
معاناة أمهات ذوي الإعاقة الذهنية في ظل ما مرت به سوريا من ظروف
في قلب المأساة السورية، تقف أمهات الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية في مواجهة تحديات تفوق قدرة التحمل الإنساني. فالحرب التي مزقت البلاد لم تميز بين أحد، لكن وقعها كان أشد على أولئك الذين يعتنون بأبناء يحتاجون لرعاية خاصة، ورعاية مستمرة، في ظروف استثنائية من الخوف، والنزوح، والحرمان.
النزوح: بداية سلسلة من المعاناة
منذ اللحظة الأولى للنزوح، تتحمل الأمهات العبء الأكبر، فهنّ لا يحملن فقط وجع التهجير وخسارة البيت، بل يُضاف إلى ذلك مسؤولية الاعتناء بابن أو ابنة من ذوي الإعاقة الذهنية في بيئة لا توفر الحد الأدنى من الاستقرار. التنقل من مكان إلى آخر تحت القصف، ومحاولة تأمين المأوى والغذاء والأمان، كلها تحديات مضاعفة في ظل وجود طفل أو شاب لا يستطيع التعبير عن احتياجاته أو فهم ما يدور حوله.
الحياة في المخيم: خوف دائم وقلق يومي
في المخيمات، تتجسد المعاناة اليومية. الفقر، ضيق المساحة، وغياب البنية التحتية الملائمة يجعل من كل يوم معركة جديدة. تعيش الأمهات حالة دائمة من التوتر والخوف؛ خوف من تصرفات أبنائهن التي قد تُفهم خطأً من الجيران، أو تسبب حرجاً للأسرة، وخوف أكبر على سلامتهم الجسدية والنفسية. لا يمكن السيطرة بسهولة على سلوكيات من يعاني من إعاقة ذهنية، خاصة في بيئة غير مهيأة، ضمن خيمة أو غرفة صغيرة محاطة بالغرباء.
العودة إلى القرى والمدن: بين الأمل والخطر
وعندما تُفتح أبواب العودة إلى القرى، لا تنتهي المخاوف، بل تتخذ شكلاً جديداً. المنازل المدمرة، الأرضيات المليئة بالمخاطر كالألغام والأفاعي، وغياب الخدمات الأساسية، تشكل تهديداً يومياً لأبناء لا يميزون بين الأمن والخطر. تسير الأم خلف ابنها طوال النهار، خشية أن يعبث في مكان مدمر، أو يتعرض للأذى دون أن يُدرك حجم الخطر. ومع تدهور الوضع الصحي والخدمي في أغلب مناطق العودة، يصبح من الصعب تأمين أي نوع من الرعاية النفسية أو الطبية لهم.
مواقف يومية مؤلمة
يواجه الأطفال أو الشباب من ذوي الإعاقة الذهنية مواقف محرجة بشكل متكرر، عندما يتفاعلون بشكل غير معتاد مع المحيط، أو يُساء فهم تصرفاتهم، وقد يؤدي ذلك إلى نفور من المجتمع أو تعامل سلبي من الجيران. وتجد الأم نفسها دوماً في موقع الدفاع والتبرير، تارةً لاحتواء الموقف، وتارةً لحماية ابنها من ردود الفعل التي قد تكون قاسية أو غير واعية.
تُجسد أمهات الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية في سوريا مثالاً حياً على الصبر والقوة، في ظل ظروف استثنائية. قصصهن تُختصر في معاناة مزدوجة: معاناة أمومتهم الخاصة، ومعاناة الوطن الجريح. هم بحاجة إلى الدعم، ليس فقط بالمساعدات المادية، بل بالاهتمام الحقيقي، بتوفير مراكز رعاية، وبرامج دعم نفسي، وبناء وعي مجتمعي يخفف من حدة العزلة والتمييز، ويمنح هؤلاء الأمهات وأبنائهن حقهم في حياة كريمة، ولو وسط الدمار.