
فضل عبد الغني: تخفيف العقوبات الأميركية عن سوريا تحوّل إستراتيجي مشروط يحمل فرصًا وتحديات معقّدة
رأى فضل عبد الغني، مدير ومؤسس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار/مايو 2025 بتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا يشكّل نقطة تحوّل جوهرية في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، ويعبّر عن انتقال مدروس من سياسة العزل الاقتصادي الصارمة إلى مقاربة جديدة تقوم على إعادة دمج تدريجية مشروطة لسوريا في النظام الدولي.
وفي مقال نشره عبر موقع "الجزيرة نت"، أشار عبد الغني إلى أن هذه الخطوة، التي تم تفعيلها من خلال الترخيص العام رقم 25 الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، والإعفاء المؤقت من بعض بنود "قانون قيصر" لمدة 180 يومًا، تمثل أول تحرك أميركي واسع النطاق نحو فكّ العزلة الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ أكثر من أربعة عقود، وهو ما يفتح الباب أمام انخراط مالي وتجاري واسع، ولكن ضمن ضوابط قانونية وسياسية دقيقة.
واستعرض عبد الغني في مقاله السياق التاريخي للعقوبات الأميركية على سوريا، مشيرًا إلى أن هذه العقوبات بدأت في عام 1979 مع تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، قبل أن تتصاعد على مراحل، لا سيما بعد عام 2003 مع قانون "محاسبة سوريا"، ومن ثم بعد عام 2011 مع اندلاع الثورة السورية، حيث تبنّت واشنطن عقوبات شاملة طالت قطاعات الدولة كافة، بما فيها النفط، والمصارف، والتجارة، وصولًا إلى فرض قيود صارمة على الأفراد والكيانات الداعمة للنظام.
وأوضح أن ذروة هذه العقوبات تمثلت في "قانون قيصر"، الذي دخل حيز التنفيذ في 2020، ووسّع نطاق العقوبات ليشمل كيانات أجنبية متورطة في دعم النظام السوري أو المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار، وهو ما عمّق من عزلة سوريا الدولية وأضعف فرص التعافي الاقتصادي.
وأشار عبد الغني إلى أن إعلان ترامب عن تخفيف العقوبات، خلال قمة عقدت في الرياض، جاء بمثابة مفاجأة سياسية، لا سيما أنه رافقه خطاب جديد يصف العقوبات بأنها "صارمة بشكل مفرط" و"معيقة للتقدّم"، وقد أعقبه صدور الترخيص العام رقم 25، الذي أتاح للمرة الأولى منذ سنوات طويلة السماح بإجراء تعاملات مالية وتقديم خدمات اقتصادية ضمن شروط محددة.
وتضمّن الترخيص، بحسب المقال، السماح باستئناف صادرات الخدمات المالية، وفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية، والتعاملات المتعلقة بالنفط ومشتقاته، كما شمل مؤسسات مالية أساسية مثل مصرف سوريا المركزي والبنك التجاري والصناعي والعقاري، الأمر الذي يوفّر قاعدة فنية لإعادة هيكلة النظام المالي في البلاد بعد سنوات من العزلة.
في المقابل، أكد عبد الغني أن هذا التحوّل لا يعني نهاية العقوبات بشكل كامل، بل هو تخفيف مدروس ومشروط، إذ ما تزال القيود قائمة على التعامل مع كيانات وأفراد مرتبطين بالنظام السابق، كما استُثنيت كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية من الاستفادة من هذا الانفتاح، بهدف منع أي دعم غير مباشر لحلفاء النظام السابق.
وأشار أيضًا إلى أن وزارة الخارجية الأميركية أصدرت إعفاء مؤقتًا من قانون قيصر، لكنه محدود المدة بـ180 يومًا، ويهدف إلى تشجيع الاستثمار في الخدمات الأساسية، مع التأكيد على أن إنهاء العقوبات بشكل دائم يتطلب تشريعًا من الكونغرس، وهو ما يضع الملف في سياق سياسي معقد قد يتطلب وقتًا طويلاً.
وفي هذا السياق، اعتبر عبد الغني أن استئناف العلاقات المالية، مثل إعادة فتح الحسابات المراسلة بين المصارف السورية والأميركية، كما حصل مع المصرف التجاري السوري، يشكّل اختراقًا مهمًا يمكن أن يعيد تنشيط الدورة الاقتصادية، ويوفر بدائل عن الشبكات غير الرسمية التي كانت تُستخدم في السنوات الماضية.
ولفت إلى أن هذه الخطوة الأميركية تندرج ضمن إستراتيجية أوسع لإعادة التموضع في المنطقة، عبر استخدام أدوات اقتصادية لتعزيز الاستقرار في سوريا، وخلق بيئة استثمارية تُنافس فيها واشنطن النفوذ المتنامي لروسيا وإيران والصين، موضحًا أن هذا الانفتاح المشروط يهدف أيضًا إلى دعم الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، ودفعها نحو التزام أكبر بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والحكم الرشيد.
وشدد عبد الغني على أن الترخيص العام رقم 25، رغم أهميته، لا يلغي القيود المتعلقة بتصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج، وهو ما يعني أن الشركات الراغبة في دخول السوق السورية ستواجه معضلة قانونية في التوفيق بين ما هو مسموح ماليًا وما هو ممنوع تقنيًا.
كما رأى أن نجاح هذا التحول يتوقف على قدرة الحكومة السورية على تنفيذ إصلاحات حقيقية في القطاع المصرفي، وإعادة الثقة بالعملة الوطنية، وتوفير بيئة قانونية شفافة قادرة على استقطاب الاستثمارات الخارجية.
وفي ختام مقاله، اعتبر فضل عبد الغني أن قرار تخفيف العقوبات الأميركية عن سوريا يمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الاقتصاد السوري، لكنه لا يخلو من تحديات معقّدة تتعلق بالاستجابة لشروط المجتمع الدولي، وتجاوز إرث اقتصادي مثقل بالقيود والانهيارات، مؤكدًا أن المسار المقبل سيُبنى على التوازن بين الانفتاح التدريجي، والمساءلة، والالتزام بمعايير الحوكمة والعدالة الانتقالية.