النظام يواصل التصعيد شمال سوريا و"الفتح المبين" تهديد ووعيد دون رد رادع
تواصل قوات النظام والميلشيات المساندة لها، حملات التصعيد العسكري بالقصف المدفعي والصاروخي وعبر الطيران الانتحاري المسير، باتجاه مناطق شمال غربي سوريا (أرياف حلب وإدلب)، بالتوازي مع تصعيد روسي بين الحين والآخر، في الوقت الذي تُصعد غرفة عمليات "الفتح المبين" من الحديث عن معركة قادمة وجاهزية لصد أي هجوم، دون رد رادع وفق مايقول نشطاء الحراك الثوري.
ومنذ عدة أشهر، تمارس قوات النظام والميليشيات المساندة لها شمال غربي سوريا، حملات قصف شبه يومية، طالت العشرات من القرى والبلدات على طول جبهات التماس في أرياف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حلب الغربي، طالت مناطق مدنية مأهولة بالسكان وساهمت بسقوط ضحايا وإجبار المئات من العائلات على تكرار النزوح.
علاوة على ذلك التهديدات الروسية المستمرة بالتصعيد في إدلب، وشنها عشرات الغارات الجوية بصواريخ شديدة الانفجار طالت مناطق واسعة من ريف إدلب، تسببت بمجزرة مروعة في ورشة مفروشات، رغم ذلك بقي الرد من قبل "هيئة تحريرالشام" وغرفة عمليات "الفتح المبين" دون المتوقع.
ولم يقف الأمر عند هذا الصمت على كل هذا التصعيد، بل بدا واضحاً حجم التخبط الإعلامي لدى الهيئة ورديفها في الترويج لعدة مرات متتالية لمعركة قادمة وحشود تحركت على خطوط التماس، سببت حالة ذعر وكبيرة لدى المدنيين، علاوة عن تعزيز النظام لحشوداته حول المنطقة والاستنفار اليومي لمواجهة أي معركة حتمية لم تحصل.
وفي جديد تصريحات "الفتح المبين" التي جاءت على لسان قيادي يدعى "حسن عبد الغني"، والذي تحدث فيه عن قصف النظام خلال الفترة الماضية منطقة إدلب بأكثر من 55 غارة جوية وأكثر من 1230 قذيفة مدفعية أوقعت أضرارا في البنى التحتية وتسببت بعشرات الإصابات والشهداء، وفق كلامه.
وتحدث عن شن الميليشيات الإيرانية 260 هجوما عبر مسيرات انتحارية أدت إلى موجات من النزوح الداخلي، وفاقمت الأزمة الإنسانية في شمال غرب سوريا، معتبراً أن التصعيد المستمر من العدو أدى إلى واقع إنساني مأساوي عبر موجات نزوح جديدة في منطقة تعج بالنازحين.
وقال القيادي في الفتح المبين "حسن عبد الغني" إن الحشود العسكرية للنظام المجرم تهدد أمن المناطق المحررة، وأن واجبهم الدفاع عنهم في وجه هذا الخطر الوشيك الذي يستهدف وجودهم وأمانهم، وفق تعبيره.
وفي تقرير سابق لشبكة "شام" حمل عنوان "قراءة في "معركة إدلب المؤجلة" ومكاسب "الجـ ـولاني" على حساب ملايين المدنيين، تحدث عن أن الماكينة الإعلامية الرديفة لـ “هيئة تحرير الشام” تواظب على مواقع التواصل ومنذ قرابة شهر ونصف، على الترويج العشوائي وغير المنضبط لمعركة مرتقبة في إدلب، تحضر الهيئة لشنها ضد مواقع النظام، وسط تحشيدات واستعراضات يومية، خلقت حالة من الفوضى العارمة لدى ملايين المدنيين والخوف من المجهول القادم.
وأوضح أنه على مدار شهر ونصف، بدأت الحسابات الرديفة التابعة لـ “هيئة تحرير الشام”، والنشطاء المحسوبين على المؤسسات التابعة لها، بالترويج لمعركة قادمة تستهدف، وفق كلامهم، تحرير مدينة حلب، معتبرين أن الفرصة مواتية لخوض غمار معارك التحرير، مع انشغال النظام وإيران وميليشياتهم بالحرب في لبنان.
وبين التقرير أن هذا الترويج أفقد المعركة أول مصادر قوتها وهي السرية والمفاجأة، إذ أعطت النظام وميليشيات إيران إيعازا للحذر وتعزيز نقاطهم، علاوة على أن النظام أخذ الترويج على محمل الجد، وقام بالدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة لأرياف إدلب وحلب، في وقت صعّد الطيران الروسي من ضرباته في ريف إدلب على مدار ثلاثة أيام، طالت عشرات المناطق والمواقع وخلفت مجزرة بحق المدنيين.
ورغم أن “هيئة تحرير الشام” لم ترد على قصف مواقع انتشارها، وعلى مجزرة الطيران الروسي في إدلب، إلا أن الماكينة الإعلامية الرديفة عادت للترويج مرة جديدة لمعركة وشيكة، وبدأت الهيئة بتحريك قوات عسكرية تابعة لها في مناطق عدة، اعتبرها نشطاء في سياق الاستعراض أمام المدنيين، بالتوازي مع تصعيد القصف من قبل النظام ورفع الجاهزية على جميع محاور القتال.
ومن عواقب هذا الترويج الأعمى للإعلام الرديف للهيئة، أنه خلق حالة من الذعر والفوضى والترقب الحذر بين عموم المدنيين في مناطق ريف إدلب، مع بدء حركة نزوح كبيرة لمئات العائلات من قرى ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي والشرقي نحو المجهول، وبدأ تداول أخبار المعارك وتوقيتها بين عوام المدنيين، دون أن تظهر أي بوادر حقيقية لبدئها.
يرى متابعون أن المعركة المرتقبة - وإن حصلت - لن تتعدى كونها مغامرة عسكرية تهدف لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية لـ “الجولاني” الذي يحتاج لتصدير الأزمات الداخلية في الهيئة واستمرار التظاهرات الاحتجاجية ضده، والخوف من تكتلات ضمن القوى المتصارعة ضمن بنية الهيئة على خلفية “قضية العملاء” والذين يخشى من نزعتهم الانتقامية المؤجلة، من خلال زجهم في غمار معركة غير محسوبة النتائج.
أيضًا يحاول الجولاني - وفق ذات المصادر - إيصال رسائل سياسية خارجية منها “تركيا وروسيا” بأن الهيئة لن تكون رقماً سهلاً وأنها تفرض حضورها في الحل السياسي وعلى الأرض، وذلك قبل انعقاد جولة جديدة من مفاوضات أستانا قبل نهاية العام، والتي من المتوقع أن تخرج بنتائج مختلفة بالتوازي مع المتغيرات الطارئة على منطقة الشرق الأوسط عامة في ظل الحرب على لبنان وغزة وموقف إيران وحلفائها.
ويرى نشطاء أن المغامرة في معركة عسكرية في الوقت الحالي سيكون لها تبعات كارثية على المنطقة على كافة الأصعدة سواء عسكريًا أو إنسانيًا، محذرين من أي نوايا أو مخططات وراء الكواليس لتسليم أي منطقة في ريف إدلب، مقابل الحصول على مناطق أخرى شمالي حلب بتنسيق أو اتفاق “روسي - تركي”.
واعتبر هؤلاء أن “المعركة المؤجلة” منذ عام 2020 لتحرير ما سقط من مدن وبلدات بأرياف إدلب وحماة وحلب، كانت مطلبًا شعبيًا وثوريًا، ولكن “الجولاني” الذي سيطر على جميع مقدرات الفصائل الأخرى ومقدراتها وترسانتها العسكرية، لم يكن لديه أي نية لخوض غمارها طيلة سنوات مضت، ملتزمًا بالاتفاقيات بين أقطاب أستانا التي هاجمها وزعم رفضه لها.
وحذر هؤلاء من مشاريع التسليم التي سبق أن اتبعها “الجولاني” في ريف إدلب الجنوبي حيث سقطت مدن بأكملها منها كفرنبل ومعرة النعمان وخان شيخون وأريافها، في ظل حديث عن إمكانية المقايضة بين “جبل الزاوية وتل رفعت” ليكون للهيئة موضع قدم شمالي حلب بتنسيق تركي.
ويرى آخرون أن القوة العسكرية التي تتمتع بها “هيئة تحرير الشام” ليست بالسهلة، وأن الهيئة تملك إمكانيات كبيرة لشن معارك بهدف التحرير، تتم بالتنسيق مع جميع الفصائل وفق خطط مدروسة، أما ما يجري اليوم برأيهم لا يتعدى “الجعجعة الإعلامية” والتي بدت آثارها السلبية على عموم المناطق المحررة قبل أن تبدأ وفق تعبيرهم.
إلى ذلك حذرت مراصد معنية بتتبع التحركات العسكرية على خطوط التماس، من مغبّة تداول الشائعات التي من شأنها التلاعب بالحالة النفسية للمدنيين لا سيّما أن غالبية السكان باتوا يجدون أنفسهم وحيدين أمام خيار التشرد والنزوح لمرة جديدة نحو مستقبل مجهول لا يقل مرارة عن الواقع، مع غياب حكومة الهيئة عن تتبع وضع النازحين وتأمين المساكن لهم.
ويأتي ذلك في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تضع شريحة واسعة من الأهالي في مناطق شمال غربي سوريا، تحت خط الفقر والعوز مما يصعب عليهم العثور على مسكن بديل علاوة على العجز عن تحمل تكلفة النزوح المضني.
ووفقًا للمراصد فإن المعرفات المقربة من “تحرير الشام” تشارك بشكل أو بآخر في تدمير المعنويات وتعزيز حالة الإحباط من خلال المبالغة ورفع مستوى التوقعات التي لا تُبنى - وفق المصادر - على أي معطيات واقعية فلا يزال التفوق الجوي حاضرًا للعدو وكذلك فإن الحشودات الواصلة تضع النظام في حالة تأهب للهجوم المتوقع.
ومن التحذيرات أيضًا دعت عدة مراصد إلى ضرورة كف معرفات الهيئة عن التلاعب بنفسية الأهالي ممن يتجرعون مرارة النزوح مع حلول فصل الشتاء، ولا تزال تراودهم أحلام العودة إلى مناطقهم المحتلة، ومع كل ذلك يبقى كل مهجر وثائر يرنو إلى تحرير الأرض وخوض معارك حقيقية مضمونة النتائج دون الاتجار بدماء وتضحيات الشعب السوري.