
شهادة صادمة تكشف جرائم "ميسلون": مسلخ بشري سري أباد مئات المعتقلين الفلسطينيين والسوريين
كشف محمد. م، وهو ناجٍ فلسطيني سوري من سكان مخيم اليرموك، في شهادة هي الأولى من نوعها، تفاصيل مروعة حول الجرائم التي ارتُكبت داخل مدرسة المخابرات العسكرية المعروفة باسم "فرع ميسلون"، الواقعة قرب طريق دمشق–بيروت، وفق "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا".
وأكد أن المرفق الأمني، الذي كان يستخدم كسجن سري من قبل نظام الأسد البائد، شهد مقتل نحو 900 معتقل، معظمهم من ضحايا حملة "شارع علي الوحش"، بينهم أطفال وفتية، جراء التعذيب الممنهج والإهمال الطبي والقتل العمد.
تقع مدرسة "ميسلون" العسكرية على بُعد نحو خمسة كيلومترات جنوب غرب قرية دير العشائر اللبنانية، داخل منطقة عسكرية محصنة بأسوار إسمنتية، وأسلاك شائكة، وأبراج مراقبة مشددة. ووفق شهادة الناجي، تحوّلت هذه المنشأة خلال سنوات الحرب إلى مركز اعتقال سري غير معلن، استخدمه النظام البائد كساحة إعدام جماعية للمعارضين والسجناء السياسيين.
أوضح محمد. م أنه اعتُقل عام 2013، وتعرض للتعذيب في عدد من الفروع الأمنية قبل نقله منتصف عام 2014 إلى "ميسلون"، برفقة حوالي 300 معتقل. وأضاف أن الاستقبال كان دموياً، إذ تعرّض المعتقلون للضرب الوحشي فور نزولهم من الحافلات، مشيراً إلى أن عدداً منهم لفظ أنفاسه فوراً. وأُجبر الجميع على التوقيع على أوراق قيل إنها "شهادات وفاتهم".
وأكد الشاهد أن عمليات القتل بدأت بعد يومين فقط من وصولهم، حيث اعتاد السجانون مطالبة "الشاويش" يومياً بإرسال خمسة معتقلين لتصفيتهم. وأوضح أن الاختيار كان يتم على أساس الحالة الصحية أو المظهر، وأن المعتقلين كانوا يُقتلون خنقاً أو ضرباً حتى الموت داخل الزنازين.
روى محمد. م تفاصيل ما سمّاه "سخرة الأموات"، وهي عملية يومية كان يُجبر فيها المعتقلون على نقل جثث رفاقهم إلى سيارات مغلقة، تُقلّها لاحقاً إلى فرع المزة للأمن العسكري، ومنها إلى وجهة مجهولة عبر شاحنات لحفظ اللحوم. وأكد أن بعض الضحايا كانوا من الأطفال والمراهقين، وأن معظمهم وُجدوا بملابس داخلية، في إشارة إلى الظروف المزرية التي عاشوها.
وقال الشاهد إن كثيراً من المعتقلين ماتوا بسبب الجرب والغرغرينا وانعدام الرعاية الصحية، بينما فقد آخرون عقولهم نتيجة التعذيب المتكرر داخل غرف مجهّزة بسلاسل وكلابات حديدية. وأضاف أن من لم يمت نتيجة الإهمال، كان يُصفّى لاحقاً بشكل مباشر.
وكشف محمد. م عن حادثة سقوط قطعة ذهبية من ملابس أحد الضحايا أثناء "السخرة"، ما دفع السجانين إلى نبش جيوب الجثث وسرقتها. وأشار إلى أن هذه الحادثة أدت إلى تزايد القتل بدافع الجشع. كما تحدث عن تلقي عائلات بعض المعتقلين اتصالات من عناصر أمنية تطالبهم بدفع مبالغ مالية مقابل الإفراج عن أبنائهم، ليتبيّن لاحقاً أن معظم الضحايا قُتلوا رغم الدفع، وهو ما وصفه الشاهد بـ"الابتزاز المميت".
قدّر الشاهد عدد معتقلي "شارع علي الوحش" الذين دخلوا فرع "ميسلون" بنحو 900 معتقل، مؤكدًا أن الغالبية الساحقة منهم لقوا حتفهم هناك. وقال إن "ميسلون" فاق في وحشيته كل ما شهده داخل سجن صيدنايا، الذي يُعد أحد أسوأ السجون سمعةً في سوريا.
اختتم محمد. م شهادته بتوجيه دعوة صريحة إلى الهيئات الدولية والمنظمات الحقوقية لفتح تحقيق مستقل وشامل في الجرائم التي ارتُكبت داخل سجن ميسلون، والتي تُظهر، بحسب وصفه، نموذجاً بالغ القسوة من جرائم الإبادة الجماعية المنظمة بحق المعتقلين.
وكانت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" قد أصدرت تقريراً بعنوان "طريق الموت – شارع علي الوحش"، أكدت فيه أن عدد معتقلي تلك الحملة يتراوح بين 1500 و2000 شخص، وثقت المجموعة منهم 1033 اسماً، من بينهم 442 فلسطينياً، معظمهم من مخيم اليرموك.