هل نشهد حربا بين تركيا وأمريكا في منبج؟
هناك بعض الجهات التي رغبت في إطالة مدة عملية عفرين وسقوط عدد كبير من الشهداء الأتراك وبالتالي دفع تركيا للقلق والتشاؤم، لكن عندما تمكنت القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر من السيطرة على مركز عفرين في مدة شهرين باءت هذه الجهات بالفشل.
تأسيس الكانتونات في مناطق جيزرة وكوباني -عين العرب- وعفرين في شهر يناير/كانون الثاني سنة 2014 وإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي عن تأسيس دولة مستقلة في الأراضي السورية في شهر يونيو/حزيران سنة 2015 وتخلي داعش عن منطقة تل أبيض وتسليمها لوحدات الحماية الشعبية دون أي مقاومة عقب انتخابات 7 يونيو/حزيران التركية، جميع هذه التطورات كانت تشير إلى ضرورة تدخّل تركيا في مجرى أحداث القضية السورية، لأن احتمال اتحاد مناطق جيزرة وكوباني وتل أبيض يشكّل مرحلةً هامة في إطار تأسيس الممر الإرهابي، وذلك يعني استعادة المناطق الممتدة من جرابلس إلى الباب تحت مسمى الصراع ضد داعش وتسليم هذه المناطق لحزب الاتحاد الديمقراطي وبالتالي اتحاد عفرين وكوباني في النهاية.
كما يجب التذكير بمحاولة بي كي كي لنقل الحرب السورية إلى تركيا عقب سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على منطقة تل أبيض، وذلك من خلال إفساد الهدنة المعقودة مع بداية مرحلة إيجاد الحل المطروحة من قبل الحكومة التركية، وهدف بي كي كي من ذلك هو تأسيس ممر إرهابي في الجنوب الشرقي للدولة التركية وبالتالي تأسيس دولة مستقلة تحت سيطرة بي كي كي.
أدت الهجمات الإرهابية المنفذة من قبل داعش وبي كي كي ضد الدولة التركية إلى بداية صراع مكثف ضد الإرهاب في الداخل التركي، وأدى هذا الصراع إلى إيقاف مداخلات تركيا في مجرى الأحداث السورية، كما أن تسرّب عناصر تنظيم الكيان الموازي إلى كوادر القوات المسلحة التركية كان يشكّل عائقاً هاماً في وجه تدخّل تركيا في الحرب السورية، لكن عندما أدى ثبات الرئيس التركي أردوغان وإصراره على موقفه إلى فشل هذه المخططات جاءت حادثة إسقاط الطائرة الروسية لتدفع الدولة التركية إلى الدخول في حرب جديدة ضد روسيا، وكذلك استمرت محاولات إبعاد تركيا عن التدخّل في التصميم المخطط له حيال الأراضي السورية، كما أن الجهات المعارضة للرئيس أردوغان في الداخل التركي ساهمت في هذه المحاولات أيضاً، إذ حاولت هذه الجهات خداع الرأي العام التركي وإبعاده عن حقائق الأحداث السورية من خلال نشر الإشاعات التي تشير إلى أن الدخول إلى سوريا يعني الوقوع في فخ وأن الرئيس أردوغان يحاول خلق حرب جديدة وأن تركيا لا شأن لها في مجرى الأحداث السورية، وبالفعل تمكنت الجهات المعارضة للرئيس أردوغان من الاستمرار في خداع الرأي العام لمدة طويلة.
أدّى تحوّل روسيا إلى قوة جوية تابعة للنظام السوري ووجود احتمال نشوب حرب جديدة بين الدولتين التركية-الروسية في حال تدخّل تركيا في القضية السورية إلى إعاقة تقدّم الدولة التركية لمدة طويلة، لكن في سنة 2016 توضّح أنه لا يمكن لأنقرة الاكتفاء بمشاهدة التطورات التي تشهدها الحرب السورية، وبالتالي جاءت الخطوات الأولى في سبيل تحسين العلاقات التركية-الروسية في شهر مايو/أيار، وبدأ التقارب بين الحكومتين في شهر يونيو/حزيران، وبعد مرور شهر على هذا التقارب تعرضت الدولة التركية لمبادة انقلاب 15 يوليو/تموز، لكن لم تكن محاولة الانقلاب المنفذة من قبل تنظيم الكيان الموازي مجرّد صدفة، بل كانت تهدف إلى القضاء الرئيس أردوغان وبالتالي إضعاف الدولة التركية وإبعادها عن الدخول إلى سوريا، لكنهم فشلوا في ذلك بسبب وقوف الشعب التركي إلى جانب الحكومة والرئيس أردوغان.
وبعد مرور 40 يوماً على محاولة الانقلاب أعلنت الحكومة التركية عن بداية عملية درع الفرات قبيل قدوم "جوي بيدين" مساعد الرئيس الأمريكي أوباما إلى أنقرة، وبذلك أوضحت الحكومة التركية لأمريكا أن المحاولات التي تبادر بها واشنطن لن تستطيع منع تدخّل تركيا في أحداث الحرب السورية، لكن ذلك لم يكن كافياً لإيقاف أمريكا.
مع تقدّم القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر إلى أطراف مدينة الباب السورية جاءت حادثة اغتيال السفير الروسي "أندريه كارلوف" في العاصمة أنقرة، وبذلك حاولوا دفع تركيا للدخول في حرب ضد روسيا مرة أخرى، لكن تمكنت الحكومتان التركية-الروسية من الوقوف في وجه هذا المخطط من خلال إدراك وجود أيد أخرى خلف هذه الحادثة والحفاظ على الهدوء خلال المباحثات التي جرت في خصوص حادثة اغتيال السفير الروسي، ولم تكتف الحكومة التركية بذلك، بلا حافظت على استمرار عملية درع الفرات وبالتالي انتهت العملية بدخول القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر إلى بلدة الباب.
ومع استمرار القوات المسلحة التركية وقوات الجيش السوري الحر في التقدّم نحو عفرين أدى هذا التوسّع السريع إلى دفع أمريكا للتساؤل حول دخول تركيا إلى منبج أيضاً.
إن ما تقوم به تركيا في الداخل السوري لا يقتصر على الوقوف في وجه تأسيس ممر إرهابي فقط، إنما يشكّل حاجزاً يمنع تقدّم نظام الأسد نحو الشمال السوري أيضاً، ويمكن القول إن الخطوات التي ستُتخذ في سوريا ستكتسب وضوحاً أكثر بناءً على نتائج الاجتماع الذي سيٌعقد في مدينة اسطنبول التركية في 4 أبريل/نسيان بين الرؤساء أروغان-بوتين-روحاني.
هل ستحاول الجهات التي دفعت تركيا إلى الدخول في حرب ضد روسيا إعادة السيناريو ذاته ولكن هذه المرة ضد أمريكا في منبج؟ أي هل ستبادر الجهات التي فشلت في تأسيس ممر إرهابي في الشمال السوري بإعادة تحويل مجرى الأحداث لصالحها من خلال دفع الدولة التركية في حرب جديدة ضد أمريكا؟