من الولاء إلى الندم: ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ في سوريا ما بعد التحرير
من الولاء إلى الندم: ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ في سوريا ما بعد التحرير
● أخبار سورية ١٤ يوليو ٢٠٢٥

من الولاء إلى الندم: ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ في سوريا ما بعد التحرير

بعد تحرير سوريا من قبضة النظام البائد في 8 كانون الأول عام 2024، بدأ العديد من المعتذرين يتوافدون طالبين الصفح من أبناء الشعب السوري الثائر، وذلك على خلفية مواقفهم السابقة المناهضة للثورة ووقوفهم إلى جانب المخلوع بشار الأسد طوال سنوات الحرب الماضية.

وتذرّع أولئك المعتذرون بعدة حجج، كان أبرزها الخوف من بطش قوات الأسد، خاصةً في ظل سجله الحافل بالاعتقالات التي طالت الآلاف، وسمعته المعروفة بعدم احترامه للرأي الآخر. وادّعى بعضهم أنهم لم يكونوا على دراية بانتهاكاته بحق الشعب، رغم أن آلاف الصور والمقاطع المصوّرة والتقارير الحقوقية، المنتشرة في مواقع التواصل، توثّق بشكل واضح ممارساته.

في المقابل، أصرّ بعض الأشخاص على الاستمرار في نهج الولاء الأعمى، معتبرين ذلك حرية في التعبير. وتعالت الدعوات إلى تعزيز ثقافة التسامح وقبول الاعتذار، بهدف تجاوز المحن والمشكلات المتراكمة التي خلّفها حكم آل الأسد، والمضي نحو إعادة بناء الدولة، وترسيخ الاستقرار، وتجنّب كل ما من شأنه أن يُهدّد أمن سوريا بعد تحريرها.

وكان من بين آخر المعتذرين الفنان باسم ياخور، الذي عُرف بولائه العلني للنظام السابق ودفاعه المستميت عنه، حتى بعد تحرير البلاد وفتح السجون وكشف حجم الانتهاكات، لم يُغيّر من موقفه. إلا أنه، وبعد مرور نحو سبعة أشهر، خرج بتصريحات مفاجئة خلال ظهوره في برنامج “قابل للجدل” على قناة العربية.

ومن خلاله، قدّم ياخور اعتذاراً صريحاً “من القلب” لكل “إنسان متألم أو موجوع” شعر بأن كلامه “يستخف بوجعه أو معاناته أو يجرحه أو يؤلمه”. واعترف بأن بعض تصريحاته، خاصة في الفترة الأخيرة (آخر سنة)، قد “جرحت كثيراً من الناس”، وهذا ما قاله له أصدقاء مقرّبون وأفراد من عائلته.

وأعرب ياخور عن ندمه الشديد على خوضه في النقاش السياسي في أي لقاء إعلامي سابق. وقال: “يا ريتني لو ما طلعت حكيت أي كلام بأي لقاء من اللقاءات اللي عملتها سابقاً”. وأوضح أنه كان يفضّل أن يكتفي بالتعبير عن وجهة نظره ورأيه “من خلال أعمال فنية تقدم شيئاً إنسانياً وثقافياً وفكرياً”. كما أكد أنه لو عاد به الزمن، لما أدلى بأي تصريح سياسي على الإطلاق.

وأكد الناشطون أن الاعتذار والاعتراف بالخطأ لا يعنيان نسيان الماضي، خاصةً أن من دافع عن النظام المعتذر عنه كان يبرّر جرائم ألحقت الأذى بمئات الآلاف من السوريين، من مجازر واعتقالات وتعذيب، إلى تدمير المنازل والمشافي ودور العبادة، وتهجير العائلات، وممارسات أخرى لا يمكن محوها من الذاكرة الجماعية بسهولة.

وفي الوقت ذاته، لا ينكر الناشطون أهمية التسامح والاعتذار والاعتراف بالخطأ، واعتبارها خطوات ضرورية، لا سيما في هذه المرحلة التي تسعى فيها الحكومة إلى تنفيذ مبادئ العدالة الانتقالية. لكنهم شدّدوا على أن ذلك لا يعني التساهل مع من دعم النظام وأطلق تصريحات مستفزة جرحت مشاعر السوريين، أو استهانت بآلامهم الممتدة على مدار سنوات الحرب.

وأضافوا أن ثقافة الاعتذار والاعتراف لها معانٍ عميقة جداً، مثل إقرار بالهزيمة، بأن المُعتذر هُزم أمام السردية التي كان يحاربها، وأن لها جوانب لا تعني أن الشخص مفروض عليه أن يُسامَح وتُنسى، مشيرين إلى أن هناك عزلاً اجتماعياً ونفوراً وحجراً، وأن تُشعر المخطئ بالذنب، وتبتعد عنه.

الاعتذار والاعتراف أعمق من فكرة أن شخصاً اعتذر بالقول: “أنا آسف”، فهي إقرار واعتراف بالهزيمة، وهذا أصعب شيء يعيشه الإنسان، بعد سنوات من الإصرار على المضي في طريق دعم الباطل وإنكار جرائمه.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ