شكراً لأنطونيو غوتيريش، الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، فقد ذهب إلى العراق. وزار 700 ألف لاجئ من عرب الموصل ينتشرون في العراء على حدود كردستان، فراراً من القتال الدائر بين القوات العراقية و«داعش» في الشق الغربي من المدينة.
جاءت الزيارة بعد تبادل الاتهام بين أميركا والعراق، حول الغارات الجوية التي أوقعت عدداً يتراوح بين ألفين إلى أربعة آلاف قتيل من المدنيين أخرجت جثثهم ممتزجة بشظايا أحجار من أنقاض أبنيتهم المقصوفة بقنابل الأعماق، بحجة الفتك بـ«الدواعش» المختبئين في الجحور التي حفروها في الأحياء القديمة.
انتهى الجدل بلا غالب ومغلوب. فقد تم الاتفاق على القول إن «داعش» تركت أمام الأبنية المقصوفة صهريجاً مليئاً بالمتفجرات. فانفجر بالقصف المتبادل. وانهارت الأبنية من شدة الانفجار! لكن المنظمة الدولية تطالب بتحقيق عادل أكثر جدية في تحمل المسؤولية أمام الإنسانية.
جرى التحضير لحرب الموصل منذ سنة. حشدت ألوية عراقية. وميليشيات شيعية بقيادات إيرانية. وميليشيات كردستانية. وباعت أميركا أحدث الطائرات من طراز إف 15 و16. في الهجوم، دُك شطرا المدينة المفصولان بنهر دجلة.
أين المفر أيها المدنيون؟ فالنهر أمامكم. والمتقاتلون بينكم. السؤال كيف رضي إنسانياً القادة العسكريون الشيعة لألوية الجيش العراقي بشن الهجوم، من دون أن يتأكدوا أولاً من إقامة حكومة بغداد لمناطق آمنة مجهزة بالإطفاء. والأدوية. والأغذية، كافية لإيواء مئات ألوف الموصليين المحاصرين الفارين؟
وهكذا، فحرب الموصل التي جرت بمشاركة أميركية صريحة، كانت حرباً مذهبية بكل معنى الكلمة بين السنة والشيعة. والهدف تماماً كما جرى في حرب حلب الشهيدة شقيقة الموصل: تفتيت الكتلة السكانية المدنية من عرب المشرق، تحت ذريعة القضاء على «إرهاب داعش» كما تدعي أميركا. أو بحجة «مكافحة الإرهاب» كما يزعم بشار الجعفري موفد بشار الطائفي لنسف محادثات جنيف (انتهت الجولة الخامسة من دون تقدم يذكر). وقاسم سليماني موفد خامنئي وفريدون روحاني، لتدمير سنة سوريا والعراق.
لا ننسى دور الأكراد (السنة) في كل مأساة تنزل بالعرب السنة في سوريا والعراق. فبعد استكمال سيطرتها على مدينة كركوك النفطية، لم تشارك «البشميركا» عملياً في حرب الموصل، كما تم الاتفاق بين مسعود برزاني وحكومة بغداد، إنما اتجهت إلى سهل نينوى الواسع في شمال المدينة، لتحتل القرى العربية هناك، معلنة أنها لن تنسحب منها.
أما أكراد حزب العمال الكردي في تركيا (المسجل إرهابياً لدى أميركا)، فقد أقاموا منطقة حكم ذاتي كردية في سوريا، تمتد بمحاذاة الحدود التركية من شرق الفرات إلى حدود العراق. وها هي أميركا ترمب، بعد أميركا أوباما، تزودهم بالدبابات، ليخوضوا حربها مرتزقةً لـ«تحرير» الرقة ودير الزور من «داعش». ولا يخجلون من الزعم بأنهم «قوات سوريا الديمقراطية» المطعمة بعربان مقاتلين معها!
أسمي الحروب الدائرة بأسمائها الطائفية والمذهبية، لكي يفهم ويدرك مئات ملايين العرب في المشرق. والمغرب. والخليج (العرب يعدون حاليا نحو 400 مليون إنسان)، أن هناك كتلة سكانية عربية (سنية) مؤلفة من 23 مليون سوري و15 مليون عراقي. وخمسة ملايين فلسطيني يجري تدميرهم. بالإبادة الجماعية. وطردهم وتهجيرهم من مدنهم وقراهم. واغتصاب ونهب أراضيهم الزراعية، فيما تقف حكومات عربية على «الحياد» و«عدم الانحياز»، في معركة حياة أو موت للعرب والعروبة في المشرق واليمن.
لا أغرب الشيعة عن العروبة، كما فعل صدام. شيعة المشرق العربي جرى خطفها من عروبتها في العراق. وسوريا. ولبنان، لخدمة مشروع الهيمنة الفارسية على المشرق. حزب الشيعة الذي أنشأته المخابرات الإيرانية في لبنان منذ 35 سنة. وقالت للعرب إن تسليحه يستهدف حماية لبنان من إسرائيل، ها هو يدمر الديمقراطية اللبنانية. ويذبح العرب السنة في سوريا.
كفانا سياسة! هناك 108 ملايين جائع في العالم، حسب تقرير أممي وأوروبي. هناك 17 مليون جائع في اليمن مهد «العرب العاربة» في لغة علم الأصول (علم الإثنية). ملايين السوريين جائعون في سوريا. ولبنان. والأردن. هناك عرب جائعون في الرقة. ودير الزور. لا يجدون مع أطفالهم عشاء يومهم.
احتلت القوات الشرعية اليمنية ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر. لكن لم تتمكن بعد من الوصول إلى ميناء الحديدة الاستراتيجي. فقد استمات الحوثيون في الدفاع عنه، لتأمين وصول الأسلحة والصواريخ الإيرانية التي يقصفون بها مدن الحدود السعودية. وليس لتأمين وصول أغذية الإغاثة الدولية والعربية.
لنتذكر الإنسان والإنسانية. هناك عشرات ألوف السوريين الذين تحتجزهم المخابرات السورية في زنزانات أقبيتها القذرة المليئة بالقوارض والحشرات السامة. والجراثيم الفتاكة. مئات المعتقلين يموتون يومياً وأسبوعياً. ويدفنون في قبور جماعية مجهولة. وهناك ألوف محتجزون في معسكرات التنظيمات الدينية المسلحة التي تدعي أنها تطبق عليهم حكم العدالة الإسلامية. وتنفذ «داعش» و«جبهة النصرة» و«القاعدة» إعدامات يومية في سوريا. واليمن. وباكستان. وأفغانستان. والصومال.
نعم، لنتذكر الإنسانية. صار لضباط المخابرات الإسرائيلية أسماء معروفة. وهم لا يجرؤون على زيارة بلدان «صديقة» لإسرائيل، خوفاً من أن يطالب العرب بمحاكمتهم أمام العدالة المستقلة عن السياسة. وصار لضباط المخابرات السورية أسماء مشهورة عربياً ودولياً. مع ذلك يجري إرسالهم بمهمات دبلوماسية إلى روسيا. والصين. بل لدول عربية. وهم مطلوبون للعدالة، بموجب مذكرات تحقيق أو توقيف من الشرطة الدولية (الإنتربول). فلماذا لا تعتقلهم الدول المضيفة لهم. وتسلمهم إلى العدالة الدولية؟
«الفيتو» الدولي الذي تستخدمه بكثرة روسيا. والصين. وأميركا، يحمي هؤلاء المجرمين. لماذا لا يشكل الأمين العام للأمم المتحدة لجنة دولية، لتعديل ميثاق الأمم المتحدة، ولوضع حد لاستخدام «الفيتو»، على الأقل لحماية حقوق الإنسان، إذا كان مستحيلاً إلغاؤه لأسباب سياسية؟
التقطت فتاة سورية تعمل في إسبانيا، بالمصادفة، صورة لشقيقها الذي قتلته المخابرات السورية، منشورة على الإنترنت. فأقامت دعوى أمام القضاء الإسباني على كبار جنرالات المخابرات السورية، وبينهم المجرم المشهور علي مملوك. لا علاقة للعدالة بالسياسة. فقد قبل القضاء الإسباني الدعوى. ويعد حالياً ملفات لهؤلاء المجرمين، لملاحقتهم في إسبانيا وأمام المحاكم الدولية.
أوشكت محكمة الشهيد رفيق الحريري على إصدار حكمها بالتفصيل، بأسماء المدانين. وحيثيات الإدانة. واغتال الجناح الاستئصالي في النظام السوري زعماء لجنة «إدارة الأزمة». فأعلنت المعارضة الدينية المسلحة أنها هي التي اغتالتهم. فقوضت بسذاجة الفرصة السانحة لاتهام النظام دولياً بارتكاب الجريمة.
ثم أجبر النظام فاروق الشرع. ومن لف لفه من الخانعين وأركان النظام على تشييعهم ومواساة أهاليهم. ولم يصدر التحقيق إلى الآن في مقتل العماد حسن تركماني. والعماد داود راجحة، وزيري الدفاع السابقين. والعماد آصف شوكت نائب وزير الدفاع، وزوج بشرى شقيقة الدكتور «أبي لمعة الأصلي» رئيس النظام.
شون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، ألقى قنبلة مدوية، «بالنسبة للأسد، فإنه يوجد واقع سياسي علينا القبول به». السبب؟ أنه توجد للولايات المتحدة أولوية أهم، ألا وهي محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا. هذا التبرير الرسمي للمتحدث الرئاسي الأميركي.
في الواقع، الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بإعلانه الخطير هذا، لم يخرج عن خط تعهداته التي أعلنها خلال حملته الانتخابية. حينها انتقد ترمب سياسة سلفه الرئيس باراك أوباما لأنه ترك إيران تستولي على العراق وإيران، لكنه قال إنه عند توليه الرئاسة سيركز على محاربة التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع الروس. عملياً، اليوم ينفذ ما قاله حرفياً بالأمس.
السؤال الصعب كيف يستطيع ترمب محاربة النفوذ الإيراني و«داعش» وفي الوقت نفسه يتعاون مع نظام دمشق؟
قبل الحرب الأهلية في سوريا كانت علاقة دمشق بنظام طهران استراتيجية، وتسببت في تدهور علاقة نظام الأسد بدول معسكر الاعتدال، مثل الخليج ومصر آنذاك. كما أن الولايات المتحدة التي كانت غارقة في أزمتها في العراق، بعد الاحتلال، اتضح لها أن إيران استخدمت سوريا كمركز استقبال الإرهابيين من أنحاء العالم وتأهيلهم للقتال في العراق تحت علم «القاعدة» طوال ست سنوات دامية.
ومنذ بداية الانتفاضة في سوريا كانت معظم دول الخليج راغبة في تفاديها، لولا أن دمشق فضلت الطريق الصعب؛ التعاون مع إيران لمواجهة الانشقاقات الواسعة ومحاربة المعارضة المسلحة. والحقيقة فشل دعم إيران العسكري في إنقاذ النظام، وما كان له أن ينجو إلى هذه المرحلة الحالية، أو ما سماه سبايسر بالواقع السياسي الجديد، لولا التدخل الروسي الضخم عسكرياً. روسيا، وليست إيران، هي التي أعطت دمشق قبلة الحياة سياسياً وعسكرياً. وإذا قبلنا بهذه الحقيقة، فإنه ينبغي على النظام السوري أن يقبل بها أيضاً. إيران هي المشكلة بالأمس وهي المشكلة غداً، وإيران سبب نزاع دمشق مع دول المنطقة العربية التي هي في حالة دفاع عن نفسها ضد التمدد العدائي والتخريب الإيراني الذي لم يتوقف. هذا النزاع العربي مع نظام آية الله، لا علاقة له بالخلافات العربية مع نظام بشار الأسد الذي لم يحسن إدارة علاقاته مع الدول العربية بخلاف ما كان يفعله الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي أبقى على شعرة معاوية مع الجانبين، وكان وسيطاً إيجابياً في كل الخلافات بين ضفتي الخليج العربية الإيرانية.
من المحتمل أن تتحول الدول الخليجية نحو التعامل بإيجابية مع «الواقع السياسي الجديد»، وهو الأمر الذي سبقته إليه تركيا منذ عزل أحمد داود أوغلو وتعيين بن علي يلدرم رئيساً للوزراء. هنا السؤال الأول، هل يرغب نظام دمشق في إنهاء الوجود العسكري الإيراني من على أراضيه أم لا؟ والسؤال المكمل له، هل حقاً يستطيع لو قرر التخلص من فيلق القدس الإيراني، وميليشياته اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية، التي تقدر مجتمعة بنحو خمسين ألفاً على الأقل؟
الرغبة في حل سياسي للأزمة السورية هو مشروع المعارضة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات، منذ أن اتضح أن أياً من الطرفين لن يكسب الحرب بقوة السلاح. الخلاف كان، ولا يزال، يدور على صيغة الحل ويمكن أن نقول اليوم إنه فشل، فالأسد استأثر بكل شيء، أو يظن أنه كذلك. إنما الحقيقة أن سوريا صارت إناءً مكسوراً، ولنرَ كيف يستطيع إصلاحه سياسياً وإدارياً وأمنياً دون دعم الدول العربية المعتدلة.
المعادلة الصعبة المقبلة، في حال تم الاتفاق على بقاء نظام الأسد، هي في إخراج إيران من القصر الرئاسي في دمشق. باستمرار نظام آية الله يسيطر على مفاصل الدولة السورية أتوقع أنه لن تشهد سوريا استقراراً مهما أجمعت قوى العالم، ولا أقول هذا من باب الإنكار الأخلاقي على ما يحدث، بل أيضاً لأن الواقع السوري نفسه أكبر من إيران وروسيا ونظام دمشق. الواقعية تتطلب فهم هذا الجانب، وهو أن وجود إيران وميليشياتها على الأرض السورية سيفشل أي اتفاق يوقعه أي فريق.
المواقف الأميركية الأخيرة من أزمة سورية ليست مفاجئة. الجديد فيها أنها كشفت صراحة السياسة التي تنهجها الإدارة الجديدة. وكان على قوى المعارضة أن تتوقع ذلك بدل الانتظار أو الرهان على توجهات مغايرة. الرئيس دونالد ترامب قال في إحدى حملاته الانتخابية إن النظام في دمشق يحارب «داعش» فلماذا يقاتله؟ وردد عشية الانتخابات الرئاسية أن الحرب على التنظيم الإرهابي أولوية تتقدم على «اقناع الأسد بالرحيل». وهذا ما كررته مندوبته لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي: «لم تعد إزاحة الأسد أولوية». وكان وزير خارجيته ريكس تيلرسون أكثر صراحة: الشعب السوري يقرر وضع الرئيس «على المدى البعيد». إنه موقف الإدارة السابقة. بل هو موقف لم يكن طوال السنوات الست الماضية قريباً إلى هذا الحد من موقف روسيا. لعل هذا ما سمح للرئيس فلاديمير بوتين بأن يتحدث عن تعاون فعلي بين البلدين «يتحسن ويتعمق في بعض المجالات الحساسة مثل سورية». بالتأكيد إن الحرب على الإرهاب هي أولوية الدولتين. ولا شك في أن القوات الروسية تراقب الآن كيف سيثمر الانخراط الأميركي العسكري المتنامي في معركة الرقة. كأنها تترك المعركة للأميركيين كما كانت لها معركة حلب. لكنها لا تخفي رغبتها في عودة «عاصمة الخلافة» إلى حضن الشرعية.
التفاؤل بإمكان تعميق التعاون مع واشنطن الذي يبديه الرئيس بوتين قد لا يقود إلى تغييرات جذرية في الواقع القائم. تركت له مواقف إدارة ترامب الساحة السورية، ما دام أن التفاهم على صفقة شاملة لكل القضايا العالقة بين البلدين تبدو بعيدة. فهو يدرك أن ما كان يأمل به من انفتاح وتغيير مع قدوم الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض تعترضه عراقيل جمة. ليس بينها وجود جنرالات صقور يعارضون مثل هذا الانفتاح فحسب. بل أيضاً «قضية» التدخل الروسي في الاستحقاق الانتخابي الأميركي والاتصالات بين رجال ترامب ومسؤولين روس. وهي تشهد تطورات يومية تشغل عامة الأميركيين وليس المسؤولين في الكونغرس والقضاء وحدهم. وتضغط على الإدارة الجديدة وتحد من خياراتها الخارجية. لذلك لا تعول موسكو كثيراً على تعاون قريب يدفعها إلى تعديل جوانب في سياستها حيال سورية. بل هي كانت أصلاً ولا تزال تستعجل ترسيخ أوضاع تراعي مصالحها في هذا البلد لتفرض مشروعها للتسوية ورؤيتها هي في أي تعاون أو تواصل مع جميع المعنيين بالصراع القائم في بلاد الشام.
مواقف واشنطن يجب ألا تشكل مفاجأة للمعارضة السورية. فقد سمعت هذه طوال سنوات الأزمة سؤالاً واضحاً من المسؤولين الأميركيين عن البديل من الرئيس بشار الأسد. كانوا يعبرون صراحة عن قلقهم من « اليوم التالي» بعد إزاحته. هذا القلق شاركهم فيه كثير من القوى وليس روسيا وحدها. بل ثمة دول عربية راودتها مخاوف -خصوصاً بعد الخلل في ميزان القوى- من أن يكون البديل إيرانياً، أو في أحسن الأحوال قائداً ميدانياً من القوى الإسلامية التي تبدو الأكثر نشاطاً وفاعلية في الحرب الدائرة. ولا نقصد المعارك التي اندلعت أخيراً في دمشق وريف حماة. فلن تحقق هذه نتائج تبدل في ميزان القوى، وإن تركت نوعاً من المفاجأة أو الصدمة في أوساط النظام وحلفائه. الحضور الروسي لن يسمح بتغييرات ميدانية. وهو شارك ويشارك في منع تحقيق أي مكسب للفصائل. لذلك بدا كأن ثمة تسليماً في أوساط قوى كثيرة مناوئة لإيران بدور موسكو وقواتها في بلاد الشام. يرون إلى هذا الدور أقل خطراً من حضور الجمهورية الإسلامية. فلا يضير عرباً كثيرين وجود روسيا في بلاد الشام. كان هذا الوجود حاضراً طوال عقود. ولا طائل من سعي بعض أطياف المعارضة أو عزمها على استيضاح الإدارة الأميركية ما جاء في تصريحات ديبلوماسييها. مثلاً ماذا يعني الوزير تيلرسون بقوله إن الشعب السوري يقرر مصير رئيسه «على المدى البعيد»؟ ما هو المدى البعيد، متى؟ في الانتخابات التي نص عليها القرار 2254 أو حتى نهاية ولايته؟ وماذا بعد «أولوية محاربة داعش»؟ بل ماذا بعد القضاء على التنظيم الإرهابي؟
الحرب على الإرهاب هو ما يعني إدارة ترامب. لا تبدي أي أهتمام بالتسوية على غرار ما فعل أوباما ووزير خارجيته جون كيري. ولا تقتصر حربها على الرقة وحدها. لذك جاءت ضغوط «السي آي إي» على الفصائل المعتدلة في الشمال السوري، في إدلب وريفها، كي تلتئم في جسم واحد أو تحت قيادة موحدة للتنسيق في أرض الميدان. والهدف الأول بالطبع قتال «هيئة تحرير الشام» التي تضم في من تضم «النصرة» وما شابهها. لكن ما يقلق هو المرحلة التالية للقضاء على التنظيمات الإرهابية. وهذا ما أزعج تركيا التي تعبر عن خيبتها يومياً من اعتماد الأميركيين على الكرد. وهذا ما عبر عنه ديبلوماسيون عرب شاركوا في قمة البحر الميت الأسبوع الماضي. أكثر ما يخشاه المعنيون بوحدة سورية أن يصبح قيام الكانتونات أمراً واقعاً لا مفر منه. وقد يجر إلى تعميم التجربة على المشرق العربي برمته. لا أحد يتوهم، ولا حتى الروس أنفسهم يعتقدون بأن نظام الأسد قادر على حكم سورية كما كانت الحال قبل اندلاع الأزمة. همهم، على ما يقولون أن تبقى سورية للسوريين وليس لإيران أو تركيا. وأن يبقى النظام علمانياً فلا تنجر البلاد إلى كانتونات مذهبية متحاربة. لذلك قدموا مشروع دستور يقترب من الفيديرالية بقدر ابتعاده عن المركزية وحصر معظم الصلاحيات بيد الرئيس. ويخشى الحريصون على وحدة سورية أن يتكرس الأمر القائم اليوم. فجبهة الجنوب تشكل منطقة استقرار بناء على تفاهم روسي - أردني - إسرائيلي - أميركي نجحت عمان في نسجه. وكذلك الأمر في الجبهة المحاذية للجولان التي تخضع لتفاهم بين إسرائيل وروسيا. وكانت لتركيا حصتها في جرابلس والباب، وإن لم تر إليها كافية. فهي إلى حد ما منطقة استقرار بديلاً من تسميتها «منطقة آمنة». ويجهد الروس إلى حماية الكرد في عفرين ومحيطها غرب الفرات حيث يسعى الأميركيون إلى تطهير هذه المنطقة من «النصرة» واشباهها. وإذا قيض للكرد «حكم ذاتي» في الشمال الشرقي لسورية تكون لهم مناطق النفط والزراعة. تكون لهم ثروة البلاد!
تدرك روسيا أن تعزيز حضورها في سورية لا يستدعي مواجهة مكشوفة مع إيران ومشروعها في هذا البلد. بل هي تسعى إلى تعزيز علاقاتها معها، خصوصاً أن هذه تحتاج إلى القوة الروسية لحماية النظام. وبدل أن تنتظر موسكو بلا طائل التفاهم مع واشنطن، تنصرف إلى تفاهمات مع دول الإقليم، من تركيا إلى إسرائيل والأردن ومصر وغيرهما من قوى عربية، تراعي مصالح هذه وحضورها في مناطق نفوذ محددة. ولكن لا غلبة لطرف على طرف. وهذا كاف باعتقادها لقيام مناطق مستقرة وإن شاب البلاد شيء من التقسيم والتفتيت. فيما تبقى الكلمة العليا والأولى لها دون الآخرين. في مقابل هذه السياسة الواضحة للكرملين، ثمة شكوك في أن يكون لإدارة ترامب سياسة واضحة أو متماسكة حيال مرحلة ما بعد الرقة وإدلب. وإلا ما معنى غيابها عن جولات جنيف وعدم اهتمامها بأي حديث عن تسوية سياسية؟ ستكون روسيا مرتاحة إذا رفع العلم السوري في الرقة وإدلب، كما هي الحال في القامشلي والحسكة وغيرهما من مناطق الكرد. الصورة تبرز، وإن شكلياً، وحدة البلاد ووجود النظام، أياً كانت القوى الفعلية على الأرض. لكنها بالتأكيد كانت تفضل دوراً سياسياً للولايات المتحدة يكون منطلقاً إلى تفاهمات أوسع وابعد من سورية. لكن «مبايعة» ترامب موسكو في سورية تركت كرة النار بيدي بوتين، وحرمته من ورقة مساومة.
بعد هذه المواقف الأميركية الجديدة القديمة، لا ينفع قوى المعارضة انتظار ما سيؤول إليه الصراع المقبل بين إدارة الرئيس ترامب وإيران. أو الرهان على مفاوضات في جنيف لن تثمر تسوية قبل القضاء على الإرهاب. وقبل جلاء الصورة كاملة في الولايات المتحدة. ولا يمكنها أن تراقب الحرب على «داعش» فقط. أو أن تشارك فيها فحسب. هل تجترح معجزة فتبادر إلى توحيد صفوفها تحت قيادة سياسية وعسكرية تشكل عنواناً لا بد منه لجميع اللاعبين في الميدان السوري، ويقدم بديلاً مقنعاً إلى هؤلاء وإلى جميع السوريين الراغبين في التغيير؟ المواجهة الأميركية مع إيران لن تأتي بالحل. ستكون أكثر تعقيداً. وقد لا تقتصر على الطرفين وحدهما. بل إن قوى عربية شاركت في القمة أخيراً تخشى أن تلجأ الجمهورية الإسلامية إلى خوض مواجهة شاملة في كل الإقليم، إذا شعرت بأنها ستواجه مزيداً من العقوبات أو قد تخسر الاتفاق النووي. بالطبع لا ترغب طهران في الحرب ومثلها واشنطن والآخرون. يبقى منطق التسويات أقل كلفة وإيلاماً من أي حرب... هذا إذا لم تتطور «قضية» تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية إلى فضيحة تمهد لإطاحة الرئيس ترامب!
توقفت الحركة بشكل كامل في أحد شوارع لوس أنجلوس قبل 3 أعوام تقريباً بسبب بطة.. انتهى الخبر
قُتل 100 مدني وأصيب 400 بسبب غاز السيرين الذي استخدمه الأسد وروسيا على مدينة خان شيخون في إدلب بسوريا.. لم ينته الخبر.
البطة التي أوقفت حركة الشارع في واحدة من أكثر دول العالم ازدحاماً، أصبحت بطة شهيرة فجأة، وسائق السيارة الذي انتبه لها وأوقف سيارته خوفاً من أن يقتلها تحت عجلات سيارته، وأوقف كل السيارات المارة حينها، أصبح الشخصية الأشهر على الإعلام لأيام وأيام عام 2014، فالملاك الذي لم يدهس البطة أمريكي، والبطة حيوان يستنشق الهواء الأمريكي المقدس، والإعلام الفارغ يؤدي دور البطولة بتحويل الحدث إلى حديث الشارع والعالم ووكالات الأنباء، وإن كان ثمة أحد غير مصدق، فليكتب على غوغل "بطة، لوس أنجلوس"، وليرى بعينيه عدد الفيديوهات والمواقع العربية والغربية التي ستظهر له كنتيجة للبحث.
حسناً.. الخبر الثاني لن يعيش أكثر من ساعة على المواقع العربية والغربية، وما سيمد بعمره لن يكون أكثر من إنكار روسيا والأسد ببيانات أو تصريحات رسمية، وسينشغلون أكثر بكلام المتحدث بوازارة الدفاع الروسية حول اتهام وكالة رويترز بالكذب لأنها ضمّنت خبرها عن الغارات الكيمياوية حقيقة ان روسيا والنظام قاما بالمجزرة الكيمياوية، وأما أولئك الـ100 مدني سوري و400 مصاب مدني سوري، فلن يستطيعوا الحصول على نسبة الثلث وربما العشر من الاهتمام.
نسي العالم خطوط أوباما الحمراء الحمقاء، وانشغل أكثر بتصريحات ترامب الهستيرية، وأما عن الأسد وروسيا فانتشيا بتصريحات تلك الإدارة الجديدة حول عدم بقاء هدف إزاحة الأسد من أولويات أمريكا، رغم أننا نعرف أن ذلك لم يكن من أولويات الإدارة السابقة، ولكن الفرق الوحيد أن أوباما تلاعب بالكلام بينما ترامب كان واضحاً بموقفه، رسالته مباشرة "فليمت كل السوريين.. لن يهتز لي جفن، ولتذهب ادعاءات حقوق الإنسان إلى الجحيم".
وسارعت باريس للحاق بأمريكا، فصعد اليمين المتطرف وتصاعدت معه التصريحات اللامبالية بأرواح السوريين، فقفز وزير الخارجية الفرنسي إلى الواجهة عندما ضرب بكل المبادئ التي تتغنى فيها فرنسا حول حقوق الانسان عرض الحائط، وأعلن أنه "لا يجب التركيز على مصير بشار الأسد للتوصل إلى اتفاق سلام في سوريا".
لا ننتظر كسوريين عدالة من البشر، فالبشر الذين ينتمون للعالم المتحضر يمكنهم أن يتعاطفوا مع البطة، ومع كلب، ومع قطة، ومع كل الحيوانات، ولكنهم يشيحون بنظرهم عن 100 مدني سوري قتلوا اختناقاً، ولا يحاولون تشغيل فيديوهات انتشرت لأطفال فتحوا أعينهم قبل أن يختنقوا.
علينا كسوريين أن نعتذر منكم يا سادة، اعذورنا على موتنا الذي صدّع رؤوسكم، اعذرونا لأننا صدقنا كذبة حقوق الإنسان، اعذرونا لأننا لا نزال نموت على الهواء مباشرة منذ 6 سنوات، اعذرونا لأن داعش الذي ابتدعتموه أنتم وزرعتوه في بلدنا يقتلنا ويصلبنا، اعذرونا لأننا تحولنا لبشر نكره العالم، ولأننا لا نرتجف عندما يدهس سائق مجنون بضعة أشخاص في عالمكم المتحضر، ولأننا لن نبكي على قطة ماتت على قارعة الطريق.
نعتذر منكم، لأننا فقدنا مدننا، وهدمت بيوتنا، وتحولنا ليتامى وثكالى، ونعتذر منكم لأننا ننشر فيديوهات موتنا ونخدش مشاعركم، ونعتذر منكم لأننا نحمل جنسية ملعونة لأن ثمة هولاكو يحمل نفس الجنسية قرر وساعدتموه على إحراق الأخضر واليابس..
اخلعوا عنا تلك الجنسية يا سادة، ولن تسمعوا صراخنا بعد اليوم.
اقتلونا جميعاً ولن نضجركم بموتنا بعد اليوم، وأما خان شيخون شهيدة اليوم، فعليها أن تعتذر من الإعلام العربي والغربي، لأنها اقتحمت الأخبار واحتلت قنوات الأخبار.
ثمة وهم قاتل يتكوم الآن في عقل الإدارة الأميركية بخصوص الكارثة السورية٬ خلاصته٬ نحن لا شأن لنا ببقاء أو رحيل بشار الأسد ونظامه٬ ليست أولوية٬ المهمة الأميركية الرئيسية في سوريا٬ والعراق طبعا٬ هزيمة «داعش»... وبس!
وهم قاتل لأنه يختزل الأزمة بتسطيح مدمر٬ فبشار بنظامه٬ ليس مجرد عمدة بلدية٬ يأتي بالانتخاب٬ في كوبنهاغن أو سان فرنسيسكو٬ ويرحل بالانتخاب.
بشار الأسد بنظامه٬ معدن الفتنة٬ مصدر التطرف٬ منبع الطائفية٬ رحم التوتر٬ مصنع الأزمة٬ مغناطيس الإرهاب العابر للحدود.
رحيله أو ترحيله٬ هو المدخل الوحيد٬ لتطهير الجرح السوري المتقيح٬ تمهيدا للجراحة الصحيحة٬ فالنقاهة.
لولا بشار٬ حسن نصر الله٬ قاسم سليماني٬ قيس الخزعلي٬ مصطفى بدر الدين٬ جواد مغنية٬ طلال حمية٬ وأمثالهم من القتلة الطائفيين الشيعة٬ لما وجد العدناني والجولاني والبغدادي. لولا التدخل الروسي الجلف٬ لما تشكلت ألوية تحمل أسماء من التاريخ الساخن لبلاد الشام مثل الزنكي وصلاح الدين وغيرهما.
لذا فكلام المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر بتأييد تعليقات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون٬ والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي٬ حول عدم اهتمام إدارة الرئيس ترمب بمصير بشار الأسد٬ هو مدخل واضح لتجذير الكارثة السورية الأمنية٬ قبل الإنسانية والسياسية.
وزير الخارجية الأميركي تيلرسون كان قد قال٬ أنار الله بصيرته! إن «الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل الأسد». نفس كلام بشار عن نفسه!
السيناتور الجمهوري٬ جون ماكين٬ نقض هذا «الهراء» السياسي فقال بسخرية مرة: «إن السوريين لا يمكنهم تقرير مصير الأسد بينما هو ماض في ذبحهم».
فرح أنصار بشار ونصر الله وخامنئي وبوتين٬ بهذا الموقف الأميركي الجديد٬ كل على طريقته وثقافته٬ من هؤلاء٬ اللواء اللبناني الذائب في بشار٬ جميل السيد٬ فغّرد بتويتر: «أميركا: لم يعد يهّمنا إسقاط الأسد! ما رأي عملاء أميركا الصغار والكبار في لبنان والمنطقة؟!».
حتى لو أراد الغرب٬ بقيادة واشنطن٬ اختصار المعضلة السورية بملف أمني واحد هو «داعش»٬ فلن يفلح القوم في هزيمة «داعش»٬ وهم يصنعون المناخ الملائم لولادة دواعش أخر.
يعني حتى من باب الأمن٬ يجب إشعار الطرف السوري المقهور من ماكينة الإجرام الأسدية والإيرانية والروسية٬ أن العالم الغربي المتحضر يتفهم مأساته ويناصره فيها٬ حتى تكسب الحرب الأميركية ضد كل الجماعات المتأسلمة المسلحة «حضنا» شعبيا سوريا.
واضحة القصة!
سيكتشف تيلرسون ومعه نيكي هيلي تحدثت مؤخرا بالأمم المتحدة عن حقوق الشعوب «المغدورة» أن القصة ليست حنقا شخصيا ولا مؤامرة على «المقاوم» بشار... بل سعي لإنقاذ المشرق والعالم من «قدر» خطير.
على الرغم من أنّ المفاوضات بين كل من أحرار الشام وجبهة تحرير الشام من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، في ما يتعلق بمبادلة سكان كفريا والفوعة في ريف إدلب بسكان الزبداني، في ريف دمشق، ليست جديدة، وقد كان هنالك اتفاق قبل قرابة عام لم ينفذ بين الطرفين، إلاّ أنّ توقيت عودة الإيرانيين إلى محاولة تنفيذ الصفقة يكشف جانباً مهماً من جوانب مشروعهم في سورية، وهو الهندسة الطائفية الديموغرافية.
ليس الحديث عن عملية التطهير الطائفي جديداً أيضاً، فقبل هذه المفاوضات، كان السلوك الإيراني بأسره في سورية يقوم على البعد الطائفي في الإحلال والاستبدال السكاني، إذ تم ترحيل سكان داريا، وبعض المناطق في ريف دمشق وبعض أحيائها، باتفاقيات مع المقاتلين السنة، بعد عملية تجويع وحصار وتدمير طويلة، وكذلك الحال في ما يتعلق باتفاق حي الوعر في حمص، بعد أن تم تهجير أغلب سكان المدينة السنة منها.
الجديد في المفاوضات الحالية، أنّ المنظور الإيراني أكثر سفوراً ووضوحاً فيها، إذ يتم مبادلة سكانٍ بأرض على أسسٍ طائفية، ما يكشف، في الجانب الآخر، التباين والاختلاف بين الأجندتين، الروسية والإيرانية، وحرص طهران على تثبيت نفوذها وقوتها عبر وقائع وحقائق جديدة على الأرض، لا يستطيع الروس أنفسهم تجاوزها، في حال توصلوا إلى تفاهماتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ مع الأميركيين على الأرض، ولا حتى النظام السوري، إذ إنّ السكان الجدد في سورية الجديدة، من أنصار حزب الله في لبنان وعائلاتهم، أو حتى من الجنسيات الأخرى، إيرانية وأفغانية وغيرها، يدينون بالولاء الكامل لطهران.
ليس ذلك فحسب، بل حتى عسكرياً تقوم طهران ببناء مليشيات في سورية، وتسليحها وتشكيلها، على غرار حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، بما يشكل قوةً ضاربةً على أرض الواقع، تعمل على ضمان مصالح طهران في سورية.
ليس الروس أغبياء، يدركون تماماً أن طهران التي دفعت كلفةً كبيرةً في سورية خلال الأعوام السابقة، مالياً وعسكرياً، لن تتخلى عن ذلك بسهولة. لذلك، سيتعايش الروس مع الأجندة الإيرانية في سورية، ويعملون على توزيع الأدوار وتنسيق المصالح المتبادلة، مع أخذ حصتهم من الكعكة التي سيكون الجزء الأكبر منها للإيرانيين في المناطق التي يسيطرون عليها مع النظام السوري.
يتمثل حلم طهران لتكريس نفوذهم في المنطقة في بناء خط استراتيجي من إيران إلى البحر المتوسط، مروراً بالعراق وسورية، وهو الخط الذي سيعتمد على عملية الهندسة الطائفية الجارية حالياً في دمشق وحمص، وصولاً إلى اللاذقية، وتواصل نفوذ حزب الله من لبنان إلى سورية.
نشرت صحيفة الغارديان، أخيراً، تقريراً صحافياً مطولاً عما تقوم به إيران حالياً من عملية تطهير طائفي في سورية، ومشروعها الذي تحدثنا عنه، وتحدّث التقرير عن التغييرات الجوهرية في هوية العاصمة دمشق نفسها ثقافياً من خلال حضور الرمزيات الشيعية والتغييرات السكانية.
هذا الاكتشاف الجديد، وللمفارقة، الذي يتزامن مع مفاوضات الزبداني- كفريا الفوعة، كان قد تحدث عنه سابقاً في مقال خطير مطوّل، المعارض السوري، برهان غليون، وعلى صفحات "العربي الجديد"، عندما كشف عن جوهر مخططات إعادة الإعمار في حمص ودمشق، التي تقوم أصلاً على مفهوم الهندسة الطائفية.
وجه المفارقة في الأمر أن غليون نشر مقالته في بداية سبتمبر/ أيلول 2015، في أثناء المحادثات الأولى بين حركة أحرار الشام والإيرانيين حينها حول الصفقة نفسها، الزبداني- كفريا الفوعة. وحينها تم تسريب بنود الاتفاق الذي رجحت التحليلات بعد ذلك أن النظام السوري، الذي لم يكن حاضراً خلال المفاوضات حينها، قام بتعطيله بطرق التفافية مختلفة، لكن تجديد الإيرانيين الحرص عليه يظهر بوضوح ثبات موقفهم وإصرارهم على رؤيتهم لمستقبل سورية، على الرغم من التدخل الروسي، والتحولات والمتغيرات الجارية، والإدارة الأميركية الجديدة.
في المحصلة، في جوار الأجندات الدولية والمفاوضات السياسية في جنيف وأستانة، هنالك مفاوضاتٌ أخرى، لا تقل أهميةً، بل تزيد، حول الترسيم الحقيقي لهوية سورية ومستقبلها ودوائر النفوذ.
قرار تركيا إنهاء معركة "درع الفرات" نابع من أن مرحلة التمدّد العسكري انتهت، وأن أنقرة أخذت حصتها الجغرافية الكافية لحماية مصالحها القومية العليا في سورية، وفق قراءة صناع القرار في الكرملين والبيت الأبيض. لكن الأتراك المحكومين بموازين القوى المفروضة من موسكو وواشنطن غير راضين عما تم تحقيقه في ضوء تنازلات أنقرة لموسكو، سواء في حلب أو في ما يتعلق بالهدنة العسكرية التي ما زال النظام السوري يخرقها أمام أعين الكرملين.
صحيح أن "درع الفرات" حققت هدفها في دحر تنظيم الدولة الإسلامية من الحدود التركية، لكنها لم تحقق أهدافها كاملة في ما يتعلق بـ"وحدات حماية الشعب الكردي"، فمنطقة "درع الفرات"، من جرابلس، شمالي شرق حلب، إلى أعزاز في الشمال الغربي، إلى مدينة الباب في الجنوب، استطاعت تحقيق فصل جغرافي بين عفرين في الغرب، ومنبج وعين العرب ـ كوباني في الشرق، أي أنها نجحت في شطر مناطق سيطرة الوحدات الكردية شرق الفرات، لكنها فشلت في فصل مناطق الهيمنة الكردية بين شرق الفرات وغربه، إذ لم تستطع تركيا إجبار الوحدات الكردية على مغادرة منبج أو عين العرب ـ كوباني وعبور النهر نحو الشرق.
موسكو وواشنطن متفقتان على لجم الاندفاعة التركية في سورية لأسباب تتجاوز المسألة الكردية، إنها متعلقة بعدم رغبة العاصمتين بمنح تركيا أراضي واسعة ووجودا عسكريا يهدّد مخططاتهما، خصوصا أن الرؤية الاستراتيجية التركية تتباعد عن الرؤيتين الأميركية والروسية، وإن بدتا متحالفتين في الظاهر.
وقد كشفت زيارة وزير الخارجية الأميركي، أخيرا، إلى أنقرة حدود التباين بين الطرفين في الشمال السوري، كما كشف التوجه الروسي سابقا نحو عفرين، وتسليم مناطق سيطرة الأكراد لقوات النظام، غياب الثقة بين روسيا وتركيا.
قد تنجح أنقرة عبر دبلوماسية الخطوة خطوة في إنجاز تفاهم سياسي مع موسكو وواشنطن حول الشمال السوري، لكن مثل هذا التفاهم لا يلبي سوى الحدود الدنيا من مطالب الأتراك. وأمام فقدان أنقرة أوراق ضغط على العاصمتين، بدأ صناع القرار في تركيا باعتماد سياسة الاختراق من الخلف، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولا: تشكيل تحالف يجمع قوى عربية فاعلة على الأرض لمواجهة هيمنة الوحدات الكردية، وقد بدأت أنقرة هذه الخطوة منذ منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، حين جمعت في مدينة أورفة التركية قرابة خمسين عشيرة ممتدة بين الرقة والحسكة، لتشكيل جسم عشائري، ومن ثم عسكري. وليس معروفا مدى النجاح التركي في استقطاب هذه العشائر في ظل حالة التذرر التي ضربت مجمل العشائر السورية، بين مؤيد للنظام وآخر معاد له، وبين من هو متحالف مع الوحدات الكردية ومن يبحث عن مساراته الخاصة.
وإذا ما فشلت هذه العشائر لأسباب متعددة في تشكيل جسم عسكري، فإنهم، بحكم ثقلهم الديمغرافي والاجتماعي، قادرون على التخفيف من هيمنة الوحدات الكردية على محافظة الرّقة، خصوصا عقب محاولة "الاتحاد الديمقراطي" تسليم مناطق في الرقة إلى مجلس الرقة المدني الذي يتبع الإدارة الذاتية. وهنا تلعب أنقرة على إمكانية قبول الأميركان بتقاسم الأجهزة السياسية والأمنية بين مختلف المكونات، ولأجل ذلك تعد هذه العشائر لتلك اللحظة.
ثانيا: تشكيل قطب كردي يكون ندا لـ"الاتحاد الديمقراطي الكردي" وأذرعه العسكرية، والمجلس الوطني الكردي في سورية المعروف بـ"بيشمركة روج" هو أفضل من يمثل هذا الهدف. وتتم هذه العملية بالتوافق مع أربيل، خصوصا أن رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، أرسل أكرادا سوريين إلى سنجار، للاشتباك مع وحدات المقاومة التي يُدربها حزب العمال الكردستاني، لكن مشكلة هذا الخيار متعلقة بمدى قدرة أربيل على المضي في المشروع التركي، خصوصا أن البرزاني لا يستطيع تجاوز الولايات المتحدة، كما أن "بيشمركة روج أوفا" لا تمتلك العدد والسلاح الكافي لمواجهة الوحدات الكردية في سورية.
ثالثا: غض الطرف عن فصائل عسكرية تابعة للجيش الحر، للقيام بعمليات عسكرية منفردة ضد "قوات سورية الديمقراطية"، فمثل هذه العمليات ستكون خارج التفاهمات الإقليمية الدولية، ما يسمح لأنقرة بهامش من التحرك والضغط، وقد لمحت أنقرة إلى ذلك.
وفي حال فشلت سياسة الاختراق من الخلف، لن يكون أمام أنقرة سوى خيارين: اختراق الحدود السورية عسكريا نحو تل أبيض، شمالي الرقة، وإقامة إسفين جغرافي بين شرق الفرات وغربه، لكن هذه الخطوة ستضع نهاية للتفاهمات التركية مع روسيا والولايات المتحدة، وقد تكون كلفتها كبيرة على أنقرة. الاكتفاء بالواقع الحالي وما حققته "درع الفرات"، والعمل على تحقيق إنجازات اقتصادية في مناطق سيطرتها، وقد لمح الوزير تيلرسون في أنقرة إلى أن واشنطن قد تساهم في إعمار منطقة "درع الفرات". ومن شأن إعادة الإعمار وتقديم إنجازات خدمية وتشكيل هيكل سياسي مستقر أن يمنح أنقرة وجودا مستداما في المنطقة، ويثبت إنجازاتها العسكرية في بيئة قابلة للتغيير بشكل سريع.
انتهت مفاوضات جنيف 5 مثلما انتهت سابقاتها، أي من دون أي تقدم في المباحثات على أي سلة من السلال التي طرحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا (الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب)، ومن دون أي نتيجة تستحق الذكر على كل الأصعدة، وبديهي من دون تمكين أي من الطرفين المتصارعين الادعاء بتحقيق مكاسب سياسية على حساب الطرف الآخر.
واضح من ذلك أن هذه المفاوضات إن استمرت على هذا النحو ستصبح عبارة عن مجرد مفاوضات علاقات عامة ولتقطيع الوقت، وتبرئة ذمة المجتمع الدولي من المسؤولية عن الكارثة السورية ومآسي السوريين؛ تماماً مثلما حصل في تجربة الفلسطينيين في مفاوضات أوسلو (1993) مع الإسرائيليين، التي بات لها قرابة ربع قرن، وكأننا إزاء مفاوضات عبثية أخرى.
المسألة الأساسية التي يجب إدراكها والتركيز عليها أن المفاوضات في شأن مستقبل سوريا لا تجري، في حقيقة الأمر، بين الطرفين اللذين يجلسان على طاولة المفاوضات (النظام والمعارضة)، وهما لم يفعلاها أصلاً إلا في جلسات بروتوكولية أو افتتاحية، وذلك بسبب أن الأطراف الدولية والإقليمية باتت هي التي تتحكم بالصراع السوري، في القتال والهدن، في التسوية والصراع المسلح، في تقرير استمرار الصراع أو فرض الانتقال السياسي؛ هذا أولاً.
ثانياً، أن الطرفين المتصارعين لا يستطيع أي واحد منهما التغلب على الآخر، أو فرض الحل الذي يريده، إذ لم يبق للنظام الذي تآكلت قواه، ما يستطيعه في سبيل ذلك، سيما بعد أن بات واضحا أنه أضحى مرتهنا للطرفين الروسي والإيراني. في المقابل فإن المعارضة لم تستطع أن تراكم من القوى ما يسمح لها بإسقاط النظام، وإنهاء الصراع لصالحها، فلا أوضاعها تمكنها، ولا إمكانياتها تتيح لها ذلك، على نحو ما شهدنا من تطورات عسكرية في الفترة الماضية.
ثالثاً، كل ذلك يفيد بأن كلمة السر بشأن وقف الصراع الدامي في سوريا لم تصدر بعد، من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة، وإن هذه القوى لم تصل حتى الآن، إلى القناعة بإمكان إنفاذ مصالحها أو إقناع الأطراف الأخرى بأخذ مصالحها في عين الاعتبار.
في هذا الإطار يمكن استعراض وضعية القوى الفاعلة في الصراع السوري، أي إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة (مع غياب النظام العربي أو تشتت مواقفه). ففي ما يتعلق بإيران فهي باتت تشعر أن وجودها في سوريا بات مهدداً سيما بعد دخول روسيا وتركيا على الخط، خاصة من جهة روسيا التي تعتقد أنها هي صاحبة الكلمة الأولى في سوريا، مع اعتقادها أيضا بأنها هي التي أنقذت النظام من الانهيار وليس إيران. هذا الوضع لا يناسب السياسات الإيرانية في المنطقة، ومع كل الأثمان التي دفعتها هذه الدولة التي تمتلك الحجم الأكبر من القوى الخارجية في سوريا، مع ميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية، ومع كل الدعم المادي الذي أغدقت به على النظام.
تركيا تعتقد أن أي بحث في صيغة لسوريا المستقبل ينبغي أن يأخذ في الاعتبار مصالحها كدولة جوار واعتباراتها الأمنية، وبالأخص منها الحؤول دون قيام منطقة حكم ذاتي كردية في الشمال السوري، تحديدا في غرب الفرات، وهذا ما حاولته بإطلاقها عملية درع الفرات، أواخر الشهر الماضي، وما تحاوله من خلال ضغوطها للمشاركة في معركة إخراج داعش من الرقة.
روسيا غير متيقنة بعد ما إذا كانت مصالحها في سوريا باتت مترسخة وتلقى قبولاً من المجتمع الدولي، مع وجود منافستها القوية إيران، ثم الولايات المتحدة التي تبعث رسائل غامضة، توحي أحيانا بأنها تستدرج روسيا للمزيد من التورط في سوريا وتركها لتتدبر أمرها وحدها، في حين توحي أحيانا أخرى أنها تأخذ مصالحها بالاعتبار وأنها توكلها في إدارة الملف السوري.
من كل ذلك يمكن الاستنتاج أن الولايات المتحدة هي الدولة التي تملك كلمة السر لوقف الصراع الجاري في سوريا، وأنها الدولة الأكثر قدرة على فرض الحل الذي تريده على مختلف الأطراف الداخليين والخارجيين، وهي الدولة التي تملك إمكانيات استثمار هذا الصراع بل وتوزيع هامش تدخّل الأطراف الآخرين، أو حصصهم من النفوذ، من مدخل الصراع أو التسوية السوريين.
بيد أن المشكلة أن الولايات المتحدة مازالت لم تحسم أمرها في هذا الأمر، وأنها غير مستعدة على ما يبدو للدخول في مساومات مع الأطراف الآخرين، ولا سيما مع روسيا بخصوص العديد من الملفات. يخشى على ضوء ذلك أننا سنشهد لاحقا جنيف 6 و7 و8 الخ وذلك بانتظار كلمة السر الأميركية.
تقوم إيران بكل ما تستطيعه لإحداث تغيير سكاني واسع بين دمشق وبيروت، وصولا إلى القلمون الغربي، مرورا بسرغايا ومضايا وبلودان والزبداني وحدودها مع لبنان، استكمالا للتغيير السكاني بين العراق ودمشق الذي يبقي طريق طهران/ ضاحية لبنان الجنوبي مفتوحةً أمام عسكرها وحزب الله وغيره من مرتزقتها. وهناك تسريباتٌ عديدة حول تمسّك حسن نصر الله بوضع طريق دمشق/ بيروت تحت إشرافه بعد إنجاز الحل السياسي. وعقد "هدنة" مع القلمون الغربي، تمكن السكان من ممارسة حكم محلي، ليس النظام مرجعيته، بل حزب الله، الذي سيمسك بمفاصل المنطقة الأمنية والإدارية. هناك، أيضا، معلومات حول وصول إيرانيين إلى دمشق ومحيطها. ويعني استيطانهم فيهما تنظيف المنطقة عقديا وتطهيرها عرقيا، وانتفاء أي تهديد للحضور الإيراني على محور مزار الشريف/ بيروت، وطريق دمشق/ بيروت ومنطقة القلمون التي تشهد إنشاءات طوبوغرافية، لم يسبق للسوريين أن شاهدوا مثيلا لحجمها، تنفيذا لمخطط متفقٍ عليه بين الأسد وطهران، يفرغ المنطقة تدريجيا من سكانها الأصليين، أو يجبرهم على الرضوخ لما تريده إيران، من خلال تعريضهم لضغوطٍ منها تقديمهم إلى محكمة الإرهاب وإدانتهم ومصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، ثم بيعها "بطرقٍ قانونية" إلى الإيرانيين والوافدين إليها من جنوب لبنان الذين سيشكلون، عندئذٍ، كتلة سكانية متجانسة، وكتيمة تغطي وجود الحزب والحرس الثوري بكثافة ثقلها البشري، وتحقق التبدل العقدي والبشري المطلوب لعزل المناطق المعنية عن سورية، تمهيدا لدمجها في نسيج مجتمعي/ جغرافي، يختلف عن نسيجها الراهن، انطلاقا من أساسين وضعهما بشار الأسد، وقال في أولهما إن السوري ليس من ولد وعاش في سورية ويحمل جنسيتها، بل من يدافع عن نظامها. وقال في ثانيهما إن عمليات الهدن والترحيل القسري التي طاولت تسعة ملايين مواطنة ومواطن من سورية أدت إلى "تحسين نسيج سورية الاجتماعي".
بالمعيار الأول، يصير الإيراني الذي يقتل الشعب السوري سورياً، ويغدو المواطن السوري أجنبيا يجب ترحيله بالقوة من وطنه، ونزع جنسيته، ويصير تهجير نصف الشعب "خطة وطنية" مدروسة، هدفها تحسين النسيج السكاني للبلاد. والحال لا بد من ملاحظة اندراج "الهدن" التي تفرضها الأسدية على مناطق تنفرد بها وتفتك بأهلها، ضمن الترحيل القسري الذي تفرضه بالحصار والتجويع والقصف العشوائي بالبراميل المتفجرة، وتفضي إلى إفراغ قرى وبلدات ومدن كثيرة من سكانها.
هذا التطور الذي يغير ما أنتجه تاريخ سورية على صعيد بنيتها البشرية، بقوة المذهبية الإيرانية/ الأسدية، يبدو أنه سيلاقيه، بعد اليوم، تطور سيترتب على مذهبية أحد تنظيمات الإرهاب، عنيت "جبهة النصرة" التي عقدت اتفاقا مع إيران حول ترحيل قسري لمواطنين سوريين من ريف دمشق والقلمون إلى كفريا والفوعة، ومن هاتين القريتين إلى ريف دمشق، والسؤال هو: من فوّض الجبهة بتغيير وتدمير حياة أكثر من مائة ألف مواطن يعيشون في ريف دمشق وإدلب؟ وهل أهالي كفريا والفوعة إيرانيون كي تقرّر طهران ترحيلهم عن بيئتهم التاريخية، وإخراجهم من موطنهم الأصلي، وإعطاءهم موطن سوريين آخرين، لحساباتٍ تتصل بمصالح إيران وخططها، سيكونون ضحاياها الأبديين بما تضمره من تلاعبٍ بحياة شعبهم، الذي يمثل جريمةً ضد الإنسانية، لا تقرها قوانين أو أعراف أو قيم دينية أو دنيوية، لن يبقى بعدها أحد من مواطني المنطقتين الأصليين في بيته، بسبب الضغوط التي سيتعرّض لها، وستخيره بين قبول الرحيل القسري والإعدام كإرهابي أو الانضمام إلى شبيحة النظام ومرتزقته، والقتال ضد رفاق الأمس في الجيش الحر، مثلما حدث بعد هدنٍ عديدة، حولت قسما كبيرا من مقاتلي الغوطة الغربية إلى مرتزقةٍ، يقاتلون رفاق الأمس في القابون وبرزه وجوبر والقلمون ... إلخ.
بالترحيل القسري للسكان من ريفي دمشق وإدلب، يقع اختراق قاتل، سيساعد الأسد على استعادة كل شبر من سورية، كما وعد أخيراً. والآن، من كان يصدق أن جبهة النصرة التي قضت على فصائل كاملة من الجيش الحر، بحجة التعاون مع الخارج والتهاون حيال "الرافضة"، هي التي ستتفق مع "رافضة" طهران على ترحيل سوريين من أرض سفك الآلاف منهم دماءهم كي تظل حرة؟
هذه بعض ثمار التمذهب السامة التي لا عذر لمن ينخدع بعد اليوم بها، وبمن يمارسونها؟
تؤكّد من جديد مجريات التفاوض بين النظام السوري والمعارضة في جنيف أنها مجرّد جلساتٍ غايتها صورة إعلامية تزيح الكاميرا عن المكان الحقيقي الذي يجري فيه التنازع بين الأطراف الدولية والإقليمية، في ملفاتٍ كثيرة، تستخدم فيها الحرب السورية أداة ضغط لتعزيز المكانة والنفوذ داخل سورية.
لم يعد الصراع في سورية فقط بين السلطة والمعارضة، أو بين النظام وأغلبية السوريين، بعد أن أضحى الصراع "على سورية" يسبق مسألة "الصراع في سورية" ويغلبها، إذ صار اللاعبون الخارجيون أكثر تقريرا بمصير الصراع السوري من الفاعلين الداخليين؛ أي النظام والمعارضة بكل تلاوينها وأشكالها. أكثر من ذلك، أصبح الفاعلون الداخليون مجرّد أدوات ضغط بيد الخارج، وباتوا، في نظر بعض أطياف المعارضة، بمثابة عبء على الثورة وسلاح ضدها وليس معها.
وقد كنا شهدنا، خلال السنوات الماضية، انزياحات لأدوار دول وتقدم لأخرى، وما ذلك إلا بدفعٍ من القوة الأكثر تأثيراً لتوريط هذه الدول، وجعلها في مواجهة بعضها بعضاً، داخل المساحة السورية. وعلى هذا، يمكن ملاحظة عدة متغيرات في الصراع الدولي والإقليمي على سورية:
أولاً، دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط الصراع المباشر بأدوات عسكرية على الأرض السورية، حيث توجد قواتها، لا سيما في شمال سورية وشرقها. وبهذا، نجد أن الولايات المتحدة تعيد، في كل مرة، جدولة الأولويات، حسب ما يتفق والدور الذي ترغب به، موضحةً بذلك أنها ستبقى اللاعب الأساسي الذي يقرّر تموضعات بقية اللاعبين، بل وحصصهم داخل الملفات، أو حتى خارجها، وهي بذلك لا تمارس دورها باعتبارها "ضمير العالم"، حسب تصريح مندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة، بل تمارس دورها العسكري في قيادة العالم، حيث رغباتها ومصالحها؛ بما فيها مصالح إسرائيل المعنية بحمايتها مباشرة.
ثانياً، إعلان تركيا وقف عملية "درع الفرات" التي بدأتها أواخر العام الماضي، بعد استنفاد أغراضها، حسب تصريحها، ولا سيما بخصوص الحؤول دون قيام منطقة حكم ذاتي كردية غرب الفرات. وعلى الأرجح، كان هذا القرار تعبيراً عن تفاهمات دولية جديدة، تعيد صياغة حجم الأدوار المسموح بها لكل الأطراف حدودياً أو داخل الأراضي السورية.
ثالثاً، فشل روسيا بفرض حل من طرف واحد من دون العودة إلى الإدارة الأميركية، على الرغم من الاتفاقات الروسية التركية الإيرانية، وهو ما استوجب تعطيل مفاوضات أستانة منتصف شهر مارس/ آذار، ولاحقاً حالة الجمود في مفاوضات جنيف 5.
رابعاً، تبلور نوع من توافق دولي وإقليمي على تحجيم دور إيران في العراق وسورية، علما أن هذا التوافق ينسجم مع طموح روسيا بالاستفراد بتقرير مصير سورية، باعتبارها منطقة نفوذ روسية.
ووفقاً لما تقدّم، إننا أمام خريطة حل جديدة، ربما تستغرق وقتاً أطول في استمرار الصراع لتصفية نفوذ الأطراف، وليس لتقوية طرفٍ على حساب آخر، كما يتصور بعض النظام، أو بعض المعارضة المسلحة، كما يجري الآن في هذه المعركة أو تلك. وقد أثبتت الأحداث، منذ معركة حلب وحتى معركة دمشق (أخيرا)، أن الانتصارات والهزائم تتساوى في معادلات الصراع الذي تم تدويله، واستخدمت الأطراف المحلية (نظام ومعارضة) فيه وقوداً في معركة التحاصص الدولية والإقليمية.
ومن المؤسف أن "المعركة" التفاوضية الحاصلة في جنيف أيضاً هي مجرد استمرار لعملية التدويل الجارية. لذا، ليست حصّة المعارضة السياسية فيها أوفر حظاً من حصة رديفتها العسكرية، حيث المنصات، بكل مسمياتها، تحولت أيضاً أدوات، كما الفصائل تميل حيث يميل هوى الداعمين الدوليين والإقليميين، وهو الآن، حسب المعطيات، ليس بصدد إنتاج حلّ، بقدر ما هو بصدد إنتاج توافق تتحاصص به الدول المعنية، على كل الملفات، من أوكرانيا إلى ملف الغاز مروراً بأمن إسرائيل وترتيبات السلام الشاملة في المنطقة، وصولا إلى الملف الأكثر سخونةً، وهو ملف إعادة الإعمار في سورية. ويذكر أن هذه هي "السلة الخامسة" التي لوح بها مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، أخيرا، ولعلها السلة الوحيدة التي يمكنها إنتاج حل يمهد لوقف المقتلة السورية الجسدية، لتبدأ بعدها حفلة التهام الجسد الاقتصادي السوري المستقبلي.
على أي حال، علمتنا السنوات الست الماضية أنه ما من ثابتٍ في العلاقات الدولية إلا المصلحة الاقتصادية، المتغيرة هي أيضاً باستمرار. ولهذا، من المبكّر معرفة طبيعة الأدوار الجديدة المنوطة بكل دولة، والتي تتقارب أو تتباعد مع مصلحة الدولة الراعية لتوزيع الأدوار والغنائم، وحتى توزيع الصراعات في المنطقة، تماشيا مع منطق أن تبقى إسرائيل آمنة، وما يجاورها دولٌ تتصارع حول حقها في الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية، وإعادة استكشاف الوسائل التي تمكن مواطنيها من سد رمق الحياة ليس أكثر، لعقود قادمة تتغير في أثنائها الأولويات، كما تموضع الدول الشقيقة والصديقة والعدوة.
وتبقى روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل، ومعهم الولايات المتحدة، تشد كل منهم الحبال وترخيها في الصراع على سورية، بينما تتحقق الفرصة المتاحة لرسم خريطة حل، ليست هي ما خرج الشعب السوري منادياً بها، وليست سورية القادمة هي سورية التي عمل عليها النظام، تدميراً وتمزيقاً أرضاً وشعباً، كما أنها ليست سورية التي يحاول كل من المعارضة والنظام الإمساك بمقاليد حكمها، وإن توهما ذلك، فهذا صراع على سورية التي لا نعرفها.
ذهبت العلاقات الاميركية - الايرانية الى تصعيد متقدم خرج الى العلن في الساعات الماضية على نحو غير مسبوق منذ أعوام عدة. ومن أحدث الدلائل ما أوردته وكالة أنباء "فارس" الايرانية الرسمية تحت عنوان: "وزير الدفاع الايراني: العسكريون الاميركيون في الخليج الفارسي لصوص مسلحون". الظروف المباشرة التي جاء فيها كلام الوزير الايراني العميد حسين دهقان مرتبطة بشهادة قائد القيادة المركزية الاميركية جوزف فوتيل أمام مجلس النواب حيث عرض لنشاطات إيران في تهريب الاسلحة الى الحوثيين في اليمن وتهديد الملاحة عند مضيق هرمز ومضيق باب المندب، قائلا: "إن هدف إيران هنا هو الهيمنة الاقليمية. إنهم يريدون ان يكونوا القوة السائدة في المنطقة".
أما الظروف المتزامنة مع هذا التصعيد في العلاقات بين طهران وواشنطن فترتبط بالتصريح المفاجئ للسفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي التي قالت إن "أولويتنا لم تعد إبعاد الاسد عن السلطة"، وهو موقف يمثل بحسب المراقبين تغييرا كبيرا عن موقف إدارة الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما من القضية. وكان من المفترض ان يثير هذا التحوّل في الموقف الاميركي إبتهاجا في طهران التي تقاتل بضراوة من أجل بقاء رئيس النظام السوري في منصبه. لكن واقع الامور يشير الى تحوّل في الميدان بما لا تشتهيه سفن الجمهورية الاسلامية، إذ نقلت وكالة أنباء الاناضول التركية عن رئيس الشؤون الاستراتيجية في "معهد الدراسات السياسية والدولية" التابع لوزارة الخارجية الايرانية مصطفى زهران في مقال نشره على موقع "ديبلوماسي إيراني" قوله ان بشار الاسد "يدير ظهره لإيران ويتجه الى روسيا". إن كلاما إيرانيا من هذا النوع ينطوي على خيبة أمل بدأت تتسرب الى المشروع الطموح للمحافظين الايرانيين والذي يسعى الى نفوذ امبراطوري يمتد من بحر قزوين الى البحر المتوسط.
لا يستطيع المرء التكهن بما سيؤول اليه التصعيد اللفظي بين إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وبين المرشد الايراني الامام علي خامنئي. لكن الامر مفتوح على كل الاحتمالات بما في ذلك احتمال الاشتباك الميداني الذي هو في المرحلة الراهنة مرجّحا أن يكون غير مباشر على امتداد الساحات من اليمن الى العراق فسوريا وانتهاء بجنوب لبنان. من أجل فهم الارتياب الايراني بسلوك الاسد أكثر، تفيد معلومات ان موسكو لفتت الرئيس السوري أخيرا الى ضرورة الانضباط في مسار الحل الذي يجري صوغه بين روسيا والولايات المتحدة. وتلمّح هذه المعلومات أيضا الى أن الاشتباكات التي وصلت أخيرا الى داخل دمشق تمثل أحد أوجه الضغط الذي مارسته إدارة الرئيس فلاديمير بوتين على الاسد من خلال التراخي في الدفاع عن العاصمة السورية، مما يشكل تنبيها الى ما ستنتهي اليه الاحداث إذا ما قررت موسكو إدارة الظهر لحليفها السوري. كأننا نفهم من كلام وزير الدفاع الايراني أن الاميركيين "لصوص سرقوا الاسد أيضا"!
لم يكشف الربيع العربي، وبخاصة في سورية والعراق، جديداً تماماً في ما يتعلق بموقف «القوميين واليساريين» العرب، لكنه فضح هذا الموقف بشكل غير مسبوق. موقف هؤلاء من إيران يقدم نموذجاً عملياً أمثلته كثيرة. دونك مثلاً موقف الرئيس السوري بشار الأسد، وهو الأمين العام لـ «حزب البعث العربي الاشتراكي» في «القطر» السوري. منذ اليوم الأول لتوليه السلطة عمل الرئيس على تقوية علاقته بإيران، وأعطى هذه العلاقة أولوية على علاقاته العربية. يقال إنه فعل ذلك لأنه لم يعد مطمئناً لدعم «إخوانه» العرب، وبخاصة بعد الغزو الأميركي للعراق.
تضاعفت حاجة الأسد إلى إيران بعد وصول موجة الربيع العربي إلى سورية. وكانت الاستعانة بإيران عسكرياً ومالياً وسياسياً لمواجهة الثورة منذ يومها الأول. لم يستعن الأمين العام لحزب «البعث العربي» بأي دولة عربية، بما في ذلك العراق وهو تحت النفوذ الإيراني (بدأت الاستعانة بالميليشيات العراقية بعد صيف 2014 عندما استولت «داعش» على مدينة الموصل). الشاهد هنا أن رئيس «القطر» السوري وهو يعمل بشعار الحزب «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، لم يكن في وارد توحيد شعبه والتواصل معه بعد الزلزال. كانت أولويته العلاقة مع إيران. وانتهى الأمر به أن أعاد سورية مسرحاً لصراعات إقليمية ودولية، تعج بمختلف الجيوش والدول والميليشيات والأحزاب، وأعاد احتمال تقسيم سورية من جديد.
يمثل الأسد نموذجاً لطبقة سياسية تمسك بالقرار داخل سورية وخارجها. هناك الطبقة السياسية التي تحكم العراق منذ سقوط النظام السابق على يد الأميركيين. إيران هي القاسم المشترك بين «القطرين» السوري والعراقي. ثم هناك موقف المثقفين الذين يحسبون أنفسهم على التيارين القومي واليساري. وأمثلة هؤلاء كثيرة ينتمي أغلبها إلى ما يعرف عربياً بفسطاط «الممانعة»، وهو فسطاط يعتمد على إيران وحساباتها، وليس على «الوطن العربي» وهمومه. سأتفادى إعطاء أسماء هنا حتى لا يأخذ الحديث طابعاً شخصياً. خذ مثلاً كاتب يعتبر نفسه قومياً حتى العظم، وينتمي بثقافته ومفرداته إلى مرحلة ستينات القرن الماضي. كان رئيس تحرير لصحيفة اضطرت إلى التوقف. منذ أن انفجر الربيع العربي كانت كل مقالات هذا الكاتب تقريباً تعبر عن خوف متمكن من أن يؤدي هذا الربيع إلى تنحية روابط الهوية العربية لمصلحة الإسلام السياسي. في الوقت ذاته، وبتأثير وهج الثورات، لم يتردد في الاعتراف بأنه ليس «في الأرض العربية من أدنى مشرقها إلى أقصى مغربها نظام يستطيع الادّعاء أن ممارساته مطابقة للشعارات التي يرفعها، لا فرق بين جمهوري وملكي وجماهيري وسلطاني، ويساري اشتراكي ثوري، ويميني رجعي إمبريالي»، وهو اعتراف «للمراوغة» فرضته ظروف الثورة، أكثر منه قناعة واعية وراسخة، لأن الكاتب نفسه يعاني من ظاهرة عدم التطابق هذه. مع الجملة السابقة يتركز هاجسه على ما يسميه بـ «الملكيات المذهبة» بالنفط. وهو تعبير هجائي بصيغة حداثية لفكرة قديمة لـ«عروبيي» الستينات عن الملكيات الرجعية. يتكامل مع ذلك أنه مع خوفه على الهوية القومية العربية، تغيب إيران ودورها التخريبي المناهض للعروبة عن كل مقالاته تقريباً. كأن هذا «العروبي المعتق» لا يرى بحدقته القومية أي وجود أو دور لإيران والميليشيات الشيعية التابعة في ما يحدث في المنطقة قبل وأثناء الربيع العربي، وبخاصة في العراق وسورية.
مثال آخر مختلف لأستاذ جامعي مصري محترم في العلوم السياسية وينتمي إلى التيار الناصري، يشترك مع بقية القوميين العرب في تغييب إيران ودورها عن كتاباته، لا يريد كما يبدو تحميلها أي مسؤولية في الحرب الأهلية في كل من العراق وسورية، ولا يريد تبرئتها تماماً، وموقفه مرتبك. يتفادى هذا الأكاديمي أيضاً التركيز على الدور السعودي، ربما من باب تحقيق التوازن في موقفه من الرياض (العاصمة العربية) وطهران (العاصمة غير العربية). كتب قبل سنوات مقالة في صحيفة «المصري اليوم» يعترض فيها على زيارة الرئيس السابق محمد مرسي للسعودية في صيف 2012، وذلك باعتبارها الزيارة الأولى له خارج مصر. قدم مبررات رفضه، وكان أغربها وأكثرها تناقضاً مع خطه السياسي قوله: «كما كنت أفضل ألا يزور الرئيس المصري السعودية قبل أن تكون مصر استعادت علاقتها الدبلوماسية الكاملة مع إيران». هكذا يرهن كاتب ناصري العلاقة بين دولتين عربيتين للعلاقة مع دولة غير عربية وتلعب دوراً مناهضاً للعروبة التي يؤمن بها.
يقال أحياناً إن تفسير مثل هذه المواقف الصارخة في تناقضاتها يكمن في أن أصحابها أسرى حال كراهية نفسية مترسبة لديهم تجاه السعودية على خلفية الصراع السعودي المصري إبان ما كان يعرف بالحرب العربية الباردة في ستينات القرن الماضي، وإذا كان هذا صحيحاً، وهو احتمال وارد جداً، فإنه يعبر في أحسن الأحوال عن سذاجة سياسية وعن هشاشة الرؤية القومية قبل أي شيء آخر. ومع أن هذا عامل مشترك، إلا أنه لا يعني أن القوميين العرب كتلة واحدة، فبعضهم حين يتفادى اتخاذ موقف نقدي من إيران، إنما يفعل ذلك تفادياً لأن يؤخذ هذا على أنه تأييد للسعودية، واعتراف بأنها الطرف العربي الذي يقود المواجهة مع إيران في المنطقة. كان بإمكان هؤلاء، بالمعيار القومي، إعلان رفضهم الدور الإيراني وتوظيفه الطائفية وتحالف الأقليات لإعادة تأسيس السلطة في سورية والعراق واليمن، بما يشكل تهديداً للدولة الوطنية العربية، ولفكرة القومية العربية. في الوقت ذاته، كان بإمكانهم عدم السماح بتجيير هذا الموقف لمصلحة السعودية إذا كانوا يرون ذلك، لكنهم لم ولن يفعلوا لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه.
البعض الآخر يجمعون الانتهازية السياسية إلى النفاق القومي. لا يمكن اتهام هؤلاء بالسذاجة، لأنهم يتخذون القومية لبوساً لشيء آخر. حزب البعث السوري بقيادة الأسد، وأغلب مثقفي «الممانعة» في الشام خير معبر عن ذلك. بالنسبة إلى هؤلاء، الانتماء إلى حزب البعث ليس تماماً انتماء إلى أيديولوجيا القومية العربية كما يقولون بها، ولا للفكر الاشتراكي، هو غطاء للبحث عن مساواة ليست طبقية، بل مذهبية تكرس المذهبية بما يسمح بتحالف الأقليات أمام الأغلبية السنية في سورية، ثم على مستوى العالم العربي. أما في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي، حيث لا أغلبية سنية، بل كما يقال أغلبية شيعية، فهناك طائفية معلنة بشكل سافر لا تأخذ بفكرة تحالف الأقليات بعد.
المدهش أن كل هذا حصل ويحصل للعالم العربي بدعم وتشجيع معلن من إيران، وبعد ضجيج قومي صم الآذان ولم يفرض نفسه على الجميع كإشكال مقلق. يا ترى كيف؟ ولماذا؟