"تحـ ـرير الشـ ـام" تعلن استهداف أحد مقراتها بإدلب .. من المستفيد من إحداث الفوضى.. !؟
أعلنت معرفات تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" مساء اليوم الثلاثاء 28 أيار، تعرض مقر "لواء المدفعية والصواريخ"، غربي مدينة إدلب، لإطلاق نار من قبل مجهولين، متحدثة عن استهداف المقر من الخلف، وإصابة أحد عناصر اللواء بجروح، في وقت بات المشهد أكثر تعقيداً بالتوازي مع حملة تجييش متوازية لمعرفات الهيئة وتوجيه الاتهام للحراك المناهض لها.
ويأتي الاستهداف اليوم، بعد أقل من 24 ساعة من العثور على جثة "أبو عمر سيو" من كوادر "إدارة الأمن العام" التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ (جهاز الأمن العام سابقاً)، مقتولاً داخل منزله في مدينة جسرالشغور بواسطة سلاح أبيض.
ورغم حالة الاستنكار الشعبية لحادثة اغتيال الأمني، والتأكيد على سلمية الحراك الشعبي، ورفض إراقة الدماء، ومطالب التحقيق في الحادثة وتبيان الجهة التي نفذتها، إلا أن حجم الاستثمار والتوظيف الإعلامي للحادثة بدا واضحاً لدى وزارة داخلية الإنقاذ التي خرجت عبر وزيرها بعدة تصريحات تصعيدية تحمل رسائل تهديد ووعيد للحراك.
وجاءت تصريحات "محمد عبد الرحمن" وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ، عقب الجريمة، لتؤكد التوجه للخيار الأمني في قمع الاحتجاجات المناهضة للهيئة، وتوجيه الاتهامات للمحتجين وتحميلهم مسؤولية الفوضى كما ادعى، مايشير لحجم الاستثمار للحادثة، وكان نبه نشطاء من تكرار مثل هذه الحوادث من عمليات استهداف مقرات أو شخصيات أخرى.
وكان قال الوزير: "حذرنا سابقا من عاقبة الفوضى وبث الفتن والتحريض على الفرقة والكراهية، واليوم لا نرى هذه الجريمة النكراء إلا نتيجة مباشرة للاضطرابات التي شهدتها المناطق المحررة خلال الأشهر الأخيرة"، وأعلن عن "حالة تأهب قصوى، واتخذنا التدابير والاحتياطات اللازمة لحفظ أمن المنطقة، كما نؤكد أننا سنبذل كل ما بوسعنا لحماية قواتنا الأمنية والمصلحة العامة في المحرر".
يتهم البعض "هيئة تحرير الشام" ذاتها بالوقوف وراء هذه العمليات التي سيتبعها عدة استهدافات لمقرات وشخصيات من كوادر الهيئة، وربما من القائمين على المبادرات التي تميل في غالبيتها لصالح الهيئة وتديرها شخصيات منها في الخفاء، لتبرير خطابها التصعيدي وقمع الاحتجاجات، وفق سياسة مكشوفة الدوافع وحجم الإفادة التي ستحققها الهيئة من وراء ذلك.
وفي طرف آخر يشير البعض إلى أن المنطقة تضم خلايا أمنية كبيرة لجهات أخرى لديها حسابات مؤجلة مع هيئة تحرير الشام لاسيما من التنظيمات التي قامت بإنهائها وتقويض حضورها العسكرية، واليوم باتت تتصدر في الحراك لتحقيق أجنداتها ومن مصلحتها تصعيد الأمور.
ورغم إعلان أجهزة الهيئة والإنقاذ الأمنية والشرطية، كشف ملابسات الكثير من الحوادث الجنائية في المنطقة بأقل من 24 ساعة، إلا أن الحوادث المرتبطة ببعض التعديات على نشطاء واستهداف سياراتهم أو بعض منسقي الحراك الشعبي مؤخراً ومقتل القيادي "أبو ماريا القحطاني" لم تكشف حتى عن بدء التحقيق فيها وتركتها مسجلة ضد مجهول.
وحركت حادثة مقتل الأمني، الحسابات الوهمية والرديفة لـ "هيئة تحرير الشام" ووجدت فيها مادة دسمة لتوجيه الاتهامات للحراك المناهض للهيئة، في خطوة تصعيدية قد تقود لشلالات من الدماء، في وقت لم تعلن الجهات المسيطرة من الهيئة والإنقاذ عن أي نتائج للتحقيقات التي بدأت بإجرائها لمعرفة حيثيات الجريمة.
واستنكر نشطاء ومن منسقي الحراك الشعبي المناهض للهيئة عبر كروبات التواصل الاجتماعي، حادثة القتل، مؤكدين أنها مرفوضة ومدانة وأنها من أفعال جهات تحاول زرع الشقاق أكثر بين الهيئة والحراك، جازمين أن القاتل هو المستفيد الأكبر من هذه الواقعة والي يمكن أن يستثمرها لتحقيق مآرب لضرب الحراك بالهيئة.
وكان حذر نشطاء في وقت سابق، من تحرك بعض الأطراف سواء من الهيئة أو من الخلايا الأمنية التي تنتشر في المنطقة، من مغبة تنفيذ عمليات اغتيال أو محاولات اغتيال وهمية لشخصيات سواء من الحراك الشعبي أو القائمين على مبادرات الحل، أو من عناصر وقيادات الهيئة، بهدف خلط الأوراق وتمكين إنهاء الحراك الشعبي المناهض للهيئة.
ويبدو أن المشهد في إدلب يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، مع نزول العسكر للشوارع قبل كل جمعة، ومواصلة القوى الأمنية حملات الملاحقة والاعتقال لمنظمي الحراك والمؤثرين، علاوة عن استغلال أطراف أخرى منها "حراس الدين وحزب التحرير" وشخصيات كانت سابقاً في الهيئة منهم "أبو مالك التلي وعبد الرزاق المهدي وصهيوني وشاشو" لتصدر المشهد والتشويش على الحراك الحقيقي لتحقيق أجنداتهم الشخصية.
وتواصل القوى الأمنية التابعة لـ "هيئة تحرير الشام"، عمليات الاعتقال وملاحقة المتظاهرين المناهضة لها في عدة مناطق في ريف إدلب، وسجل نشطاء عمليات اعتقال طالت عدد من منسقي الحراك، في سياق اتخاذ قيادة الهيئة قراراً بـ "قمع الاحتجاجات بالترهيب والقوة"، وسط اتهامات تسوقها وزارة داخلية الإنقاذ لتبرير حملات الاعتقال.
وسبق أن أعلن "محمد عبد الرحمن" وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ (الذراع المدنية والأمنية لهيئة تحرير الشام)، بتوقيف عدد من الشخصيات في ريف إدلب، بتهمة ممارسة "إرهاب فكري على المتظاهرين وتشويه صورة من يسعى للإصلاح"، في سياق حملة اعتقالات طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض لهيئة تحرير الشام.
وقال الوزير في بيان له، إنهم حصلوا على إذن من النائب العام، بتوقيف عدد من الشخصيات، وإحالتهم للقضاء المختص أصولاً، متحدثاً عن رفض هؤلاء للحوار والاستجابة لمبادرات الإصلاح، وأضاف أنهم "مارسوا إرهابا فكريا على المتظاهرين المحقين وعملوا على تشويه من يسعى بالإصلاح وجر المحرر إلى المجهول، وشق الصف والعودة إلى الاقتتال الداخلي وتضييع ما بذل من جهد لبناء هذه المؤسسات".
وأضاف الوزير: "كان لهذه الشخصيات دور كبير في التشجيع على حمل السلاح والأحزمة الناسفة، عدا السب والشتم والقذف والإساءة إلى المسؤولين والموظفين، والتسبب بتعطيل عمل المؤسسات في كثير من الأوقات، وقام عدد كبير من المطلوبين منهم إلى الجهات المختصة -بقضايا حق عام أو خاص- بالتهرب والتستر تحت ذريعة الحراك ومظلته".
وزعم الوزير أن حكومته "ما نزال مع أصحاب المطالب المحقة، ونؤكد أن جميع أبوابنا مفتوحة لمن يقصدها بالطرق الشرعية، وواجب علينا الاستماع لهم ومعالجة مشاكلهم" مؤكداً رفضهم تعطيل مصالح الأهالي والتشغيب بأي شكل كان، وقال: "لن نسمح بعودة المحرر للوراء وانتشار الفوضى، بسبب مغامرات أصحاب الغايات الشخصية الذين تسلقوا على مطالب الناس وينادون بالحلول الصفرية، فمصلحة المحرر وحمايته أمانة لدى الجميع وعلينا أن نقف كلٌ عند مسؤولياته".
وجاء تصريح الوزير بعد حملة اعتقالات واسعة شنتها قوى أمنية تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" في عدة مدن وبلدات بريف إدلب، طالت عدد من منسقي الحراك الشعبي المناهض للهيئة، بينهم (الدكتور فاروق كشكش - الفنان التشكيلي رامي عبد الحق - الناشط أحمد أبو حمزة - الناشط آدم الساحلي - الناشط يحيى سيد يوسف ... إلخ).
وشكل استخدام القوة العسكرية والأمنية، في يوم الجمعة 17 أيار، واستخدام الرصاص الحي والمدرعات والغازات المسيلة للدموع ضد المحتجين في إدلب، تطور جديد في الحراك الشعبي المناهض للهيئة التي قررت استخدام القوة المفرطة في ضرب المدنيين العزل، مكررة سياسة النظام في قمع الاحتجاجات، لتكشف هذه الواقعة الوجه الحقيقي لقيادة "هيئة تحرير الشام" التي لم تترك مجالاً لقمع كل حراك ضدها طيلة سنوات مضت.
ويرى مراقبون، أن "الجولاني" يحاول دفع المحتجين لصدام مباشر مع "الجناح العسكري" في الهيئة تحديداً، بعد أن فقد الجناح الأمني ثقته شعبياً على خلفية قضية "العملاء" وتكشف الوجه الحقيقي لممارساته، وبالتالي يُرجح أن يرغب "الجولاني" الأخير باندلاع صدام "مسلح" بين الطرفين، من خلال دفع الحراك للدفاع عن نفسه في منطقة ينتشر فيها السلاح بشكل كبير بين العوام، وهذا مايحقق مخططه في تسويغ ضرب الحراك وإنهائه بالقبضة العسكرية.
هذا ويذكر أن "الجولاني" صعد مؤخرا من خطابه ضد الحراك الشعبي المتواصل ضده، زاعما بأنه "انحرف عن مساره" وتخطى الخطوط الحمراء، وكان توعد وزير الداخلية لدى حكومة الإنقاذ "محمد عبد الرحمن" بالضرب بيد من حديد، معتبرا أن الوزارة عملت في الفترة الأخيرة على جملة من الإصلاحات، إعادة دمج جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية، وإصلاح القوانين والإجراءات.
وتجدر الإشارة إلى أن قيادة الهيئة عولّت سابقا على امتصاص حالة الغضب في الشارع الثوري، وتقديم الوعود بالإصلاحات، لكسب وقت إضافي وعدم توسع المشهد الاحتجاجي في عموم المناطق المحررة، في وقت ألمحت مصادر "شام" حينها إلى أن "الجولاني" لن يقف مكتوف الأيدي في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وأنه مستعد لإدخال المنطقة بحالة فوضى عارمة من عمليات تفجير واغتيال وتسلط اللصوص وقطاع الطرق، يجبر الحراك على خيارات ضيقة في الاستمرار أو الفوضى، قبل القمع غير المسبوق اليوم.