١٣ أبريل ٢٠١٧
أعادت الضربة الصاروخية الأميركية لقاعدة الشعيرات الجوية الأزمة في سورية سنوات إلى الوراء، بعدما تمكنت موسكو خلال هذه الفترة من تفتيت الإجماع الغربي والعربي على رحيل بشار الأسد، عبر تقديم نفسها «راعياً» لتسوية متعددة المراحل لإنهاء الحرب بالتعاون مع المجتمع الدولي، بينما لم يتعدّ ما قامت به عمليًا تثبيت نظام دمشق ومنحه ركائز للاستمرار. لكن هذا «الحل» الوهمي سقط اليوم وسقطت معه خديعة الحياد الروسي.
نجح بوتين من خلال سلسلة مناورات أعقبت المذبحة الكيماوية في غوطة دمشق في 2013، في إقناع الأميركيين والغربيين، من دون كبير جهد، بأن التركيز على إزاحة الأسد لا يخدم الوصول إلى تسوية في سورية، مستفيداً من انفتاح أميركي مواز على إيران، الداعم الرئيس الآخر لنظام دمشق، والتي دفعت في اتجاه تحييد موقف واشنطن.
بعد الغوطة ووعيد أوباما، قدمت روسيا بديلاً للأميركيين تمثل في «تفكيك» الترسانة الكيماوية للنظام، وحصلت على تأييد إسرائيل التي ضغطت معها على واشنطن للقبول بهذا الخيار. ومع أنه تبين اليوم بوضوح أن هذا الاتفاق جاء ناقصاً لأنه جعل خبراء الأمم المتحدة يكتفون بالتعامل مع الجزء المعلن من الترسانة، إلا أنه شكل في وقته «خرقاً» استغلته موسكو إلى أقصى الحدود في تلميع صورة «الحل» الذي تدعي رعايته.
وثبت لاحقاً ان إيجابيتها اللفظية كانت مجرد تمهيد للتدخل العسكري المباشر بعدما شعرت بتلاشي قوة النظام وعجز الميليشيات الإيرانية المتعددة بمفردها عن تأمينه. وسرعان ما تبدى ان كل ما وعد الروس بإنجازه لم يتم وفق الصورة التي قدموه بها. فاتفاقات وقف اطلاق النار المتنقلة التي رعوها انهارت في كل مرة شعر النظام انه يستطيع استغلالها لتحقيق تقدم ما، وباتت سياستهم تقتصر على ايجاد تبريرات لخروقه. كذلك تبين «فشل» موسكو في منع عمليات التهجير الطائفية التي ساومت عليها ايران وجرت، ولا تزال تجري، تحت نظر الروس.
قال الروس انهم يتدخلون في سورية لتحقيق التسوية وإن من الضروري أن يرسلوا قواتهم ليمسكوا بزمام الأمور. وسرت تحليلات وتوقعات بتقليص الدور الإيراني، لكن ظهر على الأرض ان موسكو زادت تنسيقها مع طهران في تبادل مرسوم للأدوار، تمثل في شكل جلي في حصار حلب ثم اجتياحها، ثم محاولة «تصفير» المعارضة في جنيف ونزع الأوراق من يدها.
واستخدم الروس ايضاً شعار «محاربة الإرهاب» لإغراء الغربيين القلقين، وسعوا إلى ضم نظام دمشق الى التحالف الدولي ضد «داعش»، لكن تبين عمليًا انهم لا يقصدون بالإرهاب سوى المعارضة المشروعة للنظام.
أما اليوم، وبعد الاعتداء الكيماوي على خان شيخون، فقد عادت مسألة إطاحة الأسد الى الأولويات الغربية، وباتت روسيا نفسها متهمة إما بالتواطؤ وإما بالعجز وإما بالتحايل على العالم، فيما نظام دمشق مهدد في عاصمته، وما تبقى من جيشه منهك وغير قادر على خوض اي قتال من دون مساعدة «الحرس الثوري» و «حزب الله» وسائر المجموعات الإيرانية.
وإلى جانب عروض التعاون التي حملها وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو، هناك التلويح بفرض عقوبات جديدة اذا واصلت روسيا حماية الأسد والتمسك بدور له في مستقبل سورية، بعدما استنفد كل شرعية له منذ سنوات طويلة. اي ان الأميركيين وحلفاءهم يخيرون الروس بين الانضمام الى حل يقوم على تغيير النظام وبين عزلة لن يقووا على تحملها، بعدما تهاوى مع الضربة الأميركية الغطاءُ العسكري والسياسي للنظام الذي حاولت روسيا الإيهام بمناعته.
ومع أن موسكو لا تزال تملك أوراقاً للمراوغة والمساومة، إلا أنها تدرك أن المواجهة مع الأميركيين وحلفائهم في سورية ستكون مكلفة جداً لها، في مقابل الدفاع عن «استثمار» بائس جداً يدعى نظام الأسد.
١٢ أبريل ٢٠١٧
الاجتماعات الأخيرة ومحدودية الضربة الأمريكية الأخيرة، تجعل كل الاحتمالات مفتوحة بشأن مصير الأسد، وخاصة بعد إبلاغ الروس بالعمل قبل تنفيذ الهجوم على المطار، لتتم عملية الإخلاء قبل القصف.
فالحملة العسكرية الشرسة في الأيام القليلة الماضية، وقصف الطيران الخالي من السارين لم يتوقف بعدها، بل على العكس تماماً، لا يزال التصعيد هو السمة العامة للموقف الراهن، وكأن الأسد يقول للثوار بعد الضربة، إنهم يسمحون لي بقتلكم بكل أنواع الأسلحة من النابالم الحارق والخراطيم المتفجرة والارتجاجي والفوسفوري والعنقودي، إلا الكيميائي وهذا ما سأفعله، فانتظروا ردي عليكم نتيجة التوبيخ الأمريكي لي الذي تسببتم به أنتم.
ولذلك حذر الكثير من الناشطين في الداخل الأهالي من الانتقام الأسدي، والذي لم يتوقف أبداً، مما دفع الكثير للنزوح باتجاه المناطق الحدودية الأكثر أمناً، وارتفعت أجور المهربين لتركيا بشكل هائل، حتى وصلت حتى ال500 ألف ليرة سورية للشخص الواحد.
فلا يزال النظام يهدد خصومه، ويصفهم بالإرهابيين الذين سيقضي عليهم، يؤكد ذلك أيضاً، تصريحات حلفائه الذين اتهموا الثوار بمجزرة الكيميائي، وتخللها إصرارهم على دعمهم اللامحدود له.
ثم أكد ذلك ارتكاب الطيران الحربي السوري والروسي عدة مجازر في “سلقين وأورم الجوز وجسر الشغور” بأسلحة لا تراها الولايات المتحدة خطا أحمر، فنسفت الأسواق وأطبقت المباني على ساكنيها دون أي رادع، وكأن الأسد قد فهم الدرس جيداً، فابتعد عن خطوطهم الحمراء، وراح يتصرف بالساحة كما يشاء.
رغم الدعوات الأمريكية الجديدة لرحيل الأسد، تبقى السياسة الأمريكية متذبذبة، لأن المتوقع من التهديدات الأمريكية أكثر بكثير من صفعة على الرقبة، انتهى أثرها بسرعة دون حتى أن يسمع خصومه بها إلا من الإعلام الأمريكي، وقد حدثت بعد استئذان ولي أمره الروسي “بوتين”، والذي لم ينكر دعمه المطلق للأسد في وجه الإرهاب.
التناقض في سياسة ترامب مستمرة، بدأت منذ حملته الانتخابية، واستمرت بعد دخوله للبيت الأبيض.
واستمرارا التناقض في التصريحات إلى ما قبل التنفيذ الكيميائي، حين صرح مسؤول أمريكي أن إزاحة الأسد عن السلطة ليس من أولوياتنا.
ويظهر ذلك جلياً للسوريين، إذا قارنا تصريحاتهم عن النظام وبشار الأسد وداعش وعلاقته بروسيا.
بينما يواصل النظام والروس مع المليشيات الشيعية سياسة القتل والتدمير والتهجير على وتيرة واحدة، دون الالتفات للتصريحات الأمريكية المتذبذبة والمخادعة للحلفاء قبل الأعداء.
وسيبدأ اليوم أو غداً عملية إخلاء كل من “مضايا والزبداني” من ريف دمشق في مقابل إخلاء “كفريا والفوعة” من محافظة ادلب، وكأن النظام والروس لم يتبلغوا أي تهديد أو وعيد.
١٢ أبريل ٢٠١٧
وأخيراً... على رقعة الشطرنج السورية حركت واشنطن بيادقها، ففي خطوة لا تبدو وحيدة حتى الآن ولم تستغرق مدتها 30 دقيقة، تمكنت خلالها من قلب معادلة بذلت موسكو ومعها طهران منذ 6 سنوات مجهوداً حربياً وسياسياً من أجل فرضها، ونقلتهما من موقع الهجوم إلى الدفاع، موجهة لهما إنذاراً يبدو كأنه الأخير، إنذاراً يوجهه عادة لاعب الشطرنج عندما يقترب من حسم المباراة لصالحه، فيحذر خصمه أو منافسه بالقول: «كش ملك». فمنذ تاريخ 7 أبريل (نيسان) أصبحت موسكو وطهران مجبرتين على القيام بكل ما في وسعهما من أجل إزالة التهديد الجدي عن حجر الملك، حتى لا يخسرا المنافسة.
ميدانياً لم تغير صواريخ توماهوك الـ59 كثيراً من عقيدة واشنطن القتالية في سوريا، التي على الأرجح ستبقى في الوقت الراهن حذرة تتجنب الانغماس الميداني الواسع، على الرغم من جهوزية البنتاغون للقيام بضربات جديدة بحال اقتضت الحاجة لذلك، والحاجة لضربات جديدة لم تعد مقتصرة على استخدام السلاح الكيماوي فقط، بعدما أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترمب أوضح أنه في حال استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة مرة أخرى، فإنه مستعد للتحرك مجدداً في سوريا، وهو منطق غاب طويلاً عن مواقف صناع القرار في واشنطن، بحيث يمكن اعتباره بداية لتحول جذري في العقيدة السياسية للولايات المتحدة بعد باراك أوباما.
وعليه، فإن رسائل التوماهوك السياسية وصلت مباشرة للروس الذين لم يعد بإمكانهم بعد اليوم فرض رؤيتهم للحل في سوريا، فإصرار الكرملين عشية انعقاد قمة الدول الصناعية السبع في إيطاليا على اعتبار الحديث عن ضرورة رحيل بشار الأسد عن السلطة أمراً لن يساعد في الوصول إلى حل ينهي الملف السوري، لم يعد يلقى آذاناً صاغية في الغرب، وهو ما يمكن اعتباره من علامات التراجع الروسي في سوريا، الذي سينعكس سلباً على دور موسكو ومكانتها على المستوى الدولي، فقد حاول الكرملين استخدام سوريا منصة للتأسيس لنظام عالمي جديد تعترف واشنطن بتعدد أقطابه تحت سقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الذي تستغله موسكو من خلال امتلاكها حق النقض (الفيتو)، من أجل فرض إرادتها في القضايا الدولية، واستخدمته سلاحاً استراتيجياً من أجل تعطيل أغلب مشاريع القرارات الأممية التي كانت تدين الأسد، وهو الورقة التي سحبت من يدها بعد أن قررت إدارة ترمب عدم انتظار تصويت مجلس الأمن على 3 مشاريع قرارات قدمت حول خان شيخون، وقامت باستخدام القوة دون الرجوع إلى الأمم المتحدة، في مشهد يعيد إلى أذهان الروس مرحلة التسعينات وبداية الألفية الثانية حينما مارست واشنطن أحادية قطبية، مكنتها من فرض شروطها على المجتمع الدولي، وهو ما يمكن إعادة تكراره الآن في سوريا ولاحقاً في أوكرانيا، حيث لم يعد مستبعداً أن تعيد واشنطن الاعتبار لقراءتها لمقررات «جنيف1»، وتتجنب العمل بالقرار الأممي 2254 حول سوريا الذي تبنى حينها منطق موسكو للحل، هو ما يعتبر ضربة قاسية للدبلوماسية الروسية التي تراجعت أسهم نفوذها العالمية سريعاً لصالح واشنطن، بعد الترحيب الدولي والإقليمي بالضربة الأميركية للأسد من دول كانت حتى عشية الضربة تتماهى في مواقفها من الأزمة السورية ومستقبل الأسد مع موقف الكرملين.
في المقابل، تعلم طهران أنها المستهدف الأول عسكرياً وسياسياً من الصواريخ الأميركية، وأنها في ظل إدارة ترمب لا يمكن أن تحصل حتى ولو على جزء بسيط مما قد تحصل عليه موسكو في سوريا، حيث أجمعت كل الأطراف الدولية والإقليمية على ضرورة خروجها وميليشياتها من سوريا، وهي تفسر إصرار واشنطن على رفض وجود للأسد في مستقبل سوريا إلغاء كامل لنفوذها في هذا البلد، أما منع مشاركتها في الحرب على «داعش» إنهاء لكل الحجج التي ساقتها من أجل تبرير مشاركتها في الأزمة السورية، فيما يكمن قلقها الأكبر من أن تقبل موسكو التي هز التوماهوك هيبتها بالتسوية مع واشنطن على حساب تحالفها معها، وهي الخطوة التي تمهد لطردها من سوريا تحت ضغوط سياسية، ومن الممكن أن تكون عسكرية.
يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاهل وجود صديقه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في موسكو، ولكنه من المستحيل أن يستطيع تجاهل مواقفه التي سينقلها له وزير خارجيته سيرغي لافروف، وعلى الرغم من الليونة في تصريحاته التي سبقت وصوله، فإن تيلرسون يمثل الآن الجمهوريين المنتصرين في الحرب الباردة، ويعبر عن رؤيتهم لطبيعة العلاقة الجديدة مع موسكو، وهي رؤية مهما حاول تيلرسون تلطيفها، فإنها تحمل في طياتها التلويح بصواريخ «المنباد» والعقوبات الاقتصادية وسباق التسلح وتوسع «الناتو»، مما يجعل موسكو أكثر حرصاً على بيادقها وتحرك حجارتها لوقف تقدم الخصم، وتسخر كل خطواتها من أجل حماية ملكها أو مملوكها - وفقاً للتعبير القوقازي - على سوريا.
١٢ أبريل ٢٠١٧
منذ أن تولّى ترمب سدة الرئاسة بالولايات المتحدة، والعالم يراقب سلوك الرئيس الجديد المثير للجدل، وبرغم عدم الجدية الذي قوبل به من نجوم السينما، ومعلقي الشاشات، ومحللي السياسات، فإنه أثبت يوماً بعد يوم أنه رجل قوي، وضمن إدارة قوية، ويدير الملفات الشائكة بعمقٍ سياسي لافت، والأهم من ذلك عودته إلى القيم الأميركية الكلاسيكية.
حين وقعت الضربة الأميركية على مطار الشعيرات، انبعث قاموس أميركا الطبيعي، كالحفاظ على الأمن القومي، ومصالح أميركا الاستراتيجية، والدفاع عن المجتمعات ضد الطغاة... وسياسة «التدخل» جزء من سياسة أميركا، أن تحمي مصالح الولايات المتحدة، أو تتدخل للحفاظ على الأمن العالمي، فهي الأقدر على ضبط الإيقاع السياسي، لما تملكه من قوة، ولما تتمتع به من قيم.
كان التدخل الأميركي في منتصف القرن العشرين، يقوم على حماية الدول الحليفة ضد أي مد شيوعي، ومعروف خطاب أيزنهاور عام 1957 حين حذّر من تعرض الدول الحليفة بالشرق الأوسط، لأي عدوانٍ شيوعي، وتعهد باستعمال القوات المسلحة بشكلٍ مباشر بغية صد أي عدوان، وقد تدخّلت القوات الأميركية في لبنان عام 1958 من أجل تخفيف التوتر، في ظلّ ذلك الزخم لمبادئ أيزنهاور التاريخية، والدفاعية، والمباشرة، زار الملك السعودي الراحل سعود بن عبد العزيز، واشنطن في 30 يونيو (حزيران) 1957. يحلل الزيارة المؤرخ الفرنسي (جاك بونوا ميشان) في كتابه «الملك سعود - الشرق في زمن التحولات» معتبراً أنها جاءت بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر، الذي نجم عنه «أفول السيطرة البريطانية على سياسات المنطقة، وحليفتها فرنسا التي بدأت تواجه الثورة الجزائرية، وبدأ الاتحاد السوفياتي بدعم الأقطار العربية». كان البحث يتعلّق بموضوع «سد الفراغ» في المنطقة خصوصاً مع الزحف السوفياتي الموبوء، وتشجيعه لأطرافٍ على حساب أخرى، وكان من ضمن نتائج الزيارة التعهد بالدفاع الأميركي عن المصالح والحلفاء، وهكذا أثمرت المبادئ تدخل أميركا المثمر، لتحرير الكويت عام 1990.
تدخل أميركا في لبنان، أو البوسنة، وكوسوفو، وأفغانستان، وليبيا، واليمن، وسوريا ضروري من أجل إحلال السلام. لقد تميزت الخارجية الأميركية في أوقات الذروة السياسية، بأنها المتدخلة دائماً بالحرب من أجل صناعة السلام، أمطرت أميركا ميلوسوفيتش بالطائرات، وأرسلت المدافع الثقيلة، وفي الوقت نفسه أعطته توقيت الجلوس إلى الطاولة، وأُرغم على اتفاق «دايتون» في 14 ديسمبر (كانون الأول) 1995. لهذا نادى كبار الاستراتيجيين بالولايات المتحدة، بأن تستعيد أميركا تجربة اتفاق «دايتون»؛ الحرب على مفاصل النظام، ومنعه من التحرك بسهولة، وسحق قوته حتى ينصاع إلى الطاولة، ويأتي إلى اتفاق سياسي موضوعي، تنتهي فيه مأساة أمة، وشعب، ودولة.
خُلِّدت أسماء رؤساء أميركيين، لأنهم تدخلوا في الوقت المناسب، من أجل الحفاظ على مصالحهم وتمتين قوة حلفائهم، ففي بداية الحرب العالمية الثانية لم يكن روزفلت يرغب في التدخل، غير أن إصابة فرنسا وبريطانيا الحليفتين للولايات المتحدة، بمقتل، جعلته يدعم الدولتين بالسفن والعتاد، وحين قتل أكثر من ألفي أميركي، أعلن روزفلت دخول الولايات المتحدة الحرب، كانت أغلبية الأميركيين ضد التدخل «المغامر»، غير أنه من أنجح القرارات، التي اتخذها رئيس أميركي على الإطلاق، إذ شقّ الحلفاء طريقهم الممهدة إلى النصر، وتغير وجه العالم.
ضربة ترمب بغض النظر عن مستواها وتأثيرها، أو إمكانية تكرارها، إلا أن الأهم أننا شهدنا تغيراً في السلوك الأميركي بالتعاطي مع الأزمات الدولية، والنكبات الإنسانية، والأنظمة الشمولية الديكتاتورية، ولن يكون بوسع إيران العبث كما تشاء في المنطقة، كما في سنين أوباما العجاف، ولن يكون النظام السوري بمنأى عن المحاسبة، ولن يفلت الرئيس السوري من جرائمه عاجلاً أم آجلاً، ذلك أن أميركا المعتادة والطبيعية قد عادت. هذه هي أميركا، ولطالما ردد ترمب ومقربوه «زمن أوباما انتهى».
١٢ أبريل ٢٠١٧
يبدو أن الأيام القليلة القادمة ستشهد تطورات على أكثر من صعيد، بعد أن راهن الروس ومعهم الإيرانيون، ومن خلفهم بشار الأسد على انتصارهم في حلب، فاتضح أنه رهان فاشل بامتياز، فقد كانوا يظنون أن معركة حلب التي انتصروا فيها على فصائل المقاومة الشعبية هي مرحلة فاصلة من شأنها أن تقوي موقفهم على الأرض وعلى طاولة المفاوضات مع الثوار السوريين ليفرضوا ما يريدون، وكذلك على المستوى الإقليمي في المنطقة. هذا الوهم سرعان ما انكشف، واتضح لهم أن انتصار حلب ما هو إلا انتصار في معركة، وليس كسبًا لحرب؛ وأن تغيرات الواقع السياسي الجديد، قد خلط الأوراق، وغير المعادلات، وأعاد انتصارهم في حلب الذي استنزفهم كثيرًا، إلى المربع الأول، وكأن شيئًا لم يتغير على مسار الصراع. الكفة الآن، خاصة بعد حادثة الشعيرات، لم تعد كما كانت عليه.
فالروس لا يستطيعون عمليًا أن يواجهوا القوة الأمريكية العملاقة والضخمة التي تدخلت أخيرًا، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، ما يجعل الإمعان في المواجهة والتحدي ضربا من ضروب الانتحار عسكرياً وسياسياً، لذلك سيضطر الروس قطعا إلى الإذعان مرغمين للأمر الواقع، والذهاب إلى جنيف للتفاوض السياسي، ومواقفهم أضعف من أي وقت مضى؛ فمنظر الأطفال السوريين وهم يعانون من القذائف الكيماوية سيُخيم بلا شك على كواليس الاجتماعات بين الفريقين في جنيف.
وإذا سلمنا أن بقاء بشار ونظامه أصبح الآن شبه مستحيل بعد (غلطة) الشعيرات الكارثية. فإن الخاسر الكبير ليس الأسد فحسب، وإنما العدو الفارسي، ومعه ميليشياته المذهبية الشيعية، وفي مقدمتها حزب الله، التي تقاتل عنه بالوكالة. وهنا لا حاجة للتذكير أن الرئيس الأمريكي ترامب ومعه أغلب أعضاء إدارته، يعتبرون إيران، بعد داعش والنصرة، هم داعمو الإرهاب، ومن يمولونه، ويقفون خلفه، وقد أشاروا إلى ذلك في أكثر من تصريح. وجود إيران ومعها داعش والنصرة على الأرض السورية سيشكل بالنسبة للأمريكيين فرصة سانحة يجعل القضاء على الإرهاب المتأسلم، بشقيه السني والشيعي أمرًا ممكناً، بل وفي متناول اليد. روسيا -طبعًا- لن تضحي بعلاقاتها ومصالحها، ولن تستطيع إن أرادت مواجهة الآلة العسكرية الأمريكية العملاقة؛ لذلك فليس لدي أدنى شك أن العدو الفارسي المتغطرس سيتجرع الكأس ذاته الذي تجرعه الخميني حين أذعن في الثمانينيات من القرن الماضي للسلام مع العراق مرغمًا.
نقطة هامة جاءت في سياق تداعيات ضربة مطار الشعيرات، كانت من العراق، حيث صرح رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بتصريح هام طالب فيه الرئيس السوري بشار الأسد بالتنازل وتجنيب سوريا تبعات كارثية، كما طالب في التصريح ذاته الميليشيات الأجنبية بالانسحاب من سوريا. التصريح طبعًا كان المقصود به إيران، وغني عن القول إن الصدر لم يكن ليجروء على هذا التصريح لولا أنه قرأ المأزق الحقيقي الذي يحاصر العدو الفارسي، خاصة وأن الصدر ومعه المرجع السيد السيستاني يعتبران من البقية الباقية من رجال الدين الشيعة اللذين قاوما بقوة ثقافة الولي الفقيه، التي من خلاله يتمدد ملالي الفرس في المنطقة، وخاصة العراق، الذي يعاني من نفوذ إيراني يمس السيادة الوطنية.
لذلك كله فإنني أعتقد أن محاصرة إيران قد بدأت بالفعل، وأن الغطرسة الفارسية هي حتمًا في طريقها للأفول.
١٢ أبريل ٢٠١٧
يتسابق كل من هيئة تحرير الشام و أحرار الشام ، على نشر صور الأسرى المحررين من قبضة المليشيات الشيعية الارهابية المتمركزة في كفريا و الفوعة ، و يتبادلان أدوار التبني و النجاح في احلال عقدة طالما كانت عصية عن الحل .
من المتوقع أن يبلغ الصراع على النصر أشده ، مع بدأ اطلاق سراح الـ ١٥٠٠ معتلقة في سجون الأسد ، ضمن الاتفاق “السري” الذي تم بين المذكورين أعلاه و ايران بذاتها بوساطة قطرية ، ينص كما يرغب المبرومون إظهاره إلى افراغ كفريا و الفوعة بشكل كامل ، مع افراغ نسبي لمضايا و بقين و بطبيعة الحال القلة التي بقيت في الزبداني ، مع اطلاق سراح ١٥٠٠ معتقلة في سجون الأسد ، اضافة إلى بعض البنود التي اخذت مكانها في الهامش كاخلاء مخيم اليرموك من مقاتلي فتح الشام ، وايقاف لاطلاق النار في جنوب دمشق و ادخال مساعدات ، نقطة انتهى المراد نشره و التركيز عليه مع تحديد سويات التركيز للمتلقي و المتابع و للشعب بأسره، فبعد هذه النقطة يجب أن نغلق العقول و نكتفي بهذا القدر .
يدخل اتفاق “الفوعة - مضايا” ، داخل مثلث البرمودا السري الخاص بالاتفاقات التي تمت وتتم بعيداً عن الأعين ، و لا نشهد منها إلا بضع الرتوش التي يرغب بها أن تكون واضحة ، وغير ذلك لا يجوز الاقتراب أو الانتقاد ، و لا يحق لك السؤال بدأ من اخلاء أحياء حمص القديمة و مروراً صفقة راهبات معلولا ، وتعريجاً على كامل سلسلات التهجير ، وصولاً إلى اخلاء مدينة حلب و حاليا كفريا و الفوعة و مضايا و الزبداني ، تلك الاتفاقات لايعرف ماذا حدث و يحدث ، ما تتضمنه الأوراق الصفراء المخبئة في ثناياها من البضاعة الفعلية التي تم تبادلها و حصل كل طرف عليها ، فهنا يكون قد تجاوزت الخطوط الحمراء التي تضعك بقوائم الخونة الأقذار .
ليت الفصائل التي تسابقت اليوم و أمس و سنشهدها بالغد ، تتسابق على التوضيح و كشف ما يحدث وما تم الاتفاق عليه ، اذا ما ركزنا السؤال على الاتفاق الجاري تنفيذه ، ومع ضيق مساحات التجاوب معنا لابد من طرحت التساؤلات على الملئ دون أن نملك اجابة عنها ، و أبرز ما يجول بالخاطر:
- من الذين سيتم اطلاق سراحهم خارج الحدود الجغرافية لسوريا (الأسرى القطريين لدى المليشيات الشيعية في العراق) ؟
- كم البدل النقدي الذي سيحصل عليه المتصارعون على تبني الانتصار (تحرير الشام - أحرار الشام )؟
- من أعد قوائم المعتقلين و كم عدد المقربين من قيادات متبني الاتفاق و الذين يتمتعون بحظوة وفرصة للخروج ؟
- لماذا الاصرار على تنفيذ الاتفاق رغم التأكيدات بأنه لايحظى بأي قبول من أي جهة .. وحتى من روسيا التي تقصف كدين
ادلب الداخلة في الهدنة ؟
- ماهو مصير المناطق التي سينسحب منها عناصر تحرير الشام في مخيم اليرموك ؟
- من القيادي الذي يرغبون باحضاره إلى سوريا ضمن الصفقة ؟
- من الضامن لهذا الاتفاقية ومن سيوقف روسيا اذا ما كسرت الاتفاق و لاسيما بالهدنة الممدة على مدى تسعة أشهر .. وماذا بعد انتهائها؟
- من الذي منح هؤلاء الصلاحيات لابرام هكذا اتفاق .. وكيف تتم عملية التفاوض العابرة للحدود ؟
- ماهو دو الفصيلين (تحرير الشام - أحرار الشام ) ، هل هو تنفيذي أو اداة بمقابل مادي؟
بالحتم سيكون هناك سيل من الانتقادات للتساؤلات التي طرحتها آنفاً ، فأنا هنا أقف موقف مخالف لما يدعمه المُفتين و أنغص عي المنتصرين نشوتهم .
١١ أبريل ٢٠١٧
كان واضحاً منذ بداية السنة الثانية للثورة السورية أن أرض الشام تحوّلت إلى ملعب دولي، تتصارع فيه المليشيات المسلحة لصالح قوى دولية، أو إن شئت الدقة تحوّلت الثورة إلى مشروع لتدمير الدولة السورية، وجاءت رسائل واضحة وصريحة من روسيا أنها لن تفرّط بموطئ قدّمها الوحيد في هذه المنطقة الملتهبة، وكانت الصين متماهية تماماً مع الروس، ربما لمصالحها الخاصة، أو نكاية بالإمبراطورية الأمريكية، وخصوصاً أن بوتين شعر أنه أخذ على حين غرة في ليبيا، علاوة على حلمه الأزلي بإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، وقد ساهم وجود رئيس أمريكي يجنح للسلام، ومتردد، في استئساد الزعيم الروسي بوتين، ومن المسلم به أنه لم يكن هناك توافق شخصي (كمستري) من أي نوع بين زعيمي القطبين الكبيرين.
جاءت الفرصة تتهادى للرئيس أوباما ليتدخل في سوريا، وذلك قبل أربع سنوات، بعد أن استخدم النظام السوري أسلحة كيماوية، راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء، وقد شعر العالم أن أمريكا ستنهي هذه الأزمة، التي لم يشهد العالم مثيلاً لوحشيتها، سواء من قبل النظام، أو من قبل الميليشيات الإرهابية، ولكن أوباما تراجع في اللحظة الأخيرة عن خطوطه الحمراء، بعد أن تم إقناعه بأن النظام السوري تخلّص من أسلحته المحرَّمة دولياً! ولو كان أوباما المتردد جاداً في التدخل، لفعل ذلك، بغض النظر عن أي معطيات أخرى، وخصوصاً أن سوريا أصبحت ميداناً لأعتى تنظيمات الإرهاب، مثل حزب الله وداعش، كما أصبحت مرتعاً لكل أشكال التدخل الإيراني، وغني عن القول أن هذا الموقف الضعيف لأوباما، والذي أغضب حلفاء أمريكا حول العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، جعل إيران ووراءها روسيا يشعران أنهما أمام قيادة أمريكية ضعيفة ومترددة، وبالتالي فقد ضاعفا تدخلهما في الشأن السوري، حتى أصبح تجوال جنرالات إيران على الأرض السورية أمراً مألوفاً.
أوباما رئيس مثقف ومتابع لأدق التفاصيل، ومع ذلك لم يكن تراجعه عن التدخل في سوريا نتيجة لخطة إستراتيجية، أو مصلحة أمريكا عليا، فهو يعلم أهمية وجود قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، تتدخل عند الضرورة، لتعيد التوازن والأمن لهذا العالم، متى ما اقتضت الضرورة ذلك، وأي ضرورة أكبر من أن يقتل سفاح شعبه بالأسلحة المحظورة، ولكن حسابات أوباما كانت شخصية بحتة، فتدخله في سوريا سيغضب إيران، وهو لا يقدر على تحمّل ذلك، فإيران هي نافذته الوحيدة للحصول على مجد شخصي، ولم يكن هناك في سجله أي إنجاز يسجّله التاريخ، إلا الاتفاق النووي، والذي انتدب له رفيق ملالي إيران، ووزير خارجيته،جون كيري، وقد نجح الاثنان في تسجيل إنجاز تاريخي لأوباما، على حساب هيبة أمريكا، وحلفائها التاريخيين، ودماء الأبرياء في سوريا، ثم رحل أوباما، وجاء الرئيس ترمب، والأزمة السورية لا تزال قائمة، وهذا سيكون موضوع مقالنا القادم.
١١ أبريل ٢٠١٧
يجري الحديث عن تحالف دولي قادم لا محالة… لكن السؤال!
من المستهدف الأول؟
تكهنات عدة وسيناريوهات معقدة تخيم على الوضع السوري، وما ستظهر عليه الخارطة في المرحلة القادمة، بعد دخول الصراع على الكعكة السورية نفقاً أخراً فَجّره “ترامب” بعدة صواريخ “توماهوك” قصف بها مطار “الشعيرات”، الذي خرجت منه الطائرة المزودة بالكيميائي فأسقطت غاز الأعصاب فوق المناطق السكنية في بلدة “خان شيخون”، حينها فقد الرجال والنساء والأطفال على حد سواء السيطرة على أعصابهم، واستسلموا للتشنج، ثم بدأت رغوة من الفم والأنف، فقتلت ما يقارب السبعين شخصاً في تلك البلدة الواقعة في الريف الجنوبي لمحافظة ادلب.
لم تمض إلا ليال قليلة حتى يقتل بعدها الطيار “الحاصوري”، المتهم بتنفيذ الهجوم بعبوة كما صرح ناشطون: قوات الاسد تغتال العميد الطيار “محمد يوسف الحاصوري” منفذ مجزرة الكيماوي في خان شيخون بتفجير استهدف سيارته.
وهي عملية يعتمدها هذا الحلف دائماً، للتخلص من أداة الجريمة، فيخفي الفاعل وهوية الآمر الناهي بمثل تلك الجرائم.
فيما يبدو أن “ترامب” قد اختار طريقاً آخراً، لم يسلكه سلفه أوباما في البحث عن التعاون مع الروس لحل الأزمة السورية، وفق المصالح فلم تعد تجدي مع هذا النظام ترقيع “أستانة” أو تلميع “جنيف”.
ثم ألغى بعدها وزير الخارجية البريطاني “بوريس جونسون”، زيارته المقررة إلى العاصمة الروسية (موسكو) الاثنين المقبل، بعد تأزم العلاقة بين البلدين، وعلق قائلاً: “نأسف لاستمرار روسيا في الدفاع عن نظام الأسد، حتى بعد هجوم الأسلحة الكيماوية على المدنيين الأبرياء”.
ويذكر أيضاً أن اجتماعاً قريباً سيعقد مع الدول السبعة لدراسة عقوبات على بوتين ذاته، كردة فعل مناسبة لجريمة حرب ارتكبت منذ أيام بعد سلسلة من الجرائم فعلها هذا المعسكر في دمشق منذ أغسطس 2013م، والتي أسفرت عن مقتل 1400 شخص شرقي دمشق.
والذي توسطت بعده روسيا، لإزالة مخزونات الأسلحة الكيميائية من سوريا كما يدعون، ويتراجع أوباما بعدها عن التصعيد العسكري ويبدأ البحث عن الحل السياسي، لتكشف الحادثة الأخيرة عن خدعة وقع فيها المجتمع الدولي تشرف عليها روسيا.
ووجود القوات والأسلحة الروسية في مطار الشعيرات يثبت تورطها، حيث كان يرفع العلم السوري للمويه لا أكثر.
شكلت الضربات الأمريكية الأخيرة نقطة تحول في الثورة السورية، والوعد بضربات أكثر تأثيراً، كتهديدات مباشرة تمس حلفاء الأسد وخاصة بعد اتهام روسيا بالمشاركة أو الإشراف على العمليات الأخيرة.
يستمر الوضع السوري بالتدهور، ملايين من الشهداء والأسرى والمشردين، ولا يزال السبب بتلك المآسي موجوداً، ألا وهو الأسد.
فهل سيكون الحل بعد القضاء على “داعش” هو تقسيم الكعكة واحتفاظ كل دولة بقواعدها العسكرية ومواقع نفوذها.
أم هدف الضربات إضعاف النظام وإجباره على الانتقال السياسي، بعد تعزيز الدور الأمريكي في المنطقة ودعم فصائل المعارضة عن طريق غرفها في الأردن وتركيا لفرض مناطق آمنة.
في كل الأحوال فإن إيران ستشكل العائق الأكبر في تحقيق أي هدف حتى لروسيا، وهي التي اعتمدت على مليشياتها في التقدم على الأرض فكيف سيتم ارضاءها من تلك الكعكة الدسمة.
لا شك أن الأمر سيزداد تعقيداً، وهو لن يكون بسهولة كتابة الدراسات ورسم الخرائط المستقبلية، لأن الأغلبية “السنية” لا تزال تتوزع على مساحات واسعة، رغم كل ما لحق بها من دمار وقتل وتشريد وحصار وهي تملك إلى الآن زمام المبادرة؛ متى تلقت قليلا من الدعم لتحقق نتائج جيدة حتى بالقرب من العاصمة دمشق.
١٠ أبريل ٢٠١٧
منذ عام 2013، وبعد الواقعة الشهيرة، تنافس الأميركان والروس في التستُّر على بشار الأسد في قصفه للشعب السوري بالكيماوي، والواقع أنَّ الجهات الدولية ما ركَّزت على هذه المسألة إما لصعوبة الإثبات أو للاعتقاد بأنَّ الاهتمام عبثٌ ولا داعي له، لكنَّ خبيراً فرنسياً قال لي إنَّ تلك المؤسَّسات لم تقصِّر في «التوثيق»، وإنَّ المتابعة قد تتمُّ لاحقاً عندما يكونُ ذلك ممكناً!
يقول «الموثقون» إنَّ مرات استخدام الكيماوي في سوريا تزيد على المائة، وإنَّ الضحايا يزيدون على سبعة الآلاف، أكثر من نصفهم أطفال، لكن لماذا يستخدم الأسد هذا السلاح، وبإصرار، رغم أنَّ أصدقاءه لا ينصحونه بذلك؟ يختلف الخبراء في ذلك، فيذكرون أنَّ قنابل الطائرات والمدفعية والبراميل المتفجرة توقع أيضاً خسائر كبيرة، لكنَّ الكيماوي وسيلة أسرع في الإرعاب والتهجير، فهو أقلُّ كلفةً من الحصارات والتجويع، ثم إنَّ هناك مناطق نائية لا يمكن حصارها، وبسبب السمعة المُريعة للكيماوي، فإنَّ استعماله أدعى للهجرة السريعة، وقد سمعتُ خبيراً دولياً يذكر أنَّ الكيماوي من أغراضه إبطال قصة المناطق الآمنة، فالهجرة إلى تركيا أو الأردن أو لبنان ما عادت ممكنةً تقريباً، وقد صارت مناطق إدلب والأُخرى التي فتحتها قوات «درع الفرات» شبه آمنة أو أنها أفضل حالاً من جبال القلمون وريف دمشق والجنوب، لذلك لا بد من الإرغام على الهجرة إلى الخارج مجدداً، باعتبار أنه لا مناطق آمنة بداخل سوريا، حتى للذين استسلموا أو «صالحوا»، لأنَّ مصيرهم التهجير أيضاً!
قال الروس (وهم لا يأبهون لما يقولونه لأنهم لا يحسبون للمستقبل حساباً باعتبارهم دولةً عظمى!): إنَّ الطائرات السورية قصفت مخزناً للمواد السامة التي اختزنتها المعارضة (!). وعندما قيل لهم: لكنَّ ذلك محرَّمٌ دولياً كذلك، أي قصف مخزن الكيماوي في مناطق آهلة بالسكان، أجابوا: إنَّ ذلك حصل خطأً! لماذا هذه الاستماتة في الدفاع عن جرائم النظام إن كان الروس يريدون حلاً سياسياً بالفعل؟ لقد بدأ الدوليون القدامى والجدد (إدارة ترامب) يسلّمون ببشار الأسد، وما عاد الأتراك بعيدين عن ذلك، وعندما وقع الكيماوي الأخير ما جرؤ أردوغان في مخاطبته لبوتين إلا على القول إنه يخشى نتيجة ذلك على مصير اجتماعات أستانة. وقالت وسائل الإعلام التركية والعربية: الخوف على أستانة وجنيف معاً! الظاهر أنَّ الروس واثقون من استسلام الأوروبيين والأميركيين.. والعرب. إنما حتى لو كان ذلك صحيحاً: ما الداعي لهذا الإصرار على استخدام الكيماوي، ولماذا لا يمنع الروس النظام السوري من ذلك حتى لا يضطروا للدفاع عنهم بهذه الاستماتة؟!
تتعرض إدارة ترامب، وهي ما تزال شديدة الهشاشة والتقلب، لتجارب قاسية ومربكة في كل مكان، ولا يرجع ذلك إلى عدم الخبرة أو الحيرة بين الأسد والإرهاب، بل وإلى «سياسات المواربة» التي اتَّبعها أوباما في قضايا كثيرة، وأهمها قضية دمار الدول والمجتمعات في المشرق العربي، فقد بدا انتقامياً من الناس والمسؤولين العرب، لأنه اعتبرهم مسؤولين عن الإرهاب، ولأنه اعتبر أنه يُرضي الإيرانيين والروس ويستخدمهم في هذه المهام القذرة، وقد فعلوا ذلك بحماس شديد كأنما عندهم ثأر قديم على الناس في سوريا والعراق، لكنَّ أوباما في مقابل ذلك ما استطاع إقناعهم بمقاتلة الإرهاب بالفعل. لذلك استخدم الأكراد في سوريا، وعاد للجيش العراقي (وحتى لـ«الحشد الشعبي»!) بالعراق. السؤال الآن: ماذا سيفعل الأميركان؟ وماذا سيفعل العرب؟!
بالاتفاق بين روسيا وتركيا وإيران، جرى اختراع مسار جديد هو مسار أستانة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار. وجرى تهميش المسار السياسي في جنيف. وما ثبت وقف النار والتهجير والقتل والكيماوي، فكلها ما تزال مستمرة. وذهب الطرفان إلى جنيف مرتين حتى الآن، والروس والإيرانيون يميِّعون كل شيء، ويقفون في ذلك مع بشار الجعفري.
لقد صرنا بالفعل نحن العرب عبئاً على أطفالنا ونسائنا، وما عاد الصبر ولا التسويغ ممكناً أو يمكن تسويغه، وكفانا احتجاجاً بأننا نجرؤ على الحركة حتى لا نتهم بالإرهاب. لا بد من التدخل في سوريا بأي ثمن، لحماية الشعب السوري من التهجير والقتل والإبادة.
١٠ أبريل ٢٠١٧
الأجدر ببشار الأسد، ومعه كاهن الفرس المقدس «علي خامنئي»، بأن يتحسّسا طول أُذُنيهما، عندما أقدما بحمق منقطع النظير على مجزرة (خان شيخون)، تلك الجريمة الشنيعة الحمقاء، التي أدت إلى استفزاز العالم من أقصاه إلى أقصاه، خاصة الولايات المتحدة، ورئيسها الشجاع «دونالد ترمب»، فانقلبت بسببها المعادلة، ومعها قواعد اللعبة في سوريا، رأسا على عقب؛ وأصبح بشار وبقاؤه في الرئاسة، أمرا محسوما، لن يستطيع حتى الروس الدفاع عنه، لأسباب موضوعية، وتحوّل هذا الوحش المغفل القميء، إلى جنازة تنتظر أن توارى التراب.
أزمة سوريا برمتها قبل قصف مطار الشعيرات، تختلف تماما عنها بعد القصف؛ فقد أحدث 59 صاروخا (توما هوك) قادمة من بارجتين أمريكيتين في البحر الأبيض المتوسط، إلى تغيير جوهري في موازين اللعبة، أدت فيما أدت إليه إلى أن أصبح بشار الأسد عمليا خارج إطار المفاوضات التي ستبدأ قريبا في جنيف، للاتفاق على حل سياسي للأزمة السورية الدامية.
أمريكا اليوم تدخل بقوة إلى ميدان الصراع والتجاذبات في الأزمة السورية، بموقفها (الجديد) المعلن، وفحواه: (ألا مكان لطاغية دمشق في أي حل سياسي مستقبلي)؛ وغني عن القول إن أمريكا إذا اتخذت موقفا، وجدت أن بواعثه تتعلق بأمنها القومي، فلن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تقف ضدها.
ما فات على «بشار»، وكاهن الفرس «خامنئي» قراءته جيدا، أن ترامب إذا قال فعل، وأنه ليس أوباما، فاتخذا بقصف (خان شيخون) القرار الخاطئ في الزمن الخاطئ، حيث يتربع على عرش أمريكا الرئيس ترامب، وليس الرعديد المتردد باراك أوباما، الذي مسح بسمعة أمريكا، وهيبتها البلاط؛ فكان الرد مزلزلا، من شأنه أن يكون له على أرض الواقع عدة تبعات على أكثر من صعيد.
الضربة الصاروخية الأمريكية الخاطفة تحمل رسائل ذات مغزى لأكثر من طرف؛ أهمها رسالة لروسيا، فحواها أنها تجاوزت حجمها الحقيقي، وتوهمت أن (الاتحاد السوفييتي)، عاد من جديد، وتقمصت دوره حين كانت هيبته وجبروته ملء السمع والبصر، وصدقت الوهم، حتى جاءتها الصواريخ الأمريكية فجرا لتوقظها من أوهامها وأحلامها، وتعيدها في بضع ساعات إلى حجمها الحقيقي. الرسالة الثانية لإيران الملالي ومعها ميلشيات حزب الله، وأن عربدتهم في المنطقة زمن أوباما انتهت، وليس ثمة إلا الرد الحاسم الحازم والمدمر. الرسالة الثالثة لنظام الأسد، بأن التهرب من حلول الأزمة السورية سياسيا، سيفاقم من أزمته، ويزيد من مآزقه، ولن تستطيع لا روسيا ولا إيران حمايته من الغضب الأمريكي المزلزل، في عهد هذا الرئيس الجديد. الرسالة الخامسة لرئيس كوريا الشمالية الذي هو نسخة آسيوية من بشار، ولا بد من كبح جماحه. الرسالة الأخيرة، والمطمئنة لحلفاء أمريكا وأصدقائها، أن عهد «أوباما» الغابر مضى إلى غير رجعة، وأن عهدا جديدا ملؤه الوفاء للحلفاء، وردع الأعداء، قد بدأ فعلا.
قصف (خان شيخان) بالكيماوي، يبدو أنه حفر عدة قبور لكثير ممن ظنوا أن ترامب ليس إلا أوباما، يقول في الصباح قولا ويتراجع عنه في المساء، كما كان الراحل إلى مزبلة التاريخ أوباما. إنها الحقيقة التي غيرت تماماً كثيراً من المعادلات على الأرض السورية الجريحة.
إلى اللقاء
١٠ أبريل ٢٠١٧
حتماً فوجئ كثيرون في الغرب والشرق، وفوجئت دول وشعوب بالهجمة العسكريَّة الشرسة التي تلقّاها الوضع السوري برمّته، ومباشرة من الرئيس الأميركي الجديد الذي ملأ بحضوره وخطبه وتصريحاته، فضلاً عن تهديداته، القارات الخمس.
وركَّز الاهتمام الدولي، للمرّة الأولى ومنذ سنوات، على البيت الأبيض والرئيس دونالد ترامب الذي شغل العالم بكل ما يصدر عنه من قرارات ومواقف، سواءً في اتجاه الداخل الأميركي أم عَبْر البحار والصحاري.
ولكن، لا بدَّ من الانتظار قبل الخوض في أبعاد ونتائج وأهداف هذه الضربة التي لم تكن متوقّعة أو مُحتملة بالنسبة إلى كثيرين من المسؤولين والخبراء الأميركيّين، كما بالنسبة إلى رؤساء وقادة ودول كبرى في العالم أجمع.
والانتظار في هذا الصدد يعني التريُّث أيضاً على صعيد الداخل اللبناني، وخصوصاً لجهة مأزق الاستحقاق النيابي، وقانون الانتخاب، وفترة التمديد، وما قد يكون رابضاً خلف الأكمة وخلف المحاولات غير الطبيعيّة التي أدَّت إلى هذه "العقدة"، وما قد يستتبعها...
ومَنْ يدري، فقد تكون "الضربة" مجرَّد إنذار، أو مجرّد رسالة أوليَّة تخبّئ في أبعادها وطيَّاتها رسائل مُتعدَّدة، لا يقتصر تأثيرها على الوضع السوري "المجرّد"، بل يشمل كل الدول والقوى التي غمَّست يدها في صحن النظام ورئيسه.
إذاً، لا بدَّ أيضاً من إعطاء "الحالة اللبنانيّة" المُحاطة بعلامات الاستفهام والتعجُّب، ناهيك بموجات القلق والحذر من الأعظم، إجازة قصيرة، ريثما تنكشف المواقف الدوليَّة المؤثّرة والمتأثّرة من "رسالة" الرئيس ترامب، وبأسلوب وتوقيت وحجم قويّ الصدى والمضمون...
في العودة إلى الهمّ اللبناني المحشور في زاوية الاستحقاق النيابي، يكتشف بعض المخضرمين "رغبات صامتة" لدى فريق من اللبنانيّين... قد يتردّد في تجربة قلب الطاولة الانتخابية لفترة طويلة، وعلى غرار ما تسربل به الاستحقاق الرئاسي، وعلى رؤوس الأشهاد، ومن غير اهتمام بتدخُّل وساطة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ودزّينة من الدول الأوروبيّة والعربيّة.
ولِمَ لا يتأثَّر الوضع العربي بكل أزماته، في حال إكمال ترامب ما بدأه بموقف أكثر صلابة ووضوحاً، سواءً على الصعيد السياسي أم الصعيد الذي امتطته الرسالة الأولى؟
الأسئلة انهمرت أمس من كل حدب وصوب: ماذا تقول روسيا، وماذا عند إيران من ردود فعل، وماذا عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، على سبيل المثال؟
بل ماذا عن النظام السوري وحلفائه؟
١٠ أبريل ٢٠١٧
بعيداً عن صخب الإدانة «القومية» التكاذبية. بعيداً عن التباكي على «سيادة» مشكوك في وجودها منذ تحوّلت سوريا إلى صندوق بريد إقليمي ودولي. وبعيداً عن جعل حق الإنسان بالعيش، بل بمجرد التنفّس، في أسفل الأولويات التي تثرثر بـ«ممانعة» زائفة و«عروبة» فولكلورية...
بعيداً عن كل ذلك، ينبغي القول إن المسؤول الأول عن تعرّض تراب سوريا للانتهاك هو مَن لم يؤتمن عليه يوماً، ولم يُقِم لسلامة المواطن وكرامته وزناً.
أنا لست من محبّذي الاستقواء بالأجنبي. وحتماً، لست من الشامتين بنكساتنا وهزائمنا. ولا من الداعين إلى اغتصاب أراضينا، وتشريع أبواب ما يفترض أن تكون «أوطاننا»، لا معتقلات مخصّصة لتدجين الناس وإذلالهم، أمام الأجانب.
إطلاقاً. أنا ممّن تؤلمهم كثيراً «نزهات» الطيران الحربي الأجنبي - من كل الجنسيات - فوق ديار العرب، التي سلبها من أهلها بعض أهلها... لا «العدو الغاصب» الذي هاجمناه لفظاً لقرابة 70 سنة. ويسوءني جداً عجز هؤلاء «البعض» عن التصدّي له، بينما يتقنون بحكم العادة والوراثة التصدي للمواطن المسكين عندما يهبّ للمطالبة بأبسط حقوقه الإنسانية.
بعد الضربات الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص، التي كانت لسنوات خلت من منصات الموت المصبوب على مدن سوريا وقراها، سمعت أصواتاً عربية مستنكرة، تتصرّف على أساس أن القتل بشتى الأسلحة خير وسيلة لـ«التحاور» مع الاحتجاجات. والأدعى إلى السخرية تصوير هذه الأصوات الضربة الأميركية على أنها:
أولاً، اعتداء على «سيادة» سوريا، وكأن سوريا تبدأ وتنتهي بنظام يساوم حتى في هذه اللحظة مع قوى على ترتيبات تقسيمها وفرزها دينياً ومذهبياً وعرقياً، ويرعى عملية تبادل سكاني ممنهجة برعاية دولية.
وثانياً، أنها «عقاب» للنظام على «وقوفه ضد احتلال إسرائيل لفلسطين»، كما أتحفتنا بالأمس الدكتورة بثينة شعبان.
الحقيقة، أن ثمة علاقة تبادل منافع مشبوهة بين النظام السوري وداعميه (على رأسهم إيران) من جهة، وتنظيم داعش وأمثاله من الجماعات المتطرفة التي لم تؤمن أساساً بانتفاضة الشعب السوري، ولم تناضل في صفوفها، بل قاتلتها وعملت على شرذمتها وتفجيرها من الداخل في كل مناسبة.
هذه الصورة كانت متوافرة للولايات المتحدة والدول الغربية. واشنطن، بالذات، كانت تعرف كثيراً عن الوضع السوري إبان حكم الرئيس السابق باراك أوباما، غير أن أولويات أوباما كانت في مكان آخر.
كان التفاهم الاستراتيجي مع إيران في رأس اعتباراته. وفي هذا السبيل كان مستعداً - على رأس أركان إدارته ومستشاريه - للتضحية بالشعب السوري، وبحلفاء واشنطن وأصدقائها في الشرق الأوسط، من أجل إرضاء طهران، وتركها تتمدد في المشرق العربي من جبال زاغروس إلى شاطئ المتوسط الشرقي، ومن مياه الخليج إلى مضيق باب المندب.
على امتداد 6 سنوات من عمر «الانتفاضة الثورة»، وبالذات منذ 3 سنوات منذ انكشاف حقيقة موقف أوباما، تلقى نظام بشار الأسد وداعموه في طهران وموسكو كل الطمأنة اللازمة لكي يصعّد عسكرياً، ولا سيما في ظل استمرار:
أولاً، رفض واشنطن فرض «ملاذات آمنة» و«مناطق حظر طيران» لردع النظام وحماية المدنيين المهجّرين والنازحين، على وقع استخدام روسيا والصين «الفيتو» تلو «الفيتو» ضد اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات لمنع النظام من قتل الناس.
ثانياً، رفضها بإصرار، رغم المناشدات المتكرّرة، تقديم السلاح النوعي المطلوب لمواجهة ترسانة النظام، المخدومة عبر جسر جوي دائم من موسكو.
ثالثاً، رفضها اتخاذ أي موقف جدّي حازم من التدخل العلني النشط للميليشيات التابعة لإيران، التي أسهمت في مفاقمة الاستقطاب الطائفي وغذّت نوازع الإحباط واليأس، وبالتالي، التطرّف... في نفوس المواطنين.
رابعاً، رفضها دعم خيارات الاعتدال والانفتاح داخل الانتفاضة السورية عبر الإجراءات آنفة الذكر، ثم التذرّع - بعد ذلك - بأن المعارضة «عاجزة»... عن مواجهة النظام. وبعدها العمل على تشجيع الميليشيات الانفصالية، ليس على حساب وحدة أراضي سوريا فحسب، بل أيضاً وحدة أراضي جاراتها، وبالأخص، تركيا.
خامساً، رفضها التحسّب، ثم التصدي للتدخل الروسي المباشر الذي بات اليوم حقيقة واقعة في مناطق متعددة من سوريا. ولقد أسهم هذا التدخل في مضاعفة محنة التهجير - ولا سيما بعد مأساة حلب - وإعطاء هذه المحنة أبعاداً دولية انعكست مآسي إنسانية وصعوداً لتيارات اليمين العنصري المعادي للأجانب في أوروبا.
بناءً عليه، أدت إدارة باراك أوباما، التي امتنعت حتى عن «ردع» الأسد، إلى تشجيع طهران وموسكو على تولّي زمام المبادرة في الشرق الأوسط، وإضعاف مواقف قوى كانت ترى في الولايات المتحدة صديقاً إن لم يكن حليفاً. والمؤلم في الأمر، أن هذه السياسة السلبية جعلت الكلفة الإنسانية والسياسية في سوريا باهظة، وإمكانية تغليب لغة الاعتدال على التطرف ضعيفة. ومن هنا، يمكن القول إن لجوء الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترمب إلى قصف المطار الذي انطلق منه أخيراً الطيران الحربي حاملاً الغازات السامة لأهالي خان شيخون، يشكل بداية ردع.
كل ما كان مطلوباً من واشنطن أيام أوباما «الردع» الذي لم يأتِ. ردع آلة الموت والتهجير ورُعاتها ومحرّكيها.
وهذا يعني أنه لا يجوز أن تظل الضربة ردة فعل عابرة، بل يجب أن تكون مقدمة لاستراتيجية حقيقية، تتعامل بواقعية وصراحة مع قوى ثبت بالدليل القاطع أنها لا تقيم وزناً للحوار والتفاهم والتعايش وحقوق الإنسان.
لقد واصل نظام الأسد وداعموه مسلسل القتل، خصوصاً بعد إعلان واشنطن أن إزاحته ما عادت أولوية لها. وهذا يعني أنه لا نفع يرتجى من أي حوار معه. إذ لا يمكن القضاء على التطرف الداعشي إلا عبر دعم خيار الاعتدال، ولا فرصة أمام الاعتدال إلا بإزاحة من استغل غول التطرف، ودفع المظلوم واليائس إلى السكوت عنه.
باختصار، إنهاء هذا النظام ليس مطلوباً «كرمى لعيون» دونالد ترمب، بل احتراماً لذكرى الأطفال حمزة الخطيب ووسيم زكّور وإيلان الكردي وآية وأحمد عبد الحميد اليوسف... واحتراماً لدموع عمران دقنيش... وآلام كل أم وأب وأخت وأخ على امتداد سوريا.