مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ أبريل ٢٠١٧
معنى أن تكون سوريّاً

وسط نقاشنا عن الأحوال العربية اليوم صدح صديقي قائلاً "هناك مؤامرة ضدنا كمسلمين". الصديق الذي خرجت هذه النغمة عن "تون" كلامه فلسطيني/ أردني/ مناضل في الثورة الفلسطينية، ويرى أن لا سبيل لانتصار القضية إلا بعمقها العربي، خصوصاً السوري الكبير.

أدهشتني هذه النغمة التي رأيتها غريبةً عما اعتدته منه. طلبت من صديقي، الذي ظن أنه قال جملة عادية مسلَّماً بها، أن نقف عند تلك الجملة. قلت له لاحظ، يا صديقي، أنك اختصرتنا (وملايين غيرنا) بهويةٍ واحدة، حاسمة: الدين. دعنا نرى طبقات نسبنا القُطْري والقومي والإنساني والثقافي والمزاجي التي تشكل، إلى الدين أو الطائفة داخل الدين الواحد، هويتنا الكلية:

بسطت له التالي: أنت فلسطيني الأصل/ هذه هوية أولى. من فلسطين المحتلة عام 1948/ وهذه هوية ثانية. أردني الجنسية والعيش/ وهذه هوية ثالثة. ذَكَر/ وهذه هوية ثالثة. وطني فلسطيني على شيء من اليسارية، وشيء من القومية العربية/ وهذه هوية رابعة. مسلم/ أو صرت ترى نفسك مسلماً (كهوية لا كممارسة، لأنك لا تنهض بفروض الدين)/ وهذه هوية خامسة. إنسان/ هذه هوية سادسة (التي يجدر أن تكون الأولى والوحيدة في عالم مثالي).

كان يمكن أن أسرد لصديقي، الذي فوجئ بوقفتي أمام جملة ظنها عابرة، سلاسل أصغر من الهويات/ أو العناصر التي تشكل الهوية الكلية للبشر، منها الجهة/ اللهجة/ الدايت: لحومي/ نباتي/ بيئوي إلخ إلخ.

لهذا الكلام عن الهويات سببٌ مباشر، هو مقال الكاتبة السورية سوسن جميل حسن في "ضفة ثالثة" الذي استفزَّ مثقفين سوريين عديدين، وأيده مثقفون سوريون عديدون، فنحن نعيش لحظة انقسامٍ مجتمعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ سوريٍّ فادحة، يبرّر عنفها اللفظي، أحياناً، الجرائم، غير المسبوقة في تاريخ حروب المنطقة التي ارتكبها النظام السوري الذي يصنّفه بعضهم طائفياً، ويصنّفه بعضٌ آخر طبقياً وسياسياً، بعيداً عن الدين والطائفية. لا سبيل إلى الإنكار أن السوريين ليسوا على قلب رجل واحد. وهذا ليس كلاماً في الطائفية والعرقية وما شابه، بل صار كلاما في السياسة، بعدما تم إفشال الثورة السلمية، وليدة القهر والطغيان والفساد والإفقار الذي أنتجته النظم العسكرية السورية (وليس البعثية، لأن حزب البعث لم يكن سوى قناع للتسلط) على مدار ستة عقود مُرّة. وبما أنه لا سبيل إلى الإجماع حتى لون الدم المراق (رغم حمرته القانية)، يتوجب علينا أن نتكلم. نحن لسنا في الميدان، ولن نكون في ميدانٍ ليس لنا فيه قوة تنطق باسمنا.

استفزَّ بعض المثقفين السوريين قول سوسن حسن إن الثورة (من دون أقواس، لأن مشروع الثورة وشرعيتها لا تحدّدهما، أو تختصرهما، قوى مسلحة تمارس الجريمة السياسية بقدر ما تتيحه لها قدرتها) انتهت لتكون قوى مسلحة لا تختلف في طبيعة ممارساتها عن النظام. ربما هذا أقل استفزازاً من الكلام عن "الكوامن" الطائفية لقسمٍ من المثقفين السوريين الذين أيّدوا الثورة، من دون أن تفترض الأمر نفسه عند من أيّدوا النظام. هذا فهمٌ مستفزّ طبعاً. ولكني لم أفهم الأمر على هذا النحو، فضلاً عن أن الصراع في سورية، وعلى سورية، لا يضرب أصله وفصله، حسب رأيي، في جذرٍ طائفيٍّ كامنٍ أو ظاهر. لم تكن المشكلة السورية طائفيةً بقدر ما كانت في الاستبداد الذي أمسك بخناقها نحو نصف قرن، وأعاقها على غير صعيد. هذه مشكلةٌ سوريةٌ بيد أنها أكثر تعقيداً مما بسطت. ففي ثنايا الاستبداد والطغيان، المتلبِّس شعارات قومية، تثوي قضايا أخرى لم تحلها "الدولة الوطنية"، ولا قواها المعارضة، علمانيةً كانت أم دينية. هذا يعني أن الهويات، ما قبل الوطنية، ظلت تسري في أوردة "الحياة الوطنية" التي يفترض أن الدولة السورية التي انقضَّ عليها العسكر بُعيْد تشكلها، أزاحتها إلى الهامش. لكن يمكن للهامش، في حالة ضغط أو تحفيز، أن يتّسع، ويزحف على المتن، وربما يتمكن من بسط نفوذه عليه.

وهذا يطرح سؤالاً، يوجّه إلى السوريين، العراقيين واليمنيين والليبيين: من نحن؟ ممّ نتشكل؟ ما السوري والعراقي واليمني والليبي فينا؟ أهو الأصل؟ أم الفرع؟ ولكن، بما أننا نتحدّث عن سورية أعيد طرح هذا السؤال: هل يجرِّد تأييد هذا الطرف السوريّ أو ذاك من سوريته، ويعيده إلى طائفته وقوميته، وربما عشيرته أيضا؟ هل يمكن أن نناقش القضية السورية (وهي قضية بحق) في السياسة من دون دخول الطائفي والديني والقومي والجِهوي على الخط؟

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٧
ترقبوا فظائع كبرى للأسد

لم يوارب وزير الخارجية الأمريكي ركس تيلرسون للحظة في حديثه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عن مصير الأسد، بدا الموقف واضحاً، واختصره في أن ذلك الحكم الأوليغارشي لعائلة الأسد قد انتهى عصره، أما لافروف فقد ترك الباب موارباً لذلك الإصرار الأمريكي قال «إن بلاده لا تراهن على الأسد او غيره» ثم مضى إلى ما هو أبعد من ذلك حين قال إن «إزالة الحاكم الديكتاتور من الحكم لم تكن يوماً أمراً سهلاً». وضرب الأمثلة بسلوبودان ميلوسوفيتش وصدام حسين ثم سأل الصحافيين: دلوني على ديكتاتور خرج من الحكم بسهولة؟

بلغة أخرى بدا أن لافروف يقر بأن الأسد ديكتاتور مصيره إلى الزوال، ولكن المسألة مسألة الوقت اللازم لتلك المهمة الصعبة. وحتى في أوكرانيا وجهت رسالة جادة للرئيس الأمريكي خشية التنازل في ملف أوكرانيا في مقابل الموقف الروسي الموافق على الإطاحة بالأسد.

لا شك أن نظام الأسد قرأ كل ذلك بوضوح وفهم أن الإصرار الأمريكي على نهاية حكمه قد ينتهي إلى تنازل روسي وقع أو سيقع قريباً.

يجد الأسد نفسه اليوم في ملعب السياسة وحيداً وأمامه مهمة صعبة هي إقناع ترمب، وليس روسيا، بتغيير موقفه تجاه بقائه. ومن المهم أن نعلم هنا أن الأسد ونظامه يتقنان لعبة البقاء تلك جيداً، يعرفون تماماً متى تقدم التنازلات كالانسحاب من لبنان أو تسليم عبد الله أوجلان أو التخلي عن المطالبة بلواء اسكندرون. ويعرفون تماماً كيف تلعب الأوراق في المنطقة وما هو الأهم منها.

منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 يوم نقلت القاعدة حربها إلى الغرب، أدرك الأسد أهمية أوراقه في ملاحقة الإسلاميين في الغرب، وبنك المعلومات عنهم لديه، وذلك من خبرة طويلة لنظامه في حربهم واغتيالهم على مدار عقود، ولعب عليها مع عدد من أجهزة المخابرات الغربية.

كذلك كان دوره محورياً في تسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى العراق إبان الغزو الأمريكي ومن ثم تسليم معلوماتهم للولايات المتحدة، يوم بدا أن جورج بوش عازم على إكمال طريقه إلى سوريا بعد العراق عقب اغتيال الحريري، كانت ورقة المجاهدين الإسلاميين هناك ناجحة كما توقع الأسد ولعب، والأمر ليس قراءة أو تحليلاً فثمة تصريحات علنية لفاروق الشرع حول هذا التعاون مع الولايات المتحدة آنذاك.

مرة أخرى كان الأسد في مأزق جديد ومع دخول الربيع العربي إلى سوريا وعد الناس بإصلاحات فاستبقى السياسيين والصحافيين في سجونه بل وملأها بالمزيد منهم وأطلق سراح أولئك المقاتلين الإسلاميين ضمن إصلاحاته المزعومة مراهناً على قدرتهم في تحويل وجه الثورة من السلمية إلى العسكرة ونجح رهانه دون شك.

خلال تغطياتي الصحافية في سوريا التقيت بكثير من قادة الفصائل الإسلامية وكان معظمهم في سجون الأسد قبل الثورة بل إن أحد أهم الفصائل الإسلامية كان يشترط لقادة المناطق والمجموعات فيه أن يكونوا من «خريجي جامعة سيدنا يوسف» في إشارة إلى السجن الذي دخله النبي يوسف بمعنى ان جميع أولئك القادة كانوا يومًا ما في سجون الأسد قبل أن يشملهم عفوه!!

من الطبيعي أن ينظر الغرب إلى الصراع في المنطقة من زاوية مصالحه فالأسد لم يوجه سهامه نحوهم يوماً خلافاً لأولئك الإسلاميين من منتجات القاعدة أو من ذوي اللحى المخيفة الذين يتقبلون القاعدة ويقاتلون بجانبها على الأقل.. والأخيرة كما تعلمون لم يكن لديها يوماً حرج في استهداف الغرب وقتل مدنييه بأبشع الصور والطرق.

وتحول الصراع هناك في تلفازات الغرب من ديكتاتور جزار يبيد شعبه بكل الوسائل المتاحة إلى حرب على الإرهاب الإسلامي، وكثير من الغربيين احتفلوا بسقوط حلب على أنها نصر على الإرهاب كما نقل لهم إعلامهم المحلي، وليس التهجير والقتل للملايين، أما أصدقهم لهجة وأكثرهم إنصافاً فقد رأى انه صراع الأشرار الذي يجب على الغرب تحاشيه كما كانت سياسة الرئيس أوباما!

6 سنوات لعب فيها الأسد على ورقة الإرهاب بنجاح، حيث كانت الضامن الحقيقي لبقائه وإقناع الغرب بحربه عليهم وهو الآن أمام منعطف جديد لن يتوانى فيه عن لعب تلك الورقة الناجحة مرة أخرى.

انفجار بمهجري كفريا والفوعة يصور لترمب المتأثر بصور أطفال خان شيخون بأن الأسد ليس قاتل الأطفال الوحيد في المنطقة، وحديث عن قصف أمريكي لمستودعات كيميائية يملكها داعش في دير الزور وعن هجوم كيميائي متوقع على العاصمة.. ثمة مجرمون في تنظيم «الدولة « لن تثنيهم حماقتهم عن تقديم ما أمكن من مساعدات لرواية الأسد وأوراقه بعملية دهس هنا أو إطلاق نار هناك، وربما ثم مزيد من الفظائع المحتمل وقوعها لإقناع الغرب بضرورة بقاء الأسد محارباً ضد الإرهاب الأكثر شراً، فالنظام هنا كحيوان جريح يقاوم أنفاس النزع الأخير لبقائه.

اقرأ المزيد
٢٤ أبريل ٢٠١٧
هل باع بشار الأسد العلويين لإيران؟

كل المناطق السورية أصبحت منكوبة، لكن كل واحدة بطريقتها الخاصة، حتى معاقل بشار الأسد نفسها. ليس صحيحاً أبداً أن منطقة الساحل السوري التي ينحدر منها بشار الأسد وعائلته ظلت آمنة، بينما تعرضت بقية المناطق السورية للخراب والدمار. لا أبداً، بل يمكن القول إن الخطر الذي يهدد الساحل قد يكون أكبر من المخاطر التي تهدد بقية المناطق. هكذا تقول إحدى الشخصيات العلوية في حديث خاص. وتضيف بأن الخطر الذي يتهدد منطقة الساحل السوري مرعب على المدى المتوسط، فما بالك على المدى البعيد.

صحيح أن الساحل لم يتعرض عمرانياً للدمار كبقية المناطق السورية، إلا أنه يواجه محنة ستغيره ثقافياً ودينياً خلال أقل من عشرين سنة أو أقل إذا ظل الوضع على هذا الحال. ومن المعروف أن العلويين رغم أن البعض يحسبهم على الشيعة، إلا أن الشيعة في واقع الأمر يكفّرون العلويين، والعكس صحيح، ناهيك عن أن العلويين معروفون بعلمانيتهم المفرطة أحياناً، فهم يحبون الحياة بحرية بعيداً عن الضوابط الدينية والمذهبية الصارمة، لا بل إن الكثير من مثقفيهم على درجة عالية جداً من الوعي والثقافة، وبعضهم يتفاخر بإلحاده. ورغم التحالف السياسي بين النظام السوري والنظام الإيراني، إلا أن العلويين السوريين لا يجمعهم مع إيران أي روابط دينية أو ثقافية أو اجتماعية، لا بل إنهم يكرهون إيران ربما أكثر من السنة. لكن مع ذلك، فإن إيران بدأت تخترق مناطق الساحل السوري مستغلة الوضع المادي الرهيب للعائلات العلوية التي فقدت أزواجها وأولادها في الحرب الممتدة منذ ست سنوات.

فيما يلي ليس تحليلاً، بل معلومات موثقة نقلها لنا مثقفون علويون كبار، ويريدون لها أن تنتشر على نطاق واسع كجرس إنذار خوفاً على مستقبل طائفتهم. ويقول أحد الأخوة المطلعين على وضع الساحل السوري عن كثب: إن إيران باتت تشكل خطراً وجودياً على العلويين في سوريا، فكما تعلمون فإن عدد الأرامل في الساحل السوري لا يقل عن مائتي ألف أرملة فقدت زوجها وربما أيضاً بعض أولادها في الحرب، والعدد في ارتفاع مستمر، كما يقول صاحبنا.

والمعروف أن الدولة السورية تركت الأرامل بلا أي دعم أو رعاية تؤمن لهن حياة كريمة، فالراتب الشهري الذي تحصل عليه الأرملة 18 ألف ليرة سورية فقط، وهو لا يكفي العائلة لأسبوع. وحسب دراسة سورية جديدة، فإن العائلة في الساحل السوري تحتاج شهرياً 100 ألف ليرة سورية كي تؤمن أبسط أساسيات الحياة، حيث وصل سعر كيلو البطاطا إلى 600 ليرة، فما بالك بالسلع المعيشية الرئيسية. لهذا وجدت إيران في هذا الوضع المأساوي فرصتها التاريخية لتشييع أهل الساحل الذين يكرهون الأرض التي تمشي عليها إيران. وقد بدأت إيران تستغل محنة الأرامل في الساحل بمنح أي أرملة تقبل بارتداء الشادور الإيراني مبلغ 3 ملايين ليرة سورية مقدماً ومائة ألف ليرة راتباً شهرياً.

وبدأ الكثير من الأرامل يقبلن على اعتناق المذهب الشيعي بسبب الإغراءات المالية التي تقدمها إيران، علماً أن العلويين الذكور يرفضون رفضاً قاطعاً التغلغل الإيراني في الساحل، ويرحبون بالروس كي يساعدوهم على صد المد الشيعي في مناطقهم. لكن الوضع المادي الرهيب الذي يعيشه مئات الألوف من العلويين دفع فئة النساء المسكينات تحديداً إلى القبول بالعروض الإيرانية.

والخطير في عمليات التشييع الإيرانية في الساحل أنها إذا استمرت على هذا النحو الخطير، فإنها ستحول جيلاً من العلويين إلى شيعة، بحيث سيكون الساحل بعد عشرين عاماً أو أقل شيعياً وليس علوياً بفعل الملايين التي تضخها إيران في الساحل السوري. والأخطر من ذلك أن الساحل سيتحول إلى معقل إيراني ثقافياً واجتماعياً وسياسياً لاختراق بقية المناطق السورية.

ويضيف الباحث العلوي الذي أخبرنا بهذه الإحصائيات أن أكبر المتآمرين على الساحل السوري هم المسؤولون السوريون في النظام، فهم دائماً يتسترون على التغلغل الإيراني في الساحل السوري كي لا يزعجوا إيران التي تدعم النظام عسكرياً ومالياً بملايين الدولارات شهرياً. ويتهم الكثير من العلويين النظام بأنه بدأ يبيعهم لإيران كما باع الكثير من المناطق في دمشق دون أن ينظر للمخاطر المستقبلية على سوريا وشعبها اجتماعياً ودينياً وثقافياً. ويتساءل أحد الباحثين العلويين في الساحل السوري: «ألا يكفي أن طائفتنا أصبحت بلا رجال بعد أن خسرت حتى الآن على مذبح آل الأسد حوالي ربع مليون شاب من خيرة شبابها في هذه الحرب المجنونة، فلماذا بات النظام يضحي حتى بنسائنا خدمة لمصالح إيران؟».

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٧
الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» استوفت شروطها

لم يسبق للولايات المتحدة أن تحدثت عن حزب الله بالحدة التي تحدثت فيها سفيرتها في الأمم المتحدة نيكي هايلي، فقد فاق وصفها للحزب الأوصاف التي درج العالم على وصف «داعش» بها. في هذا الوقت كان حزب الله يُنظم رحلة غريبة للصحافيين إلى الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، وكان واضحاً أن مضمون الرحلة- الرسالة أن القرار الدولي 1701 الذي ينص على ابتعاد حزب الله عن هذه الحدود وتسليمها لقوات أممية، صار بحكم الملغى.

قبل ذلك بأسابيع بدأت تتسرب تفاصيل مشروع قانون سيعرض على الكونغرس يتضمن عقوبات مركّبة تشمل حزب الله وحركة أمل، وحلفاء لبنانيين للحزب أشار إليهم القانون ولم يسمهم.

الإسرائيليون ليسوا بعيدين عما يجري، فخطاب «الهلع» من انتشار حزب الله على الحدود السورية- الإسرائيلية يُغذي النوايا بحرب وشيكة، والجميع في إسرائيل يقول إن ساعة الصفر اقتربت. ومن دروس حرب تموز (يوليو) 2006 أن المبادر يُحدد شروط الحرب ووجهة استثمارها.

هذا الكلام ليس تهويلياً، ولا ينطوي على مبالغة، فلم يسبق لحرب أن مُهد لها بهذا الوضوح. فالقصة بدأت فور انتخاب دونالد ترامب، والرجل أعلن منذ اليوم الأول أن الحد من نفوذ إيران أولويته. وانعدام خبرة الرجل يُضاعف احتمالات الحرب، ذاك أن أول من استثمر في ضعف المعرفة بالمنطقة وبأهلها هو بنيامين نتانياهو.

لا يبدو أن ميزان القوى في هذه المواجهة لمصلحة حزب الله، ذاك أن الأخير يقاتل في سورية، وعودته منها للقتال في لبنان ليست بالأمر اليسير. الرحلة التي نظمها الحزب للإعلاميين مؤشر على ذلك أيضاً، فهي جاءت للقول «نحن مستعدون»، ومن يشعر بالحاجة إلى قول ذلك يجيب حاجة لا يبدو أنه متمكّن منها.

في محيط ترامب جنرالات في مواقع سياسية وتقريرية. وزير الدفاع جيمس ماتيس جنرال سابق، ومستشار الأمن القومي هربرت رايموند ووزير الأمن الوطني جون كيلي جنرالان سابقان. والثلاثة يكنون للنظام في طهران ضغينة ترتبط بدور الحرس الثوري الإيراني في العراق. لكن الثلاثة أيضاً يُمثلون الفشل الذي لحق بالولايات المتحدة هناك، والمؤشرات تدل على أن أسباب الفشل ما زالت قائمة.

الأميركيون يبحثون في العراق عن «شريك شيعي». هذا الوهم يراود الإدارة في واشنطن. زيارة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي واشنطن اعتبرها البعض هناك «اختراقاً» لنفوذ طهران في العراق، فيما تبحث مراكز الدراسات المقربة من الإدارة في إمكان تحويل المرجعية الشيعية في النجف إلى مركز استقطاب للشيعة العرب في مواجهة «المد الفارسي». الوعي الذي يقف خلف هذا الاعتقاد لا يقيم وزناً لحجم الاستثمار الإيراني في التشيع العراقي. ومن الشقاء والجهل تصور أن العلاقات البينية والاستتباعية يمكن تغييرها أو بناؤها بقرار يصدر عن حكومة.

في سورية يدير نتانياهو دفة الموقف الأميركي. نقاط انتشار حزب الله على الجبهات الأهلية السورية تحددها المراصد الإسرائيلية. والأميركيون عندما يتحدثون عن حزب الله في سورية، لا يقيمون وزناً لدور الحزب في حماية نظام يقتل أهله، إنما يتحدثون عن انتشار حزب الله في نقاط قريبة من الحدود السورية- الإسرائيلية.

لنتانياهو دور كبير في هذا، ذاك أنه يُدرك أن الحزب ليس في موقع المبادر، وأن تحركاته على الحدود مع إسرائيل مضبوطة بالسقف الروسي، وهو على رغم ذلك يرى أن وصول ترامب فرصة للانقضاض على الحزب.

التوازن الذي أقامته تل أبيب على حدودها مع سورية يفوق في دقته وفعاليته التوازن الذي تشهده الحدود مع لبنان. فهي تنفذ في سورية غارات ساعة تريد، وهو أمر غير متاح لها في لبنان، وهي أيضاً تقيم علاقات تخابرية مع الروس هناك، وفي الجنوب السوري جبهة مضبوطة بخيوط دولية لا تتيح لأي طرف من الأطراف، وبينها «داعش»، التحرك خارج حدود اللعبة. وكل هذا يعني أن الحرب المحتملة هي فرصة نتانياهو، قبل أن تكون وجهة أميركية.

لبنان من بين الدول الثلاث (العراق سورية ولبنان) لا يبدو أن للحرب حسابات فيه غير حساب حزب الله. فالأخير يُمسك بناصية القرار على مختلف المستويات. الزيارة التي نظمها الحزب للصحافيين تكشف أن الحزب هو كل شيء في هذا البلد. والحزب إذ يأخذ الصحافيين إلى الحدود إنما يفعل ذلك ليُذكر بأن الجبهة هنا في مقابل الجبهة هناك. ويقول للعالم إن «الحرص على تجنيب لبنان ويلات حرب في سورية» أمر غير واقعي.

الأرجح أن حصة لبنان ستكون العقاب الاقتصادي، إلا في حال قرر حزب الله المبادرة. لكن العقاب الاقتصادي هذه المرة سيكون مريراً، ذاك أن أي نشاط اقتصادي صار بالإمكان ربطه بحزب الله أو بحلفائه، وهذا إذا ما أضيف إلى هشاشة الوضع السياسي والأهلي، لن تقل نتائجه عن نتائج الحرب المباشرة.

الوقائع لم تعد تحتاج إلى تحليل. الوضوح الذي تجري في ظله الوقائع غريب ومريب. وما ليس واضحاً حتى الآن أن الحرب المزمع مباشرتها ستتداخل مع حروب أخرى تشهدها المنطقة، وهذا ما يُولد احتمالات تُغري بالتخيل. ماذا سيحل بلاجئي هذه الحرب؟ وأين موقع «داعش» منها؟ وكيف ستجري في ظل النفوذ الروسي؟

يمكن للمرء أن يجيب عبر تمارين ذهنية. فالمواجهة إذا ما كانت في لبنان ستعفي الأميركيين والإسرائيليين من احتكاك مع الروس، لكنها لا تؤمن كل الأهداف، ذاك أن الدور الإقليمي لحزب الله هو في سورية وليس في لبنان. أما إذا كانت المواجهة في سورية فذلك يفتحها على احتمالات مصير بشار الأسد مع ما يرافق ذلك من انعدام البدائل وصعوبات حرب تحف بالوجود الروسي. العراق أبعد الاحتمالات، ذاك أن ميزان القوى فيه راجح لمصلحة طهران، ولن تفيد هذيانات الإدارة حول إنتاج بديل شيعي.

لا حلفاء فعليين لواشنطن في العراق، فالأخيرة بددت أرصدة كثيرة في ذلك البلد. الأكراد لن يكونوا حليفاً مخلصاً، ولا قوى سنية يُعتد بها، أما الشيعة ففي طهران.

الحرب تحتاج إلى حدث حتى تبدأ. ويبدو أن الحرب العتيدة عالقة عند هذه العقدة. فمن سيتطوع ليؤمن لها هذا الشرط؟

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٧
الأسد وقد غدا بلا أنياب

على المستوى الأخلاقي، كان ملحوظاً امتناع بشار الأسد في حوار «فرنس برس» (والذي لا نعرف سبب إعطائه هذه الفرصة!) عن إبداء أدنى مشاعر الأسف أو الحزن على أطفال بلده الذين قضوا مختنقين بغازه السام في أسرّتهم الصباحية، وارتمت أجسادهم متيبّسة في رعشتها الأخيرة على أرصفة شوارع خان شيخون الضيقة كعصافير رحلت مبكراً عن أعشاشها الغضة، وذلك بصفته مسؤولاً عن حماية الشعب السوري الذي نصب نفسه رئيساً وريثاً عليه. ووصل به المرض إلى حد إنكار موت هؤلاء الأطفال في خان شيخون، مدعياً كعادته أن الصور «مفبركة»، واصفاً تلك المشاهد التي صدمت العالم «بالمسرحية الملفقة مئة في المئة»!

وعن العرض السياسي لحالته الميؤوس من شفائها، فكان جلياً في وضعية التحفّز والنرفزة الغبية التي ظهر فيها خلال الحوار في اتهامه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسن، بأنه كان «يهلوس» حين قال في مؤتمره الصحافي في موسكو إلى جانب نظيره الروسي، سيرغي لافروف، أن «حكم عائلة الأسد قد وصل إلى نهاياته في سورية». وجاء رد الأسد هزلياً وخائباً بحجم هزالته وخيبته الشخصية حين أجاب قائلاً إنه «لا وجود لحكم عائلي لآل الأسد في سورية»! وحين سأله محاوره الفرنسي إذا كان يعتبر الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة الأميركية إلى إحدى مواقعه العسكرية التي انطلقت منها الطائرات حاملة غاز الموت لأطفال خان شيخون، «نكسة» له ولنظامه، نفى الأسد أن تشكل تلك الضربة نكسة له أو لقواته بل اعتبرها طريقة لدعم الإرهاب والإرهابيين الذي وحده يحاربهم في سورية، دائماً وفق ادعائه.

من نافلة القول إن الضربة الأميركية لواحد من مفاصل الأسد التدميرية، ولو بصورة أقرب إلى الرسالة الأخيرة له، أعادت الزخم لقضية تحّرر الشعب السوري العادلة والمكلفة والدامية من سطوة الاستبداد وإرهاب الدولة المنظّم، وغدت المسألة السورية تتصدر الصحف العالمية الكبرى يومياً، ولم تخل قناة تلفزيونية أميركية أو أوروبية من حوار يومي حول ضرورة رحيل الأسد ومحاسبته عن جرائم الحرب المرتكبة خلال عهده.

ولأن ذاكرة العالم لا تموت مهما تقادم الزمن على الجريمة الإنسانية، فقد كتب الصحافي البريطاني بيرس مورغان، مستذكراً إرهاب الأسد الأب الذي يكاد يوازي إرهاب الأسد الابن، وذلك في مقال لصحيفة «ديلي ميل» يحمل عنوان «قاتل الأطفال الأسد يوقع أخيراً على شهادة وفاته»، جاء في المقال: «لقد تمكنت من الولوج إلى عقل الأسد المنحرف عندما قرأت بعض رسائله الإلكترونية التي تم نشرها قبل بضع سنوات، إحداها كانت مُرسلة منه لزوجته يوصيها بمشاهدة مقطع فيديو من برنامج أميركي للهواة على موقع يوتيوب يصوّر رجلاً متعطشاً للدماء قطع مساعده إلى نصفين باستخدام منشار كهربائي، ويبدو أن ذاك المشهد يحاكي تماماً نفس الأسد». ويضيف مورغان: «ليس الأمر بمثير للدهشة، بالنظر إلى أن والده البغيض حافظ الأسد، عرف عنه بأنه كان يذيب أجسام ضحاياه في الأحماض الكيماوية. والآن يتلذّذ الأسد الابن بالموتى بنفس الطريقة في مجازر مماثلة تستهدف المناطق المدنية المكتظة بالسكان بغاز الأعصاب وبراميل القنابل المليئة بالكلور، أو بقصف المستشفيات وتعذيب المعتقلين السياسيين».

وفي الدوائر السياسية البريطانية، أفاد المتحدث باسم الشؤون الخارجية لحزب الديموقراطيين الليبراليين توم بريك، وذلك في تصريح له اليوم لجريدة «الإندبندنت» البريطانية بأن «زوجة بشار الأسد التي تحمل الجنسية البريطانية بحكم مولدها يمكن أن تفقد جنسيتها إذا واصلت دعمها العلني لنظام زوجها الهمجي». وجاء هذا التصريح في رسالة كتبها بريك إلى وزيرة الداخلية أمبر رود، لشرح مخاوفه فقال: «أسماء الأسد تتصرف كناطق رسمي باسم الحكومة السورية وهي تستغل صورتها الدولية للدفاع عن النظام السوري حتى إثر الفظائع التي ارتكبها في استخدامه للأسلحة الكيماوية». ونصح «أنه بإمكان الحكومة البريطانية أن تبلغ أسماء الأسد، وهي مواطنة سورية بريطانية، بأن تتوقف عن الدفاع عن الأعمال الوحشية أو يتم تجريدها من الجنسية. وأنه من حق الحكومة حرمان شخص من جنسيته إذا كان ذلك الشخص يضر بالمصلحة العامة وبمصالح المملكة المتحدة. وأن دفاعها عن الرجل الذي صنفته بريطانيا «راعياً للإرهاب» لم يعد بالإمكان تجاهله».

هكذا يقبع الأسد المريض في عزلته، بلا أنياب، وبلا إرادة، بعد أن سلّم مقاديره للدولتين الراعيتين لاستبداده، وقد خرج تماماً عن طور البشريّ، وتحوّل إلى وحش عاجز يريد أن يدمّر كل ما حوله قبل أن يسقط خائراً غير مأسوف عليه.

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٧
باص أخضر ومدى أحمر

باص أخضر عنوانٌ يصلح لكتاب قصة للأطفال، نقرأه عليهم قبل النوم، كي ينعموا بأحلام وردية، ذلك أن الخضار، ابن الطبيعة ورمز حياتها وكرمها، يبعث على استرخاء الحواس، ويشيع الهدوء في النفس، بما له من حمولةٍ سلميةٍ، لا حدود لها على امتصاص التوتر والإرهاق والعدوانية.

باصات النقل الداخلي، في أغلب مدن العالم الكبرى، باستثناء لندن، مطلية باللون الأخضر، وهو أمر لا يخلو من دلالةٍ مدنية، ولو لم يدرسه المتخصصون بتأثيث العمران والحياة داخل فضاء المدينة، لما اجتمعوا على مكانة هذا اللون الذي يظل أنسب للبصر، ومبعثا للراحة في صخب المدن الكبرى.

لكن الباص الأخضر في الحالة السورية لم يعد يرتبط بأي دلالةٍ صحيةٍ منذ باتت الباصات الخضراء أداة التهجير من دمشق وحمص وحلب باتجاه إدلب، وخصوصا في هذا العام الذي شهد موجات تهجير كبيرة.

حوّل النظام السوري الباص الأخضر إلى أداة اقتلاع للأهالي وطردهم من بيوتهم التي عاشوا فيها أبا عن جد. طابور الباصات الخضراء، وهو يخترق المدن السورية المحاصرة، يمثل صورة لا مثيل لها في القسوة. صورة جديدة يمكن أن نبني عليها مفاهيم خاصة، ذات مفعول مرضي، في الفن والعمارة والنقل، وننقلها إلى الرسم والسينما والأنثروبولوجيا. صار يمكن أن نقول إن حيوان ترامب، المدعو بشار الأسد، صاحب الاختراعات التي لم تخطر على بال أحد، هو أحد المبشّرين بتدمير النمط والنظام الإنساني وتفكيك الاستقرار الأهلي من منظور التطهير الطائفي الذي قاد إلى جرائم ضد الإنسانية في يوغسلافيا السابقة ورواندا. هو الذي اخترع براميل الديناميت التي يتم إسقاطها جوا على المدنيين، وأنكر، في مقابلة صحافية تلفزية، علمه بها. وهو يمتلك البراءة الحصرية لإعادة استخدام غاز الأعصاب (السارين) الذي جرى تحريمه في نهاية الحرب العالمية الأولى، أي منذ قرن. وهو من استخدم، لأول مرة، قوارير الغاز قذائف مدفعية. يمكن للمرء أن يعد الكثير عن هذا الكابوس الرهيب الذي لم يحرج حتى الآن، على الرغم من خطورته على القيم الإنسانية، ضمير القوى الكونية المسؤولة عن العدالة.

أمر غريب أن ترمي الولايات المتحدة القنبلة التي أطلقت عليها اسم "أم القنابل" كي تقضي على 100 مقاتل من "داعش" يختبئون في كهف في أفغانستان، وقد كان سيكون وقعها أفضل، ويمكن أن تحقق دعايةً لا مثيل لها، وتشكل خدمة ليس للسوريين فقط، بل للبشرية جمعاء، لو أنها رمتها على بشار الأسد كان استحقها أكثر، وكانت ستبدو من أسلحة العدالة، فالأسد، حسب ما وصفه وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون، هو "الإرهابي الأكبر"، الذي استمر باراك أوباما يدلّعه ستة أعوام بوصفه "فاقداً للشرعية". وهل كان أوباما يصدّق حقا أن الأسد رئيس شرعي في الأصل، ومن أين جاء بالشرعية، هل من تزكية عبد الحليم خدام له؟

مسخرةٌ لا حدود لها، إنهم يكذبون على الشعب السوري جميعا، أصدقاء سورية وأعداءها. وحدهم السوريون ضاعوا ولم يهتدوا حتى الآن إلى الطريق الذي يمكّنهم من وقف الجريمة.

في مشهد الانفجار الرهيب الذي حصد أكثر من 120 شخصا، نصفهم من الأطفال، خلال عملية تبادل التهجير بين مواطني كفريا والفوعا والزبداني، كان هناك من الناجين من يحاول مساعدة الجرحى. كانت الصور سوريالية، ضحايا ينقذون ضحايا، والجميع يسبحون في بحر من الدماء! من يصدّق أن شخصا يعيش تحت الحصار منذ أربع سنوات يمكن أن يتبرّع بتقديم مساعدة في ظرفٍ من هذا النوع؟ هذا الكائن الذي تخلى العالم عن نجدته يرمي نفسه للنار، لكي يساعد جريحا يسقط في أفق مفتوح باتساع الدماء، وطويل كمدى درب جريمة التهجير القسري الذي تعرّض له الشعب السوري.

اقرأ المزيد
٢٣ أبريل ٢٠١٧
سباق إلى الجنوب بين الحريري و «حزب الله»

الرسالة التي أراد «حزب الله» توجيهها من خلال الجولة التي نظمها لوفد إعلامي إلى حدود لبنان الجنوبية هي رسالة إلى الحكومة اللبنانية ورئيسها، كما إلى رئيس الجمهورية وسائر المسؤولين في الدولة، قبل أن تكون رسالة إلى اسرائيل أو إلى إدارة دونالد ترامب. وفحوى هذه الرسالة: نحن هنا. ونحن وحدنا قادرون على حماية لبنان. قرار الحرب والسلم عند هذه الحدود في يدنا.

لذلك بدت الجولة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري برفقة وزير الدفاع وقائد الجيش إلى الحدود، مصطحبين وفداً إعلامياً الى المناطق ذاتها التي جال فيها وفد «حزب الله»، وكأنها سباق مع الحزب على «ملكية» الجنوب وعلى حق السيادة عليه، والحق في اتخاذ القرار في ما يتعلق بحالة الحرب والسلم هناك. إذ فيما أكد الحريري أن هدف الحكومة اللبنانية هو تثبيت وقف دائم لإطلاق النار مع إسرائيل، بمعنى إنهاء الحالة الموقتة القائمة حالياً، فإن «حزب الله» يعتبر الجنوب ورقة في يده، يستخدمها ضمن «عدة الشغل» في السياسة اللبنانية لتبرير موقعه المتميز، الذي يفوق موقع أي حزب آخر، سواء في الطائفة الشيعية أو حيال الأحزاب والطوائف الأخرى.

بهذا المعنى لم يكن هناك جديد في الرسالة التي أراد «حزب الله» توجيهها من خلال الجولة الحدودية، فالكل في لبنان يعرف أن الوضع في المنطقة الحدودية ممسوك، سلماً أو حرباً، نتيجة حسابات للحزب لا علاقة لها دائماً بالحسابات اللبنانية أو بالقرار السيادي اللبناني. لذلك يصح التساؤل: لماذا استفزّت جولة الحزب الجنوبية الرئيس الحريري ودفعته إلى تنظيم جولة مقابلة بدت كرد فعل؟ فالوضع الاستثنائي للحزب في المنطقة الحدودية، الذي سمح له بالتصرف بحرية كاملة وبإدخال عناصره الذين كان بعضهم مسلحاً، مع الوفد الإعلامي، تحت عيون الجيش اللبناني، وعبر حواجزه، هو وضع معروف، والجديد الوحيد أن الكاميرات كشفته الآن، فيما هو بعيد عادة عن سمع المسؤولين ونظرهم. «حزب الله» يتصرف فعلياً في أرض الجنوب وكأنها أرضه، له وحده حق حمايتها، في ظل ما يزعمه عن عجز الجيش اللبناني عن الدفاع وحيداً عن لبنان، في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي.

ومن الغرائب التي يندر أن تجد مثيلاً لها في بلد آخر غير لبنان، أنه في الوقت الذي يؤكد رئيس حكومته أن «الجيش وحده هو المكلف حماية الحدود والذي يدافع عنا بصفته القوة الشرعية التي لا قوة فوق سلطتها»، تسمع رئيس الجمهورية، الذي يُعتبر بحسب الدستور القائد الأعلى للقوات المسلحة، يلتمس الأعذار لـ «حزب الله» ولوجوده المسلح في المنطقة الحدودية، بشكل يخالف نص القرار الدولي رقم 1701 الذي أنهى الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006. فالرئيس ميشال عون كان واضحاً في إشادته بدور «حزب الله»، عندما اعتبر في حديث صحافي أخير أنه «طالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح (سلاح «حزب الله») لأنه مكمل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية». وأضاف الرئيس: «إن حزب الله هو سكان الجنوب وأهل الأرض الذين يدافعون عن أنفسهم عندما تهددهم أو تحاول إسرائيل اجتياحهم، فهم ليسوا بالجيش المستورد»، في اعتراف واضح بحق الحزب في الدفاع عن «أرضه»، مع تشكيك ضمني في قدرة الجيش على القيام بهذه المهمة.

أمام خلاف من هذا النوع بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومته بشأن الدور المطلوب من الجيش في الجنوب، ووظيفة «حزب الله» في المنطقة نفسها، من هو على حق؟ وكيف يتصرف الجيش أمام خلاف كهذا بين أكبر مسؤولَين في الدولة، ليس فقط حيال مهماته الأمنية، بل قبل ذلك حيال العلاقة الميدانية مع «حزب الله» في المنطقة الحدودية؟

إذا كانت جولة الحريري في الجنوب تؤكد شيئاً، فهو أن التعايش مع التناقضات داخل الحكومة وفي السياسة اللبنانية عموماً، هو تعايش هشّ وقابل للانفجار في أي وقت. وعندما يؤكد الحريري أن هذا الخلاف الأساسي مع «حزب الله» حول دور الجيش والمسؤولية عن السياسة الدفاعية، لا يجب أن يأخذ الحكومة «إلى مكان آخر»، فإن هذا يؤكد مجدداً الشعور السائد بالقوة الفائضة لـ «حزب الله» وبالحرص على التعايش معها، لأن البديل هو الانفجار نتيجة قدرة الحزب على ذلك، إذا سارت الأمور على الأرض إلى غير ما يرغب.

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٧
"داعش" باقٍ... ولن يتمدّد

لا تستغربوا أن يتبنّى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حادث سير في الهند، مثلاً، يودي بحياة عشرات الأشخاص، أو أن يتبنّى عملية فردية في أحياء هارلم وبرونكس الأميركيتين. لا ترتابوا إذا ما أعلن التنظيم احتضانه انتحار شخص بسبب الاكتئاب في مكان ما من العالم، واعتباره "شهيداً" له. نعم، لم يعد "داعش" ذاك التنظيم القادر على المواجهة الميدانية في ساحات القتال، بل تحوّل إلى رمزية صوتية في أحيان كثيرة، بما يشير إلى نموّ "الذئاب المنفردة" وتطوّرها في العامين الأخيرين.

يريد "داعش" ترسيخ صورةٍ له على أنه "أب الذئاب المنفردة"، وأن ديمومته باقية بعيداً عن معاقله الميدانية، الساقطة والتي ستسقط، في الموصل العراقية والرقة السورية. يريد تكريس نمطية جديدة في التفكير السياسي والأمني، عنوانه "خلف كل حادث فردي هناك داعش". يكفي هذا لاستمرار وجوديته كـ"أنونيموس"، بعد دنوّ نهايته طرفاً مقاتلاً في العراق وسورية. بالتأكيد، يفسح هذا النوع من النمطية المجال لاستغلال سياسي واسع، سواء عبر نموّ الأجنحة اليمينية المتطرفة، أو حتى في سياق ردود أفعال الأطراف اليسارية والوسطية. أوجد التنظيم لنفسه هامشاً بما يكفي لأن يهتف مشجعو كرة القدم ضده في الملاعب.

كرة القدم؟ من ينسى الاعتداء الذي طاول حافلةً تقلّ فريق بوروسيا دورتموند الألماني في 11 أبريل/ نيسان الحالي؟ من في وسعه نسيان الليلة الكئيبة في باريس، الجمعة 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، التي تحوّلت فيها الأحداث المحيطة في ملعب سان دوني في أثناء مباراة فرنسا وألمانيا إلى مأتم دموي؟ من يمكنه تجاهل أن مدينة هانوفر الألمانية كادت تلقى مصير باريس، بعد أيام قليلة، وفي أثناء مباراة لكرة القدم أيضاً؟ هذا ما فعله "داعش"، ضرب اللاوعي لدى الجماهير، ليتمكّن من اختراق وعيهم، وتحوّله إلى عدوٍ لهم. واختيار كل ما يتعلق بكرة القدم في أوروبا لتوجيه الرسائل الدموية، كاختيار الجوامع والكنائس في الشرق الأوسط. في أي ضربةٍ يوجهها التنظيم إلى تلك الأماكن، يُسمع صداها في كامل أرجاء البيئة المحيطة. هو ما كرّسه "داعش". تماماً كما حين فعلت "طالبان" حين دمّرت تمثالين لبوذا في أفغانستان، ربيع عام 2001. اختيار ضرب رموز مجتمعية في بيئات محددة، يعني الكثير لـ"داعش".

تحوّل التنظيم إلى خصم غير مرئي، يظهر بعد تنفيذه عملية ما، يزيد من قتامة الوضع في أوروبا والعالم. قادة "داعش" يعلمون ذلك، حتى أنهم لم يعودوا يعتمدون على صوت زعيمهم أبو بكر البغدادي، لتوجيه التهديدات، بل يكفي القول "داعش تبنّى" لإظهار "قوتهم". لا يشبه الأمر مرحلة أسامة بن لادن في قيادة تنظيم القاعدة، فعندما اُعلن عن مقتله أصيب تنظيمه بالوهن. في حالة "داعش"، لن يحصل ذلك، فـ"القاعدة" اعتمد على بيانات صوتية ومرئية لبن لادن ولأيمن الظواهري، أما "داعش" فيستند إلى مفهوم أبعد من "القائد".

صحيحٌ أن تأثيرات الهجوم الباريسي مساء أول من أمس الخميس ستطاول صناديق الاقتراع الفرنسية غدا الأحد، غير أن مقاربة المسألة في نجاح اليمين المتطرّف من عدمه فقط أمر غير صحيح. يريد "داعش" من مارين لوبان، وإيمانويل ماكرون، وبنوا هامون، وجان ـ لوك ميلانشون، وفرانسوا فيون، أن يعلموا أنه "سيبقى العدو رقم واحد لبلادهم"، وعبرهم إلى كامل أوروبا، بما فيها ألمانيا التي تجري انتخاباتها بين شهري أغسطس/ آب وأكتوبر /تشرين الأول المقبلين.

يفترض في المرحلة المقبلة أن يزيد التنظيم من ضرباته كـ"ذئاب منفردة"، للتغطية على السقوط الميداني والحتمي في سورية والعراق. سيكون أمام "داعش" مرحلة زمنية، انتقالية على الأرجح، يختفي فيها جميع قيادييه وعناصره من ساحات القتال المباشر، ولن يبقى سوى وكالة أعماق الناطقة باسمه، لتتبنّى كل حدث أمني في العالم باسم "داعش". وطالما أن تلك الوكالة باقية، يعني أن "داعش" باقٍ لكن من دون التمدّد.

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٧
«كابوس» ترمب لإيران وحزب الله..!

هل ستفيق إيران مما يمكن تسميته «كابوس ترمب- ماتيس»؟ لقد أوفى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بما وعد به الناخبين بشأن الموقف من إيران. فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الثلاثاء الماضي أنه كتب للكونغرس بشأن توجيه الأجهزة الحكومية المعنية بـ«مراجعة» ما إذا كان قرار الرئيس السابق باراك أوباما رفع العقوبات عن إيران إثر توقيع الاتفاق بين القوى الكبرى وطهران، بشأن البرنامج النووي الإيراني، يخدم مصلحة الأمن القومي الأمريكي.

وأقر تيلرسون في رسالته للكونغرس الذي تسيطر عليه غالبية من الجمهوريين بأن إيران ملتزمة ببنود الاتفاق النووي، لكنها لا تزال دولة راعية للإرهاب. وهي خطوة تمثل تحولاً كبيراً في موقف واشنطن حيال طهران، مقارنة بمواقف الإدارة الديموقراطية «الأوبامية»، التي بدا واضحاً نزوعها لإرضاء طهران، على رغم معرفتها التفصيلية بالنشاطات الإرهابية وزعزعة الاستقرار التي تمارسها إيران في المنطقة والعالم.

ولم يكن قرار المراجعة من بنات أفكار الوزير الأمريكي؛ إذ أكد في رسالته للكونغرس أن «ترمب وجه بمراجعة تقوم بها الوكالات، تحت إشراف مجلس الأمن القومي لخطة العمل الشاملة، لتقويم ما إذا كان تعليق العقوبات ضد إيران سيكون ضرورياً لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة». ويضاف إلى ذلك أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس زار السعودية لضخ دم جديد في التحالف التاريخي المتجذر بين المملكة والولايات المتحدة. وهو معروف بمقته الشديد لإيران، ومن هناك لا يذكر مقولته الأشهر حين سئل عن أكبر خطر يهدد العالم، فقال: إيران ثم إيران ثم إيران. وهو موقف واضح وليس من صنع غربي متعجرف كما تزعم طهران، بل ناجم عن معايشة وثيقة لأنشطتها التخريبية من خلال محطات عمله في الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، وقيادة القوات الأمريكية في القيادة الأمريكية الوسطى. ولكن «الكوابيس» بالنسبة لإيران لا تأتي فرادى. فمن المتوقع أن يبدأ أعضاء الكونغرس عقب عودتهم من عطلة الربيع، التصويت على قوانين جديدة وقديمة، منها قانون يمنع وصول الدعم من برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى النظام السوري، إضافة إلى مشاريع قوانين جاهزة أخرى تهدف إلى عزل 3 خطوط طيران إيرانية تجارية، يشتبه في نقلها أسلحة ومقاتلين لمساندة بشار الأسد.

كما يعتزم قادة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ تقديم مشروع قانون جديد لفرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني، لمساندته الإرهاب. ولن تطارد الكوابيس طهران وحدها، بل ستلاحق المنظمات الإرهابية التابعة لها، إذ يستعد الكونغرس الأمريكي لتعديل قانون حظر تمويل ميليشيا «حزب الله» اللبناني، الذي أصدره عام 2015. وتُوسِّع التعديلات المرتقبة قائمة الكيانات التي قد تواجه عقوبات بسبب تقديم الدعم لـميليشيا «حزب الله»، وصولاً إلى حلفائه السياسيين. وبحسب مسودة قانون 2017، ينص القانون الجديد على توسيع نطاق العقوبات لتشمل أي وكالة أو أداة تابعة لدولة أجنبية تقدم مساعدة أو رعاية أو دعماً مالياً للحزب. كما يهدّد مشروع قانون 2017 بفرض عقوبات على أي شخص يقوم بدعم قناة «المنار» التلفزيونية، وغيرها، أو أي شخص أجنبي يُحدّد الرئيس الأمريكي ضلوعه في جمع تبرعات أو تجنيد لصالح الحزب الإرهابي. ولعل تلك الكوابيس المتتالية تفسر الارتباك الظاهر في تصرفات وتصريحات القادة الإيرانيين هذه الأيام.

فهم يدركون جيداً أن أي قرارات أمريكية ضد بلادهم ستعني عملياً صدور عقوبات مماثلة من الدول الغربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وليس أمام ملالي طهران سوى أن يوغروا صدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد إدارة ترمب. ولكن هل حسابات بوتين تماثل حسابات طهران؟ وهل ستتضرر موسكو من عقوبات على طهران؟ وطهران تعرف أن بوتين نفسه متضايق من دورها في سورية. فإلى أين تتجه طهران بحثاً عن مُعين بعدما أحرقت نفسها وأغرقت سفنها مع العالم العربي، والخليج، والعالم الإسلامي، ولم يعد لها حليف في الغرب؟ الأكيد أن إيران تقع في شر أعمالها وميليشياتها ووكلاءها سيواجهون المصير نفسه عاجلاً أم آجلاً.

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٧
فاجأكم "حزب الله"... مو؟

يُصدِّق بعض السياسيين اللبنانيين أنهم شركاء حقيقيون لحزب الله في السلطة او أَنْداد بكل معنى الكلمة. يصدّقون أنهم بالتسويات التي قبِلوا بها إنما حشروا الحزب في زاويةٍ وأجبروه على الإفراج عن الاستحقاقِ الرئاسي وتشكيلِ حكومةٍ وقريباً سيجبروه على القبولِ بنظامٍ انتخابي عابِرٍ للطوائف. يصدّقون ان الرئاسة صارت على مسافةٍ واحدة من الجميع وأنها ستنتهج سياسةً عربية تحترم مصالح لبنان وأَمْنه القومي. يصدّقون ان مسؤولية الأمن في بلدهم تتولاها القوى الأمنية الرسمية حصراً وان التعاطي مع الحرائق الإقليمية سيكون من خلال الحكومة فقط ...

يصدّقون ويصدّقون ... ولذلك "تَفاجأوا" كثيراً عندما حصل استعراضٌ مسلّحٌ لحزب الله في برج البراجنة، او الجولة الإعلامية - العسكرية على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية. تَفاجأوا الى الدرجة التي لم يَبْقَ زعيمٌ او مسؤولٌ حكومي او غير حكومي من المقلب المعاكِس للحزب وحلفائه إلا وخاض السباق على انتقادِ ما جرى والتنديد به والتحذير من أن ممارساتٍ كهذه يمكن ان تضرب مبدأ الشراكة (يا سلام!) وتهزّ أسس الندّية (تعظيم سلام!)، وقد تضع لبنان في حال تكرارها أمام فوهة البراكين المشتعلة إقليمياً بل وتهدّد استقراره وسِلْمَه الأهلي.

اذا استثينا في هذا الإطار الحركة التي يقوم بها رئيس الوزراء سعد الحريري على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنمائية والاجتماعية، وحتى السياحية، للحفاظِ على حدٍّ أدنى من مقوّمات الدولة والردّ بأسلوبٍ حضاري على مَن لا يعترف أساساً بالدولة ولا يقيم وزناً لمصالحها. اذا استثنينا ذلك، فلا بد من القول إن الذين فوجئوا بتحركات حزب الله إنما يثيرون الضحك، كي لا نقول الشفقة، ويستخفّون فعلاً بعقول اللبنانيين بل بعقول قواعدهم وأنصارهم.

للمرة المليون، حزب الله هو الحزب القائد الحاكِم في لبنان. هو رأس السلطة، وحوله "جبهة وطنية تقدمية" تضمّ أحزاباً وحركات طائفية وأخرى علمانية تدور في الفلك الايراني - السوري، وبعض "الدكاكين السنية" الصغيرة التي يحتاجها عند اللزوم وبينها "علماء" وقوميين وحتى "جهاديين". وفي الضفة الأخرى قوى رضيتْ بالمشاركة معه بشروطه، ووُجهة نظرها ان المشاركة أفضل من المقاطعة، وأن تمرير الاستحقاقات أهمّ من الفراغ، وان الوضع الاقليمي سيسفر عن نتائج ليست في مصلحة الحزب الذي سيضطرّ الى العودة الى لبنانيّته ويرضى لاحقاً بشراكةٍ حقيقية وليست وهمية، وأن وضع الانتظار الحالي يمكن ان يُستغلّ في الحفاظ على ما بقي من مؤسسات.

تبقى وجهة نظر، إنما على الأرض حزب الله يملك ميليشيا يقول عنها إنها اقوى من الجيش اللبناني عدداً وعُدّة. أَسقط حكومةً بكاملها ببعض شبانٍ انتشروا على جادات الطرق يرتدون قمصاناً سود ويحملون أجهزةَ لاسلكي في أياديهم من دون أيّ سلاح. حتى الاستعراض الأخير المسلّح في برج البراجنة بهدف تخويفِ جماعة المخدرات كان رسالةً مباشرة للدولة بأنه سيأخذ مكانها حتى في الأمور الجنائية العادية التي لا علاقة لها لا بدور المقاومة ولا بالتهديدات الاسرائيلية.

حزب الله ابن منظومةٍ إقليمية فاعلة ومؤذية تحت راية لواء القدس التابع للحرس الثوري الايراني، لا يحكم في لبنان فقط بل يحكم جزءاً من الارض والقرار في سورية ومثلهما في العراق، وعملياته توسّعت الى اليمن والبحرين وصولاً الى دول عربية أخرى وأوروبية وآسيوية (تدريبات في أفغانستان وباكستان)، وعليه فإن جولته الأخيرة على الحدود مع اسرائيل رسالة إيرانية لـ "العم سام" بالخيارات التي يمكن ان تُتخذ في حال نُقِل التصعيد ضدّ طهران الى مرحلة الفعل لا القول. وبما ان لبنان يلعب دور صندوق البريد كوظيفةٍ من وظائف الحزب، فإن الدول المشارِكة في قوة "اليونيفيل" وصلتْها الرسالة بأن جنودها قد يتحوّلون في هذا الصراع إن بدأ الى ... رهائن.

استعراض ضاحية بيروت المسلّح رسالة الى الدولة، و"عراضة" الجولة الجنوبية رسالة الى العالم ... والسياسيون اللبنانيون يضربون أياديهم على صدورهم من هول "المفاجأة". والخوف على أضلاعهم مستقبلاً من تكرار المفاجآت، يفترض ان يعيدهم الى المربّع الأول ... الى الحقيقة، ان هذا الحزب يحتلّ السلطة في لبنان في إطارِ وظيفةٍ مماثلة للوظائف التي تُوزِّعها إيران هنا وهناك للبقاء قوة إقليمية كبرى، فإما ان يقاوم المعترضون ولو بالانسحاب من السلطة وتحميل مسؤولية ما سيجري لـ "الحاكم" الحقيقي، وإما ان يكرمونا، بعدما شاركوا، بصمتٍ يحترم عقولنا بدل تصريحاتٍ ظاهرُها تحذيرٌ وباطنها تبرير.

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٧
يا لها من هدنة

عندما عقدت اتفاقية أستانة لوقف إطلاق النار في سورية، بمبادرة من روسيا وتركيا، اللتين انفردتا باقتراحها والتوصل إليها، شاعت أجواء أوحت بأنها ستكون مديدة، على عكس الهدن السابقة لها. حين كان أحد ما يشكّك في جديتها، كان يُسأل باستنكار: وكيف لا تكون نهائية، إذا كانت قد عقدت بضمانات قطعية من الطرفين الروسي والتركي، ثم من إيران التي استماتت كي تُقبل ضامناً ثالثا لها.

بيد أنه ما لبث أن تأكد أن المشكّكين كانوا على صواب، ومن أبدوا ثقتهم بالروس والإيرانيين أخطؤوا أيما خطأ، ذلك أنه بدل وقف إطلاق النار، وقع تصعيد لحرب الأسد وإيران إلى مستوى نوعي، لم يسبق أن شهدت الحرب السورية مثيلا له، بعد أن تولت إيران شن عملية عسكرية طاحنة ضد وادي بردى، بدأتها بقصف منشآت النهر التي تمد ملايين السكان في دمشق بالماء، ثم مرت بهجماتٍ قام بها مرتزقة حزب الله، تحت إشراف جنرالات طهران، زحف المشاركون فيها على الوادي شبرا بعد شبر، ودمروا كل ما وجدوه في طريقهم، بينما كانت إيران تعلن، من دون مواربة، تصميمها على تهجير سكان الوادي، واستقدام إيرانيين ولبنانيين إلى قراهم وبلداتهم.

بعد ثلاثة أسابيع من القتال الأشد ضراوة، ارتكبت خلالها جرائم تقشعر لها الأبدان، سقطت المنطقة التي تعرض سكانها للفتك بجميع صنوف الأسلحة، بما في ذلك غاز الكلور السام. في هذه الأثناء، كانت صرخات الملتزمين بوقف إطلاق النار تذكّر بما تم التوقيع عليه، وتصل إلى موسكو، وكانت تهديداتهم باعتبار اتفاقيته باطلة، بينما كان رد الروس يقتصر على جملةٍ واحدة: ليست الحرب خرقا لأي اتفاق، لأنها تستهدف جبهة النصرة. وقد كرّر الكرملين سخافته هذه، على الرغم من بيان رسمي أصدره مركز قيادة العمليات الروسية في حميميم، يقول إن الوادي خالٍ من جبهة النصرة والإرهابيين. والغريب أنه ما أن سلم مقاتلو الوادي أسلحتهم، حتى اختفت تهمة الانتماء إلى "النصرة" عنهم.

لم يقتصر العدوان على وادي بردى، بل تعداه إلى وعر حمص، حيث كثف النظام ومرتزقة إيران قصفه بجميع أنواع الأسلحة، وضغطوا على سكانه إلى أن قبل ممثلوه الدخول في مفاوضات هدنة. والمذهل أن ضباطا روسا قادوا المفاوضات، وهدّدوا بإبادة أهالي الوعر عن بكرة أبيهم، إذا رفضوا الاستسلام والترحيل. ما الذي حدث؟ تساءل السوريون. وهل هناك هدن خارج وقف إطلاق النار المغطى بضماناتٍ يفترض أنها أوقفت إطلاق النار، وبالتالي الهدن الجزئية التي تفرضها الحرب، الممنوعة، والتي تقوم على استغلال التهدئة العامة لعزل مناطق بعينها، وإرغامها على قبول الرحيل الجماعي والاستسلام.

بنجاح الضامنيْن، الروسي والإيراني، في تحويل وقف إطلاق النار إلى حربٍ قضمت مناطق مهمة خارج سيطرة النظام، ورحلت سكانها الذين بلغ عددهم في وادي بردى والوعر قرابة مائتي ألف مواطن، انتقل الضامنان والنظام إلى الخطوة الثالثة، وهي استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون، وبلغ إطلاق النار ذروته، وتبين أن لوقفه المزعوم معنى واحدا، يتقيد المقاومون به، ليستكمل الضامنان، الروسي والإيراني، اقتلاع مئات آلاف السوريات والسوريين من مناطقهم، بما لديهما من وسائل قتل جماعي.

والآن: هل سمع أحد، خلال التاريخين القديم والحديث، بوقف إطلاق نار يستخدم خلاله السلاح الكيميائي، وتحديدا ضد المدنيين؟ عن أي وقف إطلاق نار نتحدث، إذا كان النظام يحارب بغطاءٍ ومشاركةٍ من الضامنين، ويستخدم أسلحة لم تستخدم نيفاً وثلاثة أعوام؟ ثم، بربكم، كيف تكون الحرب، إن كان الطرف الذي يتقيد بوقف إطلاق النار يكافأ بهجماتٍ متلاحقةٍ هي أعنف ما واجهه خلال خمسة أعوام، لا بد من تصنيف نتائجها تحت حيثية التطهير العرقي والجغرافي؟ وإذا كان فوق يستهدف بالسلاح الكيميائي؟ وهل هناك صفاقةٌ تفوق صفاقة الروس، وهم يتهمون الضحية بانتهاك وقف إطلاق النار، لأنها احتجت على استمرار الحرب ضد الشعب السوري وتصعيدها، واستعمال الكيميائي ضد الآمنين؟
كم مرة يعتقد الروس والإيرانيون أننا سنقبل أن نلدغ من جحورهم، وبضماناتهم؟

اقرأ المزيد
٢٢ أبريل ٢٠١٧
سماسرة التهجير في مواجهة الشارع

صارحني أحد الأخوة الأعزاء، أنني مع مجموعة من الأصدقاء؛ صعَّدنا كثيراً بتسليطنا الضوء على المهزلة التي حدثت أمس، بما يسمى ” اتفاق البلدات الأربعة”.

وكان علينا برأي صاحبي أن نلتمس للأخوة الموقعين العذر، تحت مظلة “التمس لأخيك سبعين عذراً فإن لم تجد له عذر فقل يا قلب ما أظلمك”!
من المؤكد أنّه يجب علينا فعل ذلك، ولو كنا مكانهم لاضطررنا على فعل فعلتهم، وكدت أفعل ما سيقول لولا أنهم قد فعلوا بغيرهم الأفاعيل، واستباحوا سلاحهم وبعض أموالهم من قبل بمثل هذه الشُبه التي كسوها كسوة المخالفة للدّين.

كنّا في كلّ مناسبة نتكلم بهذا الأمر العظيم، وندعوهم للتبصر وأن يلتمسوا لإخوانهم في الجيش الحر وغيره من الفصائل الأعذار، وأن لا يعمموا فإن التعميم من العمى.

لكنّهم كانوا دون أن يشعروا وبنية طيبة أدواتاً رخيصة لتنفيذ مشاريع عالمية خبيثة، أقل مساوئها أنّها تهدف لتهجير أكبر عدد من شباب السوريين، ودفعهم للهجرة خارج المناطق المحررة لأنّهم لا يتوافقون مع نهجهم، وهذا بالفعل ما حدث حيث فرغت الساحة من بعض الثوار والناشطين والعاملين، وجعلوا منهم لقمة سائغة في فم المنظمات والوكالات التي تعمل لصالح المخابرات العالمية.

والطامة الأكبر هي: إنّ الإعلاميين الذين كانوا يزينون تلك الأباطيل، والشرعيين الذين كانوا يشرعنون تلك الضغوط على الفصائل لصبّها في بوتقة واحدة تمثل نهجهم وما يعتقدونه.

وقد أقفلوا جميعهم فجأة هواتفهم، وعلّقوا العمل بحساباتهم المسمومة، وتوقفوا عن التغريد وتبادل الشتائم وتهم التخوين، ونعتهم لخصومهم بالمميعة والمرجئة.

صمتوا من ساعة إبرام هذا الاتفاق، وذهبوا ليراقبوا ردّة الفعل الشعبية لهذا الاتفاق، فإن كانت حسنة تصدّروا للتبني وإلا فتركوا الأمر ليسجل ضد مجهول، لكنهم فوجئوا بالشارع الذي لا ينسى، وصدموا بدموع الأمهات اللاتي ينتظرن أبناءهم المعتقلين من سنين خلف الأبواب.

فعلها النظام الخبيث واستطاع اعتقال أكبر عدد من البسطاء المظلومين، وجمعهم من عملهم في مؤسساته أو على حواجزه أثناء ذهابهم لقبض رواتبهم من بنوكه، وقدّمهم للمعارضة على أنّهم منهم، قدمهم كعربون يضمن بهم حماية ما تبقى من أهالي كفريا والفوعة الخارجين في الدفعة الثانية.

وقد لا يتأخر النظام عن جمع دفعة أخرى من الأبرياء للتفاوض عليهم في مراحل قادمة، ليبقى رموز المعارضة من الناشطين والثوار والمنشقين كالهرموش وغيره من الصادقين في أقبية سجونهم تحت أشد أنواع التعذيب.

حافظت قطر على أبنائها ورعاياها، وعملت لصالح أمنها كما تفعل تركيا وغيرها في وقوفهم إلى جانب الثورة، لأنهم يجدون فيها شركاء حقيقيين يجب التواصل والتنسيق معهم للحفاظ على المنطقة من التفتت والتشظي أو التشييع والعلونة.

فهل نبحث نحن عن شركاء لنا لنشكل تحالفا يمثلنا؟ ويراعي مصالحنا وبعدنا الديني والأخلاقي أم سنبقى ننعتهم ونخون ونكفر الجميع؟.
هذه الكرة في ملعبكم فأرونا ما أنتم فاعلون.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو