
مقتل حاجي زاده… ضربة استراتيجية لإيران تفقدها مهندس الهيمنة الجوية والصاروخية في سوريا
أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي ووسائل إعلام إيرانية مقتل عدد من القادة العسكريين والعلماء في الهجوم الذي نفذته إسرائيل على مواقع عدة في إيران فجر يوم 13 يونيو/حزيران 2025، وأكد خامنئي أن "خلفاءهم وزملاءهم سيستأنفون مهامهم فورا"، جلهم متورطون بالدم السوري خلال فترة التدخل الإيراني في سوريا ومنهم:
العميد "أمير علي حاجي زاده"، قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني، الذي قتل فجر الجمعة 13 حزيران 2025، ليشكل مقتله تطوراً عسكرياً واستراتيجياً بالغ الخطورة في سياق التصعيد الإيراني الإسرائيلي، ليطيح بأحد أبرز العقول العسكرية المسؤولة عن بناء القدرات الصاروخية الإيرانية، وعن ترسيخ النفوذ الإيراني في سوريا منذ بداية التدخل العسكري إلى حين انسحاب طهران في أواخر عام 2024.
تولّى حاجي زاده قيادة القوة الجوفضائية للحرس الثوري عام 2009، ليقود منذ ذلك الحين تطوير برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية، ويحوّل هذه القدرات إلى ركيزة أساسية في العقيدة الدفاعية والهجومية لطهران.
خلال ولايته، تجاوزت إيران عتبة امتلاك صواريخ بمدى 2000 كم، وزاد استخدامها للطائرات المسيّرة في العمليات العابرة للحدود، من العراق إلى سوريا واليمن، وارتبط اسمه بحوادث دولية شديدة الحساسية، أبرزها إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية عام 2020، والذي اعترف فيه الحرس الثوري لاحقاً بوقوع "خطأ بشري" أدى إلى مقتل 176 مدنياً.
منذ العام 2011، لعب حاجي زاده دوراً مباشراً في تنسيق العمليات العسكرية للحرس الثوري داخل سوريا، وكان مسؤولاً عن الإشراف الفني على انتشار بطاريات الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في محافظات مثل دمشق ودير الزور وحلب، إلى جانب تجهيز مستودعات الأسلحة في قواعد مثل التيفور والقصير. كما تولّى، من خلال منصبه، تطوير منظومات الدفاع الجوي التي نُشرت لدعم نظام الأسد وتوفير مظلة عسكرية للميليشيات الموالية لطهران.
ساهم في ربط أنظمة المراقبة الجوية الإيرانية بشبكة القيادة التابعة لفيلق القدس، ما أتاح للحرس الثوري استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق للطائرات المسيّرة نحو إسرائيل، أو لتنفيذ ضربات ضد فصائل المعارضة المسلحة.
ورغم أن القيادة الميدانية اليومية كانت بيد ضباط فيلق القدس، إلا أن حاجي زاده بقي طيلة سنوات الحرب في موقع المنسّق الأعلى للعمليات الجوفضائية، ما جعله جزءاً محورياً في منظومة ترسيخ النفوذ الإيراني في سوريا.
يمثّل مقتل حاجي زاده ضربة قاصمة لمنظومة القيادة داخل الحرس الثوري، خاصة في ظل تزامن مقتله مع قادة آخرين مثل اللواء حسين سلامي واللواء محمد باقري، خلال الضربة الإسرائيلية الواسعة التي استهدفت طهران. وتشير التقديرات إلى أن مقتله يفتح فجوة خطيرة في الإدارة العليا لبرامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما يُضعف منظومة الدعم العسكري التي بنتها إيران في سوريا ولبنان.
ويُتوقّع أن ينعكس غياب حاجي زاده على القدرات التنفيذية لطهران في الخارج، خصوصاً في حال تصاعد التوتر الإقليمي. ويخشى مراقبون أن يؤدي غياب هذا القائد المحوري إلى تراجع قدرة إيران على الحفاظ على مستوى التنسيق العسكري العالي مع حلفائها في سوريا، ما قد ينعكس ارتباكاً في الميدان، أو تسارعاً في الانسحاب العسكري الإيراني من مناطق حساسة.
يُعد العميد أمير "علي حاجي زاده" أحد أبرز الرموز العسكرية التي شكّلت هوية المشروع العسكري الإيراني في الداخل والخارج، ومن خلال دوره في سوريا، ساهم في تثبيت نظام الأسد، وتوسيع شبكة النفوذ الإيراني في المشرق العربي. لكن مقتله اليوم لا يشكّل فقط خسارة تكتيكية لإيران، بل تهديداً استراتيجياً لواحدة من أدواتها الأكثر تأثيراً في الصراع الإقليمي، وخصوصاً في ملف تخصيب اليورانيوم، الذي تولّى حاجي زاده تسويقه عسكرياً عبر المنظور الردعي الصاروخي.