الأبعاد والرسائل.. روايات متضاربة حول مصدر صواريخ إيران وتبني "الحرس الثوري" يخلط الأوراق
نفذ "الحرس الثوري الإيراني" في وقت متأخر مساء يوم الاثنين 15 كانون الثاني، ضربة صاروخية، طالت أهداف في أربيل شمال العراق، وأخرى في سوريا، وفق ما أعلن بشكل رسمي، في حين تضاربت المعلومات، حول مصدر إطلاق الصواريخ البالستية الإيرانية، باتجاه الأهداف في سوريا، والتي طالت إحداها مرفق طبي بريف إدلب الغربي، في خلط للأوراق بالمنطقة، وسط غياب التوضيح الرسمي، وتعدد التحليلات حول أهداف إيران البعيدة من وراء هذه الضربات والتوقيت والرسائل التي تريد إيصالها.
والواضح حتى لحظة نشر التقرير أن أحد المواقع المستهدفة هو مرفق طبي غير مستخدم بريف إدلب الغربي، في ظل روايات متعددة حول مصدر إطلاق الصواريخ تستند للمشاهدة وطبيعة الانفجارات لحظة الاستهداف، رغم أن العديد من وسائل الإعلام العربية تداولت مقاطع مصورة تظهر ضمن مشاهد ليلية لحظات إطلاق صواريخ بالستية إيرانية إلا أن جميع هذه المشاهد لم تتطرق إلى مكان ومصدر خروج هذه الصواريخ.
رواية تُرجح إطلاقها من الساحل السوري
أفاد نشطاء وعاملون في الرصد العسكري في ريف إدلب لشبكة "شام"، أن الانفجارات سمعت بشكل واضح في عموم محافظة إدلب، وعددها أربع انفجارات، وقالت المصادر إن أصوات مسير الصواريخ في الأجواء تشير إلى أن وجهتها كانت من الغرب (الساحل السوري) باتجاه الشرق (البادية وريف حلب)، مرجحين أن يكون مصدر إطلاقها هي القواعد الإيرانية في الساحل السوري.
ولفتت مصادر "شام" إلى أن من سمع أصوات الصواريخ في بادئ الأمر توقع أنها صواريخ إسرائيلية وجهتها مطار حلب الدولي، حيث أنها ذات الأصوات والانفجارات التي ترصد في كل قصف إسرائيلي على منطقة حلب ويكون مصدرها البحر المتوسط، لكن إعلان "الحرس الثوري الإيراني" خلط الأوراق.
مصدر آخر يُرجح الإطلاق من ريف حلب الجنوبي
وفي الطرف المقابل، تداولت مواقع إعلام للنظام (رصدتها شبكة شام)، الأخبار عن انفجارات قوية سمعت في الأطراف الجنوبية الشرقية لمدينة حلب، وكانت ترجح في البداية استهداف إسرائيلي لمطار حلب، قبل أن تعلن تلك المواقع أن لا استهدافات طالت المطار، دون توضيح ماهية تلك الانفجارات التي سمعت في المنطقة هناك.
ومن خلال تتبع صفحات ومواقع للنظام، وبعض المصادر الأخرى، تشير ترجيحات إلى أن مصدر إطلاق الصواريخ سواء كان باتجاه الغرب (الموقع المستهدف في قرية تلتيتا قرب مدينة كفرتخاريم بريف إدلب الشمالي الغربي)، أو الصواريخ التي استهدفت مدينة أربيل شمالي العراق، قد انطلقت من القواعد الإيرانية في منطقة دبسي عفنان قرب مدينة مسكنة برف حلب الجنوبي الشرقي.
وحتى لحظة نشر التقرير، لم يعلن "الحرس الثوري الإيراني" عن أي معلومات حول مصدر إطلاق الصواريخ باتجاه سوريا والعراق، ولا الأهداف التي تم ضربها في سوريا وفق ما أعلن أنه استهدف مواقع لتنظيمات "إرهابية" قال إنها متورطة بتفجير إيران الأخير قرب مرقد "قاسم سليماني" في محافظة كرمان جنوبي إيران.
شكوك برواية تقول إن مصدرها أراضي إيران
وتطرقت وسائل إعلام إيرانية، إلى أن الصواريخ التي استهدفت سوريا، دون تحديد المواقع التي طالتها، كانت من طراز "صواريخ خيبر شيكان الباليستية"، متوسطة المدى، وقالت إنها انطلقت من محافظة خوزستان باتجاه سوريا، ربما استخدمتها إيران للتمويه برأي بعض المتابعين، حيث أفادت مصادر في "الحرس الثوري" عن إطلاق 4 صواريخ محطم خيبر من خوزستان على مقر تنظيم داعش في إدلب، و5 صواريخ من الغرب و7 صواريخ أخرى من شمال غرب البلاد على مقر تجسس صهيوني رئيسي في إقليم كردستان العراق.
وقالت إنه تم إطلاق 9 انواع من الصواريخ الباليستية على مواقع للمجموعات الإرهابية في مناطق أخرى داخل الأراضي السورية، لم تحددها.
الموقع المستهدف بإدلب (مرفق طبي قديم)
ووفق مؤسسة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، فإن القصف الذي استهدف ريف إدلب الغري، طال مركزاً طبياً متوقفاً عن العمل في قرية تلتيتا في ريف إدلب الشمالي الغربي، وبينت أن الموقع تعرض لدمار كبير يتجاوز 60٪ من البناء بشكل كامل (المركز مبنى من طابق واحد)، موضحة أن ثلاث ذخائر سقطت على المبنى وبالقرب منه (ذخيرتان أصابتا المبنى واحدة من السقف وأخرى من الجهة الشرقية للبناء، فيما سقطت الذخيرة الثالثة بملاصقة البناء من الجهة الجنوبية الغربية له).
وأفاد مراسل شبكة "شام" الذي عاين الموقع المستهدف صباح يوم الثلاثاء 16 كانون الثاني، أن المبنى المستهدف "مستوصف طبي قديم" غير مستخدم في الوقت الحالي، ويقع على أطراف قرية في قرية تلتيتا في ريف إدلب الشمالي الغربي، كان يأوي نازحين قبل قرابة عامين، وتعرضت المنطقة لقصف جوي روسي في وقت سابق خلال السنوات الماضية، نافياً الرواية الإيرانية عن استهداف تجمعات إرهابية أو أي تواجد عسكري في المكان.
أبرز القواعد الإيرانية في الساحل السوري وريف حلب
تنتشر ميليشيات إيران في عموم المناطق السورية ضمن مناطق سيطرة النظام، وتتخذ من عدة مواقع عسكرية رئيسية كمراكز قيادة لها، سواء في دير الزور أو دمشق وريفها أو ريف حلب الجنوبي والساحل السوري، وسبق أن تعرضت بعض تلك المراكز لضربات إسرائيلية، وأشارت إلى أنها استهدفت مواقع تتواجد فيها صواريخ إيرانية بعيدة المدى.
ومن خلال الروايات سابقة الذكر، والتي رجحت أن يكون مصدر الصواريخ الإيرانية من منطقتين الأولى من جهة الساحل السوري، والثانية منطقة ريف حلب الجنوبي، فإن التقارير العسكرية ومراكز الأبحاث أكدت أكثر من مرة عن امتلاك إيران لقواعد عسكرية كبيرة في كلا المنطقتين، وهي تضم قواعد لصواريخ بالستية بعيدة المدى.
ومن أبرز تلك القواعد - وفق مركز حرمون للدراسات - (مركز البحوث العلمية في مصياف)، وتعدّ هذه القاعدة من أهمّ وأخطر القواعد العسكرية الإيرانية، نظرًا لاحتوائها على مركز رئيسي لتطوير وتصنيع الأسلحة التقليدية كالبراميل المتفجرة والأسلحة غير التقليدية كالأسلحة الجرثومية والكيمياوية، تتمركز القاعدة في معمل الدفاع والبحوث العلمية، بمنطقة الشيخ غضبان في ريف مصياف غرب حماة، على الطريق الواصل بين منطقة وادي العيون ومدينة مصياف.
وفي ريف حلب، تعتبر (قاعدة جبل عزان)، ثالث أكبر قاعدة عسكرية إيرانية في سورية، وأبرز قاعدة إيرانية في ريف حلب الجنوبي، أنشئت في بداية عام 2015 وتبعد حوالى 12 كم جنوبي مدينة حلب ضمن مركز البحوث العلمية، وتضم مختلف قيادات الميليشيات الشيعية، وتعد غرفة العمليات العسكرية الأولى في المنطقة.
ويدير هذه القاعدة الحرس الثوري الإيراني، وتطلّ على الطريق السريع بين دمشق وحلب، تضم عددًا من الميليشيات، وهي ميليشيات “حزب لله” اللبناني، وحركة النجباء العراقية، ولواء فاطميون الأفغاني، ولواء القدس الفلسطيني، وهم بإمرة قادة الحرس الثوري الإيراني، وتتفرع عن القاعدة مجموعة من الثكنات والقواعد العسكرية الصغيرة في المنطقة، ومن بينها قواعد جعارة والعدنانية والأربعين وعبطين. وتتوزع تلك القواعد على المناطق الواقعة جنوبي وشرقي الحاضر.
وتتمركز ميليشيات إيران أيضًا في حلب، بمطار (النيرب) العسكري، الذي يقع قرب مطار حلب الدولي، وكان سابقًا يستخدم كنقطة لصيانة الطائرات الحربية والمروحية، وخلال الثورة بات يعدّ محطة استقبال مهمة لعناصر الميليشيات الشيعية القادمة من العراق، ونقطة اتصال مهمة بين الشمال والجنوب لنقل المقاتلين والذخائر، كما تتمركز القوات الإيرانية في مطار كويرس ومدرسة المشاة في محيط حلب، وتتوزع الميليشيات الموالية لإيران في مناطق مختلفة من حلب في منطقة الشعار ومساكن هنانو والحيدرية والمرجة والصاخور والمشهد ومنطقة باشكوي.
الصواريخ المستخدمة:
وتملك إيران، سلسلة من الصواريخ البالستية بعيدة المدى، ويوجد في سوريا - وفق مركز حرمون للدراسات - عدد من المستودعات التي تخزن بها هذه الصواريخ في سورية موزعة على مواقع عدة، ثلاثة منها في قاعدة الكسوة، ومستودعات جب الجراح شمال شرق مدينة حمص، ومستودعات جبال القطيفة، ومقرات اللواء 55 صواريخ أرض – أرض في جبال القطيفة الغربية، ومعسكر الطلائع قرب مدينة مصياف، وقاعدة القصير قرب مدينة حمص، ومستودعات مطار التيفور، وفي قاعدة اللجاة الواقعة بين محافظتي درعا والسويداء، وقاعدة مطار الناصرية في القلمون الشرقي.
ووفق مصادر إعلام إيرانية، فإن الصواريخ التي استخدمت في القصف، كانت من طراز (فاتح 110)، وهو صناعة إيرانية محلية أنتجت منه أربعة أجيال، طُور من صاروخ “زلزال2” الإيراني، ومن المواصفات الفنية والتكتيكية أنه قصير المدى – تكتيكي، يبلغ المدى: 300 كم للجيل الرابع، أما الطول: 8.86 م – القطر: 0.61 م – نوع الوقود: صلب.
كما أفادت مصادر في "الحرس الثوري" أن الصواريخ المستخدمة وفق رواية أن القصف من الأراضي الإيرانية، كانت من طراز خيبر شيكان (خيبر المدمر)، وهو صاروخ بالغ الدقة، خفيف الوزن وذاتي الحركة ويعمل بالوقود الصلب ويصل مداه إلى 1450 كيلو مترا ويمكن أن يصل إلى إسرائيل من أي مكان إطلاق في غرب ووسط إيران.
وكان عمد الحرس الثوري الإيراني عبر ذراعه الضارب في سورية "فيلق القدس" إلى اختيار المراكز الرئيسية لقياداته في القواعد الجوية العسكرية في جيش الأسد، ومقرات القيادة لبعض الفيالق والفرق العسكرية، ولهذا فإن قواعده العسكرية الإيرانية توزعت على أغلب القواعد الجوية السورية، وفق "مركز حرمون للدراسات".
الرسائل الإيرانية على جبهتين
من خلال المشهد المتأزم في المنطقة، أقطابه (واشنطن وكيان الاحتلال من جهة، وإيران والميليشيات التي تديرها في عدة دول بينها سوريا من جهة أخرى)، على خلفية حرب غزة المستمرة، تشير الضربة الإيرانية والتي تعتبر الأولى من نوعها بهذا الحجم والمكان والجهة المتبقية، إلى أن ورائها رسائل أبعد ماتكون الانتقام والرد على تفجير إيران، بل يبدو أن إيران تريد إرسال رسائل نارية عابرة للحدود عبر الصواريخ بعيدة المدى لباقي الأطراف الدولية أبرزها "إسرائيل وواشنطن"، وأنها مستعدة للتصعيد وبأسلحة متطورة بعيدة المدى.
من طرف آخر، فإن تركيز القصف البالستي على هدف بريف إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة والتي تطوقها إيران بالميليشيات من عدة جهات، وربط الفصائل المتواجدة فيها بتفجير إيران، بعد أسابيع قليلة من ضرب تلك الفصائل لمناطق استراتيجية لإيران في "نبل الزهراء" يعطي دلالات أن وراء اختيار المنطقة - بغض النظر عن الهدف الذي طالته الضربة الصاروخية - يرمي إلى خلط الأوراق بين الجهات الضامنة شمال سوريا أيضاً والتمهيد لتصعيد من نوع آخر في إدلب، حجته واضحة ومبررة.