افتتاح مقر إقامة السفير الأميركي في دمشق: رسائل سياسية وتحولات دبلوماسية
افتتاح مقر إقامة السفير الأميركي في دمشق: رسائل سياسية وتحولات دبلوماسية
● أخبار سورية ٣٠ مايو ٢٠٢٥

افتتاح مقر إقامة السفير الأميركي في دمشق: رسائل سياسية وتحولات دبلوماسية

أثار قرار الولايات المتحدة افتتاح مقر إقامة السفير الأميركي في العاصمة السورية دمشق، لأول مرة منذ أكثر من 13 عاماً من قطع العلاقات، موجة من التساؤلات والتحليلات حول دلالات الخطوة ورسائلها السياسية، خاصة في ظل التحولات الجارية في العلاقات الأميركية السورية بعد رفع العقوبات.

وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، قد افتتح المقر رسمياً، في مشهد حمل رمزية عالية، عكست تحوّلاً في الموقف الأميركي تجاه دمشق، وأشّر إلى بدء مرحلة جديدة من التواصل السياسي والانخراط المباشر في ملفات المنطقة، بما فيها ملفات الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية.

تحوّل دبلوماسي ورسائل اعتراف سياسي

يرى الكاتب والباحث السياسي مؤيد غزلان قبلاوي أن الخطوة تمثل "رسالة سياسية كبيرة"، وتؤسس لما سماه "مرحلة من التقدّم الدبلوماسي المتدرج"، معتبراً أن واشنطن، من خلال هذه الخطوة، أطلقت إشارة ضمنية تعكس استعدادها للسير نحو رفع شامل للعقوبات، وتعزيز مسار إعادة بناء الثقة مع الحكومة السورية الجديدة.

وفي حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر" على قناة الجزيرة، اعتبر قبلاوي أن هذا التطور يضفي شرعية دولية على القيادة السورية الجديدة، ويُظهر تحوّلاً في المقاربة الأميركية من الحذر والترقّب، إلى الانخراط النشط ومباشرة المصالح الاستراتيجية في سوريا.

وأضاف أن الولايات المتحدة ترى في هذا التحوّل فرصة لتأسيس محور عربي جديد لمحاربة الإرهاب، مستشهداً بتصريحات بعض أعضاء الكونغرس الذين شددوا على ضرورة إبعاد النفوذ الإيراني، واستثمار الفرصة الحالية لتعزيز الأمن الإقليمي.

رهان أميركي على الاقتصاد لإبعاد التطرف

وأكد قبلاوي أن واشنطن تضع الثقل الاقتصادي في صلب رؤيتها الجديدة تجاه سوريا، إذ تراهن على تحسين الواقع المعيشي والبنى التحتية كوسيلة لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية، مشيراً إلى تقارير أفادت بسقوط خلايا نائمة للتنظيم في حلب وريف دمشق.

لقاءات رئاسية ورسائل مباشرة من ترامب

في السياق نفسه، أكدت وزارة الخارجية السورية أن المبعوث الأميركي باراك التقى خلال زيارته بالرئيس السوري أحمد الشرع، ووزيري الخارجية والدفاع، أسعد الشيباني ومرهف أبو قصرة، بالإضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات حسين السلامة.

وكان باراك قد أشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ قرار افتتاح مقر السفير بجرأة وبدون شروط مسبقة، مشدداً على أن الرؤية الأميركية الجديدة تتمثل في إعطاء الحكومة السورية فرصة كاملة دون تدخلات خارجية.

دعم مشروط وتحوّطات قانونية في الكونغرس

من جهته، رأى ستيفن هايدمان، الباحث في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، أن افتتاح مقر إقامة السفير يعكس اهتماماً شخصياً من ترامب، لكنه يأتي أيضاً في إطار اعتراف ضمني بوجود تغييرات ملموسة في دمشق، وتشجيع على مواصلة الإصلاحات كجزء من عملية انتقال سياسي شاملة تحترم حقوق الإنسان والأقليات.

وأشار هايدمان إلى أن الحديث عن رفع العقوبات الأميركية بشكل نهائي لا يزال مرهوناً بموافقة الكونغرس، وخاصة في ما يتعلق بقانون "قيصر"، مضيفاً أن الولايات المتحدة تشترط "تغييرات جوهرية" في بنية الدولة السورية، لا سيما في ما يخص استقلالية القضاء وتطبيق القوانين بعدالة.

تشجيع للاستثمار وبحث عن استقرار

ولفت هايدمان إلى أن ترامب يعمل على تشجيع الشركات ورجال الأعمال الأميركيين على دخول السوق السورية، مشدداً على أن واشنطن ترى في استقرار سوريا فرصة اقتصادية واستراتيجية، خاصة في ظل الحاجة إلى مشاريع إعادة الإعمار وتحديث البنى التحتية.

وأكد قبلاوي من جانبه أن أولوية سوريا الحالية تكمن في تحقيق الاستقرار الأمني، بما يتيح لها بناء جبهة داخلية متماسكة، مشيراً إلى أن الموقف الأميركي أوضح ضرورة احترام خط فك الاشتباك مع إسرائيل كجزء من الضمانات الإقليمية.

العلاقة مع قسد... والجدل التركي

وفي الشأن الداخلي السوري، قال قبلاوي إن تركيا لا تزال ترى تلكؤاً في دمج "قوات سوريا الديمقراطية" ضمن هيكل وزارة الدفاع السورية، مشدداً على أن "قسد" يجب أن تدرك أن الشرعية الدولية تتجه حالياً نحو دمشق وليس العكس.

إسرائيل: الحوار قبل التهدئة

وفيما يتعلق بالعلاقات السورية الإسرائيلية، رأى هايدمان أن إبرام معاهدة "عدم اعتداء" بين البلدين من شأنه أن يعزّز بيئة الاستقرار، بما يسمح بتحريك عجلة الاقتصاد، لافتاً إلى أن غياب الأمن هو أحد أبرز العوائق أمام أي استثمار خارجي.

وأوضح أن إسرائيل، منذ سقوط نظام بشار الأسد في أواخر 2024، كانت مسؤولة عن سلسلة من الاعتداءات على الأراضي السورية، في حين شددت الحكومة السورية الجديدة على تبني سياسة علاقات سلمية مع دول الجوار.

وفي هذا السياق، قال باراك: "نحن بحاجة إلى اتفاقية عدم اعتداء بين سوريا وإسرائيل، والبدء في نقاش حقيقي حول الحدود"، مؤكداً أن "الحل موجود، لكنه يبدأ بالحوار".

الخيار التركي: شريك مفصلي في صياغة مستقبل سوريا

وفي ختام مداخلته، رأى هايدمان أن اختيار توماس باراك، الذي يشغل أيضاً منصب السفير الأميركي في تركيا، كمبعوث خاص إلى سوريا، يعكس قناعة إدارة ترامب بأهمية أنقرة كفاعل محوري في صياغة مستقبل الحل السياسي في سوريا، واصفاً باراك بأنه "خيار ذكي" نظراً لمعرفته الدقيقة بتفاصيل المنطقة وتفاعلاتها.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ