نيسان .. شهر يحمل ذكرى هجومين كيماويين في "خان شيخون ودوما" والمجرم دون محاسبة
تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية السادسة لهجوم النظام السوري بالأسلحة الكيميائية على مدينة خان شيخون في 4/ نيسان/ 2017، والذكرى السنوية الخامسة لهجوم النظام السوري بالأسلحة الكيميائية على مدينة دوما في 7/ نيسان/ 2018، ولايزال المجرم طليقاً دون محاسبة دولية.
ووثق فريق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، مقتل 91 مدنياً بينهم 32 طفلاً و23 سيدة (أنثى بالغة) خنقاً، وإصابة قرابة 520 شخصاً عندما استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي ضد مدينة خان شيخون، كما وثق في 7/ نيسان/ 2018 مقتل 43 مدنياً بينهم 19 طفلاً و17 سيدة (أنثى بالغة)، وإصابة قرابة 550 شخصاً عندما استخدم السلاح الكيميائي ضدَّ مدينة دوما في محافظة ريف دمشق.
وقد وثقت لجنة التَّحقيق الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية مسؤولية النظام السوري عن كل من هجومي خان شيخون ودوما، كما أثبتت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية استخدام أسلحة كيميائية في كل من خان شيخون ودوما، دون أن تحدد من قام بذلك، وأثبتت آلية التحقيق المشتركة، التي أنشأها قرار مجلس الأمن رقم 2235 الصادر في آب/ 2015 ، مسؤولية النظام السوري عن هجوم خان شيخون فقط، وأنهت روسيا عبر الفيتو ولايتها قبل هجوم دوما .
في 27/ كانون الثاني/ 2023 صدرَ التقرير الثالث عن فريق التَّحقيق وتحديد المسؤولية (IIT) في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والذي أثبت أنَّ هناك أسباباً معقولة للاعتقاد أن ما لا يقل عن طائرة مروحية واحدة من طراز Mi8/17 ألقت أسطوانتين أصابت بناءين سكنيين في منطقة وسط مدينة دوما، وذلك بين الساعة 19:10 و19:40 في 7/ نيسان/ 2018، وفي أثناء هجوم عسكري لقوات النظام السوري، وبعد مغادرتها قاعدة الضمير الجوية، وهي تعمل تحت سيطرة قوات النمر -المدعومة من روسيا-.
وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 222 هجوماً كيميائياً على سوريا منذ أول استخدام موثَّق لدينا لاستخدام الأسلحة الكيميائية في 23/ كانون الأول/ 2012 حتى 7/ نيسان/ 2023، كانت قرابة 98 % منها على يد قوات النظام السوري، وقرابة 2 % على يد تنظيم داعش، وتوزَّعت الهجمات وما نتج عنها من ضحايا ومصابين -بحسب مرتكب الهجوم- على النحو التالي:
ألف: نفَّذ النظام السوري 217 هجوماً كيميائياً على مختلف المحافظات السورية منذ أول استخدام موثَّق لدينا لهذا السلاح في 23/ كانون الأول/ 2012 حتى 7/ نيسان/ 2022، تسبَّبت في مقتل 1514 أشخاص يتوزعون إلى:
• 1413 مدنياً بينهم 214 طفلاً و262 سيدة (أنثى بالغة).
• 94 من مقاتلي المعارضة المسلحة.
• 7 أسرى من قوات النظام السوري كانوا في سجون المعارضة المسلحة.
كما تسبَّبت في إصابة 11080 شخص بينهم 5 أسرى من قوات النظام السوري كانوا في سجون المعارضة المسلحة.
باء: نفَّذ تنظيم داعش: 5 هجمات كيميائية منذ تأسيسه في 9/ نيسان/ 2013 حتى 7/ نيسان/ 2022 كانت جميعها في محافظة حلب، وتسبَّبت في إصابة 132 شخصاً.
وتوزعت الهجمات بحسب قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، على النحو التالي:
ألف: نفذ النظام السوري 217 هجوماً كيميائياً، توزَّعت بحسب قرارات مجلس الأمن على النّحو التالي:
أولاً: قبل قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في 27/ أيلول/ 2013: 33 هجوماً.
ثانياً: بعد قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في 27/ أيلول/ 2013 حتى الآن: 184 هجوماً.
ثالثاً: بعد قرار مجلس الأمن رقم 2209 الصادر في 6/ آذار/ 2015: 115 هجوماً.
رابعاً: بعد تشكيل آلية الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2235 الصادر في 7/ آب/ 2015: 59 هجوماً.
جيم: نفَّذ تنظيم داعش 5 هجمات كيميائية جميعها في محافظة حلب، وتشكل خرقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 2118، و2209، و2235.
ولفتت الشبكة إلى أنَّ تنفيذ الهجمات التي استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية هي عملية معقدة، والنظام السوري هو نظام شديد المركزية، فلا يمكن أن تتم دون موافقة وعلم من بشار الأسد، وبالتالي فالقرار مركزي وهو سياسة مدروسة لدى النظام السوري، تورطت فيه مؤسسة الجيش والأمن، بشكل رئيس قيادة شعبة المخابرات العسكرية العامة، وقيادة شعبة المخابرات الجوية، ومكتب الأمن القومي، إضافةً إلى مركز الدراسات والبحوث العلمية، بشكل رئيس المعهد 1000 والفرع 450.
وتشير قاعدة بيانات الشبكة إلى تورط ما لا يقل عن 387 شخصاً من أبرز ضباط الجيش وأجهزة الأمن والعاملين المدنيين والعسكريين، يجب وضعهم جميعاً على قوائم العقوبات الأمريكية والأوروبية.
لفتت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إلى أن تكرار استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية في مئات الهجمات، وإفلاته من العقاب على مدى 12 عاماً، كل ذلك كان برعاية وحماية روسية مطلقة، وإن روسيا ضالعة بشكل مباشر في إخفاء النظام السوري كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية، وذلك من منطلق أنها طرف في الاتفاق الروسي الأمريكي - أيلول/ 2013، وضامن لأن يقوم النظام السوري بتدمير أسلحته الكيميائية كافة.
يضاف إلى ذلك، أن روسيا وبعد كل استخدام جديد للأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري لم تقم بأية إجراءات عقابية بحقه، بل تنكر تلك الهجمات مجدداً، وتعود لاتهام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كما فعلت بعد صدور التقرير الثاني لفريق التحقيق وتحديد مسؤولية الهجمات، والذي حدَّد مسؤولية النظام السوري عن هجوم سراقب 4/ شباط/ 2018، وحدَّد مسؤولية قوات النمر عن قيادة هذا الهجوم الكيميائي.
وكما فعلت بعد التقرير الثالث أيضاً، والذي ذكر قوات النمر وروسيا بالاسم؛ مما يجعلها شريكة في المساهمة في هذين الهجومين الكيميائيين، وليس كما كانت من قبل مجرد داعم لوجستي وعسكري مع غطاء سياسي وحماية مطلقة في مجلس الأمن، وهذا ما يفسر مدى استماتتها في تشويه نتائج التقريرين الثاني والثالث، سياسياً، وإعلامياً عبر صحافة صفراء، وصحفيين مأجورين، ومحاولة التشكيك في المحققين، واتهام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتسسيس ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا.
وقد نقلت وكالة تاس عن الكسندر شولجين مندوب روسيا الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قوله "إن فريق تقييم إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يعيق إغلاق الملف الكيميائي للنظام السوري لمصلحة الدول الغربية، من أجل تحقيق هدفها المتمثل في تغيير النظام السوري بشكل أو بآخر".
ولمحاولة التصدي للتضليل الإعلامي الروسي فقد نظمت البعثة الدائمة لألمانيا في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فعالية بعنوان "محاربة التضليل الإعلامي: مسؤولية مشتركة"، عقدت في مقر السفارة الألمانية في مدينة لاهاي، وناقشت حملات التضليل الإعلامي التي ترعاها بعض الدول والتي تشكل تهديداً لقدرة المؤسسات الدولية على العمل بشكل فعال. وقد شارك الأستاذ فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان في هذه الفعالية، وأصدرنا بياناً عن المشاركة.
في ضوء ما خلصَ إليه فريق التحقيق وتحديد المسؤولية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تقاريره الثلاثة التي أصدرها والتي كان أولها في 8/ نيسان/ 2020، ثم في 12 نيسان/ 2021، ثم الأخير في 27 كانون الثاني 2023، فإنه يبدو لنا على وجه اليقين أن النظام السوري لم يعلن عن كامل مخزونه من السلاح الكيميائي، كما أنه لم يعلن عن كل المنشآت المستخدمة في إنتاج أو حيازة هذا السلاح، أو أنه قد قام بتخصيص أو بناء منشآت جديدة بعد تدمير تلك التي أعلن عنها وقت انضمامه إلى الاتفاقية، ولدينا مخاوف جدية من أن يستخدمها لاحقاً ضد الشعب السوري.
وطالبت الشبكة أن يوصي مؤتمر الدول الأطراف في دورته الـ28 باتخاذ تدابير جماعية طبقاً للقانون الدولي، كما أنه يجب عرض القضية بما في ذلك المعلومات والاستنتاجات ذات الصلة، على الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن وذلك بموجب الفقرة 4 من المادة الثانية عشرة .
وشددت على ضرورة نقل المسؤولية بشكل سريع إلى مجلس الأمن والطلب منه التدخل وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على اعتبار استخدام دولة عضو لأسلحة الدمار الشامل يفترض أن يُشكِّل تهديداً جدياً للأمن والسلم الدوليين، وتنفيذاً لقراراته ذات الصلة.
وقالت إنه على الدول الأطراف لا سيما الدول الحضارية أن تستخدم حقها المنصوص عليه في الفقرة 8 من المادة التاسعة من الاتفاقية وتطلب إجراء تفتيش موقعي بالتحدي داخل الأراضي السورية لغرض توضيح وحل أية مسائل تتعلق بعدم امتثال محتمل من قبل الحكومة السورية لأحكام الاتفاقية، كما نوصي باستخدامها الحق المنصوص عليه في الفقرة 12 (أ) في أن توفد ممثلاً لها، لمراقبة سير التفتيش؛ وفي أن يتم إجراء هذا التفتيش دونما إبطاء.
ويتوجب بعد التَّحقيقات التي قامت بها الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والتي تتمتَّع بالدقة والمصداقية العالية أن يتحرك مجلس الأمن الدولي ويتخذ كافة أشكال الإجراءات بما فيها العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ضدَّ النظام السوري الذي خرق كافة القرارات ذات الصلة، القرار رقم 2118 الصادر في 27/ أيلول/ 2013 ، والقرار رقم 2209 الصادر في 6/ آذار/ 2015 ، والقرار رقم 2235 الصادر في 7/ آب/ 2015 ، ولكن ذلك لم يتم حتى بعد مرور ست/خمس سنوات كاملة، وما زال أهالي المدنيين الذين قتلوا وأصيبوا وأصدقاؤهم ينتظرون العدالة ومحاسبة الجناة