مقال الوزير ظريف.. حين تناقض أقوال إيران أفعالها
قرأت باهتمام ما كتبه وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية محمد جواد ظريف في موقع الجزيرة نت تحت عنوان: "إيران وجيرانها العرب.. ما الذي يجمعنا؟" ومن يقرأ مقال الوزير ظريف يتأكد أنه يروج -كما يقول المثل المعروف- لبضاعة بالية مغلفة بورق جديد.
لطالما كرر الإيرانيون منذ عقود هذه المقولة حول التعاون والعمل المشترك والمصالح المشتركة وتشكيل نظام أمن إقليمي بعيدا عن أطماع ومشاريع القوى الكبرى التي تحملها إيران وقبلها عراق صدام حسين مسؤولية الكوارث والمآسي التي تعيشها المنطقة.
لكن ترويج الوزير ظريف لهذه الأفكار لا يُقنع أحدا، لأنها تفتقد للمصداقية وتناقض سجل إيران الزاخر بعكس ما يقوله ويروج له الوزير في عامه الخامس؛ حيث زادت عزلة إيران المأزومة في محيطها الخليجي والعربي وحتى الإسلامي لفقدان نظامها للنموذج الناجح الذي يمكن أن يقنع الآخرين بقوة إيران الناعمة.
شعبية إيران اليوم في محيطها الخليجي والعربي في أدنى مستوياتها بسبب ما يشاهده العربي العادي من توغلها وتدخلها الفج في الدول والحواضر والمدن العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومن خلاياها الإرهابية والتجسسية في الكويت والبحرين والسعودية والإمارات.
ما كان ملفتا في مقال وخطاب الوزير ظريف تأكيده مد يد إيران للعرب مجددا وأنها لا تناور في خيار كهذا لأنه خيارها الإستراتيجي، وأن الخلاف مع العرب لا يفسد للود قضية. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصبو -في اقتراحاتها للهندسة الإقليمية الجديدة- إلى تحقيق المصالح المشتركة لجميع دول المنطقة بغض النظر عن الخلافات والاختلافات.
من يقرأ ما كتبه وزير الخارجية الإيراني يظن أنه يتكلم عن نظام يحترم سيادة الدول ولا يتدخل في شؤونها ولا يملك مشروع توسع وهيمنة على المنطقة ولا يصدر الطائفية والمليشيات الطائفية ولا يفاخر أركان نظامه من المؤسسة الدينية والحرس الثوري ونواب في مجلس الشورى بأنهم يسيطرون عن طريق أذرعهم وحلفائهم على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وأن حدود إيران وصلت للمرة الأولى منذ عهد الإمبراطورية الفارسية قبل 1500 عاما إلى البحر المتوسط. وكما فاخر علي يونسي مستشار الرئيس حسن روحاني المعتدل أن إيران أصبحت إمبراطورية وعاصمتها بغداد!
تطورت نظريات النظام الإيراني المتعلقة بقيادة العالم الإسلامي سواء عبر نظرية "القومية الإسلامية" أو عبر نظرية "تصدير الثورة" أو "نظرية أم القرى". وهذه النظريات والفكر العقائدي للنظام موثق في الدستور بنصرة "المستضعفين" دون تحديد من هم هؤلاء المستضعفون ومذهبهم.. وكان ذلك واضحا في دعم النظام في إيران والمرشد الأعلى لجميع انتفاضات الربيع العربي منذ عام 2011، في تونس ومصر واليمن وحتى -كما ادعوا- في البحرين، ولكن في سوريا كانت مؤامرة وليست حراكا أو ثورة.
وفي هذا السياق نذكر ما تنبأ به يحي صفوي مساعد وكبير مستشاري المرشد الأعلى في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 بأنه "ستُشكل حكومة إسلامية عالمية مركزها إيران نتيجة التراجع الأميركي على الصعيدين السياسي والعسكري!".
هذا الفكر الخطير يهمش القوى العربية والإسلامية ويضع إيران في مركز وقيادة العالم الإسلامي، وهو فكر لا يخضع الولاء فيه للوطن، مستمد من "نظرية أم القرى" التي قدمها محمد جواد لاريجاني، والتي تُنظر لتحويل إيران إلى مركز الإسلام العالمي وتشكيل أمة إسلامية وصهر وتوحيد الشعوب بشكل عابر للحدود والجغرافيا، على أن تكون (الأمة) تحت قيادة ولي الفقيه وتصبح إيران مركز العالم الإسلامي. وهنا تلتقي نظرية أم القرى مع نظرية تصدير الثورة.
ويتوافق هذا التنظير مع تصدير إيران للثورة والسعي للهيمنة والتمدد وتدريب وتسليح مليشيات تحضرها وتسلحها إيران من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان ليقاتلوا في العراق من أجل حماية نظام يفتك بشعبه في سوريا ويقوم بتهجير مذهبي و"ترنسفير" ممنهج في الغوطة والشرقية وقبلها في الزبداني والقصير وحمص وحماة وحلب وغيرها. ويتفقد قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قواته والمليشيات التي تقاتل تحت لواء إيران في سوريا والحشد الشعبي في العراق.
لهذا السبب شدد الأمير محمد بن سلمان عندما كان وليا لولي العهد في مايو/أيار 2017 "على عدم وجود نقاط للتفاهم مع النظام الإيراني القائم على أيديولوجية متطرفة، منصوص عليها في دستوره ووصية الخميني، بأنه يجب السيطرة على مسلمي العالم الإسلامي.. نحن الهدف الرئيسي للنظام الإيراني، وهو الوصول إلى قبلة المسلمين، ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل نعمل على أن تكون المعركة لديهم في إيران."
معضلة إيران أنها بعد نحو 39 عاما من الثورة لم تحسم أمرها ولم تتحول إلى جمهورية أو دولة طبيعية يمكن التعايش معها بشكل طبيعي كما تتعامل الدول مع بعضها البعض؛ فهي ما زالت تتحرك بفكر ثوري منصوص عليه في الدستور الإيراني، ولديها حرس ثوري عبارة عن دولة داخل دولة، تنفق عليه أكثر من 6 مليارات دولار سنويا.. بل تسعى لاستنساخ حرس ثوري آخر في العراق ممثلا بالحشد الشعبي، وكذلك لاستنساخ حزب الله آخر في اليمن من الحوثيين على حدود السعودية وعمان.
الواقع أننا نعيش في حرب باردة بين معظم أركان الطرف العربي وإيران وصلت لقطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والسودان من جهة وإيران، أما على مستوى الجوار الخليجي الإيراني فقد قُطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد الاعتداء على مبنى السفارة السعودية والقنصلية السعودية في مشهد في يناير/كانون الثاني 2016.
وجاء ذلك بعد إعدام السعودية لمدانين سعوديين بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، حيث احتجت إيران على خطوة الإعدام (ألا يمثل ذلك تدخلا في الشأن الداخلي للسعودية؟) فقطعت السعودية والبحرين علاقاتهما الدبلوماسية مع إيران، وخفضت الكويت وقطر والإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع إيران واستدعت سفراءها من طهران.
وفي قمة منظمة التعاون الإسلامي في أبريل/نيسان 2016 في إسطنبول وفي سابقة من نوعها ندد البيان الختامي للقمة الإسلامية بإيران لتدخلها في الشأن السعودي، وهو ما دفع بالرئيس روحاني والوفد المرافق له لمغادرة قاعة الاجتماع احتجاجا.
وهكذا، فإن تصرفات إيران الخارجية لا تؤهلها لتكون نموذجا قياديا مقنعا بسبب سلوكها، ومساهمتها بقتل العرب في سوريا والعراق ودعم نظام كنظام الأسد، والتدخل في شؤون الدول العربية بشكل سافر يهدد أمن الدول والأمن القومي العربي ككل. بالإضافة إلى حقيقة أن إيران مأزومة ومقاطعة خليجيا وعربيا وإسلاميا.
ويرى كينيث كاتزمن الخبير في شؤون الخليج العربي في مركز أبحاث الكونغرس الأميركي أن "سياسة إيران الأمنية هي نتاج عوامل عديدة وأحيانا متصارعة" بين أجنحة ومؤسسات الحكم في إيران"، منها العامل الإيديولوجي للثورة الإسلامية، وتصورات إيران لتهديد النظام والدولة ومصالح إيران. كما أن إيران مصنفة من الولايات المتحدة الأميركية "الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم وتدعم مليشيات مسلحة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ومليشيات شيعية في العراق وجماعات في البحرين، وبعض تلك المليشيات مصنفة إرهابية وقامت بأعمال إرهابية. كما تدعم إيران نظام الأسد في سوريا ولديها وجود عسكري كبير هناك." وهناك نقاش حول بناء إيران لقواعد عسكرية في سوريا.
ثم يأتي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ويحاول في مقاله (إيران وجيرانها العرب.. ما الذي يجمعنا؟) التسويق لتلك السياسات بقوله: "بالنسبة لجيراننا العرب ممن نتشارك وإياهم حدودا برية أو بحرية؛ فإن الأمن المشترك يقوم على الالتزام بمعايير مشتركة تكفلها مواثيق الأمم المتحدة كالسيادة، والامتناع عن التهديد باستخدام القوة، وحل الأزمات بشكل سلمي، واحترام سيادة الدولة على أراضيها وحرمة الحدود، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
كيف يستقيم هذا الكلام مع طرد دول خليجية مثل الكويت لدبلوماسيين إيرانيين بعدما أثبتت التحقيقات ودرجات التقاضي في المحاكم على مدى عام، دورا لدبلوماسيين إيرانيين في السفارة الإيرانية بالكويت في دعم ومساعدة الخلية الإرهابية الكويتية؟!
كيف يستقيم ما يقوله الوزير من تطمينات وبناء الثقة مع الواقع وسياسات وسلوك إيران العقائدي والتوسعي الذي يكرسه دستورها ومشروعها؟