تسلط ومحسوبيات .. "تحـ ـرير الشـ ـام" تتلاعب بمصير المعتقلين و"الحرية لمن يدفع"
أفضت الاحتجاجات الشعبية الأخيرة ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب، لتشكيل قوة ضغط على قيادة الهيئة لتخفيف حالة الاحتقان، لاسيما من قبل ذوي المعتقلين الذين نزلوا لساحات الاحتجاج ورفعوا صور أبنائهم المغيبين في سجونها، علاوة عن مطلب الإفراج عن المعتقلين الذي كان أحد أبرز مطالب المحتجين.
هذا الحراك الشعبي، دفع الهيئة لتشكيل مكتب في مقر وزارة الداخلية التابعة لحكومة الإنقاذ، يُتيح لذوي المعتقلين في سجون الهيئة تقديم "طلب استرحام" لمعرفة مصير ذويهم، وفتح ملفاتهم والنظر فيها، مع وعود بالإفراج عن كل من لم تتلطخ يديه بالدماء، في سياق المساعي لتهدئة الشارع الغاضب.
ووفق مصادر عدة تحديث لشبكة "شام" فإن عدد كبير من ذوي المعتقلين تقدموا بطلبات لدى المكتب المذكور، على أمل الحصول على معلومات على ذويهم مجهولي المصير منذ سنوات، ومنهم يطلبون النظر بدعاوى أبنائهم والإفراج عنهم من أصحاب الأحكام الجنائية، لكن الصدمة كانت في الآلية المزاجية وحجم التسلط واستثمار الحدث لتحقيق المكاسب وإذلال ذوي المعتقلين.
ووفق إحصائية تقريبية، فقد حصل قرابة 150 طلباً، على رد، يفيد بتنفيذ حكم الإعدام بحق المعتقل، لكن المفاجأة أن تاريخ التنفيذ حدد قبل قرابة 7 أشهر على أقل تقدير، دون تبيان مكان دفن الجثة أو تسليمها، تراوحت التهم بين (الانتماء لداعش وجند الأقصى - سرية أبو بكر - قتال المجاهدين - العمالة للنظام)، علما أن بعض العائلات أفادت أن معلومات وصلتها من مفرج عنهم يفيد بأن المعتقل شوهد في أحد السجون بعد تاريخ الإعدام الذي حصلوا عليه.
ووفق مصادر "شام" فإن هذا الخلل في المعلومات مرجعه إلى أن تنفيذ الحكم كان حديثاً ولكن الهيئة تجنبت إيضاح ذلك لعدم المطالبة بالجثة وبالتالي إخفاء جريمتها كاملة، وهو الأرجح كون روايات الأهالي تؤكد أن المعتقل شوهد فعلاً من قبل مفرج عنهم بعد هذا التاريخ، جل هؤلاء من الشخصيات الثورية والمناهضة للهيئة سواء مدنيين أو عسكريين والذين تخشى الهيئة الإفراج عنهم، فعجلت في تصفيتهم.
ورصدت شبكة "شام" الإفراج عن عشرات المعتقليين، في سياق العفو الذي أعلنت عنه حكومة الإنقاذ يوم الثلاثاء 5 آذار/ 2024، تبين أن جل هؤلاء مدانيين بقضايا جنائية منها (سرقة - تعاطي مخدرات - اغتصاب أملاك - قضايا تحرش - خصومات عائلية ... إلخ)، وكان نبه نشطاء من مغبة الإفراج عن هؤلاء مع تصاعد انتشار الجريمة في المنطقة.
وفي الطرف الآخر، سجل إفراج "هيئة تحرير الشام" عن عدد من المعتقلين المدانين بتهم "عمالة للنظام والتحالف - ضرب القوات التركية - تعاطي مخدرات ...إلخ)، دون أي محاكمة، وذلك بناء على وساطات من قيادات في الهيئة، كانت سُجنت مع أولئك المعتقلين خلال فترة قضية "العملاء"، وعندما أفرج عنها طالبت بالإفراج عن هؤلاء، إضافة لأشخاص محسوبين على بعض القيادات التي أفرج عنهم إرضاء لها.
وأفاد عدد من ذوي المعتقلين لشبكة "شام" أنهم تعرضوا لابتزاز مالي من قبل أمنيي الهيئة وسماسرتها، يطلبون منهم مبالغ مالية وصلت لـ 10 آلاف دولار، مقابل الإفراج عن ذويهم، منهم مدانون بقايا أمنية حتى، ويتم ذلك عبر سماسرة وأشخاص مقربين من الهيئة وبعض الشخصيات الأمنية فيها، وهناك تسجيلات صوتية وصور محادثات (تتحفظ شام على نشرها) لأشخاص معروفين بولائهم للهيئة يطلبون دفع تلك المبلغ لقاء الإفراج عن معتقلين مغيبين في السجون منذ سنوات.
ولعل أسلوب "السمسرة" كما يسميه البعض ليس جديداً في سجون "هيئة تحرير الشام"، فكثير من المعتقلين المدانين بجرائم كبيرة، أفرج عنهم سابقاً بعد تلق الهيئة مبالغ مالية كبيرة بعشرات آلاف الدولارات، علاوة عن المصادرات خلال مداهمة منازل المعتقلين من أموال ومضاغ والتي ترفض الإفصاح عنها في حال نال المعتقل حريته، وفي ضروب أخرى طلب مبالغ مالية لقاء إرسال تسجيل صوتي أو السماح بزيارة لذوي المعتقل، وهو شيء متبع، ويعتبر من موارد الهيئة الاقتصادية لصالح أمرائها والأمنيين.
سبق أن نشرت شبكة "شام" الإخبارية تقريراً بعنوان (روايات صادمة عن التعذيب في سجون "هيـ ـئة تحـ ـرير الشـ ـام" وهذه أبرز أشكالها)، تطرقت فيها عما كشفته الأحداث الأخيرة المتعلقة باعتقال المئات من كوادر "هيئة تحرير الشام"، بتهم العمالة بينهم قادة بارزون، ومن ثم الإفراج عنهم، لتكشف عن استمرار النهج لدى الذراع الأمني في الهيئة، في تطبيق شتى أنواع الممارسات في تعذيب المعتقلين، حتى عناصر الهيئة أنفسهم لم يسلموا منها.
وتحدث التقرير عن روايات متعددة وصلت لشبكة "شام" عبر عدد من المفرج عنهم من كوادر "هيئة تحرير الشام" في قضية العملاء، أكدوا تعرضهم للتعذيب والإهانة بأصناف شتى، من قبل أمنيين في غالبيتهم مجهولي الهوية، خلال فترة اعتقالهم، كما كشفت المقاطع التي روجت لاستقبال المفرج عنهم من قيادات عدة، عن تعرضهم للضرب والتعذيب، وهذا ما أقره أيضاً "أبو محمد الجولاني" وقال إن هناك أخطاء حصلت في التحقيقات.
ليس الضرب والشبح وحده، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية فحسب، بل هناك أصناف عديدة مورست بحق المعتقلين من قيادات الهيئة وعناصرها منهم قادة كبار معروفين، وفق ما قال أحد المفرج عنهم لشبكة "شام"، متحدثاً عن ضرب وتعنيف بالكرباج والشبح والسلاسل، بالتوازي مع إهانات لفظية تطعن في الدين والأعراض، وتهدد بالقتل والتنكيل حتى الموت، أو الاعتراف.
وفي تقرير حقوقي سابق، قالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن الهيئة تمكنت من ابتكار أساليب تعذيب مميزة، وسجلت 22 أسلوب تعذيب، وقد يتعرض المحتجز غالباً لأزيد من أسلوب تعذيب واحد، وزعتها الشبكة إلى ثلاثة أصناف رئيسة وهي: ( 13 من أساليب التعذيب الجسدي - 8 أساليب تعذيب نفسي - أعمال السخرة).
وأشارت الشبكة إلى أن "هيئة تحرير الشام" تستخدم أساليب تعذيب متعددة ضمن مراكز الاحتجاز التابعة لها، مؤكدة أنها تشابهت إلى حدٍّ ما مع أساليب التعذيب التي يمارسها النظام في مراكز احتجازه، وأن هناك تشابهاً حتى ضمن استراتيجية التعذيب التي تهدف إلى إجبار المحتجز على الاعتراف، وتتم محاكمته بالتالي بناءً على اعترافات انتزعت منه تحت التعذيب.