يبدو أن الأيام القليلة القادمة ستشهد تطورات على أكثر من صعيد، بعد أن راهن الروس ومعهم الإيرانيون، ومن خلفهم بشار الأسد على انتصارهم في حلب، فاتضح أنه رهان فاشل بامتياز، فقد كانوا يظنون أن معركة حلب التي انتصروا فيها على فصائل المقاومة الشعبية هي مرحلة فاصلة من شأنها أن تقوي موقفهم على الأرض وعلى طاولة المفاوضات مع الثوار السوريين ليفرضوا ما يريدون، وكذلك على المستوى الإقليمي في المنطقة. هذا الوهم سرعان ما انكشف، واتضح لهم أن انتصار حلب ما هو إلا انتصار في معركة، وليس كسبًا لحرب؛ وأن تغيرات الواقع السياسي الجديد، قد خلط الأوراق، وغير المعادلات، وأعاد انتصارهم في حلب الذي استنزفهم كثيرًا، إلى المربع الأول، وكأن شيئًا لم يتغير على مسار الصراع. الكفة الآن، خاصة بعد حادثة الشعيرات، لم تعد كما كانت عليه.
فالروس لا يستطيعون عمليًا أن يواجهوا القوة الأمريكية العملاقة والضخمة التي تدخلت أخيرًا، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، ما يجعل الإمعان في المواجهة والتحدي ضربا من ضروب الانتحار عسكرياً وسياسياً، لذلك سيضطر الروس قطعا إلى الإذعان مرغمين للأمر الواقع، والذهاب إلى جنيف للتفاوض السياسي، ومواقفهم أضعف من أي وقت مضى؛ فمنظر الأطفال السوريين وهم يعانون من القذائف الكيماوية سيُخيم بلا شك على كواليس الاجتماعات بين الفريقين في جنيف.
وإذا سلمنا أن بقاء بشار ونظامه أصبح الآن شبه مستحيل بعد (غلطة) الشعيرات الكارثية. فإن الخاسر الكبير ليس الأسد فحسب، وإنما العدو الفارسي، ومعه ميليشياته المذهبية الشيعية، وفي مقدمتها حزب الله، التي تقاتل عنه بالوكالة. وهنا لا حاجة للتذكير أن الرئيس الأمريكي ترامب ومعه أغلب أعضاء إدارته، يعتبرون إيران، بعد داعش والنصرة، هم داعمو الإرهاب، ومن يمولونه، ويقفون خلفه، وقد أشاروا إلى ذلك في أكثر من تصريح. وجود إيران ومعها داعش والنصرة على الأرض السورية سيشكل بالنسبة للأمريكيين فرصة سانحة يجعل القضاء على الإرهاب المتأسلم، بشقيه السني والشيعي أمرًا ممكناً، بل وفي متناول اليد. روسيا -طبعًا- لن تضحي بعلاقاتها ومصالحها، ولن تستطيع إن أرادت مواجهة الآلة العسكرية الأمريكية العملاقة؛ لذلك فليس لدي أدنى شك أن العدو الفارسي المتغطرس سيتجرع الكأس ذاته الذي تجرعه الخميني حين أذعن في الثمانينيات من القرن الماضي للسلام مع العراق مرغمًا.
نقطة هامة جاءت في سياق تداعيات ضربة مطار الشعيرات، كانت من العراق، حيث صرح رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بتصريح هام طالب فيه الرئيس السوري بشار الأسد بالتنازل وتجنيب سوريا تبعات كارثية، كما طالب في التصريح ذاته الميليشيات الأجنبية بالانسحاب من سوريا. التصريح طبعًا كان المقصود به إيران، وغني عن القول إن الصدر لم يكن ليجروء على هذا التصريح لولا أنه قرأ المأزق الحقيقي الذي يحاصر العدو الفارسي، خاصة وأن الصدر ومعه المرجع السيد السيستاني يعتبران من البقية الباقية من رجال الدين الشيعة اللذين قاوما بقوة ثقافة الولي الفقيه، التي من خلاله يتمدد ملالي الفرس في المنطقة، وخاصة العراق، الذي يعاني من نفوذ إيراني يمس السيادة الوطنية.
لذلك كله فإنني أعتقد أن محاصرة إيران قد بدأت بالفعل، وأن الغطرسة الفارسية هي حتمًا في طريقها للأفول.
يتسابق كل من هيئة تحرير الشام و أحرار الشام ، على نشر صور الأسرى المحررين من قبضة المليشيات الشيعية الارهابية المتمركزة في كفريا و الفوعة ، و يتبادلان أدوار التبني و النجاح في احلال عقدة طالما كانت عصية عن الحل .
من المتوقع أن يبلغ الصراع على النصر أشده ، مع بدأ اطلاق سراح الـ ١٥٠٠ معتلقة في سجون الأسد ، ضمن الاتفاق “السري” الذي تم بين المذكورين أعلاه و ايران بذاتها بوساطة قطرية ، ينص كما يرغب المبرومون إظهاره إلى افراغ كفريا و الفوعة بشكل كامل ، مع افراغ نسبي لمضايا و بقين و بطبيعة الحال القلة التي بقيت في الزبداني ، مع اطلاق سراح ١٥٠٠ معتقلة في سجون الأسد ، اضافة إلى بعض البنود التي اخذت مكانها في الهامش كاخلاء مخيم اليرموك من مقاتلي فتح الشام ، وايقاف لاطلاق النار في جنوب دمشق و ادخال مساعدات ، نقطة انتهى المراد نشره و التركيز عليه مع تحديد سويات التركيز للمتلقي و المتابع و للشعب بأسره، فبعد هذه النقطة يجب أن نغلق العقول و نكتفي بهذا القدر .
يدخل اتفاق “الفوعة - مضايا” ، داخل مثلث البرمودا السري الخاص بالاتفاقات التي تمت وتتم بعيداً عن الأعين ، و لا نشهد منها إلا بضع الرتوش التي يرغب بها أن تكون واضحة ، وغير ذلك لا يجوز الاقتراب أو الانتقاد ، و لا يحق لك السؤال بدأ من اخلاء أحياء حمص القديمة و مروراً صفقة راهبات معلولا ، وتعريجاً على كامل سلسلات التهجير ، وصولاً إلى اخلاء مدينة حلب و حاليا كفريا و الفوعة و مضايا و الزبداني ، تلك الاتفاقات لايعرف ماذا حدث و يحدث ، ما تتضمنه الأوراق الصفراء المخبئة في ثناياها من البضاعة الفعلية التي تم تبادلها و حصل كل طرف عليها ، فهنا يكون قد تجاوزت الخطوط الحمراء التي تضعك بقوائم الخونة الأقذار .
ليت الفصائل التي تسابقت اليوم و أمس و سنشهدها بالغد ، تتسابق على التوضيح و كشف ما يحدث وما تم الاتفاق عليه ، اذا ما ركزنا السؤال على الاتفاق الجاري تنفيذه ، ومع ضيق مساحات التجاوب معنا لابد من طرحت التساؤلات على الملئ دون أن نملك اجابة عنها ، و أبرز ما يجول بالخاطر:
- من الذين سيتم اطلاق سراحهم خارج الحدود الجغرافية لسوريا (الأسرى القطريين لدى المليشيات الشيعية في العراق) ؟
- كم البدل النقدي الذي سيحصل عليه المتصارعون على تبني الانتصار (تحرير الشام - أحرار الشام )؟
- من أعد قوائم المعتقلين و كم عدد المقربين من قيادات متبني الاتفاق و الذين يتمتعون بحظوة وفرصة للخروج ؟
- لماذا الاصرار على تنفيذ الاتفاق رغم التأكيدات بأنه لايحظى بأي قبول من أي جهة .. وحتى من روسيا التي تقصف كدين
ادلب الداخلة في الهدنة ؟
- ماهو مصير المناطق التي سينسحب منها عناصر تحرير الشام في مخيم اليرموك ؟
- من القيادي الذي يرغبون باحضاره إلى سوريا ضمن الصفقة ؟
- من الضامن لهذا الاتفاقية ومن سيوقف روسيا اذا ما كسرت الاتفاق و لاسيما بالهدنة الممدة على مدى تسعة أشهر .. وماذا بعد انتهائها؟
- من الذي منح هؤلاء الصلاحيات لابرام هكذا اتفاق .. وكيف تتم عملية التفاوض العابرة للحدود ؟
- ماهو دو الفصيلين (تحرير الشام - أحرار الشام ) ، هل هو تنفيذي أو اداة بمقابل مادي؟
بالحتم سيكون هناك سيل من الانتقادات للتساؤلات التي طرحتها آنفاً ، فأنا هنا أقف موقف مخالف لما يدعمه المُفتين و أنغص عي المنتصرين نشوتهم .
كان واضحاً منذ بداية السنة الثانية للثورة السورية أن أرض الشام تحوّلت إلى ملعب دولي، تتصارع فيه المليشيات المسلحة لصالح قوى دولية، أو إن شئت الدقة تحوّلت الثورة إلى مشروع لتدمير الدولة السورية، وجاءت رسائل واضحة وصريحة من روسيا أنها لن تفرّط بموطئ قدّمها الوحيد في هذه المنطقة الملتهبة، وكانت الصين متماهية تماماً مع الروس، ربما لمصالحها الخاصة، أو نكاية بالإمبراطورية الأمريكية، وخصوصاً أن بوتين شعر أنه أخذ على حين غرة في ليبيا، علاوة على حلمه الأزلي بإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، وقد ساهم وجود رئيس أمريكي يجنح للسلام، ومتردد، في استئساد الزعيم الروسي بوتين، ومن المسلم به أنه لم يكن هناك توافق شخصي (كمستري) من أي نوع بين زعيمي القطبين الكبيرين.
جاءت الفرصة تتهادى للرئيس أوباما ليتدخل في سوريا، وذلك قبل أربع سنوات، بعد أن استخدم النظام السوري أسلحة كيماوية، راح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء، وقد شعر العالم أن أمريكا ستنهي هذه الأزمة، التي لم يشهد العالم مثيلاً لوحشيتها، سواء من قبل النظام، أو من قبل الميليشيات الإرهابية، ولكن أوباما تراجع في اللحظة الأخيرة عن خطوطه الحمراء، بعد أن تم إقناعه بأن النظام السوري تخلّص من أسلحته المحرَّمة دولياً! ولو كان أوباما المتردد جاداً في التدخل، لفعل ذلك، بغض النظر عن أي معطيات أخرى، وخصوصاً أن سوريا أصبحت ميداناً لأعتى تنظيمات الإرهاب، مثل حزب الله وداعش، كما أصبحت مرتعاً لكل أشكال التدخل الإيراني، وغني عن القول أن هذا الموقف الضعيف لأوباما، والذي أغضب حلفاء أمريكا حول العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، جعل إيران ووراءها روسيا يشعران أنهما أمام قيادة أمريكية ضعيفة ومترددة، وبالتالي فقد ضاعفا تدخلهما في الشأن السوري، حتى أصبح تجوال جنرالات إيران على الأرض السورية أمراً مألوفاً.
أوباما رئيس مثقف ومتابع لأدق التفاصيل، ومع ذلك لم يكن تراجعه عن التدخل في سوريا نتيجة لخطة إستراتيجية، أو مصلحة أمريكا عليا، فهو يعلم أهمية وجود قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، تتدخل عند الضرورة، لتعيد التوازن والأمن لهذا العالم، متى ما اقتضت الضرورة ذلك، وأي ضرورة أكبر من أن يقتل سفاح شعبه بالأسلحة المحظورة، ولكن حسابات أوباما كانت شخصية بحتة، فتدخله في سوريا سيغضب إيران، وهو لا يقدر على تحمّل ذلك، فإيران هي نافذته الوحيدة للحصول على مجد شخصي، ولم يكن هناك في سجله أي إنجاز يسجّله التاريخ، إلا الاتفاق النووي، والذي انتدب له رفيق ملالي إيران، ووزير خارجيته،جون كيري، وقد نجح الاثنان في تسجيل إنجاز تاريخي لأوباما، على حساب هيبة أمريكا، وحلفائها التاريخيين، ودماء الأبرياء في سوريا، ثم رحل أوباما، وجاء الرئيس ترمب، والأزمة السورية لا تزال قائمة، وهذا سيكون موضوع مقالنا القادم.
يجري الحديث عن تحالف دولي قادم لا محالة… لكن السؤال!
من المستهدف الأول؟
تكهنات عدة وسيناريوهات معقدة تخيم على الوضع السوري، وما ستظهر عليه الخارطة في المرحلة القادمة، بعد دخول الصراع على الكعكة السورية نفقاً أخراً فَجّره “ترامب” بعدة صواريخ “توماهوك” قصف بها مطار “الشعيرات”، الذي خرجت منه الطائرة المزودة بالكيميائي فأسقطت غاز الأعصاب فوق المناطق السكنية في بلدة “خان شيخون”، حينها فقد الرجال والنساء والأطفال على حد سواء السيطرة على أعصابهم، واستسلموا للتشنج، ثم بدأت رغوة من الفم والأنف، فقتلت ما يقارب السبعين شخصاً في تلك البلدة الواقعة في الريف الجنوبي لمحافظة ادلب.
لم تمض إلا ليال قليلة حتى يقتل بعدها الطيار “الحاصوري”، المتهم بتنفيذ الهجوم بعبوة كما صرح ناشطون: قوات الاسد تغتال العميد الطيار “محمد يوسف الحاصوري” منفذ مجزرة الكيماوي في خان شيخون بتفجير استهدف سيارته.
وهي عملية يعتمدها هذا الحلف دائماً، للتخلص من أداة الجريمة، فيخفي الفاعل وهوية الآمر الناهي بمثل تلك الجرائم.
فيما يبدو أن “ترامب” قد اختار طريقاً آخراً، لم يسلكه سلفه أوباما في البحث عن التعاون مع الروس لحل الأزمة السورية، وفق المصالح فلم تعد تجدي مع هذا النظام ترقيع “أستانة” أو تلميع “جنيف”.
ثم ألغى بعدها وزير الخارجية البريطاني “بوريس جونسون”، زيارته المقررة إلى العاصمة الروسية (موسكو) الاثنين المقبل، بعد تأزم العلاقة بين البلدين، وعلق قائلاً: “نأسف لاستمرار روسيا في الدفاع عن نظام الأسد، حتى بعد هجوم الأسلحة الكيماوية على المدنيين الأبرياء”.
ويذكر أيضاً أن اجتماعاً قريباً سيعقد مع الدول السبعة لدراسة عقوبات على بوتين ذاته، كردة فعل مناسبة لجريمة حرب ارتكبت منذ أيام بعد سلسلة من الجرائم فعلها هذا المعسكر في دمشق منذ أغسطس 2013م، والتي أسفرت عن مقتل 1400 شخص شرقي دمشق.
والذي توسطت بعده روسيا، لإزالة مخزونات الأسلحة الكيميائية من سوريا كما يدعون، ويتراجع أوباما بعدها عن التصعيد العسكري ويبدأ البحث عن الحل السياسي، لتكشف الحادثة الأخيرة عن خدعة وقع فيها المجتمع الدولي تشرف عليها روسيا.
ووجود القوات والأسلحة الروسية في مطار الشعيرات يثبت تورطها، حيث كان يرفع العلم السوري للمويه لا أكثر.
شكلت الضربات الأمريكية الأخيرة نقطة تحول في الثورة السورية، والوعد بضربات أكثر تأثيراً، كتهديدات مباشرة تمس حلفاء الأسد وخاصة بعد اتهام روسيا بالمشاركة أو الإشراف على العمليات الأخيرة.
يستمر الوضع السوري بالتدهور، ملايين من الشهداء والأسرى والمشردين، ولا يزال السبب بتلك المآسي موجوداً، ألا وهو الأسد.
فهل سيكون الحل بعد القضاء على “داعش” هو تقسيم الكعكة واحتفاظ كل دولة بقواعدها العسكرية ومواقع نفوذها.
أم هدف الضربات إضعاف النظام وإجباره على الانتقال السياسي، بعد تعزيز الدور الأمريكي في المنطقة ودعم فصائل المعارضة عن طريق غرفها في الأردن وتركيا لفرض مناطق آمنة.
في كل الأحوال فإن إيران ستشكل العائق الأكبر في تحقيق أي هدف حتى لروسيا، وهي التي اعتمدت على مليشياتها في التقدم على الأرض فكيف سيتم ارضاءها من تلك الكعكة الدسمة.
لا شك أن الأمر سيزداد تعقيداً، وهو لن يكون بسهولة كتابة الدراسات ورسم الخرائط المستقبلية، لأن الأغلبية “السنية” لا تزال تتوزع على مساحات واسعة، رغم كل ما لحق بها من دمار وقتل وتشريد وحصار وهي تملك إلى الآن زمام المبادرة؛ متى تلقت قليلا من الدعم لتحقق نتائج جيدة حتى بالقرب من العاصمة دمشق.
منذ عام 2013، وبعد الواقعة الشهيرة، تنافس الأميركان والروس في التستُّر على بشار الأسد في قصفه للشعب السوري بالكيماوي، والواقع أنَّ الجهات الدولية ما ركَّزت على هذه المسألة إما لصعوبة الإثبات أو للاعتقاد بأنَّ الاهتمام عبثٌ ولا داعي له، لكنَّ خبيراً فرنسياً قال لي إنَّ تلك المؤسَّسات لم تقصِّر في «التوثيق»، وإنَّ المتابعة قد تتمُّ لاحقاً عندما يكونُ ذلك ممكناً!
يقول «الموثقون» إنَّ مرات استخدام الكيماوي في سوريا تزيد على المائة، وإنَّ الضحايا يزيدون على سبعة الآلاف، أكثر من نصفهم أطفال، لكن لماذا يستخدم الأسد هذا السلاح، وبإصرار، رغم أنَّ أصدقاءه لا ينصحونه بذلك؟ يختلف الخبراء في ذلك، فيذكرون أنَّ قنابل الطائرات والمدفعية والبراميل المتفجرة توقع أيضاً خسائر كبيرة، لكنَّ الكيماوي وسيلة أسرع في الإرعاب والتهجير، فهو أقلُّ كلفةً من الحصارات والتجويع، ثم إنَّ هناك مناطق نائية لا يمكن حصارها، وبسبب السمعة المُريعة للكيماوي، فإنَّ استعماله أدعى للهجرة السريعة، وقد سمعتُ خبيراً دولياً يذكر أنَّ الكيماوي من أغراضه إبطال قصة المناطق الآمنة، فالهجرة إلى تركيا أو الأردن أو لبنان ما عادت ممكنةً تقريباً، وقد صارت مناطق إدلب والأُخرى التي فتحتها قوات «درع الفرات» شبه آمنة أو أنها أفضل حالاً من جبال القلمون وريف دمشق والجنوب، لذلك لا بد من الإرغام على الهجرة إلى الخارج مجدداً، باعتبار أنه لا مناطق آمنة بداخل سوريا، حتى للذين استسلموا أو «صالحوا»، لأنَّ مصيرهم التهجير أيضاً!
قال الروس (وهم لا يأبهون لما يقولونه لأنهم لا يحسبون للمستقبل حساباً باعتبارهم دولةً عظمى!): إنَّ الطائرات السورية قصفت مخزناً للمواد السامة التي اختزنتها المعارضة (!). وعندما قيل لهم: لكنَّ ذلك محرَّمٌ دولياً كذلك، أي قصف مخزن الكيماوي في مناطق آهلة بالسكان، أجابوا: إنَّ ذلك حصل خطأً! لماذا هذه الاستماتة في الدفاع عن جرائم النظام إن كان الروس يريدون حلاً سياسياً بالفعل؟ لقد بدأ الدوليون القدامى والجدد (إدارة ترامب) يسلّمون ببشار الأسد، وما عاد الأتراك بعيدين عن ذلك، وعندما وقع الكيماوي الأخير ما جرؤ أردوغان في مخاطبته لبوتين إلا على القول إنه يخشى نتيجة ذلك على مصير اجتماعات أستانة. وقالت وسائل الإعلام التركية والعربية: الخوف على أستانة وجنيف معاً! الظاهر أنَّ الروس واثقون من استسلام الأوروبيين والأميركيين.. والعرب. إنما حتى لو كان ذلك صحيحاً: ما الداعي لهذا الإصرار على استخدام الكيماوي، ولماذا لا يمنع الروس النظام السوري من ذلك حتى لا يضطروا للدفاع عنهم بهذه الاستماتة؟!
تتعرض إدارة ترامب، وهي ما تزال شديدة الهشاشة والتقلب، لتجارب قاسية ومربكة في كل مكان، ولا يرجع ذلك إلى عدم الخبرة أو الحيرة بين الأسد والإرهاب، بل وإلى «سياسات المواربة» التي اتَّبعها أوباما في قضايا كثيرة، وأهمها قضية دمار الدول والمجتمعات في المشرق العربي، فقد بدا انتقامياً من الناس والمسؤولين العرب، لأنه اعتبرهم مسؤولين عن الإرهاب، ولأنه اعتبر أنه يُرضي الإيرانيين والروس ويستخدمهم في هذه المهام القذرة، وقد فعلوا ذلك بحماس شديد كأنما عندهم ثأر قديم على الناس في سوريا والعراق، لكنَّ أوباما في مقابل ذلك ما استطاع إقناعهم بمقاتلة الإرهاب بالفعل. لذلك استخدم الأكراد في سوريا، وعاد للجيش العراقي (وحتى لـ«الحشد الشعبي»!) بالعراق. السؤال الآن: ماذا سيفعل الأميركان؟ وماذا سيفعل العرب؟!
بالاتفاق بين روسيا وتركيا وإيران، جرى اختراع مسار جديد هو مسار أستانة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار. وجرى تهميش المسار السياسي في جنيف. وما ثبت وقف النار والتهجير والقتل والكيماوي، فكلها ما تزال مستمرة. وذهب الطرفان إلى جنيف مرتين حتى الآن، والروس والإيرانيون يميِّعون كل شيء، ويقفون في ذلك مع بشار الجعفري.
لقد صرنا بالفعل نحن العرب عبئاً على أطفالنا ونسائنا، وما عاد الصبر ولا التسويغ ممكناً أو يمكن تسويغه، وكفانا احتجاجاً بأننا نجرؤ على الحركة حتى لا نتهم بالإرهاب. لا بد من التدخل في سوريا بأي ثمن، لحماية الشعب السوري من التهجير والقتل والإبادة.
الأجدر ببشار الأسد، ومعه كاهن الفرس المقدس «علي خامنئي»، بأن يتحسّسا طول أُذُنيهما، عندما أقدما بحمق منقطع النظير على مجزرة (خان شيخون)، تلك الجريمة الشنيعة الحمقاء، التي أدت إلى استفزاز العالم من أقصاه إلى أقصاه، خاصة الولايات المتحدة، ورئيسها الشجاع «دونالد ترمب»، فانقلبت بسببها المعادلة، ومعها قواعد اللعبة في سوريا، رأسا على عقب؛ وأصبح بشار وبقاؤه في الرئاسة، أمرا محسوما، لن يستطيع حتى الروس الدفاع عنه، لأسباب موضوعية، وتحوّل هذا الوحش المغفل القميء، إلى جنازة تنتظر أن توارى التراب.
أزمة سوريا برمتها قبل قصف مطار الشعيرات، تختلف تماما عنها بعد القصف؛ فقد أحدث 59 صاروخا (توما هوك) قادمة من بارجتين أمريكيتين في البحر الأبيض المتوسط، إلى تغيير جوهري في موازين اللعبة، أدت فيما أدت إليه إلى أن أصبح بشار الأسد عمليا خارج إطار المفاوضات التي ستبدأ قريبا في جنيف، للاتفاق على حل سياسي للأزمة السورية الدامية.
أمريكا اليوم تدخل بقوة إلى ميدان الصراع والتجاذبات في الأزمة السورية، بموقفها (الجديد) المعلن، وفحواه: (ألا مكان لطاغية دمشق في أي حل سياسي مستقبلي)؛ وغني عن القول إن أمريكا إذا اتخذت موقفا، وجدت أن بواعثه تتعلق بأمنها القومي، فلن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تقف ضدها.
ما فات على «بشار»، وكاهن الفرس «خامنئي» قراءته جيدا، أن ترامب إذا قال فعل، وأنه ليس أوباما، فاتخذا بقصف (خان شيخون) القرار الخاطئ في الزمن الخاطئ، حيث يتربع على عرش أمريكا الرئيس ترامب، وليس الرعديد المتردد باراك أوباما، الذي مسح بسمعة أمريكا، وهيبتها البلاط؛ فكان الرد مزلزلا، من شأنه أن يكون له على أرض الواقع عدة تبعات على أكثر من صعيد.
الضربة الصاروخية الأمريكية الخاطفة تحمل رسائل ذات مغزى لأكثر من طرف؛ أهمها رسالة لروسيا، فحواها أنها تجاوزت حجمها الحقيقي، وتوهمت أن (الاتحاد السوفييتي)، عاد من جديد، وتقمصت دوره حين كانت هيبته وجبروته ملء السمع والبصر، وصدقت الوهم، حتى جاءتها الصواريخ الأمريكية فجرا لتوقظها من أوهامها وأحلامها، وتعيدها في بضع ساعات إلى حجمها الحقيقي. الرسالة الثانية لإيران الملالي ومعها ميلشيات حزب الله، وأن عربدتهم في المنطقة زمن أوباما انتهت، وليس ثمة إلا الرد الحاسم الحازم والمدمر. الرسالة الثالثة لنظام الأسد، بأن التهرب من حلول الأزمة السورية سياسيا، سيفاقم من أزمته، ويزيد من مآزقه، ولن تستطيع لا روسيا ولا إيران حمايته من الغضب الأمريكي المزلزل، في عهد هذا الرئيس الجديد. الرسالة الخامسة لرئيس كوريا الشمالية الذي هو نسخة آسيوية من بشار، ولا بد من كبح جماحه. الرسالة الأخيرة، والمطمئنة لحلفاء أمريكا وأصدقائها، أن عهد «أوباما» الغابر مضى إلى غير رجعة، وأن عهدا جديدا ملؤه الوفاء للحلفاء، وردع الأعداء، قد بدأ فعلا.
قصف (خان شيخان) بالكيماوي، يبدو أنه حفر عدة قبور لكثير ممن ظنوا أن ترامب ليس إلا أوباما، يقول في الصباح قولا ويتراجع عنه في المساء، كما كان الراحل إلى مزبلة التاريخ أوباما. إنها الحقيقة التي غيرت تماماً كثيراً من المعادلات على الأرض السورية الجريحة.
إلى اللقاء
حتماً فوجئ كثيرون في الغرب والشرق، وفوجئت دول وشعوب بالهجمة العسكريَّة الشرسة التي تلقّاها الوضع السوري برمّته، ومباشرة من الرئيس الأميركي الجديد الذي ملأ بحضوره وخطبه وتصريحاته، فضلاً عن تهديداته، القارات الخمس.
وركَّز الاهتمام الدولي، للمرّة الأولى ومنذ سنوات، على البيت الأبيض والرئيس دونالد ترامب الذي شغل العالم بكل ما يصدر عنه من قرارات ومواقف، سواءً في اتجاه الداخل الأميركي أم عَبْر البحار والصحاري.
ولكن، لا بدَّ من الانتظار قبل الخوض في أبعاد ونتائج وأهداف هذه الضربة التي لم تكن متوقّعة أو مُحتملة بالنسبة إلى كثيرين من المسؤولين والخبراء الأميركيّين، كما بالنسبة إلى رؤساء وقادة ودول كبرى في العالم أجمع.
والانتظار في هذا الصدد يعني التريُّث أيضاً على صعيد الداخل اللبناني، وخصوصاً لجهة مأزق الاستحقاق النيابي، وقانون الانتخاب، وفترة التمديد، وما قد يكون رابضاً خلف الأكمة وخلف المحاولات غير الطبيعيّة التي أدَّت إلى هذه "العقدة"، وما قد يستتبعها...
ومَنْ يدري، فقد تكون "الضربة" مجرَّد إنذار، أو مجرّد رسالة أوليَّة تخبّئ في أبعادها وطيَّاتها رسائل مُتعدَّدة، لا يقتصر تأثيرها على الوضع السوري "المجرّد"، بل يشمل كل الدول والقوى التي غمَّست يدها في صحن النظام ورئيسه.
إذاً، لا بدَّ أيضاً من إعطاء "الحالة اللبنانيّة" المُحاطة بعلامات الاستفهام والتعجُّب، ناهيك بموجات القلق والحذر من الأعظم، إجازة قصيرة، ريثما تنكشف المواقف الدوليَّة المؤثّرة والمتأثّرة من "رسالة" الرئيس ترامب، وبأسلوب وتوقيت وحجم قويّ الصدى والمضمون...
في العودة إلى الهمّ اللبناني المحشور في زاوية الاستحقاق النيابي، يكتشف بعض المخضرمين "رغبات صامتة" لدى فريق من اللبنانيّين... قد يتردّد في تجربة قلب الطاولة الانتخابية لفترة طويلة، وعلى غرار ما تسربل به الاستحقاق الرئاسي، وعلى رؤوس الأشهاد، ومن غير اهتمام بتدخُّل وساطة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ودزّينة من الدول الأوروبيّة والعربيّة.
ولِمَ لا يتأثَّر الوضع العربي بكل أزماته، في حال إكمال ترامب ما بدأه بموقف أكثر صلابة ووضوحاً، سواءً على الصعيد السياسي أم الصعيد الذي امتطته الرسالة الأولى؟
الأسئلة انهمرت أمس من كل حدب وصوب: ماذا تقول روسيا، وماذا عند إيران من ردود فعل، وماذا عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، على سبيل المثال؟
بل ماذا عن النظام السوري وحلفائه؟
بعيداً عن صخب الإدانة «القومية» التكاذبية. بعيداً عن التباكي على «سيادة» مشكوك في وجودها منذ تحوّلت سوريا إلى صندوق بريد إقليمي ودولي. وبعيداً عن جعل حق الإنسان بالعيش، بل بمجرد التنفّس، في أسفل الأولويات التي تثرثر بـ«ممانعة» زائفة و«عروبة» فولكلورية...
بعيداً عن كل ذلك، ينبغي القول إن المسؤول الأول عن تعرّض تراب سوريا للانتهاك هو مَن لم يؤتمن عليه يوماً، ولم يُقِم لسلامة المواطن وكرامته وزناً.
أنا لست من محبّذي الاستقواء بالأجنبي. وحتماً، لست من الشامتين بنكساتنا وهزائمنا. ولا من الداعين إلى اغتصاب أراضينا، وتشريع أبواب ما يفترض أن تكون «أوطاننا»، لا معتقلات مخصّصة لتدجين الناس وإذلالهم، أمام الأجانب.
إطلاقاً. أنا ممّن تؤلمهم كثيراً «نزهات» الطيران الحربي الأجنبي - من كل الجنسيات - فوق ديار العرب، التي سلبها من أهلها بعض أهلها... لا «العدو الغاصب» الذي هاجمناه لفظاً لقرابة 70 سنة. ويسوءني جداً عجز هؤلاء «البعض» عن التصدّي له، بينما يتقنون بحكم العادة والوراثة التصدي للمواطن المسكين عندما يهبّ للمطالبة بأبسط حقوقه الإنسانية.
بعد الضربات الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص، التي كانت لسنوات خلت من منصات الموت المصبوب على مدن سوريا وقراها، سمعت أصواتاً عربية مستنكرة، تتصرّف على أساس أن القتل بشتى الأسلحة خير وسيلة لـ«التحاور» مع الاحتجاجات. والأدعى إلى السخرية تصوير هذه الأصوات الضربة الأميركية على أنها:
أولاً، اعتداء على «سيادة» سوريا، وكأن سوريا تبدأ وتنتهي بنظام يساوم حتى في هذه اللحظة مع قوى على ترتيبات تقسيمها وفرزها دينياً ومذهبياً وعرقياً، ويرعى عملية تبادل سكاني ممنهجة برعاية دولية.
وثانياً، أنها «عقاب» للنظام على «وقوفه ضد احتلال إسرائيل لفلسطين»، كما أتحفتنا بالأمس الدكتورة بثينة شعبان.
الحقيقة، أن ثمة علاقة تبادل منافع مشبوهة بين النظام السوري وداعميه (على رأسهم إيران) من جهة، وتنظيم داعش وأمثاله من الجماعات المتطرفة التي لم تؤمن أساساً بانتفاضة الشعب السوري، ولم تناضل في صفوفها، بل قاتلتها وعملت على شرذمتها وتفجيرها من الداخل في كل مناسبة.
هذه الصورة كانت متوافرة للولايات المتحدة والدول الغربية. واشنطن، بالذات، كانت تعرف كثيراً عن الوضع السوري إبان حكم الرئيس السابق باراك أوباما، غير أن أولويات أوباما كانت في مكان آخر.
كان التفاهم الاستراتيجي مع إيران في رأس اعتباراته. وفي هذا السبيل كان مستعداً - على رأس أركان إدارته ومستشاريه - للتضحية بالشعب السوري، وبحلفاء واشنطن وأصدقائها في الشرق الأوسط، من أجل إرضاء طهران، وتركها تتمدد في المشرق العربي من جبال زاغروس إلى شاطئ المتوسط الشرقي، ومن مياه الخليج إلى مضيق باب المندب.
على امتداد 6 سنوات من عمر «الانتفاضة الثورة»، وبالذات منذ 3 سنوات منذ انكشاف حقيقة موقف أوباما، تلقى نظام بشار الأسد وداعموه في طهران وموسكو كل الطمأنة اللازمة لكي يصعّد عسكرياً، ولا سيما في ظل استمرار:
أولاً، رفض واشنطن فرض «ملاذات آمنة» و«مناطق حظر طيران» لردع النظام وحماية المدنيين المهجّرين والنازحين، على وقع استخدام روسيا والصين «الفيتو» تلو «الفيتو» ضد اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات لمنع النظام من قتل الناس.
ثانياً، رفضها بإصرار، رغم المناشدات المتكرّرة، تقديم السلاح النوعي المطلوب لمواجهة ترسانة النظام، المخدومة عبر جسر جوي دائم من موسكو.
ثالثاً، رفضها اتخاذ أي موقف جدّي حازم من التدخل العلني النشط للميليشيات التابعة لإيران، التي أسهمت في مفاقمة الاستقطاب الطائفي وغذّت نوازع الإحباط واليأس، وبالتالي، التطرّف... في نفوس المواطنين.
رابعاً، رفضها دعم خيارات الاعتدال والانفتاح داخل الانتفاضة السورية عبر الإجراءات آنفة الذكر، ثم التذرّع - بعد ذلك - بأن المعارضة «عاجزة»... عن مواجهة النظام. وبعدها العمل على تشجيع الميليشيات الانفصالية، ليس على حساب وحدة أراضي سوريا فحسب، بل أيضاً وحدة أراضي جاراتها، وبالأخص، تركيا.
خامساً، رفضها التحسّب، ثم التصدي للتدخل الروسي المباشر الذي بات اليوم حقيقة واقعة في مناطق متعددة من سوريا. ولقد أسهم هذا التدخل في مضاعفة محنة التهجير - ولا سيما بعد مأساة حلب - وإعطاء هذه المحنة أبعاداً دولية انعكست مآسي إنسانية وصعوداً لتيارات اليمين العنصري المعادي للأجانب في أوروبا.
بناءً عليه، أدت إدارة باراك أوباما، التي امتنعت حتى عن «ردع» الأسد، إلى تشجيع طهران وموسكو على تولّي زمام المبادرة في الشرق الأوسط، وإضعاف مواقف قوى كانت ترى في الولايات المتحدة صديقاً إن لم يكن حليفاً. والمؤلم في الأمر، أن هذه السياسة السلبية جعلت الكلفة الإنسانية والسياسية في سوريا باهظة، وإمكانية تغليب لغة الاعتدال على التطرف ضعيفة. ومن هنا، يمكن القول إن لجوء الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترمب إلى قصف المطار الذي انطلق منه أخيراً الطيران الحربي حاملاً الغازات السامة لأهالي خان شيخون، يشكل بداية ردع.
كل ما كان مطلوباً من واشنطن أيام أوباما «الردع» الذي لم يأتِ. ردع آلة الموت والتهجير ورُعاتها ومحرّكيها.
وهذا يعني أنه لا يجوز أن تظل الضربة ردة فعل عابرة، بل يجب أن تكون مقدمة لاستراتيجية حقيقية، تتعامل بواقعية وصراحة مع قوى ثبت بالدليل القاطع أنها لا تقيم وزناً للحوار والتفاهم والتعايش وحقوق الإنسان.
لقد واصل نظام الأسد وداعموه مسلسل القتل، خصوصاً بعد إعلان واشنطن أن إزاحته ما عادت أولوية لها. وهذا يعني أنه لا نفع يرتجى من أي حوار معه. إذ لا يمكن القضاء على التطرف الداعشي إلا عبر دعم خيار الاعتدال، ولا فرصة أمام الاعتدال إلا بإزاحة من استغل غول التطرف، ودفع المظلوم واليائس إلى السكوت عنه.
باختصار، إنهاء هذا النظام ليس مطلوباً «كرمى لعيون» دونالد ترمب، بل احتراماً لذكرى الأطفال حمزة الخطيب ووسيم زكّور وإيلان الكردي وآية وأحمد عبد الحميد اليوسف... واحتراماً لدموع عمران دقنيش... وآلام كل أم وأب وأخت وأخ على امتداد سوريا.
من حق البسطاء أن يفرحوا بالضربة الأمريكية… لكن ماذا بعد؟
ينكر البعض على البسطاء تعبيرهن البريء عن فرحتهم؛ لرجم الصواريخ الأمريكية أحد مطارات “الضرار”، وإخراجها عن الخدمة ليلة ال7 /4 /2017م ،نعم فعلها ترامب، وقصف أحد المطارات الذي كان يوزع الموت والرعب والدمار يوميا على سائر المناطق المحررة بلا انقطاع.
ما إن أعلنت الخارجية الأمريكية بدء تنفيذ الضربات، حتى دخل الكثير من السوريين سكان المناطق المحررة في غمرة الفرح، ومنهم من سكنه ولا يريد لأحد أن يخرجه منه.
لكن البعض اصطدم بواقع لا يمكن تجاهله، ولا بد من التفكير به لبعض الوقت مع استحضار التجارب السابقة.
ما سبب هذا التقلب السريع في السياسة الأمريكية؟، وهي الدولة المنحدرة من سلالة الدول المستعمرة، والتي لا تتصرف بمنطق العاطفة ولا تدفعها الحماسة كما يحدث معنا نحن العرب، ولا تهتم حتى بردود الفعل العالمية أمام تحقيق مصالحها،
أمريكا هي البلد التي حصدت الملايين من المساكين في دولة عربية مجاورة، من أجل تنفيذ مشاريعها، وسلب ثرواتها.
فالأخلاق والإنسانية آخر همها إذا حضرت المصالح القومية، وما التصريحات الإعلامية إلا سلعة تعرض في سوق المجتمع الدولي، بينما يسيطر على سياستها الغموض، وما عليها إلا افتعال الأزمات في الدول ومن ثم توجيهها، و التحكم بها لصالحها.
لكن لماذا تلك الضربات المفاجئة في هذا الوقت؟
هل فشلت أمريكا في إسقاط الأسد سياسياً، وقطعت الأمل برحيله رغم كل الدعوات السابقة؟
لا شك إن لم يستفد العرب من تجاربهم مع الأمريكان في العراق والجزائر والصومال وغيرها، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستفعل، وتعد من أجل ذلك دراسات وأبحاث ضخمة بكوادر علمية وإمكانات مادية، للاستفادة من كل شاردة وواردة في مختبر الشرق الأوسط.
التذبذب والضبابية سمة عامة وأصل السياسة التي تنتهجها أمريكا، وستكون مع مصالحها حيث تكون لا حيث يكون الواجب الإنساني أو الضمير كما يظن البعض.
ستة أعوام من عمر الثورة السورية كفيلة لكي يتعلم أولي الألباب كيفية التعامل مع الذبذبة الأمريكية، وضرورة أخذ أعلى درجات الحذر منها عندما تكون معك وتتظاهر أنك تهمها وتعمل من أجلك.
لم يعجب أمريكا منجزات الديمقراطية في المنطقة؛ التي جلبت “مرسي” لمصر و”حماس” لفلسطين و”أردوغان” لتركيا. فدعمت الانقلابات على الشرعية، وحاصرت من اختارها، وفشلت في تركيا أخيرا.
أيضا لم يعجبها التمدد الأيراني الشيعي في العراق ولا تريده أن يخرج عن السيطرة فدعمتهم في العراق ضد صدام، وتتظاهر بدعم السنة في سوريا ضد الأسد بدعم محدود يضعف الخصوم، ولا يجهز عليهم، وتقتل شبابهم بحروب طائفية لا نهاية لها، أمريكا مضطرة دائما لإيجاد حاضنة تثق بها من العملاء.
وخاصة بعد سيطرتها على آبار النفط والغاز لتضمن إعادة إعمار هادئ، والاستجمام بالثروات بلا منازع، فكان الحل بالتظاهر في دعم الثورة، ولا يحتاج صمود هذا الشعب الأسطوري، إلا لشريك غربي يخطف ثورته وكفاحه ويتوج انتصاره بمسرحية التبني الخبيثة.
ولو أنها أرادت إنهاء النظام، لضربت رأس الأفعى في قصره ولم تتجه إلى الذيل أصلا.
ففعلتها في مطار “الشعيرات” المختلف عليه بين إيران وروسيا، كما سرب عنهم من قبل، وما هذت المسرحية إلا مسألة تصفية حسابات، وتقسيم ما تبقى من الكعكة، ويثبت هذا أيضا انفرادها بالضربة من بين جميع الدول، وهذا يعني أن بوسعها فعل ما تريد خارج مسرح مجلس الأمن.
وإن كانت الضربة قد أفرحت الكثير وانتهى الأمر، إلا أن الأمر الذي لم ينتهي هو ما بعد الحضور الأمريكي الفظ والغليظ بقيادة ترامب.
لن يقضى على أي تنظيم إرهابي له أرضية في الدول العربية كتنظيم داعش في سوريا والعراق، وتنظيم القاعدة في اليمن، ونظام الأسد معهم الذي لا يتورع عن استخدام الكيماوي لقتل الأطفال إلا بقطع أذرع إيران التي نمت ورعت جميع تلك التنظيمات الوحشية.
إنما لن يكبح جماح إيران وتُحجّم عبر مزيد من العقوبات على الشعب الإيراني، بل تقطع أذرعها التي نمت خارج حدودها، فإيران تمارس الإرهاب عبر أذرعها الممولة من ميزانية معزولة عن موازنتها الخاصة، ومصادر تمويل بعض تنظيماتها الإرهابية هو الأخماس التي تدفعها بعض الطوائف في بلداننا العربية التي ترى ما يرتئيه خامنئي، والتي تصل قيمتها إلى ما يقارب الخمسة والتسعين مليار دولار، سبعة مليارات ونصف المليار دولار هي ما خصصتها إيران لنشر الإرهاب في العالم حين خصصت هذا المبلغ لأكبر تنظيم إرهابي على وجه الأرض «الحرس الثوري»؛ ليرعى هذا التنظيم كل الميليشيات الشيعية التي تعيث في الأرض فساداً.
وليس سراً أن متنفذين في الحكومة العراقية والحكومة اللبنانية وما تبقى من الحكومة السورية عاجزون عن لجم «خدم إيران» في دولهم، فـ«حزب الله» اللبناني يحكم القبضة على لبنان ويقاتل إلى جانب نظام الأسد جنباً إلى جنب الميليشيات المرتزقة الآسيوية التي تدار من قبل الحرس الثوري الإيراني، و«حزب الله» العراقي ومعه ميليشيات الحشد الشعبي يداران أيضاً من قبل الحرس الثوري الإيراني، وجميعهم قوات عربية تدين بالولاء لإيران، تلك القوات هم دولة داخل دولة، وبفضل التسليح الإيراني والتمويل الإيراني، فإنهم خارج نطاق التغطية القانونية، إذ يبدو أنه لا عون ولا العبادي، وبالتأكيد لا الأسد بقادرين على مراقبة أو التحكم في تلك الميليشيات المسلحة التي تعمل تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني مباشرة وتمول من قبله.
إيران بأذرعها هذه هي من يهدد أمن الخليج العربي وأمن البحر المتوسط وأمن البحر الأحمر، ويهدد باب المندب ومضيق هرمز، ويهدد أمن البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت بشكل مباشر، وهي من يدرب الميليشيات الإرهابية على الأراضي العراقية، وتنطلق الأسلحة والمتفجرات العسكرية التي عثر عليها في البحرين وفي السعودية تمر عبر العراق بطرق ملتوية، لذا يفترض قطع دابر الإرهاب والتغول الإيراني في المنطقة، أي في سوريا والعراق.
فإن كانت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا صادقتين في رغبتيهما في القضاء على الإرهاب ومقتنعتين بأن إيران هي الداعم الأساسي للإرهاب، وأن تحجيم إيران ووقف عربدتها في المنطقة هو أول طريق مكافحة الإرهاب، فإن تحجيم إيران لا بد أن يبدأ في لبنان والعراق وسوريا، لا من الداخل الإيراني.
والنصيحة الأميركية التي دعت إلى احتواء هاتين الدولتين العربيتين نصيحة نقدرها ونثمنها، وهي في محلها ونتفق معها، فلا نتمنى يوماً أن نرى هاتين الدولتين العربيتين رهينتين تحت يد إيرانية، إنما بشرط أن تعمل الدولتان اللتان نصحتنا بتوثيق العلاقة (أي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية) على الضغط على الحكومتين العراقية واللبنانية لتتحملا مسؤولية كبح جماح الميليشيات المسلحة داخل دولتهما وتدخلاتهما غير المرحب بها في دولنا الخليجية. ذلك الضغط وحده من ستستمع له الحكومتان؛ إذ من الواضح أنه لا تقريب العبادي ولا تقريب عون كانا مجديين أو أتى بنتيجة إلى حد الآن، ونحن في انتظار الحسم في هذا الموضوع.
نتفهم أن يتأخر هذا الضغط الأميركي على العراق ولبنان إلى حين الانتهاء من القضاء على «داعش» أو أي تنظيمات إرهابية أخرى، بل إن الدول الخليجية تساهم في التحالف الدولي للقضاء على «داعش»، إن كان التأخير وتأجيل المواجهة مع تلك الميليشيات أمراً مرحلياً وتكتيكياً ينتظر الانتهاء من خطر أولي، ومن ثم الالتفاف على الخطر الآخر، لولا أننا نثق بأن إيران لن ترغب في القضاء على «داعش»؛ لأن ذلك يعني انتفاء حجتها ومسمار جحا الذي تدعي أنها موجودة في المنطقة بسببه، فإن قضي عليه فلا بد أن تخرج وتعود إلى دارها، وهذا ما لا تريده، فأصبحت المعضلة البيضة قبل الدجاجة، أم الدجاجة قبل البيضة.
وإن صحت المعلومات التي تشير إلى أن سبب تأخير المواجهة في الرقة والموصل وتلعفر بين التحالف الدولي وبين «داعش»؛ لأن التحالف يبحث عن بديل يسد الفراغ أولاً قبل إخلاء المنطقة من «داعش»! - أصبحت إذن «داعش» مطلوبة الآن يا للسخرية القدر - فإن إيران ستعيق حتماً أي اتفاق على بديل، لتتضح الصورة أكثر، ويتأكد العالم أن إيران هي الداعم الأساسي لـ«داعش».
الخلاصة، أنه ما زالت «داعش» هي حجة إيران لبقائها، وما زال لخدم إيران اليد العليا في العراق وسوريا ولبنان، فسيبقى «داعش» وسيستمر التمدد الإيراني، وسيمتد الإرهاب إلى منطقتنا وبقية العالم كما هو حاصل الآن. القضاء على «داعش» يبدأ بقطع كل نظام أو تنظيم تدعمه إيران.
في أقل من أسبوع نجح بشار الأسد في تحويل دونالد ترامب من رئيس انعزالي لا يعير اهتماماً لما يجري في العالم إلا بالقدر الذي يفيد أميركا ومصالحها، ويدعو الى ترك مصير الرئيس السوري في يد السوريين، الى رئيس مستعد لاستخدام القوة لمواجهة الجريمة التي ارتكبها النظام السوري ضد أطفال خان شيخون ونسائها وشيوخها بقصفهم بالأسلحة الكيماوية.
نجح الأسد في تغيير الصورة التي كوّنها العالم عن ترامب. صار المشككون بقدرات الرئيس الأميركي مضطرين للدفاع عن قراره. بفضل الأسد صار ترامب نقيضاً لباراك أوباما. لا يطلق التهديدات الجوفاء. لا يقف متفرجاً أمام مشاهد الأطفال الذين يختنقون نتيجة تنشق السموم التي أنعم بها رئيسهم عليهم. لا يضع علاقته مع موسكو في موقع الأولوية التي تسبق مسؤولية الولايات المتحدة كدولة عظمى عن حماية الأمن العالمي. بفضل بشار الأسد استيقظ دونالد ترامب على حقيقة ما يجري في العالم من حوله، خارج الحدود الأميركية، وخصوصاً على حقيقة دور روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين في البلطجة الدولية التي يمارسها، والتي انتهت بالرئيس الروسي الى التحالف مع اسوأ الأنظمة في العالم ومع أسوأ السياسيين العنصريين والشعبويين.
في قراءته الحمقاء لمواقف دونالد ترمب، اعتبر بشار الأسد أن كلام الرئيس الأميركي وأركان إدارته عن أولوية الحرب على تنظيم «داعش»، وترك مصير الأسد للسوريين ليقرروه، بمثابة ضوء أخضر يسمح للنظام السوري أن يفعل بالسوريين ما يشاء. لا بد أن الأسد قرأ ايضاً أن ترامب اعترض أيام باراك أوباما على التدخل الأميركي في سورية، بحجة أن هذا التدخل لا يخدم المصلحة الأميركية. لا بد أنه اعتبر ايضاً أن التصريحات الايجابية التي اطلقها ترامب عن بوتين، حليف الرئيس السوري، تشكل غطاء كافياً يحمي الأسد ويوفر له المظلة الدولية التي تمدّ بعمر نظامه وتقطع الطريق على مطالب المعارضة بإزاحته عن السلطة. ولا شك في أن هذا الاستقواء هو الذي دفع بشار الجعفري، ممثل النظام في مفاوضات جنيف الأخيرة، الى شن هجماته على ممثلي المعارضة، معتبراً انهم إرهابيون، لا يستحقون الجلوس الى مقاعد التفاوض حول مستقبل سورية.
قد يسأل البعض، من المدافعين عن بشار الأسد ونظامه: لماذا يقدم الأسد على «خطأ» مثل الذي ارتكبه في خان شيخون، فيما هو يدرك أن الظرف الأميركي والدولي مواتٍ له الآن؟ ويتجاهل هؤلاء أن هذه الحماقة ليست الأولى التي يرتكبها رأس النظام السوري خلال السنوات الست الماضية. كما ينسون أن جريمة خان شيخون ليست أولى جرائمه الكيماوية في حق السوريين. واذا كان 80 شخصاً ماتوا في خان شيخون، فقد قتل الأسد 1300 في غوطة دمشق، التي حماه بوتين بعدها من «الخط الأحمر» الذي رسمه أوباما، ليتبيّن الآن أن إخراج الأسلحة الكيماوية من سورية كان التزاماً كاذباً لم ينفذه النظام، بدليل استخدامها مرة جديدة في خان شيخون.
منذ بداية التظاهرات في درعا كان في وسع بشار الأسد استيعابها بطريقة لا تصل الى تهديد النظام وتدمير سورية. وعلى امتداد هذه السنوات كان في وسع الأسد أن يواجه المعارضين بسلوك مختلف عن ارتكاب المجازر، ما دفع التيارات المعتدلة في المعارضة الى الاصطفاف مع المتطرفين، بعدما لم يترك لها النظام خياراً آخر. غير أن الأسد اختار أن يصنف الجميع في خانة الإرهابيين، معتقداً أن هذه الطريقة تحميه وتدفع العالم الى الوقوف الى جانبه.
من أسوأ أقدار السوريين أنهم باتوا مضطرين للرهان على حماية رئيس مزاجي مثل دونالد ترامب، لإنقاذهم من جرائم «رئيسهم». من أسوأ أقدارهم أيضاً أن قصف مطار الشعيرات يمكن أن يكون بداية مسلسل حربي لا يد لهم فيه ولا حيلة. إذ لا أحد يستطيع أن يحدد منذ الآن مصير العلاقات الأميركية الروسية بعد هذه الضربة، ولا المدى الذي يمكن أن يصل اليه التدخل الأميركي، وما اذا كان سيبقى في حدود قصف محدود يشكل درساً للنظام، أم يتدهور هذا التدخل الى مقدمة لحملة واسعة تعيد الى الأذهان سيناريو غزو العراق، بعد أن فتح العالم عيونه على جرائم صدام حسين، بعد قصف أكراد حلبجة بالسلاح الكيماوي.
هل هذا هو ترامب الآخر، ترامب الصارم والجاد والمخيف أيضاً، الذي فاجأ الجميع بمن فيهم شخصيات بارزة من الحزب الجمهوري، عندما اختار بطريقة "أضرب حديداً حامياً"، أن يوجّه مجموعة واسعة من الرسائل والإشعارات النارية عبر قاعدة الشعيرات السورية التي دمرها ولم يُصب جندياً روسياً واحداً من الذين كانوا فيها؟
الحجم السياسي الذي أحدثه القصف الصاروخي المحكم، أكبر بكثير من الحجم العسكري، ولو صارت الشعيرات ثانية قواعد سوريا العسكرية، بما فيها من مقاتلات روسية حديثة، وأولى الرسائل جاءت من أميركا المرتاحة لعودة هيبة واشنطن بعدما تراجعت كثيراً أمام موسكو. فقد أشاد جون ماكين وليندسي غراهام وماركو روبيو وبوب كروكر بترامب الذي دفن سياسة التخاذل الأوبامي، عندما قطف اللحظة المناسبة من بوابة الحس الإنساني بعد مجزرة خان شيخون الكيميائية، ليقول للأسد وحماته الإقليميين وحلفائه الروس "كفى، الأمر لي، أميركا تنتصر للعدالة"!
الأضرار السياسية للعملية ستكون عميقة وفادحة في روسيا، بعدما كان فلاديمير بوتين قد مضى بعيداً فوق رقعة تخاذل واشنطن، تغيرت قواعد اللعبة كلها ولا معنى لحديث موسكو عن تغيُّر في قواعد الاشتباك فوق سوريا. حاول الروس حفظ ماء الوجه بالإيحاء بأن واشنطن أعلمتهم سلفاً بالعملية، فرد جيمس ماتيز فوراً بالنفي، ولكن يكفي ان لافروف يأمل "ألا تتضرر العلاقات مع واشنطن"!
بعد مجزرة الغوطتين تمكن بوتين من تكبيل أوباما باتفاق نزع ترسانة الأسد الكيميائية، أمس تمكن ترامب من تكبيل تفرّد بوتين بسوريا وبغير سوريا، فلا يفلّ الحديد إلا الحديد، وكل الصراخ الروسي الذي سمعناه وسنسمعه لا معنى له، أكثر من يعرف ذلك هو بوتين الذي كان ارتعد لمجرد تهديد أوباما بالقصف عام ٢٠١٣، ولكن ها هو القصف ينزل جراحياً، فقط ستة قتلى ودمار قاعدة كبيرة وليس من نقط دم روسية!
مضحك تهديد موسكو بجلسة طارئة لمجلس الأمن الذي عطّلته بالفيتو ثماني مرّات لمنع الحل وانحيازاً الى النظام، مضحك أكثر القول إن التحضير للقصف سبق مأساة خان شيخون، التي حاولت موسكو التعمية عليها بذرائع لا تليق بدولة مثل روسيا!
الإيرانيون الذين كانوا أكثر حذراً بعد خان شيخون، عندما نددوا بالعملية من أين أتت ولم يدافعوا عن حليفهم الأسد، تلقوا أمس رسالة قوية ليس لأنهم يتخذون الشعيرات قاعدة مهمة لإدارة عملياتهم في سوريا والعراق فحسب، بل لأن صواريخ ترامب الذي يهاجمهم ويعِد بردعهم، تستطيع ان تقصف تحدياتهم في مضيق هرمز وباب المندب.
كوريا الشمالية وصلتها رسالة حامية عبر الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي كان مجتمعاً مع ترامب في فلوريدا عندما أنطلقت الصواريخ، لأن ترامب يقول "سنسوي ملف بيونغ يانغ إن لم تفعل الصين".