعة الوطنية السورية وحقوقها، بل وتلاشت فرص قيام هذا النظام، بسبب تزايد خلافات القوى الخارجية، المتحكّمة بمصير سورية، وتعاظم تبعية القوى المقاتلة للخارج، ولغرف تحكم وسيطرة أميركية، ودخلت بلادنا مرحلةً سيرتبط مصيرها فيها بما سيقرّره الكبار لها وللمنطقة العربية، وبما سينجم عن صراعات هؤلاء وتفاهماتهم عليها، بعد أن غدت أوضاعها جزءاً من حالٍ تتخطّاها، ولم تعد معالجتها تتم على أساس أن أوضاعها قائمة بذاتها ومستقلة عن غيرها.

وفي الوقت نفسه، تبدّلت مفردات دولية وإقليمية وعربية ومحلية عديدة، تتصل بالصراع ومواقعه، وأخذت تلعب دوراً وازناً في إحداث تغيرات مفصلية في علاقات قوىً شرعت خلافاتها وتوافقاتها تصير عربية وإقليمية ودولية، وتذهب في اتجاهاتٍ متنوعةٍ، قد لا يعبّر عن حالها النهائية التفاهم الأميركي/ الروسي المتعاظم حول مفردات حلٍّ، يبقي على النظام الأسدي ورئيسه، ويحتجز أكثر فأكثر فرص نجاح الثورة، ويُرغمها على قبول تسوياتٍ جزئيةٍ هنا، تدريجية هناك، إن كانت تريد أن لا تخرج صفر اليدين من أوضاع وتفاهماتٍ دوليةٍ، تطوي فكرة حل سياسي شامل، يطبق وثيقة "جنيف1" والقرارات الدولية المرتبطة بها، والمتفرّعة عنها، وتستعيض عنه بحلٍّ متدرج، لا يلبي مطالب المعارضة أو يزيل النظام، ويضع سورية على سكة تغيير جزئي ومديد، يحفظ مؤسسات النظام العسكرية والأمنية، وإن قيد وظائف القمعية منها.

هذا الاحتمال ممكن الحدوث، ما لم تفشل واشنطن في فرض وصايةٍ دوليةٍ على بلادنا، وتنتصر روسيا وإيران، وتنقذا النظام الأسدي، برموزه وأركانه كافة، أو تقرّر واشنطن أن زمن وقف الصراع لم يأتِ بعد، وإن توسيعه يتطلب تعميقه محلياً ونشره إقليمياً، بهدف تغيير أوزان الدول في المنطقة وجوارها، وتأسيس تحالفاتٍ جديدة فيها على حساب وجود العرب وأدوارهم، تنجز تنسيقاً إسرائيلياً/ إيرانياً تحت إشراف أميركا، وتطوى صفحة العرب، فلا يفيقوا من غفلتهم وينهضوا من نومهم الشتوي الطويل، ويقرّروا استئناف معركة الحرية التي خاضها الشعب السوري بقوةٍ واقتدار، ولعب تخليهم عنه دوراً خطيراً في عدم تحقيق أهدافها.

اقرأ المزيد
١٤ أكتوبر ٢٠١٦
سوريا وامتحان مجلس الأمن

هل أصبح «الفيتو» في مجلس الأمن عائقاً حقيقياً أمام البشرية لإيقاف شلال الدم المتدفق منذ أكثر من خمس سنين في سوريا والعالم يتفرج على هدم مدن كبرى كانت مؤسسة في الحضارة الإنسانية مثل حمص وحلب؟ وهل يقبل العالم كله أن يكون مصير مئات الآلاف من المدنيين السوريين مبرماً؟ وموسكو اليوم تصعّد قصفها على حلب وإدلب والغوطة، كأنها تعلن التحدي أمام كل مَن صوّتوا للقرار الفرنسي الذي أصرت موسكو على إسقاطه؟

لقد بدا مجلس الأمن في جلسة التصويت على القرارين الفرنسي والروسي يخوض امتحانه الأصعب، وقد سقطت خياراته الإنسانية أمام حق «الفيتو» الذي بات نوعاً من التسلط المشروع على حقوق الشعوب، وانحيازاً مطلقاً إلى منطق القوة أمام منطق الحق، ولعل دول العالم كله بدأت تضيق أخلاقياً بهذا «الفيتو» الذي منح حق الاعتراض والإجهاض لأي قرار تعترض عليه إحدى الدول الخمس التي شرعت لنفسها حق قيادة العالم بعد الحرب العالمية الثانية! وكان هذا التشريع حلاً لتداعيات تلك الحرب وترضية لكل الأطراف، ولكن المتغيرات الدولية الكبرى خلال سبعين عاماً تقضي بأن يعيد العالم تشكيل مجلس الأمن وضم دول أصبحت كبرى وذات قوة تؤهلها للمشاركة الدائمة في عضوية المجلس مثل ألمانيا واليابان والبرازيل والأرجنتين والهند وباكستان، وأن تكون للجامعة العربية عضوية دائمة لكونها تمثل مساحة كبرى في قلب العالم. وقد انتقدت دول كثيرة في العالم بِنْية مجلس الأمن، وكانت أولاها السعودية التي رفضت قبل أعوام عضوية المجلس الدورية، وحتى فرنسا انتقدت ما يسمى حق «الفيتو»، وقد استخدمت الولايات المتحدة حق الاعتراض «الفيتو» أكثر من 80 مرة، واستخدمته روسيا نحو 140 مرة، واعترضت الولايات المتحدة على 33 قراراً لمصلحة القضية الفلسطينية! ومنذ بداية القضية السورية اعترض المندوب الروسي على كل القرارات التي حاولت فيها الأمم المتحدة وقف القتال في سوريا، وكان أول «فيتو» لروسيا عام 2011 حين اعترضت على مشروع قرار يعاقب النظام! وفي عام 2012 عطلت روسيا مشروع قرار يحمّل رأس النظام السوري مسؤولية إراقة الدماء، وفي عام 2012 أيضاً اعترضت على قرار عقوبات على النظام السوري لأنه لم يتوقف عن قتل شعبه. وفي عام 2014 عطلت مشروع قرار بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته بارتكاب جرائم حرب. ومؤخراً في 8/10/2016 عطل «الفيتو» الروسي مشروع القرار الفرنسي الإسباني الذي يطالب بوقف إطلاق النار، وقد صوّت 11 بلداً لمصلحة القرار وامتنعت الصين عن التصويت.

وكانت روسيا قد حمت النظام السوري من المحاسبة يوم استخدامه الكيماوي، ثم دخلت قبل عام بقوى عسكرية ضخمة لتقاتل بشكل مباشر، ثم استصدرت قراراً من مجلس «الدوما» بشأن ديمومة بقائها العسكري في سوريا. وصارت سوريا ملحقة بموسكو، ومنحت إيران حق المشاركة، وأفسحت المجال للتنظيمات الإرهابية التي تفوق «داعش» في عدد الجرائم التي ارتكبتها، وفي عدد ضحاياها مثل «حزب الله» والميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والمرتزقة كي تشارك في قتل السوريين، وتغزو الشعب مذهبياً. ومع إصرار روسيا على استخدام القوة وحدها وتعطيلها القرار الدولي 2254 الذي وافقت عليه مضمرةً أن تفسره على طريقتها، توقفت مسيرة الحل السياسي، لتُبقي أحد خيارين أمام الشعب السوري، إما الاستسلام، وإما الموت! وهي حين تسمح للمقاتلين وللسكان المدنيين بالخروج الآمن إلى إدلب التي يتم تجميع المعارضة المسلحة فيها، فإنها تخطط لتضييق مساحة الحضور العسكري على المعارضة المسلحة بحيث يسهل عليها حصارها وإبادتها بعد أن تنتهي من حلب، ويبدو أنها لا تستهدف مناطق «داعش» لأن أعداء «داعش» منذ تأسيسها هم الجيش الحر والمعارضة المعتدلة.

ونحن في هيئة المفاوضات السورية على رغم حالة التعثر الراهن نشعر أن جلسة مجلس الأمن كانت امتحاناً آخر لصالحنا، فقد عبّر فيه أصدقاؤنا عن وفائهم للقضية السورية، وفضلاً عن مواقف الدول العربية المعلنة إلى جانب الشعب السوري مثل السعودية والإمارات وقطر والأردن وسواها من الدول الشقيقة ومواقف تركيا وألمانيا نثمّن موقف فرنسا، وتقدُّم الموقف الإسباني، والدور البارز الذي تؤديه بريطانيا في الحكومة الجديدة، وننظر بارتياح إلى تطور موقف الصين التي امتنعت عن التصويت، وهي خطوة نقدرها للخارجية الصينية ونرجو أن تراجع رؤيتها للقضية، وأن تكون نصيراً للشعب السوري في محنته، مثلما نرجو أن تراجع الولايات المتحدة مكانتها الدولية التي تنتهكها روسيا. ونجد أن العالم كله مطالَب اليوم بأن لا يستسلم للسقوط في امتحان «الفيتو» في مجلس الأمن، وقد آن له أن يعتمد مبدأ الديموقراطية التي تتغنى بها الدول الكبرى، بينما يستمر العمل في مجلس الأمن بديكتاتورية «الفيتو».

اقرأ المزيد
١٤ أكتوبر ٢٠١٦
أهداف روسيا والنظام السوري من التصعيد في حلب

ثمة مقولة شهيرة لكارل فون كلاوسفيتز، الاستراتيجي العسكري البروسي البارز في القرن التاسع عشر، أن «الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى». هذه المقولة تنطبق أكثر ما تنطبق الآن على التصعيد الهائل للعنف في حلب وأجزاء أخرى من سورية، منذ انهيار الهدنة الجزئية في 19 أيلول (سبتمبر) الماضي. فأبرز أسبابه سعي روسيا إلى مساعدة نظام الرئيس بشار الأسد على تحقيق مكاسب عسكرية راسخة وتحصينها بموقف سياسي متين، قبل أن تتحرّك الإدارة الأميركية القادمة لاستئناف جهود التسوية الديبلوماسية للأزمة السورية.

بيد أن الهدف الاستراتيجي للعنف المستمر بالنسبة إلى نظام الأسد لا يتصل فقط بتأمين أفضل شروط التسوية السياسية، بل يذهب أيضاً إلى انتزاع الموارد المالية والاقتصادية التي سيحتاج إليها ليتمكّن من الحفاظ على وجوده عند الانتقال من الحرب إلى السلام. فبات واضحاً أن الإدارة الأميركية قد خَلُصت إلى أنها لا تستطيع منع الأسد من البقاء في السلطة خلال مرحلة انتقالية تنتج من اتفاق سياسي. هذا علاوة على أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعتقد أيضاً، وفق نشطاء سوريين ألتقوه في 22 أيلول الماضي، أن الأسد سيخوض انتخابات الرئاسة التي قد تجرى في نهاية المرحلة الانتقالية.

وهكذا، حين تستأنف الإدارة الأميركية الجديدة وروسيا حوارهما حول سورية، سينتقل مربط الفرس نحو رفع العقوبات المالية والاقتصادية عن نظام الأسد، أو تمكينه من الحصول على مصادر أخرى من الرساميل والسلع. وفي هذه الأثناء، سيواصل النظام استخدام وسائل العنف إلى حين توفير وسائل مادية بديلة لإعادة بناء مقومات سلطته السياسية وهيمنته الاجتماعية.

بيد أن معضلة نظام الأسد لا تكمن فقط في أنه غير مستعد لإبرام تسوية سياسية للنزاع، بل لأنه أيضاً غير قادر على ذلك. فقدرته على الإمساك بالسلطة، سواء خلال حقبة السلام قبل العام 2011، أو خلال النزاع المسلّح المستمر منذ ذلك الوقت، اعتمدت دائماً على الشبكات غير الرسمية التي يديرها في كل أجهزة السلطة والقوات المسلحة وأجهزة الأمن، وأيضاً في القطاعين العام والخاص في المجال الاقتصادي. وتستند قبضة النظام على هذه الشبكات بدورها إلى السيطرة على الأصول الاقتصادية الرئيسة، خصوصاً المداخل إلى القروض والعقود والأسواق، وعوامل الإنتاج كالطاقة والأرض.

لكن النظام خسر في خضم النزاع معظم هذه الموارد والوسائل. ولم يستطع الحفاظ على قبضته على الشبكات الموالية سوى من خلال تشجيعها على الانخراط بعمق في اقتصاد الحرب، وتطوير أنماط بديلة لتحصيل المداخيل ولإعادة إنتاج علاقات التواطؤ ما قبل الحرب بين أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة وكوادر حزب البعث وأرباب السوق السوداء. وفي الوقت نفسه، عمل النظام على توجيه الائتمانات المالية والعقود التجارية الإيرانية نحو المحظوظين من أتباعه في قطاع الأعمال.

مع ذلك، كل هذا لن يكون كافياً لتعويم النظام حال انتهاء النزاع، ما لم يكن قادراً على وضع اليد على مصادر جديدة للرساميل وإعادة ربط الاقتصاد المحلي بالأسواق الخارجية المهمة. صحيح أن النظام يتوقع أن يخرج ظافراً، سواء من خلال تسوية سياسية بالتفاوض أو عبر نصر عسكري شامل، إلا أنه سيقبع على عرش بلد مدمّر اقتصادياً وأسواق ممزّقة. ولن تتوافر لديه سوى سبل ضئيلة لتوفير الرساميل اللازمة لإعادة البناء في مجالات الإسكان، والمرافق الاقتصادية، والبنى التحتية، ناهيك بإعادة اللاجئين إلى وطنهم واستيعاب النازحين داخلياً، وترميم قطاعات التعليم والصحة والخدمات العامة الأخرى، وإعادة بناء الروابط التجارية الخارجية.

قد يلجأ النظام إلى التوفير اقتصادياً، من خلال تأخير عودة زهاء 4،8 مليون لاجئ يُقدّر الآن أنهم خارج سورية، وعبر وضع عمليات إسكان وإعادة دمج نحو 6،5 مليون نازح داخل البلاد في آخر سلّم أولويات إنفاقه. لكن لن يكون في وسعه الاعتماد فقط على افتعال النقص في السلع الرئيسة والخدمات أو على قمع الأجهزة الأمنية، لاحتواء حنق ملايين المواطنين الذين دعموا المعارضة في السابق. سيتعيّن عليه أن يزيّن هذه «العصي» ببعض ألوان «الجَزَر»، لأن القمع أكثر كلفةً من الاحتواء حتى في الأنظمة السلطوية.

وما هو أهم من منظور النظام، أن توقعات قواعده الموالية للتعويضات والعائدات المادية، مقابل الثمن الباهظ الذي تكبّدته دفاعاً عنه، لن تكون أقل إلحاحاً. فالفشل في الاستجابة لها ستكون كلفته السياسية أعلى بكثير. ورغم أن النظام حفّز العديد من رجال الأعمال الذين بقوا داخل البلاد على دعمه مالياً، إلا أن إغراء رؤوس الأموال الهاربة والمبادرين الاقتصاديين والمهنيين من الطبقة الوسطى الحائزين على المهارات الضرورية للنهوض الاقتصادي، للعودة إلى البلاد، سيكون مهمة شاقة فعلاً.

لذلك، لا يزال النظام في حاجة إلى الحرب بوصفها وسيلته الأنجع لإرجاء دفع الأكلاف الكاملة لعملية إعادة البناء، واستيعاب المواطنين المُعادين، وتنفيس الضغوط المنبثقة من داخل صفوفه، عبر استمرار تعبئتهم لمواجهة الخطر الوجودي المفترض ودفعهم نحو توفير حاجاتهم المادية من خلال اقتصاد الحرب. لكن، وعلى عكس من يفترض أن النظام يوظّف العنف لمجرد الحفاظ على هيمنة بشار الأسد، فإن هدفه الاستراتيجي سيتغيّر في الواقع، إن لم يكن قد تغيّر بالفعل. وهذا الهدف، منطقياً، لا يمكن أن يكون سوى استعادة المداخل إلى رؤوس الأموال والأسواق الخارجية، والعمل على رفع العقوبات عن كاهله.

نظرياً، لا أمل تقريباً للنظام في تحقيق هذا الهدف بالطرق الديبلوماسية. فروسيا وإيران غير قادرتين على توفير الرساميل والأصول على النطاق الواسع المطلوب، لا بل هما امتنعتا عن القيام بذلك حتى في ذروة حاجة النظام إليها إبّان تصاعد وتائر الحرب. بيد أن الأطراف التي تحوز على أكبر المزايا والقدرات المالية والاقتصادية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي وتركيا) ستتردد، إن لم تكن سترفض كلياً، رفع العقوبات الثنائية أو السماح للنظام بالدخول غير المقيّد إلى الأسواق العالمية. ولذا، سيواصل هذا الأخير انتهاج مسلك الحرب داخل سورية، مُستخدماً الحاجات الإنسانية وخطر نزوح موجات جديدة من اللاجئين إلى البلدان المجاورة وما وراءها، كأداة لحمل القوى الخارجية على الرضوخ إلى مطالبه.

الأرجح أن روسيا ستتواطأ مع مثل هذا السيناريو، ولو على مضض. فهي تريد إبرام صفقة سلام والوصول إلى خواتيم واضحة للنزاع، لكنها تفتقد إلى ما يكفي من النفوذ لحمل نظام الأسد على قبول حتى الشروط الملائمة له والمُتضمنة في الاقتراح الروسي للتسوية السياسية. وبالتالي، بدلاً من الانخراط في تنافس عقيم مع النظام، من المحتمل أكثر أن تتبنى روسيا مطالبه حول رفع العقوبات وتوفير المساعدة المالية، حين تستأنف المحادثات مع الإدارة الأميركية الجديدة. ولتحقيق هذا الهدف، ستجادل روسيا بأنه ليس في وسع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وباقي أطراف المجتمع الدولي أن تطالب بمرحلة انتقالية في سورية فيما هي تقوّض في الوقت نفسه فرص نجاحها، من خلال مواصلة فرض العقوبات والحظر التجاري. كما أنها قد تضغط على دول مجلس التعاون الخليجي بدعوى تعويض النظام نتيجة دعمها «الإرهابيين» الذين يزعم أنهم دمّروا سورية.

لن يراوح النظام السوري مكانه بانتظار حصول هذه النتائج، بل هو بدأ يستعد بالفعل لطرق أبواب مداخل أخرى إلى الرساميل. فقد أصدرت الحكومة السورية منذ أواخر 2015، ما وصفه المحلل الاقتصادي السوري جهاد يازجي بـ «سعر» من القوانين الجديدة لاجتذاب الاستثمارات، شملت إعفاء الشركات من متأخرات الضرائب، والقيمة المضافة (VAT) ومدفوعات الضمان الاجتماعي. كما تضمنت تأسيس هيئات جديدة لتطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ولتشجيع الإنتاج المحلي والتصدير، وفرض زيادات كبيرة على ضريبتي الدخل والعقارات، وتغيير قواعد التخطيط المديني للسماح باستبدال الإسكان غير الرسمي في المناطق المتمردة بمشاريع عقارية تجارية مرتفعة القيمة. هذا علاوة على تشريعات تتعلّق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، هدفها منح رجال الأعمال حصة كبيرة في المشاريع التي تموّلها الحكومة وحقوق استخدام الأراضي المملوكة للدولة، وتأسيس «المجلس السوري للحديد والصلب» توقعاً لطفرة إعمار ضخمة.

مثل هذه التوجهات لا تستهدف المستثمرين السوريين وحدهم. فعلى رغم الحملات الكلامية العنيفة بين تركيا وسورية، إلا أن للأولى مصلحة اقتصادية كبيرة في طرق أبواب العودة إلى السوق السورية. وكذا الأمر بالنسبة إلى لبنان والأردن اللذين عانيا أكثر من غيرهما اقتصادياً، ويتحرقان الآن لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وإنعاش قطاعات المصارف والأعمال فيهما من خلال عودة الانفتاح على سورية. هذا إضافة إلى أن إيران، وربما بلداناً أخرى كالصين، قد توسّع استثماراتها في سورية، من دون انتظار رفع العقوبات الغربية أو الخليجية، أو حتى قبل توقف النزاع المسلّح.

تواجه الحكومات الغربية والحليفة معضلة. فهي تسعى إلى وقف سيل الدم وتدفق اللاجئين السوريين، ولكن نفوذها محدود حيال نشاطات البلدان الأخرى والجهات الفاعلة الخاصة. فقد يجد الساعون إلى دعم الجبهة الديبلوماسية ضد نظام الأسد أنهم يواجهون معركة صعبة للإبقاء على العقوبات الاقتصادية والمالية. وبالفعل، بدأ مبعوثون غربيون ووكالات ومنظمات إغاثة دولية والبنك الدولي يركزون في شكل مضطرد على الحاجة إلى الاستعداد لإعادة البناء الاقتصادي في سورية.

اقرأ المزيد
١٤ أكتوبر ٢٠١٦
من مدينة الباب إلى باب المندب

كلما تصاعد التوتر إلى ذروة جديدة، في الحروب بالواسطة بين موسكو وواشنطن، ركض جون كيري وسيرغي لافروف إلى احتوائها تحت عنوان إدارة الحرب وتنظيمها. هذا ما ينطوي عليه اجتماع لوزان غداً، ومن ثم اجتماع لندن، اللذان بادر إلى اقتراحهما الأول وتولى الثاني الإعلان عن أحدهما في «تواطؤ» يُظهر حاجة كل منهما إلى العودة عن الحملات المتبادلة التي أوحت بذهابهما إلى مواجهة في حرب لن تقع، نتيجة فضيحة مجازر حلب التي يقترفها الروس ولا يكترث لها الأميركيون على رغم احتجاجهم عليها.

يحتاج كل من الدولتين إلى تنظيم التنافس والتحارب بين الدول الإقليمية التي تخوضان جانباً من حروب سورية والمنطقة بواسطتها أيضا، فتدعوانها إلى الحضور. وإذا كان انفلات الوحشية الروسية والسورية والإيرانية من عقالها في سورية بلغ حداً لا تحتمله أوروبا، فإن الإدارة الأميركية معنية برفع الصوت ضدها، مدركة سلفاً ضرورة اقتصار المواجهة على الميدان الديبلوماسي. وكذلك روسيا، التي تستدرج النقمة الدولية عليها كل مرة تضع أوامر فلاديمير بوتين إلى آلته العسكرية القيصر في موقع الاتهام في مجلس الأمن ليضطر إلى استخدام الفيتو.

الموجة الأخيرة من المجازر في سورية، والأهداف العسكرية التي تتوخاها، ومنها استعادة شرق حلب، أخذت تُخرج إدارة الحرب عن السيطرة، لتمتد المواجهة إلى الإقليم برمته. في سورية لم يقتصر الأمر على حلب، بل تعداها إلى حماة ومحيط دمشق، فتحت غطاء خفض القصف الجوي الأسدي فوق العاصمة الاقتصادية المدمرة شمالاً من الطيران السوري ليومين، بأمر روسي، للتخفيف من الحملة العالمية على موسكو، جرى استهداف هائل من النظام لبعض محيط العاصمة السياسية دمشق، حجبه في الإعلام الضجيج في شأن حلب. يقول سكان دمشق إن ما تعرضت له منطقتا الهامة وقدسيا المكتظتان الأسبوع الماضي، ثم مخيم خان الشيح الفلسطيني في الغوطة الغربية، وشمل تدمير مستشفيات، لا يقل وحشية عما شهدته حلب. والمعارضة ردت بإعادة القصف على أحياء في العاصمة بعد أن كان اختفى لأشهر. وشمل استهداف السفارة الروسية.

في جنوب سورية، ظهرت صواريخ مضادة للطائرات (قصيرة المدى تطاول المروحيات) في رسالة الى إمكان تزويد المعارضة بصواريخ أبعد مدى. وفي الشمال أخذ التنافس بين تركيا (ودول عربية معها) وبين قوات إيرانية وكردية مدعومة أميركياً (تتوجس تركيا من وصلها مناطق كردية) على من يحتل مدينة الباب، المدخل إلى الرقة معقل «داعش»، يؤشر إلى صدامات بين الدول المتنافسة على من يسيطر على تلك المحافظة عند بدء معركة طرد «داعش» منها. وهو التنافس ذاته الذي يحصل مثله في العراق، في الموصل، ويسبب أزمة وتوتراً بين الحكومتين العراقية والتركية بسب وجود قوات الأخيرة في معسكر بعشيقة، بحجة منع حزب العمال الكردستاني ومعه الميليشيات الشيعية من السيطرة على المدينة، فمن الموصل قد يُفتح الطريق إلى الحدود العراقية السورية، نحو الحسكة ودير الزور ثم الرقة.

يصعب فصل التصعيد في اليمن عما يدور في سورية، على رغم البُعد الجغرافي، فالمراهقة الحوثية التي يبشر الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بانتصارها على السعودية منذ أكثر من سنة ونصف السنة، تتعرض للانكفاء التدريجي، قياساً إلى المناطق التي سيطر عليها انقلابيو صنعاء أواخر عام 2014، وصولاً إلى عدن وموانئ البحر الأحمر. وحين يستعيض عنها الإيرانيون بإرسال نصرالله المراهقين الحوثيين إلى الحدود السعودية لاقتحامها، كما فعل في خطابه الثلثاء الماضي، يسقط الفتية الذين جندهم الحوثي موجة وراء أخرى، من دون أن يرف لراعيهم جفن، تماماً مثلما لا يرف جفن لروسيا وإيران أمام ما يحصل لأطفال ونساء حلب وغيرها. ثم يستعيض عن ذلك بإطلاق الصواريخ البعيدة المدى إلى العمق السعودي. وعندما تسقطها دفاعات الباتريوت، تلجأ طهران إلى تهديد الملاحة في باب المندب باستهداف سفينة مساعدات إغاثية إماراتية. وحين تقوم الرياض بمناورات بحرية، تستكمل طهران المراهقة الحوثية بإطلاق صواريخ على مدمرة أميركية، ثم ترسل سفينتين حربيتين إلى خليج عدن بعدما قصف الأميركيون المواقع الحوثية مصدر القصف.

قد يكون اجتماعا لوزان ولندن لتنظيم الحرب في الإقليم. وقد يهدفان إلى حصرها بميادين محددة، كي لا يحرجهما تمادي اللاعبين الإقليميين.

الأفدح هو أن تتوهم المعارضة السورية أن اجتماعات كهذه ستعيد المسار السياسي إلى السكة. فتغييب أي من السوريين عن البحث هو المكتوب الذي يقرأ من عنوانه. وحضورهم لن يحصل إلا إذا توحدت فصائل المعارضة جدياً في جبهة تحرير بلدٍ بات محتلاً بالكامل.

اقرأ المزيد
١٤ أكتوبر ٢٠١٦
احذروا غضبة الشعب .... فمنه بدأتم وإليه عودتكم

مما لا شك فيه أن الشعب هو منبع كل ثورة تخرج ضد الظلم و الطغيان ، و أساس كل تحرك يهدف إلى تغيير نظام حكم اضطهده و سلب حقوقه و حاربه بلقمة عيشه ، و لا ريب أنه المحرك و المولِّد لكل انتفاضة تخرج ضد نظام أو حزب استبدادي تطالبه بالرحيل و تنشد التغيير ، و من هنا من هذا الشعب تولد الثورات، تبدأ بحدثٍ صغير يكون تلك “القشة التي قصمت ظهر البعير” و لا يلبث أن يتحول الحدث إلى شرارة يشتعل بها أتون الغضب و الحقد على من استبد و ظلم و تحكم ، و لا تلبث هذه النيران المتقدة بالقلوب و العقول ، المتولدة من جحيم المعاناة و التعب و شظف العيش ، أن تتحول إلى ثورة عارمة .. يحوطها الشعب ويرعاها.. يؤيدها ويكلؤها بعين رعايته، يأمن لها أسباب العيش و الاستمرار و يوفر لها الحضن الدافئ و الحامي.

هي الثورة السورية كما كل الثورات على مر التاريخ، ولدت من رحم الشعب، و خرجت من خاصرته بما رافق هذا الخروج من الم و مكابدة وصبر، لتنتفض ضد نظام استبد بوطن ما يزيد على خمسة عقود، نظام استبد و قتل و أجرم و سرق و نهب.

 هي ثورة فطرية عفوية بدأت بكتابات أطفال على جدران مدارسهم لتستعر كما النار بالهشيم و تنتقل من جدران مدرسة لتغدو على مساحة كل شبر بأرض الوطن، ثورة بدأت سلمية و استمرت كذلك ما وسعها الأمر ، و بفطرتها السليمة كذلك و عفويتها بدأت بالتحول للعسكرة لتدافع عن نفسها ضد بطش لم يُشْهد له نظير بالتاريخ، حملت السلاح لتطبق معايير كل الديانات السماوية و الأعراف الإنسانية بحق رد الظلم و حفظ النفس ، و بدأت كتائب الثوار بالتشكل و الظهور ، فظهر الجيش الحر الذي كان ابن ثورة الشعب البكر ، يحمل خصائصه و تفاصيله ، يحوي أطيافه و اثنياته، و يرفع راية استقلاله عن المستعمر، لا يتميز فيه ثائر عن ثائر إلا بالخلق و الشجاعة و الإقدام و ما يحمله من فكر و حرية ، ليظهر بعده تشكيلات مختلفة و فصائل متعددة و رايات متباينة ، كل منها له هدف و يقوده منهج و يحركه فكر ، منها المعتدل و الإسلامي و المتطرف والمغالي بالتطرف.

تحولت الثورة للعسكرة، و باتت تشكيلاتها تتنازع المناطق و الأهداف و الوجود و الموارد، و لم تنسَ هذه الفصائل بطبيعة الحال أهم سبب من أسباب قوتها و اهم مصدر من مصادر شرعيتها، و أقوى محرض على استمراريتها و هو الشعب .. تلك الحاضنة الاجتماعية الأساس و المركز، فسعت التشكيلات و الفصائل إلى كسب ودها و استقطابها كل منهم على حساب الفصائل و التشكيلات الأخرى ، و كما تعددت مشارب و أهداف هذه الفصائل فقد تعددت أساليبهم بجذب هذه الحاضنة الشعبية تجاههم، فمنهم حاورها و اندمج بها و أعانها قدر استطاعته، و منهم من تكبر عليها و أهملها و منهم من حاول سوقها بالحديد و النار و القهر و الإرهاب ، و منهم من ظن انه الوصي الشرعي عليها بعد تقهقر النظام من بين ظهرانيها ، و مارس أغلبهم البراغماتية المحضة بداية بالتزلف لنيل رضاها و التقرب منها ، ثم اظهر وجهه القبيح بأهدافه المناطقية أو الشخصية أو الأيدولوجية، فلفظته الحاضنة الشعبية التي عولت عليه و عول عليها .. لينتهي التشكيل أو يضمحل أو يتقوقع على نفسه برأس جبل أو بطن وادي.

الثورة السورية ثورة مُمحِصةٌ كاشفة، و الحاضنة الشعبية تحوي بوعيها الجمعي حضارة عمرها آلاف السنين، و الشعب الذي أطلق هذه الثورة “بمشيئة الله” قادر على أن يميز الخبيث من الطيب ، و أن يفرق بين الغث و السمين، و لكنه شعب كَهلْ صقلته التجارب و السنون، يعطي الفرصة لمن يطلبها، و يتمهل بالحكم ليرى النتائج، و لكنه لا يصبر على ضيم، و لن يستبدل مستبد بمستبد .. فليعي من يتطلع ليلي أمره بالسلاح أو بالسياسة .. أن يحقق طموحات هذا الشعب و أن يلامس ألمه و أن يثبت عزمه على تحقيق أمله .. فبهذا يستمر و بهذا يحوز رضاه و بهذا يمتلك قلوب و عقول “الحاضنة الشعبية”.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٦
لمن ستؤول مدينة الباب؟

على الرغم من التصريحات التركية المتعدّدة، وجديدها تصريح رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أن عملية درع الفرات ماضية في تحقيق هدفها المتمثل بتطهير مدينة الباب السورية من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن المعارك الأخيرة في العملية ومرحلتها الثالثة تفيد بأن الهيمنة على الباب أصعب وأكثر تعقيدا مما تبديه التصريحات التركية.

تشكل المدينة المعقل الأهم للتنظيم في حلب وقلعته الرئيسة، وليس من السهولة اختراقها، والمعطيات التي سمحت لفصائل الجيش السوري الحر بدعم تركيا لن تكون متوفرةً في معركة الباب، لسبب رئيسي، هو أن الجيش الحر ليس بالقوة الكافية لاختراق المدينة من جهة، ولن يحصل على الدعم المدفعي التركي الذي حصل عليه في المناطق الأخرى، بسبب بعد المدينة عن الحدود التركية من جهة ثانية. كما أن المدينة تقع في نقطة تماس تطل عليها قوات النظام من الجنوب وقوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية" من الغرب، وستضع السيطرة عليها من "الجيش الحر" الأخير في مواجهةٍ مع النظام والأكراد، وهي معركةٌ لن يكون بمقدوره النجاح فيها، نظرا لاختلال القوة العسكرية.

كما أن النظام السوري وروسيا لن يسمحا باستبدال السيطرة على المدينة من تنظيم الدولة الإسلامية إلى الجيش الحر، خصوصا في هذه المرحلة التي يتم التركيز فيها على مدينة حلب. بعبارةٍ أخرى، لا تسمح قواعد الميدان التي تحاول موسكو فرضها في حلب ترك ظهر قوات النظام مكشوفاً من الجهة الشرقية. والسيناريوهات المطروحة عديدة:
ـ تفاهم تركي/ روسي، مفاده السماح للجيش الحر بالسيطرة على الباب، شرط عدم محاربة قوات النظام، ولا القوات الكردية، وهذا مستبعد، لأن مثل هذا التفاهم يتطلب ضوءا أخضر أميركياً، مرتبطاً بالتفاهم الدولي على المدينة، ودورها في معركة الرقة المقبلة.
إما أن تعطى الباب لحلفاء تركيا، شرط ابتعادها عن معركة الرقة، أو أن تترك المدينة للنظام والأكراد في مقابل المشاركة في معركة الرقة، لا سيما أن الباب، بالمعنى العسكري، خارج دائرة العمق الاستراتيجي لتركيا.


ـ سيطرة النظام على المدينة، وهذا مستبعد الآن في ظل تركيزه على مدينة حلب التي تشكل عنوان الصراع في هذه المرحلة، وبيضة القبان التي ستؤدي إلى تغيير المشهد العسكري في المحافظة، وبالتالي، في عموم المشهد الميداني لشمالي غرب سورية. كما أن السيطرة على المدينة تمنح قوات النظام التحرك بسهولة نحو الشرق والجنوب الشرقي عند الحدود الإدارية لمحافظة الرقة. وعندها، يمكن التمهيد لمعركة الطبقة، ومن دون تحييد مدينة الباب سيبدو من الصعوبة بمكان فتح معركة الطبقة.


ـ ترك المدينة للأكراد، وتحديدا لـ "قوات سورية الديمقراطية"، لكن هذا السيناريو يواجه عقبتين، الأولى من تركيا التي تطالب بانسحاب القوات الكردية إلى شرق الفرات، وترفض أي محاولةٍ لامتداد جغرافي، يمتد من منبج شرقا إلى عفرين غرباً، مرورا بالباب التي ستكون بمثابة عقدة الوصل هذه.

والعقبة الثانية، ولكن الأقل أهمية، مرتبطة بالنظام الذي يحاول تأجيل معركة الباب، إلى حين استكمال الوضع في مدينة حلب، ولا يفضل، وإنْ لا يمانع إذا اقتضى الأمر، من سيطرة الأكراد على المدينة.

ولدى الأكراد مصلحة حقيقية في أخذ مدينة الباب، ليس بسبب أهميتها صلة وصل بين الكانتونات الكردية في غرب الفرات وشرقه، وإنما للاستعاضة بها عن مدينة منبج التي تمارس أنقرة ضغوطا كبيرة، من أجل إخلائها من الأكراد.

ـ يتمثل السيناريو الأخير في اتفاق جميع الفرقاء على تأجيل معركة الباب نهائياً، خشيةً من أن يؤدي فتحها الآن إلى تداخل في قواعد الاشتباك، ليس لأحد الآن مصلحة في تغييرها، فبالنسبة لأنقرة الأولوية في السيطرة على القرى والبلدات على الشريط الحدودي في محيط بلدة الراعي وإلى الجنوب نحو دابق ومحيطها. وبالنسبة للنظام، لا شيء يعادل الآن في الأهمية مثلما تشكله مدينة حلب.

وبالنسبة لتركيا، لن تخاطر بفتح هذه المعركة من جهة واحدةٍ، بعد تقاربها مع موسكو، وبالنسبة للأخيرة، ليست في وارد السماح للأكراد بالانقضاض على الباب، لاعتبار المصلحة التركية. وطالما أن معركة الرقة مؤجلة، فإن معركة الباب ستكون مؤجلةً أيضا، لأن واشنطن ستكون مجبرةً على الاختيار بين قرارين: دعم تقدم "قوّات سورية الديمقراطية" للاستيلاء على المدينة والمجازفة بعداوة تركيا، أو السماح للقوى المدعومة من تركيا بالتقدّم نحو المدينة، والمجازفة بعداوة الأكراد والروس على السواء.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٦
سورية واحتمالات ما بعد الفيتو الروسي

لا مفاجآت تذكر في الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي السبت الماضي، فكلا المشروعين الفرنسي والروسي كان على قائمة الرفض بين الفريقين المتضادين في الرؤية والهدف. ولعل هذا ما عبر عنه صراحة ممثل روسيا، وهو رئيس الدورة الحالية للمجلس، في وصفه الجلسة بأنها «واحدة من أغرب الجلسات التي تعقد»، إذاً يعلم المجتمعون سلفاً أنهم لن يقرّوا أي مشروع مقترح.

فبينما سعى الطرف الفرنسي ومن سانده إلى فرض هدنة في حلب قد يمكن لها أن تمتد لتشمل باقي سورية، بحيث تكون معبراً للدخول إلى حلبة التفاوض السياسي مجدداً، كان الطرف الروسي يسعى إلى فرض شروطه داخل حلب لتمكين النظام من العودة إليها للاستحواذ على طاولة تفاوض شبه خالية من طرف متعادل معها بالقوة العسكرية أو الديبلوماسية.

رغم ذلك، لا بد من المصارحة بأن النقاط المشتركة بين المشروعين كانت أكثر من نقاط الخلاف في مضمونهما، إلا أن حال الاستقطاب من جهة، والتعالي والغطرسة الروسية والتسلط، والشعور بالشبه وحتى التماهي بين النظامين الروسي والسوري، وكسر الثاني (السوري) لإرادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بدت بمثابة رسالة للأول أي (الروسي)، أبعدت تماماً فكرة الوصول إلى مشروع مشترك كان من شأنه أن يعيد لمجلس الأمن بعضاً من تسميته في الحفاظ على ما تبقى من الأمن الدولي وأمن المنطقة.

أمام هذا الواقع الأممي الجديد، تعود الخيارات المفتوحة على كل الاحتمالات إلى الواجهة، والتي يأتي من ضمنها تراجع الإدارة الأميركية عن سياساتها التي أوحت بتركها منطقة الشرق الأوسط، ومنها سورية، للروسي مع بعض المساحات للشرطي الإيراني، فيما اعتبر بمثابة استدارة منها إلى مناطق جديدة أكثر مردودية عليها من الناحية الاستراتيجية، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. ويفهم من ذلك أن ما اعتبر بمثابة استدارة أو تخلّ عن المنطقة من قبل الولايات المتحدة كان موضع جدل، إذ ثمة من رأى أن في ذلك نوعاً من الاستدراج أو التوريط لروسيا لدفعها إلى الانغماس في مستنقع الحرب السورية لاستنزافها وإنهاك قواها العسكرية والديبلوماسية، فيما الولايات المتحدة تراقب من بعد من دون أن تتكلف شيئاً.

وفي هذا الإطار تحديداً، فإن وجهة النظر هذه تعتقد بأن هذه الاستراتيجية (الأميركية) وصلت حدّها الأقصى، أو أنها استنفدت أغراضها، بحيث بات ينبغي التعامل بطريقة مختلفة عن السابق، لا سيما ما يتعلق بتحجيم الدور الأوروبي في الصراع السوري لمصلحة الاستفراد الروسي، أو أن رغبتها في مزيد من الوقت لاستمرار الصراع لن تتحقق في ظل التورم السرطاني للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرى إمكان الحسم العسكري سريعاً للقضاء على معارضة مدعومة بالصمت الأميركي فقط، أي من دون دعائم حقيقية تقوي واقعها العسكري، ما من شأنه خروج الوضع على السيطرة ووضع الموقف الأميركي ومعه الأوروبي في مكانة حرجة أمام الغطرسة الروسية التشبيحية.

بناء عليه فإن الافتراق الأميركي - الروسي، بخاصة صلف بوتين وتصعيده العسكري على الأرض، يبدو أنه وضع الإدارة الأميركية أمام لحظة الحقيقة، في بحثها على انتهاج خيارات أخرى غير التي عودتنا عليها سابقاً، وإن كانت ستبقى في دائرة الردود المحدودة عسكرياً، على ما أعتقد، ومن ضمنها:

أولاً: إبداء مزيد من الضغط على روسيا بالوسائل السياسية والديبلوماسية، وربما تذهب بعيداً من مجلس الأمن الدولي الذي تملك روسيا مفاتيحه بالتساوي مع الدول الأعضاء الدائمة، عبر التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار تحت بند «الاتحاد من أجل السلام» بغرض انتزاع موافقة أكثر من ثلثي الأعضاء، على ما تريده في سورية، وبهذا تكون الإدارة الأميركية أيضاً استرجعت الدور الأوروبي في الملف السوري، وربما تذهب نحو فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا تجعل موقفها أكثر ضعفاً أمام الرأي العام الروسي.

ثانياً: التعامل بجدية مع متطلبات «الجيش الحر» تأمين سلاح نوعي محدود من شأنه تشكيل تهديد حقيقي لقوات النظام وروسيا وإيران، وإعادة بعض التوازن إلى الصراع الدائر. وبداهة أن هذا تحديداً يستوجب إجراءات مقابلة من فصائل «الجيش الحر» وبعض الفصائل الإسلامية المعتدلة المدعومة من جهات عربية أو غيرها، تتمثل بتلبية النداءات التي وجهتها إليها المعارضة السياسية المتمثلة بالائتلاف وبعض مكونات الهيئة العليا للتفاوض بتوحيد قواها والانضواء في «الجيش السوري الحر»، متجاوزين بذلك سياسة الفصلنة والشعارات المتنوعة لمصلحة السعي إلى دولة سورية ديموقراطية متعددة للمواطنين الأحرار تحت علم الثورة معلنين وقوفهم مع القيادة السياسية في رؤيتها للحل السياسي المنشود.

ثالثاً: ضمن حملة المراجعات في الموقف الأميركي تجاه القضية السورية لا يمكن للولايات المتحدة تجاهل القوى الإقليمية والعربية وضرورة إشراكها في صناعة الحل السياسي لأن الصراع الدائر بات أوسع من كونه قضية داخلية سورية، فهو الآن قضية إقليمية عربية ودولية بامتياز وصلت شظايا انعكاساتها إلى الجميع بلا استثناء.

رابعاً: مع استبعاد تدخل أميركا في حرب مباشرة على النظام، فإن التطورات الأخيرة من شأنها أن تشجع الولايات المتحدة على القيام بتحرك ولو محدود يلحق خسائر مؤلمة بالنظام ومن خلفه روسيا، وهو الأمر الذي حاولت الولايات المتحدة تجنبه، رغم أنها دأبت في تصريحات متضاربة على عدم نفيه بالمطلق، علماً أن ذلك قد يستدرج في المقابل رد فعل روسياً، ربما يأتي بدوره بتصعيد أميركي. وعموماً فإن ذلك كله سيتوقف على الأرجح على ردة الفعل الروسية إزاء التغييرات في الموقف الأميركي.

خامساً: طي ورقة التفاوض (في جنيف) بينما تستنزف كل القوى إمكاناتها عسكرياً وديبلوماسياً بحيث تكون أكثر استعداداً لقبول خيار المبعوث الدولي للمشاركة في حكومة انتقالية تبقي على النظام أو تعيد إنتاجه، حتى مع إنهاء حكم بشار الأسد شخصياً، علماً أن هذه مسألة من المبكر التحدث بتداعياتها، إذ إن ذلك يعتمد على مآلات التجاذب بين الرؤيتين الأميركية والروسية، كما يعتمد على كيفية إنهاء حكم الأسد.

أمام هذه الاحتمالات كلها ومردوداتها الكارثية، باعتبارها تثقل على الثورة السورية، بعد كل المداخلات التي أحاطت بها، يبقى هناك مجال لحركة المعارضة السورية، إن أقلعت عن الجمود، وأحسنت التصرف، بحيث تسعى إلى حسم أمرها وترتيب بيتها، وتشكيل قيادة سياسية - عسكرية تستحوذ على ثقة أوسع قطاع من السوريين لفرض حل سياسي عادل لا يهدر تضحياتهم ولا يبدد حلمهم بإقامة دولة الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية والديموقراطية.

هكذا تبدو خيارات السوريين معارضة ونظاماً شبه معدومة، على ما نلحظ، فالمعارضة بفعل العوامل الذاتية والمداخلات الخارجية تبدو قدراتها أقل من محدودة، وتتمثل في خيار واحد لا ثاني له هو تجاوز حال الانقسامات السياسية والعسكرية وتوضيح مواقفها من كل دخيل على ثورتها، بحيث لا يصبح ذلك عبئاً عليها وتتحمل كوارث ارتباطاته مع مشاريع غير سورية، ويجبرها على فتح جبهة جديدة إضافة إلى جبهتيها مع النظام و «داعش». وعليه يتوجب أن تحمل المصارحة بين قوى المعارضة مشروعاً سياسياً واقعياً يبعد كل العناصر غير السورية ويوفر خيارات الانضواء للسوريين في جيش حر واحد، وفي مشروع واحد يستعيد الأهداف الأولى للثورة السورية كثورة وطنية ديموقراطية تفتح على دولة مواطنين أحرار ومتساوين.

في المقابل أيضاً فإن النظام في تعنّته ورفضه تقديم أي بوادر لحل سياسي مقبول، ومضيه في تسليم البلاد لقوى روسية وإيرانية وميليشيات طائفية، يبدو فاقداً للخيارات ليبقى مقيّداً بمزاجية بوتين الذي لن يتوانى في لحظة المقاربات المقبولة روسياً تركه يتهاوى عسكرياً وديبلوماسياً كما الحال اليوم اقتصادياً.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٦
العجز الدولي بمثابة «اعتراف» بالاحتلال الروسي

... «ترقى إلى جرائم حرب»، ماذا يعني ذلك؟ لا شيء. مجرد كلام وتلويح بالاتهام مع إدراك مُسبق لصعوبة المضي به، فالنظام الدولي عُطّل بـ «فيتو» الدول الخمس الكبرى يوم أنشئ مفترضاً أن هذه الدول لا يمكن أن ترتكب جرائم كهذه. لكن ما يحصل في حلب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يقف العالم بإزائها عاجزاً تماماً. أكثر من ذلك، كان مجرم الحرب، أو ممثله، مترئّساً جلسة مجلس الأمن يوم السبت 08/10/2016 ليرفض مشروع قرار يطلب وقف إطلاق النار وإيصال مساعدات إنسانية مع آلية دولية للمراقبة. ولماذا يرفض؟ لأن المقترح يمنعه من مواصلة القتل والتدمير. أما مشروعه المضاد فلا يجيب عن سؤال منطقي بسيط: كيف تكون الهدنة ممكنة مع استمرار القصف الجوي؟ ما يعني بوضوح أن روسيا، ونظام بشار الأسد بالتبعية، يرفضان أي وقف لإطلاق النار.

كانت حلب في تاريخها المديد تعرّضت للكثير من الغزوات والاعتداءات، ولم تشهد دماراً إلا في زلزال العام 1138 ثم في الغزو المغولي عام 1260 الذي أتبع التدمير بمذابح وحشية للسكان. بعد سبعة قرون، ها هو فلاديمير بوتين يسير على خطى هولاكو. كان السفاح المغولي يعيث دمويةً في عالمٍ بلا قيم أو أعراف إنسانية، ولا قوانين فيه سوى الغزو والغنائم، أما السفاح الروسي فلا يستعيد أسوأ ما في الحقبة السوفياتية بل يستخدم ترسانته المتطورة بنوازع بالغة المغولية ليعيد العالم إلى ما قبل الحضارة، حتى أن أميناً عاماً بائساً للأمم المتحدة وصف ما يجري في حلب بأنه «أكثر من مذبحة»، أما مبعوثه إلى سورية، وهو أكثر تعاسة، فأورد تفاصيل مستندة إلى مصادر ميدانية لا يمكن أن تكون سوى أدلّة إثباتية لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

أن يُتّهم بوتين بالإجرام فهذا لا يقلقه، بل على العكس يؤكّد له أن دمويته «سياسة» تنجح وتكسب وتحقّق الأهداف، بل إنه ينذر متّهِميه بـ «عواقب قانونية» إن لم يخرسوا. وأن يصبح قرين علي خامنئي وبشار الأسد وحسن نصرالله وقيس الخزعلي وبنيامين نتانياهو فهذا يعني أن لديه زبانية لا تقتصر على هؤلاء وقد نال مشروع قراره في مجلس الأمن أربعة أصوات بينها صوته وصوت مصر. منذ «الفيتو» الأول أدرك بوتين أنه يتقدّم وأن ورقة سورية تلمّع زعامته الدولية في مقابل دولة عظمى وحيدة استطاع أن يجعل منها مهزلة كبرى وحيدة. ومع «الفيتو» الخامس أصبح متيقّناً بأن طريقه إلى المجد وإلى تكريس تلك الزعامة يمر بالركام وبأنهار الدم في حلب. أما أن يفشل المجتمع الدولي في عقلنة بوتين، اعتماداً على وازع إنساني أو أخلاقي أو حتى سياسي لديه، فهذا لا يترجم عنده إلا بالعجز العسكري عن تهديده وردعه.

قبل عام أرسل بوتين طائراته إلى سورية واستعدّ لإنقاذ نظام الأسد، وقبل أن يطلق صاروخه الأول ذهب إلى نيويورك للقاء باراك أوباما على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لعرض تنازلات في سورية مقابل تقاسم في أوكرانيا مع رفع العقوبات المفروضة على روسيا، وأثار أيضاً ضرورة التفاهم على ملفات عسكرية موضع خلاف في أوروبا. لم يحصل على صفقة فشرع في جولة أولى من القتل والتدمير في سورية ثم وجد مصلحة في الظهور كباحث عن حل سلمي وسياسي، وفيما تلاعب بالهدنات وبشروط التفاوض السياسي أكسبته الثنائية الروسية - الأميركية «اعترافاً» عالمياً بأنه صاحب قرار الحرب والسلم في سورية، وكان مستعداً لأي من الاحتمالَين، مهدّئاً ومصعّداً، شرط الحصول على تلك «الصفقة» مع أوباما. ومع اقتراب ولاية الأخير من نهايتها وجد بوتين أنه لم يعد هناك ما يمكن توقّعه من واشنطن فانتقل إلى ذروة التصعيد لتغيير وقائع الملف السوري، عسكرياً وسياسياً، استباقاً للإدارة الأميركية المقبلة.

مع «الفيتو» الخامس ذهب بوتين بعيداً في الاستهانة بالمجتمع الدولي، وفي إذلال إدارة أوباما دائمة التخبّط في تحديد خياراتها. وما دام أحداً لا يستطيع ردع «الدبّ الروسي» فإن الجلوس معه وهو يرفع يده وحيداً لرفض الإرادة الدولية شكّل «اعترافاً» بالأمر الواقع، الذي لم يعد تدخّلاً بطلب من نظام تأكّد إجرامه في حقّ شعبه بل غدا احتلالاً روسياً ناجزاً لسورية، بالتكافل والتضامن مع احتلال آخر تمارسه إيران وميليشياتها. ففي الأسابيع الأخيرة تضاعفت الترسانة الروسية على نحو غير مسبوق، وصادق مجلس «الدوما» الجديد على «اتفاق» يجعل الوجود الروسي في سورية دائماً. نسي الجميع الطابع «الموقّت» والمتعجل للتدخّل، كما قدمها بوتين قبل عام، وأصبحت المهمّة طويلة ومفتوحة ومرتبطة بـ «الأمن القومي» وفقاً لسيرغي لافروف في تحليله لتدهور العلاقة مع الولايات المتحدة واحتمال موافقة أوباما على ضرب قواعد ومطارات لنظام الأسد.

لن تقع مواجهة مباشرة بين الدولتَين الكبريين، إذ أنهما تتحاربان بسورية وشعبها فيما يقول خطابهما الإعلامي أنهما «تحاربان الإرهاب». أما الحاصل الآن فهو سقوط الأقنعة التي تبادل الأميركيون والروس التنكّر بها، وكان السؤال دائماً: أيّهما يستفيد أكثر من تواطئهما، ولم يكن يوماً: أيّهما يعمل حقّاً من أجل سلام في سورية؟ المؤكّد أن لدى بوتين حلفاء مستفيدين، فيما يندر وجود مستفيدين مع أوباما. والحاصل الآن أيضاً هو أن العجز الدولي يُطلق يد روسيا لتدمّر كما تشاء في سورية من دون أن تكون قادرة على الحسم عسكرياً ولتغرق في المستنقع من دون أن تكون قادرة على الحسم سياسياً. لكن الحاصل تحديداً هو سقوط سورية ووشوك احتمال اختفائها من الخريطة، وإذا حصلت مواجهة فإن نظام الأسد سيحتفل لاقتناعه بأنها من أجله وبسبب الأهمية التي يتمتّع بها، ولن يشاركه الاحتفال سوى الإرهابيين، إرهابييه الذين عوّل عليهم لإطالة عمره ويعوّلون عليه في بقائهم.

واقعياً أبلغ الروس إلى الفرنسيين والإسبان أنهم غير معنيّين بالعمل معهم أو حتى مع الأمم المتحدة، لكنهم أبلغوا أيضاً إلى الأميركيين أنهم غير مستعدين للتعاون/ التكاذب إلا معهم وإذا أرادوا أن تستمر «اللعبة» وتنجح فقد أصبحوا يعرفون ما المطلوب منهم. أي أنهم جعلوا الشعب السوري وقضيته رهن تناغمهم أو تنافرهم، مخيّرينه بين «داعش» وبوتين، وقبل ذلك بين الأسد و «داعش». أي أنهم يدفعون به دفعاً إلى التطرّف، تدعّشاً أو تأفّغناً أو تصوّملاً، على رغم أن لا مصلحة له في ذلك. لكن هذا ما يفرضه عليه الوجود الروسي «الدائم»، فالاحتلال الخارجي (الروسي والإيراني) يستدعي المقاومة والمواجهة كما استدعاهما الاحتلال الداخلي (الأسدي). أما معركة الحرية والكرامة فغدت معركة من أجل الاستقلال.

في أي حال كان الأسد والإيرانيون هم المستفيدون من «التعاون» الأميركي - الروسي لكنهم كانوا يخشون مقايضاتٍ بين الدولتَين، إذ لمسوا أن روسيا متمسّكة بأميركا لأن «الشراكة» معها توفّر لها «مشروعية» دولية تحتاج إليها، بمقدار ما كانت متمسّكة ولا تزال بالبحث عن «حل سياسي» ولو بالتلفيق ليشكّل تغطية لتدخّلها. أما وقد سقطت الأوهام والتمويهات فإن بوتين استعاد طبعه الإجرامي ليندفع نحو التدمير كحلّ عسكري، ولن يحصل عليه، فسورية ليست الشيشان والعالم الذي تعامى عن تدمير غروزني لن ينسى جريمته في حلب. هل يتطلّب الأمر حرباً عالمية لإعادة إنتاج المجتمع الدولي وإنهاء العجز والشلل في مجلس الأمن، طالما أن «الفيتو» يمنع معاقبة نظام الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي، كما أنه يساعد روسيا نفسها على تعطيل إدانتها على جرائم الحرب في سورية؟

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٦
لا بديل إيرانياً عن "نصر عسكري" في سوريا

تقول إيران إنها لا تتدخل عسكريًا في أي دولة عربية. ويستمر الحرس الثوري الإيراني في تأكيد مقتل ضباط من القوات الخاصة العاملة في سوريا ومنهم العقيد محمد رضا زاريالوني من وحدة «الصابرين» في القوات البرية، الذي قتل خلال عملية «استشارية» يوم 27 من الشهر الماضي، حسب ما جاء في بيان «أنصار فيلق الحسين» التابع للحرس الثوري الذي تواصل قيادته تسمية قواته «المستشارين»، على الرغم من بيانات الوفاة التي تعلن عن المعارك التي تخوضها.

الميليشيات الشيعية التي أرسلها ويدعمها الحرس الثوري تفيد بأن ضباطه يقودون مباشرة هذه الميليشيات في المعارك. ففي 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية خلال استقباله رئيس وزراء السويد السابق كارل بيلدت إن «إيران غير متورطة مباشرة في أي نزاع أو عمل عدائي في أي بلد آخر»، وأضاف: «نظرًا للتجارب الكثيرة لقوات الجمهورية الإسلامية فإن إيران تقوم بمهمات استشارية في العراق بناء على دعوة من حكومته، وإن وجودها في سوريا له طبيعة الاستشارة وبطلب من قبل حكومتها».

في الثناء الذي كالته قيادة الحرس الثوري على زاريالوني، قالت إن تنظيم داعش الإرهابي والتكفيري قتله، وهو يدافع عن ضريح السيدة زينب، وأثناء دفاعه وتعزيزه لجبهة المقاومة الإسلامية. والمعروف أن الموقف الرسمي لإيران يصف كل مقاتلي المعارضة السورية بالإرهابيين، وليس فقط مقاتلي «داعش» أو الموالين له.

التمويه يأتي عندما تقول بيانات إيران إن ضباطها قتلوا أثناء الدفاع عن ضريح السيدة زينب، مع العلم أن القوات والميليشيات الشيعية التي يقودها الحرس الثوري شنت في اليوم نفسه الذي قتل فيه العقيد زاريالوني هجومًا كبيرًا على مدينة حلب، وكان مسؤولون أميركيون أشاروا في 26 من سبتمبر (أيلول) إلى أن كثيرًا من الميليشيات الشيعة التي تدعمها إيران، وقامت بالهجوم على حلب وصل عددها إلى 3 آلاف، في حين أشارت الصحف البريطانية إلى أن العدد تجاوز 5 آلاف.

في 30 من سبتمبر نعت إيران عناصر من المتطوعين الباسيج - القوة العسكرية التابعة للحرس الثوري – الذين قتلوا جنوب حلب، وكانت في بداية الشهر الماضي نشرت، وعن قصد، صورًا للواء قاسم سليماني قائد وحدة العمليات الخارجية في الحرس، وقائد فيلق القدس وهو يجول في جنوب حلب، ويتفقد مواقع «حركة النجباء»، الميليشيا العراقية الشيعية التي تدعمها وتمولها إيران، مما أكد أن وجود سليماني - غير الاستشاري طبعًا - في حلب كان لسحق المعارضة. ويدير سليماني الاستراتيجية الإيرانية في سوريا بالتنسيق مع كبار القادة العسكريين الروس والسوريين.

منذ شهر يوليو (تموز) كان اللافت أن قائمة الضحايا من المقاتلين الإيرانيين في سوريا تشمل ضباطًا من القوات البرية تزيد رتبها على الرائد وما فوق، إضافة إلى مجموعة من العمداء، كلهم قتلوا على أبواب مدينة حلب. ويشير هذا إلى أن كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، الذي هو ليس شركة استشارية، متورطون في تخطيط العمليات العسكرية على أعلى مستوى، وأنهم في معارك دموية كثيرة، يقودون الميليشيات الشيعية التي دخلت سوريا، على شكل وحدات بحجم الكتيبة. ويفخر هؤلاء القادة بالمشاركة مباشرة في الخطوط الأمامية أثناء اندلاع المعارك، رغم ما يكمن دونه من خسائر. وبيانات الوفاة الإيرانية شملت أطباء تخدير، وخبراء في المدفعية وقناصة.

من أجل أن تستمر إيران في الحرب في سوريا، يعمد الحرس الثوري سرًا إلى تجنيد الشيعة الأفغان الذين يشكلون 20 في المائة من مجموع الشعب الأفغاني (30 مليون نسمة)، وهم في الغالب من الهزارة ويتكلمون الفارسية. كما جهز الحرس الثوري الآلاف من المهاجرين الأفغان غير الشرعيين، وهددهم بالترحيل إلى بلادهم إذا ما رفضوا الانضمام. وهكذا أسس الحرس لواء «الفاطميون»، وينتشر الأفغان للقتال إلى جانب النظام السوري منذ عام 2014. عددهم حسب التقارير يصل إلى 20 ألفًا، ومهمتهم الأساسية الدفاع عن ضريح السيدة زينب في دمشق، ويجبرون أحيانًا على القيام بعمليات قتالية محفوفة بالمخاطر. وحسب التقارير، فقد تلقوا تدريباتهم على يد «حزب الله» اللبناني. وتقام لهم المآتم في مدينة قم، ويحضرها مسؤولون إيرانيون كبار.

كذلك أنشأ الحرس الثوري الإيراني فيلق «زينبيون» وهم من شيعة باكستان انتشروا للمشاركة في القتال في سوريا. ويعرفون شعبيًا بـ«حزب الله» الباكستاني، ولهم شعار كشعار «حزب الله» اللبناني، وفي مقدمة كل بياناتهم يحيون «القائد الأعلى آية الله خامنئي»، تمامًا كما يفعل أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله في معظم خطاباته.

وفي يونيو (حزيران) من عام 2014 تطوع 30 ألف شيعي من الهند لمقاتلة «داعش» في العراق ولحماية المراقد الشيعية هناك، وتراوح المتطوعون من طلاب جامعات إلى مصرفيين وأطباء ومهندسين. وقال سيد بلال الناطق باسم المجموعة الهندية الشيعية لوكالة الأنباء العراقية، إنهم يتطلعون لمليون متطوع لتشكيل سلسلة بشرية حول كربلاء والنجف.

إذن، الميليشيات الشيعية التي أنشأتها إيران وتشمل «حزب الله» اللبناني، والميليشيات العراقية ولواء الفاطميون، ولواء الزينبيون تشارك كلها في معارك حلب، إلى جانب القوات السورية برًا والروسية جوًا. وفي الفترة الأخيرة، مع اشتداد المعارك قتل 17 أفغانيًا، وفقد «حزب الله» في شهر أغسطس (آب) الماضي 29 مقاتلاً من كتيبة النخبة «الرضوان»، كما لقي 7 مصرعهم في الشهر الماضي.

إن إعلان إيران عن مقتل عناصر من الباسيج في سوريا يؤكد أن الحرس الثوري نشر قواته البرية النظامية وقوات الباسيج عندما أراد ضخ قوات إضافية لتكثيف الهجمات على حلب. ورغم تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأن دور إيران استشاري، فإن مقتل عناصر من الباسيج يشير إلى أن بعض قوى الحرس الثوري العادية تشارك في القتال في سوريا بصفتها جزءًا من «قوة التدخل السريع الشيعية» بقيادة الحرس الثوري.
من ناحية أخرى، كان قائد رفيع في الجيش النظامي الإيراني أبلغ الصحافيين في 23 مارس (آذار) الماضي، أن قوات خاصة من الجيش ستنتشر في سوريا والعراق تحت تسمية «مستشارين»، وكانت هذه المرة الأولى منذ الحرب العراقية - الإيرانية التي ترسل فيها إيران قوات نظامية إلى خارج حدودها.

إن مشاركة قوات من الجيش النظامي الإيراني كانت بدأت قبل أشهر من هذا «الاعتراف»، لأن قائد القوات البرية الإيرانية أمير أحمد رضا بوردستاني لم ينفِ في 17 مارس الماضي، تقريرًا أشار إلى أن طائرة هليكوبتر إيرانية عسكرية شوهدت تقلع من العراق إلى سوريا في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015.

وفي كلماته يشدد قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري، اللواء محمد باكبور، على أهمية الانتصار في «الحروب في سوريا والعراق» والدفاع عن العتبات الشيعية، ويحذر من أنه في حال الهزيمة فإن إيران ستواجه الأعداء أنفسهم من المتطرفين السنة على حدودها الغربية.
إذن، بغض النظر عن التكلفة فإن إيران وحلفاءها من الميليشيات الشيعية يسعون إلى تحقيق نصر عسكري في سوريا. وكان السيد حسن نصر الله قال قبل أيام إن الكلمة الأخيرة في سوريا ستكون لساحة المعركة.

وبعد كل ما تقدم، هل علينا أن نصدق ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم السبت الماضي أثناء اجتماعه مع إيرانيين مقيمين في ماليزيا: «إن إيران لا تسعى إلى نشر التشيع، أو فرض ثورة 1979 على أي دولة، نحن بحاجة إلى الوحدة والأخوة بين الشيعة والسنة، وإن العالم الإسلامي بحاجة اليوم إلى تبديد الوهم بين الشيعة والسنة اللذين تربطهما أهداف مشتركة»؟

جميل كلام روحاني، لكن «أهدافه» مسمومة.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٦
بين الفرح بعاشوراء في “كفريا و الفوعة” و انتقادات الرافضين لطول أمد الهدنة

أثار تقرير مصور بثته قناة العالم الإيرانية عن إحياء يوم عاشوراء في بلدتي كفريا والفوعة، حالة استهجان شعبية كبيرة في محافظة إدلب وعموم المناطق المحررة، والتي تعكس درجة الأمان التي وصل إليها أهالي ومسلحي البلدتين اللتان من المفترض أن تكونا محاصرتين وتعانيان ولو جزء يسير مما تعانيه المناطق المحررة المحاصرة من قبل قوات الأسد في عموم المحافظات السورية من جوع وقتل يومي.


يرصد التقرير تجمهر الألاف من المدنيين والعسكريين في الساحة العامة لبلدة الفوعة لإحياء ذكرى عاشوراء تخللها فعاليات متنوعة يقوم بها الشيعة في إحياء طقوسهم، دونما خوف من سقوط قذيفة بين الجموع قد تودي بحياة العشرات منهم، هذا الاجتماع الذي تحرم منه المناطق المحررة حتى في الأسواق الشعبية خوفاً من القصف المستمر وتجنباً للمجازر التي ترتكب بشكل يومي.


يقول متابعون: إن بلدتي كفريا والفوعة تدخلان في هدنة طويلة بدأت بستة أشهر في 24 أيلول من عام 2015 لوقف إطلاق النار من الطرفين في الفوعة والزبداني بما سمي حينها اتفاق البلدات الأربع " مضايا - الزبداني ، كفريا - الفوعة"،  تلاه تمديد للاتفاق مرات عدة ضمن بنود اتفق عليها جيش الفتح مع المفاوض الإيراني، وساهم بدور كبير في وقف العلميات العسكرية على مدينة الزبداني وتخفيف أعباء الحصار على بلدة مضايا والفوعة وكفريا في آن واحد، حيث استمر دخول المساعدات الإنسانية للمنطقتين بشكل متوازي، إضافة لعدة عمليات إخلاء جرحى ومصابين برعاية الأمم المتحدة والهلال الأحمر.


وفي الطرف المقابل يردد البعض انتقادات كبيرة للمحاصرين لبلدات كفريا والفوعة، مستنكراً تباطئهم في قصف البلدتين ومحاصرتهما بشكل فعلي على غرار ما يفعل النظام كورقة ضغط عليه لتخفيف القصف على المناطق المحررة في إدلب، لاسيما بعد إخلال قوات الأسد والعدو الروسي ببنود الاتفاق وقصف المناط المنضوية ضمن دائرة وقف القصف والتي تعرضت لقصف عنيف مازال مستمراً أوقع العشرات من الشهداء والجرحى بمجازر عدة، إضافة لعودة عمليات الإمداد الجوي بالأسلحة والذخائر للمسلحين المحاصرين في بلدتي كفريا والفوعة من قبل الطيران المروحي وطيران اليوشن الحربي.


وبين مؤيد للهدنة ورافض لها ينظر البعض إلى أن بلدتي كفريا والفوعة تنعمان بالأمن والأمان، وفائض في الغذاء منه ما يصل عبر القوافل الإنسانية التي تدخل برعاية الأمم المتحدة، ومنها بالإمداد الجوي، ومنها ما يصلهم عن طريق بعض ضعاف النفوس من أبناء البلدات المحيطة بهم عن طريق عمليات التهريب، على عكس ما تعانيه المناطق المحاصرة من قبل قوات الأسد والتي تشهد قصف يومي ومجازر أزهقت العشرات من الأرواح في صفوف المدنيين، إضافة لنقص في الغذاء والأدوية ، وتفشي الامراض منها بسبب الجوع والحصار، هذا عدا عن عمليات التهجير التي بدأت وبرعاية المجتمع الدولي من عدة مناطق في داريا والهامة وقدسيا والوعر ومناطق أخرى تتجهز لذلك.


ولعل حال الرافضين لفكرة استمرار هذا الاتفاق يقضي بتحقيق توازن في الرعب والقتل عبر ورقة الضغط التي يملكها الثوار والمتمثلة في بلدتي كفريا والفوعة، وبذلك يساهم بدرور كبير في تخفيف الضغط عن عشرات المناطق، وفرض اتفاقيات جديدة على قوات الأسد في حال تحقق هذا التوازن في الرعب والتجويع والقتل والدماء، كأفضل حال من الاستمرار في تأمين حماية هذه البلدات حسب رأي الكثير منهم.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٦
فصائل الجيش الحر وخيارات "النصرة"

يطرح الواقع الدولي، وقرارته المتعلقة بالوضع السوري، أمام المعارضة السورية مسؤولية توضيح خياراتها تجاه الواقع الذي تفرضه جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، خصوصا أنها لا تعترف بالثورة ولا بكياناتها. أيضا لا تستطيع المعارضة التملّص من المسؤوليات الواجبة عليها، والناتجة من سياسات هذه الجبهة؛ خصوصاً في ظل أوضاعها الصعبة، وقدراتها المحدودة والمداخلات الدولية والإقليمية في الشأن السوري. من زاويةٍ أخرى، لا تستطيع المعارضة الوقوف صامتةً إزاء تجاهل هذه الجبهة الأوضاع المأساوية التي يمر بها السوريون، والظروف المعقدة التي تمر بها الثورة، ولا تجاهل الموقف الدولي والإقليمي الحاسم في طلبه من المعارضة، بكياناتها السياسية والعسكرية، ضرورة النأي عن هذه الجبهة، خصوصاً مع كل الأضرار والتداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن ذلك على شعبنا وثورتنا.

السؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق: ما هي علاقة ثورتنا بجبهة النصرة؟ أو بالأحرى ما علاقة هذه الجبهة بالثورة؟ أي أن هذا السؤال لا علاقة له بأي خلفياتٍ، لا سياسية ولا فكرية، ولا بمواقف مسبقة، لا سلبية ولا إيجابية، إذ ينطلق من واقع موضوعي.

منذ قامت هذه الجبهة، شكلت حالة افتراق عن الثورة، فهي لم تر في نفسها جزءاً منها، ولم تتبنّ أهدافها، ولم تنضو في كياناتها، ولا حتى رفعت علمها، بل إنها ناهضت ذلك كله، معلنة انتماءها لتنظيم القاعدة، ولمشروع آخر مختلف، ومتبنّيةً ثقافةً غريبة عن ثقافة السوريين، ومنها الإسلام المعتدل والمسالم (وإن أعلنت افتراقها عنها أخيراً بتغيير اسمها)، أي أن هذه الجبهة لم تقطع مع الثورة السورية فقط، وإنما قطعت أيضا مع مجتمع السوريين متنوع ومتعدّد الثقافات.

المؤسف أن هذه الجبهة أيضاً ظلًت قريبة من "داعش"، حتى أن التنقل سهل جداً بينهما، وعلى الرغم من اقتتالهما في هذه المنطقة أو تلك، بين فترة وأخرى، إلا أنهما أقرب إلى بعضهما في الثقافة والأيديولوجيا السياسية، وفي التعصب الديني والإكراه والعنف في مواجهة المجتمع.

وللتذكير، ليست سيرة جبهة النصرة مع جماعات الجيش الحر أفضل حالاً، إذ إنها لعبت دوراً كبيراً في قضم المناطق التي كان يسيطر عليها هذا الجيش، وفي إضعافه وإنهاكه، بعد استهدافها له، ولمقرّاته ونهبها مستودعاته.

أيضا، المناطق المحرّرة التي تسيطر عليها هذه الجبهة (وبعض قوى أخرى) لم تستطع أن ترضي السوريين، باعتبارها بمثابة أنموذج بديل عن نظام الأسد، لأنها اعتمدت القوة والإكراه في فرض سلطتها، بل وتصوّراتها واجتهاداتها عن الدين والمجتمع والمرأة، وتدخلها الفظ في الشؤون والمسلكيات الشخصية، إذ نمّى ذلك كله مخاوف السوريين من مختلف المكوّنات من هذه الجبهة وإمكان تحكّمها بهم، وقد تم التعبير عن ذلك في مظاهراتٍ عديدة ضدهم في درعا ودمشق وسراقب والمعرّة مثلا.

لا أقلل من جهد الجبهة في مقاتلة النظام، لكن هذا الجهد قام به أبناؤنا الذين لم يجدوا أمامهم سوى هذه الجبهة، لسبب أو لآخر، ثم إن من دفع الثمن هم أهلنا أيضاً الذين خضعوا للقصف والحصار والجوع والتشريد، بسبب هيمنة الجبهة على مناطقهم، وطريقتها في الصراع العسكري ضد النظام، مع ضعف الإمكانات العسكرية، والاعتماد على دعم هذه الدولة أو تلك، وهو دعم محدود ومقيّد، ولا يتناسب مع ما تحاوله هذه الجبهة، كما ثبت بالتجربة.

وعليه، لا يجوز لهذه الجبهة، ولا لغيرها، أن تمنن على شعبنا بجهدها العسكري في مقاتلة النظام، لأن هذا لم يؤثر في تغيير موازين القوى منذ أكثر من أربعة أعوام، ولأن إمكاناتنا محدودة في العمل العسكري، والدعم العسكري يأتي بالقطارة. وأقصد أن على من اختار هذه الطريق أن يُخضعه للمساءلة والمحاسبة، وعليه أن يقدّر تضحيات شعبنا وعذاباته نتيجة هذا الطريق، فكيف إذا علمنا أن ذلك أتاح للنظام تحويل البيئات الشعبية إلى مناطق محاصرة، أو فارغةً بعد البطش بسكانها أو تشريدهم؟

الأهم أن هذه الجبهة، في ما تطرحه من أفكار، أثارت المخاوف عند كل مكونات السوريين منها، (وضمنهم السنة)، ومن الثورة عموماً، وأضعفت التعاطف الدولي مع قضيتنا، وأثارت الشكوك حول مطالبنا بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة.

أكرّر، ليست القصة ما تتبناه هذه الجبهة من أفكار، ولهذا نقاش آخر، وإنما في أنها لا تعتبر حالها جزءاً من الثورة، وأن لديها مرجعية أخرى، ومشروعاً مختلفاً، أيضاً في أن طريق هذا الجبهة يفضي إلى إعادة إنتاج الاستبداد، وفي أنها تعتبر نفسها وصيةً على الإسلام والمسلمين، وأنها ترى حتى الجماعات الإسلامية الأخرى، والتي تحظى بتأييد واسع، ضالةً أو منحرفة، وأنها تستخدم القوة والقسر لفرض رأيها.

ليست هذه دعوة إلى نفض اليد، وإنما لنقاش آثاره حديثٌ مع أصدقاء، مفعم بروح المسؤولية إزاء كيفية التعامل مع ظاهرة جبهة النصرة، بعد أن أضحت عبئاً على السوريين، بسبب مواقفها وتصرفاتها التي ثير مخاوفهم، وأيضاً بسبب المطالبات الخارجية. في النقاش المذكور، طرح سؤال مفاده إن كانت جبهة النصرة، وأخواتها، تستطيع إسقاط النظام في ظروف تشرّد أغلبية السوريين، وخروجهم من معادلات الصراع، وفي الظروف العربية والدولية والإقليمية الراهنة؟ وفعلاً، يجيب سؤالٌ كهذا على كل شيء، فمن غير المسموح لهذه الثورة أن تسقط النظام وفق منطق هذه الجبهة، ومن غير المسموح تمكين هذه الثورة من تحقيق هدفها بإسقاط النظام من دون التكيف أو المواءمة مع معايير الواقع الدولي والإقليمي الراهن.

في هذا الوضع، لا مناص من إبداء الضغط على هذه الجبهة، أو على العناصر الخيّرة فيها، لترشيدهم إلى هذا الواقع الصعب، ووضعهم أمام خيار الانحياز لمصلحة شعبهم، للتخفيف من معاناته وعذاباته، إذ لن يجدي الإمعان في الطريق الأحادي والإقصائي، ولن يوصلنا إلى شيء، بل هذا يفيد النظام، ويخدم تعويمه، سيما أنه كان، منذ البداية، يجرّنا إلى حربٍ أهلية وطائفية لنعت الثورة بالإرهاب، وبالحرب الدينية.

لذا، من مصلحة شعبنا وثورتنا وضع حد لهذا الإرباك، الناجم عن وجود جبهة النصرة، وتجاوز تداعيات الموقف الدولي والإقليمي المناوئ لها، بتأكيد الطابع الوطني الديمقراطي لثورتنا من أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، ولاسيما بوضع حد لتشرذم الكيانات العسكرية، من خلال الانصهار في كيان واحد يكون هدفه تحديداً حماية البيئات الشعبية الحاضنة للثورة.

وعلى الرغم من أني لا أعتبر أن الثورة أتت من رحم الكفاح المسلح، بل إن ذلك جاء في معرض الرد على انتهاج النظام أقصى العنف ضد الثائرين بوجه استبداده وقمعه وتنكّره لاستحقاقات الحرية والكرامة والمواطنة التي طالبه بها الشعب السوري، إلا أنني أجد نفسي مضطرةً للتعامل مع هذا الواقع على أرضية الحفاظ على سلامة مسار الثورة، وتحقيق أهدافها.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٦
صدمات الأزمة السورية

منذ ست سنوات تقريباً، والأزمة السورية تواجهنا كل يوم بصدمةٍ، وتُسقط من حولنا أقنعةً، وتصفعنا في وجوهنا بقوة، حتى أيقظتنا على عالمٍ لا نعرفه، وهو بالتأكيد غير الذي كنا نظن أننا نعيش فيه. اعتقدنا وهلةً أننا بتنا نعيش في عالمٍ "متحضّر"، لا يمكن أن يسمح لديكتاتور، أي ديكتاتور، بتكرار مستويات عنفٍ أقلّ كثيراً مما شهدته حماة قبل ثلاثة عقود. في ذلك الوقت، تمت المذبحة بصمت، فلا صور ولا أخبار ولا صرخات للضحايا، تستفز العالم "المتحضّر" لنجدتها. ثم إن المذبحة تمت في ظروف الحرب الباردة وثنائية القطبية، حيث لا حديث عن تبعاتٍ سياسيةٍ، ولا بحث في مسؤوليةٍ قانونيةٍ في عالم جمّدت مشاعره الواقعية، بنسختها الكيسنجرية. في ذلك الوقت أيضاً، لم تكن الإنسانية قد اخترعت بعد شيئاً اسمه محكمة الجنايات الدولية (بدأت عملها في أول يوليو/ تموز 2002)، لردع مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، كما أن الأمم المتحدة لم تكن قد أقرّت بعد مبدأ المسؤولية في الحماية (R2P)، حيث للمجتمع الدولي الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، في حال ارتكبت حكومتها جرائم تطهير أو إبادة بحق مواطنيها. كانت القناعة، كل القناعة، أنّ ما حصل في سبرينيتسا في البوسنة، وحتى في الشيشان وميدان تيان آن من في بكين أصبح وراءنا. لم لا ونحن نعيش فضائل القرن الحادي والعشرين، حيث تنتشر تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، وتتحول قيم الحرية إلى قيم عالمية، وترتقي الإنسانية.

على الأرض، وفي الواقع، كانت الأمور جداً مختلقة، اذ تجاوزنا في سنة الأزمة الأولى ما جرى في سبرينيتسا، وباتت مذابح راوندا وبورندي اليوم وراءنا، والأرجح أننا في الطريق إلى استعادة تجربة "الخمير الحمر" في كمبوديا، حيث قضى نصف السكان (4 ملايين نسمة) على يد ديكتاتورية بول بوت العسكرية بين 1976-1979، والعالم يراقب، وهو لا يلوي على شيء.

لم تقتصر الصدمة على اللامبالاة التي أبدتها حكومات العالم "المتحضر" تجاه المأساة السورية، بل تجاوزها الأمر إلى الشعوب والرأي العام الغربي الذي صدمنا، هو الآخر، بمقدار لا إنسانيته ولا مبالاته، فسورية ليست ضحية الإمبريالية الأميركية، حتى يخرج بمظاهرات مليونية للتضامن مع شعبها. هنا، يبدو بجلاء أن مشكلة الرأي العام الغربي اليساري التقدّمي لم تكن يوماً مع فعل القتل، بل مع هوية القاتل، فتجده يلوذ بالصمت، إذا كان القاتل من الجنس "الممانع" الروسي أو السوري أو الايراني، أما إذا كان القاتل "إمبريالياً" فالويل له والثبور وما يليه من عظائم الأمور. ولو أن تحرّكاً أميركياً أراد اليوم، مثلاً، استهداف "الممانعين"، لوجدت شوارع لندن وبرلين وغيرها من عواصم الغرب تنتفض، كما فعلت يوم غزو العراق، لمقاومة العدوان الأميركي على سورية.

صُدمنا أيضاً بمواقف نخبٍ عربيةٍ طالما ادّعت النضال في سبيل الحرية، وطالبت الشعوب بالبذل في سبيلها، فلما تحرّكت هذه، وصفت بالغوغائية والتطرّف والإرهاب والتكفير والسقوط ضحية مؤامرة خارجية. صُدمنا بموقف حزب الله وطائفية مشروعه المقاوم، وبمخزون العنف والحقد الكامن فيه، كما أسأنا تقدير حجم المشروع الإيراني، وأبعاده التدميرية وخططه لتفكيك الدولة العربية من دواخلها، وحكمها بمليشيات طائفية، مرجعياتها ايرانية. أسأنا تقدير حجم التغيير الذي حصل في تفكير النخب الأميركية تجاه المنطقة العربية، بعد أحداث "11سبتمبر" وغزو العراق. كما أسأنا تقدير مدى التزام روسيا بمشروع الأقليات في المشرق العربي، ومدى خوفها مع الصين من ثورات الربيع العربي، وخطورة امتدادها اليها، وإصرار الاثنتين على إحداث تغيير عميق في بنية النظام الدولي، بالاستفادة من حالة الانكفاء الأميركي. أسأنا بالتأكيد تقدير مدى التزام العالم "الحر" بقيم الحرية ونشر الديمقراطية، عندما يصل الأمر إلى العرب والمسلمين. فوجئنا بعدم إدراك الدول العربية (الخليجية خاصة) أبعاد الصراع في سورية، وعدم تقديرها أن مصيرها، لا بل وجودها، معلقٌ بنتيجته، فظهرت بمظهر الداعم أو المساند للسوريين في خوض معركتهم، بدلاً من أن تخوض هي المعركة بهم ومعهم.

بالنتيجة، أسأنا الحسابات، تلقينا صدماتٌ عديدة، وفاتتنا أكثر التقديرات، ووصلنا إلى الحال التي وصلنا إليها. الآن، ليس أمامنا وقد وعينا ذلك كله إلا أن ننظر إلى الأمام، ونواصل المسير، وكلنا أملٌ في ألا نستمر في إساءة التقدير.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان