ترامب المضطرب في سوريا
كانت الايام الماضية تجربة مركزة دارت احداثها اساسا على منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" حول اضطراب سياسة ترامب في سوريا.
الرئيس الامريكي انتقل بسرعة في تغريدات متواترة من الاشارة الى احتمال ضربة عسكرية في سوريا بصورايخ "جميلة وجديدة وذكية"، الى التهديد الصريح بها ووصف بشار الاساد بـ"الحيوان القاتل باستعمال الغاز" وتحذير روسيا تحديدا منها، ثم فجأة الى التردد ("لم اقل متى سيكون الهجوم على سوريا، ربما قريبا جدا وربما ليس قريبا جدا")، ثم الحديث اخيرا على ان المشكل الاساسي هو "تجنب الحرب" في سوريا.
حدث كل ذلك على خلفية التحقيقات المتصاعدة في ملف التعامل مع روسيا في الانتخابات الماضية واقتحام مكتب ترامب من قبل الاف بي اي.
فبعكس ادعاءات ترامب في وصفته الانتخابية حول "الحسم" في السياسة الخارجية وصورة "الرجل القوي" حصيلة اداء ادارته تدل على اضطراب عام وممنهج. يبقى ان ما يحدث لا يعكس اضطراب ادارة ترامب الشخص فحسب بل ايضا وخاصة سياسة الامن القومي الامريكية في المنطقة.
تردد ترامب تزامن مع حديث الحكومات الغربية عن "عدم وجود ادلة عن المسؤول على استعمال المواد الكيمائية". الواضح ان الهجمة الكيمياوية الوحشية تحمل ذات السمات على هجمات سابقة وتشير الى بصمات النظام السوري الذي يرغب بوضوح في حسم "معركة دمشق".
ورغم ان تقرير الامم المتحدة مثلا سنة 2014 لم يركز على المسؤولين فان الادلة التي جمعها خاصة حول الصواريخ المستعملة والتي حملت المواد الكيميائية تشير بوضوح الى القوات الموالية للنظام السوري.
ومثلما ورد في تقرير اخباري للبي بي سي يلخص مخرجات التقرير:"الذخائر - الصواريخ غير الموجهة - هي العنصر الرئيسي في هذا التقرير. تم انتشال عينات من السارين من غالبية أجزاء الرؤوس الحربية. لكن الأهم من ذلك أن نوعين من الصواريخ المستخدمة - وهو نظام من 140 ملم ولا سيما السلاح الأكبر حجما 330 ملم - لهما أهمية كبيرة لأن كل من هيومن رايتس ووتش وعدد من خبراء الأسلحة المستقلين يشيرون ان هذه الاسلحة لوحظ استخدامها من قبل قوات الحكومة السورية خلال هذا الصراع."
من الواضح ان وزير الدفاع ماتيس كان الطرف الاساسي الذي كبح جماح ترامب بعدما اطلق تهديداته. مثلما تشكف "نيويورك تايمز" هذا الاسبوع: "قال المسؤولون أنه خلال اجتماع مغلق في البيت الأبيض طلب ماتيس المزيد من الأدلة على دور الرئيس بشار الأسد في هجوم كيميائي مشتبه به في نهاية الأسبوع الماضي من شأنه أن يؤكد للعالم أن العمل العسكري ضروري. على الرغم من الحذر، توقع مسؤولان في وزارة الدفاع أنه سيكون من الصعب الانسحاب من معاقبة الغارات الجوية ، نظراً لتهديد الرئيس ترامب بذلك"
الاعتماد على "عدم وجود ادلة" هو غطاء لتردد ادارة ترامب الاستراتيجي في الملف السوري. الكاتب الامريكي ديفيد ايغناطيوس كان دقيقا عندما وصف في مقاله الاسبوعي قبل ايام قليلة في "الواشنطن بوست" سياسة الادارة الامريكية في سوريا بـ"whiplash" اي الصورة والصوت الذي يحدثه طرف السوط عندما يتحرك. قمة الاضطراب.
ايغناطيوس ذكر اساسا بالمخاوف الامريكية من تحول الضربة الى شرارة لصراع اشمل مع موسكو: "أفضل شيء حدث هذا الأسبوع هو أن القرار السياسي ركز بعناية في الخيارات العسكرية. حذر ماتيس الرئيس بشكل خاص من المخاطر، حيث اقتربت القوات الأمريكية والروسية في سوريا والبحر المتوسط… أعرب ماتيس عن مخاوفه في شهادة أمام لجنة مجلس النواب يوم الخميس. وقال: "على المستوى الاستراتيجي ، كيف نحافظ على هذا الأمر من الخروج عن السيطرة ، إذا فهمتم قصدي".
أثار السيد ماتيس علنا التحذير صباح الخميس، وقال للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أن الانتقام يجب أن يكون متوازنا للتقليل من خطر حرب أوسع."
يضيف ايغناطيوس: "كما هو الحال مع أي استخدام للقوة العسكرية، يجب على المخططين التفكير مليًا "في اليوم التالي".
هل ستؤدي الضربة الأمريكية إلى اندلاع نزاع متزايد في جزء من سوريا حيث تكون نفوذها محدودًا؟ هل يشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يجب عليه أن يقوم بعرضه الخاص للقوة ويقوم بتصعيد مماثل لخطوات ترامب؟ وماذا سيفعل ترامب إذا لم يفلح هذا التصرف، على عكس ضربة خان شيخون العام الماضي؟ يجد ترامب، مثل الرئيس باراك أوباما، أنه من الأسهل الحديث عن الانسحاب من حروب الشرق الأوسط أكثر من فعل ذلك بالفعل. عندما يقوم ترامب بعمل عسكري في سوريا، فإنه مسؤول عن العواقب."
مقابل المخاوف الامريكية فان الروس اخذوا بجدية التهديدات الامريكية وهكذا سحبوا قواتهم البحرية من طرطوس. ايضا تأثرت الحركة الجوية بوضوح وتم تعليق تحليق عديد شركات الطيران من الاجواء السورية.
الاطراف الغربية الحليفة لواشنطن اي فرنسا وبريطانيا باتت تحت رحمة واشنطن.
اذ تورطت في التصعيد مع ترامب في البداية ثم كان عليها ان تتراجع في حدة تصريحاتها واصبحت هي ايضا تتحدث عن "عدم وجود ادلة".
اضطراب ترامب هو تعبير عن اضطراب الموقع الامريكي في المنطقة العربية، وهو اضطراب ايضا للحلف الغربي التقليدي فيها.