معركة هدفها روسيا
ليس الأسد هدف ما تتخذه واشنطن من تدابير عسكرية، وتمارسه من ألاعيب نفسية، مذ قصفت دوما ببراميل مليئة بغاز السارين. ولا يستهدف الحشد العسكري الغربي الضخم والمؤكد، والاشتراك العربي في العمل العسكري المرجح، بشار الأسد وحده، بل يستهدف التحالف الدولي الذي يتكون تحت أنظارنا بعد سبعة أعوام من الانكفاء الغربي عن الصراع على سورية، إعادة علاقات القوى وموازينها إلى حجمها الحقيقي، وإحداث انقلابٍ فيها داخل سورية وخارجها، يطاول بالدرجة الأولى روسيا وتحالفها مع إيران الذي يجب وضع حدود له، بعد أن ترك ينفرد بواحدةٍ من أخطر أزمات العالم. ويبدو أن الوقت حان لتكبيل يديه، لأسباب منها تحالفه مع إيران، وتطلعه إلى استعادة ما كان للسوفييت من مواقع ونفوذ في منطقة العرب حاسمة الأهمية استراتيجيا، وهو محظور أعلن الأميركيون عام 1992 أنهم سيكرسونه، في سيناريو عمّموه ضم سبع نقاط، يقول أحد بنوده إن عودة روسيا إلى ما كان للاتحاد السوفييتي من مناطق ونفوذ ممنوعة، ولو أدى الأمر إلى استخدام القوة، فكيف إن كانت العودة تتم، منذ عامين ونيف، بالتحالف مع إيران، الدولة المارقة التي شحنت العالم العربي بفيضٍ من المذهبية والطائفية، منذ انتصار ملالي طهران عام 1979، وعملت لتفكيك مجتمعاتها وللسيطرة عليها من الداخل، بقوة فئات تابعة لها، نظمتها ودربتها وسلحتها ومولتها وكلفتها باحتلال مجتمعاتها من الداخل، بالنيابة عن حرسها الثوري.
بعد تظاهر روسيا بالاستسلام للأمم المتحدة، وبالتخلي عن تعيين اللجنة التي ستكلف بوضع دستور لسورية، وباحترام مناطق خفض التوتر المنفصلة عن الأسدية، استأنفت موسكو سياسة استخدام القوة للانفراد بسورية ومشكلاتها، وكثفت جهودها لضم تركيا إلى تحالفها مع طهران، في محاولة لإحداث انقلابٍ غير مسبوق في علاقات القوى الدولية، يتخطّى الوضع السوري إلى الوضع الدولي برمته، نتيجته المؤكدة إضعاف الولايات المتحدة والغرب، ونجاح الكرملين في وضع أسس جدية لتقويض حضورهما ونفوذهما في الشرق الأوسط، بقوة الابتزاز العسكري الروسي/ الإيراني وتحدي قوته المشتركة وتعاونه. هذا النهج هو ما ستبادر واشنطن إلى كبحه، قبل أن يستفحل ويترسخ. وبما أن نتائجه تمسّ مصالح الغرب بمجمله، وعلاقات القوى بين روسيا وإيران وبينه، فإن الرد عليه سيكون بتفعيل التحالف الغربي عسكريا، ومشاركة دوله الكبيرة، كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، والدول العربية المهددة روسيا وإيرانيا.
من جانب آخر، بلور بوتين مبدأً يقوم على استخدام القوة بدل الدبلوماسية وسيلة لفرض علاقات دولية تجعل من روسيا ندّا للولايات المتحدة، على الرغم من أنها ليست ندّا لها في الاقتصاد والتقنية والانتشار الاستراتيجي والتأثير الثقافي والتقدم الاجتماعي والسيطرة الكونية.. إلخ، فإن نزعت ورقة القوة من يده، أعيدت روسيا إلى موقعها في الصف الثاني من الدول، ولم يعد في مقدورها تحدّي سيطرة الغرب الدولية، وفقدت علاقاتها الخارجية شحنتها الخطيرة، واقتنع اقتصادها بدور التابع. هل اختار الغرب نزع ورقة القوة من روسيا في سورية، لإقناع إيران أن تحالفها مع موسكو لا يحميها، ومن الأفضل لها الابتعاد عنها، وفتح حوار مع الغرب يجنّبها معركة قادمة معه، من المحال أن تربحها ستكون كارثية بالنسبة لملاليها؟
هذه هي رهانات الغرب التي تريد انتزاع ورقة سورية من يد موسكو، وتكريس دوره باعتباره دورا مقرّرا في الصراع على سورية، وما وراءها من بلدان المنطقة. إنها رهانات لا تقتصر على إطلاق بضعة صواريخ هنا أو هناك، ولن تتوقف خلال أيام أو أسابيع.