مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٦ أبريل ٢٠١٧
اتفاق البلدات الأربع تحت المجهر

الهدنة عربون الأسد لصفقات التهجير والتغيير الديموغرافي.
تتعرض المنطقة عموماً وسوريا خصوصاً لتهديدات كبيرة، ومخططات شيطانية مدروسة، تقوم على تنفيذها دول عظمى، بينما تتشاغل عنها الفصائل السورية بصراعات داخلية مقززة لا تؤخر نصرها فحسب؛ بل تجعل من البلاد لقمة سائغة في أنياب تلك الوحوش المفترسة.

من الغباء تبادل تلك الأطراف تهم الخيانة على وسائل التواصل، وألسنة الشرعيين فيما بينهم، لكنها الغفلة وللأسف التي تجعل من الجميع أدواتا في أيدي أصحاب المشاريع الكبرى، وكلما أضاعوا وقتهم واستعجلوا في إفناء بعضهم، اقتربت المشاريع أكثر من النجاح بأقل التكاليف، وكلما فهموا اللعبة استطاعوا مقاومتها، أو تخفيف وطأتها على أهلهم، أو تأخيرها على أقل تقدير.

مع بداية رؤية هدنة “البلدات الأربع” للنور وظهور بعض التسريبات للإعلام، بدأت مكنات إعلامية رفيعة تهاجم الأطراف التي عقدتها؛ تلك الأطراف التي لطالما اتهمت غيرها ممن يعقد مثلها بالخيانة، وشنت حروباً ضده وقضت على بعض الفصائل من الجيش الحر لحضوره مثل تلك الاتفاقات المبرمة كدلالة على طهرها.

هذا الاتفاق الأول الذي يحدث في الشمال السوري بعد تشكيل هيئة تحرير الشام، ويعني وقف إطلاق النار في مدينة إدلب وضواحيها من القرى والبلدات المحيطة بقريتي “الفوعة وكفريا” المحاصرتين، في مقابل وقف إطلاق النار في كل من “الزبداني ومضايا” في ريف دمشق.

مرر هذا الاتفاق كغيره من الاتفاقات بهدوء، دون أن تعلن الفصائل المعنية عن المقابل أو تفاصيله التي يصعب معرفتها إلا من معرفة وحسابات القائمين عليه، والتي أقفلت وتوقفت عن التغريد من تاريخه لأسباب تاريخية.

لا يعني الناس كثيراً ماذا جرى ومن حضر ومن أجبر الآخر على التوقيع، بقدر ما يهمهم أن المنطقة تسير للتقسيم بعد سحب أولئك المقاتلين من ريف دمشق، وترك حاضنتهم بغير سيف يدافعون به عن أنفسهم، مما يسهل على مليشيا حزب الله ونظام الأسد افتراسها وضمها لمقاطعته، كما فعل بغيرها من المناطق، وهنا تطوق لبنان بحزام شيعي بعزل مناطق السنة ويفصل بينها، إضافة للقتل والتهجير التي تضعفهم على حساب المليشيات الشيعية التي تطوق دمشق.

قريباً ستنتهي سمفونية “الفوعة وكفريا” التي لطالما اتهم من يحاصرها بحاميها، كما اتهم من قبلهم بحماية وادي الضيف ومعسكر الحامدية في ريف معرة النعمان.

وحتى تاريخ هذا اليوم تلتزم كل الفصائل الممثلة بجيش الفتح باتفاق البلدات الأربعة بما يتعلق بــ “الفوعة وكفريا، مضايا والزبداني”، ولم يحرك جيش الفتح ساكنا ضد هذه البلدات المحاصرة في إدلب منذ حصارها واستخدمها في الضغط على النظام الإيراني ونظام الأسد، الذين لم يراعوا كل الهدن الموقعة سابقا، وكانت تقصف إدلب وسرمين وبنش وتفتناز وطعوم مع مضايا وبقين دون استثناء، واقتصر تطبيق الاتفاقيات في السابق على إدخال المساعدات الإنسانية للبلدات الأربعة لا أكثر.

اليوم يبرم اتفاق بين الفصائل والنظام الإيراني في قطر وفق التسريبات، يتضمن الاتفاق إخلاء كامل للبلدات الأربع وإخراج حوالي الــ /1500/ من المعتقلين في سجون النظام، كما يتضمن الاتفاق خروج عناصر تحرير الشام من مخيم اليرموك، يتخوف الكثير من هذا الاتفاق الذي سيشمل وقف إطلاق النار فيه بلدات “تفتناز وطعوم ومزارع بروما وزردنا وشلخ ومعرة مصرين ورام حمدان ومدينتي بنش وإدلب” من جهة وسيشمل من جهة أخرى بلدات “يلدا وببيلا وبيت سحم ” جنوب دمشق، وذلك في هدنة مدتها تسعة أشهر. كما يقضي الاتفاق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى حي الوعر بحمص والمناطق المذكورة آنفاً، لتبدأ عملية الإخلاء للبلدات الأربع في الرابع من نيسان على مراحل.

يتواصل بهدوء مسلسل التغيير الديموغرافي في سوريا، وتنفذ المخططات دون أن يوّقع عليها أحد لتسجل في التاريخ ضد مجهول, يحصل هذا التغيير الديموغرافي بعد تقسيم طائفي, ويبدو أنه جزء من خطة استراتيجية بعيدة المدى لا تريد لهذه الثورة أن تصل إلى أهدافها بعلم وعلى مسمع الأمم المتحدة الشاهد الصامت على كل ما يحدث.

اقرأ المزيد
٦ أبريل ٢٠١٧
لا تستعجلوا هطول دموع ترامب

يحلو لبعض المتحمسين بناء آمال على تصريحات ترامب الأخيرة.. فهذا الغر في السياسة ظن أن العالم بسيطٌ مربع الزوايا، يكفي أن تضع مربعاً فوق مربع حتى تبني جداراً متيناً.. ولكن الصخور التي يصطدم بها تعيده في كل مرة لتعلم دروس جديدة. ففي سياسته الداخلية، اصطدم حتى الآن بصخرة إغلاق الحدود الأمريكية، وبالعجز عن إبطال خطة أوباما الصحية (أوباماكير).

وفي السياسة الخارجية، ظن ترامب أن بوسعه وضع يده مع روسيا بوتين لجعل محاربة داعش أولوية قصوى وتحقيق انتصارات سريعة، بمجرد زج المزيد من الطائرات والقوات ليُظهر أنه أكثر جدية من سلفه، متناسياً تعقيدات الواقع، ومسببات داعش وخلفياتها..

وقبل أسبوع فقط من ضربة خان شيخون تبارى أقطاب إدارته في إعطاء الإشارات والتصريحات الواضحة بأن رحيل الأسد لم يعد أولوية أمريكية، وأن مصير الأسد يقرره الشعب السوري (الذي هُجر نصفه ويقبع نصفه الآخر إما تحت الأنقاض، أو تحت سيطرة أجهزة الأسد من جهة، وأجهزة النصرة وأخواتها من جهة أخرى!).

وبالأمس صحا ترامب على صور خان شيخون الذي زعم أنها غيرت موقفه.. وكأن الأسد كان يرمينا قبلها بالورود والرياحين! كما صحت مندوبته في الأمم المتحدة (التي صرحت قبل خمسة أيام أن رحيل الأسد لم يعد أولوية أمريكية) لتحمل صور الضحايا في مجلس الأمن وتهدد ضمناً بعمل أحادي إذا فشلت آليات الأمم المتحدة في ردع جرائم كهذه!

يحتاج المرء إلى كم هائل من السذاجة (كيلا نقول الغباء) لكي يبني أحلاماً على إدارة بهذا المستوى من فقدان الرؤية والتخبط، والنظرة المُبسطة لتعقيدات العالم.. فحتى لو افترضنا جدلاً أن ترامب اقتنع أخيراً بضرورة الضغط عسكرياً على مجرم دمشق.. ما الذي سيحدث خلال الأسابيع القليلة المقبلة؟

سيأتي ألف مستشار ليعدد لترامب مخاطر تدخل يؤدي إلى الفوضى في سوريا، وهي فوضى لا مفر منها في غياب قوة سورية تمسك بزمام السلطة وتكون من المصداقية والاتساع والتمثيل الشعبي بحيث تمنع انهيار الأوضاع ووقوع البلد في فوضى عارمة وثارات لا نهاية لها، بل وفي سيناريوهات التقسيم الذي أصبحت أرضه ممهدة إلى حد ما. وسيسهم الروس وتُسهم إسرائيل وغيرهما في تحذيره من مغبة هذا المآل، وفي بلع غضبه المفتعل والتفكير في خيارات أقل طموحاً وأكثر واقعية. (المفارقة السوريالية هنا أن تُقدّم حكومة الاحتلال التي دمرت أكثر من نصف سوريا على أنها ضمانة لوحدة البلاد!).   

وفي هذه الأثناء، ستضغط روسيا على النظام لكي ينحني قليلاً أمام العاصفة، وستستمر الفصائل المتأسلمة الممسكة بالأرض في التصرف بما يثبت للعالم كله بأنها لا تصلح لإدارة قرية صغيرة، ناهيك عن بلد متنوع ممزق.

وفي هذه الأثناء أيضاً، ستبقى النُخب السورية و"القوى السياسية" السورية (إذا صح التعبير)، غارقة في نرجسيتها وجدالها البيزنطي، غير قادرة على بناء تيار وطني عريض ومتماسك يلتقي على الأولويات الكبرى لتقديم بديل عقلاني ومقنع لهذا العالم! وفي هذا السياق، تعتبر هذه النخب والقوى أكبر مقصر بحق سوريا ومستقبلها.

رؤية ربما كانت سوداوية مريرة.. ولكن الدواء المر يبقى أفضل من المُسكّنات الخادعة؟

اقرأ المزيد
٥ أبريل ٢٠١٧
وجهان للبنان

هناك وجهان للبنان. وجه مرتبط بثقافة الحياة وآخر بثقافة الموت. هناك وجه من يعمل من أجل تحصين البلد وتمكينه من تجاوز مرحلة في غاية الصعوبة والتعقيد يمرّ فيها المشرق العربي كلّه. وهناك وجه من يريد تقويض مؤسسات الدولة اللبنانية، إن عبر التورط أكثر فأكثر في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه، وإنْ عبر العودة إلى الأمن الذاتي تمارسه ميليشيا مذهبية بحجة مكافحة المخدرات في إحدى المناطق اللبنانية. في الضاحية الجنوبية لبيروت تحديدا.

ليست مشاركة لبنان في مؤتمر بروكسيل، المخصص لمساعدة اللاجئين السوريين إلى دول الجوار، سوى مساهمة في تحصين الوضع في البلد. ليست المشاركة مجرّد حضور لبناني بوفد برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بل هي مشاركة من نوع جديد بطريقة مختلفة.

أقلّ ما يمكن قوله عن هذه الطريقة أنّها ذات طابع علمي ترتقي إلى مستوى المطلوب من الدول التي تحترم نفسها عندما تذهب إلى مثل هذا النوع من المؤتمرات. تقوم هذه الطريقة على تحديد ما الذي يريده لبنان استنادا إلى لغة الأرقام وعلى كيفية الاستفادة من مؤتمر بروكسيل من أجل تمكين البنية التحتية من استيعاب مليون ونصف مليون لاجئ سوري. سيطلب لبنان ما بين عشرة واثني عشرة مليار دولار لتطوير بنيته التحتية. ستوفر عملية التطوير هذه مئة ألف فرصة عمل في ثلاث سنوات، كما ستساهم في زيادة حجم الاقتصاد اللبناني. هذا يعني أن المبلغ الذي سيستفيد منه لبنان يفوق ما سيحصل عليه بكثير، نظرا إلى أن أي مساعدة للبنان هي بمثابة استثمار في اقتصاده وفي الاستقرار الإقليمي.

الأكيد أن الهدف ليس توطين هؤلاء السوريين في لبنان، بل مساعدة هؤلاء على أن يكونوا جاهزين للعودة إلى سوريا. هناك فرصة يوفّرها مؤتمر بروكسيل الذي أعدّت له الحكومة اللبنانية جيّدا من أجل تحويل المصيبة التي تسببت بها عملية تهجير السوريين من أرضهم إلى فرصة. يمكن للمساعدات الدولية التي سيحصل عليها لبنان المساهمة في تطوير البنية التحتية اللبنانية، أي تحصين البلد من جهة، وخلق فرص عمل للشركات اللبنانية وإيجاد فرص عمل للبنانيين وللسوريين من جهة أخرى. وهذا يخدم الاقتصاد اللبناني. ثمّة من سيشكو من توفير فرص عمل للسوريين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كان ممكنا بناء شيء في لبنان لولا العمالة السورية؟ الأهمّ من ذلك بكثير أن فرص العمل توفّر أملا للشباب السوري واللبناني وتصرفه عن الذهاب إلى التطرّف والإرهاب بكلّ أنواعهما… بما في ذلك الموت من أجل بشّار الأسد!

يمكن الرهان على مؤتمر بروكسيل لأنّ لبنان حمل ملفا مدروسا بأدق التفاصيل بعيدا عن أي شكل من أشكال العنصرية في حقّ اللاجئين السوريين. عملت على هذا الملفّ مجموعة من خيرة الشابات والشباب العاملين مع سعد الحريري مباشرة أو في دوائر تابعة للمؤسسات الرسمية اللبنانية. سيقول لبنان صراحة إن ثمّة حدودا لقدرته على التحمّل. هناك على سبيل المثال أزمة كهرباء في لبنان. ما العمل عندما تزداد الحاجة إلى الطاقة الكهربائية مع وجود مليون ونصف مليون سوري في البلد؟ ما العمل أيضا عندما يتوجّب على المدارس الرسمية اللبنانية استيعاب مئتين وثلاثين ألف طالب سوري، أي ما يفوق عدد الطلاب اللبنانيين في هذه المدارس؟ هذا غيض من فيض الضغوط التي يتعرض لها لبنان الذي كان مفترضا أن يبقى في منأى عن الحرب على الشعب السوري بدل أن يشارك فيها “حزب الله” خدمة لمآرب ذات طابع مذهبي ضيّق، لا علاقة للمصلحة الوطنية اللبنانية بها من قريب أو من بعيد.

لن يترك لبنان فرصة مؤتمر بروكسيل تمرّ، خصوصا أنّه يمرّ في اقتصادية عميقة. من بين أسباب الأزمة المشروع التوسعي الإيراني الذي يقوم على نشر الفقر والبؤس والتعصّب المذهبي في كل أنحاء العالم العربي عن طريق الميليشيات المذهبية. يترافق ذلك مع السعي إلى قطع العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي، خصوصا أهل الخليج. ليس سرّا أن المشروع التوسّعي الإيراني يلعب دوره في إيجاد حاضنة للإرهاب الذي يمثله “داعش” وإخوته في كلّ أنحاء المنطقة، خصوصا إذا نظرنا مليّا إلى ما يدور في العراق عموما، وما تتعرض له الموصل هذه الأيّام تحديدا.

من المفيد التذكير بأنّ سعد الحريري زار السعودية بعد انتهاء القمّة العربية. ذهب إلى الرياض برفقة الملك سلمان بن عبدالعزيز وفي الطائرة الخاصة بالعاهل السعودي، وعاد إلى بيروت في طائرة أخرى وضعها الملك في تصرّفه. عكست الزيارة “الملكية” الحرص السعودي على لبنان، ودعم الرياض لخيارات رئيس مجلس الوزراء اللبناني الذي عمل على انتخاب رئيس للجمهورية في وقت كان هناك من يسعى إلى أن يكون خيار الفراغ في الرئاسة هو الخيار الوحيد المتاح أمام لبنان.

ليس سرا أن المملكة تريد مساعدة لبنان… لكن على لبنان أن يساعد نفسه أولا. هذا ما سعى لبنان إلى إثباته عبر مؤتمر بروكسيل الذي يمثّل بالنسبة إليه فرصة لا تعوّض. العالم تغيّر، كذلك المملكة العربية السعودية ودول الخليج. من يريد أن يساعده الآخرون، عليه أن يثبت أنّه يستحق المساعدة وأن يكون أهلا لهذه المساعدة بدل أن يردّ عليها، كما يفعل “حزب الله” بالتنكّر لأهل الخليج الذين دعموا لبنان وأبناء شعبه على الدوام، من دون تمييز بين مذهب ومذهب وطائفة وأخرى، ومن دون أن يطلبوا شيئا في المقابل…

ليس مؤتمر بروكسيل التحدي الوحيد الذي يواجه لبنان هذه الأيّام. ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث قام “حزب الله” بعراضة مسلحة لتأكيد أن الأمن في دويلته من اختصاصه، وأن دويلته أهمّ من الدولة اللبنانية، طعنة للعهد ولـ”الرئيس القوي”. هناك من لا يريد للبنان أن ينهض. على العكس من ذلك مطلوب من لبنان أن يبقى في حال من اللاتوازن وفي بحث مستمرّ عن فرص يتبين مع مرور الوقت أنها فرص ضائعة. فقبل أن يشكل “حزب الله” مجموعة مهمّتها ملاحقة مروجي المخدرات وتجارها في الضاحية، لماذا لا يسأل من خلق الأجواء التي جعلت الضاحية مرتعا لكل نوع من التصرّفات والممارسات الشائنة؟

الجواب بكلّ بساطة أنّ من يشدّ لبنان إلى فوضى السلاح وإلى الاقتصاد الريعي وإلى التعصّب المذهبي وإلى المشاركة في الحرب على الشعب السوري، إنما يتحمّل المسؤولية الأولى عن الوضع الشاذ في الضاحية وفي غير الضاحية. من يستهزئ بمؤسسات الدولة اللبنانية ويعمل على تدميرها الواحدة تلو الأخرى لا يحق له الكلام عن لبنان وعن الصورة الأخرى التي تريدها إيران وأدواتها للبنان. إنّها صورة مختلفة لا تشبه لبنان الذي ذهب إلى مؤتمر بروكسيل بأي شكل من الأشكال.

أي لبنان يريد اللبنانيون. مرّة أخرى، الخيار واضح بين ثقافة الحياة وثقافة الموت. بين مواجهة تحدي اللجوء السوري الكثيف إليه، وبين أن يتحوّل اللبنانيون لاجئين في بلدهم تحت رحمة “المال النظيف” الذي قد يأتي أو قد لا يأتي، لكن هدفه، إن أتى أو لم يأت، واحد. هدفه نقل تجربة الضاحية إلى بيروت نفسها كي تعمّ كل البلد في مرحلة ما…

اقرأ المزيد
٥ أبريل ٢٠١٧
متى كانت أولوية الولايات المتحدة إسقاط الأسد؟

أخيراً، أتحفتنا السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بالقول إن أولوية الولايات المتحدة في سورية لم تعد إزاحة بشار الأسد، وذهب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، إلى تأكيد كلامها، والقول إن مصير الأسد يحدّده الشعب السوري، وكأن مسألة إسقاط الأسد كانت تثقل كاهل بلاده، وتستنزف قسماً من مواردها، في حين أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى كانت أولوية الولايات المتحدة الأميركية إسقاط الأسد أو إزاحته عن السلطة؟

ويعلم القاصي والداني أن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، كان له اليد الطولى في إطالة أمد الحرب في سورية، وأنه كان يضع مختلف الحجج والعراقيل للتنصل من المسؤولية الدولية والأخلاقية حيال ما يقترفه نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس من جرائم حرب بشعة بحق غالبية السوريين، بل إن سياسته أفضت إلى المحافظة على نظام الأسد، مع التغاضي عن جرائمه التي وصفتها جميع المنظمات الحقوقية بأنها جرائم حرب أو ضد الإنسانية، من استخدام السلاح الكيماوي إلى القصف بالبراميل المتفجرة العشوائية، إلى حصارات التجويع والتركيع، إلى التعذيب حتى الموت.

وليس جديداً موقف إدارة الرئيس ترامب من بشار الأسد، لأن وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، اعتبر، في أكثر من مناسبة، أن "على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتفاوضوا مع الرئيس السوري، بشار الأسد، من أجل انتقال سياسي في سورية"، ولم يخف استعداد بلاده التفاوض مع الأسد "في نهاية المطاف"، الأمر الذي نسف عبارة "فاقد الشرعية" التي عادة ما كان يردّدها المسؤولون الغربيون، عندما يأتون على ذكر الأسد في بداية الثورة السورية، على الرغم من أنهم كانوا يردّدونها، بوصفها لفظاً، يفترق عن حمولاته المضمونية.

وعلى الرغم من أن تصريحات مسؤولي الإدارة السابقة اتسمت بالتنديد والشجب لممارسات النظام في بداية الثورة السورية، مع تأييد مطالب الثائرين في الحرية والديمقراطية، إلا أنها لم تجد معادلاً لها في الواقع، بل راح بعضهم يبيع الأوهام للمعارضة السياسية السورية، في حين أن إدارة بلادهم قامت بابتزاز المقاتلين في "الفصائل المعتدلة"، من خلال تقليص الدعم المحدود والتمويل المتحكّم به، ومنع وصول السلاح النوعي إلى أيديهم، ما أسهم، بالإضافة إلى جرائم النظام السوري الممنهجة، في استفحال ظاهرة التطرّف، وتنامي قوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وأخواتها، على حساب تدهور وضع تشكيلات الثوار.

وتغاضت الإدارة الأميركية السابقة عن التدخل العسكري الروسي، وراحت تنسق معه، وقبل ذلك سكتت عن التدخل السافر لنظام ملالي إيران في سورية، عبر خوضهم معركة الدفاع عن بقاء نظام الأسد، فأرسلوا آلاف المقاتلين والمستشارين، والآلاف من مليشيات حزب الله اللبنانية، والمليشيات الطائفية العراقية، وشكلوا ألويةً وفرقاً مليشياوية داخل سورية، وألوية المرتزقة، من دون أن تحرّك الولايات المتحدة ساكناً.

ولا شك في أن تعامل ساسة الولايات المتحدة من القضية السورية أسهم تحويلها من ثورة، تنشد الحرية والكرامة، ضد الاستبداد المقيم منذ أكثر من أربعة قرون، إلى قضية مجموعات متطرّفة، وصراع نفوذ إقليمي ودولي، قسّم المنطقة إلى معسكريْن، متضادين ومتحاربين على الأرض السورية، وأدى ذلك إلى ترك النظام السوري يفعل ما يريده من قتل أغلبية السوريين وتشريدهم، مع تكرار المسؤولين الأميركيين طمأنة النظام، من خلال تأكيدهم عدم وجود نية لدى بلدانهم في التدخل العسكري، وأن الحل الوحيد هو الحل السياسي، بمعنى يُفهم النظام بأنه مهما ارتكب من انتهاكات وجرائم، لن تكون هناك قوة دولية تردعه، لذلك مرت جرائمه من دون أي عقاب يذكر.

ولعل حيثيات الموقف الأميركي ظهرت منذ بداية الثورة، ثم مع التحولات والمتغيرات التي صاحبتها، وتجسّدت في اعتبار أن من مصلحة الولايات المتحدة دمار سورية وجعل الأوضاع فيها تسير نحو التعفن والتفكك والخراب، وأن لا مصلحة لديها للتدخل لوقف الكارثة، كونه لا يخدم مصلحة إسرائيل وأمنها، بوصفها حليفها الإستراتيجي الأوحد في المنطقة.

وعلى الرغم من أن موقف الإدارة الأميركية الجديدة حيال قضية الشعب السوري الطامح إلى الخلاص من نظام الأسد المجرم موقف لا مسؤول حيال قضية عادلة، إلا أنه واضح وغير موارب مثل موقف الإدارة السابقة، ومبني على الرؤية التي برّر وفقها الساسة الغربيون مواقف بلادهم حيال ما يجري في سورية، وتفيد بأنهم باتوا أمام أحد الخيارين، إما "داعش" وأشباهها أو النظام، مع ترجيح أن الأخير يشكل خطراً أقل من "داعش". لذلك فإن بقاء الأسد في السلطة أفضل من أن تأخذ "داعش" السلطة مكانه، وهي رؤية خاطئة، تعتبر أن "داعش" يسعى إلى إسقاط النظام السوري، والحلول محله، ذلك أن "داعش" لا يطمح في أن يشكل بديلاً عن الأسد، ولم يطرح ذلك في أدبياته مثل هذه التصورات، فضلاً عن محاربة نظام الأسد ليست من أولوياته، بل عمل النظام على التنسيق معه، في أكثر من موقع ضد فصائل الجيش السوري الحر، وعقد معه اتفاقيات نفط وغاز وكهرباء. إضافة إلى هذه الرؤية، تلغي حقيقة أن جرائم النظام وحربه الشاملة ضد الثوار وحاضنتهم الاجتماعية، منذ بداية الثورة، جعل قسماً كبيراً من المحتجين السلميين ينحازون نحو العسكرة، وأن النظام أسهم في دخول العناصر المتطرّفة عبر إطلاق سراح أعداد كبيرة منهم من سجونه، وخصوصا سجن صيدنايا، إضافة إلى انسحاب قواته عن مناطق وجوده على الحدود مع العراق وتركيا، لصالح تنظيم داعش والفصائل المتطرّفة الأخرى، كما أن النظام هو أساس المشكلة السورية، وأن لا حل لمشكلة الإرهاب مع بقاء الأسد في السلطة، لأنه مارس جرائم إرهاب فظيعة بحق غالبية السوريين، وقتل أكثر من نصف مليون، وشرّد أكثر من نصفهم، ما بين لاجئ ونازح، ودمر أماكن سكناهم ورزقهم.

اقرأ المزيد
٥ أبريل ٢٠١٧
الحالة السورية وتذبذب الموقف السياسي

شهدت الحالة السورية تحليلات ومواقف وآراء عديدة نقدية، على خلفية الهزيمة العسكرية في مدينة حلب، حاولت جميعها تحديد أبرز النقاط والمواقف الواجب تصحيحها، لكي تعود الثورة السورية إلى سكة الانتصارات، وتحقيق أهدافها المنشودة في نهاية المطاف. ومنها على سبيل الذكر، لا الحصر، نقد الاستراتيجية العسكرية القائمة على تحرير المدن والبلدات السورية من سيطرة النظام والمليشيات المتحالفة معه، على خلفية تعامل القوى الحليفة للنظام مع هذه المناطق، والمستندة إلى سياسة الأرض المحروقة، والتدمير والحصار الشامل الذي يؤدي إلى أشكال عديدة من المعاناة والصعوبات للسوريين المقيمين في هذه المناطق، كما طاول النقد الموقف الثوري من القوى الجهادية والإسلامية المتشدّدة، وفقاً لممارساتها الاستبدادية في مناطق سيطرتها، والتي تشي بعدائها الصارخ مع الثورة الأصيلة، في مقابل تعامل أقرب إلى المهادنة مع النظام والمليشيات الحليفة له، وكذلك الأمر بالنسبة لتبعية المجموعات والفصائل المطلقة للقوى الدولية والإقليمية الداعمة لها، حتى باتت تمثل مصالح الداعمين على حساب مصالح السوريين.

غير أن إطلاق معركة شرق دمشق الأخيرة من تحالف القوى والكتائب الإسلامية والجهادية قد دفع عديدين إلى نسيان انتقاداتهم ودعواتهم السابقة، لنشهد اندفاعا إلى التغني بالتقدم اللحظي الذي حصل، ما يضيف فصلا جديداً من التخبط والعشوائية في التعاطي مع الثورة والأحداث السورية. هذه العشوائية التي تهلل للنهج نفسه الذي ثبت خطأه لمجرد تحقيق بعض الانتصارات على قوات النظام وتكبيد رجاله والمليشيات المتحالفة معه، والسوريين القاطنين في الأماكن الخاضعة لسيطرته بعض الخسائر البشرية والمادية والنفسية، مما يكشف عدم جدية الكثير من الانتقادات والدعوات السابقة، ويعيدها إلى موضعها الطبيعي كردة فعل عاطفي غير مبنيٍّ على التحليل العلمي والمنهجي للثورة وللقوى والأطراف الفاعلة على الساحة السورية، إذ يدفعنا هذا الاحتفاء بتقدم جبهة النصرة وأخواتها نحو الطرف الشرقي لمدينة دمشق، وكأنه بصيص الأمل الثوري في الليل الأسود، إلى التساؤل هل كل هزيمة، ولو شكلية، للنظام تصب في خدمة الثورة، وهل للهزيمة على أطراف العاصمة دمشق مكانتها الخاصة؟

تستند أصوات منتشية بتقدم الفصائل الإسلامية داخل مدينة دمشق إلى أن تحرير العاصمة يعني هزيمة أي نظام أو سلطة قائمة في أي حرب، على اعتبار أن العاصمة هي المركز الذي تجتمع داخله جميع خيوط وأدوات وقيادات السلطة الإعلامية والسياسية والعسكرية والأمنية. بينما في الواقع نجد للعاصمة السورية دمشق رمزية سياسية وإعلامية ومعنوية فقط، نتيجة انهيار النظام السوري عمليا وتحوله إلى مجموعات ومليشيات متعدّدة المرجعيات والقيادات، وخصوصاً إيرانية وروسية، كما أن مراكز قوة النظام الإعلامية والسياسية والأمنية تتركز في الطرف الآخر من العاصمة السورية، أما الثقل العسكري فهو على أعلى سفوح الجبال المحيطة بمدينة دمشق، وبالتالي، فإن العاصمة تعد صيداً سهلا للنظام عند أي حاجة لقصفها وتدميرها، وهو ما لا يمكن استبعاده على النظام السوري وحلفائه الدوليين الذين حولوا غالبية المدن والبلدات السورية إلى خراب، والذين لم يتردّدوا في تلويث مصدر المياه الوحيد لدمشق قبل بضعة أشهر فقط. كما أن معسكرات النظام الرئيسية "الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة" لم تتعرّض لأي خطر حقيقي، مع العلم أن أقرب وجود للمعارضة المسلحة منهما كان في مدينتي داريا والمعضمية اللتين تمت خيانتهما على مدار الأشهر والسنوات السابقة من القوى المهاجمة اليوم وغيرها.

ثم من يضمن عدم إعادة تجربة حلب في دمشق، حيث لم تمض بضعة أيام على إعلان جبهة النصرة، وبعض القوى المتحالفة معها، بداية معركة فك الحصار عن مدينة حلب، وتوحيدها بعد تحرير أحد الأجزاء المتبقية تحت سيطرة النظام السوري وحلفائه، حتى شهدنا الانهيار السريع في قواها وقبولها باتفاق الانسحاب من المدينة، من دون الاكتراث لمصير السكان المدنيين الذين تم الاتفاق على إجلائهم، بعد خروج جبهة النصرة، ليتعرّض المدنيون إلى شتى أشكال الإذلال والتنكيل والقتل والاعتقال من المليشيات المحسوبة على النظام السوري. وهذا الدور القذر لجبهة النصرة في إهمالها وتقصيرها في حماية المدنيين، واهتمامها بتأمين انسحابها فقط، ليس السلوك الوحيد الذي يؤكد أن هذه القوى والفصائل تقف على النقيض من الثورة السورية والسوريين، ولنا في الممارسات والسلوكيات والقوانين التي تفرضها هذه القوى على المدنيين السوريين المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتتراوح بين حملات الاعتقال التعسفية، والاغتيال أحيانا، بحق الناشطين الثوريين، وبحق أي شخص يعبر عن رفضه ممارساتهم وامتعاضها منهم أكبر مثال، بالإضافة إلى فرض الإتاوات وفرض عاداتها على المجتمع من نمط اللباس إلى حظر التدخين، واحتكار السلع الغذائية والطبية وتخزينها، ما يفاقم المعاناة الإنسانية في مناطقها، وكذلك نشهد إقدام الجهاديات على خوض صراعات عديدة فيما بينها، تحت ذرائع شرعية، وبغية زيادة عائداتها المالية من حركة القوافل التجارية من المدن المحاصرة وإليها، أو من أجل السيطرة على بعض البلدات ذات المميزات الاقتصادية، كالبلدات النفطية والحدودية.

وعليه، يمكن بسهولة الخلوص إلى أن إجرام الجماعات الجهادية لا يقل عن إجرام النظام، خصوصاً بعدما تبين أن ما تعجز عنه هذه الجماعات يتكفل به النظام والقوى الدولية. لذا لا يمكننا الاستمرار في الانجرار خلف مشاعرنا العاطفية، ورغباتنا في القصاص والخلاص، من دون الاحتكام إلى التحليل العلمي والمنهجي في التعاطي مع الأحداث والحالة السورية. وهو ما يفرض القطع النهائي مع كل من النظام والتنظيمات الجهادية والقوى التابعة والمقادة من الداعمين الذين يتبادلون الأدوار والمهام في تدمير سورية وتدمير الثورة السورية.

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٧
الحمام الزاجل

هل تعلمون يا صغاري أنكم مضحكون؟
نعم والله مضحكون!
الجميع يضحك عليكم وعلى مناظركم!
وهذا الزبد الذي يخرج من أفواهكم، لا أدري أين تعلمتم صنعه وكيف أتقنتم إخراجه!
مخرجوا السينما العالمية لم يستطيعوا محاكاة ما تقومون به!

كل من شارك بقتلكم يضحك لأنه مرر رسالته بحرفية عالية وتقنية مبهرة! لكي يبرهن للعالم نظريته ووجهة نظره..
كل هذا على حسابكم أيها المضحكون...!!!

لا تغرّنكم دموعٌ تتناثر هنا وهناك ظنّاً منكم أنها حزينة عليكم..
هي دموع الفرح، تذرفها القلوب المتحجرة التي وصلت إلى مبتغاها ونالت ما كانت ترمي إليه..

الجميع يضحك....

النظام السوري يضحك لأنه مرر رسالته للشعب السوري حتى يتعلم الدرس.. ومرر رسالته إلى العالم أن انظروا ماذا يفعل الإرهابيون في سوريا!

الصامتون المؤيدون يضحكون لأنهم مرروا رسالتهم إلى الذين ثاروا أن انظروا ماذا فعلتم بثورتكم! لقد قلنا لكم أننا سنحرق البلد فلم تفهموا!

جماعة كنا عايشين يضحكون لأنهم مرروا رسالتهم إلى المؤيدين والمعارضين أن انظروا كيف كان كلامنا صحيحاً! ألم نقل لكم أننا: كنّا عايشين؟

المعارضين والمؤتلفين والقوميين والوطنيين يضحكون لأنهم مرروا رسالتهم إلى العالم أن انظروا ماذا يفعل النظام في سوريا.. وإلى السوريين أن هل عرفتم لماذا نقبع في فنادقنا خارج البلاد؟ لأننا نخشى على أنفسنا وعلى أبنائنا أن يصيبهم ما أصاب أبناءكم! وأظنكم لا ترضون لنا أو لأبنائنا هذه الميتة البشعة وألا فإنكم ليس فيكم رحمة!
ثم من سيتفاوض مع النظام إن أصابنا ما أصابكم؟

الداعشيون والقاعديون والنصرويون ومن حذا حذوهم يضحكون لأنهم مرروا رسالتهم إلى السوريين ان انظروا ماذا سيحل بكم إن لم تسمحوا لنا بالتحكم بكم! ومرروا رسالتهم إلى العالم أن انظروا ما يمكننا فعله بالسوريين وبكم!

الفصائل المتقاتلة فيما يضحكون لأنهم مرروا رسالتهم إلى بعضهم من يستحق الحكم والتمجيد والتصفيق أكثر، ومرّروا رسالتهم إلى العالم أن انظروا ماذا يفعل النظام في سوريا وماذا سيحل بالبلاد إن نحن لم نحكم السيطرة!

الفيسبوكيون والتويتريون يضحكون لأنهم وجدوا موضوعاً جديداً يتسابقون في نشره ومرروا رسالتهم إلى العالم أن انظروا كيف نحن موضوعيون وننقل الخبر بأمانة؟ ويتفننون بنشر وتزيين الصور ووضعها على صور البروفايلات إعلاناً عن الاحتجاج وبانتظار المزيد من الأخبار الشيقة التي يملؤها الدم والزبد والأكشن!

الدول العربية والإسلامية يضحكون لأنهم مرروا رسالتهم إلى شعوبهم أن انظروا ماذا سيحل بكم إن أنتم قررتم أن تثوروا ضد حكامكم أو أن تقولوا لا للطغاة!

الإعلام العالمي يضحك لأنه مرر رسالته إلى الشعوب أن انظروا ماذا سيحل بكم إن قبلتم بالسوريين كلاجئين!

العالم يضحك لأنه مرر رسالته إلى السوريين أن انظروا ماذا تفعلون ببعضكم!

كلّ يغني على ليلاه.. وكلّ منّا يضحك على بلواه!
هل عرفتم لماذا أنتم مضحكين؟
ما الذي يغري مُمَرِّري الرسائل في صور الأطفال المقتولين؟
هل لأنهم يعتقدون أن الطرف الآخر المتلقي للرسالة عنده قلب وسيحزن؟
لا والله فجميعهم لا يملكون قلباً واحداً مجتمعين!
أعتقد لأنكم تحسنون التمثيل!
ولا تحسنون الكذب!

هل سمعتم يا صغاري بالحمام الزاجل؟
ذاك الذي كانوا يستخدمونه قديماً لتمرير الرسائل بين بعضهم البعض!
حتى اذا ماتت الحمامة أو غضب مستقبلها من فحواها فقتلها، لا يتكلف المرسل سوى ثمن الورقة وثمن الحبر الذي كتب به رسالته!
هذا أنتم أيها المضحكون..
أنتم هذا الحمام الزاجل الذي يمرر كلّ رسالته عن طريقكم!

ناموا يا صغاري وسنمرر نحن أيضاً رسالة عن طريقكم..
مرّروا رسالتنا إلى الله (وهو أعلم بحالنا) أننا مسنا الضرّ وأنت أرحم الراحمين..

ناموا أيها الصغار..
وأخبروا البشرية كيف كانت الحمائم تعيش مع البهائم!
ربما تحتوي الصورة على: شخص أو أكثر وأشخاص يجلسون

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٧
كفانا سياسة ولنتذكر الإنسانية

شكراً لأنطونيو غوتيريش، الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، فقد ذهب إلى العراق. وزار 700 ألف لاجئ من عرب الموصل ينتشرون في العراء على حدود كردستان، فراراً من القتال الدائر بين القوات العراقية و«داعش» في الشق الغربي من المدينة.
جاءت الزيارة بعد تبادل الاتهام بين أميركا والعراق، حول الغارات الجوية التي أوقعت عدداً يتراوح بين ألفين إلى أربعة آلاف قتيل من المدنيين أخرجت جثثهم ممتزجة بشظايا أحجار من أنقاض أبنيتهم المقصوفة بقنابل الأعماق، بحجة الفتك بـ«الدواعش» المختبئين في الجحور التي حفروها في الأحياء القديمة.

انتهى الجدل بلا غالب ومغلوب. فقد تم الاتفاق على القول إن «داعش» تركت أمام الأبنية المقصوفة صهريجاً مليئاً بالمتفجرات. فانفجر بالقصف المتبادل. وانهارت الأبنية من شدة الانفجار! لكن المنظمة الدولية تطالب بتحقيق عادل أكثر جدية في تحمل المسؤولية أمام الإنسانية.

جرى التحضير لحرب الموصل منذ سنة. حشدت ألوية عراقية. وميليشيات شيعية بقيادات إيرانية. وميليشيات كردستانية. وباعت أميركا أحدث الطائرات من طراز إف 15 و16. في الهجوم، دُك شطرا المدينة المفصولان بنهر دجلة.

أين المفر أيها المدنيون؟ فالنهر أمامكم. والمتقاتلون بينكم. السؤال كيف رضي إنسانياً القادة العسكريون الشيعة لألوية الجيش العراقي بشن الهجوم، من دون أن يتأكدوا أولاً من إقامة حكومة بغداد لمناطق آمنة مجهزة بالإطفاء. والأدوية. والأغذية، كافية لإيواء مئات ألوف الموصليين المحاصرين الفارين؟

وهكذا، فحرب الموصل التي جرت بمشاركة أميركية صريحة، كانت حرباً مذهبية بكل معنى الكلمة بين السنة والشيعة. والهدف تماماً كما جرى في حرب حلب الشهيدة شقيقة الموصل: تفتيت الكتلة السكانية المدنية من عرب المشرق، تحت ذريعة القضاء على «إرهاب داعش» كما تدعي أميركا. أو بحجة «مكافحة الإرهاب» كما يزعم بشار الجعفري موفد بشار الطائفي لنسف محادثات جنيف (انتهت الجولة الخامسة من دون تقدم يذكر). وقاسم سليماني موفد خامنئي وفريدون روحاني، لتدمير سنة سوريا والعراق.

لا ننسى دور الأكراد (السنة) في كل مأساة تنزل بالعرب السنة في سوريا والعراق. فبعد استكمال سيطرتها على مدينة كركوك النفطية، لم تشارك «البشميركا» عملياً في حرب الموصل، كما تم الاتفاق بين مسعود برزاني وحكومة بغداد، إنما اتجهت إلى سهل نينوى الواسع في شمال المدينة، لتحتل القرى العربية هناك، معلنة أنها لن تنسحب منها.

أما أكراد حزب العمال الكردي في تركيا (المسجل إرهابياً لدى أميركا)، فقد أقاموا منطقة حكم ذاتي كردية في سوريا، تمتد بمحاذاة الحدود التركية من شرق الفرات إلى حدود العراق. وها هي أميركا ترمب، بعد أميركا أوباما، تزودهم بالدبابات، ليخوضوا حربها مرتزقةً لـ«تحرير» الرقة ودير الزور من «داعش». ولا يخجلون من الزعم بأنهم «قوات سوريا الديمقراطية» المطعمة بعربان مقاتلين معها!

أسمي الحروب الدائرة بأسمائها الطائفية والمذهبية، لكي يفهم ويدرك مئات ملايين العرب في المشرق. والمغرب. والخليج (العرب يعدون حاليا نحو 400 مليون إنسان)، أن هناك كتلة سكانية عربية (سنية) مؤلفة من 23 مليون سوري و15 مليون عراقي. وخمسة ملايين فلسطيني يجري تدميرهم. بالإبادة الجماعية. وطردهم وتهجيرهم من مدنهم وقراهم. واغتصاب ونهب أراضيهم الزراعية، فيما تقف حكومات عربية على «الحياد» و«عدم الانحياز»، في معركة حياة أو موت للعرب والعروبة في المشرق واليمن.

لا أغرب الشيعة عن العروبة، كما فعل صدام. شيعة المشرق العربي جرى خطفها من عروبتها في العراق. وسوريا. ولبنان، لخدمة مشروع الهيمنة الفارسية على المشرق. حزب الشيعة الذي أنشأته المخابرات الإيرانية في لبنان منذ 35 سنة. وقالت للعرب إن تسليحه يستهدف حماية لبنان من إسرائيل، ها هو يدمر الديمقراطية اللبنانية. ويذبح العرب السنة في سوريا.

كفانا سياسة! هناك 108 ملايين جائع في العالم، حسب تقرير أممي وأوروبي. هناك 17 مليون جائع في اليمن مهد «العرب العاربة» في لغة علم الأصول (علم الإثنية). ملايين السوريين جائعون في سوريا. ولبنان. والأردن. هناك عرب جائعون في الرقة. ودير الزور. لا يجدون مع أطفالهم عشاء يومهم.

احتلت القوات الشرعية اليمنية ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر. لكن لم تتمكن بعد من الوصول إلى ميناء الحديدة الاستراتيجي. فقد استمات الحوثيون في الدفاع عنه، لتأمين وصول الأسلحة والصواريخ الإيرانية التي يقصفون بها مدن الحدود السعودية. وليس لتأمين وصول أغذية الإغاثة الدولية والعربية.

لنتذكر الإنسان والإنسانية. هناك عشرات ألوف السوريين الذين تحتجزهم المخابرات السورية في زنزانات أقبيتها القذرة المليئة بالقوارض والحشرات السامة. والجراثيم الفتاكة. مئات المعتقلين يموتون يومياً وأسبوعياً. ويدفنون في قبور جماعية مجهولة. وهناك ألوف محتجزون في معسكرات التنظيمات الدينية المسلحة التي تدعي أنها تطبق عليهم حكم العدالة الإسلامية. وتنفذ «داعش» و«جبهة النصرة» و«القاعدة» إعدامات يومية في سوريا. واليمن. وباكستان. وأفغانستان. والصومال.

نعم، لنتذكر الإنسانية. صار لضباط المخابرات الإسرائيلية أسماء معروفة. وهم لا يجرؤون على زيارة بلدان «صديقة» لإسرائيل، خوفاً من أن يطالب العرب بمحاكمتهم أمام العدالة المستقلة عن السياسة. وصار لضباط المخابرات السورية أسماء مشهورة عربياً ودولياً. مع ذلك يجري إرسالهم بمهمات دبلوماسية إلى روسيا. والصين. بل لدول عربية. وهم مطلوبون للعدالة، بموجب مذكرات تحقيق أو توقيف من الشرطة الدولية (الإنتربول). فلماذا لا تعتقلهم الدول المضيفة لهم. وتسلمهم إلى العدالة الدولية؟

«الفيتو» الدولي الذي تستخدمه بكثرة روسيا. والصين. وأميركا، يحمي هؤلاء المجرمين. لماذا لا يشكل الأمين العام للأمم المتحدة لجنة دولية، لتعديل ميثاق الأمم المتحدة، ولوضع حد لاستخدام «الفيتو»، على الأقل لحماية حقوق الإنسان، إذا كان مستحيلاً إلغاؤه لأسباب سياسية؟
التقطت فتاة سورية تعمل في إسبانيا، بالمصادفة، صورة لشقيقها الذي قتلته المخابرات السورية، منشورة على الإنترنت. فأقامت دعوى أمام القضاء الإسباني على كبار جنرالات المخابرات السورية، وبينهم المجرم المشهور علي مملوك. لا علاقة للعدالة بالسياسة. فقد قبل القضاء الإسباني الدعوى. ويعد حالياً ملفات لهؤلاء المجرمين، لملاحقتهم في إسبانيا وأمام المحاكم الدولية.

أوشكت محكمة الشهيد رفيق الحريري على إصدار حكمها بالتفصيل، بأسماء المدانين. وحيثيات الإدانة. واغتال الجناح الاستئصالي في النظام السوري زعماء لجنة «إدارة الأزمة». فأعلنت المعارضة الدينية المسلحة أنها هي التي اغتالتهم. فقوضت بسذاجة الفرصة السانحة لاتهام النظام دولياً بارتكاب الجريمة.

ثم أجبر النظام فاروق الشرع. ومن لف لفه من الخانعين وأركان النظام على تشييعهم ومواساة أهاليهم. ولم يصدر التحقيق إلى الآن في مقتل العماد حسن تركماني. والعماد داود راجحة، وزيري الدفاع السابقين. والعماد آصف شوكت نائب وزير الدفاع، وزوج بشرى شقيقة الدكتور «أبي لمعة الأصلي» رئيس النظام.

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٧
واشنطن: الأسد أمر واقع

شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، ألقى قنبلة مدوية، «بالنسبة للأسد، فإنه يوجد واقع سياسي علينا القبول به». السبب؟ أنه توجد للولايات المتحدة أولوية أهم، ألا وهي محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا. هذا التبرير الرسمي للمتحدث الرئاسي الأميركي.

في الواقع، الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بإعلانه الخطير هذا، لم يخرج عن خط تعهداته التي أعلنها خلال حملته الانتخابية. حينها انتقد ترمب سياسة سلفه الرئيس باراك أوباما لأنه ترك إيران تستولي على العراق وإيران، لكنه قال إنه عند توليه الرئاسة سيركز على محاربة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع الروس. عملياً، اليوم ينفذ ما قاله حرفياً بالأمس.

السؤال الصعب كيف يستطيع ترمب محاربة النفوذ الإيراني و«داعش» وفي الوقت نفسه يتعاون مع نظام دمشق؟

قبل الحرب الأهلية في سوريا كانت علاقة دمشق بنظام طهران استراتيجية، وتسببت في تدهور علاقة نظام الأسد بدول معسكر الاعتدال، مثل الخليج ومصر آنذاك. كما أن الولايات المتحدة التي كانت غارقة في أزمتها في العراق، بعد الاحتلال، اتضح لها أن إيران استخدمت سوريا كمركز استقبال الإرهابيين من أنحاء العالم وتأهيلهم للقتال في العراق تحت علم «القاعدة» طوال ست سنوات دامية.

ومنذ بداية الانتفاضة في سوريا كانت معظم دول الخليج راغبة في تفاديها، لولا أن دمشق فضلت الطريق الصعب؛ التعاون مع إيران لمواجهة الانشقاقات الواسعة ومحاربة المعارضة المسلحة. والحقيقة فشل دعم إيران العسكري في إنقاذ النظام، وما كان له أن ينجو إلى هذه المرحلة الحالية، أو ما سماه سبايسر بالواقع السياسي الجديد، لولا التدخل الروسي الضخم عسكرياً. روسيا، وليست إيران، هي التي أعطت دمشق قبلة الحياة سياسياً وعسكرياً. وإذا قبلنا بهذه الحقيقة، فإنه ينبغي على النظام السوري أن يقبل بها أيضاً. إيران هي المشكلة بالأمس وهي المشكلة غداً، وإيران سبب نزاع دمشق مع دول المنطقة العربية التي هي في حالة دفاع عن نفسها ضد التمدد العدائي والتخريب الإيراني الذي لم يتوقف. هذا النزاع العربي مع نظام آية الله، لا علاقة له بالخلافات العربية مع نظام بشار الأسد الذي لم يحسن إدارة علاقاته مع الدول العربية بخلاف ما كان يفعله الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي أبقى على شعرة معاوية مع الجانبين، وكان وسيطاً إيجابياً في كل الخلافات بين ضفتي الخليج العربية الإيرانية.

من المحتمل أن تتحول الدول الخليجية نحو التعامل بإيجابية مع «الواقع السياسي الجديد»، وهو الأمر الذي سبقته إليه تركيا منذ عزل أحمد داود أوغلو وتعيين بن علي يلدرم رئيساً للوزراء. هنا السؤال الأول، هل يرغب نظام دمشق في إنهاء الوجود العسكري الإيراني من على أراضيه أم لا؟ والسؤال المكمل له، هل حقاً يستطيع لو قرر التخلص من فيلق القدس الإيراني، وميليشياته اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية، التي تقدر مجتمعة بنحو خمسين ألفاً على الأقل؟

الرغبة في حل سياسي للأزمة السورية هو مشروع المعارضة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات، منذ أن اتضح أن أياً من الطرفين لن يكسب الحرب بقوة السلاح. الخلاف كان، ولا يزال، يدور على صيغة الحل ويمكن أن نقول اليوم إنه فشل، فالأسد استأثر بكل شيء، أو يظن أنه كذلك. إنما الحقيقة أن سوريا صارت إناءً مكسوراً، ولنرَ كيف يستطيع إصلاحه سياسياً وإدارياً وأمنياً دون دعم الدول العربية المعتدلة.

المعادلة الصعبة المقبلة، في حال تم الاتفاق على بقاء نظام الأسد، هي في إخراج إيران من القصر الرئاسي في دمشق. باستمرار نظام آية الله يسيطر على مفاصل الدولة السورية أتوقع أنه لن تشهد سوريا استقراراً مهما أجمعت قوى العالم، ولا أقول هذا من باب الإنكار الأخلاقي على ما يحدث، بل أيضاً لأن الواقع السوري نفسه أكبر من إيران وروسيا ونظام دمشق. الواقعية تتطلب فهم هذا الجانب، وهو أن وجود إيران وميليشياتها على الأرض السورية سيفشل أي اتفاق يوقعه أي فريق.

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٧
ترامب بعد أوباما «يبايع» بوتين في سورية!

المواقف الأميركية الأخيرة من أزمة سورية ليست مفاجئة. الجديد فيها أنها كشفت صراحة السياسة التي تنهجها الإدارة الجديدة. وكان على قوى المعارضة أن تتوقع ذلك بدل الانتظار أو الرهان على توجهات مغايرة. الرئيس دونالد ترامب قال في إحدى حملاته الانتخابية إن النظام في دمشق يحارب «داعش» فلماذا يقاتله؟ وردد عشية الانتخابات الرئاسية أن الحرب على التنظيم الإرهابي أولوية تتقدم على «اقناع الأسد بالرحيل». وهذا ما كررته مندوبته لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي: «لم تعد إزاحة الأسد أولوية». وكان وزير خارجيته ريكس تيلرسون أكثر صراحة: الشعب السوري يقرر وضع الرئيس «على المدى البعيد». إنه موقف الإدارة السابقة. بل هو موقف لم يكن طوال السنوات الست الماضية قريباً إلى هذا الحد من موقف روسيا. لعل هذا ما سمح للرئيس فلاديمير بوتين بأن يتحدث عن تعاون فعلي بين البلدين «يتحسن ويتعمق في بعض المجالات الحساسة مثل سورية». بالتأكيد إن الحرب على الإرهاب هي أولوية الدولتين. ولا شك في أن القوات الروسية تراقب الآن كيف سيثمر الانخراط الأميركي العسكري المتنامي في معركة الرقة. كأنها تترك المعركة للأميركيين كما كانت لها معركة حلب. لكنها لا تخفي رغبتها في عودة «عاصمة الخلافة» إلى حضن الشرعية.

التفاؤل بإمكان تعميق التعاون مع واشنطن الذي يبديه الرئيس بوتين قد لا يقود إلى تغييرات جذرية في الواقع القائم. تركت له مواقف إدارة ترامب الساحة السورية، ما دام أن التفاهم على صفقة شاملة لكل القضايا العالقة بين البلدين تبدو بعيدة. فهو يدرك أن ما كان يأمل به من انفتاح وتغيير مع قدوم الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض تعترضه عراقيل جمة. ليس بينها وجود جنرالات صقور يعارضون مثل هذا الانفتاح فحسب. بل أيضاً «قضية» التدخل الروسي في الاستحقاق الانتخابي الأميركي والاتصالات بين رجال ترامب ومسؤولين روس. وهي تشهد تطورات يومية تشغل عامة الأميركيين وليس المسؤولين في الكونغرس والقضاء وحدهم. وتضغط على الإدارة الجديدة وتحد من خياراتها الخارجية. لذلك لا تعول موسكو كثيراً على تعاون قريب يدفعها إلى تعديل جوانب في سياستها حيال سورية. بل هي كانت أصلاً ولا تزال تستعجل ترسيخ أوضاع تراعي مصالحها في هذا البلد لتفرض مشروعها للتسوية ورؤيتها هي في أي تعاون أو تواصل مع جميع المعنيين بالصراع القائم في بلاد الشام.

مواقف واشنطن يجب ألا تشكل مفاجأة للمعارضة السورية. فقد سمعت هذه طوال سنوات الأزمة سؤالاً واضحاً من المسؤولين الأميركيين عن البديل من الرئيس بشار الأسد. كانوا يعبرون صراحة عن قلقهم من « اليوم التالي» بعد إزاحته. هذا القلق شاركهم فيه كثير من القوى وليس روسيا وحدها. بل ثمة دول عربية راودتها مخاوف -خصوصاً بعد الخلل في ميزان القوى- من أن يكون البديل إيرانياً، أو في أحسن الأحوال قائداً ميدانياً من القوى الإسلامية التي تبدو الأكثر نشاطاً وفاعلية في الحرب الدائرة. ولا نقصد المعارك التي اندلعت أخيراً في دمشق وريف حماة. فلن تحقق هذه نتائج تبدل في ميزان القوى، وإن تركت نوعاً من المفاجأة أو الصدمة في أوساط النظام وحلفائه. الحضور الروسي لن يسمح بتغييرات ميدانية. وهو شارك ويشارك في منع تحقيق أي مكسب للفصائل. لذلك بدا كأن ثمة تسليماً في أوساط قوى كثيرة مناوئة لإيران بدور موسكو وقواتها في بلاد الشام. يرون إلى هذا الدور أقل خطراً من حضور الجمهورية الإسلامية. فلا يضير عرباً كثيرين وجود روسيا في بلاد الشام. كان هذا الوجود حاضراً طوال عقود. ولا طائل من سعي بعض أطياف المعارضة أو عزمها على استيضاح الإدارة الأميركية ما جاء في تصريحات ديبلوماسييها. مثلاً ماذا يعني الوزير تيلرسون بقوله إن الشعب السوري يقرر مصير رئيسه «على المدى البعيد»؟ ما هو المدى البعيد، متى؟ في الانتخابات التي نص عليها القرار 2254 أو حتى نهاية ولايته؟ وماذا بعد «أولوية محاربة داعش»؟ بل ماذا بعد القضاء على التنظيم الإرهابي؟

الحرب على الإرهاب هو ما يعني إدارة ترامب. لا تبدي أي أهتمام بالتسوية على غرار ما فعل أوباما ووزير خارجيته جون كيري. ولا تقتصر حربها على الرقة وحدها. لذك جاءت ضغوط «السي آي إي» على الفصائل المعتدلة في الشمال السوري، في إدلب وريفها، كي تلتئم في جسم واحد أو تحت قيادة موحدة للتنسيق في أرض الميدان. والهدف الأول بالطبع قتال «هيئة تحرير الشام» التي تضم في من تضم «النصرة» وما شابهها. لكن ما يقلق هو المرحلة التالية للقضاء على التنظيمات الإرهابية. وهذا ما أزعج تركيا التي تعبر عن خيبتها يومياً من اعتماد الأميركيين على الكرد. وهذا ما عبر عنه ديبلوماسيون عرب شاركوا في قمة البحر الميت الأسبوع الماضي. أكثر ما يخشاه المعنيون بوحدة سورية أن يصبح قيام الكانتونات أمراً واقعاً لا مفر منه. وقد يجر إلى تعميم التجربة على المشرق العربي برمته. لا أحد يتوهم، ولا حتى الروس أنفسهم يعتقدون بأن نظام الأسد قادر على حكم سورية كما كانت الحال قبل اندلاع الأزمة. همهم، على ما يقولون أن تبقى سورية للسوريين وليس لإيران أو تركيا. وأن يبقى النظام علمانياً فلا تنجر البلاد إلى كانتونات مذهبية متحاربة. لذلك قدموا مشروع دستور يقترب من الفيديرالية بقدر ابتعاده عن المركزية وحصر معظم الصلاحيات بيد الرئيس. ويخشى الحريصون على وحدة سورية أن يتكرس الأمر القائم اليوم. فجبهة الجنوب تشكل منطقة استقرار بناء على تفاهم روسي - أردني - إسرائيلي - أميركي نجحت عمان في نسجه. وكذلك الأمر في الجبهة المحاذية للجولان التي تخضع لتفاهم بين إسرائيل وروسيا. وكانت لتركيا حصتها في جرابلس والباب، وإن لم تر إليها كافية. فهي إلى حد ما منطقة استقرار بديلاً من تسميتها «منطقة آمنة». ويجهد الروس إلى حماية الكرد في عفرين ومحيطها غرب الفرات حيث يسعى الأميركيون إلى تطهير هذه المنطقة من «النصرة» واشباهها. وإذا قيض للكرد «حكم ذاتي» في الشمال الشرقي لسورية تكون لهم مناطق النفط والزراعة. تكون لهم ثروة البلاد!

تدرك روسيا أن تعزيز حضورها في سورية لا يستدعي مواجهة مكشوفة مع إيران ومشروعها في هذا البلد. بل هي تسعى إلى تعزيز علاقاتها معها، خصوصاً أن هذه تحتاج إلى القوة الروسية لحماية النظام. وبدل أن تنتظر موسكو بلا طائل التفاهم مع واشنطن، تنصرف إلى تفاهمات مع دول الإقليم، من تركيا إلى إسرائيل والأردن ومصر وغيرهما من قوى عربية، تراعي مصالح هذه وحضورها في مناطق نفوذ محددة. ولكن لا غلبة لطرف على طرف. وهذا كاف باعتقادها لقيام مناطق مستقرة وإن شاب البلاد شيء من التقسيم والتفتيت. فيما تبقى الكلمة العليا والأولى لها دون الآخرين. في مقابل هذه السياسة الواضحة للكرملين، ثمة شكوك في أن يكون لإدارة ترامب سياسة واضحة أو متماسكة حيال مرحلة ما بعد الرقة وإدلب. وإلا ما معنى غيابها عن جولات جنيف وعدم اهتمامها بأي حديث عن تسوية سياسية؟ ستكون روسيا مرتاحة إذا رفع العلم السوري في الرقة وإدلب، كما هي الحال في القامشلي والحسكة وغيرهما من مناطق الكرد. الصورة تبرز، وإن شكلياً، وحدة البلاد ووجود النظام، أياً كانت القوى الفعلية على الأرض. لكنها بالتأكيد كانت تفضل دوراً سياسياً للولايات المتحدة يكون منطلقاً إلى تفاهمات أوسع وابعد من سورية. لكن «مبايعة» ترامب موسكو في سورية تركت كرة النار بيدي بوتين، وحرمته من ورقة مساومة.

بعد هذه المواقف الأميركية الجديدة القديمة، لا ينفع قوى المعارضة انتظار ما سيؤول إليه الصراع المقبل بين إدارة الرئيس ترامب وإيران. أو الرهان على مفاوضات في جنيف لن تثمر تسوية قبل القضاء على الإرهاب. وقبل جلاء الصورة كاملة في الولايات المتحدة. ولا يمكنها أن تراقب الحرب على «داعش» فقط. أو أن تشارك فيها فحسب. هل تجترح معجزة فتبادر إلى توحيد صفوفها تحت قيادة سياسية وعسكرية تشكل عنواناً لا بد منه لجميع اللاعبين في الميدان السوري، ويقدم بديلاً مقنعاً إلى هؤلاء وإلى جميع السوريين الراغبين في التغيير؟ المواجهة الأميركية مع إيران لن تأتي بالحل. ستكون أكثر تعقيداً. وقد لا تقتصر على الطرفين وحدهما. بل إن قوى عربية شاركت في القمة أخيراً تخشى أن تلجأ الجمهورية الإسلامية إلى خوض مواجهة شاملة في كل الإقليم، إذا شعرت بأنها ستواجه مزيداً من العقوبات أو قد تخسر الاتفاق النووي. بالطبع لا ترغب طهران في الحرب ومثلها واشنطن والآخرون. يبقى منطق التسويات أقل كلفة وإيلاماً من أي حرب... هذا إذا لم تتطور «قضية» تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية إلى فضيحة تمهد لإطاحة الرئيس ترامب!

اقرأ المزيد
٤ أبريل ٢٠١٧
اخلعوا عنا الجنسية

توقفت الحركة بشكل كامل في أحد شوارع لوس أنجلوس قبل 3 أعوام تقريباً بسبب بطة.. انتهى الخبر

قُتل 100 مدني وأصيب 400 بسبب غاز السيرين الذي استخدمه الأسد وروسيا على مدينة خان شيخون في إدلب بسوريا.. لم ينته الخبر.

البطة التي أوقفت حركة الشارع في واحدة من أكثر دول العالم ازدحاماً، أصبحت بطة شهيرة فجأة، وسائق السيارة الذي انتبه لها وأوقف سيارته خوفاً من أن يقتلها تحت عجلات سيارته، وأوقف كل السيارات المارة حينها، أصبح الشخصية الأشهر على الإعلام لأيام وأيام عام 2014، فالملاك الذي لم يدهس البطة أمريكي، والبطة حيوان يستنشق الهواء الأمريكي المقدس، والإعلام الفارغ يؤدي دور البطولة بتحويل الحدث إلى حديث الشارع والعالم ووكالات الأنباء، وإن كان ثمة أحد غير مصدق، فليكتب على غوغل "بطة، لوس أنجلوس"، وليرى بعينيه عدد الفيديوهات والمواقع العربية والغربية التي ستظهر له كنتيجة للبحث.

حسناً.. الخبر الثاني لن يعيش أكثر من ساعة على المواقع العربية والغربية، وما سيمد بعمره لن يكون أكثر من إنكار روسيا والأسد ببيانات أو تصريحات رسمية، وسينشغلون أكثر بكلام المتحدث بوازارة الدفاع الروسية حول اتهام وكالة رويترز بالكذب لأنها ضمّنت خبرها عن الغارات الكيمياوية حقيقة ان روسيا والنظام قاما بالمجزرة الكيمياوية،  وأما أولئك الـ100 مدني سوري و400 مصاب مدني سوري، فلن يستطيعوا الحصول على نسبة الثلث وربما العشر من الاهتمام.

نسي العالم خطوط أوباما الحمراء الحمقاء، وانشغل أكثر بتصريحات ترامب الهستيرية، وأما عن الأسد وروسيا فانتشيا بتصريحات تلك الإدارة الجديدة حول عدم بقاء هدف إزاحة الأسد من أولويات أمريكا، رغم أننا نعرف أن ذلك لم يكن من أولويات الإدارة السابقة، ولكن الفرق الوحيد أن أوباما تلاعب بالكلام بينما ترامب كان واضحاً بموقفه، رسالته مباشرة "فليمت كل السوريين.. لن يهتز لي جفن، ولتذهب ادعاءات حقوق الإنسان إلى الجحيم".

وسارعت باريس للحاق بأمريكا، فصعد اليمين المتطرف وتصاعدت معه التصريحات اللامبالية بأرواح السوريين، فقفز وزير الخارجية الفرنسي إلى الواجهة عندما ضرب بكل المبادئ التي تتغنى فيها فرنسا حول حقوق الانسان عرض الحائط، وأعلن أنه "لا يجب التركيز على مصير بشار الأسد للتوصل إلى اتفاق سلام في سوريا".

لا ننتظر كسوريين عدالة من البشر، فالبشر الذين ينتمون للعالم المتحضر يمكنهم أن يتعاطفوا مع البطة، ومع كلب، ومع قطة، ومع كل الحيوانات، ولكنهم يشيحون بنظرهم عن 100 مدني سوري قتلوا اختناقاً، ولا يحاولون تشغيل فيديوهات انتشرت لأطفال فتحوا أعينهم قبل أن يختنقوا.

علينا كسوريين أن نعتذر منكم يا سادة، اعذورنا على موتنا الذي صدّع رؤوسكم، اعذرونا لأننا صدقنا كذبة حقوق الإنسان، اعذرونا لأننا لا نزال نموت على الهواء مباشرة منذ 6 سنوات، اعذرونا لأن داعش الذي ابتدعتموه أنتم وزرعتوه في بلدنا يقتلنا ويصلبنا، اعذرونا لأننا تحولنا لبشر نكره العالم، ولأننا لا نرتجف عندما يدهس سائق مجنون بضعة أشخاص في عالمكم المتحضر، ولأننا لن نبكي على قطة ماتت على قارعة الطريق.

نعتذر منكم، لأننا فقدنا مدننا، وهدمت بيوتنا، وتحولنا ليتامى وثكالى، ونعتذر منكم لأننا ننشر فيديوهات موتنا ونخدش مشاعركم، ونعتذر منكم لأننا نحمل جنسية ملعونة لأن ثمة هولاكو يحمل نفس الجنسية قرر وساعدتموه على إحراق الأخضر واليابس..
اخلعوا عنا تلك الجنسية يا سادة، ولن تسمعوا صراخنا بعد اليوم.

اقتلونا جميعاً ولن نضجركم بموتنا بعد اليوم، وأما خان شيخون شهيدة اليوم، فعليها أن تعتذر من الإعلام العربي والغربي، لأنها اقتحمت الأخبار واحتلت قنوات الأخبار.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٧
هزيمة التطرف مع بقاء بشار؟

ثمة وهم قاتل يتكوم الآن في عقل الإدارة الأميركية بخصوص الكارثة السورية٬ خلاصته٬ نحن لا شأن لنا ببقاء أو رحيل بشار الأسد ونظامه٬ ليست أولوية٬ المهمة الأميركية الرئيسية في سوريا٬ والعراق طبعا٬ هزيمة «داعش»... وبس!

وهم قاتل لأنه يختزل الأزمة بتسطيح مدمر٬ فبشار بنظامه٬ ليس مجرد عمدة بلدية٬ يأتي بالانتخاب٬ في كوبنهاغن أو سان فرنسيسكو٬ ويرحل بالانتخاب.

بشار الأسد بنظامه٬ معدن الفتنة٬ مصدر التطرف٬ منبع الطائفية٬ رحم التوتر٬ مصنع الأزمة٬ مغناطيس الإرهاب العابر للحدود.

رحيله أو ترحيله٬ هو المدخل الوحيد٬ لتطهير الجرح السوري المتقيح٬ تمهيدا للجراحة الصحيحة٬ فالنقاهة.

لولا بشار٬ حسن نصر الله٬ قاسم سليماني٬ قيس الخزعلي٬ مصطفى بدر الدين٬ جواد مغنية٬ طلال حمية٬ وأمثالهم من القتلة الطائفيين الشيعة٬ لما وجد العدناني والجولاني والبغدادي. لولا التدخل الروسي الجلف٬ لما تشكلت ألوية تحمل أسماء من التاريخ الساخن لبلاد الشام مثل الزنكي وصلاح الدين وغيرهما.

لذا فكلام المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر بتأييد تعليقات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون٬ والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي٬ حول عدم اهتمام إدارة الرئيس ترمب بمصير بشار الأسد٬ هو مدخل واضح لتجذير الكارثة السورية الأمنية٬ قبل الإنسانية والسياسية.

وزير الخارجية الأميركي تيلرسون كان قد قال٬ أنار الله بصيرته! إن «الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل الأسد». نفس كلام بشار عن نفسه!

السيناتور الجمهوري٬ جون ماكين٬ نقض هذا «الهراء» السياسي فقال بسخرية مرة: «إن السوريين لا يمكنهم تقرير مصير الأسد بينما هو ماض في ذبحهم».

فرح أنصار بشار ونصر الله وخامنئي وبوتين٬ بهذا الموقف الأميركي الجديد٬ كل على طريقته وثقافته٬ من هؤلاء٬ اللواء اللبناني الذائب في بشار٬ جميل السيد٬ فغّرد بتويتر: «أميركا: لم يعد يهّمنا إسقاط الأسد! ما رأي عملاء أميركا الصغار والكبار في لبنان والمنطقة؟!».

حتى لو أراد الغرب٬ بقيادة واشنطن٬ اختصار المعضلة السورية بملف أمني واحد هو «داعش»٬ فلن يفلح القوم في هزيمة «داعش»٬ وهم يصنعون المناخ الملائم لولادة دواعش أخر.

يعني حتى من باب الأمن٬ يجب إشعار الطرف السوري المقهور من ماكينة الإجرام الأسدية والإيرانية والروسية٬ أن العالم الغربي المتحضر يتفهم مأساته ويناصره فيها٬ حتى تكسب الحرب الأميركية ضد كل الجماعات المتأسلمة المسلحة «حضنا» شعبيا سوريا.

واضحة القصة!

سيكتشف تيلرسون ومعه نيكي هيلي ­ تحدثت مؤخرا بالأمم المتحدة عن حقوق الشعوب «المغدورة» ­ أن القصة ليست حنقا شخصيا ولا مؤامرة على «المقاوم» بشار... بل سعي لإنقاذ المشرق والعالم من «قدر» خطير.

اقرأ المزيد
٣ أبريل ٢٠١٧
الأجندة الإيرانية الثابتة

على الرغم من أنّ المفاوضات بين كل من أحرار الشام وجبهة تحرير الشام من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، في ما يتعلق بمبادلة سكان كفريا والفوعة في ريف إدلب بسكان الزبداني، في ريف دمشق، ليست جديدة، وقد كان هنالك اتفاق قبل قرابة عام لم ينفذ بين الطرفين، إلاّ أنّ توقيت عودة الإيرانيين إلى محاولة تنفيذ الصفقة يكشف جانباً مهماً من جوانب مشروعهم في سورية، وهو الهندسة الطائفية الديموغرافية.

ليس الحديث عن عملية التطهير الطائفي جديداً أيضاً، فقبل هذه المفاوضات، كان السلوك الإيراني بأسره في سورية يقوم على البعد الطائفي في الإحلال والاستبدال السكاني، إذ تم ترحيل سكان داريا، وبعض المناطق في ريف دمشق وبعض أحيائها، باتفاقيات مع المقاتلين السنة، بعد عملية تجويع وحصار وتدمير طويلة، وكذلك الحال في ما يتعلق باتفاق حي الوعر في حمص، بعد أن تم تهجير أغلب سكان المدينة السنة منها.

الجديد في المفاوضات الحالية، أنّ المنظور الإيراني أكثر سفوراً ووضوحاً فيها، إذ يتم مبادلة سكانٍ بأرض على أسسٍ طائفية، ما يكشف، في الجانب الآخر، التباين والاختلاف بين الأجندتين، الروسية والإيرانية، وحرص طهران على تثبيت نفوذها وقوتها عبر وقائع وحقائق جديدة على الأرض، لا يستطيع الروس أنفسهم تجاوزها، في حال توصلوا إلى تفاهماتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ مع الأميركيين على الأرض، ولا حتى النظام السوري، إذ إنّ السكان الجدد في سورية الجديدة، من أنصار حزب الله في لبنان وعائلاتهم، أو حتى من الجنسيات الأخرى، إيرانية وأفغانية وغيرها، يدينون بالولاء الكامل لطهران.

ليس ذلك فحسب، بل حتى عسكرياً تقوم طهران ببناء مليشيات في سورية، وتسليحها وتشكيلها، على غرار حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، بما يشكل قوةً ضاربةً على أرض الواقع، تعمل على ضمان مصالح طهران في سورية.

ليس الروس أغبياء، يدركون تماماً أن طهران التي دفعت كلفةً كبيرةً في سورية خلال الأعوام السابقة، مالياً وعسكرياً، لن تتخلى عن ذلك بسهولة. لذلك، سيتعايش الروس مع الأجندة الإيرانية في سورية، ويعملون على توزيع الأدوار وتنسيق المصالح المتبادلة، مع أخذ حصتهم من الكعكة التي سيكون الجزء الأكبر منها للإيرانيين في المناطق التي يسيطرون عليها مع النظام السوري.

يتمثل حلم طهران لتكريس نفوذهم في المنطقة في بناء خط استراتيجي من إيران إلى البحر المتوسط، مروراً بالعراق وسورية، وهو الخط الذي سيعتمد على عملية الهندسة الطائفية الجارية حالياً في دمشق وحمص، وصولاً إلى اللاذقية، وتواصل نفوذ حزب الله من لبنان إلى سورية.

نشرت صحيفة الغارديان، أخيراً، تقريراً صحافياً مطولاً عما تقوم به إيران حالياً من عملية تطهير طائفي في سورية، ومشروعها الذي تحدثنا عنه، وتحدّث التقرير عن التغييرات الجوهرية في هوية العاصمة دمشق نفسها ثقافياً من خلال حضور الرمزيات الشيعية والتغييرات السكانية.

هذا الاكتشاف الجديد، وللمفارقة، الذي يتزامن مع مفاوضات الزبداني- كفريا الفوعة، كان قد تحدث عنه سابقاً في مقال خطير مطوّل، المعارض السوري، برهان غليون، وعلى صفحات "العربي الجديد"، عندما كشف عن جوهر مخططات إعادة الإعمار في حمص ودمشق، التي تقوم أصلاً على مفهوم الهندسة الطائفية.

وجه المفارقة في الأمر أن غليون نشر مقالته في بداية سبتمبر/ أيلول 2015، في أثناء المحادثات الأولى بين حركة أحرار الشام والإيرانيين حينها حول الصفقة نفسها، الزبداني- كفريا الفوعة. وحينها تم تسريب بنود الاتفاق الذي رجحت التحليلات بعد ذلك أن النظام السوري، الذي لم يكن حاضراً خلال المفاوضات حينها، قام بتعطيله بطرق التفافية مختلفة، لكن تجديد الإيرانيين الحرص عليه يظهر بوضوح ثبات موقفهم وإصرارهم على رؤيتهم لمستقبل سورية، على الرغم من التدخل الروسي، والتحولات والمتغيرات الجارية، والإدارة الأميركية الجديدة.

في المحصلة، في جوار الأجندات الدولية والمفاوضات السياسية في جنيف وأستانة، هنالك مفاوضاتٌ أخرى، لا تقل أهميةً، بل تزيد، حول الترسيم الحقيقي لهوية سورية ومستقبلها ودوائر النفوذ.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان