منذ تدخل الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، والأحاديث تتصاعد حول دورها الإمبراطوري، وإمكانية تحول قوتها إلى أداة تدمير للدول المعادية، والمشاريع المختلفة. في المقابل، عُرِفت التيارات الشمولية بمعاداتها للقيم الأميركية، باعتبارها منتجات لقوة «إمبريالية» تخطط للسيطرة على العالم من خلال الأزياء، والجينز، والوجبات السريعة، والمشروبات الغازية، والسينما، وثيمة الرجل القوي الذي لا يهزم، كما في سلسلة أفلام جيمس بوند، أو أفلام رامبو، التي رغم مبالغاتها، فإنها كانت مؤثرة، شرقاً وغرباً!
تطوّرت الحالة الأميركية، وتفتقت العبقرية الإعلامية عن سيطرة مشهودة، فبات كل شيء أميركياً تقريباً، لأن أميركا ذات قيم مختصرة، وأساسها الحرية والقانون والعدالة، ولا يمكن فصل قوتها العسكرية عن قوتها الميديائية الساحرة، بالإضافة لكونها ذات جذور غير عميقة بالتاريخ والصراعات، إذ وجدت منذ ثلاثمائة سنة، وقيمها خليط من الحضارات والشعوب والأمم، واستلهمت عُصارة الحضارة الأوروبية، وطورتها ضمن مكائنها واحتياجاتها.
في لقاء بين وزيري الخارجية، الروسي لافروف والأميركي تيلرسون، تحدث الأول عن ضرورة «الوعي بالتاريخ»، قبل الدخول في الأزمة السورية، وقال له بشيء من التعالي: «إنك حديث في مهمتك، وليتك تعرف سياق الأزمة تاريخياً»، غير أن الوزير الأميركي أحاطه بأن ما يهم أميركا هو الواقع والحدث الحالي، والتاريخ ليس جزءاً من الاهتمام الشخصي، فأميركا تاريخها حديث أصلاً. تراجع الروس عملياً، حتى وإن تصاعدت لغتهم وتعالت، ذلك أن أميركا لديها قوة ضغط مهولة تتعلق بالعقوبات، وأزمات روسيا الداخلية. وتعرف موسكو أن القوة الأميركية ليست مجالاً للمزاح، وبخاصة في عهد غير عهد أوباما.
ضمن ذلك السياق، يدور الحديث دائماً حول طموحات أميركا العسكرية؛ تتعارض الآراء بين قائلٍ إنها الدولة القوية القادرة على حل الأزمات، والتدخل في مفاصل المعارك، وحسم الصراعات، والبعض الآخر يراها دولة استعمارية إمبريالية توسعية، ولكن كيف يمكن توضيح الدور الأميركي بالشكل الأدق، والأكثر علميةً ومعرفيةً؟!
العميد السابق لمدرسة جون كيندي الحكومية، جوزيف ناي، كتب دراسةً عن «مستقبل القوة الأميركية»، حلل فيها باتزان موضوع دور القوة الأميركية، وعواقبه أحياناً، إذ يعتبر أن إدارة القوة أهم من القوة ذاتها، مقارناً بين القوة الأميركية والصينية مع الفارق، إذ لا تزال أميركا تتفوق، على مستوى العدة العسكرية والعتاد، والغنى التكنولوجي.
يقول في دراسته: «ستظل الولايات المتحدة، بوصفها القوة الكبرى، محافظةً على أهميتها في الشؤون العالمية، ولكن سرد القرن الحادي والعشرين بوصفه قرن التفوق الأميركي، وكذلك أي سرد حول الاضمحلال الأميركي، مضللٌ عندما يسترشد به في تحديد نوع الاستراتيجية التي ستكون ضرورية في القرن الحادي والعشرين. ومن غير المحتمل أن تشهد العقود المقبلة ظهور (عالم ما بعد أميركا)، ولكن الولايات المتحدة ستحتاج إلى استراتيجيةٍ ذكية، تجمع بين موارد القوة الخشنة والقوة الناعمة، وتؤكد التحالفات والشبكات التي ستستجيب للسياق الجديد؛ سياق عصر المعلومات العالمي».
تتدخل الولايات المتحدة في الأزمات، ليس بوصفها أداة استعمار واحتلال بالضرورة، وإنما لقدرتها على دحض المقولات العسكرية والسياسية، من دول عظمى ترى في خلل إنساني ما أمراً طبيعياً، ولا يمكن الحديث عن دافعٍ إنساني محض، بل قد تكون هناك رغبة في استعادة النفوذ، وإضعاف قوى أخرى. وليس سراً أن النفوذ الأميركي من مصلحته أن يتدخل في سوريا على المستويين العسكري والسياسي، بغية إضعاف التدخل الروسي. ودون ذلك التدخل، فإن روسيا وإيران ستعيثان في منطقة الهلال الخصيب فساداً، وستنفرد قواهما في الأمر والتدبير، وهذا مُضر بالأمن القومي الأميركي.
المقولات القديمة حول أميركا لم تعد مجدية، فقد ذهبت التيارات اللغوية الشاتمة، وبقيت هذه القوة العظمى، التي تستطيع أن تغطي بقيمها الإنسانية على المشاريع الدموية، والآيديولوجيات الإقصائية، فهل من عاقل يعتبر قيم حزب البعث السوري، على سبيل المثال، منافسةً لقيم الولايات المتحدة؟!
لن يسعدني العدوان الأميركي على بلادي، كما لم يسعدني قبله أي عدوان، أنا السوري الصامت بالع الموسى على الحدّين. ولم تكن لتسعدني استباحة سمائي ومائي وأرضي من أي طرفٍ أجنبي كان. لا يسعدني أي أمر، لكن هناك أمورًا كثيرة تحزنني وتقهرني وتملؤني شعورًا بالذل والمهانة والهزيمة.
ربما إبريل/ نيسان بالنسبة لي هو شهر المشاعر اللعينة هذه التي تأكل روحي، نيسان الذي يذكّرني بأننا شعبٌ لم نعرف الاستقلال، وكل عام يحتفلون في بلادي بعيد الاستقلال الذي اعتمد اسمه رسميًا بعيد الجلاء. بلى، هو جلاء آخر جندي فرنسي عن أرض سورية التي كانت تحت انتداب دولةٍ تقاسمت المنطقة، وقسمتها بموجب معاهدة سايكس بيكو، بعدما أرضوا تركيا بقسم عزيز من أرض سورية.
سورية لم تتحرّر، فالحرية الحقيقية هي استقلال الإرادة، وأول خطوةٍ في الحرية تبدأ بخطوة حرة، الخطوة الحرّة تعثرت منذ بداياتها، منذ تعاقبت على سورية بعد الانتداب انقلاباتٌ عسكريةٌ حتى استيلاء حزب البعث الذي وُلد ذات نيسان أيضًا على السلطة، وبقائه في سدّة الحكم سبعين عامًا، يحكم البلاد ويتحكّم بمصيرها، بإقامته نظاماً عسكرياً قمعياً أمنياً بعد انقلاب الحركة التصحيحية عام 1970، ولمّا يزل هذا النظام في سورية.
يحزنني أن السوريين انقسموا باكرًا، وانشغلوا بالعداوات البينية، وكل فريق راح يبني الآمال والأحلام على قوة خارجية، ويتلقى الدعم اللوجستي والمعنوي منها، بينما الشعب يقتل ويشرّد ويهجّر، والمجتمع ينهار ومؤسسات الدولة تتداعى ورصيدنا الذي راكمناه من لقمة أطفالنا ومستقبلهم يتبدّد.
أي جهل وضلال وتغريب هذا الذي يحصل؟ يراهنون على القوى التي تتصارع على مصالحها بأرواحنا، متوهمين أن للسياسة أخلاقًا، وأن مواقف القوى المتصارعة فوق أرضنا مبدئية، ويضرمون نار الطائفية والعصبية في صدورهم. التبست صورة الاتحاد السوفييتي بصورة روسيا اليوم، روسيا الدولة الرأسمالية الساعية إلى ترسيخ موطئ قدمها في الساحة العالمية، فمنهم من اعتبرها حامي الحمى وضامن المستقبل، ومنهم من عاداها سابقًا، لأنها دولة شيوعية، استثمر عداءه التاريخي لها انطلاقًا من هذا الموقف. وأما أميركا التي لم تكن يومًا في تاريخها مناصرة لقضايا شعوبنا، ولم تكن إلا دولة استعمارية كبرى، تسعى إلى الاستئثار بالسيادة على العالم، وصديقتها وحليفتها الدائمة في قلب أوطاننا هي إسرائيل، فشعبنا آخر همها، كيف استفاق الحس الإنساني لديها اليوم وأطفال سورية يقتلون في مهدهم منذ سنوات ست؟ على الرغم من بشاعة المجزرة التي حصدت أطفال خان شيخون، لكنها لم تكن المجزرة الأولى، ولا الأكبر في تاريخ هذه الحرب اللعينة. لقد حصدت البراميل أكثر، وحصد طيران التحالف أكثر، وحصد الطيران الروسي أكثر، وطاولت سكاكين "داعش" وجبهة النصرة نحورًا غضّة وأحلامًا طاهرة، وابتلع البحر كثيرين لم يلفظهم كما لفظ الطفل إيلان، ولم تتحرّك أميركا، ولم يتحرّك العالم.
هل ذاكرتنا مثقوبة إلى هذه الدرجة، حتى لم تعد تستطيع أن تنبش من أرشيفها صور المجازر والقتل والدمار والتهجير؟ أم إن الغشاوة على أبصارنا وبصائرنا تزداد سماكةً، فلا نعود نرى أو نسمع إلا أصوات الضغينة والثأر ترسم لنا واقعًا يقضي على أدنى إمكانيةٍ لأن نصحو ونعرف من أين نمسك بمصيرنا؟
يا للمهزلة والفاجعة، صار بوتين هو "أبو علي بوتين"، وصار ترامب "أسد السنة" و"أبو عمر ترامب"، في استدعاءٍ قاتلٍ لإرث أكثر من ألف وأربعمئة عام من الشقاق المبارك من سلاطين الاستبداد مجتمعين، غافلين عن المجازر التي يرتكبها المدعوان في أرضنا بفجاجة وفجور صريحيْن، أو بالوكالة عن طريق أدواتهما، فأي دركٍ من التفكير والإدراك والفهم والانحطاط العاطفي قد وصلنا إليه؟ صرنا نشهر ولاءاتنا برموزٍ نعيد تداولها وتكرارها، انطلاقًا من ثوابت التفكير الذي رسخه النظام الشمولي بمهارته الفذّة في تصنيع الكوادر، فصُور "بو علي بوتين" تلصق على السيارات وحافلات النقل العامة، وتشهر على الواجهات، مثلما اعتادت ذاكرتنا البصرية على مدى 50 عامًا على رؤية صورة الزعيم القائد في كل مكان. وبعد الضربة الأميركية على مطار الشعيرات، الضربة الإشكالية التي ليست أكثر من حركة تضليل، تعيد خلط الأوراق، وتربك مشاعر الناس الغاضبة والمحقونة، عمد مشتركون على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) إلى وضع صورة ترامب الممهورة بكلمة "منحبك" صورة شخصية.
هذا السوري الذي فاجأ نفسه بعد الحراك بصورةٍ تتناقض مع تصوره عن نفسه، بعدما حُقن، عقوداً خلت، بمشاعر العزة والكرامة والوطنية والتميز والتفرد، مشاعر خلبية خادعة مارست تنويم الفكر والمشاعر عليه، لم يستطع الانفلات من قيد القالب الذي يحاصره، لم يستطع امتلاك أدوات تفكير جديدة، تناسب طموحه وجنوحه نحو الحرية، ما زال عبدًا للمفاهيم التي صنعها الاستبداد ولأدوات التفكير والتعبير التي لم يتقن غيرها بعد، فعلى مدى الحراك الذي دخل سنته السابعة، لم يتخلص السوري من الشخصنة، إن كان بدايةً في إطلاق تسمياتٍ على أيام الجمعة وقت الحراك السلمي والتظاهر، إلى اليوم، ليس فقط الشخصنة والحاجة دائمًا إلى "زعيم" يتبعه ويمنحه الولاء، بل الحاجة العاطفية، التعلق الشعوري والنفسي به، حاجته إلى الأب مثلما لو كان محرومًا من الأبوة، أو لو أن الحياة لا تستقيم بلا سندٍ قويٍّ جبار، يتكثف معناه في صورة القائد الخالد الرمز.
السوري المنتهك جسديًا ونفسيًا وروحيًا، دفعته الحرب الملعونة، المدعومة بحرب إعلامية جبارة، إلى متاريس العداوة البينية، فصارت مواقفه كيديةً من دون إدراكٍ للكارثة التي تحيق بوطنه، مواقف مبنية على العصبية الطائفية والمذهبية والقومية، صار السوري عدو السوري لدى غالبية الشعب، وصار الوطن والوطنية بازارًا للمساومة والاحتكار، وصار التخوين يُبنى على الولاءات الخارجية، وفق الأجندات المطروحة، فمن لا يؤيد ولاءاتي خائن للقضية والوطن، بينما العالم يسوّي حساباته على حساب مصيرنا ومستقبلنا وأحلامنا. لم يعد السوري ينتبه إلى أن الوطن هو المنتهك، وأن أبناءه يفقدون حصتهم فيه ومستقبلهم عليه، بل صار يُسكت صوت العقل، فيما لو اخترق مجاله السمعي، لأن صراخ الدم أقوى وأعتى، صراخ الدم ليس صوتًا فقط، هو نار تتّقد في الصدور، تضرمها الخطابات المأجورة، ولا يخمدها غير الثأرية المرتجاة، الثأرية المدفوع لها، كي تتغوّل وتبدّد طاقاته، وتدفعه إلى حمل سلاحه وإشهاره نحو الدريئة الخطأ، نحو أخيه في الوطن، بعد أن شرخت الحرب الصدور والنفوس، وقضت على الرحمة والتراحم وصلة الرحم.
في السابع عشر من أبريل/ نيسان، في العام 1946، طرد الشعب السوري آخر جندي فرنسي عن أرض بلاده، فدوّن عيدًا تاريخيًا سُمّي "عيد الجلاء". ربما هذه التسمية من الحقائق القليلة التي تحسب للتاريخ، فالجلاء لا يعني الاستقلال. والاستقلال، بتعريفٍ بسيطٍ، ليس إلا استقلال الإرادة وحرية صنع المصير، وقد صودر الإنجاز التاريخي للشعب السوري، منذ استلبت قراره وحقه في صنع حياته ومصيره أنظمة عاتية الديكتاتورية، سلبته إحساسه بنفسه، وغرّبته عنها، فكانت النتيجة الفادحة ما نراه اليوم: احتفالا بالغزو الأميركي، وقبله تهليلا للهيمنة الروسية ومباركة لغاراتها وما تحصد من أرواح الأبرياء، وانقسام الشعب بين مؤيد لـ "بو علي بوتين" ومؤيد لـ ترامب "أسد السنة"، وسماؤنا مستباحة، مثلما أرضنا وآدميتنا، وبدلاً من التفكير بالاستقلال عن كل ما يعيق تحقيق الحلم الذي انتفض من أجله الشعب، والسعي إلى إحياء الوطن من جديد، وإعادة إعماره على أساس المواطنة السليمة المعافاة، ازددنا انقسامًا وتبعيةً وفق نزعاتٍ عصبيةٍ مذهبيةٍ وطائفيةٍ بجدارة تمنح الطامعين بسيادتنا من طغاة وحلفائهم ما يفوق ما ارتجوه من حربهم علينا.
مثلت الضربة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات في حمص تغيراً جذرياً في الموقف الأميركي من سورية، وتحديداً ضد نظام الرئيس بشار الأسد. لقد استخدم الرئيس ترامب كلمات قاسية جداً بحق الأسد، فوصفه بأنه «شرير» وغير ذلك من العبارات المسيئة التي تعكس موقفاً شخصياً أكثر منها موقفاً سياسياً. وفي حالة سورية فإن الموقف الشخصي للرئيس الأميركي هو أهم بكثير من الموقف السياسي لأسباب عدة:
أولاً: الملف السوري أصبح معقداً ومتشعباً واختلطت فيه قضايا كثيرة كاللاجئين والتدخلات الإقليمية والإرهاب وغيرها، وكلها تدفع أي دولة بما فيها أميركا للتردد في اتخاذ أي موقف أو التصدي لحل هذه القضية لأنها ستتحمل كل تبعاتها، وقد وصل الرئيس السابق أوباما إلى هذه النتيجة وقرر أن لا يتعامل مع هذا الملف كلياً وتركه للتعفن حتى وصلت الأزمة السورية إلى ما وصلت إليه، وهي الخلاصة ذاتها التي كان المرشح ترامب يحملها، وبقي على ذلك الموقف خلال أسابيعه الأولى في البيت الأبيض، وبالتالي قرر متابعة سياسة سلفه في عدم الانخراط في القضية السورية والتركيز فقط على تفصيل صغير يتعلق بالقضاء على «داعش»، ومن خلال الغارات الجوية حصراً والاعتماد على حلفاء محليين على الأرض من أجل تنفيذ هذه المهمة، وبالتالي كان الانخراط السياسي لأي رئيس أميركي جديد في سورية مستحيلاً إلا إذا وجد دافعاً شخصياً له للاهتمام ووضع سورية في صلب أولوياته، ولذلك فإن التصريحات الشخصية للرئيس ترامب ضد الرئيس السوري تعكس كيف يفكر ترامب وحاجته إلى استخدام نفوذه وقوة الولايات المتحدة من أجل القيام بشيء ما يراه جيداً في الحالة السورية.
ثانياً: صحيح أن ترامب لا يملك خبرة في السياسة الخارجية أو الخيارات العسكرية، لكنه محاط بخيرة الخبرات العسكرية في البنتاغون ومجلس الأمن القومي، وبالتالي يكفيه أن يعبر عن مواقف سياسية وعلى مستشاريه أن يقوموا بتحويلها إلى سياسات عملية على الأرض، ولذلك فبمجرد استخدام الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون وجد ترامب في هذا العمل تصرفاً لا أخلاقياً واستشعر أنه يجب القيام بشيء ما، فطلب الخيارات العسكرية التي قدمت له على شكل ثلاثة خيارات، فاختار أولها والذي كان توجيه ضربة محدودة للمطار الذي خرجت منه الطائرات التي قصفت خان شيخون، وهو ما يعكس أن ترامب لا يتردد في استخدام القوة العسكرية حتى من دون تغطية قانونية إذا شعر أنها ضرورية بالنسبة إليه، وبالتالي ومجدداً فإن ما يسمى الاتصال الشخصي بالقضية لعب دوراً كبيراً في اتخاذه القرار المناسب والسريع.
ثالثاً: يشعر ترامب أنه مني بثلاث هزائم داخلية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه، الأولى كانت رفض المحكمة الفيديرالية لقراريه الأول والثاني في ما يتعلق بمنع السفر لمواطني سبع دول مسلمة من بينها سورية، ووقف برنامج اللجوء بشكل موقت. والثانية كانت في فتح مكتب التحقيق الفيديرالي (أف بي آي) تحقيقاً في العلاقة بين حملة ترامب وروسيا والتي أثرت في شكل كبير على صورته الداخلية، خصوصاً بعد استقالة مستشاره للأمن القومي مايكل فلين. والثالثة كانت في عدم تمكنه من تمرير قانون التأمين الصحي المقترح من قبل الجمهوريين وإلغاء قانون الرعاية الصحية الذي استطاع أوباما تمريره في الكونغرس قبل ست سنوات، وكان نقطة هامة في الحملة الانتخابية للمرشح ترامب. بالتالي هناك حاجة شديدة له كي يحقق نجاحاً ما، خصوصاً خلال المئة اليوم الأولى من حكمه، ولذلك ربما يرى في سورية الاهتمام الكبير والدعم الذي حصل عليه بعد ضرب مطار الشعيرات فرصة في تحقيق نجاح ما يمكنه الاعتماد والبناء عليه، وربما هذا ما يفسر وضع سورية على رأس اهتمامات وزير الخارجية الأميركي في رحلاته وتصريحاته الصحافية، وربما كان أكبر دليل على ذلك ما قاله ترامب خلال مؤتمره الصحافي مع الأمين العام لحلف الأطلسي وهو يقرأ من تصريحه المكتوب «حان الوقت لإنهاء الحرب الدموية في سورية، ومنع الجرائم التي ترتكب بحق الأطفال والرضّع في سورية»، مستكملاً أوصافاً حادة ضد بشار الأسد من خلال وصفه بأنه «جزار».
من كل ذلك، يتوقع أن تعمل إدارة ترامب على تطوير استراتيجية سياسية وعسكرية بالنسبة إلى سورية، ربما تعتمد في بعض عناصرها على ما قامت به إدارة أوباما من قبل في التركيز على محاربة «داعش»، لكن، وفي الوقت نفسه، تطوير أولوية الدفع بالانتقال السياسي وإزاحة الأسد، الذي قال وزير الخارجية الأميركي تيلرسون أنه يمكن أن يتم في شكل متواز، وليس بالضرورة متعاقب.
المشكلة الرئيسية في هذه الاستراتيجية ستكون المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وإعادة تموضع القوى الإقليمية. فالمعارضة السورية السياسية في انهيار تام بفعل خلافات داخلية، والأهم عدم قدرتها على التأثير في مجرى الأحداث في سورية بفعل عنف النظام الأعمى مما ألغى أي معنى لمفاوضات أو عملية سياسية يمكن لها أن تسهم في بناء معارضة سياسية ذات تأثير وفعالية. أما المسلحة منها، فقد انهار «الجيش السوري الحر» كقيادة مركزية في عام 2014 ولم تفلح أية جهود في إعادة توحيد الفصائل المختلفة تحت راية واحدة. ومع تعدد الفصائل وتفرقها واتخاذها مسميات عدة، لم تفلح في تكوين بديل عسكري، ومع تلاحق سلسلة الانهيارات العسكرية وآخرها في حلب، أدركت الفصائل العسكرية أنها تعيش مرحلة من التراجع والانهيار مع تزايد دعم الميليشيات الشيعية و «حزب الله» لنظام الأسد على الأرض، وهو للأسف ما لم يدفع هذه الفصائل للقيام بإعادة بناء التحالفات العسكرية وتركيز جهودها في استراتيجية عسكرية موحدة. الذي حصل هو العكس تماماً حيث انهارت واختفت هذه الفصائل رويداً رويداً.
أما على المستوى الإقليمي فكان تغير الأولويات عاملاً رئيسياً في انهيار المعارضة السورية المسلحة، خصوصاً بالنسبة إلى تركيا والسعودية، فأصبح تركيز تركيا على منع الكرد المتحالفين مع «حزب العمال الكردستاني» من كسب المزيد من الأراضي السورية. ومع الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن زاد اهتمام السعودية بحديقتها الخلفية التي أصبحت أولوية لا بد من تنظيفها، ولذلك يمكن القول إن نقطة الضعف الرئيسية في الاستراتيجية الأميركية ستكون المعارضة نفسها التي تُركت لسنوات تحارب وحدها قوات نظام الأسد و «حزب الله» والميليشيات العراقية والإيرانية وقوات «الحرس الثوري» وفوق ذلك كله القوات الروسية التي تدخلت جوياً مع نهاية عام 2015 وبرياً مع نهاية عام 2016.
لذلك ولإنجاح أية استراتيجية أميركية في سورية للتخلص من نظام الأسد يجب أن تعيد المعارضة السياسية والعسكرية تمركزها وتنظيم صفوفها وإلا أضاعت الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من سورية.
قتلت الولايات المتحدة أشخاصًا لا تُعرف هوياتهم. قتلت مدنيين قالت إنهم جميعًا قُتلوا من طريق الخطأ، والخطأ يتكرر، وأشلاء الضحايا تتناثر حاملة توقيع الطائرات الأميركية في سورية.
أظهرت وثائق سرية كشفت عنها إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أن أميركا استخدمت سلاح الطائرات بدون طيار أكثر بخمسة أضعاف من إدارة سلفه جورج بوش، وهو ما أدى إلى سقوط كثير من الضحايا.
لكن المفاجأة لم تكن بهذه المعلومات، بقدر ما كانت بالمعلومات التي أكدت أن 90 في المئة ممن قتلوا في غارات الطائرات بدون طيار، خلال خمسة أشهر، لم يكونوا هم الأشخاص المستهدفين، وأن 456 غارة بهذه الطائرات -أواخر 2014- قتلت 2464 في 7 بلدان (باكستان وأفغانستان واليمن والصومال والعراق وليبيا وسورية).
علق عليها حينئذ الصحافي الأميركي “جيريمي سكيل” الذي شارك في الكشف عن الوثائق بأن الغارات التي يشنها الجيش الأميركي بهذه الطائرات تستهدف -عادة- شخصًا واحدًا، لكنها تقتل معه عدة أشخاص، يعدّهم الجيش أعداء، على الرغم من أنهم ليسوا مستهدفين.
وكما هي العادة الأميركية في استخدام اللغة والمصطلحات، فمنذ حرب فيتنام أتوا بمصطلح collateral damage أي: “الأضرار الجانبية”؛ لتجميل القتل المجاني، بل إن هيئة اللغة الألمانية أعلنت عام 1999 أن كلمة العام كانت “الأضرار الجانبية” في إثر حرب كوسوفو الدموية. على الرغم من الانتقادات الكثيرة من داخل أميركا التي طالت الطريقة الأميركية في التعامل مع ضحاياها المدنيين، إلا أنها بقيت انتقادات إعلامية بعيدة عن مركز القرار.
موت مجاني
قتلت قوات التحالف الدولي في اليوم الأول من غاراتها على سورية، 24 أيلول/ سبتمبر 2015، ما لا يقل من 24 مدنيًا، بينهم 5 أطفال و5 نساء، بحسب توثيق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، واستمر نزيف الدم السوري على يد جميع من يقاتل على الأرض السورية بدءًا بالنظام السوري وميليشياته، ومرورًا بتنظيم الدولة الإسلامية، وفصائل إسلامية متشددة، وميليشيات كردية، وانتهاء بالتحالف الدولي، ولكن كل من قَتل على الأرض السورية كان يُندَّد بقتله المدنيين من جهات أممية أو غربية، وعلى الرغم من أن التنديد لم يوقف أو يخفف من عدد القتلى، إلا أنه أصبح سمة ترافق المجازر اليومية السورية، وبقي القتل على يد التحالف الدولي قيد التجاهل.
واليوم وصل عدد ضحايا نيران التحالف الدولي منذ بداية تدخله في سورية “لمحاربة داعش بحسب التصريحات الأميركية والدولية”، من المدنيين السوريين إلى 945 شخصًا، بحسب توثيقات الشبكة السورية 1 آذار/ مارس 2017.
وفي بداية العام الجاري، في كانون الثاني/ يناير، تفوقت قوات التحالف الدولي على القوات الروسية بعدد القتلى المدنيين، فقُتل بنار التحالف في ذلك الشهر 91 مدنيًا.
مجازر التحالف
اعتاد التحالف الدولي على منهجية تبتدئ بإنكار قيامه بمجزرة كردّ أولي وسريع، ثم تأتي الخطوة الثانية بالاعتراف بالمجزرة، وتليها مباشرة الخاتمة بتحميل المسؤولية لأحد الأطراف المتصارعة على الأرض، بذريعة أنها قدمت للتحالف بيانات وإحداثيات ومعلومات مغلوطة، وينتهي الأمر عند هذا الحد؛ لينشغل المدنيون بجمع الأشلاء من تحت الأنقاض، ولتخف الانتقادات تدريجيًا، وبالطبع، وكما هي العادة في سورية، سرعان ما ترتكب مجازر أخرى على يد أطراف أخرى في مكان آخر؛ ما “يعفي” التحالف من مسؤولياته تجاه “الأضرار الجانبية” من المدنيين ضحايا الحرب العالمية التي تتم على الأرض السورية.
في تموز/ يوليو 2016، قُتل في منبج السورية، من ريف حلب، مالا يقل من 200 مدني بنار غارات التحالف، وبعد الإنكار الأولي اعترف التحالف بارتكابه المجزرة، وحمل المسؤولية لميليشيا “قوات سورية الديموقراطية”، وكأن التحالف الدولي يلعب دور الأعمى، فلا هو يمتلك أقمارًا صناعية، ولا يعرف شيئًا عن التكنولوجيا التي يدرك العالم كله أن ذريعة المعلومات المغلوطة لا تقنع حتى ذلك المقيم في الجبال البعيدة عن الحضارة.
وأما تسويغ التحالف للمجزرة، فجاء أكثر قسوة من المجزرة نفسها، لاستخفافه بأرواح المدنيين، إذ قال المتحدث باسم التحالف، كريستوفر غارفر: إن “الغارة كان من المقرر أن تستهدف كلًا من المباني والمركبات التابعة لداعش، إلا أن تقارير وردت لاحقًا من مصادر مختلفة تحدثت عن احتمال وجود مدنيين بين مسلحي التنظيم الإرهابي يستخدمهم دروعًا بشرية”.
وأضاف “غارفر” في بيان نشره موقع وزارة الدفاع الأميركية أن الهجوم ضد تنظيم الدولة في منبج تم بناءً على معلومات من ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية”، وأشار إلى أن التحالف سيحدد ما إذا كانت المعلومات موثوقة بما فيه الكفاية؛ لإجراء تحقيق رسمي، وتابع “نبذل جهدًا لتجنب سقوط ضحايا مدنيين أو أضرارًا جانبية لا داعي لها وللتقيد بمبادئ قانون النزاعات المسلحة”.
ونقلت “الواشنطن بوست” عن بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص لمنظمة “مكافحة الإرهاب”، في تعليقه على مجزرة منبج: “كانت هذه هي الحملة الجوية الأكثر دقة في التاريخ”.
إذن؛ المدنيون في سورية هم ضحايا لا يمكن تجنبهم، وأضرار جانبية لا داع للاهتمام بها، وهنا يتوقف الكلام إذ إننا لا نجد تعليقًا ملائمًا للتوصيف الأميركي للضحايا المدنيين السوريين.
مجزرة المدرسة
نفذت طائرات التحالف في 21 آذار/ مارس 2017 غارات على بلدة المنصورة في ريف الرقة السورية، لتصيب مدرسة البادية التي يقطنها 50 عائلة نازحة من ريف حلب والرقة وتدمر؛ ما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من 200 مدني.
وبأرقام “المرصد السوري لحقوق الانسان؛ “فإن التحالف ارتكب 4 مجازر متتالية بين 16 و20 آذار/ مارس 2017، أي خلال 4 أيام فحسب، بمعدل مجزرة يومية، وطالت تلك المجازر مدنيين من قاطني ريفي حلب والرقة، والنازحين إلى هذه المناطق، إضافة إلى ضربات متفرقة خلّفت عدة قتلى، وبحسب توثيقات المرصد، فإن 85 سوريًا قُتلوا بهذه الضربات، بينهم 10 أطفال دون سن 18، فضلًا عن المصابين بإعاقات دائمة؛ بسبب غارات التحالف، والأضرار المادية التي لا يتحدث فيها أحد بسبب الخسائر البشرية العالية.
وبمرور سريع بضحايا التحالف الدولي في سورية، نجد أنه في آذار/ مارس 2015 ارتكبت مجزرة في بير محلي، في ريف حلب؛ إذ لقي نحو 60 شخصًا مصرعهم، وبشهادة لممرض من المنطقة، فإن هذه المجزرة أبادت عائلات بأكملها من جراء استهداف منازل مدنيين.
وأيضًا جاء تسويغ القيادة المركزية الأميركية على لسان الناطق باسمها للمجزرة بأن الميليشيات الكردية التي كانت تسيطر على المنطقة قبل تنظيم الدولة الإسلامية أكدت خلوها منذ أسابيع من المدنيين.
في المدة بين 28 تموز/ يوليو 2015 و4 شباط/ فبراير 2016، أي خلال 7 أشهر تقريبًا، وُثقت 15 حادثة استهداف لمناطق مدنية ومراكز حيوية في سورية، وتسببت تلك الاستهدافات بمقتل 68 مدنيًا في الأقل، وخلال تلك المدة جرت مجزرة عين الخان التي راح ضحيتها 40 مدنيًا، بينهم 19 طفلًا. وفي قرية عين الخان في ريف الحسكة، قتل 40 من المدنيين يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2015 بغارات التحالف الدولي، وكالعادة تبودلت اتهامات، وقُطعت وعود بإجراء تحقيقات، ومن ثم؛ طويت الصفحة مرة جديدة.
يبدو أن جميع القتلة المتصارعين فوق سورية لهم المنهجية نفسها: مجزرة تصيب المدنيين، ثم إنكار وتهرب، ثم تسويغ وتحميل الخطأ لطرف آخر؛ وبعد ذلك بمدة قصيرة، مجزرة جديدة تخطف أضواء الإعلام ومشاعر الناس، فتغطي على التي قبلها، وهكذا دواليك؛ يُقتل المدنيون السوريون بأسلحة الجميع، بذريعة حماية المدنيين من أسلحة الجميع. متى ستقف الإنسانية وتقول إنها “جرائم جانبية”، وليست “أضرارًا جانبية”، بل متى سنقف -السوريين- لنرفض أن يكون مقتل من معنا “جريمة” ومقتل من ليس معنا “ضررًا”.
كثيرا ما اتُّهم من يحلل الأحداث على الأرض السورية بربطها باتفاقاتٍ دوليةٍ مسبقة، أو تنسيق بين القوى الكبرى الفاعلة في هذا الملف، بأنه حبيس "نظرية المؤامرة". وبأنه، بالتالي، بعيد عن الواقع أو العوامل الداخلية، بما فيها مخططات نظام الأسد وقدراته المحرّكة للأحداث. لكن ما تثبته الأيام مجزرةً بعد أخرى، ومعركة سياسية بعد أخرى، أن ما يجري لا يمكن له أن يكون من دون اتفاقات حقيقية مدروسة، وأن كل ردود الفعل التي وصلت إلى درجة التدخل العسكري الأميركي في الأيام القليلة الماضية ما هي إلا خطوات مقرّرة ومرسومة بعناية لتحقيق التقاطع المطلوب بين مصالح الدول الفاعلة، والسير باتجاه هدف محدّد، لا يغيّره تصاعد الخطوط البيانية أو هبوطها، للشدّ والرخي بين كل الأطراف.
وكالعادة، ولأن السوريين بشكل عام "محكومون بالأمل" الذي تسرّب من بين أصابعهم، وتبعثر في الهواء، تفاءل كثيرون بالضربة الأميركية المفاجئة، والتي جاءت بعد أن اعتراهم يأس تام من أي تدخل خارجي، سبق لهم أن طلبوه في مراحل سابقة من الثورة، لكن هذا الأمل الوهمي ما لبث أن بدأ بالتراجع خلال الساعات التي تلت الضربة، ليتلاشى تقريباً خلال ما تلاها من أيام، وليعود السوريون إلى حالة اليأس التي بدأت تصبح مضاعفةً ومشوبة بالتوقعات الأسوأ.
لم تكن مجزرة خان شيخون الأولى من نوعها خلال السنوات الماضية، فقد سبقها استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية والمحرمة دولياً في مناطق عدّة، لكنها ربما كانت الأكثر وقاحةً، باعتبارها جاءت بعد إعلان النظام السوري تسليم كل ترسانته من الأسلحة الكيميائية، كما كانت الصور والفيديوهات المنتشرة بعدها واضحةً وصارخةً وغير محتملة، لكن الأهم من هذا كله أنها جاءت في ظروفٍ دوليةٍ معقدة، خصوصا في ما يتعلق بوجود الإدارة الأميركية الجديدة التي تسعى إلى أن تثبت اختلافها عن سابقتها، كما يسعى رئيسها، دونالد ترامب، إلى تثبيت قدميه، عن طريق إعادة "هيبة" أميركا ودورها الرئيسي في العالم، من خلال إثبات عنجهيتها واستهتارها بكل المحافل الدولية، وقدرتها على التصرّف منفردة.
وكما هو واضح حتى اللحظة، لم تهدف الضربة الأميركية المحدودة إطلاقاً لإزالة بشار الأسد ونظامه، بل إنها لم تتعدّ كونها رسالة سياسية لروسيا ودميتها في سورية، لإجبارهما على العودة إلى الحظيرة. وهو تماماً ما حملته الرسائل السياسية التي تبعت الضربة العسكرية اليتيمة، والتي جاء بعضها على شكل تصريحاتٍ تهديديةٍ واضحة، على لسان مندوبة أميركا في الأمم المتحدة، أو الناطقين المختلفين باسم إدارة ترامب.
لمّحت تلك التصريحات لروسيا بعصي مختلفة، كان أهمها ملفات التورّط بجرائم ضد الإنسانية في سورية، ولم يكن التلميح إلى الدور الروسي في تصنيع السارين وتعبئته في مطار الشعيرات إلا واحدا من هذه العصي.
في المقابل، علا في اليومين التاليين للهجوم الكيميائي، والسابقين للضربة الأميركية، الصوت الإسرائيلي الذي تجاوز، هذه المرة، أرقامه القياسية، ما يمكن اعتباره مؤشراً آخر لما قد تحمله المرحلة المقبلة، والذي قد يصل إلى ظهور إسرائيل لاعباً معلناً مهّد له الدخول العلني لأميركا، وهو ما سيكون، إن حدث، الشعرة القاصمة للمعارضة السورية، والخطوة التالية بعد التدخل الأميركي التي ستحول الأسد إلى بطل قومي، يحارب القوى الإمبريالية العالمية التي تخافه، وتسعى إلى النيْل منه.
الملفت للنظر أن نظام الأسد لم يحتج إلا ساعات بعد الضربة الأميركية، حتى يعاود نشاطه اليومي المعتاد في قصف المدن والبلدات السورية، برفقة حلفائه الروس ومليشياته متعدّدة الجنسيات، بل واستخدموا في اليوم التالي الكلور والنابالم المحرّم دولياً، إضافة إلى غارات مركزة وكثيفة بالبراميل والقنابل.
هي مجرد مجزرة أخرى إذا، استدعت صفعة تأديبية خفيفة، لن توقف الموت المجاني المعلن للسوريين، ولن تغيّر من المعادلة شيئاَ سوى إعلان لاعبٍ آخر انضمامه الصريح لفريق اللاعبين على الأرض السورية، بعدما كان يدير الحلبة من بعيد.
تسعى دول عظمى جاهدة لتطعيم دول العالم ذات الأنظمة الفاشية بلقاح الديمقراطية، في محاولة لتعديل الجينات في تلك المجتمعات، وصبغها بطباع الدول المتحضرة، فتنمو فيها وتثور في وجه تلك الأنظمة الديكتاتورية المجرمة، وأنظمة الحكم الملكي الذي جعل البلاد مزارعاً لحفنة من الملوك والأمراء، وأصبحت الشعوب فيها خدم مستعبدة تسهر على حماية تلك المماليك.
لكن من المؤكد أنّ ولادة الديمقراطية لن تستنسخ نفس المواليد في كل المجتمعات، بل اكتسب القادة أصوات القاعدة الهرمية التي بنيت عليها وستكسب تمثيلها وتفرض حضورها، وحينها ستختلف صفات المواليد الجدد في المجتمعات المتحضرة عن المحافظة، كما ستختلف في البلاد ذات الصبغة العنصرية والطائفية عن المجتمعات التعددية المتحررة.
هذه النتيجة ستكون حتمية فالديمقراطية هي: من أنجبت بوتين لروسيا وترمب لأمريكا وأولاند لفرنسا وروحاني لإيران، وهي أيضاً من أوصلت مرسي لمصر وأردغان لتركيا.
ومن المؤكد أنها لن تنجب عباس لحكم إسرائيل مهما قدّم لها من خدمات وتنازلات، ولم تكن لتنجب السيسي لمصر لولا عملية الإجهاض الانقلابية التي استهدفت مرسي، وجلبت اللقيط المشوه من شوارع السياسة ليحكم مصر، ويجعلها سخرية العصر.
ستنطلق الشعوب من قيودها، وستبحث عن السيادة والاستقلال، لكنّها لن تنسى تاريخها وتقاليدها ومشروع أمتها، التي ورثتهْ وستحافظ عليه، فلكل بلد عمقه الذي انحدرت منه الشعوب، وهي من سيدافع عنه بكل الوسائل المتاحة لتحقيق استقرارها واستقلال قرارها مهما عبثت بها المخططات الدخيلة ونالت منها المؤامرات.
والذي حدث في تركيا صباح ال ١٦ من أبريل/نيسان ٢٠١٧ هو نتيجة حتمية للديمقراطية إذا فرضت في المجتمعات المحافظة بعيدا عن الانقلابات.
فمعركة الاستفتاء التركية كانت بين الأحزاب السياسية التي شاركت في حملة “نعم” وهي: حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير، وحزب الهدى الكردي جنوب تركيا وغيرها.
وبين الأحزاب المعترضة وهما حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعب الديمقراطي، والتي اتخذت من المحافظات الكبيرة مقرا لحملاتها في كل من أنقرة واسطنبول وأزمير.
وما إن انتصرت الأحزاب المؤيدة، حتى أعلن قائدها الرئيس أردغان بفتح باب الحوار والتعاون بين جميع الأحزاب، بعد انتهاء الاستفتاء.
نجحت “نعم” بنسبة ديمقراطية ضئيلة جداً، لذلك وجه “أردغان” أنصاره وخصومه من السياسيين للحوار العقلاني، وسيتجه باقي الشعب التركي لإكمال بناء تركيا الجديدة، فقد أقرّ الاستفتاء التعديلات الدستورية وانتهى الأمر، والدولة التركية سوف تتوجه خلال السنتين المقبلتين نحو النظام الرئاسي الجديد.
وأما من صوّت بنعم لن يقاتل من صوت بلا؛ لأن الجميع في معركة بناء وليس في معركة هدم ولن يغضب الأم الحنون ولن ينكر الحضن الدافئ الذي يجمع كل أبناء تركيا ويلمّ شملهم.
يتحسر وزير خارجية كوريا الشمالية على الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويقول في تصريح أخير، إن خلفه، الرئيس دونالد ترمب، يبدو شريراً، وذلك من تغريداته وتصريحاته. نفس الشعور عند المرشد الإيراني الذي هاجم ترمب، واعتبر توليه الرئاسة تحولاً سيئاً.
وعندما حذّر الرئيس الأميركي طهران بأنها «تلعب بالنار»، رد عليه آية الله خامنئي متحدياً بأن تصريحات ترمب لا تخيفنا. هذا قبل ضربات «توماهوك» الصاروخية على مطار الشعيرات السوري.
طبيعي أن يترحم وزير خارجية كوريا الشمالية على زمن أوباما، كانت غفوة 8 سنوات، استمتعت فيها أنظمة شريرة، مثل كوريا الشمالية وإيران، بفترة رخاء، فطورت قدراتها وتوسعت على حساب غيرها. النتيجة أن كوريا الشمالية تجرأت على قصف اليابان، لأول مرة في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية، وطورت سلاحها النووي والصاروخي بدرجة صارت خطراً مروعاً على العالم. وإيران استولت على سوريا والعراق وتحاول كذلك في اليمن.
واشنطن تحاول حماية أهم دولتين حليفتين لها في الشرق؛ اليابان وكوريا الجنوبية، لهذا أوفدت نائب الرئيس إلى العاصمة سيول، وبعثت حاملة طائرات إلى هناك. ورغم ضعفها السياسي، فإن الولايات المتحدة لا تزال أكبر قوة على الأرض، تملك نحو 19 حاملة طائرات، منها 10 عملاقة، وروسيا لديها واحدة فقط، ومثلها الصين.
لكن القوة العسكرية وحدها لا تكفي، فأميركا تقاتل بعيداً عن أراضيها، أمام دول متجاورة جغرافياً ومستعدة للتضحية بمليون عسكري من دون محاسبة داخلية.
الصين، هذا الأسبوع، رفعت جاهزيتها وأرسلت 150 ألف جندي إلى حدودها، مع حليفتها كوريا الشمالية التي لها أيضاً حدود مع روسيا.
جيوسياسياً، الدفاع عن كوريا الجنوبية مهمة صعبة، فعاصمتها سيول لا تبعد سوى 30 كيلومتراً فقط عن حدود الجار الشمالي الشرير، الذي يتوعد بدفن العاصمة، ذات الأحد عشر مليون نسمة. ولهذا السبب بنى الأميركيون أكثر منطقة عازلة محصنة في العالم على الحدود، لديهم فيها نحو 38 ألف جندي.
ولا أودّ أن أستطرد في الحديث عن موضوع الصراع الكوري الأميركي، إلا في جانب التشابه من حيث التحديات للمجتمع الدولي. فكوريا الشمالية تشبه في أوضاعها كثيراً إيران، فهما دولتان مؤدلجتان تحت حكم شمولي، معظم سياسته تقوم على بناء قوة إقليمية هائلة ضد جيرانه.
وفي الوقت الذي تطورت كوريا الجنوبية فيه اجتماعياً واقتصادياً، وباتت من أفضل دول العالم صناعياً وتقنياً، فإن جارتها في شبه الجزيرة الكورية تعيش في فقر مدقع، تحت حكم نظام رجل مهووس، ينفق كل ما تملكه الدولة على طموحاته بالقوة العسكرية.
والحال أيضاً مشابه في إيران، فالبلد لا يقل ثراء بموارده الطبيعية عن جاراته الخليجية، وبدل أن يحذو حذوها ويطور اقتصاده، اختار نظام طهران إنفاق مقدراته وبناء سياساته على الهيمنة والقوة الإقليمية.
والولايات المتحدة تريد حماية مناطق نفوذها ومصالحها، لكنها في فترة أوباما اتضح أنها فرطت فيها كثيراً. وهي اليوم ترى أنه لا بد من وضع حدود للسلوك السوري والكوري الشمالي، وتوجيه رسالة صريحة بأنها مستعدة للدفاع عن مصالحها، ومناطقها، ضد التوجهات الروسية والصينية.
ولا ننسى أن الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وهي تصارع من أجل ترميم صورتها كدولة قوية، لكنها منذ ذلك التاريخ لم تحقق الكثير، فحرب العراق أديرت بشكل فاشل، ثم مرت 8 سنوات انكفأت فيها واشنطن تحت إدارة أوباما، واليوم واشنطن أمام عالم يتغير في حدوده ونفوذه.
باب التفاهم بين موسكو وواشنطن لم يقفل بعد. الغارة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات لم تقطع الحبل نهائياً بينهما. لم تدفعهما إلى حافة الحرب الساخنة. لكن تكرارها قد يقربهما منها. يدرك الطرفان أن العلاقات بينهما تراجعت إلى أدنى مستوى، كما عبر الرئيس دونالد ترامب. لكنه هو نفسه يرغب في أن تقيم بلاده وحلف «الناتو» تفاهماً مع روسيا. وقال إن ذلك سيكون «أمراً رائعاً» لو استطاع إليه سبيلاً. وأعلن لاحقاً أن الأمور ستسير على ما يرام بين الطرفين. بعث برسالة واضحة مفادها أنه لن يخطو وحيداً في هذا الاتجاه. يريد تعزيز موقفه بتعميق تمسكه بشركائه في حلف شمال الأطلسي. لم يعد هذا الحلف بالياً كما صرح في حملته الانتخابية. بل هو «حضن للسلام والأمن العالميين». وجدد شراكته مع مصر والأردن أثناء لقائه زعيمي البلدين. ويتوجه وزير دفاعه جايمس ماتيس غداً إلى الشرق الأوسط في جولة على السعودية ومصر وإسرائيل وقطر لتعزيز هذه الشراكة مع حلفاء تقليديين. ولاقت مواقفه الجديدة من مستقبل الرئيس بشار الأسد وفكرة إقامة مناطق مستقرة، أو مناطق حظر طيران فوق سورية، ترحيباً في أنقرة التي أربكت موسكو بتقلباتها. لم يعد غائباً عن هذا البلد. بل بات حضور قواته وقوات حلفائه الكرد معيناً مهماً لبلاده في تأكيد كلمتها وموقعها. وقد يتعزز هذا الحضور مع الاستعدادات لتحريك قوات «الجبهة الجنوبية» التي رعاها البنتاغون والاستخبارات طويلاً منذ اندلاع الحرب.
لم ينقلب الرئيس ترامب على مواقف سلفه باراك أوباما من الأزمة السورية فحسب، بل انقلب هو نفسه على مواقفه السابقة من الأزمة، ومن قضايا عدة. وهذا ما شغل ويشغل حيزاً كبيراً في الوسط السياسي والاعلامي الأميركي والخارجي أيضاً. لعله رغب من وراء هذه التحولات تعزيز موقعه بمواجهة خصومه في الداخل. وطي صفحة ما يثار عن علاقات بعض أركان حملته الانتخابية ومساعديه مع روسيا. وتوكيد زعامته قائداً جديراً بثقة شعبه. وما سهل عليه هذه التحولات أنه ليس رجلاً عقائدياً. وهذا ما جعل بعضهم يقرأ تقلباته الجذرية والحادة مواقف مرحلية لا تندرج في إطار استراتيجية واضحة متكاملة. كما أن بعضهم أشاد بكفاءات رجال إدارته، كما فعل خصمه جون ماكين. ورأى بعض آخر في عدم تجانس هؤلاء عنصراً ايجابياً في جعل الرئيس «استراتيجي» نفسه، كما صرح في إحدى المناسبات.
لم يبدل ترامب موقفه من سورية وحدها. ولم يعزز هذا الموقف وحده سياساته الخارجية. فقد نجح في التقدم خطوات مع الصين. نجح في تحييدها للمرة الأولى، عن اللحاق بـ «الفيتو» الروسي، وامتنعت الاسبوع الماضي عن التصويت على مشروع القرار الغربي الخاص باستخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في خان شيخون. وهذا ما فعلته مصر أيضاً التي انحازت إلى مشروع القرار. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي حمل على سياسة إيران وتدخلاتها في شؤون العالم العرب، في خطابه أمام القمة العربية في البحر الميت. وهو ما كرره الملك عبد الله الثاني قبل أيام وأثار حملة إيرانية على الأردن. كما أن المواقف الجديدة للرئيس الأميركي من العراق أقلقت الجمهورية الإسلامية. فقد قرأت هذه في نتائج لقائه مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي تطلع واشنطن إلى استعادة دور في بلاد الرافدين تلاشى بعد انسحاب القوات الأميركية. وتخشى طهران أن تؤدي الحرب لتحرير الموصل إلى تعزيز حضور هذه القوات وبقائها معيناً للجيش العراقي الذي ترى إليه ميليشياتها في «الحشد الشعبي» الخصم الحقيقي لطموحات حلفائها السياسيين. مثلما تخشى أن يستغل البيت الأبيض الصراع بين القوى الشيعية لإقامة تحالفات جديدة في بغداد، وربما سلطة مختلفة بعد انتخابات السنة المقبلة، قد تعيد النظر في حضور الجمهورية الإسلامية وتأثيرها الطاغي. وتمهد لعودة دور أميركي راجح وواسع.
على رغم هذه التحولات للإدارة الجديدة في الأزمة السورية، وفي العلاقات مع الصين و»الناتو»، وإحياء التحالفات القديمة في الشرق الأوسط، لا يبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين أسقط من حسابه إمكان التقارب مع أميركا. لم يقفل الباب، على رغم موقفه المتشدد من الضربة الأميركية. لم توح نتائج محادثات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع المسؤولين الروس أن القطيعة واقعة لا محالة، أو أن البلدين يقتربان من مواجهة ميدانية مباشرة. لكن الكرملين هو الآخر يستعجل تعزيز تحالفاته بعد التحول الأميركي حيال سورية وتبدل صورة التحالفات في المنطقة. وجاء اللقاء الثلاثي لوزراء الخارجية الروسي والإيراني والسوري في موسكو رسالة صريحة أن روسيا قادرة هي الأخرى على بناء تحالف يصحح الخلل في ميزان القوى مع الولايات المتحدة. وكان لافتاً إعلان الخارجية الروسية قبل أيام تمسكها بقرارات الأمم المتحدة في شأن مبادىء التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين وحل الدولتين، (والقدس الغربية عاصمة للدولة العبرية والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين في إطار مفاوضات مباشرة بين الطرفين وصيغة حل الدولتين). وبدا واضحاً أن موسكو تريد التأكيد على دورها في أي تسوية لهذه القضية، في وقت تسعى الإدارة الجديدة إلى إعادة إطلاق المفاوضات المتوقفة منذ ثلاث سنوات. وهي بذلك تقترب من موقف السلطة الفلسطينية التي كانت بعثت بصائب عريقات إلى موسكو حاملاً رسالة من الرئيس محمود عباس من أجل التدخل للحؤول دون نقل السفارة الأميركية إلى القدس. علماً أن الرئيس ترامب كان تراجع عن وعده بنقل السفارة، واعترض على مواصلة سياسة الاستيطان معتبراً أنها تعيق التسوية السلمية.
قد لا تكتفي موسكو بتمتين تحالفها مع إيران ودمشق. هناك الغرفة الأمنية أو اللجنة المشتركة في بغداد التي أقيمت إثر التدخل الروسي في سورية، وتضم العراق إلى «الحلفاء» الثلاثة. ويمكن تعميق التفاهم بين هذه الأطراف بدعم من إيران وميليشياتها. سعى وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى طمأنة نظيريه محمد جواد ظريف ووليد المعلم في لقائهم الثلاثي قبل أيام، بعد الضربة الأميركية. ونقل لهما أن الولايات المتحدة لن تكرر غاراتها. لكن اللقاء شكل أيضاً رسالة عملية لواشنطن أن الكرملين لن يرضخ لشروطها في تسوية الأزمة السورية. بل هو مصمم على تعزيز «التحالف الثلاثي» لعله يصحح بعض الخلل الذي أصاب ميزان القوى في الميدان السوري إثر الانخراط العسكري الأميركي المباشر. وينتظر من أميركا «الاقرار بالمتغيرات الدولية» وبشراكة كاملة، وبـ «استعادة روسيا مكانة القوة العظمى»، على حد تعبير لافروف. قبل ذلك يستحيل الجلوس والبحث عن تسوية أو صفقة، في ضوء الانقلاب الكبير في موقف الرئيس ترامب من مستقبل الرئيس الأسد. لم يعد الرئيس الروسي صاحب المفاجآت، ولا «الحرس الثوري» وحده قادر على الانتشار والتدخل، الرئيس الأميركي قادر بل هو الأقدر على المفاجآت وممارسة سياسة القوة، من قاعدة الشعيرات إلى «أم القنابل» في أفغانستان، إلى الأسطول المدجج بأحدث حاملة طائرات مستعدة لتأديب سيد كوريا الشمالية...
يبقى أن التفاهم المعول عليه بين موسكو وواشنطن عاجلاً أم آجلاً ربما تأخر وفات أوان امكان ترميمه خريطة «سايكس- بيكو» مجدداً. فلا مجزرة خان شيخون ولا مجزرة المهجرين من الفوعا وكفريا في حلب أول من أمس وقبلهما مجازر كثيرة، فضلاً عن «اتفاقات» التبادل السكاني، لئلا نقول التطهير المذهبي، توحي بأن سورية لا تزال عصية على التقسيم. بل إن ما يجري على أرض الواقع يرسخ صورة تقاسم المتصارعين لبلاد الشام. ولن يكون حظ العراق أفضل حيث لن ترضخ إيران لضغوط واشنطن وتقبل بتغيير قواعد اللعبة في هذا البلد. ومشهد المتسابقين على وراثة «داعش» من اللاعبين الكبار دوليين وإقليميين، يعززه سباق دموي بين مكونات العراق الطائفية والمذهبية والعرقية على توسيع مناطق انتشارها، كأن الخريطة السابقة زالت ولن تعود. قد لا يبقى شيء لإبرام صفقة أو تسوية هنا أو هناك. فلا أميركا ولا روسيا ولا إيران مستعدة لخوض مواجهة ميدانية مباشرة. تبقى هذه مهمة الوكلاء الذين يرسمون خرائط جديدة بالدم والتهجير والتطهير السكاني.
أثناء الحملات الإنتخاببة الأخيرة على التعديلات الدستورية لم يغفل أي من الفريقين دور الإعلام في حشد التأييد الشعبي له بكل الوسائل المشروعة، وإستعان كلا الطرفين بشخصيات مشهورة في كافة المجالات ، الرياضية و الفنية و السياسية و العلمية لتأييد مطلبه
الأغاني و الرايات و حملات التوعية كانت تجوب شوارع المدن و الأرياف التركية بالإضافة الى المناظرات التي جرت في الإستوديوهات الإخبارية و في احيان اخرى وصل الأمر الى كيل التهم و السباب المتبادل على الملأ بين الشخصيات القائدة لكلا الفريقين، كل هذه الوسائل لم تخرج عن المتعارف عليه في الساحة التركية المليئة بهذه الأنواع من الحملات و الحملات المضادة منذ انتقال تركيا الى نظام الإحتكام الى الصندوق.
اللافت هذا العام هو دخول الدراما التلفزيونية كنوع جديد من الدعاية المبطنة في السباق الإنتخابي بقوة و تأثير ملحوظين مسلسل السلطان عبد الحميد الثاني الذي يتمتع بأعلى نسبة مشاهدة بين المسلسلات الدرامية في تركيا يبدو لي ان توقيت إطلاقه كان مدروسا بنفس القدر الذي درس فيه النص التاريخي و الحبكة الدرامية للأحداث ارتفاع نسبة المشاهدين يعود لعدة أسباب منها ضخامة الإنتاج و الإمكانيات المقدمة لهذا العمل، حملة الترويج الكبيرة و تسليط الأضواء عليه حتى من قبل الرئيس التركي و الأهم من هذا كله حساسية هذه الفترة التاريخة في نفوس الأتراك و عقولهم كونها تمثل الأيام الأخيرة و النهاية الفعلية للإمبراطورية العثمانية ذات البطولات و الأمجاد التي مازلت راسخة في الوعي التركي.
لا يخفى على المتابع للحلقات الاولى من المسلسل تركيزة على انفراد السلطان في كشف المؤامرات و إفشالها في حين أن اغلب المحيطين بالسلطان كانوا إما متؤامرين او أوفياء لكن بدون فعالية إلا في تنفيذ أوامر السلطان و رؤيته العميقة.
الحبكة الدرامية لهذا المسلسل تزرع في عقل المشاهد بأن السلطان يمتلك الحكمة و الدهاء بالإضافة إلى الخيرية في كل قرارته، حتى القرارات التي تبدو خاطئة في ظاهرها فإنه سرعان ما يظهر صوابها خلال وقت قصير.
المسلسل يركز على إقناع الناس بعدم تصديق وسائل الإعلام المعادية للسلطان بربطها مباشرة بالصهاينة و الخونة و يركز على ان الاعيب الصحافة و أساليبها شديدة التعقيد و انه يمكن تصديقها حتى من قبل الأذكياء .
كل هذه الأحداث و الأفكار المطروحة في هذا المسلسل تقنع المتابع بضرورة الثقة بالسلطة القائمة و تسليم الأمر لها كون القائمين على السلطة أدرى بخفايا الأمور و انه لا بد من إعطاء الرئيس صلاحيات اكبر لحماية الأمة و قيادتها نحو بر الأمان.
نتائج هذا الاستفتاء أظهرت ان مساعي القائمين على الحملة المؤيدة للتعديلات آتت أُكلها و دفت الشارع التركي إلى التصويت لصالح التعديلات الدستورية و رغم محورية هذه التعديلات و تأثيراتها على مستقبل تركيا إلا أنها مرت بسلاسة و لم يضطر احد لإستخدام الكيماوي أو البراميل و المفخخات لتمرير مشروعه القيادي و السياسي.
ألا ليت قومي (يتعلمون)
إيران تتخبط. ليست مقولة جديدة. فقد ظلت إيران فاقدة البوصلة منذ اندلاع ثورة الخميني في عام 1979. لكن تخبطها بدا أكثر جلاء خلال الفترة الأخيرة، بعدما اتضح أن مرشد النظام علي خامنئي، الذي يتحكم بكل قرار تنفيذي، وتشريعي، وقضائي، أضحى في عزلة شبه تامة، بسبب معاناته من مضاعفات سرطان البروستات كما تقول غالبية التقارير والتسريبات الصحفية. ولأن المرشد ليس حاضراً في جميع الأوقات، صارت الصراعات الداخلية، والتشرذم، والتشظي أمراً واقعاً في الحياة السياسية الإيرانية.
ويبدو كما يرى المتحدث الإعلامي باسم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية موسي أفشار، أن الخلافات الداخلية وتفاقم صراع العقارب يعكس هزيمة نظام الملالي في مواجهة أزماته المتزايدة الداخلية والخارجية ومن المجتمع الإيراني المحتقن.
ومن الواضح ولعل أبلغ دليل على ذلك إقدام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على إعلانه ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مايو القادم، منافسا لدمية المرشد الرئيس حسن روحاني، الذي يستغله خامنئي واجهة بزعم أنه إصلاحي، لـ «تسليك» العلاقات مع الغرب، بعد إخضاع إيران للاتفاق بشأن برنامجها النووي. وكان نجاد أعلن نيته الترشح للرئاسة في سبتمبر 2016، فسارع المرشد إلى توجيهه بعدم ترشيح نفسه.
غير أن نجاد قرر في 11 أبريل الجاري أن يتحدى المرشد، وهو المرشد نفسه الذي كان يتولى الرئاسة تحت إمرته. وقال الرئيس السابق إن تعليمات المرشد إليه ليست سوى «نصيحة». وهو يدرك جيداً أنه لن يفوز. ليس لأنه لا يستطيع تزوير الانتخابات مثلما فعل المرة السابقة في 2009، ولكن لأن التزوير يتم بتعليمات من خامنئي والدائرة المقربة إليه من «الملالي» المتشددين. كما أن فرص فوزه ضئيلة لأنه يفتقر إلى الشعبية، فقد شهد الإيرانيون كيف أشرف بنفسه على قمع المتظاهرين، والتدخل في الانتخابات النيابية والبلدية وخرجت في عهده حركة «المعاصم الخضراء» التي عمت كل المدن الإيرانية آنذاك. كما أن تصريحاته السياسية المتهورة الخالية من الدبلوماسية وضعت إيران على شفير صدامات مع دول عدة، ليزيد وضع الشعب الإيراني ضغثاً على إبالة، وهو الشعب الذي ظل يتجرع علقم العقوبات الدولية منذ 1979 بلا انقطاع. ولا يزال الشعب الإيراني (80 مليون نسمة) يكتوي بنار العقوبات الدولية والغربية تحديدا، على رغم تخفيف بعضها عقب الاتفاق النووي «المهزوز» في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما.
لا شك في أن إعادة نجاد ترشيح نفسه للرئاسة لا تعدو أن تكون «رغبة» العودة لدائرة الضوء. لكن من المؤكد أنه دليل على أفول نجم المرشد الأعلى، وعلى أنه لم يعد قادراً على الإمساك بكل الخيوط داخل بلاده كما كان. كما أن الشارع الإيراني الذي تلظى بنيران العزلة، والعقوبات، والحروب الخاسرة في سورية واليمن ولبنان والعراق، لن يمنح صوته لرئيس سابق يتوهم القدرة على إلحاق الهزيمة بجميع الدول وهو «المكروه» في بلاده!
الأكيد أن سياسات نظام الملالي الإجرامية لن تنتهي بين يوم وليلة بموت الشيطان خامئني لأن أمثاله في النظام الإيراني كثر، والمنفذون لسياساته كثر أيضاً.. ولكن وفاته ستضعفه نفسياً وستضعف البناء الهيكلي للنظام وتشخيصه وستدب بين رؤوسه خلافات عدة!.
جاءت الضربة الأميركية للمطار بحمص رداً على الضربات الكيماوية بـ«خان شيخون» بجوار إدلب، لتغيّر في مسار النزاع المحلي- الإقليمي، ولتحوله إلى قضيةٍ عالمية. ويزعم الخبراء الاستراتيجيون الآن أنّ استعمال الكيماوي من جانب طيران النظام كان بالتنسيق مع الروس وربما مع الإيرانيين، لأنّ الأطراف الثلاثة أرادت اختبار ردّة فعل الرئيس الأميركي الجديد، وهل ستُشابه ردّة فعل أوباما عام 2013 أم تختلف(؟). وهذا ممكن لكنه غير مرجَّح، لأنّ الأميركيين كانوا قد صرّحوا بعدة ألْسنة أنهم لا يعتبرون إسقاط الأسد، أو تغيير النظام أَولوية، وإنما يريدون من روسيا أن تكون جادّةً أكثر في مسألة الحلّ السياسي بجنيف، ومسألة وقف إطلاق النار في اجتماعات أستانة. ثم إنّ الأميركيين بعد الضربة مباشرةً راحوا يخفّفون من وقعها، قالوا إنها ضد الكيماوي فقط لأنّ السوريين والروس زعموا أنه في العام 2016 ما عاد لدى النظام كيماوي(!)، بل وتوافق ذلك مع تقارير مشابهة من الأُمم المتحدة. وقالوا أيضاً إنهم ضربوا قسماً من المطار، وتجنبوا قسمين آخرين شكّوا في وجود تخزينات للكيماوي فيهما، ووجود جنود روس!
وعلى أي حال؛ فإنّ لهجة الأميركيين المنزعجة والمبرِّرة بعد الضربة، تغيرت وتصاعدت بعد اجتماع السبعة بروما، واستدعاء السعوديين والقطريين والأردنيين والأتراك للاجتماع إلى السبعة في اليوم التالي للتشاور بشأن الأزمة السورية. لقد تصاعدت اللهجة الأميركية والفرنسية والبريطانية في الاجتماع وبعده. أما الروس الذين استخدموا «الفيتو» في مجلس الأمن لمنع تكوين لجنة تحقيق في استخدام الكيماوي أخيراً، وكان ذلك للمرة الثامنة في أمرٍ يتعلق بالحرب في سوريا؛ فإنهم حملوا على وجه الخصوص على بريطانيا، واتهموها بالتحريض على الحرب، ومنْع التوافق بين الروس والأميركان على حلٍ للأزمة السورية!
وما دامت التصريحات القاطعة قد صدرت من «تيلرسون» وزير الخارجية الأميركي قبل الذهاب إلى موسكو فما كان متوقَّعاً أن تحدث انفراجات في المحادثات الأولى بين الطرفين. فقد امتنع بوتين عن الاجتماع به، وكان اجتماعه بلافروف ومُعاونيه عاصفاً، ومنهم من يقول إنه كان سلبياً وحسْب، فقد اتفقوا على العودة للتنسيق بالحدّ الأدنى حتى لا يحدث تصادُمٌ بين طيرانيهما فوق سوريا. لكنهم توقفوا عن التعاون الاستخباري حتى في ضرب «داعش». منذ عام 2013 صارت الأزمة السورية إقليمية، لأنّ إيران وميليشياتها بالمنطقة بل وعسكرها يشاركون فيها بقوة. ثم إنّ الإيرانيين يصرون منذ التدخل الروسي عام 2015 على أنهم هم الذين استدعوهم. بيد أنّ الفعاليات الروسية من جهة، والإسرائيلية والتركية من جهةٍ أُخرى، جعلت الأمور تتعدى حدودَ الإقليم بالطبع. وهي قد أصبحت الآن دوليةً تماماً بعد أن قالت الولايات المتحدة نحن هنا. ورغم كل انسحابات أوباما فإنّ الأميركيين ما كانوا غرباء عن الساحتين العراقية والسورية. فعندهم في العراق أكثر من ستة آلاف عسكري على الأرض فضلاً عن الطيران. وصار عندهم في سوريا زُهاء الخمسة آلاف، وقد كانوا يزعمون أنهم لا يفعلون شيئاً هناك إلاّ مقاتلة «داعش». أما وقد تدخلت الصواريخ الأميركية وللمرة الأولى ضد قوات النظام السوري وطيرانه وعلى مقربةٍ جداً من الروس؛ فإنّ النزاع صار دولياً بالفعل بعد أن كان دولياً بالنظريات والحسابات الاستراتيجية. ونحن نعلم الآن أنه يقف إلى جانب الأميركيين بريطانيون وفرنسيون وكلٌّ بعدة مئات على الأرضين العراقية والسورية.
يقول الخبراء الغربيون إنّ الأميركيين (أكثر من البريطانيين) ما كانوا يريدون أن يتدخل الأتراك بقوة لسببين: الاصطدام بالأكراد، وإمكان الاصطدام بالإيرانيين. بيد أنّ المصالحة بين الأتراك والروس أدخلتهم إلى شمال سوريا، ومنعتهم أميركا بعد استعادة مدينة الباب من داعش من التقدم نحو منبج، وما يزال الأكراد بمساعدة الأميركيين هم الذين يحاولون التقدم لمحاصرة الرقة. السبعة الكبار وعلى رأسهم الولايات المتحدة استدعوا تركيا وعدة أطراف عربية إلى الاجتماع بروما. وكان الواضح أنّ الغربيين يفكرون من أجل الضغط للحل السياسي بسوريا، وإخراج إيران من البلاد، بإعطاء دور أكبر للأتراك، والاستفهام عن دورٍ ممكنٍ للعرب وربما للتحالف العسكري الإسلامي. بل ويفكر البريطانيون بمهاجمة «داعش» مع الأردنيين من الجنوب على مقربةٍ من الحدود الأردنية – السورية، والأردنية – العراقية. ويعتقد الخبراء الاستراتيجيون البريطانيون والأميركان أنّ هذه هي الطريقة الأنجع للضغط على الروس من أجل السير بشكل جدي في الحل السياسي.
ماذا يعني هذا كلّه؟ هذا يعني أنّ النزاع طويل، مثل النزاعين الليبي والأوكراني. لكنه من ناحيةٍ أُخرى، وما دام قد صار نزاعاً دولياً؛ فقد يضطر الطرفان أو الأطراف ولتجنب أخطار الاصطدام العسكري، لإعطاء دورٍ أكبر للأُمم المتحدة ومجلس الأمن، بعد الاتفاق على الأقلّ على تثبيت وقف إطلاق النار.
الغارة الأميركية على مطار الشعيرات بداية لحل سياسي جديد في سورية. الضربة لن توقف الحرب على السوريين، لكنها ستضع حداً لتمادي روسيا وإيران في القتل والتهجير. الإدارة الأميركية الجديدة تريد وقف الحل العسكري الذي ينتهجه بوتين وحلفاؤه، والاتفاق على خطة سياسية استراتيجية تقوم على أسس مختلفة عن السابق. واشنطن ليست في وارد الدخول في حرب على الساحة السورية، فضلاً عن الوجود العسكري على طريقتها في العراق. وهي تدرك أن لروسيا مصالح في سورية، ومستعدة للتفاهم حولها.
روسيا وجدت في الغارة الأميركية مخرجاً محتملاً لورطتها في سورية، والتي بدأت آثارها تظهر على أمنها الداخلي، فضلاً عن أن تغوُّل الجيش الروسي والميليشيات الإيرانية في القتل، أفضى إلى تحويل سورية ساحة جاذبة للعنف والجماعات المتطرفة. الضربة الأميركية أوجدت ظروفاً من شأنها إنقاذ روسيا من ويلات الحرب السورية، وموسكو باتت مستعدة للجلوس إلى طاولة التفاهم مع واشنطن، لكنها تبحث عن ضمانات أميركية تسمح بحماية هيبتها، وبقاء قواعدها في سورية، وحصة شركاتها في إعادة الإعمار. هذا الثمن، في نظر الإدارة الأميركية، في حاجة إلى تنازلات، منها وضع حد للنفوذ الإيراني في سورية، وعدم التمسُّك بالرئيس بشار الأسد، مع التسامح ببقاء بعض أركان نظامه، غير المتورّطين بجرائم حرب.
الطرفان الأميركي والروسي يُدركان أن التعامل مع طهران بصفتها مرتزقاً انتهى دوره، غير ممكن. وإيران لن تتخلى عن مشروعها في تمكين «حزب الله» في لبنان، والتمسُّك بحبل- ولو كان قصيراً- يضمن لها استمرار دعم الحزب، ورعاية دوره في لبنان، وغيره من الدول العربية. لكن هذا الحل لن يرضي حلفاء أميركا في المنطقة. فاستمرار التواصل العسكري مع «حزب الله» ودعمه، يعني أن طهران أبقت أهم أذرعها في العالم العربي وخرجت منتصرة.
لا شك في أن القضية السورية دخلت منعطفاً جديداً، لكنه ليس حاسماً. فاختيار بديل من الأسد لن يكون سهلاً، والمعارضة السورية، أو ما تبقّى منها، لن تتفق على اسم محدد، وهذا يعني أن اختيار النظام البديل ربما عاود تفجير الوضع مجدداً.
الأكيد أن الغارة الأميركية محاولة جدّية لرسم طريق جديد للقضية السورية. لكن هذه المحاولة تسير على ألغام حقوق الأقليات، ومصالح دول الجوار، وستتم في النهاية على حساب مصالح الشعب السوري، فضلاً عن مصالح الدول العربية، الرافضة المشروعَ الإيراني في المنطقة.