ليلة ساخنة في أريحا.. مظاهرات واعتصام ضد "الهيئة" والأخيرة تستعرض أرتالها للترهيب
عاشت مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، ليل أمس الأحد، حراكاً شعبياً هو الأول من نوعه، بعد سلسلة احتجاجات مناهضة لـ "هيئة تحرير الشام"، تطور يوم أمس بشكل متسارع لاعتقال أحد المحتجين وملاحقة ناشط إعلامي، خلقت توتراً أمنياً كبيراً بين أمنية الهيئة والمحتجين الذين وصلوا للمدينة من كل المناطق.
وفي تفاصيل الحدث، أن قامت عناصر أمنية تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" يوم أمس الأحد، باعتقال أحد المحتجين في مدينة أريحا، ومن منظمي الحراك الشعبي يدعى "أيمن حلوم"، بالتوازي مع ملاحقة الناشط "مفيد عبيدو" ومحاولة اعتقاله وسط المدينة، أدى لتصاعد الاحتجاج ودعوات للتوجه لمدينة أريحا والاعتصام.
وعاشت المدينة أجواء احتقان وتوتر كبيرة، مع محاولة المحتجين الوصول للمخفر حيث تم احتجاز "حلوم"، في وقت عززت قوى الأمن التابعة للهيئة من عناصرها، وقامت بقطع الطريق على المحتجين، دون أي صدام مباشر بين الطرفين.
ومع ساعات متأخرة من الليل، وصل للمدينة آلاف المحتجين من عموم مناطق ريف إدلب، وقاموا بنصب خيمة اعتصام أمام مبنى إدارة المنطقة في المدينة، مع توتر كبير، ووصول عناصر من لواء أبو بكر التابع للهيئة إلى مقر إدارة المنطقة، على اعتبار أن بادئ المشكلة هي بين عنصر من اللواء ومنسقي الحراك في يوم الجمعة الفائت.
ووفق رواية الطرف الآخر، فإن الاعتقال جاء بناء على دعوى قدمها أحد عناصر لواء أبو بكر التابع للهيئة، يتهم فيه المحتجين بالتعدي عليه وضربه خلال تظاهرة يوم الجمعة الفائت في المدينة، وقال إنه كان بموقع قريب من التظاهرة، وأن منظمي الحراك اعتدوا عليه بزعم أنه يقوم بتصويرهم.
وخلال الاعتصام بعد منتصف الليل، جرت مشادة كلامية بين عناصر لواء أبو بكر ونشطاء من الحراك الشعبي، أمام مبنى إدارة المنطقة، مادفع العناصر للاعتداء بالضرب على النشطاء وعدد من مسؤولي مكتب العلاقات التابعين للهيئة، قبل تفريقهم من قبل الحاضرين، في حين استمر الاعتصام والهتافات حتى وقت باكر، لحين الاتفاق على فض الاعتصام والإفراج عن الموقوف وإنهاء القضية.
ووفق نشطاء فإن "هيئة تحرير الشام" باتت تتبع "القوة الناعمة" في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، من خلال سلسلة من الممارسات والتعديات والتضييق والترهيب على القائمين على الحراك الشعبي المناهض لها، دون اللجوء للخيار الأمني المباشر، لإدراكها إن هذا الخيار سيكون له عواقب عسكرية بعد كسر حاجز الخوف لدى المدنيين في عموم المنطقة.
ومن أساليب هذه القوة، اللجوء لخلق مشاكل وتعديات مع المنظمين للحراك، وتسجيل دعاوي قضائية بحقهم، يكون الطرف الثاني فيها موالين للهيئة أو حتى أمنيين بلباس مدني، جرت تلك الحوادث في سرمدا وأريحا وجسر الشغور مدينة إدلب، وأسفرت عن تعرض المنظمين للضرب والإهانة واعتبار تلك الحوادث مشاكل عرضية.
ومع ساعات الصباح، وبعد انتهاء الإشكالية، قام "جهاز الأمن العام" وقوى عسكرية من الهيئة، باستعراض للقوة وفق تعبير النشطاء، من خلال تسيير رتل أمني كبير بعشرات السيارات داخل أحياء المدينة، في عملية ترهيب واستعراض واضحة، تكررت ذات الأساليب والأفعال في عدة مناطق شهدت حراكاً وصداماً مباشراً مع الهيئة.
وأثبتت الفعاليات الشعبية في إدلب، لمرة جديدة، أنها مستمرة في حراكها المناهض للهيئة، وأنا ستكون نداً مباشراً لأي محاولة ترهيب واعتداء على الحراك ورواده، من خلال التكاتف والتعاضد ورفض الاعتقال رغم كل أساليب الترهيب التي يتم اتباعها وممارستها بحقهم، في وقت تحاول الهيئة ابتداع الأساليب لتقويض الحراك وتشويهه عبر أذرعها الأمنية.
وكانت حصلت شبكة "شام" الإخبارية، على تبليغات صادرة عن وزارة العدل في حكومة الإنقاذ (الذراع المدنية والأمنية لهيئة تحرير الشام)، وجهت لعشرات المتظاهرين المناهضين للهيئة في ريف إدلب، لاستدعائهم أمنياً باسم "الحق العام".
ووفق مصادر "شام" فإن "الحق العام" باتت تهمة جديدة تلفقها مؤسسات الهيئة القضائية والأمنية، للمناهضين لمؤسساتها، لاسيما من الفعاليات الثورية التي تنظيم وتدير التظاهرات الاحتجاجية اليومية ضدها في ريف إدلب، والتي علمت الهيئة أنها لن تقبل بمسرحيات "الإصلاحات" التي وعدت بها.
وتتضمن التبليغات، طلب مراجعات للمراكز الأمنية التابعة لحكومة الإنقاذ، والتي باتت اليوم الواجهة الأمنية لـ "هيئة تحرير الشام"، بعد الادعاء بحل "جهاز الأمن العام"، وإلحاقه بوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ.
وكانت نشرت شبكة "شام"، تقريراً، تضمن معلومات نقلاً عن أربع مصادر متطابقة، أفادت بأ عدة وسائل عربية وأخرى أجنبية، تلقت خلال الأسابيع الماضية، تواصلات من جهات إعلامية تتبع لـ "هيئة تحريرالشام"، عبر إيميلات رسمية أو عبر تطبيقات المراسلة "واتساب وتلغرام"، تطلب منها إلزام مراسليها أو المتعاونين العاملين معها في إدلب، بوقف تغطية الاحتجاجات المناهضة للهيئة.
وفي بداية العام الجديد 2024، وبعد سلسلة اعتقالات طالت المئات من كوادر الهيئة، ضمن ماعرف بـ "قضية العملاء"، بدأت هناك بوادر تحرك شعبية للفعاليات المدنية ضد الهيئة، وفي 25 شباط الفائت، تجمع المئات من المحتجين في منطقة دوار سرمدا بإدلب، في تظاهرة احتجاجية ضد "مسالخ الجولاني البشرية"، بعد تكشف آخر صنوف التعذيب والقتل في المعتقلات التي تديرها الأجهزة الأمنية، والتي شابهت لحد بعيد سجون الأسد وأصناف تعذيبه.
وبرزت الدعوات للتظاهر بعد فضح ممارسات الأمنيين في سجون "هيئة تحرير الشام"، بعد سلسلة واسعة من الإفراجات ليس عن معتقلي الرأي وأبناء الحراك الثوري، بل عن عناصر وقيادات من هيئة تحرير الشام نفسها، والذين تعرضوا لشتى أنواع التعذيب والضرب والإهانة، وقتل عدد منهم تحت التعذيب.
وكانت تصاعدت الممارسات التي تنتهجها الأجهزة الأمنية التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" ضد المحتجين ضدها في إدلب، متخذة أساليب جديدة للترهيب والتعدي، ضمن سياسية ممنهجة لترهيب المجتمع دأبت الهيئة عبر أذرعها على ممارساتها في المنطقة منذ نشأتها، رغم محاولتها إظهار التماهي مع الاحتجاجات والادعاء بالسعي للاستجابة للمطالب.
في جديد تلك الممارسات، ووفق مصادر من إدلب، فإن القوى الأمنية التابعة للهيئة، لجأت لتشكيل "مجموعات بلطجية" في عموم المناطق التي تشهد احتجاجات ضدها في إدلب وغربي حلب، قوامها عناصر أمنية بلباس مدني، وعناصر وموالين للهيئة، تقوم على تتبع المظاهرات وإثارة الشغب والتهجم على المحتجين، دون أن يظهر لهم أي انتماء للهيئة.
هذه الممارسات وصفها نشطاء بأنها "تشبيحية وبلطجة" في صورة جديدة من الممارسات التي تنتهجها الهيئة لقمع الحراك الشعبي المناوئ ضدها، دون أن تلجأ لأساليب الاعتقال العلنية التي قد تؤجج الاحتجاجات ضدها، في وقت تواصل عمليات الرصد الأمني وإعداد التقارير يومياً عبر أذرعها لتسجيل كل المعلومات التي ستبني عليها حراكها الأمني ضد شخصيات بعينها لاحقاً.
ويحاول البعض من مريدي الهيئة، حرف مسار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير ووقف الممارسات الظالمة والإفراج عن المعتقلين من أبناء الحراك الثوري، من خلال الخروج بمبادرات تزعم الحيادية، هدفها تقويض الحراك وتقييده، علاوة عن سلسلة الاجتماعات المتواصلة التي تقوم بها مؤسسات الهيئة من رأس الهرم ممثلة بـ "الجولاني" لتهدئة الأجواء وكسب ود الأطراف التي يمكن إرضائها ببعض الإصلاحات.
وفي سياق مواز، تعمل الماكينة الإعلامية للهيئة على وسم الحراك الشعبي بأنه يتبع لـ "حزب التحرير" المناوئ للهيئة، علماً أن حراك حزب التحرير منفصل كلياً عن هذا الحراك وقد بدأ منذ قرابة 10 أشهر بعد اعتقال الهيئة كوادر للحزب وقيادات له في المنطقة، علماً أن الهيئة تحاول كسب ود الحزب حالياً من خلال الإفراج عن كثير ممن جرى اعتقالهم دون محاكمات حتى.
وتشهد عموم مناطق ريف إدلب، مظاهرات شعبية عارمة، تطالب بالتغيير وإسقاط قيادة "هيئة تحريرالشام" ممثلة بـ "أبو محمد الجولاني"، والقيادات الأمنية المتورطة بدماء السوريين والتسلط على رقابهم، مع التأكيد على دعم المرابطين على الجبهات وعدم المساس بهم.
وتعول قيادة الهيئة على امتصاص حالة الغضب في الشارع الثوري، وتقديم الوعود بالإصلاحات، لكسب وقت إضافي وعدم توسع المشهد الاحتجاجي في عموم المناطق المحررة، في وقت تلمح مصادر "شام" إلى أن "الجولاني" لن يقف مكتوف الأيدي في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وأنه مستعد لإدخال المنطقة بحالة فوضى عارمة من عمليات تفجير واغتيال وتسلط اللصوص وقطاع الطرق، يجبر الحراك على خيارات ضيقة في الاستمرار أو الفوضى.
وتجدر الإشارة إلى أن "هيئة تحرير الشام"، تواجه احتجاجات شعبية واسعة وسط تنديد بسياستها ومطالب متصاعدة بإسقاط زعيمها "الجولاني"، وإطلاق سراح المعتقلين، وكانت أعلنت إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة "الإنقاذ" في إدلب شمال غربي سوريا، عزمها إحداث مؤسسات جديدة "تضمن الرقابة العليا وتستقبل المظالم وتنظر في الشكاوى، استجابة لمطالب الأهالي"، وسط تصاعد زخم الاحتجاجات السلمية.