تزداد قوة دوران دوامة الحرب السورية في الآونة الأخيرة، خاصة بعد المجزرة الكيميائية المرتكبة في بلدة “خان شيخون”، وما أعقبها من ضربات عسكرية أمريكية محدودة استهدفت مطار “الشعيرات” كاستعراض لقوة السلاح الأمريكي في حقل تجارب سوري مفتوح.
ما إن أعلنت الخارجية الأمريكية عن انتهاء عمليات القصف على مطار الشعيرات، حتى انهمرت أطناناً من الصواريخ والقذائف فوق المناطق المحررة. رغم أن هذه الأسلحة غير كيميائية لكنها أحدثت العديد من المجازر في عدة بلدات كجسر الشغور وسلقين وأورم الجوز وغيرها، وكان للمشافي ومباني الدفاع المدني النصيب الأكبر من ذلك القصف والتدمير فأُخرج معظمها عن الخدمة في حملة ممنهجة لهدم البنية التحتية في الشمال السوري.
أهم تلك المشافي المدمرة في الآونة الأخيرة:
1 – المشفى الوطني في مدينة معرة النعمان والذي قُصف في 2 نيسان.
2 – مشفى الرحمة في مدينة خان شيخون في 4 و 16 نيسان.
3 – مستوصف حيش في 7 و 8 نيسان.
4 – مشفى الإخلاص في قرية شنان في 17 نيسان.
5 – المشفى المركزي قرب عابدين في 22 نيسان.
6 – مشفى الشهيد وسيم حسينو في مدينة كفر تخاريم 25 نيسان.
تستمر هذه الحملة مع عقد الاجتماعات من قبل الأقطاب المؤثرة للبحث عن حلّ سياسي ترقيعي يرضي كلّ الأطراف المتصارعة والمتناحرة في سوريا، ويوقف تصفية الحسابات فيما بينها على حساب هذا الشعب المنهك مسلوب الهوية والقرار والذي تحوّل لمجرد أرقام في عداد القتلى والجرحى والمفقودين لا أكثر.
فقَدَ السوريون في هذا الصراع الدولي عدة مفاهيم كالمواطنة والهوية، وسلبت منهم ثورتهم، ودمرت منازلهم، وقتل أولادهم في حرب دولية كبيرة لا ناقة لهم فيها ولا جمل إلاّ تلك الثورة على ذلك الحاكم المستبد الذي استعان بكل الميليشيات الأجنبية للتمسك بالحكم، وإظهار نفسه على أنه متحكم بالقرار السوري المسلوب منه منذ فقد سيطرته على مناطق واسعة من البلاد .
في حين ينتظر الشارع السوري ضربات أمريكية جديدة، على مناطق استراتيجية تلجم الأسد ومليشياته، تعود الولايات المتحدة الأمريكية للحديث عن المناطق الآمنة ولنقطة العقوبات المالية فأدرجت يوم الإثنين الواقع في الــ 24/4 /2017م على تلك القوائم 271 موظفاً في المركز السوري للبحوث العلمية بتهمة العمل على تطوير الأسلحة الكيميائية لأكثر من خمس سنوات؛ تأمر العقوبات البنوك الأمريكية بتجميد الأصول المالية والعقارية لأي موظف قد أُدرج اسمه، وتمنع جميع الشركات الأمريكية من القيام بتعاملات مع مؤسساته، وقد أعلن وزير الخزانة “ستيفن منوتشين” في بيان له أنّ هذه العقوبات الواسعة تستهدف مركز الدعم العلمي للهجوم المروع بالأسلحة الكيماوية للدكتاتور بشار الأسد على رجال ونساء وأطفال مدنيين أبرياء وأنّ السلطات الأمريكية ستلاحق باستمرار الشبكات المالية لجميع الأفراد المشاركين في إنتاج الأسلحة الكيماوية المستخدمة لارتكاب هذه الفظائع وستقوم بغلقها.
لم يكن قرار ترامب على مستوى تطلعات الكثير من السوريين لأنها تذكرهم بحقبة أوباما وتعاطيه مع القضية السورية لأنّ هذه العقوبات كسابقتها لن تؤثّر على مجريات الأحداث ولن تخفف من وطأة الحرب والعنف على المدنيين.
من المؤكد أن هذه المأساة تجاوزت الحدود السورية، وعبرت الحدود التركية، وشملت العراق ولبنان والأردن، وتحوّلت قضية اللجوء لقضية محورية!
إلا أن اختصار الحل ببعض العقوبات المالية التي تدر أرباحها للبنوك الأمريكية، وإقامة مناطق آمنة في جنوب سورية وشمالها لإيقاف الهجرة إلى تلك الدول هو الأنانية بحد ذاتها، ومحاولة حل الصراع التاريخي بهذه الطريقة كتوجيه بعض الضربات الصاروخية المحدودة سيكون أشبه بقطع زيل الأفعى وترك رأسها، كما سيكون تسليط الضوء على إجرام داعش والتغاضي عن الميليشيات الشيعية الأجنبية التّي تجوب المنطقة لتبتلع أكثر عدد ممكن من البلدات وتهجر أهلها، والتغاضي أيضاً على عمليات التهجير التي يقوم بها حزب الــpkk الكردي بعد سيطرته على مناطق في الشمال السوري.
كل ذلك يدل إلى أن المنطقة تسير إلى التقسيم وفق تصنيف طائفي دون أي تدخل من قبل المجتمع الدولي، وهذا ما سيجعل المنطقة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، ولن تقتصر على سوريا فحسب، لأن الطوائف تتوزع على كل البلاد المجاورة، مما سيهددّ المنطقة العربية ومحيطها بالتفتت والتشظي، ويتوعد المحيط كله بزحف الحرب الطائفية إليه، وهذا كله يصب في صالح إسرائيل المستفيد الأكبر من إطالة أمد هذه الحرب.
في غياب المفاجآت، سيكون إيمانويل ماكرون ابن الـ39 عاما الرئيس الجديد لفرنسا، خصوصا بعدما أيده اليمين والوسط وقسم كبير من اليسار. صار لدى ماكرون الذي حل أوّلا في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية ما يكفي من دعم توفّره له القوى السياسية للانتصار على مارين لوبن مرشحة اليمين المتطرّف والمعجبة ببشّار الأسد. لم يحن بعد وقت وصول اليمين المتطرّف إلى الإيليزيه على الرغم من كلّ الجهود التي تبذلها أطراف عدّة تدّعي محاربة الإرهاب من أجل تحقيق هذا الهدف.
المفارقة، أنه للمرة الأولى منذ قيام الجمهورية الخامسة في فرنسا، هناك مرشحان يتنافسان على الرئاسة لا يمتلك أيّ منهما كتلة نيابية تذكر. لدى لوبن نائبان وليس لدى ماكرون الاشتراكي السابق الذي كان ينتمي إلى ما يسمّى تيّار “اليسار الذي يحبّ الكافيار”، أي حياة البذخ على طريقة فرنسوا هولاند، أي نائب. كيف سيفعل الرئيس الفرنسي المفترض من أجل ممارسة سلطته في بلد فيه نظام يجمع بين الرئاسي والبرلماني؟ الأكيد أن ماكرون سيتدبّر أموره، خصوصا أنّه قادر على التكيّف مع كل الظروف، ويعمل تحت شعار الرجل “القادر على أن يكون على تفاهم مع الجميع”، مع الذين على تفاهم معهم فعلا، ومع الذين لا يتفاهم معهم!
في كلّ الأحوال، يظلّ ماكرون ظاهرة فرنسية، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار صعوده السريع إلى موقع المرشّح الأبرز لدخول قصر الإيليزيه بعد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية المتوقّعة في السابع من أيّار ـ مايو المقبل. لم يعد معروفا هل الرئيس المقبل لفرنسا اشتراكي أو غير اشتراكي. ليس معروفا هل هو رجل أعمال أو مصرفي أو أستاذ جامعي أو مفكّر درس الفلسفة وتأثر بهيغل… أو عازف بيانو. الأكيد أنه رجل استثنائي ولامع يمتلك صفات كثيرة. من أهمّ هذه الصفات أنه وجد من يعلّبه جيّدا ويسوّقه ويوصله إلى عتبة الإيليزيه في خلال بضعة أشهر. استفاد من دون أدنى شكّ من الحملة التي تعرّض لها فرنسوا فيون مرشّح اليمين، الذي كان صادقا عندما وصف تلك الحملة بـ”الوحشية”.
ركّز ماكرون في حملته الانتخابية على استقلاله عن الحزب الاشتراكي الذي كان ينتمي إليه في الماضي والذي أوصله إلى موقع وزير الاقتصاد والصناعة والرقمية في إحدى الحكومات التي تشكّلت في عهد فرنسوا هولاند (حكومة مانويل فالس). أمضى ماكرون عامين وزيرا في حكومة فالس (بين 2014 و2016)، لكنّه اختار الخروج في الوقت المناسب من السفينة الاشتراكية الغارقة وتشكيل حزب خاص به تحت تسمية “إلى الأمام”.
لن يجد ماكرون صعوبة كبيرة في الانتصار على مارين لوبن، تماما كما حصل في العام 2002 عندما سحق جاك شيراك والدها جان ماري لوبن في الدورة الثانية التي كانت فيها المنافسة بين الرجلين. نال شيراك وقتذاك نسبة 82 في المئة من أصوات الناخبين، تاركا الفتات للوبن الأب. لن يكون الفارق في الأصوات كبيرا، إلى هذا الحدّ، بين مارين لوبن وماكرون، لكنّ الثابت، استنادا إلى استطلاعات الرأي أن فرنسا ليست مهيّأة بعد لقبول أفكار لوبن وعنصريتها، على الرغم من كل المحاولات التي يبذلها الإرهابيون ومن يقف خلفهم من أجل الترويج لها وإيصالها إلى الرئاسة بصفة كونها على علاقة طيبة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن مؤيدي بشّار الأسد، فضلا بالطبع عن أنها معادية لأوروبا والعملة الموحّدة (اليورو). من أهداف لوبن إجراء استفتاء على خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.
لا شكّ أن ليس في الإمكان استبعاد فوز مارين لوبن استبعادا كليا، لكن كل ما يمكن قوله أن فرنسا، على الرغم من كل الإرهاب الذي تتعرّض لـه، لن تسمح لنفسها بالسـقوط في فخ اليمين المتطرّف الذي ليس لديه أي شيء يقدمه باستثناء الشعارات والتخويف من الإسلام. فمن يخاف الإسلام، من دون معـرفة بطبيعة هـذه الـديانة، لا يمكـن أن يذهب إلى تأييد بشّار الأسد من منطلق أن الحرب في سوريا هي حرب بين بشّار و“داعش”. من يعرف، ولو قليلا بالسياسة، يدرك أن الوجه الآخر لـ“داعش” هو رئيس النظام والميليشيات المذهبية الإيرانية التي تشارك في الحرب على شعب سوريا.
ثمة ملاحظات لا بدّ من الإشارة إليها على هامش صعود نجم إيمانويل ماكرون. الأولى مرتبطة بتلك التغطية الإعلامية التي حظي بها، والتي ترافقت مع تدمير ممنهج لفرنسوا فيّون. لم يكن الحزب الاشتراكي الذي أحرز مرشحه الرسمي بنوا هامون، في الدورة الأولى، ستة في المئة من أصوات الناخبين في حاجة إلى من يدمّره. تولّى الأمر فرنسوا هولاند الذي تميّز عهده بتراجع فرنسي على كل المستويات، وبسياسة اقتصادية فاشلة جعلت أصحاب رؤوس الأموال يهربون من فرنسا. لكنّ فيّون، مرشح اليمين، استطاع منذ البداية تكريس نفسه مرشحا جديا لا يقاوم. قضى على آلان جوبيه الذي كان قادرا على إنقاذ فرنسا وإخراجها من محنتها. فجأة حصل الانهيار على جبهة فيّون الذي بات مهددا بملاحقة القضاء له إثر كشف أن زوجته كانت تتقاضى رواتب وهمية من مجلس النواب.
من وراء تلك الحملة المدروسة التي أطاحت بمرشح اليمين الذي عرف كيف يزايد على مارين لوبن والذي ارتبط مثلها بعلاقات جيّدة بموسكو؟ ذلك هو لغز من ألغاز الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
أمّا الملاحظة الأخرى، بين ملاحظات كثيرة، فهي مرتبطة بلغز ماكرون الذي حظي صعوده بتغطية إعلامية فريدة من نوعها. هناك مجموعات إعلامية عدّة تولت هذه المهمة. إحداها تابعة لرجل الأعمال باتريك دراعي المقيم في سويسرا. أحد مساعدي دراعي الذي يسيطر على وسائل إعلامية عدة كان بين المجموعة التي خططت للترويج لماكرون ولحملته الانتخابية. هذا الشخص يدعى برنار مراد وقد لعب دورا مهمّا في انطلاقة الوزير الاشتراكي السابق الذي استطاع وضع نفسه فوق اليمين والوسط واليسار… والأحزاب!
المهمّ أن ماكرون، صاحب التوجّه الأوروبي، سيسعى إلى الاستفادة قدر الإمكان من الغياب البريطاني عن أوروبا. من الواضح أنّه شخص انتهازي وذكي وأنّ هناك قوى تقف خلفه وتدعمه وتلمّع في صورته بشكل يومي. هناك فضائح مالية عدّة كان يمكن استخدامها ضدّه، بينها بعض الصفقات التي مرّرها في أثناء وجوده في وزارة الاقتصاد. لم تأت وسيلة إعلامية على ذكر أي منها. هنـاك على العكـس من ذلك تأليه لمرشح يصلح لكل الفصول يطـرح وصوله إلى الرئاسة من دون أكثرية نيابية أو حزب قوي لديه وجوده في الجمعية الـوطنية، مستقبـل الجمهورية الخامسة. جاء شارل ديغول بهذه الجمهورية في العام 1958 من أجل إخراج فرنسا من حال مزرية ومن التبـديل السريع للحكومات الذي اتسمت به الجمهورية الرابعة التي كادت أن تقضي على البلد. ما هو مطروح اليوم هل يؤسس ماكرون للجمهورية السادسة في وقت تحتاج فرنسا إلى نظام جديد يعيد إليها الاستقرار، تماما كما فعل ديغول قبل تسعة وخمسين عاما؟
كان أمراً مفاجئاً لأطراف عديدة، إقليمية وعالمية، أن تشن الطائرات الحربية التركية أمس عشرات الغارات الجوية المتزامنة على مواقع لتنظيم العمال الكردستاني في مدينة سنجار العراقية وأخرى على مواقع «وحدات الحماية الكردية» (وهي أحد الأسماء العديدة التي تشكّل واجهة يقودها فعليّاً حزب العمال الكردستاني) في شمال شرق سوريا.
كان لا بد لهجوم بهذا الحجم أن ينسّق غاراته مع «التحالف الدولي» الذي ترأسه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وكذلك مع روسيا التي تهيمن بمنظومتها الدفاعية الصاروخية وطائراتها المقاتلة على أجواء سوريا؛ والحصول على موافقة هاتين الجهتين، في هذه الأجواء الدولية المعقّدة والخطرة، يحتاج قراءة متأنية لاستيعابه، من جهة، وقراءة أخرى لتحليل النقلات الأخرى التي قد تنتج عنه أو تتلوه، سواء من تركيا نفسها، أو من قبل الأطراف الكبرى والصغرى المعنيّة، بمن فيها حزب العمال الكردستاني نفسه.
الأتراك من جهتهم كانوا قد صرّحوا أكثر من مرّة بأن إنهاء عملية «درع الفرات» في شمال سوريا سيكون فاتحة لعمليات أخرى، وأنه لن ينهي مهمّة الجيش التركيّ التي وضعها على نفسه في فتح بيكار حربه مع حزب العمال الكردستاني داخل تركيّاً إلى مناطق نفوذ الحزب واستطالاته في العراق وسوريا، وخصوصاً في جبل سنجار، الذي اعتبرت سيطرة «بي كا كا» عليه إخلالاً بتوازنات سياسية وديمغرافية، وتهديداً ليس للحكومة التركية فحسب، بل كذلك لقيادة إقليم كردستان العراقي أيضاً التي ردّت على ذلك بتفعيل قوّات قوامها عناصر من الأكراد السوريين الذين لم يجدوا في مشروع واجهات «بي كا كا» السورية (كـ»حزب الاتحاد الديمقراطي» و»سوريا الديمقراطية» و«وحدات الحماية الكردية») مكاناً سياسياً لهم.
عنصر المفاجأة في الغارات يعود طبعاً إلى حقيقة أن سياسة قوات «التحالف» الأمريكية قامت على اعتماد كامل على واجهات «بي كا كا» الافتراضية في سوريا وهو، لو أردنا الحقيقة، أحد مكامن المرارة الكبيرة التركيّة والإحساس الشديد بوجود تآمر أمريكي ضدها، ولعلّ الضربات الجويّة الأخيرة تشكّل نوعاً من بداية مراجعة أمريكية لمنع تحوّل القناعة التركيّة بالتآمر إلى خسارات أكبر.
تساند هذا الاتجاه وقائع مستجدّة منها إمساك الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بأركان السلطة وتراجع إمكانيات التأثير الغربي على القرار التركي سواء فيما يخص الجيش أو أحزاب المعارضة التركية، في وقت تواجه واشنطن فيه تحدّيات جدّية في أكثر من مكان في العالم، وتتعرّض أوروبا إلى مخاطر التفكّك أمام اليمين المتطرّف المدعوم من روسيا.
وقد كان بليغاً، في هذا الصدد، أن الاستفتاء التركيّ الأخير حول التحوّل للنظام الرئاسي وتعزيز صلاحيات إردوغان حظي بتأييد أمريكي وروسي، مع ذلك فمن الصعب معرفة إن كان ما حصل عنواناً لسياسة أمريكية جديدة رغم أن ترامب أكد لإردوغان في اتصال هاتفي قبل أيام دعمه للحرب التركية على تنظيم العمال الكردستاني.
من الصعب أيضاً معرفة كيف ستتقبل القيادة العسكرية للتحالف في سوريا والعراق، وهي التي دافعت دائماً عن سياسة التعاون مع «بي كا كا» في سوريا، هذا التوجه، وإن كانت ستتمكن من اعتراض بوادر السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية فيما يخصّ حرب أنقرة على حزب «الكردستاني» وواجهاته السورية، وهو أمر يمكن أن يتضح بعد لقاء الرئيسين ترامب وإردوغان المرتقب منتصف الشهر المقبل.
لا خلاف على أن أولوية إدارة ترامب هي القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» ولكن في وجود قرار سياسي وعسكري تركيّ بهذا الصدد يصبح التزام القيادة العسكرية الأمريكية بتعهيد «بي كا كا» مهمة تحرير الرقّة من تنظيم «الدولة»، وهي مدينة عربيّة، إصراراً على استهداف العرب السنّة الذين يجأرون بالشكوى والإحساس بالظلم، وتمكيناً لمخططات التغيير الديمغرافي في المنطقة، وتأسيساً مستمراً لتنظيمات التطرّف، إضافة طبعاً إلى التهديد الذي تستشعره تركيا وتحارب ضده.
منذ نشأته أوائل الثمانينات، كانت لـ «حزب الله» وظيفتان: تمكين الطائفة الشيعيّة وخدمة النفوذ الإيرانيّ، واستطراداً السوريّ. الوظيفتان ليستا متجانستين. إنّهما بالأحرى متضاربتان. وإذا صحّ أنّ حرباً مع إسرائيل تلوح في الأفق، ولهذا يستطلعها مسبقاً «الإعلاميّون»، جاز القول بأنّ التضارب بين الوظيفتين يبلغ الآن أقصاه: إحداهما لا بدّ أن تفجّر الأخرى: إمّا أن ينفصل الحزب عن الطائفة ليغدو مجرّد عصا إيرانيّة في تطويعها، وإمّا، وهذا هو الاحتمال المستبعد، أن ينفصل عن إيران ويعاود الالتحام بأهله وتغليب مصالحهم.
تبدأ المشكلة في التمكين. تمكين «حزب الله» للشيعة ليس من النوع الذي تُحدثه «أمل» بطريقتها: قضم للمواقع في الإدارة والمؤسّسات. إنّه تمكين سلاحيّ يقوم على افتراض الحرب الدائمة. وككلّ تمكين يقتصر على القوّة المحضة، يمكن في أيّة لحظة أن ينقلب إلى تدمير للطائفة التي يراد تمكينها. والمطالبة بالتضحية لا يمكن أن تمضي هكذا، وإلى قيام الساعة، من دون أيّ مقابل.
لهذا يجوز الافتراض بأنّه لو تُرك الأمر لـ «حزب الله» بتنا أمام سلاح يُلوّح به ولا يُستعمل. التلويح به قد يوحي بتمكين الأهل، بمعنى توازن القوّة. أمّا استعماله فيهدّد بتبديدهم. الدور الإيرانيّ المقرِّر هو الذي يدفع في الاتّجاه الآخر. الشيعة اللبنانيّون، في النهاية، ليسوا أهل الإيرانيّين، والإيرانيّون ليسوا أهلهم. إنّهم غير معنيّين بهم في ما يتعدّى استخدامهم أدوات في توسيع نفوذ طهران. للغرض هذا دفعوا «حزب الله»، ويدفعونه، كي يكون حزب مقاومة دائمة، مرّة على الحدود الجنوبيّة للبنان، ومرّة في سوريّة.
إذا صحّ اليوم أنّنا عشية حرب كبرى غرضها حماية النفوذ الإيرانيّ المستجدّ في سوريّة، صحّ أنّ كارثة محقّقة ستنزل على لبنان، وعلى شيعته وجنوبيّيه خصوصاً.
لنستعرض بعض العناصر التي طرأت منذ 2006 والتي تدلّ كلّها على أنّ الشروط الحربيّة ضعيفة جدّاً. يصحّ هذا في القدرة العسكريّة كما في سياسات الحرب واقتصادها: نوايا التدمير الثأريّ الإسرائيليّ أكبر بلا قياس. الاستعدادات الوحشيّة لم تكتمها التصريحات والمقالات التي تهبّ علينا بإيقاع متعاظم من تلّ أبيب. أموال البناء والتعمير التي توافرت في 2006 هي اليوم أقلّ بلا قياس في يد طهران كما في يد الدولة اللبنانيّة. النظام الدفاعيّ الأميركيّ – الإسرائيليّ المعروف بـ «القبّة الحديد» عطّل فعاليّة الصواريخ التي يتباهى بها «حزب الله». الأخير استُنزف بشريّاً وقتاليّاً في حربه منذ ثلاث سنوات على الشعب السوريّ. العلاقات الطائفيّة، لا سيّما السنّيّة – الشيعيّة، أسوأ من أيّ وقت سابق، وهي لن توفّر أيّ حاضن، كالذي وفّرته في 2006، لضحايا عمليّة عسكريّة إسرائيليّة. تحويل الأموال ونقلها أصبحا، مع إدارة ترامب، أصعب من أيّ وقت سابق. العلاقات الأميركيّة – الإيرانيّة لم تبلغ، منذ خطف رهائن السفارة الأميركيّة في طهران عام 1979، مستوى التردّي الذي تبلغه الآن.
تعبير «أشرف الناس» لن يكفي لإطعام الأفواه وبناء البيوت المهدّمة. إنّه يغدو، والحال هذه، رشوة لا ترشو أحداً. وبالمعنى نفسه فإنّ اعتذاريّة «لو كنت أعلم لما فعلت» لن تعذر صاحبها هذه المرّة. أخبار الحرب باتت في كلّ مكان. الكلّ على بيّنة من شروطها واحتمالاتها. الكلّ بات يعلم.
في مقابلة تلفزيونية يوم الاربعاء الماضي، أكّدت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، بعد عودتها من موسكو أن الولايات المتحدة لن تستهدف سوريا بضربة مشابهة لتلك التي وجهتها لقاعدتها الجوية في الشعيرات قبل نحو اسبوعين.
مراقبون سياسيون في بيروت أكدوا بدورهم ان شعبان ما كانت لتقول ما قالته لولا ان المسؤولين الروس استنتجوا ذلك. غير ان محللاً استراتيجياً قريباً من القيادة السورية اكّد لي ان ما قالته شعبان يستند الى قاعدة معلومات بالغة الاهمية وليس الى مجرد استنتاجات.
بحسب هذه المعلومات، صارح مسؤولون سياسيون وعسكريون روس وزير الخارجية الأمريكي ركس تيلرسون خلال زيارته الاخيرة لموسكو بأن روسيا لن تترك سوريا عرضةً لهجمات أمريكية مقبلة، وانها قامت بغية حمايتها بتسليمها صواريخ متطورة للدفاع الجوي من طراز «إس 300» وصواريخ اخرى للغرض نفسه من طراز اسكندر، وانها جادة في دعمها سياسياً وعسكرياً في جهودها الرامية الى الدفاع عن سيادتها وتحرير اراضيها الواقعة تحت سيطرة تنظيمات ارهابية كـ «داعش» و»النصرة» في سياق استعادة وحدتها الجغرافية والسياسية. لعله في هذا الإطار جرى ايضاً نقل عدد من المقاتلات والقاذفات السورية الى مطار حميميم العسكري حيث تتواجد قوات روسية برية وجوية مزودة بأسلحة نوعية متطورة لتكون عملياً تحت حماية روسيا.
من السهل الاستنتاج، في ضوء هذه المعلومات، ان يكون وزير الخارجية الأمريكي قد اسرّ لنظيره الروسي بأن واشنطن ليست في وارد توجيه ضربة جوية جديدة لسوريا، وان يكون المسؤولون الروس قد سرّبوا هذا التوّجه الأمريكي الى شعبان.
غير ان متابعةً حثيثة لأقوال المسؤولين الأمريكيين وافعالهم تشي بحقيقة مغايرة. ففي نيويورك، شنت مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة نيكي هايلي حملةً شديدةً على سوريا كما على جمهورية ايران الإسلامية وطالبت مجلس الامن الدولي بالتركيز عليهما لأنهما «يتآمران معاً لزعزعة الشرق الوسط ويرتكبان اعمالاً ارهابية». بل هي لم تتورع عن القول إن «المجرم الكبير ايران وشريكها حزب الله» ضليعان في قتل الآلاف من المدنيين مع قوات الرئيس بشار الأسد وفي التدريب المميت للميليشيات في العراق وفي تسليح ميليشيات الحوثيين في اليمن. ولم توفر هايلي مقاتلي حزب الله فقالت بالحرف: «في لبنان ، يستخدم حزب الله ، وهو منظمة ارهابية ، القرى درعاً لترسانة من عشرات الآلاف من الصواريخ ، كما يسيطر حزب الله في سوريا على مناطق عدّة». بعدها اعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس خلال زيارته للسعودية ان ايران تلعب دوراً يزعزع الاستقرار في الشرق الاوسط، وانه ينبغي دحر نفوذها لإنهاء الصراع في اليمن.
قبل هذه الحملة الواسعة على ايران وفي اثنائها، عَكَس الفشل في تنظيم لقاء ثلاثي يجمع ممثلي روسيا والولايات المتحدة مع المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دي مستورا إتساعَ هوة الخلاف بين موسكو وواشنطن ما عطّل وضع آليات للحوار وتقريب وجهات النظر لإنجاح محادثات آستانة المقبلة. ذلك ان واشنطن حافظت على مواقفها المتباعدة من موسكو منذ زيارة وزير خارجيتها الاخيرة للعاصمة الروسية. بينما حذّر ديبلوماسيون روس من تأثيرات السجالات حول الملف الكيميائي على جهود استئناف العملية السياسية ولاسيما بعد قيام «اسرائيل» بشن حملة سياسية واعلامية على سوريا وحزب الله في موازاة حملة دول اطلسية عليهما تتهمهما باستعمال السلاح الكيميائي.
ضابط اسرائيلي رفيع ادلى بتصريح الى مراسلي الشؤون العسكرية في وسائل الاعلام الاسرائيلية («يديعوت احرنوت» 2017/4/20) مفاده ان التقديرات الموجودة لدى قيادة الجيش الاسرائيلي تشير الى ان كمية الاسلحة الكيميائية التي تملكها القوات السورية تصل الى 3 اطنان. تلقّف السفير الإسرائيلي في واشنطن داني دانون هذه الإتهامات ليطالب مجلس الامن الدولي بإدراج حزب الله وحركة «حماس» على قائمة المنظمات الإرهابية ، معلناً ان ايران وحزب الله شريكان في «الجرائم التي ترتكب في سوريا» . وما لبث وزير الدفاع الأمريكي ماتيس أن كرر اتهام سوريا بالإحتفاظ بكمية من الأسلحة الكيميائية!
كل هذه الوقائع والشواهد تشير الى ان الولايات المتحدة و»اسرائيل» منخرطتان في حرب باردة متصاعدة مع روسيا وايران ، وان محور الحرب وميدانها هما سوريا، فهل تتطور الحرب الباردة الى حرب ساخنة؟ وهل تنتهز «اسرائيل» فرصة التوتر المتزايد واتساع نطاق المواجهات العسكرية في شمال سوريا وشرقها كما في جنوبها المواجه لـ»اسرائيل» لشن هجوم صاعق في منطقتي القنيطرة ودرعا بغية توسيع رقعة الجيب الحدودي الذي تسيطر عليه «داعش» و «النصرة» وحلفاؤهما؟ وهل تنتقل الولايات المتحدة من التنديد الإعلامي بـِ «داعش» والدعم العسكري لـِ»قوات سوريا الديمقراطية» الكردية الى إنزال المزيد من قواتها في محافظة الرقة والمشاركة تالياً في عملية إقامة «مناطق استقرار» (وهو المصطلح الذي تطلقه على «المناطق الامنة») وذلك في اطار تحويل هذه المناطق إلى كيانات منفصلة عن الحكومة المركزية في دمشق ؟
ألا يجد موقف أمريكا المتحفّظ من اجتماعات آستانة الرامية الى استعادة الوحدة والسلام لسوريا ترجمته العملانية في هذه التحركات الأمريكية والإسرائيلية المريبة والساعية الى تقسيم سوريا بدعوى انها تحتضن تنظيمات ارهابية معادية لها، وانها تقوم باستعمال اسلحة كيميائية ضد خصومها وتتسبّب بقتل مدنيين؟
اسئلة كثيرة تبحث عن اجوبة في مرحلة ملتبسة شديدة الغموض والخطورة في آن.
يريد الرئيس ترمب انتهاجَ سياسةٍ جديدة ضدّ إيران ونقْض كل الاتفاقات التي أَبْرمَها سلَفُه. يريد كبْح رفْع العقوبات وبالتالي حرمانها من 150 مليار دولار، ويريد أن يوصِل لها رسالة مفادها أنه مستعدٌّ حتى لحربٍ ضدّها إن لم ترتدع وتلتزم مجموعةً من المعايير تتعلق بتدخُّلها في العراق وسوريا ولبنان وسلوكها مع بعض دول الخليج ورعايتها للإرهاب... وبالطبع، مراعاة مصلحة إسرائيل.
مستر ترمب، تريد أن تحارِب إيران، حسن إذاً ... حارِبها في إيران وليس في العراق أو سوريا أو الخليج أو لبنان أو فلسطين.
لماذا؟
أهمّ شيء يجب أن يُدرِكه العالم أن أنظمةً مثل طهران - الثورة ودمشق - الأسد وبغداد - صدّام أولوياتها المقدّسة هي البقاء. تحترق الدنيا وما فيها بمَن فيها أمرٌ جلل لكنه يمكن أن يُبرَّر ما دام "القائد" موجوداً ومُصادِراً لاسم الأمة وتاريخها ويحظى برعاية "سماوية" عند الأزمات. ولنتذكّر أن أحداً لم يجتثّ الدين من الدولة ولم يقتل من العلماء السنّة والشيعة كما فعل صدّام حسين، وعند اقتراب انتهاء حكمه وضع شعار "الله أكبر" على العلم.
هذه الأنظمة باختصار، ابتدعتْ سياسةً مفادها أن التدخّل الخارجي وتجميع أوراق إقليمية يؤمّنان استقرارها الداخلي ويسمحان بمنسوبٍ عالٍ من القمع والطغيان والاستبداد مع شعوبها كون العالم يتعامل معها في ميادين الآخرين، فإذا خسرتْ فمن الربح وإن صمدتْ زادتْ أرباحها.
في الحرب العراقية - الإيرانية، ضُربتْ سفن دولٍ لا علاقة لها لا بالحرب ولا باللاعبين فيها. تمّ خطْف رهائن وطائرات ما اضطُر الإدارة الأميركية إلى التفاوض بمختلف الأقنية السرّية مع طهران. حصلتْ تفجيراتٌ في الكويت ولبنان وسوريا عبر مأجورين لطرفيْ الصراع.
في 1986، كاد عميل الاستخبارات السورية نزار هنداوي أن يفجّر صديقته الحامل داخل طائرةٍ متّجهة إلى إسرائيل بأمرٍ مباشر من محمد الخولي مدير المخابرات الجوية في دمشق. انكشفتْ العملية وفُرضت عقوبات على سوريا وقَطعتْ بريطانيا علاقاتها الدبلوماسية معها. تَحرّك "الأشاوس" في لبنان تحت مسمى "الجهاد الإسلامي" (لاحِظوا أصل التسمية) وخَطَفوا رهائن أجانب، لتبدأ الاستخبارات الدولية بالعمل عبر الأقنية الخلفية، حتى وصلنا إلى مرحلةٍ نرى فيها لبنان غير المعاقَب يَسقط دولياً ويوضع على اللائحة السوداء، وسوريا المعاقَبة دولياً تَخرج من اللائحة السوداء من خلال دورها "الإنساني" في إطلاق رهائن اختفوا في بيروت... وظَهَروا في دمشق.
وعند بدء الثورة السورية، توعّد المفتي حسون أوروبا بآلاف الانتحاريين ... وسواء كان يَقصد "داعش" و"القاعدة" أم لا، فإن هذا ما حصل عملياً، ما اضطُرّ العالم الى غضّ النظر في محطاتٍ كثيرة عن جرائم النظام باعتبار أن محاربة الإرهاب أولوية.
لا نريد أيّ حربٍ جديدة في منطقةٍ ذبحتْها الحروب من الوريد الى الوريد. ولكن إن قررتْ إدارة ترمب تصعيد الموقف من إيران، فلتفعل ذلك مع إيران وليس بتخريبِ لبنان أو هدْم غزة مجدداً، أو تدمير ما بقي من قرى ومدن في سوريا، أو تسليم العراق للميليشيات والفوضى، أو تسعير الأزمة اليمنية أو تفخيخ البحرين. ففي كل منطقةٍ من هذه المناطق هناك (بنسبة أو بأخرى) مَن سيلعب دور الأداة لمصلحة طهران حيث صار الانتماء عابراً للحدود وفوق المصالح الوطنية للدول. ولذلك سترتفع قبضات السنّي في "الجهاد" في غزة بالعلو نفسه لقبضة الشيعي في "حزب الله"، وكذلك الأمر بالنسبة للموالين لإيران في سوريا والعراق.
عندما قال علي لاريجاني قبل سنوات إن نفوذ إيران يمتدّ من حدود الصين إلى شاطئ غزة فإنه كان يُهدِّد لا يُشخِّص. قد يتمّ خطْف أجانب في لبنان وسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها وتلعب طهران دوراً "إنسانياً" لإطلاقهم، وربما تهتزّ الحدود مع إسرائيل من لبنان وغزة وتلعب طهران دوراً في التهدئة. ربما تُطلَق يد "القاعدة" في التفجير بأمرٍ من "أميرٍ" مقيم في طهران، وقد يَنسحب الجيش العراقي فجأةً كما حصل أيام المالكي ويعود "داعش" إلى ضواحي بغداد باسمٍ أو بآخر. ربما تتعرّض مصالح أجنبية للخطر في صنعاء ويُضطر الأوروبيون إلى الحوار مع طهران لمنْع تكرار ما جرى، وقد تَحصل عملياتٌ في كل دول العالم، لكن الثمن سَيَدْفَعُه لبنانيون وسوريون وعراقيون وفلسطينيون وخليجيون ويمنيون. ستتدمّر دولٌ وتتعب أخرى وتَستدرج المنطقة كل أنواع التدخلات. وعلّمتنا التجارب أننا في حساباتِ الأميركيين أقلّ أهمية أحياناً من دبب الباندا، وأن الموت ليس مجانياً عند أنظمةِ الممانعة فحسب، وأن المصلحة تقود التحوّلات في البيت الأبيض.
لا نريد الحرب ولا نتمنّاها، والإيرانيون كشعبٍ يستحقّ الأفضل داخلياً وخارجياً، إنما إذا قرّرتم التصعيد يا مستر ترمب، فلا تستنسخوا المشروع الإيراني وتحاربوا بنا ومن خلالنا... نشتاق إلى الخروج من دائرة الوقود والأوراق والساحات إلى دائرة البشر.
المرّة الأولى التي ينظّم فيها حزب الله جولة للإعلاميين، ويعترف فيها بوجود عسكري له جنوب نهر الليطاني على الحدود اللبنانية الفلسطينية، منذ إصدار مجلس الأمن الدولي القرار 1701 في 2006، والذي أنهى بموجبه العدوان الإسرائيلي على لبنان آنذاك. يومها، قبل حزب الله بإخلاء المنطقة من وجوده العسكري، وتركها للجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة (يونيفل). نظم الحزب، يوم 20 إبريل/ نيسان الجاري، جولة لإعلاميين لبنانيين وغيرهم إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، وشرح ضابط في الحزب استعدادات دفاعية استحدثها الجيش الإسرائيلي. وجرى ذلك على الهواء مباشرة، وعلى مسافة أمتار قليلة من المواقع الإسرائيلية، وتحت مراقبة "كاميرات" الاحتلال في أكثر من موقع. وقال الضابط في حزب الله، وكان يرتدي بزّة عسكرية، إن وحدات القتال في الحزب جاهزة للرد على أي عدوان إسرائيلي يستهدف المنطقة أو لبنان. وعرض على مرأى من كاميرات الإعلام عناصر من الحزب ببزاتهم العسكرية، وقد حمل أحدهم بندقية حربية، فيما كان الآخر يحمل صاروخاً موجهاً مضاداً للطائرات.
لاقت خطوة حزب الله في الداخل اللبناني استنكاراً من قيادات وقوى لبنانية كثيرة، فقد عدّها تيار المستقبل عراضة في غير محلّها، وفي غير مصلحة لبنان، واعتبرها رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، خطأ استراتيجياً وتعدّياً على السيادة اللبنانية، ودعا الحكومة إلى القيام بدورها ومسؤوليتها في هذا الإطار. وكذلك فعل رئيس حزب الكتائب، النائب سامي الجميل، الذي اعتبر ما جرى تجاوزاً للسيادة اللبنانية، وتعدّياً على القرار الأممي 1701، وضرباً للاستقرار في الداخل اللبناني. وقال وزير العدل السابق، أشرف ريفي، إن غرض الخطوة خدمة المصالح الايرانية في المنطقة. وكان لافتاً أن رئيس الحكومة، سعد الحريري، اختار منطقة الجنوب، وهي معقل حزب الله، والمنطقة الحدودية تحديدا في الناقورة، حيث كانت انطلاقة جولة الإعلاميين رفقة حزب الله. وقال الحريري إن حكومته متمسّكة ببيانها الوزاري الذي يتضمن الالتزام بالقرار 1701، ودعا إسرائيل إلى الالتزام أيضاً به. وكان لافتا في هذا الموقف مرافقة وزير الدفاع الوطني، وقائد الجيش للرئيس الحريري في جولته، والوقوف إلى جانبه حين إطلاق هذا الموقف. فماذا أراد حزب الله من الجولة؟ ولماذا جاء ردّ الحريري سريعاً؟
كثرت، في الآونة الأخيرة، التهديدات الإسرائيلية ضد حزب الله بتوجيه ضربة قاضية، وربما قاسمة للحزب في لبنان، وفي سورية أيضاً، وقد تعرّضت مواقع للحزب في سورية فعلاً إلى غاراتٍ لم يُعرف مصدرها بدقة. كما درج الجيش الإسرائيلي على إجراء مناورات متواصلة عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة وفي منطقة الجولان، وتكاد هذه المناورات لا تتوقف حتى تنطلق من جديد، ما يُفسّر الاستعدادات الإسرائيلية الفعلية لتوجيه ضربة للحزب، سواء في سورية أو في لبنان. فضلاً عن هذه وتلك، كثرت التهديدات الأميركية لإيران وحزب الله في سورية. ومنذ انتخاب الرئيس، دونالد ترامب، ارتفع منسوب الخطاب الأميركي باعتبار إيران تهديداً للاستقرار في المنطقة، وجاءت الضربة الأميركية، أخيرا، قاعدة عسكرية سورية في ريف حمص لتزيد من حجم المخاوف والقلق الإيراني من هذا الخطاب، وصولاً إلى تيقّن أن الولايات المتحدة بصدد توجيه ضربة لإيران ولـ "المليشيات" الداعمة لها في سورية، إذا لم تدرك إيران حجمها وسقف الدور المسموح لها به في المنطقة.
أمام هذا المشهد، جاءت خطوة حزب الله في لبنان لتحمل رسالةً مفادها بأنه في لبنان مستعد لإسقاط القرار الأممي 1701 إذا تغيّرت قواعد اللعبة في المنطقة، ومن بينها سورية والعراق، أو إذا شعر أنه سيكون عرضةً لضربة عسكرية في لبنان أو في سورية. وتجاهل الحزب في خطوته الدولة اللبنانية، باعتبار أن رسم مصير المنطقة أهم، بحسب وجهة نظره، من أي شيء آخر، خصوصا أن فلسفته للأمور تقوم على مبدأ عدم الانتظار، حتى تلقي الضربات، حتى ولو كان ذلك على حساب السيادات والقرارات الدولية، فالنسبة له، مقاومته الاحتلال الإسرائيلي هي التي صنعت السيادة للدولة اللبنانية، ولعلّ أبلغ ما في رسالة الحزب تأكيده على وجوده العسكري في جنوب الليطاني، وامتلاكه أسلحة مضادة للطائرات.
أما موقف رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، الذي لم ينتظر طويلاً، وجاء عملياً هذه المرة، فهو نابع من خوف وقلق حقيقي على لبنان، وعلى مستقبله ومستقبل الاستقرار فيه، وقد حاول أن يستوعب تداعيات رسالة الحزب، ليؤكد أن الحكومة غير معنية بمواقفه (الحزب)، بل وغير راضية عنها، وهذا بالطبع لا يزعج الحزب اليوم، على اعتبار أن رسالته وصلت، لكنها ستكون مزعجة كثيراً للحزب، إذا فتحت الجبهة مرّة جديدة على لبنان.
وسط نقاشنا عن الأحوال العربية اليوم صدح صديقي قائلاً "هناك مؤامرة ضدنا كمسلمين". الصديق الذي خرجت هذه النغمة عن "تون" كلامه فلسطيني/ أردني/ مناضل في الثورة الفلسطينية، ويرى أن لا سبيل لانتصار القضية إلا بعمقها العربي، خصوصاً السوري الكبير.
أدهشتني هذه النغمة التي رأيتها غريبةً عما اعتدته منه. طلبت من صديقي، الذي ظن أنه قال جملة عادية مسلَّماً بها، أن نقف عند تلك الجملة. قلت له لاحظ، يا صديقي، أنك اختصرتنا (وملايين غيرنا) بهويةٍ واحدة، حاسمة: الدين. دعنا نرى طبقات نسبنا القُطْري والقومي والإنساني والثقافي والمزاجي التي تشكل، إلى الدين أو الطائفة داخل الدين الواحد، هويتنا الكلية:
بسطت له التالي: أنت فلسطيني الأصل/ هذه هوية أولى. من فلسطين المحتلة عام 1948/ وهذه هوية ثانية. أردني الجنسية والعيش/ وهذه هوية ثالثة. ذَكَر/ وهذه هوية ثالثة. وطني فلسطيني على شيء من اليسارية، وشيء من القومية العربية/ وهذه هوية رابعة. مسلم/ أو صرت ترى نفسك مسلماً (كهوية لا كممارسة، لأنك لا تنهض بفروض الدين)/ وهذه هوية خامسة. إنسان/ هذه هوية سادسة (التي يجدر أن تكون الأولى والوحيدة في عالم مثالي).
كان يمكن أن أسرد لصديقي، الذي فوجئ بوقفتي أمام جملة ظنها عابرة، سلاسل أصغر من الهويات/ أو العناصر التي تشكل الهوية الكلية للبشر، منها الجهة/ اللهجة/ الدايت: لحومي/ نباتي/ بيئوي إلخ إلخ.
لهذا الكلام عن الهويات سببٌ مباشر، هو مقال الكاتبة السورية سوسن جميل حسن في "ضفة ثالثة" الذي استفزَّ مثقفين سوريين عديدين، وأيده مثقفون سوريون عديدون، فنحن نعيش لحظة انقسامٍ مجتمعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ سوريٍّ فادحة، يبرّر عنفها اللفظي، أحياناً، الجرائم، غير المسبوقة في تاريخ حروب المنطقة التي ارتكبها النظام السوري الذي يصنّفه بعضهم طائفياً، ويصنّفه بعضٌ آخر طبقياً وسياسياً، بعيداً عن الدين والطائفية. لا سبيل إلى الإنكار أن السوريين ليسوا على قلب رجل واحد. وهذا ليس كلاماً في الطائفية والعرقية وما شابه، بل صار كلاما في السياسة، بعدما تم إفشال الثورة السلمية، وليدة القهر والطغيان والفساد والإفقار الذي أنتجته النظم العسكرية السورية (وليس البعثية، لأن حزب البعث لم يكن سوى قناع للتسلط) على مدار ستة عقود مُرّة. وبما أنه لا سبيل إلى الإجماع حتى لون الدم المراق (رغم حمرته القانية)، يتوجب علينا أن نتكلم. نحن لسنا في الميدان، ولن نكون في ميدانٍ ليس لنا فيه قوة تنطق باسمنا.
استفزَّ بعض المثقفين السوريين قول سوسن حسن إن الثورة (من دون أقواس، لأن مشروع الثورة وشرعيتها لا تحدّدهما، أو تختصرهما، قوى مسلحة تمارس الجريمة السياسية بقدر ما تتيحه لها قدرتها) انتهت لتكون قوى مسلحة لا تختلف في طبيعة ممارساتها عن النظام. ربما هذا أقل استفزازاً من الكلام عن "الكوامن" الطائفية لقسمٍ من المثقفين السوريين الذين أيّدوا الثورة، من دون أن تفترض الأمر نفسه عند من أيّدوا النظام. هذا فهمٌ مستفزّ طبعاً. ولكني لم أفهم الأمر على هذا النحو، فضلاً عن أن الصراع في سورية، وعلى سورية، لا يضرب أصله وفصله، حسب رأيي، في جذرٍ طائفيٍّ كامنٍ أو ظاهر. لم تكن المشكلة السورية طائفيةً بقدر ما كانت في الاستبداد الذي أمسك بخناقها نحو نصف قرن، وأعاقها على غير صعيد. هذه مشكلةٌ سوريةٌ بيد أنها أكثر تعقيداً مما بسطت. ففي ثنايا الاستبداد والطغيان، المتلبِّس شعارات قومية، تثوي قضايا أخرى لم تحلها "الدولة الوطنية"، ولا قواها المعارضة، علمانيةً كانت أم دينية. هذا يعني أن الهويات، ما قبل الوطنية، ظلت تسري في أوردة "الحياة الوطنية" التي يفترض أن الدولة السورية التي انقضَّ عليها العسكر بُعيْد تشكلها، أزاحتها إلى الهامش. لكن يمكن للهامش، في حالة ضغط أو تحفيز، أن يتّسع، ويزحف على المتن، وربما يتمكن من بسط نفوذه عليه.
وهذا يطرح سؤالاً، يوجّه إلى السوريين، العراقيين واليمنيين والليبيين: من نحن؟ ممّ نتشكل؟ ما السوري والعراقي واليمني والليبي فينا؟ أهو الأصل؟ أم الفرع؟ ولكن، بما أننا نتحدّث عن سورية أعيد طرح هذا السؤال: هل يجرِّد تأييد هذا الطرف السوريّ أو ذاك من سوريته، ويعيده إلى طائفته وقوميته، وربما عشيرته أيضا؟ هل يمكن أن نناقش القضية السورية (وهي قضية بحق) في السياسة من دون دخول الطائفي والديني والقومي والجِهوي على الخط؟
لم يوارب وزير الخارجية الأمريكي ركس تيلرسون للحظة في حديثه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عن مصير الأسد، بدا الموقف واضحاً، واختصره في أن ذلك الحكم الأوليغارشي لعائلة الأسد قد انتهى عصره، أما لافروف فقد ترك الباب موارباً لذلك الإصرار الأمريكي قال «إن بلاده لا تراهن على الأسد او غيره» ثم مضى إلى ما هو أبعد من ذلك حين قال إن «إزالة الحاكم الديكتاتور من الحكم لم تكن يوماً أمراً سهلاً». وضرب الأمثلة بسلوبودان ميلوسوفيتش وصدام حسين ثم سأل الصحافيين: دلوني على ديكتاتور خرج من الحكم بسهولة؟
بلغة أخرى بدا أن لافروف يقر بأن الأسد ديكتاتور مصيره إلى الزوال، ولكن المسألة مسألة الوقت اللازم لتلك المهمة الصعبة. وحتى في أوكرانيا وجهت رسالة جادة للرئيس الأمريكي خشية التنازل في ملف أوكرانيا في مقابل الموقف الروسي الموافق على الإطاحة بالأسد.
لا شك أن نظام الأسد قرأ كل ذلك بوضوح وفهم أن الإصرار الأمريكي على نهاية حكمه قد ينتهي إلى تنازل روسي وقع أو سيقع قريباً.
يجد الأسد نفسه اليوم في ملعب السياسة وحيداً وأمامه مهمة صعبة هي إقناع ترمب، وليس روسيا، بتغيير موقفه تجاه بقائه. ومن المهم أن نعلم هنا أن الأسد ونظامه يتقنان لعبة البقاء تلك جيداً، يعرفون تماماً متى تقدم التنازلات كالانسحاب من لبنان أو تسليم عبد الله أوجلان أو التخلي عن المطالبة بلواء اسكندرون. ويعرفون تماماً كيف تلعب الأوراق في المنطقة وما هو الأهم منها.
منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 يوم نقلت القاعدة حربها إلى الغرب، أدرك الأسد أهمية أوراقه في ملاحقة الإسلاميين في الغرب، وبنك المعلومات عنهم لديه، وذلك من خبرة طويلة لنظامه في حربهم واغتيالهم على مدار عقود، ولعب عليها مع عدد من أجهزة المخابرات الغربية.
كذلك كان دوره محورياً في تسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى العراق إبان الغزو الأمريكي ومن ثم تسليم معلوماتهم للولايات المتحدة، يوم بدا أن جورج بوش عازم على إكمال طريقه إلى سوريا بعد العراق عقب اغتيال الحريري، كانت ورقة المجاهدين الإسلاميين هناك ناجحة كما توقع الأسد ولعب، والأمر ليس قراءة أو تحليلاً فثمة تصريحات علنية لفاروق الشرع حول هذا التعاون مع الولايات المتحدة آنذاك.
مرة أخرى كان الأسد في مأزق جديد ومع دخول الربيع العربي إلى سوريا وعد الناس بإصلاحات فاستبقى السياسيين والصحافيين في سجونه بل وملأها بالمزيد منهم وأطلق سراح أولئك المقاتلين الإسلاميين ضمن إصلاحاته المزعومة مراهناً على قدرتهم في تحويل وجه الثورة من السلمية إلى العسكرة ونجح رهانه دون شك.
خلال تغطياتي الصحافية في سوريا التقيت بكثير من قادة الفصائل الإسلامية وكان معظمهم في سجون الأسد قبل الثورة بل إن أحد أهم الفصائل الإسلامية كان يشترط لقادة المناطق والمجموعات فيه أن يكونوا من «خريجي جامعة سيدنا يوسف» في إشارة إلى السجن الذي دخله النبي يوسف بمعنى ان جميع أولئك القادة كانوا يومًا ما في سجون الأسد قبل أن يشملهم عفوه!!
من الطبيعي أن ينظر الغرب إلى الصراع في المنطقة من زاوية مصالحه فالأسد لم يوجه سهامه نحوهم يوماً خلافاً لأولئك الإسلاميين من منتجات القاعدة أو من ذوي اللحى المخيفة الذين يتقبلون القاعدة ويقاتلون بجانبها على الأقل.. والأخيرة كما تعلمون لم يكن لديها يوماً حرج في استهداف الغرب وقتل مدنييه بأبشع الصور والطرق.
وتحول الصراع هناك في تلفازات الغرب من ديكتاتور جزار يبيد شعبه بكل الوسائل المتاحة إلى حرب على الإرهاب الإسلامي، وكثير من الغربيين احتفلوا بسقوط حلب على أنها نصر على الإرهاب كما نقل لهم إعلامهم المحلي، وليس التهجير والقتل للملايين، أما أصدقهم لهجة وأكثرهم إنصافاً فقد رأى انه صراع الأشرار الذي يجب على الغرب تحاشيه كما كانت سياسة الرئيس أوباما!
6 سنوات لعب فيها الأسد على ورقة الإرهاب بنجاح، حيث كانت الضامن الحقيقي لبقائه وإقناع الغرب بحربه عليهم وهو الآن أمام منعطف جديد لن يتوانى فيه عن لعب تلك الورقة الناجحة مرة أخرى.
انفجار بمهجري كفريا والفوعة يصور لترمب المتأثر بصور أطفال خان شيخون بأن الأسد ليس قاتل الأطفال الوحيد في المنطقة، وحديث عن قصف أمريكي لمستودعات كيميائية يملكها داعش في دير الزور وعن هجوم كيميائي متوقع على العاصمة.. ثمة مجرمون في تنظيم «الدولة « لن تثنيهم حماقتهم عن تقديم ما أمكن من مساعدات لرواية الأسد وأوراقه بعملية دهس هنا أو إطلاق نار هناك، وربما ثم مزيد من الفظائع المحتمل وقوعها لإقناع الغرب بضرورة بقاء الأسد محارباً ضد الإرهاب الأكثر شراً، فالنظام هنا كحيوان جريح يقاوم أنفاس النزع الأخير لبقائه.
كل المناطق السورية أصبحت منكوبة، لكن كل واحدة بطريقتها الخاصة، حتى معاقل بشار الأسد نفسها. ليس صحيحاً أبداً أن منطقة الساحل السوري التي ينحدر منها بشار الأسد وعائلته ظلت آمنة، بينما تعرضت بقية المناطق السورية للخراب والدمار. لا أبداً، بل يمكن القول إن الخطر الذي يهدد الساحل قد يكون أكبر من المخاطر التي تهدد بقية المناطق. هكذا تقول إحدى الشخصيات العلوية في حديث خاص. وتضيف بأن الخطر الذي يتهدد منطقة الساحل السوري مرعب على المدى المتوسط، فما بالك على المدى البعيد.
صحيح أن الساحل لم يتعرض عمرانياً للدمار كبقية المناطق السورية، إلا أنه يواجه محنة ستغيره ثقافياً ودينياً خلال أقل من عشرين سنة أو أقل إذا ظل الوضع على هذا الحال. ومن المعروف أن العلويين رغم أن البعض يحسبهم على الشيعة، إلا أن الشيعة في واقع الأمر يكفّرون العلويين، والعكس صحيح، ناهيك عن أن العلويين معروفون بعلمانيتهم المفرطة أحياناً، فهم يحبون الحياة بحرية بعيداً عن الضوابط الدينية والمذهبية الصارمة، لا بل إن الكثير من مثقفيهم على درجة عالية جداً من الوعي والثقافة، وبعضهم يتفاخر بإلحاده. ورغم التحالف السياسي بين النظام السوري والنظام الإيراني، إلا أن العلويين السوريين لا يجمعهم مع إيران أي روابط دينية أو ثقافية أو اجتماعية، لا بل إنهم يكرهون إيران ربما أكثر من السنة. لكن مع ذلك، فإن إيران بدأت تخترق مناطق الساحل السوري مستغلة الوضع المادي الرهيب للعائلات العلوية التي فقدت أزواجها وأولادها في الحرب الممتدة منذ ست سنوات.
فيما يلي ليس تحليلاً، بل معلومات موثقة نقلها لنا مثقفون علويون كبار، ويريدون لها أن تنتشر على نطاق واسع كجرس إنذار خوفاً على مستقبل طائفتهم. ويقول أحد الأخوة المطلعين على وضع الساحل السوري عن كثب: إن إيران باتت تشكل خطراً وجودياً على العلويين في سوريا، فكما تعلمون فإن عدد الأرامل في الساحل السوري لا يقل عن مائتي ألف أرملة فقدت زوجها وربما أيضاً بعض أولادها في الحرب، والعدد في ارتفاع مستمر، كما يقول صاحبنا.
والمعروف أن الدولة السورية تركت الأرامل بلا أي دعم أو رعاية تؤمن لهن حياة كريمة، فالراتب الشهري الذي تحصل عليه الأرملة 18 ألف ليرة سورية فقط، وهو لا يكفي العائلة لأسبوع. وحسب دراسة سورية جديدة، فإن العائلة في الساحل السوري تحتاج شهرياً 100 ألف ليرة سورية كي تؤمن أبسط أساسيات الحياة، حيث وصل سعر كيلو البطاطا إلى 600 ليرة، فما بالك بالسلع المعيشية الرئيسية. لهذا وجدت إيران في هذا الوضع المأساوي فرصتها التاريخية لتشييع أهل الساحل الذين يكرهون الأرض التي تمشي عليها إيران. وقد بدأت إيران تستغل محنة الأرامل في الساحل بمنح أي أرملة تقبل بارتداء الشادور الإيراني مبلغ 3 ملايين ليرة سورية مقدماً ومائة ألف ليرة راتباً شهرياً.
وبدأ الكثير من الأرامل يقبلن على اعتناق المذهب الشيعي بسبب الإغراءات المالية التي تقدمها إيران، علماً أن العلويين الذكور يرفضون رفضاً قاطعاً التغلغل الإيراني في الساحل، ويرحبون بالروس كي يساعدوهم على صد المد الشيعي في مناطقهم. لكن الوضع المادي الرهيب الذي يعيشه مئات الألوف من العلويين دفع فئة النساء المسكينات تحديداً إلى القبول بالعروض الإيرانية.
والخطير في عمليات التشييع الإيرانية في الساحل أنها إذا استمرت على هذا النحو الخطير، فإنها ستحول جيلاً من العلويين إلى شيعة، بحيث سيكون الساحل بعد عشرين عاماً أو أقل شيعياً وليس علوياً بفعل الملايين التي تضخها إيران في الساحل السوري. والأخطر من ذلك أن الساحل سيتحول إلى معقل إيراني ثقافياً واجتماعياً وسياسياً لاختراق بقية المناطق السورية.
ويضيف الباحث العلوي الذي أخبرنا بهذه الإحصائيات أن أكبر المتآمرين على الساحل السوري هم المسؤولون السوريون في النظام، فهم دائماً يتسترون على التغلغل الإيراني في الساحل السوري كي لا يزعجوا إيران التي تدعم النظام عسكرياً ومالياً بملايين الدولارات شهرياً. ويتهم الكثير من العلويين النظام بأنه بدأ يبيعهم لإيران كما باع الكثير من المناطق في دمشق دون أن ينظر للمخاطر المستقبلية على سوريا وشعبها اجتماعياً ودينياً وثقافياً. ويتساءل أحد الباحثين العلويين في الساحل السوري: «ألا يكفي أن طائفتنا أصبحت بلا رجال بعد أن خسرت حتى الآن على مذبح آل الأسد حوالي ربع مليون شاب من خيرة شبابها في هذه الحرب المجنونة، فلماذا بات النظام يضحي حتى بنسائنا خدمة لمصالح إيران؟».
لم يسبق للولايات المتحدة أن تحدثت عن حزب الله بالحدة التي تحدثت فيها سفيرتها في الأمم المتحدة نيكي هايلي، فقد فاق وصفها للحزب الأوصاف التي درج العالم على وصف «داعش» بها. في هذا الوقت كان حزب الله يُنظم رحلة غريبة للصحافيين إلى الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، وكان واضحاً أن مضمون الرحلة- الرسالة أن القرار الدولي 1701 الذي ينص على ابتعاد حزب الله عن هذه الحدود وتسليمها لقوات أممية، صار بحكم الملغى.
قبل ذلك بأسابيع بدأت تتسرب تفاصيل مشروع قانون سيعرض على الكونغرس يتضمن عقوبات مركّبة تشمل حزب الله وحركة أمل، وحلفاء لبنانيين للحزب أشار إليهم القانون ولم يسمهم.
الإسرائيليون ليسوا بعيدين عما يجري، فخطاب «الهلع» من انتشار حزب الله على الحدود السورية- الإسرائيلية يُغذي النوايا بحرب وشيكة، والجميع في إسرائيل يقول إن ساعة الصفر اقتربت. ومن دروس حرب تموز (يوليو) 2006 أن المبادر يُحدد شروط الحرب ووجهة استثمارها.
هذا الكلام ليس تهويلياً، ولا ينطوي على مبالغة، فلم يسبق لحرب أن مُهد لها بهذا الوضوح. فالقصة بدأت فور انتخاب دونالد ترامب، والرجل أعلن منذ اليوم الأول أن الحد من نفوذ إيران أولويته. وانعدام خبرة الرجل يُضاعف احتمالات الحرب، ذاك أن أول من استثمر في ضعف المعرفة بالمنطقة وبأهلها هو بنيامين نتانياهو.
لا يبدو أن ميزان القوى في هذه المواجهة لمصلحة حزب الله، ذاك أن الأخير يقاتل في سورية، وعودته منها للقتال في لبنان ليست بالأمر اليسير. الرحلة التي نظمها الحزب للإعلاميين مؤشر على ذلك أيضاً، فهي جاءت للقول «نحن مستعدون»، ومن يشعر بالحاجة إلى قول ذلك يجيب حاجة لا يبدو أنه متمكّن منها.
في محيط ترامب جنرالات في مواقع سياسية وتقريرية. وزير الدفاع جيمس ماتيس جنرال سابق، ومستشار الأمن القومي هربرت رايموند ووزير الأمن الوطني جون كيلي جنرالان سابقان. والثلاثة يكنون للنظام في طهران ضغينة ترتبط بدور الحرس الثوري الإيراني في العراق. لكن الثلاثة أيضاً يُمثلون الفشل الذي لحق بالولايات المتحدة هناك، والمؤشرات تدل على أن أسباب الفشل ما زالت قائمة.
الأميركيون يبحثون في العراق عن «شريك شيعي». هذا الوهم يراود الإدارة في واشنطن. زيارة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي واشنطن اعتبرها البعض هناك «اختراقاً» لنفوذ طهران في العراق، فيما تبحث مراكز الدراسات المقربة من الإدارة في إمكان تحويل المرجعية الشيعية في النجف إلى مركز استقطاب للشيعة العرب في مواجهة «المد الفارسي». الوعي الذي يقف خلف هذا الاعتقاد لا يقيم وزناً لحجم الاستثمار الإيراني في التشيع العراقي. ومن الشقاء والجهل تصور أن العلاقات البينية والاستتباعية يمكن تغييرها أو بناؤها بقرار يصدر عن حكومة.
في سورية يدير نتانياهو دفة الموقف الأميركي. نقاط انتشار حزب الله على الجبهات الأهلية السورية تحددها المراصد الإسرائيلية. والأميركيون عندما يتحدثون عن حزب الله في سورية، لا يقيمون وزناً لدور الحزب في حماية نظام يقتل أهله، إنما يتحدثون عن انتشار حزب الله في نقاط قريبة من الحدود السورية- الإسرائيلية.
لنتانياهو دور كبير في هذا، ذاك أنه يُدرك أن الحزب ليس في موقع المبادر، وأن تحركاته على الحدود مع إسرائيل مضبوطة بالسقف الروسي، وهو على رغم ذلك يرى أن وصول ترامب فرصة للانقضاض على الحزب.
التوازن الذي أقامته تل أبيب على حدودها مع سورية يفوق في دقته وفعاليته التوازن الذي تشهده الحدود مع لبنان. فهي تنفذ في سورية غارات ساعة تريد، وهو أمر غير متاح لها في لبنان، وهي أيضاً تقيم علاقات تخابرية مع الروس هناك، وفي الجنوب السوري جبهة مضبوطة بخيوط دولية لا تتيح لأي طرف من الأطراف، وبينها «داعش»، التحرك خارج حدود اللعبة. وكل هذا يعني أن الحرب المحتملة هي فرصة نتانياهو، قبل أن تكون وجهة أميركية.
لبنان من بين الدول الثلاث (العراق سورية ولبنان) لا يبدو أن للحرب حسابات فيه غير حساب حزب الله. فالأخير يُمسك بناصية القرار على مختلف المستويات. الزيارة التي نظمها الحزب للصحافيين تكشف أن الحزب هو كل شيء في هذا البلد. والحزب إذ يأخذ الصحافيين إلى الحدود إنما يفعل ذلك ليُذكر بأن الجبهة هنا في مقابل الجبهة هناك. ويقول للعالم إن «الحرص على تجنيب لبنان ويلات حرب في سورية» أمر غير واقعي.
الأرجح أن حصة لبنان ستكون العقاب الاقتصادي، إلا في حال قرر حزب الله المبادرة. لكن العقاب الاقتصادي هذه المرة سيكون مريراً، ذاك أن أي نشاط اقتصادي صار بالإمكان ربطه بحزب الله أو بحلفائه، وهذا إذا ما أضيف إلى هشاشة الوضع السياسي والأهلي، لن تقل نتائجه عن نتائج الحرب المباشرة.
الوقائع لم تعد تحتاج إلى تحليل. الوضوح الذي تجري في ظله الوقائع غريب ومريب. وما ليس واضحاً حتى الآن أن الحرب المزمع مباشرتها ستتداخل مع حروب أخرى تشهدها المنطقة، وهذا ما يُولد احتمالات تُغري بالتخيل. ماذا سيحل بلاجئي هذه الحرب؟ وأين موقع «داعش» منها؟ وكيف ستجري في ظل النفوذ الروسي؟
يمكن للمرء أن يجيب عبر تمارين ذهنية. فالمواجهة إذا ما كانت في لبنان ستعفي الأميركيين والإسرائيليين من احتكاك مع الروس، لكنها لا تؤمن كل الأهداف، ذاك أن الدور الإقليمي لحزب الله هو في سورية وليس في لبنان. أما إذا كانت المواجهة في سورية فذلك يفتحها على احتمالات مصير بشار الأسد مع ما يرافق ذلك من انعدام البدائل وصعوبات حرب تحف بالوجود الروسي. العراق أبعد الاحتمالات، ذاك أن ميزان القوى فيه راجح لمصلحة طهران، ولن تفيد هذيانات الإدارة حول إنتاج بديل شيعي.
لا حلفاء فعليين لواشنطن في العراق، فالأخيرة بددت أرصدة كثيرة في ذلك البلد. الأكراد لن يكونوا حليفاً مخلصاً، ولا قوى سنية يُعتد بها، أما الشيعة ففي طهران.
الحرب تحتاج إلى حدث حتى تبدأ. ويبدو أن الحرب العتيدة عالقة عند هذه العقدة. فمن سيتطوع ليؤمن لها هذا الشرط؟
على المستوى الأخلاقي، كان ملحوظاً امتناع بشار الأسد في حوار «فرنس برس» (والذي لا نعرف سبب إعطائه هذه الفرصة!) عن إبداء أدنى مشاعر الأسف أو الحزن على أطفال بلده الذين قضوا مختنقين بغازه السام في أسرّتهم الصباحية، وارتمت أجسادهم متيبّسة في رعشتها الأخيرة على أرصفة شوارع خان شيخون الضيقة كعصافير رحلت مبكراً عن أعشاشها الغضة، وذلك بصفته مسؤولاً عن حماية الشعب السوري الذي نصب نفسه رئيساً وريثاً عليه. ووصل به المرض إلى حد إنكار موت هؤلاء الأطفال في خان شيخون، مدعياً كعادته أن الصور «مفبركة»، واصفاً تلك المشاهد التي صدمت العالم «بالمسرحية الملفقة مئة في المئة»!
وعن العرض السياسي لحالته الميؤوس من شفائها، فكان جلياً في وضعية التحفّز والنرفزة الغبية التي ظهر فيها خلال الحوار في اتهامه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسن، بأنه كان «يهلوس» حين قال في مؤتمره الصحافي في موسكو إلى جانب نظيره الروسي، سيرغي لافروف، أن «حكم عائلة الأسد قد وصل إلى نهاياته في سورية». وجاء رد الأسد هزلياً وخائباً بحجم هزالته وخيبته الشخصية حين أجاب قائلاً إنه «لا وجود لحكم عائلي لآل الأسد في سورية»! وحين سأله محاوره الفرنسي إذا كان يعتبر الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة الأميركية إلى إحدى مواقعه العسكرية التي انطلقت منها الطائرات حاملة غاز الموت لأطفال خان شيخون، «نكسة» له ولنظامه، نفى الأسد أن تشكل تلك الضربة نكسة له أو لقواته بل اعتبرها طريقة لدعم الإرهاب والإرهابيين الذي وحده يحاربهم في سورية، دائماً وفق ادعائه.
من نافلة القول إن الضربة الأميركية لواحد من مفاصل الأسد التدميرية، ولو بصورة أقرب إلى الرسالة الأخيرة له، أعادت الزخم لقضية تحّرر الشعب السوري العادلة والمكلفة والدامية من سطوة الاستبداد وإرهاب الدولة المنظّم، وغدت المسألة السورية تتصدر الصحف العالمية الكبرى يومياً، ولم تخل قناة تلفزيونية أميركية أو أوروبية من حوار يومي حول ضرورة رحيل الأسد ومحاسبته عن جرائم الحرب المرتكبة خلال عهده.
ولأن ذاكرة العالم لا تموت مهما تقادم الزمن على الجريمة الإنسانية، فقد كتب الصحافي البريطاني بيرس مورغان، مستذكراً إرهاب الأسد الأب الذي يكاد يوازي إرهاب الأسد الابن، وذلك في مقال لصحيفة «ديلي ميل» يحمل عنوان «قاتل الأطفال الأسد يوقع أخيراً على شهادة وفاته»، جاء في المقال: «لقد تمكنت من الولوج إلى عقل الأسد المنحرف عندما قرأت بعض رسائله الإلكترونية التي تم نشرها قبل بضع سنوات، إحداها كانت مُرسلة منه لزوجته يوصيها بمشاهدة مقطع فيديو من برنامج أميركي للهواة على موقع يوتيوب يصوّر رجلاً متعطشاً للدماء قطع مساعده إلى نصفين باستخدام منشار كهربائي، ويبدو أن ذاك المشهد يحاكي تماماً نفس الأسد». ويضيف مورغان: «ليس الأمر بمثير للدهشة، بالنظر إلى أن والده البغيض حافظ الأسد، عرف عنه بأنه كان يذيب أجسام ضحاياه في الأحماض الكيماوية. والآن يتلذّذ الأسد الابن بالموتى بنفس الطريقة في مجازر مماثلة تستهدف المناطق المدنية المكتظة بالسكان بغاز الأعصاب وبراميل القنابل المليئة بالكلور، أو بقصف المستشفيات وتعذيب المعتقلين السياسيين».
وفي الدوائر السياسية البريطانية، أفاد المتحدث باسم الشؤون الخارجية لحزب الديموقراطيين الليبراليين توم بريك، وذلك في تصريح له اليوم لجريدة «الإندبندنت» البريطانية بأن «زوجة بشار الأسد التي تحمل الجنسية البريطانية بحكم مولدها يمكن أن تفقد جنسيتها إذا واصلت دعمها العلني لنظام زوجها الهمجي». وجاء هذا التصريح في رسالة كتبها بريك إلى وزيرة الداخلية أمبر رود، لشرح مخاوفه فقال: «أسماء الأسد تتصرف كناطق رسمي باسم الحكومة السورية وهي تستغل صورتها الدولية للدفاع عن النظام السوري حتى إثر الفظائع التي ارتكبها في استخدامه للأسلحة الكيماوية». ونصح «أنه بإمكان الحكومة البريطانية أن تبلغ أسماء الأسد، وهي مواطنة سورية بريطانية، بأن تتوقف عن الدفاع عن الأعمال الوحشية أو يتم تجريدها من الجنسية. وأنه من حق الحكومة حرمان شخص من جنسيته إذا كان ذلك الشخص يضر بالمصلحة العامة وبمصالح المملكة المتحدة. وأن دفاعها عن الرجل الذي صنفته بريطانيا «راعياً للإرهاب» لم يعد بالإمكان تجاهله».
هكذا يقبع الأسد المريض في عزلته، بلا أنياب، وبلا إرادة، بعد أن سلّم مقاديره للدولتين الراعيتين لاستبداده، وقد خرج تماماً عن طور البشريّ، وتحوّل إلى وحش عاجز يريد أن يدمّر كل ما حوله قبل أن يسقط خائراً غير مأسوف عليه.