مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٤ أبريل ٢٠١٧
عن سورية والغول الأميركي

أثارت الضربة الأميركية الأخيرة لمطار الشعيرات السوري زوبعة إعلامية غير مسبوقة تقريباً في زمن الحدث السوري، رغم أنها لا تعدو أن تكون كغيرها من مئات الضربات التي تعرضت لها مواقع سورية أخرى، إن كان بواسطة قوات الأسد، أو غيرها من القوى الخارجية المتدخلة خلال السنوات الست الماضية.

لدرجة أن الخراب السوري (أقلّه المادي) بات مثالاً معاصراً. إذاً، لمَ أثارت ضربة المطار كل ردود الأفعال تلك على مستوى النخب والشارع داخلياً وإقليمياً؟ إن كان من جهة المنددين والمنزعجين على سيادة "الوطن السوري المستقل"، أو من ناحية الفرحين والمستبشرين بها؟ ما الذي حدث؟

إنه مجرد مطار، وغيره يوجد الكثير من المطارات والقواعد الجوية لدى الأسد، منها ما زالت تحت سيطرته، ومنها ما باتت تحت سيطرة الجيش الحر أو "داعش" أو قوات الحماية الكردية، وحتى القوات الروسية والأميركية سيطرت في الفترة الأخيرة على بعضها. ومن جانبها، فإن قوات التحالف دمرت قبل مطار الشعيرات العديد من المنشآت التي يستولي عليها تنظيم داعش، ومن ضمنها مستشفيات ومدارس، وهي سورية بطبيعة الحال. فما الجديد؟

ليس من اليسير الجزم بإجابة صائبة، ولكن من عقد بعض المقارنات بين كل التدمير الذي أصاب البنى التحتية والمنشآت وحتى بيوت المدنيين خلال العمليات السابقة للقوى المتدخلة، والتدخلات الخارجية التي سحقت أي معنىً للحديث عن السيادة الوطنية، وبين الضربة الأخيرة، فإننا سنلحظ متغيراً قد يبدو الأهم، وهو أنها ضربة أميركية، وهي الأولى الموجهة لهدف سوري خاضع لسيطرة نظام الأسد. فكل التدخلات الأميركية والغربية والروسية والإيرانية السابقة لم تمس هدفاً يسيطر عليه هذا النظام. ما يعني أن هناك تغيراً ما (حتى لو اعتبره البعض طفيفاً أو حتى شكلياً) قد أصاب قواعد اللعبة، مع المعرفة المسبقة للطرفين المندد والمهلل، بشدة بأس "الغول" الأميركي حين يتحرك.

ربما كان السؤال الأهم وأحياناً غير الواعي، هل استفاق هذا الغول بعد نومة أوباما الاستثنائية في التاريخ الأميركي؟ من يعتقد بذلك، ويربط الأمر بشكل مباشر (ولو بطريقة غير واعية) باستهداف المطار، هو مَن أثاره الحدث وجعله يدخل في سجالات كانت متخبطة في العديد منها، على الأقل لناحية المشاعر. فالمطمئنون للحياد الأميركي تجاه الأسد خلال السنوات الأوبامية أصابهم الذهول، وهم يرون صوراً نمطيةً لانطلاق صواريخ التوماهوك من البحر ليلاً، وأحالهم المشهد إلى ذكريات سابقة لهكذا صور من الهجوم الأميركي الذي طالما كان حاسماً ومدمراً، فاستنفروا غضباً وتخوفاً من القادم. والمخذولون من الحياد المرير للعالم تجاه المذبحة التي يعيشها السوريون منذ ست سنوات، داعبهم الأمل للسبب السابق نفسه تماماً، بأن أيام الأسد باتت حقيقة "معدودةً" وليس على طريقة أوباما.

إنها أميركا تضرب الأسد! والتاريخ الحديث لم يقدم نماذج لهزيمة أميركية بعد فيتنام. فما هو القادم؟ أعتقد أنها الصدمة للطرفين، سلباً وإيجاباً، ما استدعت كل هذا السجال الحاد وتقريباً غير المسبوق، والذي قد يتوقف قريباً في ما لو اكتشف الطرفان أن الرسالة لم تكن بالجدية التي يتخوفون منها، أو يأملون بها، ولربما ما زال في كيس حواة الألاعيب السياسية الكثير من الأفاعي التي لم تظهر بعد.

طبعاً هذا التصور السريع والمتعجل لفهم حالة السجال حول التدخل الأميركي، يستبعد من حساباته القومجيين والشيوعيين الستالينيين العرب ومدّعي المقاومة، فهم حالة خاصة عصية على أية محاولة لقراءة سياسية، ومجالهم "التحليل النفسي" كما بدا واضحاً من ردود أفعالهم في السنوات الأخيرة.

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
«تأديب» الأسد حين يقود إلى «تأديب» بوتين والإيرانيين

ترحيب، تأييد، إشادة... نادراً ما حظيت ضربة عسكرية بهذا القبول العالمي، الذي تحوّل بدوره استعداداً للتآلف مع دونالد ترامب المتأثّر «إنسانياً وأخلاقياً» بموت الأطفال اختناقاً في خان شيخون، فيما هبطت شعبية فلاديمير بوتين كزعيم صلب في مواجهة أميركا بعدما ظهر مدافعاً عن قتل هؤلاء الأطفال ومتهّماً بالمشاركة في الجريمة. حتى أن الرئيس الصيني أبدى تفهّماً لضرب مطار الشعيرات، مع أنه شريكٌ دائم لـ «الفيتو» الروسي في مجلس الأمن. لكن إنجاح اللقاء مع ترامب في فلوريدا كان بالنسبة الى شي جينبينغ أهم بكثير من التضامن مع بوتين في سورية. لم يكن الرئيس الروسي يتصوّر أن قمة أميركية - صينية يمكن أن تسبق أي قمة بينه وبين رئيس أميركي لم يفوّت مناسبة إلا وتهجّم فيها على الصين. وهكذا بدت قمة ترامب - شي أيضاً من مؤشّرات التغيير في اقتناعات واشنطن وأولوياتها.

على عكس باراك اوباما، لم يرسم ترامب «خطّاً أحمر» في سورية لكنه واجه الاختبار نفسه، ولدوافع مختلفة. عام 2013، كان استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام لاستفزاز الرئيس الأميركي السابق و «خطّه»، وإذ تظاهر كمَن يستجيب التحدّي، إلا أن عروض موسكو وحجج إسرائيل أقنعته بإطفاء محرّكاته والتراجع ليكتفي باتفاق تدمير المخزون الكيماوي لدى بشار الأسد، ففي ذلك إخراج للقطيعة الاضطرارية مع روسيا بسبب رفضها تسليم موظف الـ «سي آي اي» المنشقّ إدوارد سنودن، وفيه أيضاً مصلحة غربية وبالأخص إسرائيلية تتمثّل في التخلّص من سلاح محظور في يد نظام مارق. هذه المرّة، لم يكن هناك أي مبرّر لاستخدام الغازات السامة، فلا خطر وشيكاً على نظام الأسد ولا تهديدات أميركية له، بل على العكس جاءت غارة السموم لإيقاظ أطفال خان شيخون بعد يومين على سلسلة مواقف علنية توالى فيها وزير الخارجية والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة والناطق باسم البيت الأبيض على طمأنة الأسد الى أنه «أمر واقع مقبول» وإنْ لم يكن مرغوباً فيه.

كانت هذه المواقف أبعد من طمأنة بوتين الذي ينتظر منذ غداة انتخاب ترامب اتفاقاً على صفقة كبرى معه، لكن توقّعاته ارتبكت وتعقّدت على أرض الواقع، ما استوجب منه أن يفرمل خططه لوقف النار وإنهاء الصراع في سورية. إذ راحت الأيام تمضي والأشخاص في إدارة ترامب يتبدّلون والظروف تتغيّر، وإذا بالـ «إف بي آي» يتعمّق في التحقيق في فضائح «الاتصال» بين روسيا والترامبيين، وإذا بالقوات الأميركية ترتّب مواطئ نفوذها حول الرقّة شمالاً وتستدعي ضباطاً سوريين منشقّين من تركيا الى الأردن لتعزيز القوات المجمّعة جنوباً في محيط درعا، وإذا بالآمال والأحلام البوتينية تتبدّد، وإذا بواشنطن أخيراً تُخرج ورقة «مصير الأسد» من التداول وكأنها تقول للروس والإيرانيين أن بإمكانهم الاحتفاظ بها واستخدامها كما يشاؤون. لذا وجد بوتين (والإيرانيون) مصلحة في تكرار الاختبار الكيماوي مع ترامب لجلبه الى مساومة جديدة.

كانت ردود الفعل الأميركية الأولية على غارة خان شيخون باهتة وأقـــرب الى العادية، ما أثار انتقادات داخلية مشابهة لتلك التي كانت تُوجّه لاوباما. لكن في الساعات التالية، أفضى تحليل الغارة الى أن أطفالاً قضـــوا فيــها لكن المستهدف كان ترامــــب وإدارته وقراره، وأن الأسد ارتكـــب الجريمة لكـن بتشجيع ودعــم من بوتيــــن، بغية اختبار ترامب. لذا، كانــت الضربة لمطار الشعيرات إثباتاً للاختلاف عن نهج اوباما، وإنْ لم تقطع تماماً مع ذلك النهج الذي أوقف استخدام القوة لحظة كان يمـــكن أن يُحدث فارقاً كبيراً في مجريات الأزمة الســـورية، وخشي الانزلاق الى مبارزة عسكرية مفتوحة لا يريدها مع روسيا وربما لا يريدها بوتين، إلا أن الأسد والإيرانيين كانوا يسعون اليها. وعلى رغم أن الضـربة الأميركية كانت محدّدة، وأُبلغ عنها مسبقاً ليسحب الروس والإيرانيون والأسد عناصرهم، إلا أن وقعها لم يكن محدوداً، بل أوحت بأن المستهدف بـ «التأديب» ليس الأسد وحده، بل أيضاً بوتين والإيرانيين.

أكثر من جهة اجتهدت في قراءة تصريحات ريكس تيليرسون ونيكي هايلي وشون سبايسر. فأوساط النظام نقلت ارتياحاً لدى الأسد مشوباً بقلق من حليفيه الروسي والإيراني هذه المرّة، فهو ورقتهما التي يتاجران بها، لكن ها هم الأميركيون يلوّحون إمّا بانتزاعها منهما أو برميها فتفقد قيمتها. وفي هذه الحال، سيكون الأسد ضحية صراع دولي طالما تمنّاه لينقذ نظامه وتسلّطه. أما بوتين فاستفزّه أن يعبث الأميركيون بورقة الأسد التي يملكها ولا يعتقد أنه يتقاسمها مع إيران. وأما طهران التي تجري مراجعةً لمجمل استراتيجيتها فوجدت في المواقف الأميركية من الأسد عنصر تعقيد جديداً. فهل أقدم النظام على غارة السموم باجتهاد خاص ليختبر الجميع، أم فعلها بإيحاء روسي - إيراني ليستدرج ترامب؟ بالنظر الى طبيعة حال التبعية الكاملة التي آل اليها نظام الأسد، لا أحد يصدّق أنه تحرك لمعابثة أميركا من تلقائه، والأرجح أن الروس لم يتوقّعوا تحرّكاً أميركياً بهذين الإخراج والسرعة، فصواريخ «توماهوك»عبرت في رؤوسهم لتبلغهم رسالة مفادها أن الكرة باتت عندهم، وأن الضربة المقبلة تتوقف على سلوكهم، أي على إدارتهم لممارسات الأسد.

بعدما كان بوتين استثمر في ضعف اوباما وحقّق مكاسب، استعدّ للاستثمار في غباء ترامب وخوائه من خلال «تحالف» كان يعتزم هندسته ليكون له فيه تفوّق في الخبرة والقدرة على اللعب بكل الأوراق والمساومة في مختلف الملفات، من اوروبا الى الشرق الأوسط، ومن سورية الى اوكرانيا، فضلاً عن إيران وحتى الصين. لكن الضربة الأميركية حجّمت رهانات بوتين إنْ لم تكن قد زعزعتها، ثمة قواعد جديدة للعبة في سورية فيما لا يزال الجميع يردّدون بأن الاستراتيجية الأميركية لم تتضح بعد، والأرجح أنها لن تُعرف إلا عندما تصبح فاعلة وقريبة من تحقيق أهدافها، ليس في سورية فحسب بل في عموم المنطقة. وإذ يتبيّن الآن أن بوتين كان يلعب في المساحات الشرق أوسطية التي تعمّد اوباما إخلاءها له، فإنه لم يحسن التعامل أو تعامل بصلف وغطرسة مع شراكات عربية أقبلت عليه بدافع اليأس من اوباما، أما الشراكات التي استغلّها فقط لتسجيل نقاط ضد أميركا فإن أصحابها يبنون الآن آمالاً جديدة على واشنطن بعدما عادت تفتح أبوابها.

غداة الضربة الأميركية المحدّدة، لم يجد بوتين من يصطفّ معه في التنديد والاستنكار سوى إيران وكوريا الشمالية، بالإضافة طبعاً الى نظام الأسد. ليس هذا هو المحور الذي يُمكّنه من تحدّي أميركا. لكن قيصر الكرملين لم يخسر شيئاً استراتيجياً بعد، طالما أنه لم يخسره عسكرياً، إذ لا تزال سورية واقعياً في قبضته وبإمكانه أن يحرّك خيوطها ويواصل توظيفها للمشاكسة والإزعاج، إلا أنه بات واقعاً تحت الضغوط، فمن جهة عليه أن يضبط أداء الأسد والإيرانيين، ومن جهة أخرى عليه أن يردّ الصفعة التي تلقاها في سورية، والأهم أن عليه أن يبرهن عدم اندفاعه الى مواجهة عسكرية قد تؤدّي الى ما خشيه دائماً، وهو الغرق في سورية.

الهدف الأميركي المقبل قد يكون أحد المطارات أو المواقع التي تُصنّع فيها البراميل المتفجّرة، والمؤكّد أن الوضع في جبهة الجنوب سيتغيّر في غضون الشهرين المقبلين، بالتزامن مع وشوك معركة الرقّة التي لم يتقبّل الأسد والإيرانيون استبعادهم عن المشاركة. كلٌ من هذه العناصر يكفي لإشعال مواجهة اذا كان بوتين يسعى اليها، لكن لا يزال متاحاً أمامه أن يقوم بما تتوقعه الدول السبع منه، وفي طليعتها الولايات المتحدة، أي أن يضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار ويدفع نظام الأسد الى التفاوض جدّياً على حل سياسي. أما الردّ على أميركا، كما بدا في عمليات روسيا والنظام السوري واستخدام قنابل الفوسفور، فقد عنى أن أي ضربة ناقصة أو محدّدة تزيد وحشية بوتين والأسد ضد المدنيين السوريين.

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
طبول الحرب العالمية تقرع في سوريا

اكتشف “ترامب” ومن معه أخيراً حقيقة ما يحدث في سوريا من مجازر ومآسي تفجرها براميل وصواريخ الحقد التي سحقت وشردت ملايين الضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ.

هل هي الصحوة المتأخرة؟
أم أن الأسد أتمّ مهمته القذرة في الهدم والتدمير والتشريد والتقسيم بنجاح، وبدأت مخططات إعادة الإعمار وتقسيم الثروات بين الكبار.

عاد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من زيارته لموسكو بخفي حنين، وأتبع بعدها بفيتو ثامن ليقطع الشك باليقين، ويلخص ما حدث في دهاليز اللقاءات الغير ودية بين البلدين، ويرسم خارطة التصعيد في المرحلة القادمة.
وكأن ترامب ينتظر الكيميائي بفارغ الصبر ليحشد أنصاره، ويقتحم الملف السوري من أوسع أبوابه؛ ألا وهو باب المأساة والألم فيصعدّ كلما اشتدّ.

أراد تيلرسون إخبار لافروف أنّ ترامب الشرس المنحدر من الحزب الجمهوري، بطل الحروب الأمريكية غير أوباما الطفل الوديع المنحدر من الحزب الديمقراطي بطل التردد والتلون.

وأنّ الخلاف في القاعات وخلف الطاولات وحدة اللهجة في المؤتمرات الصحفية أمس، غير الخلاف في الساحات خلف مقود الطائرات والبوارج والصواريخ العابرة للقارات.

ردّ الروس كان عنيفاً وقاسياً بفيتو سجله “غينادي غاتيلوف” نائب وزير الخارجية الروسي وأكد أن موسكو ستستخدم حق النقض ضد مشروع القرار، الذي يطالب جيش الأسد التعاون مع تحقيق دولي حول الهجوم الكيميائي في خان شيخون بريف إدلب، الذي تسبب في مقتل وإصابة المئات، كما ردّ بتصعيد عسكري غير مسبوق على الأرض وقصف جنوني يعمّ كل مناطق المعارضة بلا استثناء.

رفضوا للعرض المقدم من الدول السبع بتخفيف العقوبات عن موسكو وإعادتها لمجموعة الثماني الكبار، وربط الملف السوري بملف القرم وأوكرانيا ومحاربة الإرهاب ودعم المرحلة الانتقالية بدون الأسد مع الحفاظ على المؤسسات.

وعلى الضفة الثانية يؤيد “ترامب” في موقفه المتحمس كل من “بريطانيا وكندا” الذين عبروا عن سعادتهم بالاقتحام الأمريكي للمشهد السوري بهذا العنف، وقد ظهر وزير الخارجية الأميركي “تيلرسون” الأربعاء بعدة مواقف لافتة بعيد لقائه بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، حيث أكد أنّ الثقة بين روسيا وأميركا ضعيفة بل بمستوى متدنٍّ، مكرراً أيضاً موقف واشنطن بأنه “لن يكون للأسد أو عائلته أي مكان في مستقبل سوريا”.

وكأن تركيا من جهتها تنتظر هذا الخلاف بفارغ الصبر لتبدأ العمل مع انتهاء الاستفتاء، ولتشمر عن ساعدها، وترتب صفوف الفصائل على أراضيها، ثم تقتحم المشهد بتجربة أكبر من تجربة درع الفرات، قد يكون وجهتها الرقة بعد أن نسف ضجيج صواريخ التوماهوك طاولة المفاوضات مع النظام السوري، وقلبها رأسا على عقب. تحت ذريعة محاربة “داعش” ستحاول تحجيم نفوذ إيران، والقضاء على الانفصاليين الأكراد، مستعينة بالموقف الأمريكي الأخير الذي حسم الموقف الغامض والمتذبذب بشأن مصير الرئيس بشار الأسد في حكم سوريا، يأتي هذا التفاؤل مع ظهور بوادر تحالف عسكري دولي تقوده كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا بالاشتراك مع دول عربية وخليجية لإسقاط بشار الأسد بالقوة، وتغيير النظام في سوريا.

لا شك أن ذهاب “تيلرسون” لموسكو يدل على البحث عن حل سياسي جدي، يضمن رحيل الأسد والحفاظ على المؤسسات؛ وهذا ما بينه المبعوث الأممي إلى سوريا “ستفان دي ميستورا”، فذكر أنّ “التقدمّ الهش الذي تحقق في مفاوضات سوريا أصبح بالفعل في خطر بالغ”، مبدياً وجود استعداد لعقد جولة من مفاوضات جنيف في أيار المقبل.

رمى “ترامب” بزيارة “نيلركسون” الكرة في ملعب بوتين، الذي ابتلع الصدمة بتوجيه الضربة الأخيرة لمطار الشعيرات، وذهب ليبحث عن حلفاء غير إيران والمليشيات، تستطيع الصمود في وجه هذا المعسكر الفظ.

فهل سيرد “بوتن” الضربة بمثلها؟ أم سيعيد حساباته ويبحث عن مخرج سياسي ينقذه من الغرق أكثر في هذا المستنقع السوري الدامي.

اقرأ المزيد
١٤ أبريل ٢٠١٧
اقطعوا رأس المرتد.. هكذا يحكمون بشرع الله.!!

أخاطبك يا ياسين ناصر.. يا رنتيسي.
هكذا لقبوك يا ياسين بعد انطلاق الثورة في مدينتك القصير.
أخاطبك، وأنت في السماوات العلى.
وقلبي يمتلئ حزناً وأسى، وأعصابي تتفجّر غضباً من الطريقة في إعدامك.
فكيف تنتقل إلى رحمته تعالى بهذا الاسلوب المعهود من قِبَل من يدّعون الإسلام ويرفعون راية لا إله إلا الله..!؟.
كيف، وأنت المسلم المؤمن، المتمسك بدينه وعقيدته وحبه لوطنه، والحريص على مجابهة سلطة الأسد وإيران وحزب الله.
وعلى أية شريعة اعتمدوا في حكمهم وأقاموا حد القتل بقطع رأسك يا ياسين.  
لا أدري والله كيف.!!.
..............................
يا ياسين..
لم أكن أعرفك إلا حينما ذهبنا معاً إلى الديار المقدسة لأداء العمرة في تموز عام 2006.!؟.
شاهدتك تركب الحافلة، وبرفقتك امرأتان، إحداهما عمتك، وهي تتجاوز قرن كامل، هكذا كانت ملامحها توحي بذلك، وهكذا علمتُ منك فيما بعد.
قلت في نفسي: أعانك الله أيها الشاب على هذه الرحلة، وربما عمتك هذه لن تعود إلى الوطن. وربما تكون الديار المقدسة هي الأرض التي ستموت وتدفن في تربتها تلك العجوز المعمّرة.
وسبحان الله، عندما كنا في طريق العودة من الديار المقدسة، لاحظت أن تلك العمة العجوز.. ابنة المئة عام قد دبّ في جسدها ونفسها النشاط والحيوية.  
بعد عودتنا إلى الوطن، كنت أراك مصادفة يا ياسين، فأسألك عن تلك العمة: هل ما تزال على قيد الحياة.!؟. فتجيبني ضاحكاً: لا تزال، وقوية أكثر من السابق.
.............................
هل تذكر يا ياسين كيف كنا نتناقش، هناك في الديار المقدسة، حول ملحمة تموز بين حزب الله وإسرائيل.!؟.
كنا مختلفين تماماً في الرأي، فأنا كنت مأخوذاً، كالكثيرين، بانتصارات حزب الله وبملحمته البطولية الرائعة، وبصواريخه التي وصلت إلى حيفا وما بعد.. بعد حيفا.!!!.
أما أنت فكنت تقول: هذه مؤامرة ومسرحية، أبطالها إسرائيل وإيران وحزب الله والأسد، وغايتها استهداف العرب السنة، ولو بعد حين.
هذا هو باختصار محور المناقشات التي كانت تجري بيننا.
واختلافنا في الرأي حول تلك الحرب الضروس.!!!، لم يفسد الود الذي نشأ بيننا.
.................................
وانطلقت الثورة السورية في آذار من عام 2011.
فهل تذكر يا ياسين، وأنت في السماوات العلى، كيف وقفتَ أنت مع الواقفين أمام الجامع الكبير بعد خروجكم من صلاة الجمعة، وتخططون للقيام بمظاهرة احتجاجية ضد السلطة الأسدية، وتضامناً مع أطفال درعا وشبابها.!؟.
كان الجميع متهيباً وخائفاً من بطش المخابرات وأزلام السلطة. لكنك، بحسب ما سمعتُ، كنتَ يا ياسين أول من صرخ "الله أكبر"، وهتف الناس وراءك ضد الظلم والطغيان.
هكذا انطلقت المظاهرة الأولى في مدينتنا القصير، وهتافها لم يكن إلا: حرية.. حرية.. سلمية.. سلمية ".
فيما بعد تحولت الانتفاضة إلى ثورة مسلحة، وكنت أنت واحداً من بين الثوار الذين دافعوا عن القصير وأهلها وأرضها الغالية ضد جرائم سلطة الأسد وميليشيا حزب الله.
ومرت الأيام والشهور، حتى ضاق الخناق على المدينة وأهلها وثوارها، وأصبح الوضع لا يحُسد عليه، ولم يكن أمام الجميع سوى خيارين، إما الموت أو الخروج والشتات.. كان ذلك في عام 2013.
قبل خروجنا ذلك الخروج المؤلم بأسبوع، تصادفنا معاً، والغبار يغطي المنطقة من كثرة القذائف التي تنهال وتنفجر هنا وهناك.  
كنت أسير قريباً من المخفر القديم، وأنا أحمل سلاحي.. أعني حاسوبي، وأتجه إلى المستشفى الميداني، بهدف استخدام شبكة التواصل الاجتماعي للاطلاع على أخبار الدنيا، فقد كانت متوفرة هناك. أما أنت فكنت مقبلاً بدراجتك الآلية من صوب الجامع الكبير، ومتجهاً إلى إحدى الجبهات لمتابعة واجبك المقدس تجاه مدينتك وأهلك.
ناديت عليك، وطلبت منك التوقف. وبعد السلام، قلت لك مباشرة: هل تذكر المناقشات التي جرت بيننا أثناء أداء العمرة حول حرب تموز المجيدة والنصر الإلهي.!!!.
تبسمت يا ياسين، وحرّكت برأسك، وكأنك تقول: أذكر ذلك جيداً، فقلت لك بقناعة صريحة وحازمة: كان رأيك هو السليم الصائب يا ياسين، ورأيي هو الخاطئ المغلوط.. فعلاً لم تكن حرب تموز إلا مسرحية، أبطالها إسرائيل وإيران وحزب الله والأسد. مع السلامة، الله معك، والله يحميك يا ياسين.
وذهب كلٌّ منا في حال سبيله.
بعد خروجنا من القصير، كان قدرك أن تظل حاملاً البندقية وتجاهد في سبيل الله والوطن ضد السلطة الظالمة الفاسدة وأعوانها من ميليشيا حزب الله وإيران، وأيضاً ضد من يتناغمون معهم في السر والعلن، ممن يدّعون أنهم وحدهم يمثلون الإسلام الصحيح.
ولكن هذا النوع من الجهاد، لم يعجب لا السلطة وأعوانها، ولا غيرها، ممن يرفعون راية لا إله إلا الله، ويطالبون بإعلان الخلافة الإسلامية، ويدعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
بعد وقوعك بين أيدهم، طبقوا الشريعة عليك وفيك يا ياسين، فأنت كنت واحداً من الثوار، وتابعاُ لأحد فصائل الجيش الحر، وتجابه الطغاة والبغاة والمنحرفين عن النهج الإسلامي السليم، وهذا الموقف كان كافياً بقناعتهم القبيحة لكي تصبح واحداً من المرتدّين.
وحُكمُ شريعتهم على المرتدّ هو قطع الرأس، فربّهم الذي يختلف عن رب المسلمين جميعاً، لا يأمرهم إلا بذلك، ولسوف يغضب عليهم، ويدخلهم نار جهنم خالدين فيها، إن نفذوا حكم الرب بغير هذه الطريقة.!!.
..................................
كم آلمني أسلوب موتك يا ياسين.. يا رنتيسي، فالشريط المصور تقشعر له الأبدان، ولا يمكن لقلب أي إنسان أن يتحمل المزيد من المشاهدة.
والمؤلم المبكي أن "السياف" كان يفتخر بفعلته أعظم افتخار.
وكيف لا يحق له أن يفتخر، فقد قطع رأس أحد المرتدين.!!.
يرحمك الله يا ياسين، ويرحم الطيبين من أمثالك، ويرحم شهداء سورية أجمعين.

اقرأ المزيد
١٣ أبريل ٢٠١٧
ضربة ترمب... «نهاية الخطّة الشريرة»

ارتبطت الضربة الأميركية الترمبية بسيلٍ من الاستعادة حدّ السخرية لخطابات وقرارات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، المتفرج بدمٍ بارد على الأزمة السورية، برغم الخطوط الحمر، وتحديد نهاية الصلاحية لرئيس النظام، واجتماعاته الكثيرة، وتصريحاته التي لا تحصى، وخططه الورقية، غير أنه لم يفعل شيئاً تجاه الأزمة السورية على الإطلاق، بل كان لفترة يسخر من تحميل أميركا أوزار التدخل وأثمانه الباهظة، مشبّهاً أي عملٍ عسكري بسوريا بفض نزاعٍ اعتباطي بأحد أدغال أفريقيا، مما جعل أسماء سياسية لامعة بالولايات المتحدة تتعجب من هذا الأفول والانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، وإخلاء المنطقة لروسيا وإيران وأذرعها الإرهابية الميليشياوية الدموية والمافياوية. اقتصر تدخله على دعمٍ لوجيستي محدد بليبيا، لم تعد أميركا الأمة «التي لا يمكن الاستغناء عنها» كما عبّر مرة بيل كلينتون، بل باتت معه «الأمة التي يمكن الاستغناء عنها»، حيث يردّ والي نصر على سياسات أوباما بكتابه بالعنوان ذاته، راسماً على شرحه «السياسة الخارجية في تراجع»، لكن هل تبقى كذلك بعد الضربة الترمبية الاستراتيجية؟!

العقيدة السياسية - التي تعبّر عنها صيغ الخطاب للإدارة الأميركية الحاليّة - تضع ضمن أولوياتها استعادة النفوذ بالمفاصل الحيوية بمنطقة الشرق الأوسط، والقرب أكثر من حماية مصالح الحلفاء وبخاصة دول الخليج، ولجم تمدد إيران، والتعاون مع دول الاعتدال بغية الحرب على الإرهاب، وتعزيز التعاون الاقتصادي، هذه العناصر الكبرى لما يمكن أن ترسمه خطوط الالتقاء بين أميركا والحلفاء في ظلّ اضطرابٍ غير مسبوق أبرز أسبابه إهمال الأزمة السورية وحالة التثبيط التي صنعتها السياسة الخارجية الأميركية، هذا قبل أن يتدخّل الرئيس القوي والشجاع دونالد ترمب ليضع حداً للفظاعة الوحشية التي يمارسها النظام السوري على نحوٍ يندر مثيله عبر التاريخ، نظام يريد اختبار صبر الإدارة الجديدة، ويكاد يحفر قبره بيده.

أولى نتائج الضربة، دبيب الفزع إلى قلب النظام، إذ كتب مايكل إيفانز، بصحيفة «التايمز» البريطانية أن «حصانة الرئيس بشار الأسد وعائلته التي حكمت سوريا بقبضة حديدية منذ عام 1970، انتهت، وأنه سيكون عليه أن يعيش بلا هاتف خلوي بعيداً من عيون الأقمار الصناعية الأميركية. إن الأسد أدرك بعد الهجوم بصواريخ توماهوك الأميركية أنَّ حياته قد تكون مهددة من قبل الأميركيين، في الوقت الذي بدأ فيه المدعون العموميون في أوروبا بمصادرة ما قيمته عشرات ملايين الجنيهات من ممتلكات عمه». هذا برغم محاولة العناد ومقاومة الضربة باستمرار أساليب الوحشية واغتيال المدنيين الأبرياء.

إن ما يحتاجه العالم من ترمب أن يكون النقيض المطلق لباراك أوباما، على كل المستويات.

وإذا كان أوباما - كما يصفه فؤاد عجمي - بأنه صاحب «الخطّة الشريرة» لتسليم المنطقة لإيران؛ أوباما القائل عن رموز نظام إيران: «إنهم أصحاب فكر استراتيجي وليسوا مندفعين، ولديهم رؤية ويهتمون بمصالحهم ويستجيبون للتكاليف والفوائد، وهذا لا يدفع إلى القول بأنها ليست دولة دينية تعتنق جميع الأفكار التي أبغضها، ولكنها ليست كوريا الشمالية. إنها دولة كبيرة قوية ترى أنها طرف مهم على الساحة العالمية، ولا أعتقد أن لها هدفاً انتحارياً، ويمكن أن تستجيب للحوافز»، فإن ترمب وفريق إدارته على النقيض منه، إذ يعتبرون النظام الإيراني هو راعي الإرهاب في جميع أنحاء العالم، وأساس «القاعدة»، وممر أسامة بن لادن، وأمين سر تنظيم داعش.

يعتبر عجمي أن أوباما هدد كثيراً ولم ينفذ أي قرارٍ عسكري عزم عليه، ما يهمّ به في المساء يتراجع عنه بالصباح مما جعل «سلطته موضعاً للسخرية، ومثلها سمعة أميركا في العالم، عندما هدّد بعواقب خطيرة للديكتاتورية السورية عقاباً لها على استخدامها السلاح الكيماوي، غير أنه لم يلبث أن تراجع واقترح تصويتاً في مجلسي الكونغرس على التحرك العسكري ضد سوريا»، ترمب هدد قليلاً، وفي آخر مؤتمر صحافي لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قبل الضربة لم يطرح حتى الخيار العسكري، غير أنه وبعد بضع ساعات كان مطر الصواريخ المشتعلة يدك مطار الشعيرات، أعيدت حينها عقارب الساعة ولن تعود المنطقة قبل الضربة كما هي بعدها، وبيان روسيا وإيران الأخير يوضح مستوى القلق، لقد عادت «أميركا الطبيعية» الأمّة التي لا يمكن الاستغناء عنها، فهي قوة القوى.

أميركا ليست مجرد بلدة سينمائية، بل هي موئل خلاصة القيم الغربية، ومن دون أدوارها لا يكتمل عقد النظام العالمي، وحين تنعزل ينكفئ العالم ويضطرب ويتلاطم، قدرها التاريخي والكوني أن تكون ضابطة إيقاع لكل الأحداث، وحين تبحر في خضم الأحداث تتراجع كل القوى. كان السياسي المخضرم هنري كيسنجر يأسى على منح أوباما الفرصة للروس لممارسة العبث المطلق بسوريا والمنطقة وهو الخبير بسلوكهم.

حضور أميركا بحضارتها وقيمها التي هي «قيم العصر» أفضل بالنسبة للعرب والمسلمين من حضاراتٍ أخرى مافياوية، خرافية، عدوانية، لا تمتلك قيماً تستحق التصدير.
إنه زمنٌ آخر، وتحوّل مشهود لتجاوز «سنين الانعزال».

اقرأ المزيد
١٣ أبريل ٢٠١٧
المناطق الآمنة في سوريا!

ليس واضحاً بعد مدى جدية الرئيس ترامب في إقامة منطقة أو مناطق آمنة في سوريا، رغم أن الهجوم بالغاز في بلدة خان شيخون الأسبوع الماضي أعاد الجدل حولها. تحدث ترامب في هذا الموضوع ثلاث مرات بعد أن أثاره للمرة الأول خلال حملته الانتخابية عندما قال إنه يتطلع إلى ما أسماه «قطعة أرض فسيحة يقيم فيها السوريون في أمان»، كما تحدث وزير خارجيته ريكس تيلرسون عنه بصيغة أخرى: «مناطق استقرار مؤقتة لمساعدة اللاجئين في العودة إلى ديارهم»، خلال اجتماع التحالف الدولي ضد الإرهاب في 22 مارس الماضي، ثم بحث هذا الموضوع في زيارته إلى تركيا في 30 من الشهر نفسه. ومع ذلك، ما زالت فكرة المناطق الآمنة غير واضحة لدى أركان الإدارة الأميركية، ربما باستثناء رغبتهم في توفير ملاذات للاجئين الذين يرفض ترامب دخولهم الولايات المتحدة تماماً.

ولا تخفى صعوبة إقامة منطقة آمنة أو أكثر في الأوضاع السورية الراهنة. فهي تثير الكثير من الأسئلة؛ بدءاً من منهجية إنشائها، وإمكانات إقناع روسيا بعدم استخدام حق النقض ضدها في مجلس الأمن، وكيفية تحقيق الحماية اللازمة لجعلها آمنة، وكذلك طريقة تمويلها، وهل ستكون هناك دول راعية لها، وسبل التوفيق بين هذه الدول. وتشكل الإجابات على هذه الأسئلة ما يمكن اعتباره الإطار القانوني الذي ينظم المنطقة أو المناطق الآمنة، وهل يكون إطاراً واحداً في حالة إقامة عدة مناطق، أم سيفرض اختلاف الظروف أطراً متعددة؟

غير أن هذا الجانب القانوني ليس إلا واحدة من صعوبات تواجه الفكرة في الواقع، وتنطوي على مشاكل عملية معقدة، وخاصة في شمال سوريا الذي تطالب تركيا منذ سنوات بإقامة منطقة آمنة فيه.

ورغم أن تركيا هي الدولة الأكثر تأييداً لهذه الفكرة، فإن سياستها المتشددة تجاه الأكراد أصبحت عائقاً أساسياً أمامها على المستوى الإقليمي الآن. فالهدف الأساسي لتركيا في المدى القصير والمتوسط هو إقامة شريط عازل على طول حدودها لمنع الأكراد من تأسيس كيان قابل للحياة، ووقف تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إليها وإعادة من لا تريدهم. أما الهدف الأبعد فهو أن تكون هذه المنطقة وسيلة لدعم نفوذها الإقليمي، وضمان حضور قوي لها في سوريا.

لذلك ارتبط تأييد تركيا للفكرة بطموح كبير لإقامة منطقة آمنة واسعة النطاق تمتد على طول حدودها مع سوريا، لكن هذا الطموح أُحبط نتيجة التفاهم الضمني بين روسيا وأميركا لوقف القوات التركية وحلفائها من فصائل «الجيش الحر» بعد سيطرتها على مدينة الباب، ومنع تقدمها إلى منبج، كما أن مشاركتها في معركة تحرير الرقة ليست مؤكدة. لذلك، فإذا افترضنا أن إدارة ترامب قررت العمل لإقامة مناطق آمنة، ووجدت صيغة للتفاهم مع روسيا بشأنها، فقد لا تبقى تركيا متحمسة لها، لأن المنطقة التي يمكن أن تُقام على حدودها ستكون أصغر كثيراً مما تطمح إليه. وهذا فضلاً عن أنها ستواجه مأزقاً صعباً إذا شمل التصور الأميركي إقامة منطقة آمنة ثانية في الشمال تحت إدارة كردية من شرق الفرات حتى الحدود العراقية.

وهذا هو السيناريو الأرجح حتى الآن لما يمكن أن يكون تصوراً أميركياً لفكرة المناطق الآمنة، سواء في ضوء سياسة واشنطن تجاه كل من تركيا والقوى الكردية في شمال سوريا، أم في ظل المعطيات الجغرافية المحدّدة لتلك الفكرة. فالمفترض أن يقوم أي تصور جاد في هذا المجال على بحث الحاجات الفعلية لتوفير ملاذات آمنة في مختلف مناطق سوريا. كما يصعب إغفال الحاجة في الوقت نفسه إلى منطقة آمنة في غرب سوريا، جهة الساحل أيضاً، لإرضاء روسيا ونظام الأسد، وأخرى في الجنوب بين درعا والقنيطرة مثلاً لأهميتها في الحد من تفاقم أزمة اللجوء السوري في الأردن بعد أن وصلت إلى مستوى يصعب تحمله. والأرجح أن تصر إيران، في حالة اقتناع روسيا بفكرة المناطق الآمنة، على إقامة منطقة أخرى على حدود لبنان الشرقية مع سوريا، وخاصة بين القلمون والقصير.

وهكذا تبدو المصالح طاغية على العامل الإنساني الذي يفترض أن يكون محور التفكير في إقامة مناطق آمنة سواء في سوريا أو غيرها. وكلما ازدادت المصالح وتعارضت، قلت فرص التفاهم وازدادت الصعوبات التي قد تجعل المناطق الآمنة في سوريا بعيدة المنال.

اقرأ المزيد
١٣ أبريل ٢٠١٧
3 خيارات أمام الأسد بعد الضربة الأميركية

حاول النظام السوري توجيه الأنظار إلى محدودية التدمير الذي أصاب مطار الشعيرات بفعل صواريخ «التوماهوك» الأميركية، من خلال سرعة استخدامه المطار نفسه في عملياته العسكرية ضد المدن المحيطة به، وإسقاط ما استطاع من ضحايا بشرية فيها، مع تخريب عمرانها، إعلاناً منه بأن تلك الضربة العقابية لم تنجز مفاعيلها المتوقّعة شعبياً، بكف يده عن مزيد من القتل والتدمير في سورية، إلا أن ذلك لم يوقف استمرار تعاظم مفاعيل الضربة معنوياً داخل دهاليز النظام وخارجه.

لقد أحدثت الضربة الأميركية للمطار، فجر يوم الجمعة في 7 الشهر الجاري، اضطراباً عارماً في التعامل الدولي مع الصراع في سورية، إذ استطاعت من خلال 59 صاروخاً قلب موازين القوى، وتغيير المعادلات الصراعية السائدة، وتصليب مواقف بعض الدول المترددة في موقفها من نظام الأسد، وزعزعة مواقع صداقاتها مع روسيا أيضاً. هكذا عاد الحديث مجدداً عن أولوية إبعاد الأسد يتردد في الأروقة الدولية، وفي الخطط المستقبلية للعملية التفاوضية، التي ينتظر منها أن تكون عاملاً حاسماً في بلورة الانتقال السياسي من نظام بشار الأسد إلى نظام جديد، يختلف الفاعلون في الصراع على تسميته وتحديد معالمه حتى اليوم.

مع ذلك فإن افتراق المصالح الروسية- الأميركية، بسبب تلك العملية، لم يحصل، بحسب التصريحات الروسية، إذ اقتصر الأمر على مجرد تجاذبات إعلامية ودبلوماسية، هي بمثابة ردة فعل طبيعية من موسكو، التي رأت في الضربة نوعاً من هز للهيبة التي ادعتها، وانتقاصاً من مشروعية دورها في سورية، وضربة كبيرة لمحاولاتها ترويج صناعة السلاح الروسية، التي كانت اعتبرت أن وجودها في قلب الصراع العسكري داخل الأراضي السورية يشكل فرصة دعائية لها.

أما الإدارة الأميركية، فهي من جهتها وضعت حجم الخلاف مع الجانب الروسي، الذي أحدثته الضربة، ضمن حدود ضيقة تسمح لوزير خارجيتها ريكس تيلرسون بمتابعة الحديث لدى لقائه نظيره سيرغي لافروف، عن الأولويات الثلاث الجديدة التي أضحت إدارة ترامب تنتهجها، وهي: أولاً، دحر «داعش» وإبعادها من الوصول إلى «الخلافة» لأنها تشكل الخطر الأكبر، بحسب تصريحات تيلرسون. ثانياً، تحجيم نفوذ إيران ودورها في المنطقة. ثالثاً، التوصل إلى وقف إطلاق النار بين قوات نظام الأسد والمعارضة السورية، حيث مصير الأسد يحدده الشعب السوري.

وبما أن ملف مكافحة الإرهاب هو على رأس جدول أولويات ترامب ومن يدور في فلكه من دول عربية وغربية، فإن الحديث عن خلاف أميركي روسي ربما لا يعدو كونه للتداول الإعلامي فحسب، فروسيا مهمة في هذه الحرب، حتى عندما يشار إلى إمكان أن تكون قوات النظام السوري طرفاً فيها، فالمقصود هو وجود الطرف الروسي كضامن لهذه القوات والذي يوفر لها أيضا الغطاء الجوي اللازم، وخاصة من محور دير الزور حسب الترويج الروسي لهذا السيناريو المقترح. وعليه فالحرص الروسي على ديمومة العلاقة ولو كانت متأرجحة مع أميركا أكبر بكثير من التصور الذي يضخمه الإعلام ويضعه بمثابة الحرب على الوجود الروسي في سورية.

وعلى الضفة المقابلة فإن الولايات المتحدة لا تمضي قدماً في إعلان روسيا هدفاً لها في سورية، إذ أكدت ذلك أكثر من مرة، سواء بإعلامها بموعد الضربة على مطار الشعيرات، أو بحرصها على عدم التصادم مع روسيا في الأجواء السورية. أيضاً، هناك مصلحة مشتركة تجمع الطرفين، في الأهداف التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية في ما يتعلق بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة ومحاصرته وتقطيع أوصاله في العواصم التي امتد إليها في العراق واليمن ولبنان وسورية، وتتقاطع هذه المصلحة مع مصالح عربية وأوروبية، تجعل الولايات المتحدة تمارس دور الوسيط أحياناً في تقريب وجهات النظر الغربية- الروسية لإنتاج صفقة شاملة تعيد الإدارة الأميركية من خلالها تموضع الدول على الخريطة الدولية، وتحقق في الوقت ذاته دفعة باتجاه العودة من جديد لإنتاج وقف إطلاق نار شامل (آستانة جديدة)، ربما، ولكن على الطريقة الأميركية هذه المرة.

كل ما تقدم يضع النظام السوري أمام تحولات في واقع الصراع، وهو الذي انصبّ جهده، طوال الفترة الماضية، على عرقلة تنفيذ اتفاق وقف العمليات القتالية، الذي وضعت بنوده حليفته موسكو، وأوجدت من خلاله ثغرات كثيرة، استطاع النظام عبرها توسيع مساحات سيطرته على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، كما تابع عمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، لضمان خط طريق صديق له في ما يسمى «سورية المفيدة»، والتي عمل مع إيران وميليشياتها على تنفيذها، وفي الوقت ذاته استخدم مفاوضات جنيف لكسب الوقت، وصرف الأنظار عن عملية الانتقال السياسي إلى محاربة الإرهاب.

بيد أن النظام اليوم، وعلى رغم الصمت على عنفه ضد المدن السورية، الذي مارسه بعد الضربة الأميركية، يقف أمام خيارات محدودة، أهمها:

1- المضي قدماً مع إيران في حربهما، وهو الأمر الذي يفقده حليفه الأهم، أي روسيا، التي لن ترغب في دخول مواجهة مع الولايات المتحدة ومعها أوروبا، حيث أنها أساساً دخلتها لفرض تفاهمات مع هذه الدول، تمكنها من حلحلة أو رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، على خلفية قضية أوكرانيا، ومن ضمنها مشكلة طريق الغاز وأسعار النفط، والدرع الصاروخية، بحيث تعيد بذلك موقعها كقطب مقابل ولو بحدود أقل مما كانت عليه خلال الحرب الباردة.

2- الرضوخ للإرادة الدولية والمضي قدماً في عملية تفاوضية تحقّق الانتقال السياسي، الذي يضمن جملة من المصالح الدولية والإقليمية، وخاصة ما يتعلق بالحدود مع إسرائيل وأمنها القومي، الذي ترعاه كل الدول الداخلة في الصراع على سورية، وهو الأمر الذي تهرب منه النظام خلال السنوات الست الماضية.

3- الحفاظ على الواقع القائم، من خلال محاولة شراء الوقت، والتملص من الاستحقاقات المفروضة على النظام، على ما جرى في مسارات مفاوضات جنيف، بانتظار تغيير المعادلات القائمة، لكن ذلك سيبقى محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً إذا حسمت الإدارة الأميركية أمرها.

هكذا، فإن الخيارات المطروحة لا تعطي النظام السوري فرصاً كبيرة في الحفاظ على وجوده مع كامل أركانه، ما يجعل رأس النظام اليوم، يعيش حالة قلق غير مسبوقة، إذ تهدد أي فرصة تقارب بين الإدارة الأميركية وروسيا، بالتعاون مع دول أوروبا، بإنتاج حل حقيقي وقريب للصراع في سورية، يحول دون استمرار الأسد جزءاً من الحل، كما كان ينتظر من التصريحات الأميركية السابقة، التي سمحت بتأجيل البتّ في الحديث عن مصيره إلى ما بعد وقف القتال بين قواته والمعارضة، وترك الأمر للشعب السوري، الذي لم يعد هو نفسه عدداً وتموضعاً، كما كان خلال سنوات الثورة الأولى، حيث قتل منه ما يقرب من نصف مليون وشرد نحو نصفه ودمرت معظم مدنه ولا يزال المجتمع الدولي يتذرع بإرادة هذا الشعب ذاته، الذي يعاني من الكارثة التي تسبب فيها استمرار النظام أو السماح باستمراره.

اقرأ المزيد
١٣ أبريل ٢٠١٧
موقع سورية في الصفقة الممكنة بين موسكو وواشنطن

بدأ حديث المقايضات في إطار صفقة أميركية - روسية بشأن سورية إنما ليس في إطار الصفقة الكبرى بين البلدين بما يشمل أوكرانيا ومصير العقوبات المفروضة على روسيا والتي ما زالت هدفاً بعيد المنال وصعب التحقيق. موقع إيران داخل سورية جزء من الحديث الجاري بلغة الممرات و «المطارات». «حزب الله» لن يتواجد في الجولان تلبية لمطالب إسرائيل الاستراتيجية، إنما موقف إسرائيل من فكرة الممر الإيراني إلى لبنان مرفق بتسهيلات مطار له هو اللافت، إن أتى بالموافقة العلنية أو الخفية. زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى موسكو واجتماعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف لحوالى أربع ساعات تبعه استقبال الرئيس فلاديمير بوتين إياه دليل على بدء حديث جدي بين إدارة ترامب وحكومة بوتين حول العلاقة الثنائية ومواقع الصفقة الممكنة، ولقد وقع الخيار على سورية. مشروع القرار الأميركي- البريطاني- الفرنسي في مجلس الأمن الذي دان استخدام الأسلحة الكيماوية في إدلب وطالب بفتح المطارات للتحقيق لاقى الفيتو الروسية الثامنة بعدما طلب المندوب الروسي تأجيل التصويت نظراً لتفاهمات بين تيلرسون ولافروف. لكن مؤشرات التصعيد في نيويورك عبر معارك الفيتو ليست بأهمية المقايضات التي بدأت بالتوازي في موسكو في اليوم ذاته. السفيرة الأميركية نيكي هايلي أطلقت المواقف الأميركية الافتتاحية للمفاوضات مع روسيا من قاعة مجلس الأمن الذي تترأسه للشهر الجاري، مشددة على «الشراكة» التي تريدها الولايات المتحدة مع روسيا في سورية. اتفاق وزيري الخارجية على محطات الشراكة والتفاهمات كان له عنوان لافت عند التأكيد على وحدة أراضي سورية، إلى جانب التأكيد على الشراكة في ضرب «داعش» كأولوية، فسورية الموحدة تعني رفض تقسيمها الذي يتم ميدانياً بما يخدم «الهلال» الذي هو جزء من المشروع الإيراني في سورية، ولذلك يدور الحديث عن ممر ومطار، تعويضاً لطهران التي لا تريد موسكو التخلي عنها إثباتاً لوفائها لحلفائها في التكتيك وفي الاستراتيجية. فموسكو تريد الصفقة مع واشنطن إنما ليس بأي ثمن. كلاهما يقر بأن الرئيس السوري بشار الأسد راحل عاجلاً أم آجلاً، فهو بات الآن «العقدة» المرحلية وليس العقدة المصيرية لسورية. رسالة واشنطن الأساسية إلى موسكو هي أن الفرصة مواتية لتأمينها باستراتيجية خروج من التورط في سورية على أساس صيانة مصالح أساسية لها، وإلا أمامها أن ترث سورية مكسَّرة بكل ما فيها من «دواعش»، ومعارضة عسكرية مُمكَّنة أميركياً، وعزم أميركي على الاستمتاع بتورط روسيا وإيران معاً في المستنقع. رسالة موسكو إلى واشنطن فحواها أنها جاهزة للمقايضة شرط ألا ترتبط الصفقة بأي انطباع يقلّل من مكانة روسيا كدولة استعادت العظمة عبر البوابة السورية، وشرط إقرار الولايات المتحدة بمصالح روسيا الاستراتيجية. مساحة التقاطع بين الرغبتين تبدو اليوم واسعة في أعقاب العملية الأميركية العسكرية في سورية التي فتحت باب المفاوضات الجدية.

صانعو القرار الأميركي نحو روسيا في سورية داخل الإدارة الأميركية -وخارجها- هم عسكريون يتقنون لغة الاستراتيجية الجغرافية- السياسية، وهم من كبار القيادات العسكرية الأميركية وأبرزها. سفيرة الديبلوماسية الأميركية، نيكي هايلي، نالت تقدير وإعجاب هذه المجموعة الفاعلة في صنع القرار، وباتت المعبِّر الأول عن السياسة العسكرية- السياسية الصادرة عن إدارة ترامب. الفكرة الأساسية وراء الرد العسكري السريع على استخدام الأسلحة الكيماوية في خان شيخون هي رسم الخطوط الحمر في الرمال نحو روسيا وإيران وليس فقط نحو سورية.

العنوان الأساسي هو إنهاء النزيف في سورية وإبلاغ الكرملين أن إدارة ترامب تعي أن السياسة الروسية والإيرانية قائمة على «الحل العسكري» في سورية وليس «الحل السياسي»، ولذلك قررت أن فرض ظروف وشروط عسكرية أميركية بات العنصر الجديد في المعادلة، في انقلاب على ظروف النأي بالنفس التي تبنتها إدارة أوباما في سورية.

هناك حوالى ألف عنصر عسكري أميركي في ساحة الحرب السورية، إنما هناك قدرات استطلاعية ضخمة لها قيمتها في ساحة الحرب العصرية. الخطط العسكرية جاهزة، ولذلك تمكن الرئيس دونالد ترامب من اتخاذ قراره بفورية إنما ليس باعتباطية، فلقد أحاط نفسه بقيادات عسكرية- سياسية وبات براغماتياً وجاهزاً لممارسة دوره وصلاحياته كرئيس الولايات المتحدة بناءً على النصيحة المهنية.

هؤلاء الفاعلون في صنع السياسة الأميركية الخارجية يريدون حواراً استراتيجياً مع روسيا، وهم ينظرون إلى تحديد مستقبل العلاقة الأميركية- الروسية من منظور التفوق العسكري الأميركي القاطع في المعادلة العسكرية بين الدولتين. بكلام آخر، رهانهم هو أن روسيا لن تجرؤ على مواجهة الولايات المتحدة عسكرياً، وأن كل قراراتها في سورية ستأخذ المعادلة العسكرية في الاعتبار. هذه أداة تفاوضية، في نظرهم، وهم جاهزون «لإبلاغ» العزم العسكري تكراراً، إذا كانت هناك حاجة لمثل هذا الإبلاغ، إنما ما يريدونه هو الحوار الاستراتيجي والتفاهمات ضمن فن صنع الصفقة.

إدارة ترامب مستفيدة من انطباع التصعيد مع روسيا لأنه يضع الرأي العام الأميركي خارج حلقة الشكوك والتهم بعلاقة مشبوهة بين أركان حملة ترامب الانتخابية وبين الحلقة الفاعلة في الكرملين بقيادة فلاديمير بوتين. الخوف من التصعيد مع روسيا قد يساهم أيضاً في تقبّل الصفقة الأميركية- الروسية، فالمسألة ليست مجرد تغيير الحديث الداخلي وإنما هي تجهيز المزاج الداخلي لتقبل التفاهمات الأميركية- الروسية.

عناوين إدارة ترامب في المباحثات مع الكرملين، بحسب مطلعين عن كثب على الحديث الأميركي- الروسي الجديد هي: فرض الحدود على النفوذ الإيراني في سورية، إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش»، وعدم إلحاق أي أذى بالمصالح الإسرائيلية. الرسالة الأميركية الأساسية إلى روسيا -يقول هؤلاء- هي: احذري، إن الوعاء الذي تكسرينه سيصبح ملكك. وهذا، في رأي إدارة ترامب أداة تأثير فاعلة لإيقاظ الكرملين إلى مغبة رفض الشراكة المعروضة.

القصد من مقولة امتلاك الوعاء المكسور هو أن سورية، في حال فشل التفاهمات، ستكون ساحة حرب أهلية، وفي حال «صوملة» لعشر سنوات أو أكثر، وسيكون في وسع الإرهابيين الذين هاجروا إلى سورية العودة إلى بلادهم ومحيطهم للانتقام فيما روسيا تغرق في مستنقع سورية، والكلام هنا عن المقاتلين الشيشان ومن الجمهوريات الإسلامية الخمس المحيطة بروسيا. «أفغنة» سورية أو «صوملتها» ليس في مصلحة روسيا، وفق التقويم الأميركي، ولذلك هي تحتاج لأن تعيد النظر في مواقفها.

تمسك موسكو ببشار الأسد تكتيكي ومؤقت وقابل للمقايضات، بحسب التفكير الأميركي، لا سيما أن البحث متقدم في عملية صياغة البديل من الأسد المقبول أميركياً وروسياً. وبما أن واشنطن ليست في عجلة كبرى لترحيل الأسد، وهي جاهزة للقبول باستمرار أركان النظام في دمشق من دون عائلة الأسد، فآفاق التوافق متوافرة، فمصير الأسد لم يعد العقدة الرئيسية في حال التوصل إلى التفاهمات الاستراتيجية الضامنة للمصالح الروسية والأميركية في سورية. والتركيز هنا هو على شرط التوصل إلى التفاهمات والصفقة.

مصير «حزب الله» ومصير الميليشيات التي تديرها طهران في سورية هو العقدة الأكبر. موسكو ليست جاهزة للتخلي عن طهران، وواشنطن تفهم صعوبة ذلك. لهذا، يدور الحديث حول معالجات واقعية لعقدة إيران في سورية. «حزب الله» جاهز للانسحاب من سورية حالما ترتئي طهران أن الوقت حان، وطهران لن تفعل ما لم تضمن ممراً لها إلى «حزب الله» في لبنان. موسكو جاهزة للإصرار على طهران أن تتأقلم مع واقع التفاهمات -إذا حصلت- وهي تقع تحت ضغوط أميركية مصرّة على تقليص نفوذ إيران في سورية، في حال أرادت الصفقة مع واشنطن.

روسيا قادرة على احتواء الطموحات الإيرانية والمشروع الإيراني في سورية ولديها أكثر من أداة، أبرزها، «تعرية» إيران عسكرياً في سورية إذا سحبت عنها الغطاء الحامي لها في علاقتهما الميدانية الاستراتيجية. إيران تعي تماماً أنها غير قادرة على الاحتفاظ بالأسد بمفردها ولا على فرض مشروعها في سورية ما لم تسمح لها روسيا بذلك. إدارة ترامب تستخدم تلك المعادلة لمطالبة الكرملين بحسم أمره من إيران. ولهذا يبرز الكلام عن إمكان التوافق الأميركي- الروسي على ممر ومطار لإيران يلبي وصولها إلى «حزب الله» في لبنان.

ما لا تريده موسكو هو الإيحاء بموافقتها على تغيير النظام في دمشق، ليس لأنها متمسكة ببقاء الأسد وإنما لأنها تخشى «مبدأ» تغيير أي نظام، في سورية أو في أوكرانيا أو غيرهما، لأنها في الواقع تخشى أن يكون هذا المبدأ من نصيبها بقرار أميركي. موسكو لن تتخلى عن إنجازاتها في سورية في غياب ضمانات أميركية تقر بمصالحها الحيوية في سورية، من القواعد العسكرية إلى حصتها في إعادة الإعمار، إلى بقائها قوة كبرى في الشرق الأوسط تؤخذ في الاعتبار.

وإلى حين وضوح تام لإقرار إدارة ترامب بهذه الركائز الأساسية للمصالح الروسية، لن تتراجع موسكو إطلاقاً عن تمسكها بالأسد ولا عن تحالفها مع إيران، فالحديث عن الصفقة ما زال في بدايته والطريق إلى إتمام الصفقة السورية وعرة ومثقلة بمطبات المفاجآت على الساحة السورية كما في ساحة العلاقة الروسية مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) وكذلك في موازين التطورات في أوكرانيا حيث تقبع تلك الصفقة الكبرى المستبعدة حالياً.

الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً بتورط مباشر في الحرب السورية أو في أوكرانيا، لكن إدارة ترامب لن تنأى بنفسها كما فعلت إدارة أوباما، فهي متأهبة لتوجيه ضربة عسكرية تلو الأخرى إذا لزم الأمر، وهي واثقة من أن موسكو لن تجرؤ على مواجهتها عسكرياً. إدارة ترامب جاهزة لصفقة مع روسيا لكنها لا تخشى رفض روسيا الصفقة، لأن الرفض سيؤذي روسيا أكثر ويجرها إلى مستنقع خطير في سورية.

فإذا كانت سورية موقع استعادة فلاديمير بوتين كرامة روسيا القومية ومكانتها قوةً عالمية في زمن باراك أوباما، فإن دونالد ترامب عازم على تنفيذ تعهده بجعل أميركا دولة عظمى مجدداً، لذلك يخاطب روسيا بلهجة فوقية من البوابة السورية.

اقرأ المزيد
١٣ أبريل ٢٠١٧
نهاية الخداع الروسي في سورية

أعادت الضربة الصاروخية الأميركية لقاعدة الشعيرات الجوية الأزمة في سورية سنوات إلى الوراء، بعدما تمكنت موسكو خلال هذه الفترة من تفتيت الإجماع الغربي والعربي على رحيل بشار الأسد، عبر تقديم نفسها «راعياً» لتسوية متعددة المراحل لإنهاء الحرب بالتعاون مع المجتمع الدولي، بينما لم يتعدّ ما قامت به عمليًا تثبيت نظام دمشق ومنحه ركائز للاستمرار. لكن هذا «الحل» الوهمي سقط اليوم وسقطت معه خديعة الحياد الروسي.

نجح بوتين من خلال سلسلة مناورات أعقبت المذبحة الكيماوية في غوطة دمشق في 2013، في إقناع الأميركيين والغربيين، من دون كبير جهد، بأن التركيز على إزاحة الأسد لا يخدم الوصول إلى تسوية في سورية، مستفيداً من انفتاح أميركي مواز على إيران، الداعم الرئيس الآخر لنظام دمشق، والتي دفعت في اتجاه تحييد موقف واشنطن.

بعد الغوطة ووعيد أوباما، قدمت روسيا بديلاً للأميركيين تمثل في «تفكيك» الترسانة الكيماوية للنظام، وحصلت على تأييد إسرائيل التي ضغطت معها على واشنطن للقبول بهذا الخيار. ومع أنه تبين اليوم بوضوح أن هذا الاتفاق جاء ناقصاً لأنه جعل خبراء الأمم المتحدة يكتفون بالتعامل مع الجزء المعلن من الترسانة، إلا أنه شكل في وقته «خرقاً» استغلته موسكو إلى أقصى الحدود في تلميع صورة «الحل» الذي تدعي رعايته.

وثبت لاحقاً ان إيجابيتها اللفظية كانت مجرد تمهيد للتدخل العسكري المباشر بعدما شعرت بتلاشي قوة النظام وعجز الميليشيات الإيرانية المتعددة بمفردها عن تأمينه. وسرعان ما تبدى ان كل ما وعد الروس بإنجازه لم يتم وفق الصورة التي قدموه بها. فاتفاقات وقف اطلاق النار المتنقلة التي رعوها انهارت في كل مرة شعر النظام انه يستطيع استغلالها لتحقيق تقدم ما، وباتت سياستهم تقتصر على ايجاد تبريرات لخروقه. كذلك تبين «فشل» موسكو في منع عمليات التهجير الطائفية التي ساومت عليها ايران وجرت، ولا تزال تجري، تحت نظر الروس.

قال الروس انهم يتدخلون في سورية لتحقيق التسوية وإن من الضروري أن يرسلوا قواتهم ليمسكوا بزمام الأمور. وسرت تحليلات وتوقعات بتقليص الدور الإيراني، لكن ظهر على الأرض ان موسكو زادت تنسيقها مع طهران في تبادل مرسوم للأدوار، تمثل في شكل جلي في حصار حلب ثم اجتياحها، ثم محاولة «تصفير» المعارضة في جنيف ونزع الأوراق من يدها.

واستخدم الروس ايضاً شعار «محاربة الإرهاب» لإغراء الغربيين القلقين، وسعوا إلى ضم نظام دمشق الى التحالف الدولي ضد «داعش»، لكن تبين عمليًا انهم لا يقصدون بالإرهاب سوى المعارضة المشروعة للنظام.

أما اليوم، وبعد الاعتداء الكيماوي على خان شيخون، فقد عادت مسألة إطاحة الأسد الى الأولويات الغربية، وباتت روسيا نفسها متهمة إما بالتواطؤ وإما بالعجز وإما بالتحايل على العالم، فيما نظام دمشق مهدد في عاصمته، وما تبقى من جيشه منهك وغير قادر على خوض اي قتال من دون مساعدة «الحرس الثوري» و «حزب الله» وسائر المجموعات الإيرانية.

وإلى جانب عروض التعاون التي حملها وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو، هناك التلويح بفرض عقوبات جديدة اذا واصلت روسيا حماية الأسد والتمسك بدور له في مستقبل سورية، بعدما استنفد كل شرعية له منذ سنوات طويلة. اي ان الأميركيين وحلفاءهم يخيرون الروس بين الانضمام الى حل يقوم على تغيير النظام وبين عزلة لن يقووا على تحملها، بعدما تهاوى مع الضربة الأميركية الغطاءُ العسكري والسياسي للنظام الذي حاولت روسيا الإيهام بمناعته.

ومع أن موسكو لا تزال تملك أوراقاً للمراوغة والمساومة، إلا أنها تدرك أن المواجهة مع الأميركيين وحلفائهم في سورية ستكون مكلفة جداً لها، في مقابل الدفاع عن «استثمار» بائس جداً يدعى نظام الأسد.

اقرأ المزيد
١٢ أبريل ٢٠١٧
الاحتمالات المفتوحة… توبيخ أمريكي أم تعديل في القرار بشأن الأسد

الاجتماعات الأخيرة ومحدودية الضربة الأمريكية الأخيرة، تجعل كل الاحتمالات مفتوحة بشأن مصير الأسد، وخاصة بعد إبلاغ الروس بالعمل قبل تنفيذ الهجوم على المطار، لتتم عملية الإخلاء قبل القصف.

فالحملة العسكرية الشرسة في الأيام القليلة الماضية، وقصف الطيران الخالي من السارين لم يتوقف بعدها، بل على العكس تماماً، لا يزال التصعيد هو السمة العامة للموقف الراهن، وكأن الأسد يقول للثوار بعد الضربة، إنهم يسمحون لي بقتلكم بكل أنواع الأسلحة من النابالم الحارق والخراطيم المتفجرة والارتجاجي والفوسفوري والعنقودي، إلا الكيميائي وهذا ما سأفعله، فانتظروا ردي عليكم نتيجة التوبيخ الأمريكي لي الذي تسببتم به أنتم.

ولذلك حذر الكثير من الناشطين في الداخل الأهالي من الانتقام الأسدي، والذي لم يتوقف أبداً، مما دفع الكثير للنزوح باتجاه المناطق الحدودية الأكثر أمناً، وارتفعت أجور المهربين لتركيا بشكل هائل، حتى وصلت حتى ال500 ألف ليرة سورية للشخص الواحد.

فلا يزال النظام يهدد خصومه، ويصفهم بالإرهابيين الذين سيقضي عليهم، يؤكد ذلك أيضاً، تصريحات حلفائه الذين اتهموا الثوار بمجزرة الكيميائي، وتخللها إصرارهم على دعمهم اللامحدود له.

ثم أكد ذلك ارتكاب الطيران الحربي السوري والروسي عدة مجازر في “سلقين وأورم الجوز وجسر الشغور” بأسلحة لا تراها الولايات المتحدة خطا أحمر، فنسفت الأسواق وأطبقت المباني على ساكنيها دون أي رادع، وكأن الأسد قد فهم الدرس جيداً، فابتعد عن خطوطهم الحمراء، وراح يتصرف بالساحة كما يشاء.

رغم الدعوات الأمريكية الجديدة لرحيل الأسد، تبقى السياسة الأمريكية متذبذبة، لأن المتوقع من التهديدات الأمريكية أكثر بكثير من صفعة على الرقبة، انتهى أثرها بسرعة دون حتى أن يسمع خصومه بها إلا من الإعلام الأمريكي، وقد حدثت بعد استئذان ولي أمره الروسي “بوتين”، والذي لم ينكر دعمه المطلق للأسد في وجه الإرهاب.

التناقض في سياسة ترامب مستمرة، بدأت منذ حملته الانتخابية، واستمرت بعد دخوله للبيت الأبيض.

واستمرارا التناقض في التصريحات إلى ما قبل التنفيذ الكيميائي، حين صرح مسؤول أمريكي أن إزاحة الأسد عن السلطة ليس من أولوياتنا.

ويظهر ذلك جلياً للسوريين، إذا قارنا تصريحاتهم عن النظام وبشار الأسد وداعش وعلاقته بروسيا.

بينما يواصل النظام والروس مع المليشيات الشيعية سياسة القتل والتدمير والتهجير على وتيرة واحدة، دون الالتفات للتصريحات الأمريكية المتذبذبة والمخادعة للحلفاء قبل الأعداء.

وسيبدأ اليوم أو غداً عملية إخلاء كل من “مضايا والزبداني” من ريف دمشق في مقابل إخلاء “كفريا والفوعة” من محافظة ادلب، وكأن النظام والروس لم يتبلغوا أي تهديد أو وعيد.

اقرأ المزيد
١٢ أبريل ٢٠١٧
"توماهوك".. كش ملك

وأخيراً... على رقعة الشطرنج السورية حركت واشنطن بيادقها، ففي خطوة لا تبدو وحيدة حتى الآن ولم تستغرق مدتها 30 دقيقة، تمكنت خلالها من قلب معادلة بذلت موسكو ومعها طهران منذ 6 سنوات مجهوداً حربياً وسياسياً من أجل فرضها، ونقلتهما من موقع الهجوم إلى الدفاع، موجهة لهما إنذاراً يبدو كأنه الأخير، إنذاراً يوجهه عادة لاعب الشطرنج عندما يقترب من حسم المباراة لصالحه، فيحذر خصمه أو منافسه بالقول: «كش ملك». فمنذ تاريخ 7 أبريل (نيسان) أصبحت موسكو وطهران مجبرتين على القيام بكل ما في وسعهما من أجل إزالة التهديد الجدي عن حجر الملك، حتى لا يخسرا المنافسة.

ميدانياً لم تغير صواريخ توماهوك الـ59 كثيراً من عقيدة واشنطن القتالية في سوريا، التي على الأرجح ستبقى في الوقت الراهن حذرة تتجنب الانغماس الميداني الواسع، على الرغم من جهوزية البنتاغون للقيام بضربات جديدة بحال اقتضت الحاجة لذلك، والحاجة لضربات جديدة لم تعد مقتصرة على استخدام السلاح الكيماوي فقط، بعدما أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترمب أوضح أنه في حال استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة مرة أخرى، فإنه مستعد للتحرك مجدداً في سوريا، وهو منطق غاب طويلاً عن مواقف صناع القرار في واشنطن، بحيث يمكن اعتباره بداية لتحول جذري في العقيدة السياسية للولايات المتحدة بعد باراك أوباما.

وعليه، فإن رسائل التوماهوك السياسية وصلت مباشرة للروس الذين لم يعد بإمكانهم بعد اليوم فرض رؤيتهم للحل في سوريا، فإصرار الكرملين عشية انعقاد قمة الدول الصناعية السبع في إيطاليا على اعتبار الحديث عن ضرورة رحيل بشار الأسد عن السلطة أمراً لن يساعد في الوصول إلى حل ينهي الملف السوري، لم يعد يلقى آذاناً صاغية في الغرب، وهو ما يمكن اعتباره من علامات التراجع الروسي في سوريا، الذي سينعكس سلباً على دور موسكو ومكانتها على المستوى الدولي، فقد حاول الكرملين استخدام سوريا منصة للتأسيس لنظام عالمي جديد تعترف واشنطن بتعدد أقطابه تحت سقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، الذي تستغله موسكو من خلال امتلاكها حق النقض (الفيتو)، من أجل فرض إرادتها في القضايا الدولية، واستخدمته سلاحاً استراتيجياً من أجل تعطيل أغلب مشاريع القرارات الأممية التي كانت تدين الأسد، وهو الورقة التي سحبت من يدها بعد أن قررت إدارة ترمب عدم انتظار تصويت مجلس الأمن على 3 مشاريع قرارات قدمت حول خان شيخون، وقامت باستخدام القوة دون الرجوع إلى الأمم المتحدة، في مشهد يعيد إلى أذهان الروس مرحلة التسعينات وبداية الألفية الثانية حينما مارست واشنطن أحادية قطبية، مكنتها من فرض شروطها على المجتمع الدولي، وهو ما يمكن إعادة تكراره الآن في سوريا ولاحقاً في أوكرانيا، حيث لم يعد مستبعداً أن تعيد واشنطن الاعتبار لقراءتها لمقررات «جنيف1»، وتتجنب العمل بالقرار الأممي 2254 حول سوريا الذي تبنى حينها منطق موسكو للحل، هو ما يعتبر ضربة قاسية للدبلوماسية الروسية التي تراجعت أسهم نفوذها العالمية سريعاً لصالح واشنطن، بعد الترحيب الدولي والإقليمي بالضربة الأميركية للأسد من دول كانت حتى عشية الضربة تتماهى في مواقفها من الأزمة السورية ومستقبل الأسد مع موقف الكرملين.

في المقابل، تعلم طهران أنها المستهدف الأول عسكرياً وسياسياً من الصواريخ الأميركية، وأنها في ظل إدارة ترمب لا يمكن أن تحصل حتى ولو على جزء بسيط مما قد تحصل عليه موسكو في سوريا، حيث أجمعت كل الأطراف الدولية والإقليمية على ضرورة خروجها وميليشياتها من سوريا، وهي تفسر إصرار واشنطن على رفض وجود للأسد في مستقبل سوريا إلغاء كامل لنفوذها في هذا البلد، أما منع مشاركتها في الحرب على «داعش» إنهاء لكل الحجج التي ساقتها من أجل تبرير مشاركتها في الأزمة السورية، فيما يكمن قلقها الأكبر من أن تقبل موسكو التي هز التوماهوك هيبتها بالتسوية مع واشنطن على حساب تحالفها معها، وهي الخطوة التي تمهد لطردها من سوريا تحت ضغوط سياسية، ومن الممكن أن تكون عسكرية.

يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاهل وجود صديقه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في موسكو، ولكنه من المستحيل أن يستطيع تجاهل مواقفه التي سينقلها له وزير خارجيته سيرغي لافروف، وعلى الرغم من الليونة في تصريحاته التي سبقت وصوله، فإن تيلرسون يمثل الآن الجمهوريين المنتصرين في الحرب الباردة، ويعبر عن رؤيتهم لطبيعة العلاقة الجديدة مع موسكو، وهي رؤية مهما حاول تيلرسون تلطيفها، فإنها تحمل في طياتها التلويح بصواريخ «المنباد» والعقوبات الاقتصادية وسباق التسلح وتوسع «الناتو»، مما يجعل موسكو أكثر حرصاً على بيادقها وتحرك حجارتها لوقف تقدم الخصم، وتسخر كل خطواتها من أجل حماية ملكها أو مملوكها - وفقاً للتعبير القوقازي - على سوريا.

اقرأ المزيد
١٢ أبريل ٢٠١٧
ضربة ترمب... وأفول الأوبامية المترددة!

منذ أن تولّى ترمب سدة الرئاسة بالولايات المتحدة، والعالم يراقب سلوك الرئيس الجديد المثير للجدل، وبرغم عدم الجدية الذي قوبل به من نجوم السينما، ومعلقي الشاشات، ومحللي السياسات، فإنه أثبت يوماً بعد يوم أنه رجل قوي، وضمن إدارة قوية، ويدير الملفات الشائكة بعمقٍ سياسي لافت، والأهم من ذلك عودته إلى القيم الأميركية الكلاسيكية.

حين وقعت الضربة الأميركية على مطار الشعيرات، انبعث قاموس أميركا الطبيعي، كالحفاظ على الأمن القومي، ومصالح أميركا الاستراتيجية، والدفاع عن المجتمعات ضد الطغاة... وسياسة «التدخل» جزء من سياسة أميركا، أن تحمي مصالح الولايات المتحدة، أو تتدخل للحفاظ على الأمن العالمي، فهي الأقدر على ضبط الإيقاع السياسي، لما تملكه من قوة، ولما تتمتع به من قيم.

كان التدخل الأميركي في منتصف القرن العشرين، يقوم على حماية الدول الحليفة ضد أي مد شيوعي، ومعروف خطاب أيزنهاور عام 1957 حين حذّر من تعرض الدول الحليفة بالشرق الأوسط، لأي عدوانٍ شيوعي، وتعهد باستعمال القوات المسلحة بشكلٍ مباشر بغية صد أي عدوان، وقد تدخّلت القوات الأميركية في لبنان عام 1958 من أجل تخفيف التوتر، في ظلّ ذلك الزخم لمبادئ أيزنهاور التاريخية، والدفاعية، والمباشرة، زار الملك السعودي الراحل سعود بن عبد العزيز، واشنطن في 30 يونيو (حزيران) 1957. يحلل الزيارة المؤرخ الفرنسي (جاك بونوا ميشان) في كتابه «الملك سعود - الشرق في زمن التحولات» معتبراً أنها جاءت بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر، الذي نجم عنه «أفول السيطرة البريطانية على سياسات المنطقة، وحليفتها فرنسا التي بدأت تواجه الثورة الجزائرية، وبدأ الاتحاد السوفياتي بدعم الأقطار العربية». كان البحث يتعلّق بموضوع «سد الفراغ» في المنطقة خصوصاً مع الزحف السوفياتي الموبوء، وتشجيعه لأطرافٍ على حساب أخرى، وكان من ضمن نتائج الزيارة التعهد بالدفاع الأميركي عن المصالح والحلفاء، وهكذا أثمرت المبادئ تدخل أميركا المثمر، لتحرير الكويت عام 1990.

تدخل أميركا في لبنان، أو البوسنة، وكوسوفو، وأفغانستان، وليبيا، واليمن، وسوريا ضروري من أجل إحلال السلام. لقد تميزت الخارجية الأميركية في أوقات الذروة السياسية، بأنها المتدخلة دائماً بالحرب من أجل صناعة السلام، أمطرت أميركا ميلوسوفيتش بالطائرات، وأرسلت المدافع الثقيلة، وفي الوقت نفسه أعطته توقيت الجلوس إلى الطاولة، وأُرغم على اتفاق «دايتون» في 14 ديسمبر (كانون الأول) 1995. لهذا نادى كبار الاستراتيجيين بالولايات المتحدة، بأن تستعيد أميركا تجربة اتفاق «دايتون»؛ الحرب على مفاصل النظام، ومنعه من التحرك بسهولة، وسحق قوته حتى ينصاع إلى الطاولة، ويأتي إلى اتفاق سياسي موضوعي، تنتهي فيه مأساة أمة، وشعب، ودولة.

خُلِّدت أسماء رؤساء أميركيين، لأنهم تدخلوا في الوقت المناسب، من أجل الحفاظ على مصالحهم وتمتين قوة حلفائهم، ففي بداية الحرب العالمية الثانية لم يكن روزفلت يرغب في التدخل، غير أن إصابة فرنسا وبريطانيا الحليفتين للولايات المتحدة، بمقتل، جعلته يدعم الدولتين بالسفن والعتاد، وحين قتل أكثر من ألفي أميركي، أعلن روزفلت دخول الولايات المتحدة الحرب، كانت أغلبية الأميركيين ضد التدخل «المغامر»، غير أنه من أنجح القرارات، التي اتخذها رئيس أميركي على الإطلاق، إذ شقّ الحلفاء طريقهم الممهدة إلى النصر، وتغير وجه العالم.

ضربة ترمب بغض النظر عن مستواها وتأثيرها، أو إمكانية تكرارها، إلا أن الأهم أننا شهدنا تغيراً في السلوك الأميركي بالتعاطي مع الأزمات الدولية، والنكبات الإنسانية، والأنظمة الشمولية الديكتاتورية، ولن يكون بوسع إيران العبث كما تشاء في المنطقة، كما في سنين أوباما العجاف، ولن يكون النظام السوري بمنأى عن المحاسبة، ولن يفلت الرئيس السوري من جرائمه عاجلاً أم آجلاً، ذلك أن أميركا المعتادة والطبيعية قد عادت. هذه هي أميركا، ولطالما ردد ترمب ومقربوه «زمن أوباما انتهى».

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان