مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٠ أكتوبر ٢٠١٦
عن موت الجيش والسياسة في البلاد العربية

حسناً فعل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تنظيمه مؤتمراً عن دور الجيش في السياسة في البلاد العربية، فالواقع أن تاريخ هذه السياسة في جميع الأقطار لا ينفصل عن تاريخ الجيوش وتكوينها، ومنذ القرن التاسع عشر بالنسبة لبعض الأقطار. ومن الصعب فهم كثير من مسائل السياسة العربية بمعزل عن فهم هذا الدور وأسبابه ومآلاته، بل أصبح هذا الدور يتجاوز اليوم، مع تفاقم أزمة الدولة العربية، مسألة تفرّد القادة العسكريين بالسلطة، كما حصل حتى الخمسينيات من القرن الماضي، وينزع إلى ما أطلق عليه مدير عام المركز العربي، الدكتور عزمي بشارة، في محاضرته الافتتاحية الغنية، عسكرة الدولة والمجتمع، ما يعني تلويث النظام الاجتماعي بأكمله، وتفريغ المجتمع من دينامياته المختلفة لصالح ضبطه عسكرياً وأمنيا من الداخل. وفي اعتقادي، أن الأمر يتجه، اليوم، إلى أبعد من ذلك، ويجنح إلى ترسيخ عقيدة التمييز شبه العنصري ضد المجتمع، وتفقد الدولة طابعها الوطني، وتتحوّل إلى أداة للسيطرة في يد أليغارشية واحدة، تجمع بين جميع أصحاب المصالح والنفوذ من النخب العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتتخلى عملياً عن مفهوم الدولة الوطنية لصالح دولة النخبة الخاصة. ولا يمكن ضمان ذلك، من دون تقديم الخيار العسكري، أي الأمني والمخابراتي، لتنظيم المجتمع، على أي خيار آخر. وهذا ما كنت قد أثرته وحذرت منه، في كتاب "المحنة العربية: الدولة ضد الأمة" التي نشر في أول التسعينيات من القرن الماضي.
وعلى سبيل المساهمة في هذه النقاشات المهمة التي لن نتوقف بالتاكيد عن تناولها في السنوات المقبلة، رأيت من المفيد الإشارة إلى ملاحظاتٍ متعلقة بتناول هذه الإشكالية الكبرى.
الأولى، أن من غير الممكن فهم الموقع الذي يحتله الجيش، من دون وضعه في سياق العلاقات مع المؤسسات الأخرى، السياسية والاجتماعية. بمعنى آخر، المؤسسة العسكرية جزء من بنية

 الدولة ومن منظومتها، ولا تتشكل وتتحرّك في الفراغ. ولا يستقيم فهم الدور الذي وقع على كاهل النخبة العسكرية، من دون فهم تطور الدولة نفسها وإعاقة تكوينها، في المشرق العربي خصوصاً، فهي، في نظري، لا تزال نموذجاً للدولة غير المنجزة. وبالتالي، لا تزال مؤسساتها، بما فيها العسكرية، غير ناجزة، كما لا تزال الاختصاصات والوظائف التي ترتبط بها غير محدّدة وغير مميزة أيضا. وعلى الرغم من تعدّد مؤسساتها، تفتقر دولنا لنخب متعدّدة سياسية واقتصادية وعسكرية متميزة ومدركة حدود صلاحياتها وأصول عملها، والمهام الخاصة المكلفة بها. وتكاد تختصر بنخبةٍ هلاميةٍ واحدة، تفتقر للتكوين والتأهيل الجدّي، وعلى استعداد لشغر أي منصبٍ في إطار نزاعٍ على السلطة والنفوذ، لا تحكمه قواعد ولا معايير ولا أصول ثابتة، فليس من المؤكد أن العسكري يدرك معنى كونه عسكرياً، ولا السياسي يعرف غاية عمله في السياسة، ولا يقبل أيضا المفكّر أو رجل الدين حدود صلاحياته ومهامه. كلٌّ يسعى، في إطار الصراع غير المقنن على النفوذ والمواقع والمنافع، أن يثمر رصيده، مهما كان نوعه، من أجل التقرّب من السلطة والمشاركة في ملكية دولةٍ تحولت هي نفسها إلى بضاعة، وشيء، ومصدر موارد، وفقدت فكرتها الأساسية كإطار شرعي وقانوني لتنظيم حياة الناس، وترتيب شؤونهم وخياراتهم العامة. ولذلك، تماهت جميع النخب في بنيةٍ واحدةٍ، تشبه الكائن وحيد الخلية، تختلط داخلها، وفي ذهنها الصلاحيات، وتضيع المسؤوليات، ولا يميز عملها سوى السعي الدائب إلى توسيع دائرة المنافع الشخصية والنفوذ. وهذا هو أيضاً السبب الكامن وراء انقساماتها وتعدّدها الشكلي وعداواتها الدائمة ونزاعاتها، واحتقار بعضها العميق بعضها الآخر.
والملاحظة الثانية أن الجيش لم يكن مؤسسةً مستقلةً بذاتها ولو نسبياً. وبالتالي، ليس هناك مؤسسة عسكرية حية مدركة وظيفتها، وصاحبة مبادرة في ما يتعلق بها. جميع مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، أجسام جامدة، تفتقر لوعي خاص بمهامها وأصول عملها، وإلى نخبٍ مؤمنةٍ بها وبغاياتها، وإلى حيز من الاستقلال داخل الدولة، يطوّر هويتها، وينمّي لديها القدرة على بلورة أجندتها الخاصة، لتشارك بإيجابية مع غيرها من مؤسسات الدولة في صياغة القرار العمومي. ولأنها كذلك، فهي تبقى جثةً هامدةً، أو قوالب فارغة من المشروع والرسالة. وبالتالي، عرضة للاستباحة والاحتواء من جميع المبادرين والمغامرين من الجماعات الطموحة للاستيلاء عليها، وتسييرها لصالحها، مهما كانت منابتهم ووظائفهم الأصلية أو الشكلية، وسواء أكانوا مدنيين أو عسكريين. ودور الجيش يختلف باختلاف القوى الداخلية أو الخارجية التي تسطو على مؤسستها، وتضعها في خدمة مشاريع سلطتها السياسية، أو الاقتصادية، أو الأيديولوجية.
الملاحظة الثالثة أنه، مع تدهور وضع الدولة القانونية، وسيطرة النزاعات المتعدّدة بين النخب على النفوذ والسلطة، بدل تمايزها وتقاسمها الصلاحيات والمسؤوليات في إطار الوحدة، لم تعد هناك دولة مؤسسية مستقلة عن النظام، وتتحكّم في سير السلطة، أو تحكم ممارستها حسب أصول وقوانين مرعية، وتضبط حسب الدستور علاقات مؤسساتها ونخبه المتميزة في ما بينها. أصبح النظام هو الدولة الحقيقية التي تخترق الدولة وتوجهها، وتشترط قواعد عملها، وصارت إرادة السيد الأوحد الذي يتحكّم بالنظام هي القانون الذي يحكم الدولة نفسها، وصار الرئيس أو الأمير سيد الوطن، أي صاحبه ومالكه والمتصرّف به. وهذا ما يفسّر سبب تراجع نموذج الدولة في البلاد العربية مع مرور الوقت، بدل أن يتطوّر نحو دولةٍ مكتملة الوظائف والأوصاف والمهام، فالدولة لم تعد سوى أداة من أدوات الصراع على السلطة بين أجنحة النخبة المتنافسة، كالحزب والطائفة والقبيلة والأجهزة الأمنية، ومزرعة لشراء الأنصار والمحاسيب، وليست مؤسسةً لتحقيق برنامج بناء أمة وضمان مصالح المجتمعات، وتمكينها من الاندراج في حضارة عصرها، ومشاركتها في صوغ السياسات العالمية. بمعنى آخر، ليست المشكلة في الجيش. ولكن، في الدولة التي لا تملك وسائل الحيلولة دون سقوط ما يمثله الجيش من قوةٍ منظمةٍ عنفيةٍ في يد "عصابةٍ"، أو طغمةٍ تتحكّم بالمجتمع وتخضعه لإرادتها ومصالحها.
والملاحظة الرابعة أنه لا يمكن إصلاح الجيش، وتقنين دوره في المجتمع، من دون إصلاح الدولة، أو بالأحرى إعادة بنائها على أسسٍ قانونيةٍ، تضمن فصل السلطات الدافع إلى إنتاج نخبٍ اجتماعيةٍ متميزة ومتكاملةٍ لا متنازعة. كما لا يمكن تطوير ثقافة التخصص والاحتراف في السياسة والإدارة والحرب والاقتصاد، من دون تطوير نموذج الدولة نفسها، وتحويلها من دولةٍ رافعةٍ لنخبة متميزة إلى دولةٍ لجميع مواطنيها، وفي خدمتهم والارتقاء بشروط حياتهم المادية واللامادية. وهذا هو المقصود من الدعوة الديمقراطية، فالصراع من أجل الديمقراطية هو صراع على تملك الدولة: دولة عامة الناس وعمومهم، أم دولة الخاصة، وأداة تمايزهم وتخصيصهم.
والنتيجة ربما كان ما يميز الأوضاع العربية اليوم، في أغلب أقطارنا، ليس تغوّل الجيش على الدولة أو المجتمع، وإنما تغول أوليغارشية جامعة لكل أصحاب النفوذ والسلطة والمال، والتأييد الخارجي على الدولة والمجتمع والجيش معاً، وجميع المؤسسات الأخرى وتحييدها، لصالح مؤسسةٍ خفيةٍ وغير منظورة، تخترق المؤسسات جميعاً وتستعمرها وتحركّها من الداخل، هي الدولة الموازية التي لا تختلف عن العصابة الخاصة، والتي يشكّل تعطيل الدستور والقانون وإلغاء السياسة والمجتمع المدني وآليات التضامن الاجتماعي على تعدّدها وتنوعها، شرط وجودها واستمرارها، كما تشكل الأجهزة الأمنية سداها ولحمتها.
أردت من ذلك أن أقول إن الدور الذي احتله الجيش في الحياة السياسية العربية لا يُفهم إلا من خلال علاقة المؤسسة العسكرية بمؤسسات الدولة الأخرى، وعلاقة الدولة نفسها بالنخبة الحاكمة والطبقة التي تستند إليها. فالانحراف الذي شهدته الجيوش العربية، أو أغلبها، عن مهامها الدفاعية لا ينبع من تاريخه الخاص وبنيته، وإنما هو جزء من إشكالية أوسع، هي أزمة علاقات السلطة داخل الدولة العربية نفسها، سواء بسبب نقائص هذه الدولة، وانعدام أفق تحولها إلى دولةٍ مكتملة، تعمل لصالح سكانها لا نخبها، أو بسبب النزاعات التي لا حل لها بين النخب المتنافسة على السيطرة الشاملة، أو في هشاشة مؤسسات الدولة وافتقادها الحياة، وانعدام روح المسؤولية العامة لدى النخب التي تحرّكها. تغوّل الجيش هو التعبير الأمثل عن تهلهل الدولة، وفشلها في أداء مهامها الأساسية، وافتقادها إلى التماسك والنضج السياسي والتنظيمي معاً، لا عن تكوّن نخبة عسكرية حقيقية.
وترجع أزمة علاقات السلطة التي تفضي إلى تضارب الصلاحيات والمسؤوليات، وتحول دون نضوج المؤسسات وامتلاكها هويتها الخاصة واستقلالها الذاتي، وفاعليتها، إلى مشكلةٍ أكبر، تتعلق بانسداد طريق تطور الدولة نفسها، وتحولها من مؤسسةٍ خاصةٍ لخدمة مصالح مالكيها، من نخبة الجيش والأمن والمال والاعلام المتحدة والمحاربة، إلى مؤسسةٍ عمومية، ملك مواطنيها، أي، بمصطلح الأدبيات السياسية الحديثة، إلى دولة أمة. وهذا ما أدى إلى أن تنحط الدولة إلى مستوى أداة استيلاء واحتلال، وحوّل الجيش، بما يمثله من رصيد القوة والعنف، إلى مليشيات خاصة، كما هو واضح اليوم في سورية والعراق، بمقدار ما رد "الشعوب" المجرّدة من السلاح إلى حال الأقنان التابعين والعبيد. وما نشهده، في هذه الحقبة، هو بالأحرى زوال دور الجيش، وصعود نجم المليشيات الأهلية، بموازاة تفكّك الدولة وموت السياسة.
أما تحليل أسباب هذا الانسداد فهو موضوع نقاش آخر.

اقرأ المزيد
٩ أكتوبر ٢٠١٦
الحرب العالمية الروسية

لم يعد أحد يجادل في أن معادلات القوة في العالم تغيرت خلال السنوات الخمس الماضية. الحديث ليس فقط عن مسارات النفوذ العالمي، والذي كانت تحتكره الولايات المتحدة الأميركية عقدين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بل أيضاً في مجال استعراض القوة العسكرية الذي لم يكن أحد يقارع فيه الولايات المتحدة. لكن، من الواضح أن الأمور متغيرة بشكل كبير في المرحلة الحالية، خصوصاً بعد اتخاذ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خيار الانكفاء عن الملفات العالمية، والانكفاء إلى الداخل الأميركي، ما أفسح المجال أمام القوة الروسية بالصعود.

استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا المجال أحسن استغلال، فمن التدخل المباشر في الحرب السورية، وما تلا ذلك من مجازر وتدمير، إلى مناكفة أوروبا على الساحة الأوكرانية، غير آبه بكم العقوبات التي فرضت على بلاده، والتي يبدو أنها جاءت بمفعول عكسي، إذ زادته غطرسةً، وهو ما يمارسه فعلياً على الأرض سياسياً وعسكرياً، وأمام أنظار الغرب بأسره الذي بات واضحاً توجهه إلى استرضاء الروس في كل صغيرة وكبيرة عالمياً، وليس فقط في الساحة السورية.

استرضاء جعل روسيا قطباً سياسياً أساسياً في العالم، وربما أصبحت متقدمةً على الولايات المتحدة في هذا المجال، بفعل أوراق القوة التي تمتلكها على أكثر من ساحة. لكن، يبدو أن هذا لم يشبع بوتين بعد، وربما يرى فيه تحولاً مؤقتاً لا بد من تكريسه عملياً وبشكل دائم.

تكريس بحاجة، بحسب ما يعتقد بوتين، إلى حدث ضخم وأساسي يقلب الموازين فعلياً في العالم، تماماً كما كان الأمر في أعقاب الحربين العالميتين، الأولى والثانية، واللتين ساهمتا عملياً في أفول إمبراطوريات وظهور أخرى على الساحة العالمية. ففي الحرب العالمية الأولى، كانت النهاية الفعلية للإمبراطورية العثمانية، والتي تقاسمت تركتها الدول الحليفة، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا. ثم جاءت الثانية لتعلن نهاية هاتين القوتين الأساسيتين في ذلك الحين، على الرغم من انتصارهما عملياً في الحرب، بعدما باتتا مدينتين للولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً. وبالتالي، كانت الحرب الثانية بداية صعود القوة الأميركية التي استمرت قرابة سبعة عقود.

مثل هذه القراءة التاريخية هي التي تدور في ذهن بوتين اليوم، وإنهاء عصر الإمبراطورية الأميركية، وبروز الروسية على أنقاضها بحاجة إلى حدثٍ ضخم على غرار الحربين العالميتين السابقتين، وهو عملياً ما يحضر له سيد الكرملين الذي يقرأ ملامح الضعف الواضحة في المعسكر الآخر. من الواضح أن بوتين يحضر فعلياً لمثل هذه الحرب، سواءً عبر استفزاز الأطراف الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة، أو من خلال الحشد العسكري واستعراض العضلات الذي يقوم به على الساحة السورية، والتي يرى أن منها، أو على أرضها، ستكون المواجهة الأساسية. وعلى هذا الأساس، كان إرسال مزيد من البوارج الحربية والمقاتلات النفاثة، ونشر منظومة "أس 300" المضادة للصواريخ، والتي بالتأكيد لم تأت لمواجهة صواريخ غراد التي حصلت عليها المعارضة المسلحة أخيراً. أضف إلى ذلك التهديدات المباشرة التي بات يطلقها الجنرالات الروس للولايات المتحدة، والتي لم يسبق أن سمعها المسؤولون الأميركيون، إلا في إطار الحرب الدعائية التي تشنها كوريا الشمالية على سبيل المثال، والتي لم تكن تؤخذ على محمل الجد. أما اليوم، فها هم المسؤولون العسكريون الروس يهدّدون باستهداف أي تحرك عسكري أميركي على الأرض السورية، والذي من شأنه أن يزلزل المنطقة.

بناء عليه، كل معطيات الحرب العالمية التي تريدها روسيا باتت جاهزة، باستثناء عنصر واحد، وهو الطرف الآخر المحارب. فمن الواضح أن: لا الولايات المتحدة، ولا أي من حلفائها، في وارد الدخول في مثل هذه الحرب حالياً. وهذا ربما ما يثير جنون بوتين الذي يريد حربه العالمية الخاصة.

اقرأ المزيد
٩ أكتوبر ٢٠١٦
حلب ومصائر "المدن السنية"

ثمّة إشارة ذكية في مقالة الصحافي البريطاني، ديفيد هيرست، في موقع "عربي 21" عن معركة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في حلب، وتتمثّل في الدلالات السياسية والرمزية والاستراتيجية المترتبة على سقوط حلب، بالكامل، في يد النظام السوري وشركائه الإيرانيين، بفعل التدخل العسكري الروسي العنيف الذي يشبه، إلى درجةٍ كبيرةٍ، ما حدث في غروزني من "سياسة الأرض المحروقة".

دلالات القضاء على المعارضة، إن نجح الأمر بالطبع، في حلب الشرقية، وإجراء هندسةٍ ديمغرافيةٍ فيها شبيهةٌ بما جرى في حمص وريف دمشق، وهجرة من تبقوا من "السوريين" (الأغلبية السنيّة) إلى مناطق أخرى، وربما إلى الخارج، ذلك يعني أنّ حاضرةً ومدينة تاريخية مهمة من المدن السنيّة العربية المشرقية استولت عليها إيران ومعها نظام بشار الأسد الذي أخذ صبغة طائفية بحتة.

لا أودّ (أنا) ولا أنتم أن نقرأ المشهد بهذه الطريقة، أي الطائفية، لكنّها القراءة التي ستسود، للأسف، لدى ملايين السنّة، وهي التي ستغذّي خطاب "داعش" وجبهة النصرة والتطرّف السني الذي أصبح "الرد الوحيد" على هذا النفوذ الإيراني والتحالف الجديد (موسكو- طهران)، مع الفراغ الاستراتيجي في المنطقة، وغياب أي نظام إقليمي عربي فاعل، وتراجع الدور التركي بصورة ملحوظة.

مع السياسات الإيرانية الكارثية في المشرق التي تمزج الطائفية بالسياسة والنفوذ الإقليمي، فإنّ المشاعر التي ستسود هي التي تحدّثنا عنها سابقاً، وسيغلي الماء في القدر أكثر وأكثر، مع وجود استعداداتٍ كبيرة وتسريباتٍ معتبرة عن أنّ معركة الموصل وانتزاعها من يد داعش أصبحت على الأبواب، وتستعد قوات الحشد الشعبي، ذات الصبغة الطائفية، لتنفيذ المهمة، وللسيطرة عليها، كما حدث في الفلوجة والرمادي ومدن سنيّة أخرى.

تاريخياً، مدن العراق والشام هي الحواضر السنيّة الأكثر أهمية، من بغداد إلى دمشق، والموصل وحلب، فإذا وقعت جميعاً اليوم في قبضة الحكومات المرتبطة بالنفوذ الإيراني والروسي، وفي ظل حالة الطائفية المرعبة التي تجتاح المنطقة، فإنّ سقوط حلب سيكون بمثابة "نقطة تحوّل" ليس باتجاه انتصار النظام السوري وشركائه، والوصول إلى تحقيق حلم "سورية المفيدة" بالسيطرة على المدن السورية (دمشق، حلب، حمص وحماة) وترك البادية والصحراء للآخرين، بل ستكون منعطفاً نحو انفجار كارثي للصراع والطائفية ولتطريف المجتمع السني، على الأقل في العراق وسورية، مع نسبةٍ كبيرةٍ من الشباب العربي المنفعل بهذه التطورات، وبخيبة الأمل والإحباط من ضعف الدول العربية ومحدودية قدرتها على الردّ.

ليست القضية في "شرق حلب" بعدد المقاتلين المتبقين، ولا بحجم وجود جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) فيها، كما يزعم المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بل في أنّ سقوط هذه المنطقة التي صمدت، إلى الآن، في مواجهة آلةٍ عسكريةٍ إجرامية دموية، يعني رمزياً انفجار مشاعر عارمة محبطة وخيبات أمل كبيرة من المجتمع السني، وتعزيز الشعور بتهديد الهوية السنية في المنطقة العربية، وإذا ما انضمت الموصل إلى حلب لاحقاً، فإنّ الهزيمة العسكرية لـ "داعش" ستتحوّل إلى انتصار معنوي كبير لكل القوى المتشدّدة!

هل نبالغ في هذا التقدير لردود الفعل أو للنتائج المترتبة على هذه المقامرات الدولية والإقليمية في كل من سورية والعراق؟ لو كان البديل عن "داعش" أو حتى في حلب والمدن الأخرى هي أنظمة ديمقراطية، أو بالحدّ الأدنى وطنية لها درجة من الاستقلالية، فسيكون كل ما سبق بمثابة مبالغة وتهويل، وألقوا به في سلّة الإهمال. لكن، إن كان البديل، كما حدث في بغداد ودمشق والمدن الأخرى، وسيحدث، لاحقاً، إن تحقق في المدن المتبقية، هو نظام طائفي سافر، ترتفع فيها الرمزيات الطائفية، ويخضع لطهران، وتنضم المدن الجديدة السورية إلى العراقية، فإنّ ما يُسمى في الأدبيات الغربية "التمرّد السني" سيصبح "الخيار الرئيس" لنسبةٍ كبيرة من الشباب العربي!

اقرأ المزيد
٩ أكتوبر ٢٠١٦
داعشيّة مرحبٌ بها

ليس هناك ما هو أشد إثارة للغضب من لجوء سياساتٍ دوليةٍ مسؤولةٍ إلى ما يرتكبه "داعش" من جرائم، لكي تنسينا جرائم مماثلة، أو أشد، ترتكبها "داعشيات" دولية وإقليمية وأسدية، تمسك بتلابيب منطقتنا وتفتك بشعوبها، تفوق فظاعاتها فظاعات "داعش" أو تماثلها، على الرغم من أن بعض هذه الداعشيات هي جهة دولية تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن الدولي، وتنفذ جرائمها بأحدث التقنيات العسكرية التي تستهدف أبرياء السوريين، وتغمرهم بأنماط من الإرهاب لا يجاريها فيها أحد، لكن يتم تجاهلها بحجةٍ مضحكة هي التركيز على محاربة الإرهاب. والآن:

ـ ماذا نسمي ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وإطلاق جنود "جيش الدفاع" النار على أطفال في مقتبل العمر، والإجهاز عليهم حتى وهم جرحى أو أسرى، بينما يتفرّج العالم على ما يجري كأنه ليس إرهاباً، بل ويقبل حجج القتلة التي تدحضها كاميرات وشهادات صحافيين عرب وأجانب، يؤكدون أن القتلى كانوا عزّلاً، وأن الجنود أطلقوا النار عليهم على الشبهة، وليس لأنهم هاجموهم، أو كانوا يحملون سكاكين؟

ـ وماذا نسمي ممارسات الحشد الشعبي في العراق الذي تحميه المرجعية والحكومة، ونشر صور يظهر فيها "مجاهدوه" وهم يحتفلون بإحراق أشخاص علقوهم على شجرةٍ كالخراف، ثم أشعلوا النار فيهم، وشرعوا يستمتعون بمنظرهم وهي تلتهمهم؟ لماذا لم يغضب العالم كما غضب يوم أحرق "داعش" الطيار الأردني معاذ الكساسبة؟ هل صمت لأنه سعد بضحكات القتلة وسخريتهم من ضحاياهم؟ أليس هؤلاء القتلة "دواعش" بامتياز، فلماذا يسمح لهم بمواصلة استباحة حياة مئات آلاف العراقيين الذين كان "داعش " قد طردهم من منازلهم، ويمنعهم هؤلاء من العودة إليها، لمجرد أنهم لا ينتمون إلى مذهب "مجاهدي" الحشد الذين نافسوا "داعش" على اغتصاب النساء، وتسبّبوا في انتحار كثيرات منهن؟ أليست أفعالهم "داعشية" إجرامية من أحط طراز؟

ـ وكيف لا يسكت "العالم الحر" عن دور جيش الأسد في تعليم الداعشيين فنون الإجرام على أصولها؟ ألم ير صور دفن مواطنين سوريين أحياء، لأنهم لم يقولوا إن بشار الأسد، وليس الله، هو ربهم؟ ما معنى ألا يعامل النظام كما يُعامل "داعش"، إذا كان قد ذبح أطفالاً أمام أهليهم، وألقى أسراً كاملة من أعلى المبانى إلى الشوارع وهم أحياء؟ وما معنى موافقة أميركا على بقاء الأسد رئيساً، إن كانت تتهمه بالإرهاب وتحارب "داعش"؟

ـ أخيراً، أليس من الداعشية أن تستخدم روسيا أفتك الأسلحة ضد نساء وأطفال وشيوخ ليسوا مسلحين أو محاربين، ولم يعلنوا "الجهاد" ضد الكرملين أو يتظاهروا في موسكو، مطالبين بإسقاط عبد الأمير أبو تين؟ أليست جرائم القتل الجماعي التي تستهدف السوريات والسوريين إرهاباً، أم أن الإرهاب حكر على "التنظيمات، حتى إن مارسته الدول". لذلك، تشن أميركا الحرب على تنظيماته، وتسكت عن قيام جيشي روسيا وجيش إيران به، بل وعن عصابات القتل العابر للحدود التابعة لهما؟ هل تسكت واشنطن، لأنها موافقة على سحق مقاومي بشار الأسد ومخابراته "المندسين" في صفوف الشعب، وتؤيد أن تطهرها موسكو وطهران منهم، وإن استعارا وسائلهما من "داعش"؟ ثم ما المشكلة إذا كانت جرائم الإرهابيين مجرد لعب أطفال بالمقارنة مع ما أنجزاه من أعمال؟

كيف كان "العالم الحر" سيقبل أعمال البر والإحسان الروسية والإيرانية والأسدية، لو أن "داعش" لم يحجب جرائمهم بجرائمه، وتغطي إرهابيي الحشد الشعبي ومرتزقة الأسد؟ وهل كانت هذه الجهات ستنافس "داعش" في الإجرام، لو لم تتمتع بضوء أخضر، يسمح لها بقتل أعداد غفيرة من بسطاء الناس في سورية والعراق وتصفيتهم، وعلى امتداد المنطقة؟

إذا كانت الداعشية تتخطى اليوم تنظيم داعش، وتشمل دولةً كبرى هي روسيا، وإقليميةً هي إيران، والعصابة الحاكمة في دمشق. لماذا لا تشملها الحرب ضد الإرهاب التي تشن منذ عام ونصف ضد "داعش"؟ ولماذا هذا التمييز بين إرهابٍ يحارَب، وآخر يرحَّب به، ويعتبر سياسة شرعية، على الرغم مما يحمله من تهديد لأمن العالم وسلامه، ويتصف به من طبيعة فوق داعشية. أخيراً، هل نحارب داعشيةً تقتل الأفراد، ونقبل أخرى، أشد قوة وإرهاباً منها، تقتل الشعوب؟

اقرأ المزيد
٩ أكتوبر ٢٠١٦
روسيا والغرب بين الاستعراض والاستفزاز

يبدو أن العلاقة بين روسيا والغرب دخلت مرحلةً جديدة، يمكن تسميتها مرحلة المد الروسي، بعد عقود من الانحسار عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، فبعد اختفاء الأخير ورثته روسيا، لكنها كانت حينها منهكةً ومهدّدةً بحركات انفصالية داخلية، فضلاً عن أزمة اقتصادية خانقة. ولولا البعد الإستراتيجي لتركة الاتحاد السوفييتي التي ورثتها روسيا وحدها لما استقام أمرها. ذلك أن هم الولايات المتحدة الإستراتيجي، مباشرة بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي، كان إفراغ باقي الجمهوريات السوفييتية السابقة من الأسلحة النووية، وتركيزها في يد روسيا دون سواها، للحيلولة دون الانتشار النووي. وقد نجحت الولايات المتحدة في هذا المسعى الذي يصبّ أيضاً في مصلحة روسيا الضعيفة منهكة القوى، ما سمح لها بأن تتصرّف وكأنها قوة كبرى، على الرغم من ضعفها.

موازاةً مع مشكلات روسيا الداخلية الاقتصادية والسياسية، توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، على الرغم من تنديدها ومعارضتها ذلك، وسار على خطاها الاتحاد الأوروبي. واتضح من التوسع الأطلسي أن روسيا لم تخسر فقط مناطق نفوذها في أوروبا، بل أصبحت أيضاً مطوّقةً بحزام أطلسي، على مقربةٍ من حدودها الغربية. وطوال تسعينيات القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحالي، شاهدت روسيا عاجزةً "الناتو" يتوسع شرقاً. وعلى الرغم من اتفاق باريس الموقع بين الطرفين في 1997، اعتبره بعضهم بمثابة الإعلان الحقيقي لنهاية الحرب البادرة، والذي تم بموجبه إنشاء مجلس الشراكة الأطلسي-الروسي، إلا أن الشك المتبادل بقي السمة الأساسية للعلاقة بين الطرفين، على الرغم من إقرارهما بأن عهد الحرب الباردة قد ولى. والسبب ليس فقط الإرث الثقيل لعقود الحرب الباردة، وإنما توسع الحلف شرقاً، وسياسة روسيا في جوارها الأقرب، وسعي بعض دول أوروبا الشرقية المنضمة حديثاً إلى "الناتو" إلى دفعه إلى اعتبار روسيا تهديداً إستراتيجياً للحلفاء.

على كلٍّ، بدا المشهد مختلاً تماماً: روسيا ضعيفة في مقابل غرب قوي يتوسع شرقاً عبر الذراعين العسكرية (الناتو) والاقتصادية (الاتحاد الأوروبي). إلا أنه بعد حوالي عقدين من الانحسار الروسي، بدأت الأمور تتغير شيئاً فشيئاً، وبدأت روسيا تسترجع تدريجياً المبادرة في علاقاتها مع القوى الغربية. بدأت مرحلة المد الروسي مع المواجهة العسكرية مع جورجيا في العام 2008، والتي ندّد بها الغرب بشكل واسع. تسببت هذه المواجهة، فيما تسبّبت، في تعليق التعاون بين "الناتو" وروسيا، إلا أن أكبر مواجهةٍ سياسيةٍ، وحتى عسكريةٍ، عبر أطرافٍ ثالثة بين روسيا والغرب، ستندلع بعد حوالي 22 سنة بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي. يتعلق الأمر بالصراع حول أوكرانيا التي تحوّلت إلى مسرحٍ للصراع بين الطرفين. وتعد الأزمة الأوكرانية (حرب أهلية، ضم روسيا كريميا...) دلالة على بلوغ التوسع الغربي حدوده القصوى، والتحمل الروسي سقفه الأقصى، بل ودلالة على عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية، بعد أن تحسنت ظروفها الاقتصادية بشكل ملحوظ. ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وروسيا تزاوج في سياستها حيال الغرب بين الاستعراض والاستفزاز، استعراض عضلاتها العسكرية دليلاً على عودتها القوية عالمياً.

بعد أن حسمت جزئياً الأزمة الأوكرانية لصالحها، من دون أن يعني ذلك تسويةً للأخيرة. وبالتالي، تأمين جوارها الشرقي الأقرب، تبنّت روسيا استراتيجية مماثلة دولياً بولوجها الأزمة السورية عسكرياً، وبشكل مباشر، بعد أن كانت تكتفي بدعم النظام السوري سياسياً وتسليحه. اغتنمت التدخل العسكري الجوي الغربي في سورية والعراق لمحاربة "داعش" لتدخل هي الأخرى على الخط. بالطبع، يتغنى الجميع بالحرب على الإرهاب. لكن، لكل طرفٍ أهدافه التي لا علاقة لها بالإرهاب. بتدخلها العسكري المباشر إلى جانب النظام السوري، قلبت روسيا الحسابات السياسية، وحتى موازين القوى في المسرح العسكري السوري، وأصبحت الشريك الأساسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه، للبحث في أي تسوية سلمية للأزمة. وفضلاً عن مبرراته المباشرة، لا سيما العلاقة "التحالفية" التقليدية بين روسيا وسورية، يندرج التدخل الروسي ضمن إستراتيجيةٍ أشمل، وهي تصفية حساباتٍ مع القوى الغربية التي طمعت، حسب المنظور الروسي، في بسط نفوذها على الإقليم الأقرب جغرافياً وسكانيا (أوكرانيا) من روسيا. ومن ثم، فهذه الأخيرة تحارب في سورية، وعيونها أيضاً على أوكرانيا، فهي تريد أن تدعم تقدّمها في لعبة الشطرنج هذه مع القوى الغربية.

يدل هذا الاستعراض للقوة الروسية الذي انتقل من الجوار الأقرب إلى الشرق الأوسط، والذي لم يشهد له مثيلاً، حتى في عز الحرب الباردة، إلى عودتها قوةً كبرى على الساحة الدولية، وانخراطها في رهاناتٍ وصراعات نفوذ عالمية، كانت سنين حكراً على القوى الغربية دون سواها. وفي بعض الأحيان، يتحوّل هذا الاستعراض للقوة إلى نوعٍ من الاستفزاز، كما يدل على ذلك تحليق مقاتلات روسية على مقربة من السواحل الفرنسية (المقابلة للسواحل البريطانية والمتاخمة للإسبانية) ولمرتين في أقل من عامين، قبل أن ترافقها مقاتلاتٌ فرنسية، وتجبرها على الابتعاد من المجال الجوي الفرنسي، والعودة من حيث أتت. ويبدو أن هذه المقاتلات قادرةٌ على حمل صواريخ نووية، لكنها لم تكن مزودةً بمثل هذه الصواريخ لدى تحليقها بالقرب من السواحل الفرنسية. فضلاً عن هذا، حلقت، في أبريل/ نيسان الماضي، مقاتلاتٌ روسية على مسافةٍ اعتبرتها الولايات المتحدة قريبة جداً من مدمرةٍ أميركية في المياه الدولية في بحر البلطيق.

تثير كل هذه الحوادث المتتالية تساؤلاتٍ عن أهداف هذه الاستفزازات الروسية. قد تكون محاولةً لاختبار رد فعل الدول الغربية، أو ببساطة استفزازها لدفعها إلى ارتكاب خطأ تستغله روسيا في دعايتها في وجه الدعاية الغربية. بصفةٍ عامة، تشير كل هذه المعطيات إلى عودة قوية لروسيا على الساحة العالمية. ما يعني أن الولايات المتحدة في مواجهة قوتين مختلفتين من حيث الطبيعة: الروسية العسكرية التي استعادت عافيتها والصينية الصاعدة. إنها دلالات تحوّلات القوة العالمية، وتقلبات المشهد الدولي.

اقرأ المزيد
٩ أكتوبر ٢٠١٦
قبل رحيل "البطة العرجاء"!

عندما قال بشار الاسد منتصف آذار الماضي إنه سيحرر كل شبر من سوريا، جاءه الجواب سريعاً من فلاديمير بوتين، الذي أعلن في حينه أنه سيسحب معظم قواته من سوريا، في ما بدا انه تحذير صريح للأسد لكي يساعد على إنجاح مؤتمر "جنيف - ٣".

الآن تغيرت هذه الوقائع كلياً، فها هو الأسد يقول أمس تكراراً إنه سيحرر كل سوريا، في حين تتدفق صواريخ بوتين وقطع بحريته الى سوريا، وتكرر موسكو تحذيرها لواشنطن من توجيه أي ضربة الى النظام السوري حيث يكون الجنود الروس، لأن أي عمل عسكري أميركي يمكن ان يؤدي الى "زلزلة المنطقة كلها"!
المضحك ان بوتين يدرك جيداً ان إدارة باراك أوباما لن تحرك ساكناً على المستوى العسكري، لكنه يتعمّد رفع منسوب التحذير والتحدي في وجه واشنطن، بهدف إظهار بأس روسيا العائدة الى دورها الإستقطابي في الشرق الاوسط. وفي هذا السياق تقول "الواشنطن بوست" إن عدداً كبيراً من المسؤولين الأميركيين والمحللين الروس يجمعون على ان بوتين يستغلّ الأيام الأخيرة من إدارة "البطة العرجاء" في البيت الأبيض لمساعدة بشار الاسد في ترميم سلطته وإستعادة سيطرته على مزيد من الأراضي، ما يؤدي الى تضييق الخيارات أمام الرئيس الأميركي المقبل حيال الوضع السوري.

نافذة الفرص مفتوحة أمام بوتين من الآن الى مطلع آذار المقبل موعد إنطلاق الادارة الأميركية الجديدة، ما يعني أنه سيحاول خلال خمسة أشهر ارساء وضع يلائم حساباته في سوريا، لأنه يعلم ان الرئيس الجديد [أو الرئيسة] سينتهج سياسة أشد حزماً في التعامل مع الكرملين والنظام السوري، وستنتهي سياسة المخاتلة التي يطبقها أوباما على قاعدة ان الأفضل ترك بوتين والايرانيين يغرقون في المستنقع الدموي السوري!

روبرت فورد السفير الاميركي السابق في دمشق والذي طالما وجه إنتقادات قاسية الى تغاضي اوباما عن الفصول الدامية للأزمة السورية، يرسم سيناريو يناقض كل حسابات بوتين والأسد حول الحل العسكري، ويرى ان من الجائز ان تشكّل الحال النهائية وضعاً يدخل فيه الحسم العسكري طريقاً مسدوداً، على رغم ان النظام يمكن ان يكون في وضع أقوى اذا ساعدته موسكو على إحكام سيطرته على ما يسمى "سوريا المفيدة" أي المدن الأساسية دمشق حمص حلب حماه اللاذقية. لكن هذا لا يعني ان المعارضة ستستسلم بل ستستمر في القتال ولو بفاعلية أقل.
تجمع التحليلات على ان بوتين يسابق الإنتخابات الأميركية ويريد إيجاد أمر واقع في حلب، وفي هذا السياق يقول اندرو تابلر الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط إن مسؤولين روساً أبلغوه مباشرة انهم يعتقدون ان احتمالات ان تستخدم هيلاري كلينتون القوة في سوريا اقوى منها مع اوباما، لهذا يحاول بوتين انهاء معركة حلب سريعاً!

اقرأ المزيد
٩ أكتوبر ٢٠١٦
حرب التويتر

شكل موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" سلاحاً جديداً يستخدم بشكل كبير في التأثير على سير أحداث الثورة السورية، لاسيما بما يتعلق بالأمور الخلافية والتجاذبات الفصائلية وتبيان مواقف العلماء والمغردين من قضايا تمس الثورة وترتبط بها بشكل كبير.


وتعتبر التشكيلات الإسلامية وتنظيمات الجهاد من أبرز الفصائل التي تعتمد على التويتر في نشر أخبارها وتبيان مواقفها من أي أمر يتعلق بالساحة الشامية، إضافة لكونه باباً واسعاً للوقوف على آراء العلماء وطلاب العلم من قضية خلافية أو ما يتعلق باقتتال داخلي أو موقف من تعامل او تعاون مع جهة ما، تطرح فيه مواقف كبار العلماء والقادة وجموع المغردين، منه يستقي الباحثين عن الآراء والمتابعين لتطورات ومواقف هذه التشكيلات وقادتها من مختلف المراتب.


ولعل التوتير انعكس سلباً بشكل كبير في كثير من المواضع على الأحداث الجارية في سوريا، لاسيما بما يتعلق بفتاوى التكفير الصادرة عن بعض العلماء ممن يقيمون خارج الأراضي السورية وبعيداً عن صلب الأحداث، ينشرون مواقفهم وفتاواهم التي باتت مصدراَ وباباً لسفك الدم السوري، من خلال الإفتاء باستباحة هذا الفصيل أو ذاك كردة أو كفر أو خروج عن الطريق القويم، ولكل جهة مؤيديها من العلماء، فتنتشر التغريدات والتغريدات المضادة وتبين المواقف وتطرح المشكلات دون حلول، فينعكس سلباً على الأرض وسير الأحداث وقد يفضي لدماء وقتلى في صفوف حاملي السلاح.


ومن خلال التويتر باتت الحرب الدائرة في سوريا لاسيما بين الفصائل تتعاظم عبر موقع التواصل الاجتماعي بين مفتي وناقد للفتوى وبين مكفر ومحلل للدماء المعصومة ورافض لهذه الفتوى، بين مدعي الحق وبين متهم بالباطل، لتغدو حرب التويتر هي الرائجة والسائدة فتنقاد فصائل ومجموعات وراء هذه الفتاوى والتغريدات وتضرم نار الحرب وتسيل الدماء المعصومة بأوامر وفتاوى من أشخاص قد لا يعرفون طبيعة الشعب السوري أو تفاصيل المرحلة وتبعيات هذه الفتاوى على الأرض وبين الخصوم.


وبين مغرد للقتل ومؤيد له بحجة تصفية الساحة ومغرد لعصمة الدماء وصون هذه الساحة والثورة، قضى المئات من الثوار ضحية هذه الفتاوى والتغريدات، دون أي تجد حتى يومنا هذا مصدر شرعي ثابت يعتمد القرآن والسنة للاستناد على فتاواه وما يصدر عنه من مواقف  تتطرق لأمر المسلمين ومصلحتهم، ليغدوا المشرعين كلاً حسب انتمائه وتبعيته والمنهج الذي يتبعه مفتياً بأمر يستوجب على جماعته اتباع فتواه والتي قد تخطئ أو تصيب وقد تنقذ الثورة وقد تتسبب في تراجعها، فيما الشعب السوري يعيش بين دوامات القتل اليومي، ولا فتوى تدعوا لنفير المسلمين للذود والدفاع عنه بأي وسيلة.

اقرأ المزيد
٨ أكتوبر ٢٠١٦
سورية ومأساتها

تنتهي السنة السادسة، منذ تحرّك السوريون في مارس/ آذار 2011، آملين التخلص من أحد أكثر أنظمة الحكم دموية وفساداً، ويكاد يصل عدد من فقدوا حياتهم من السوريين إلى نصف مليون مع عدد مماثل من المعاقين والجرحى، وعشرات آلالاف المفقودين والمقتولين تعذيبا في سجون طاغية دمشق، إضافة إلى ملايين المشرّدين واللاجئين داخل سورية وخارجها، وآلاف المقتولين ذبحاً بسيوف داعش وأشباهه، من دون أن يرى السوريون ضوءاً في نهاية نفق الدمار والموت.

كانت هناك آمال كبيرة لدى ملايين السوريين، في بداية ثورتهم، بإمكانية نقل بلادهم من سطوة نظام عائلي مافيوي دموي إلى نظام ديمقراطي، يمكّنهم من اختيار حكوماتهم وممثليهم بطريقة ديمقراطية، ويتيح لهم التحكّم بثروات بلادهم وطاقات شبابهم وبناتهم، وحشدها لإحداث نقلة حضارية في حياتهم، تخلصهم من فقر وتخلف فرضته عليهم مافيا أمنية اقتصادية، عطلت طاقاتهم، وبدّدت ثرواتهم نصف قرن. لكن شراسة نظام مافيا الأسد ودمويته، وتخاذل المجتمع الدولي وتمنّعه عن دعم الطموحات المشروعة للسوريين، إضافة إلى أسلمة الثورة (بالمعنى السياسي للكلمة) وتسليحها، رداً على عنف النظام المفرط وإجرامه، وتناقض مصالح القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة، حوَّل حلم التغيير الديمقراطي في سورية إلى كابوس مليء بالدماء والدمار، وحوّل سورية ساحةَ لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، خاسرها الأكبر هو الشعب.

استطاعت روسيا، سعياً منها إلى استعادة دورها الدولي، تأمين حماية كاملة لنظام الأسد، ففي البداية منعت اتخاذ أي قرار أممي جدي، يوقف قتله المتظاهرين السلميين، واعتقال آلاف منهم بوحشية، وقتل بعضهم تعذيباً، كما منعت إنضاج أي حل سياسي متوافق عليه دولياً، يؤمن انتقالاً سياسياً سلمياً في سورية، بينما تولت إيران ومليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية حماية النظام عسكرياً بوجود مباشر على الأرض السورية، قبل أن تضطر روسيا للتدخل العسكري المباشر لمؤازرة إيران ومليشياتها والحفاظ على النظام ومنعه من السقوط.

اقتصر دور الولايات المتحدة التي تزعمت الدول الداعمة للمعارضة السورية على الحفاظ على توازن قوى، يمنع المعارضة من إسقاط الأسد، ويمنع الأخير من هزيمة المعارضة، واستعادة السيطرة على البلاد، ما أدى إلى إطالة زمن الحرب، وأعطى الفرصة لجذب متطرفي العالم إلى سورية، وتحويلها إلى ساحة معركة بين تنظيماتٍ متطرّفة تدعم النظام (حزب نصر الله، إيران وحرسها الثوري، والتنظيمات الأصولية الشيعية المدعومة من إيران)، وتنظيمات تكفيرية أرادت إسقاط النظام، لتحويل سورية إلى قاعدة لإرهابها لتهديد العالم (داعش والقاعدة وتفرعاتها)، ما يتيح فرصة ذهبية للولايات المتحدة للتخلص من الطرفين معاً بأقل تكلفة بشرية واقتصادية ممكنة، ولو أدى ذلك إلى تدمير سورية وتشريد شعبها، الأمر الذي يخدم مصلحة إسرائيل في تدمير الشعب الأكثر قدرةً على الوقوف في وجهها، لو أتيحت له فرصة امتلاك زمام أمره، بعيدا عن الاستبداد والفساد.

نجح إجرام نظام الأسد المافيوي، بخبرته الطويلة في القمع وجاهزيته لرهن سورية ومصيرها لمن يمنع سقوطه، مستفيداً من معارضة عديمة الخبرة، منقسمة في ولاءاتها ومتنافسة فيما بينها، في تحويل الثورة التي قام بها، في البداية، جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية ضد نظام مافيوي مستبد وفاسد إلى حربٍ أهلية، ذات صبغة طائفية، واستطاع أن يتحول من نظام مجرم تجب محاكمته، إلى طرفٍ في هذه الحرب، فضمن لنفسه كرسياً حول أي طاولة مفاوضات، للبحث في حل سياسي، ينهي الكارثة السورية.

سورية اليوم كوطن وشعب واقعة بين سندان استبداد الأسد والمليشيات الطائفية الإيرانية التي تدعمه ومطرقة التطرّف التكفيري، المتمثل بداعش والتنظيمات القاعدية والإسلامية الرافضة الدولة الحديثة القائمة على حكم الشعب والدستور الذي لا يميّز بين مواطني الدولة على أساس الدين أو الطائفة أو الانتماء القومي.

ليس للدول العظمى مصلحة مباشرة في إيقاف مثل هذه الحروب المذهبية، طالما أنها تحقق مصالحها، وتجري في منطقة بعيدة عنها جغرافياً، ولا تهدد مصالحها مباشرة، وهي مرشحة لأن تتحول إلى حروب مزمنة، تحاول كل قوة دولية أو إقليمية أن تخوضها بالوكالة، عبر تمويل أو دعم مليشيا أو تنظيم عسكري أو سياسي من المليشيات والتنظيمات العسكرية والسياسية، المتكاثرة كالفطر على الساحة السورية. وهذا ما بدا واضحاً في تحالف إيران وروسيا مع مليشيات النظام والولايات المتحدة مع مليشيات "قوات سورية الديمقراطية"، وأخيرا تركيا مع جزء من المعارضة المسلحة لتحجيم "داعش" والأكراد، ومنع خطرهم عن حدودها، والأصابع الأخرى، المرئية وغير المرئية، لدول صغيرة وكبيرة، ما سيؤدي إلى تلاشي إمكانية استعادة سورية دولة ووطناً، وتحولها إلى حالة شبيهة بالصومال أو أفغانستان، أو تقسيمها كما حصل في يوغسلافيا السابقة.

على الرغم من استفحال المعضلة السورية، وخطورة المرحلة التي تمر بها، إلا أنه لازالت هناك آمال في إنقاذ سورية من التحول دولة فاشلةً، وساحة حربٍ مزمنةٍ، أو بلقنتها وتقسيمها، لكن ذلك يحتاج نخبة سياسية سوريةً وطنيةً ونزيهة، قادرة على طرح حلول جريئة وواقعية، تعتبر وقف هذه الحرب المجنونة أولويةً لا بد منها، والعمل على الانفتاح على جميع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة على الحالة السورية، ومناقشة هذه الحلول معها، للوصول إلى تفاهماتٍ لا تحقق بالضرورة كل أهداف الثورة، لكنها توقف التدمير، وتفتح طريقاً آمناً لعودة المهجرين، والبدء بإعادة إعمار ما دمرته الحرب. وقبل كل شيء، تؤمن مرحلة انتقالية بضماناتٍ دولية، تنتهي بانتخابات حرة، تتيح للسوريين التصويت على دستور يحكم حياتهم، وانتخاب قياداتهم بحرية.

اقرأ المزيد
٨ أكتوبر ٢٠١٦
رسوب أميركا في امتحان القيادة العالمية

خرجت السياسة الأميركية من الحرب الباردة مزهوّة بفائض القوة، هذا المتشكل من حيوية الفكرة ومتانة الاقتصاد وسطوة الآلة العسكرية، والمسلّح «برؤيا» ديموقراطية تبشيرية كادت تصير ديناً مع جورج بوش الابن، بعد أن نطق هذا الأخير بما يشبه «الوحي» الذي كان يتلقاه أثناء نومه، أو في أحلام يقظته.

حصدت الولايات المتحدة الأميركية الفشل إثر الآخر، في ميدان قيادتها العالمية، ولم تستطع، بعد الحرب الباردة، أن تكون قطباً جاذباً كما كان عليه موقعها قبل هذه الحرب، وعلى العكس من آليات الجمع والتجميع التي اعتمدتها السياسة الأميركية، اعتمدت هذه السياسة وما زالت، آليات الفرز والتصنيف والاستبعاد، مثلما مارست أساليب الابتزاز والتهويل والتهديد، وتخلت في مناسبات كثيرة عن معادلة العصا والجزرة، فلوحت بالعقاب غالباً، وحجبت الثواب إلا عن أولئك الذين يقولون قولها الحرفي، ويرون رؤيتها المحلية أو التكتيكية أو الاستراتيجية، ومن منظارها هي فقط.

دخلت السياسة الأميركية إلى العالم المتبدل على قاعدة التجريب والتعلم من الخطأ، أي من دون رؤية شاملة متوازنة تحافظ على عدم الاختلال الإجمالي بين ما تراه مصلحة خاصة أميركية، وبين ما هو مصالح دول أخرى لا تستطيع النزول على حكم «الطبيب» الأميركي، ولا تثق بما يقترحه من معالجات غريبة عن الجسد المريض بالسياسة والاقتصاد، وذلك لسبب بديهي، هو أن الوصفة خيالية، ولا صلة لها «بالمعاينة السريرية» للجسد المراد علاجه.

ميدان التجريب الأساسي للسياسة الأميركية كان في الشرق الأوسط، وفي الديار العربية، فبعد أفغانستان التي ما زالت مدمرة، جاء دور العراق، ومن بعدهما كرَّت سبحة التدخلات غير المجدية حيناً، وسبحة الانسحاب والتخلي، عن ميدان المسؤولية أحياناً كثيرة.

أخطأت السياسة الأميركية، وما زالت ممعنة في إدارة أخطائها، بل هي تضيف إليها عوامل احتقان سياسية لها انعكاساتها على الميادين التجريبية التي اختارتها الإدارة المسؤولة عن تلك السياسة، فباتت، بفضل عدم التعلم من الخطأ، ساحات تخريب للعمران والاجتماع، ولأن الكلفة يتحملها أولئك المستهدفون بالتخريب، فإن الهدوء الأميركي حيال الآثار الجانبية لتجاربهم، ما زال سيد الموقف، أي سيد الموقف الموضوعي العام، الناجم عن التطورات، وليس سيد الموقف السياسي الأميركي، الذي يبدو للكثيرين أنه سياسة اللاموقف.

ولأن الولايات المتحدة الأميركية معتصمة خلف بحار عزلتها حين تشاء، ومتدخلة بسطوة قوتها العابرة للقارات حين تريد، ومتصلة ومنفصلة عن الأمكنة التي تختارها مناطق حارة وباردة، لأساليبها المتبدلة والمتداخلة، لكل ذلك، تصير مادة الشعوب المقهورة بأنظمتها الداخلية، وبسياسات المراكز الدولية، موضوعاً للمزايدة السياسية الداخلية، في الداخل الأميركي ذاته، مثلما تصير موضوع دعاية وكسب رخيصين للحزب الجمهوري من جهة، والحزب الديموقراطي من جهةٍ أخرى، بخاصة في مواسم الانتخابات الرئاسية.

على سبيل التعداد، كانت الحملة ضد أفغانستان موضوع حشد وتعبئة واستنفار غرائز، بعد الهجوم على نيويورك، وتم اختراع الأدلة الكاذبة كتمهيد لاجتياح العراق، وما زالت سورية تترنح بفعل الضربات الخارجية، وعلى مسمع ومرأى من «قيادة أميركا العالمية».

لم تغب أحداث الساحات هذه عن نظر المخطط السياسي الأميركي عندما ناقش اقتصاداً أو سياسة، أو عندما ناقش رئاسيات وعلاقات وتوازنات، بين الدول العربية وبين جيرانها. في عدم الغياب هذا، كان الحاضر الدائم التلاعب بالمصالح العربية، والسماح للقوى الإقليمية بالنيل منها، وباختراع أعداء داخليين للعرب تجدر محاربتهم، لكي ينالوا بطاقة الدخول إلى نادي الرضا الأميركي، بغض النظر عن كلفة الدخول والرضا.

أحدث عناقيد هذه السياسة، قانون «جاستا» الذي أقره الكونغرس الأميركي. فحوى هذا القانون التهديد، وهدفه استكمال سرقة ونهب الثروات العربية، ومنطقه الغطرسة التي تتيح للناهب والقاتل الخارجي، أن يحاسب سواه، وأن يظل في منأى عن كل محاسبة. ببساطة، بل بصفاقة سياسية وأخلاقية، يريد الطرف الأميركي أن يحاسب على النتائج، وكأن لا علاقة له بالأسباب، وببساطة، بل وبأسلوب احتقار للذاكرة العالمية، يريد «المشرِّع» الأميركي، أن تنسى الشعوب التي استهدفت بعشرات الحملات العسكرية الأميركية، ما سببته تلك الحملات من ويلات ودمار، وهو يريد، أي المشرِّع، أن يغمض المقتول عينيه عن يوميات القتل التي ما زالت تستهدفه في الأيام الراهنة.

لقد ازداد الضعف العربي في زمن اختلال التوازن العالمي، وتبدو مسيرة الضعف والاستضعاف مفتوحة، مما يغري الآخر الخارجي بسهولة النيل من كل الوضعية العربية. لم يعد خارج الموضوع القول، إن البلاد العربية المستهدفة، أو ما تبقى منها، مضطرة لصياغة ردود جمعية، مع من يمكن جمعه، ولعل اليوم مناسب للقول أيضاً إن الفكرة العربية ما زالت راهنة، والبلاد التي تتعرض للنهب وللعدوان وللتهديد... بلاد عربية. بلاد لها ما لها وعليها ما عليها، لكن لا بديل عن الردّ المجدي في لحظة مثل هذه اللحظة السياسية المصيرية.

اقرأ المزيد
٨ أكتوبر ٢٠١٦
حلب: هل هي الخاتمة أم المقدّمة؟

هل ستكون حلب الحد الفاصل بين سورية المفيدة وسورية «الأخرى» التي لم تتحدّد معالمها بعد؟ أم ستكون الورقة الأصعب في الحسابات الأصعب بين الراعيين الكبيرين الخصمين لمشروع السلام المفقود؟ أم أنها ستكون المقدّمة لتحوّل نوعي في استراتيجية المقاومة السورية وتكتيكاتها في مواجهة اندفاع حلف النظام؟

أسئلة مشروعة تُطرح، مع غيرها، تحت وطأة الحالة السوريالية التي تعيشها المبادئ والقيم الإنسانية، والمعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الشعوب، وروحية العالم المتحضّر والأنظمة الديموقراطية. فهذه كلها باتت أشبه بالسراب الخادع مقابل ما تتعرض له حلب من تكالب غير مسبوق للقوى الوافدة جميعها، حاملة رايات الحقد والانتقام من العقد الماضوية بكل تلاوينها وأسمائها.

حلب تتعرّض للذبح أمام الجميع، بحيث تجاوز بان كي مون قلقه المعتاد ليتجرأ ويقول: تحوّلت حلب إلى مسلخ. حلب العاصمة الإقتصادية الأشهر في شرق المتوسط تتحوّل إلى مسلخ، لا للبشر وحدهم، بل للقيم كلها التي أصبح مجرد الحديث عنها، وعن مبادئ وميثاق الأمم المتحدة، يسبب الغثيان الوجودي.

حلب تتعرض، ومعها سورية، للذبح أمام هلامية دور النظام الرسمي العربي نتيجة تباين الأولويات، وانشغال كل نظام بمشكلاته الداخلية، وخشيته من مواجهة الاستحقاقات المكبوتة.

المجتمع الدولي شبه مشلول لأسباب غير مقنعة في مواجهة الاندفاع الروسي، والبطر الإيراني. والأمم المتحدة لم تتمكّن من فعل أي شيء على مدى أكثر من خمسة أعوام لإيقاف القتل والتدمير والتهجير، ما يؤكد مجدداً ضرورة إعادة النظر في ميثاقها ونظامها الداخلي، لتكون في مستوى التحديّات والمهمات المطلوبة، التي تختلف كثيراً عن تلك التي انطلقت منها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في جهودها التأسيسية للمنظمة.

مجموعة أصدقاء الشعب السوري الضخمة لم تتمكّن بقيادة الولايات المتحدة من اتخاذ أية خطوة لدعم الشعب السوري، بحيث يُصادَر على كل ما نراه اليوم من تدمير وقتل وتطرّف وإرهاب.

وكان من الواضح منذ البداية أن المحور الذي تمفصلت حوله هذه المجموعة هو الموقف الأميركي غير الحاسم، ما أدّى إلى ترّهل المجموعة وضعفها، وتقلّص دائرة الفاعلين فيها، حتى اختُزلت تماماً في الموقف الأميركي الذي تناغم لمدة طويلة مع الموقف الروسي، على أساس تفاهمات ما زال معظمها طي الكتمان.

ولمعرفة الأسباب الكامنة وراء إقدام الولايات المتحدة على إعطاء هذا الدور لروسيا، يمكننا التفكير في احتمالات عدة منها:

- الرغبة في تجاوز تبعات دور القطب الواحد وتكاليفه عبر إشراك قوة أخرى وفق معايير لا تخرج عن نطاق المرسوم المحسوب. قوة تتحمّل أعباء وتكاليف إعادة ضبط المعادلات الإقليمية والدولية، وحتى إعادة رسم الخرائط في ضوء المصالح والأولويات المستجدة.

- الرغبة في استنزاف طاقات القوى المتصارعة، بما فيها روسيا، وإنهاكها، في سياق استراتيجية المصادرة على دورها المتنامي والإرباكي مستقبلاً، ما يطمئن التحالف الاستراتيجي في المنطقة، ويوسّع دائرة خياراته.

- غياب الاستراتيجية أصلاً في ميدان التعامل مع قضايا المنطقة، واعتماد منطق التجريب، ما يفسّر إلى حدٍ ما المعالجات الوحيدة التوجه لجملة قضايا، بينها محاربة الإرهاب. فالتركيز هنا يتم على النتائج من دون المقدمات. كما تُهمل التبعات والمآلات لمرحلة ما بعد إنجاز الهدف الآني الإغاثي.

وربما كانت هناك احتمالات أخرى، أو حالة مزج وتداخل بين أكثر من احتمال. لكن النتيجة على الصعيد الواقعي هي ذاتها بالنسبة إلى الشعب السوري. فقد غدت معاناته خارج نطاق اهتمامات أصحاب المصالح، إن لم نقل إنها تشكل وجهاً من أوجه حصيلة الصفقات التي كانت، أو هي في طريقها، إلى التبلور، بين هؤلاء.

معركة حلب مهمة بنتائجها المنتظرة، لكنها مكلفة جداً على صعيد المعاناة البشرية في ظل الشلل شبه التام للجهود الدولية. ولكن في موازاة معركة حلب، هناك معركة الموصل التي يمكن أن تبدأ في أية لحظة، وكذلك معركة الرقة.

وعلى ضوء نتائج هذه المعارك الثلاث ستتحدّد ملامح المنطقة من مختلف النواحي، وستكون هناك إعادة ترتيب للتحالفات ولمناطق النفوذ، وربما الشروع في عملية إعادة نظر في الخرائط المعتمدة راهناً. وكل ذلك يثير حفيظة وهواجس القوى الإقليمية الكبرى التي تدرك قبل غيرها مواطن ضعفها، وتعمل بدأب على منع استغلالها من الآخرين.

لكن تجربة قرن بعد سايكس- بيكو أثبتت أن حالات الإنغلاق والتشنج والصراعات بدرجاتها المختلفة، قد بدّدت الطاقات، وشتّتت الجهود التنموية، وأفسحت المجال أمام أنظمة استبدادية أغرقت مجتمعاتها بالمظالم والفساد.

وما تحتاجه منطقتنا قبل كل شيء هو ترسيخ ثقافة الاعتراف بالآخر المختلف دينياً، أو مذهبياً، أو قومياً- عرقياً، أو فكرياً وجنسياً، واحترام خصوصيته وحقوقه بعقود مكتوبة، واجراءات وممارسات فعلية واقعية، وبناء جسور التواصل والتفاعل معه. وذلك عوضاً عن الهستيريا المدمّرة الطاغية هذه الأيام، والتي تُسبغ قداسات مزيفة على ممارسات وجرائم مدنّسة.

ما نحتاجه هو التعاون الإقليمي لحل المشكلات والقضايا الإقليمية والداخلية لكل دولة، لا السعي المستمر من أجل قمع الإرادات، والتستّر على المشكلات والقضايا، والهروب منها عبر استخدام كل أنواع القمع، وإرغام المطالبين بالحل على السكوت أو الرحيل بكل صيغه.

الأوضاع التي نعيشها سوداوية في جميع أبعادها، ولكن مع ذلك فالعقل يُلزمنا بضرورة عدم قطع الأمل.

اقرأ المزيد
٨ أكتوبر ٢٠١٦
من حلب والعرب إلى العالم

تعبّر أكثريّة السوريّين، ويعبّر محبّو سورية والعدل، وذوو المعايير الإنسانيّة والأخلاقيّة، عن ألم لا يصفه إلا الشعراء. وبينما تمعن الأنظمة السوريّة والروسيّة والإيرانيّة في تدمير حلب، تساعدها التوابع والميليشيات، يرشّ الإحساسُ بالعجز مصحوباً بالقرف من التخلّي الدوليّ مِلحاً كثيراً على جرح يتقرّح.

وهذا اليأس المفهوم، بوصفه حالة شعوريّة، يُخشى تحوّله إلى حالة ذهنيّة، وإلى معتقد تقوى عدميّته الكارهة للعالم وتتأصّل.

ونحن في هذا الشطر من المعمورة لا ينقصنا البرم بالعالم، تضخّه أصلاً مشكلة فلسطين العالقة منذ عقود، كما يرفده اليوم إحساس بعضنا بأنّ أصدقاء قدامى في الغرب خانوا صداقتهم ومالوا إلى إيران. وقبل هؤلاء، أحسّ بعضنا بأنّ اضمحلال دولة الشرق السوفياتيّة ترك العرب بلا سند ولا ظهير. إنّه إذاً «الزمن العربيّ الرديء»، وفق قول سقيم ورائج.

وهذه، على تعدّدها، مصادر للغربة في عالم لسنا سعداء فيه، ولا يمكن أن تستوطنه السعادة. وكما في هذه الأيّام، مع توزيع جوائز نوبل، يُعاد تذكيرنا سنويّاً بأنّ مساهماتنا في إنجازات دنيانا تكاد لا تُذكر.

والحال أنّ العالم ليس سيّئاً ولا حسناً، بل هو يسوء ويحسن. وهو، في حقبتنا الزمنيّة، يسوء، ويتطلّب جهوداً ذاتيّة، بينها جهودنا، لكي يحسن. لكنْ لا بأس بأن نتذكّر أن بلداً كبولندا جزّئ واقتُسم ثلاث مرّات في تاريخه الحديث، وأنّ بلداً كتشيكوسلوفاكيا السابقة بيع لهتلر قبيل الحرب العالميّة الثانية التي سبقها وتلاها نقل شعوب بأكملها من مكان إلى مكان.

ولئن كان الفلسطينيّون أصحاب الظلامة الكبرى في العالم العربيّ، فقد حلّت على اللبنانيّين، أواخر الثمانينات، ظلامة صغرى نسبيّاً. فهم بدورهم، بيعوا لحافظ الأسد مقابل اشتراكه في حرب الكويت، وارتفعت أصوات الكثيرين منهم تستهجن ذاك الاهتمام العالميّ بالإمارة الغنيّة مقابل إشاحة البصر عن جمهوريّة فقيرة. لكنْ في 2005، عاد لبنان إلى صدارة الاهتمام العالميّ وأحرز استقلاله الثاني.

والأمور تسير، خطوات إلى الوراء وأخرى إلى الأمام، وعلينا أن نواكبها حتّى حين نعاندها، نغيّرها ونتغيّر في الوقت عينه. أمّا النوم على وسادة الصرخة العرفاتيّة الشهيرة، عام 1982، «يا وحدنا»، فأقصر الطرق إلى أن نبقى وحدنا، وأن نصبح أشدّ وحدة، لا نجد ما نتلذّذ به إلاّ ألمنا الذي نصير، والحال هذه، لا نتميّز إلاّ به بوصفنا الضحيّة الفريدة. ولأنّه ليس من عالم سوى هذا العالم، يترك يأسنا وانكفاؤنا للوعي القاتل والسينيكيّ أن يمضي في عدوانه على الحياة، كما يتركان للوعي الأصوليّ أن يكمّل هذه المهمّة واعداً بحياة وعالم آخرين ننساق تدريجاً إلى «تفهّم» طوباهما.

وكم كنّا وحيدين، قبل أيّام، في جنازة شمعون بيريز التي تقاطر إليها ممثّلو العالم، بينما نحن نسكر بتعبير «جزّار قانا». والتعبير، على صحّته، لا يختصر الرجل وتحوّله الذي كاد يعادل تحوّل دي كليرك في أفريقيا الجنوبيّة، حين نقلته ظروف بلاده والعالم من أحد أركان النظام العنصريّ إلى شريك لنيلسون مانديلاّ في تفكيكه. والأهمّ، أنّ الاحتفال ببيريز إن دلّ إلى خطأ كبير في هذا الكون، فالاحتجاب عن خطأ، غدا إجماعاً، يصعب أن يكون صواباً، ويستحيل أن يمهّد لبناء الصداقات والتأثير في العالم. إنّه سبب للحزن الشالّ والمشلول.

وقد سبق للإسرائيليّين أن قدّموا درساً كان حريّاً بعِبَره أن تستوقفنا. ففي 1956، دعم الأميركيّون عبدالناصر في مواجهة بن غوريون، فتقدّم الأوّل لمواجهة النفوذ الغربيّ ومواقعه في المنطقة، معزَّزاً بانتصار حقّقه سواه، فيما تقدّم الثاني لمراضاة الولايات المتّحدة التي اكتشف أنّها حلّت محلّ فرنسا وبريطانيا. وإذ مضى آيزنهاور يُفهم الإسرائيليّين أنّ العراق والخليج أثمن منهم لمصالح أميركا الاستراتيجيّة في الحرب الباردة، مضى بن غوريون، بسلوك يخالطه التذلّل، محاولاً أن يبرهن العكس لواشنطن. وبالفعل تبيّن في 1967، أنّ ما راهن عليه بن غوريون تحقّق، إذ تأكّدت لواشنطن فاعليّة التحالف الجديد، فيما أفضت رهانات المكابرة الناصريّة إلى هزيمة مطنطنة.

والآن، أكثر من أيّ وقت، نحن مضطرّون إلى كسب الأصدقاء، مدركين أنّهم ليسوا نحن وليسوا مثلنا، وإلى إظهار أنّنا نملك ما نقايض به العالم الذي لا تقتصر سلّة عملاته، للأسف، على سلعة الأخلاق والقيم. وشئنا أو أبينا، نحن مدعوّون إلى الرهان على تغيّرات العالم، وإلى الإسهام فيها، وهذا من أجل أن نوقف الكارثة عند حدّ فلا تلد مزيداً من الكوارث.

اقرأ المزيد
٨ أكتوبر ٢٠١٦
منطقة آمنة وحرب لن تقع؟

تنطوي المواقف الرنانة والتصعيدية التي تصدر عن كل من موسكو وواشنطن نتيجة تفاقم الخلاف على سورية وتعليق التعاون بينهما حول الهدنة التي اتفقا عليها مطلع الشهر الماضي، على قدر كبير من المناورة والرياء الخادع. فتارة يلوح الجانبان باستعدادهما للمواجهة العسكرية، عبر خطوات رمزية من نوع نشر موسكو صواريخ إس- 300 وإرسال المزيد من الفرقاطات إلى المتوسط، أو تحليق طائرات استطلاع أميركية فوق السفن الروسية وقاعدة طرطوس الروسية والتلويح بتزويد المعارضة صواريخ أرض- جو وقصف مدرجات المطارات السورية، وأخرى يعيدان فتح باب التواصل الديبلوماسي ويعاود جون كيري وسيرغي لافروف التواصل الهاتفي بينهما.

ترتفع النبرة في الرسائل الميدانية والعسكرية من دون وضع اليد على الزناد، في استعراض قوة لا طائل منه وبات الجميع يدرك أنه مجرد مناورات ليس إلا، أمام أعين العالم، بينما يواصل الروس وقوات بشار الأسد والإيرانيون محاولة قضم مدينة حلب فوق أشلاء السوريين التي مزقتها القنابل الروسية الارتجاجية والعنقودية، وعلى أشلاء أحياء المدينة التي سيسجل التاريخ أنها تحولت «غروزني» ثانية بعد 16 سنة على تدمير عاصمة شيشينيا. وبلغ التصعيد الكلامي حد وقف فلاديمير بوتين التعاون مع الأميركيين على خفض الأسلحة النووية، والعودة عن التخلص من أطنان من البلوتونيوم «رداً على التصرفات الأميركية غير الودية».

لا يملك أي من الدولتين كلفة المواجهة المباشرة، فلا روسيا يمكنها التصرف مثل كوريا الشمالية في جموحها النووي العسكري (والذي حولها دولة مارقة)، في وقت طموحها الفعلي هو رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المؤذية التي أنهكت اقتصادها نتيجة الأزمة الأوكرانية، ولا أميركا ستتورط في صدام في وقت تستند فلسفة باراك أوباما إلى الانسحاب من الحروب في الخارج للتعافي من تداعيات حربي العراق وأفغانستان، فكيف بحرب مع الدب الروسي، على رغم قيام البيت الأبيض «بمراجعة الموقف في سورية حول خيارات استخدام القوة». وبات واضحاً أن ما يجري من تحريك قوات أو أسلحة يتم من أجل حرب لن تحصل.

ومع أن التهديد الأميركي أنتج إعلان قوات الأسد تقليص الضربات الجوية في حلب، فإن هذا لم يكن إلا ثمرة إبقاء الجانبين على الخيار الديبلوماسي تحت سقف الكباش الحاصل بينهما. موسكو تعطي الإشارة بالتراجع أمام «المراجعة» الأميركية، عبر الأسد، حتى لا تفقد صورة من يستخدم فائض القوة الذي تمارسه في حلب وغيرها، لتبرهن أنها دولة قوية. وواشنطن تشتري هذا التنازل الصوري حتى لا تزداد هيبتها اهتزازاً نتيجة إحجامها عن أي خطة لوقف الحرب السورية عبر إحداث التوازن الميداني.

ولا يغير كل ما يحصل بين الدولتين العظميين من الواقع الذي يفرض استمرار هذه الحرب: إدارة أوباما تترقب انتهاء ولايته بلا تورط عسكري في أي مكان في العالم، مع اتخاذ الخطوات المناسبة للحؤول دون فرض تغييرات دراماتيكية في سورية على الإدارة التي ستخلفه، فإذا أرادت التشدد لديها الإمكانات العسكرية عبر القواعد المنتشرة في سائر دول المنطقة والبحار، والقيصر مطمئن إلى أن سورية ملعبه المسلم بأرجحيته فيه، غير آبه بمخاطر جره إلى المستنقع الذي يشكله، على رغم كلفة تحريكه قواته الجوية والبحرية قياساً إلى الكلفة المتدنية عند الأميركيين.

بدل البحث بالمرحلة الانتقالية في سورية، باتت المرحلة الانتقالية في السلطة في أميركا هي معيار الحسابات. وفي انتظار مرور الأشهر، يتحفنا كيري بتصريحات تنتقد «قرار الروس الطائش دعم الأسد وتغاضيهم عن استخدامه غاز الكلور والبراميل المتفجرة»، ويعدنا لافروف بأنه يريد «إعادة سورية إلى وضعها الطبيعي». فالأول يكتشف فظاعات النظام بعد تجاهلها لسنوات، والثاني يضمر استعمال القوة المفرطة ويتلمس الطريق إلى تقسيم النفوذ في سورية بينه وبين إيران والأكراد.

أفسحت واشنطن وموسكو الطريق للفرنسيين كي يملأوا فراغ فشل مبادرتهما الديبلوماسية حول الهدنة، وفتحوا الطريق أيضا لتحرك الاتحاد الأوروبي في السعي لتفادي مزيد من التدهور في العلاقة بينهما، والذي قد يكون أحد مظاهره تزويد المعارضة بأسلحة نوعية.

انتظار الإدارة الأميركية الجديدة قد يكون فسحة زمنية كي تأخذ القوى الإقليمية التي لطالما تأرجحت إدارة أوباما بين دعوتها إلى أخذ دورها وكبحها عن أي مبادرة جوهرية، دورها في إدارة مرحلة الانتظار هذه. وقد تكون التفاهمات السعودية التركية الأخيرة محطة رئيسة على طريق ممارسة هذا الدور. فهل يتقدم خيار إقامة منطقة آمنة في شمال سورية يتم نقل عشرات الآلاف من النازحين إليها، مع حماية لأجوائها لأسباب إنسانية؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان