
العدالة لمن اختاروا الانحياز للشعب: رمزية مرسوم إعادة القضاة المنشقين إلى مواقعهم
في تطور مفصلي ضمن مسار إصلاح المؤسسات بعد سقوط النظام السابق، حمل مرسوم إعادة 63 قاضيًا من المنشقين رمزية تتجاوز البعد الإداري أو الوظيفي، ليشكل محطة معنوية وسياسية تعبّر عن تحوّل في الرؤية القضائية للدولة السورية الجديدة، ومسعى لاستعادة الثقة بين العدالة والمجتمع، وإعادة الحقوق والمواقع لأصحابها الذين ضحوا بمواقعهم وتحملوا أعباء تلك المواقف في مناصرة ثورة السوريين من ملاحقة وتهديد.
تشير هذه الخطوة إلى توجه رسمي واضح نحو استعادة هيبة القضاء كمؤسسة مستقلة، بعد عقود من التسييس والتوظيف الأمني لأحكامه في ظل النظام السابق. فعودة قضاة عُزلوا بسبب مواقفهم الرافضة لممارسات النظام، تعبّر عن محاولة إعادة تعريف وظيفة القضاء كمؤسسة خادمة للعدالة لا خاضعة للسلطة.
إعادة القضاة المنشقين هو بمثابة ردّ اعتبار واضح لأولئك الذين دفعوا ثمن مواقفهم الوطنية والنزيهة، واختاروا الانحياز لضمائرهم في أصعب الظروف، كما تعكس هذه الخطوة رغبة في مصالحة مؤسساتية تُعيد الاعتبار للمبدأ وليس للولاء الشخصي.
يحمل المرسوم الرئاسي أيضًا رسالة ضمنية إلى القضاة والموظفين السابقين الذين انحازوا إلى صف الشعب بأن الدولة الجديدة لا تنتهج سياسة الإقصاء، بل تسعى لاستيعاب كل الكفاءات التي ثبت إخلاصها لمصالح السوريين، ولو اختلفت ظروفهم في الماضي.
في سياق العدالة الانتقالية، تُعتبر هذه الخطوة تحولاً مؤسساتياً يعزز شرعية الدولة الجديدة، ويرسي قواعد عدالة تُبنى على المحاسبة والإنصاف، لا على الثأر أو التهميشـ فإعادة هؤلاء القضاة إلى مناصبهم يشكل اعترافًا رسميًا بأن القضاء في عهد النظام السابق فقد استقلاليته، وأن عملية استرداده بدأت.
كما تعكس الخطوة بداية عملية تفكيك لإرث القضاء المسيّس الذي طبع حقبة الأسد، ومرحلة انتقالية تعيد التوازن إلى مؤسسات الدولة، فبإعادة القضاة المنشقين، تُفتح أبواب استقطاب جديدة لأصحاب الكفاءة والخبرة الذين عُزلوا أو انسحبوا بفعل القمع أو الفساد.
تمثل عودة القضاة المنشقين إلى مواقعهم إعلانًا عمليًا عن انطلاق مسار إصلاح العدالة في سوريا، وتجسيدًا لرؤية تؤمن أن العدالة لا تستقيم إلا بوجود قضاة أحرار ونزيهين، كما تبعث هذه الخطوة برسالة أمل مفادها أن الدولة السورية الجديدة تسير نحو إرساء دولة القانون على أنقاض الاستبداد، وأن زمن محاسبة الضمير بدأ يستعيد مكانته أمام سطوة القرار السياسي.
وكان أكد وزير العدل، السيد مظهر الويس، أن الوزارة لا تزال ترحب بانضمام القضاة المنشقين عن النظام السابق، ممن حالت ظروفهم دون التقدّم بطلبات رسمية في الفترة الماضية، مشدداً على أن معالجة أوضاعهم ستتم وفق الأصول القانونية.
وقال الوزير الويس، في تغريدة نشرها عبر منصة "إكس": "يتساءل بعض السادة القضاة المنشقين عن إمكانية معالجة أوضاعهم أسوة بزملائهم الذين سبقوهم في تقديم الطلبات، ونؤكد لهؤلاء أن الباب ما زال مفتوحاً، وأن الوزارة ترحب بانضمامهم متى سمحت ظروفهم"، وأضاف أن وزارة العدل تلتزم بضمان حقوق هؤلاء القضاة كاملة، مع مراعاة التسلسل الوظيفي والدرجات المستحقة.
وفيما يخص القضاة الذين يواصلون عملهم في محاكم المناطق المحررة منذ وقت مبكر، مثل حلب والرقة وإدلب، أوضح الوزير أن عملية دمج محاكمهم ضمن المنظومة العدلية السورية الجديدة مستمرة، وأن حقوقهم، بما فيها المراتب والدرجات، ستُصان فور استكمال إجراءات الدمج، وختم الويس بتوجيه الشكر لجميع القضاة على جهودهم الوطنية، متمنياً لهم دوام النجاح في خدمة العدالة وتعزيز دولة القانون.
وأصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الخميس، المرسوم رقم 70 لعام 2025، القاضي بإعادة 63 قاضيًا من المنشقين في عهد النظام السابق إلى وظائفهم القضائية، بعد سنوات من العزل بموجب مراسيم صدرت في فترات سابقة.
وقالت وزارة العدل السورية في بيان رسمي إن هذا المرسوم يأتي تتويجًا لجهودها بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى، ضمن إطار سياسة الإصلاح القضائي الشامل، والتي تهدف إلى تعزيز استقلالية السلطة القضائية، وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة وسيادة القانون.
واستند القرار إلى توصيات لجنة مقابلة القضاة المنشقين والمستقيلين، بعد دراسة ملفاتهم والتأكد من استيفاء الشروط القانونية والعدلية، وفق ما أوضحه البيان.
وأكدت الوزارة أن هذه الخطوة تمثل "مرحلة مفصلية في مسار إصلاح القضاء السوري، وإنصافًا مستحقًا للقضاة الذين أقصوا بسبب مواقفهم الداعمة لقضايا الشعب"، مشيرة إلى أن القضاة المشمولين بالمرسوم سيلتحقون بمهامهم القضائية خلال مهلة أقصاها شهر من تاريخ صدوره.
وشددت الوزارة على التزامها بمواصلة خطوات إصلاح المنظومة القضائية وتطوير آليات عملها، بما يضمن توفير بيئة قانونية عادلة تحفظ حقوق المواطنين وتدعم استقلال القضاء.
ويُذكر أن القضاة المعادين إلى العمل سبق وأن تم عزلهم بين عامي 2011 و2017 بقرارات صادرة عن النظام السابق، قبل أن تُلغى تلك القرارات بموجب المرسوم الجديد، في خطوة لاقت ترحيبًا واسعًا ضمن الأوساط الحقوقية والقانونية.