أخذ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خمساً وعشرين دقيقة ليلقي خطابه عن إيران، لكنني استغرقت قرابة الساعة وأنا أقرأه وأعيد القراءة.
الآن أرى أنني لست بحاجة لوقت إضافي للاستغراق فيه، فقد وصلت إلى نتيجة وهي أن الولايات المتحدة وجّهت ضربة على رأس إيران.
بذل خبراء الأمن القومي الأميركي الكثير من الوقت لاقتراح استراتيجيات جديدة على إدارة ترمب، وبعضها اقترح احتواء التمدّد الإيراني فقط، وبعضها الآخر اقترح صدّ التصرفات الإيرانية في الخارج، وبعضهم تحدث عن احتواء إيران فيما تصوّر بعضهم الآخر تغيير النظام.
ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي مختلف ويقوم على ضرب الرأس الإيراني وليس اللهو مع الأطراف مع حزب الله والحوثيين وغيرهم.
فهمت إدارة ترمب منذ حين أن إيران تستنزف العالم العربي وتشنّ حروباً بالواسطة، لا تخوض مواجهة على الإطلاق، لا تخسر محاربين، ولا تنخرط في مواجهة مباشرة بين دولة ودولة، بل تحرّك وتسلّح وتثير مجموعات محلية ضد الحكومات العربية وتقول إن المشكلة بين هذه الحكومات وأبناء شعبها.
أخذ الأمر سنوات من عهد الرئيس السابق باراك أوباما وأعضاء إدارته وهم يقولون إن الحوثيين يمنيون لديهم مطالب وليسوا عملاء لإيران. في آخر العام 2016 بدؤوا يقولون بخجل إن الحوثيين يتلقون دعماً من إيران.
إدارة ترمب تقول الآن على لسان بومبيو "في اليمن، دعم إيران ميليشيا الحوثي يضرم الصراع ويجوّع اليمنيين ويحتجزهم تحت تهديد الإرهاب".
كيف وصلت إدارة ترمب إلى هذه السياسة الشرسة ضد إيران؟
يعدّد بومبيو سلسلة من الحروب بالواسطة التي تشنّها إيران في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، بالإضافة إلى تشكيلها تهديداً لأمن دول الجوار من خلال برنامج الصواريخ الباليستية ورعايتها للإرهاب. وهنا اسمحوا لي بالعودة إلى استراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة في 18 ديسمبر 2017. تعتبر الوثيقة أن التجربة تشير إلى أن الدول المناوئة تتخلّى عن تهديداتها عندما ترى قوة الولايات المتحدة وقوة تحالفاتها.
في حالة إيران بشكل خاص فهمت إدارة ترمب أن عليها القول لإيران إن أميركا قوّية ولديها الإرادة وأن اللهو مع الأطراف هو لعبة إيرانية وأن واشنطن تنظر إلى راس الأخطبوط.
هذه هي المرّة الأولى منذ سنوات طويلة يسمع العالم العربي موقفاً أميركياً لا يلوم الضحية بل ينظر في عين الغول، لا يلوّح بهراوة، بل يلقي بالهراوة بضربة على الرأس.
ما سمعناه من إدارة دونالد ترمب عن سياستها تجاه إيران يفتح صفحة جديدة للتعاطي مع تهديدات إيران للأمن الإقليمي، وأيضاً يفتح صفحة الباب أمام سلام مع إيران جديدة لو كان لدى المرشد الإيراني الشجاعة للتخلّي عن عباءة الرعب ويقرّر أن تصبح إيران بلداً طبيعياً يعيش بسلام ويتركنا نعيش بسلام.
سرقات على حساب المهجرين وإيقاف مشاريع وفرض أتاوات حدث قديم جديد لم يتوقف رغم كل الحاجة والضغط الذي واجه المنظمات في الشمال السوري المحرر لتلبية حركات النزوح التي تفوق قدرة دول كبرى على استيعابها.
قضايا كبيرة تم التطرق إليها في تقارير إعلامية عدة يقودها مكتب المنظمات التابع لهيئة تحرير الشام ومايفرضه من اتاوات ضخمة على المنظمات والهيئات الإنسانية وماتسببه من عراقيل لعمل المنظمات والتي استغلت أيضاَ حركة التهجير الأخيرة لتحقيق الكسب على حساب حاجة المهجرين وعذاباتهم.
بعد مقتل المدعو "أبو يحيى" والذي كان يقود المجموعة المسماة بمكتب المنظمات عادت لترتيب نفسها وأوراقها من جديد لتقوم بأول إنجازاتها وهي ضرورة الحصول على ورقة لامانع من العمل في منطقة حارم من مكتب المنظمات وذلك للسماح للمنظمات بالعمل وهذا مايعطي المكتب معرفة أكبر مما تقدمه المنظمات في مناطق عملها والحصول على نسبة اتاوات ضخمة مع العلم ان المنظمات سابقا تقوم بأخذ نسبة 10%من واردات المشاريع المخصصة لها لتغطية مصاريفها واليوم تضطر المنظمات الى رفع النسبة الى أكثر من 60%لتقوم بدفع هذه النسب الضخمة لمكتب المنظمات مما يساهم بعراقيل كبيرة وحرمان الالاف من المهجرين من الحصول على حقوقهم.
اليوم يعمل المدعوون "أبو اسلام" (المسؤول عن المخيمات الحدودية) وأبو عبد العزيز (خليفة أبو يحيى)و أبو يزن (المسؤول عن إحصاء السيارات القادمة من معبر باب الهوى ومراقبة الشاحنات الخاصة بالمنظمات الاغاثية) والمدعو لقمان بمحاولات التفاف عديدة حول المنظمات من خلال الترغيب عن وجود مهجرين في مناطقهم ورقع أسماء وهمية ضخمة مع العلم أن الأسماء الموجودة لا تتجاوز 20%من المهجرين الحقيقين.
وعند عودة المنظمة للتوزيع تتفاجئ المنظمات بعدة أمور منها عدم وجود المهجرين الأصليين بسبب عدم استقرار النازحين في منطقة معينة خلال المرحلة الأولى إضافة الى وجود أسماء وهمية غير مستحقة أصلا او وجود أسماء ليست من المهجرين، أو من خلال الترهيب من خلال الضغط على المنظمات للحصول على اتاوة محددة او إيقاف المشروع المنفذ.
هذه القصص حدثت وبشهادات عديدة من المنظمات حيث عمل مكتب المنظمات على إيقاف مشاريع عديدة قدرت بملايين الدولارات نتيجة رفض بعض المنظمات دفع نسب خيالية لهذا المكتب ومنهم من رضخ لذلك الامر وذلك من خلال دفع هذه النسب تحت بند انه لايجوز إيقاف المشاريع بسبب الحاجة اليها وأين الحاجة لهذه المشاريع طالما انها تحسر من 50-60%من قيمتها نتيجة دفع الاتاوات الى مكتب المنظمات؟؟
جميعنا لاحظنا الاستجابة الضعيفة والخجولة لحملة الهجير الأخيرة والتي تجاوزت ال120 الف شخص ولم يتم تغطية نسبة 10%منها من الاحتياجات الأساسية وكان مبرر أغلب المنظمات انتظار الحصول على الموافقات لتنفيذ المشاريع ومن الظاهر أن أغلب الداعمين بدأ يشعر بالخوف الكبير خوفا من إدراج عملية تمويل المشاريع الإنسانية تحت بند تمويل الإرهاب وهذا ما وضع عراقيل كبيرة وضخمة في مناطق الشمالي السوري.
ومن لا يستطيع تصديق هذا الكلام او استيعابه من الممكن ان يتم نشر أسماء المنظمات حرفيا وكيفية التعاملات الحاصلة والتعاون مع مكتب المنظمات، ولكن السؤال الأبرز اليوم ما الذي سيفعله مكتب المنظمات في حال اجتمع الداعمين على إيقاف المنح والمشاريع بشكل كامل على مناطق الشمال السوري وهل سنشهد ثورة جديدة مرة أخرى بعد سبع سنوات من الثورة ولكن هذه المرة ليست ضد الظلم والمطالبة بالحرية وانما ثورة جديدة للجياع ضد تحرير الشام .....؟؟؟؟
وحده السوري لم يُستَفت في أي حل يريد لبلده. كل العابثين بقضيته أدلوا بدلوهم من دون أن يُستفتوا. والكل قالوا إن الحل للقضية السورية سياسي؛ ولكنهم، ما فعلوا إلا عكس ذلك. رداً على صرخات السوري الأولى بالحرية وبحكم القانون وبالعيش الكريم؛ تدرّج النظام بحلّه "السياسي" من البندقية الروسية إلى الدبابة، فميليشيات المرتزقة/ فالمقاتلات الحربية، فالصواريخ، فالسلاح الكيميائي، وصولاً إلى الاستعانة بالاحتلال الأجنبي لإيجاد "الحل السياسي" للقضية السورية!
تطلّع السوري الذي يبحث فعلاً عن حل سياسي لقضيته إلى أن يتكوّن جسد سياسي معارض، يمكّنه من التعبير عن تطلعاته، فتنطّع مزيج غريب عجيب من السوريين لإيجاد ذلك الجسد؛ فأتى مشوها عَبَثت في تكوينه كل الأحقاد والمصالح والأنانيات والمحاصصات والثأريات والمستحاثات والاختراقات والمخابرات؛ وكان فيه قلة من الصلّاح والراشدين. ومع ذلك كله، بقي هواه مدنياً سياسياً يبحث عن حل سياسي للقضية.
تغلبت العسكرة على الجميع؛ وارتاح النظام بسحب صرخة الحرية إلى ساحته العسكرية، وصبغها بالإرهاب؛ ليبرّر قتلها بإطلاق آلاف المتشددين الحربجيين من معتقلاته؛ ومعظمهم كان قد استخدمهم يوماً في ابتزاز أميركا في العراق، لتبرير قتلها العراقيين هناك؛ فكانت مساهمته الأكبر في إنتاج "داعش" و"ماعش" وجبهة النصرة، بعد أن انتشرت الألوية والفصائل والفرق بكل أنواع التسميات من فجر الجاهلية إلى حسن نصر الله وحزب الله في الضفة الأخرى. منسوب الدم والدمار والفرار من النار حَشَرَ الأمم المتحدة، وتحيَّزت مجبَرةً إلى جانب السوري؛ وبدفع من جسد مشوه آخر أُطلِق عليه اسم "أصدقاء سورية"؛ ليبدأ البحث عن "حل سياسي"؛ فكان مؤتمر جنيف، بعد ما يقارب العامين على المقتلة السورية. كان الكل يرفضه، إيمانا بالمعادلة الصفرية: إما أنت، أو أنا. "النظام" ملتزم بشعاره [الأسد أو لا أحد]، و"المعارضة": {سورية لا تعيش بالأسد}.
أضحى الشغل الشاغل للوزير الروسي، لافروف، تلبيةً لرغبة منظومة الأسد وإصرارها على الحل العسكري، الدعم العسكري للنظام، وإفراغ أي قرار دولي يدعو إلى حل سياسي من مضمونه. أما الشغل الشاغل للوزيرة الأميركية، هيلاري كلينتون، وبعدها جون كيري، فكان أيضاً الحديث عن حل سياسي ودعم العسكرة في المعارضة، شريطة ألا تهزم النظام؛ ليصار إلى تعهيد الملف السوري، بعد سحب ترسانة النظام الكيميائية، إلى روسيا. وهنا انصبَّ عمل لافروف على مقاربة القرارات الدولية انتقائياً؛ كأن يعمل على نسف مصداقية المعارضة أو المعارضات السياسية باعتبار لقاء تمَّ في موسكو (منصة) معارضة، وآخر جرى في مكان آخر (تيار) معارضة؛ .. إلخ. ومن ناحية روح القرارات الدولية المتمثل بوقف العسكرة، وتحديداً بند "وقف إطلاق النار"، باجتزائه وتشويهه في أستانة لـ "مناطق خفض تصعيد" لم تكن إلا عملية التقاط أنفاس لاستمرار الحل العسكري، تماماً كما يريد نظام الأسد؛ وتريد موسكو وطهران.
من هنا، جاء إقحام ممثل بوتين نسخة من "دستور لسورية" في أول اجتماعات أستانة. رأت روسيا أن الحل السياسي في إيجاد دستور لسورية، وهي تعرف أن الدستور لم يُحترَم يوماً في سورية إلا بما يخدم نظام الطغمة. وعندما لم تنجح روسيا بذلك، وبعد أن استنفدت كل ما تريده، ويريد النظام عسكرياً من أستانة؛ انتقلت بالقضية الدستورية إلى "سوتشي"، في محاولة للإجهاز على مسار جنيف والقرارات الدولية. جاء ذلك، بعد أن سحبت تركيا إلى الساحة الأستانية عبر إغرائها بنكرزةٍ للغرب. وتمّمتها باشراك إيران "ضامنا" في تحالفٍ غير مقدّس تحتاجه الأخيرة. وبذا حولتهما إلى ضامنين لـ"اتفاقات أستانة" المسمومة.
استمر النهج العسكري. خفَّ منسوب الدم، لأنه لم يعد هناك سكان ليُقتلوا. نصف سورية أضحى في الشتات. زادت الجغرافيا التي يسيطر عليها "النظام" بفعل روسي - إيراني؛ و"النظام" فقط واجهة لذلك [التحرير أو الانتصار]. من جانبها، تضع أميركا يدها على ثلث البلاد المفيد وتركيا على جزء، والجزء الأكبر المرعوب الخائف المدمر روحياً واقتصادياً تحت السيطرة الفعلية الروسية - الإيرانية والشكلية الأسدية.
وهكذا فإن أسطوانة الحل السياسي المشروخة التي يجري الحديث عنها لا يمكن تفصيلها على مقاس روسيا وإيران والنظام؛ بل لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار أميركا وإسرائيل وتركيا وفرنسا وإنكلترا والأردن والسعودية و.. و.. و... أما المنسيّ في حل سياسي كهذا، والذي لا يُستفتى، ولا يُؤخَذ رأيه، فيبقى ذلك الإنسان السوري الذي يريد حلاً سياسياً حقيقياً. ومن هنا، لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي إلا إذا تمت العودة إلى جوهر القضية السورية: {{شعب يريد الحرية، يتوق للعيش في بلد واحد تحت سقف القانون، يختار من يتعاقد معه للحكم، كأي شعب يستحق العيش الكريم}}. وهنا الفرق الحقيقي بين مَن يحمل أمانة شعب ينشد الحرية؛ يريد لسورية وشعبها أن يعودوا إلى سكة الحياة، عبر حل سياسي مُشَرِّف من جانب؛ ومن يحمل "أمانة" الحفاظ على كرسي الدم المستبد الذي لا تستطيع قوة في العالم إزاحة ملفات الإجرام عن كاهلة وإعادة تأهيله. يأتي الحل السياسي بتوافق دولي وسوري عبر تفعيل إرادة دولية صادقة، تعمل على تطبيق القرار الدولي الذي ينص على انتقال سياسي تقوده هيئة حكم انتقالية سورية، تُدعم دولياً لإيجاد بيئة آمنة سليمة موضوعية، تمكّن كل السوريين من وضع بلدهم على سكة الحياة ثانية.
ما المرحلة التالية مع إيران؟ حتى وإن اعتقدت أن الرئيس ترمب قد ارتكب خطأ بالانسحاب من الاتفاق النووي، كما هو رأيي أنا، فليست هذه نهاية القصة. إلى أين يأخذنا ذلك الطريق الوعر؟
المقلق في الشأن الإيراني هو أنه ما من أحد في تلك الإدارة يملك إجابة مقنعة. فقد أوضح تحرك ترمب أنه لم يكن نتاج استراتيجية مدروسة.
يبدأ الطريق القادم بالحاجة إلى سياسة واضحة تجاه المستقبل في إيران، وليس تلك النغمة الغامضة بتغيير النظام التي كثيراً ما سمعناها.
وقد تكون هناك نقطة انعطاف قادمة لإيران بعد وفاة المرشد علي خامنئي، الذي بلغ من العمر 78 عاماً، لكن ربما يحدث ذلك بعد سنوات. ستتسبب وفاته بحدوث الكثير من المخاطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة بالقدر الذي ستتاح فيه الفرص أمامها. فقط فكّرْ في إيران في عهد صدام حسين.
في التعامل مع إيران، يجب أن تبدأ السياسة الحكيمة بتقييم واقعيٍّ لحال تلك الدولة. فقد زرت طهران مرتين، وكنت في كل مرة أُصدم فيها بأمرين؛ الأول هو أن إيران مجتمع حديث وراقٍ وشعبها يبغض علماء الدين الذين يديرون سياسة البلاد. والثاني هو أن شعبها يتطلع لأن يكون طبيعياً ويريد أن تنتهي كوابيسه الثورية.
كان هذا تفكيراً استراتيجياً عقلانياً بالنسبة إلى الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما، حيث منح الفرصة للتطبيع وللنمو التدريجي في ظل قيادة الرئيس حسن روحاني المعتدلة نسبياً. لكن من ضمن نقاط ضعف الاتفاق النووي، هو أن روحاني لم يستطع يوماً كبح حملة التدمير الإقليمي التي تشنها قوات «الحرس الثوري».
يجب أن تراهن السياسة الحكيمة تجاه إيران على الشعب، لا على النظام. يجب أن تتفادى حرباً مغامرة تجعل العراق يبدو كأنه نزهة. يجب أن تساعد تلك السياسة في بزوغ نجم إيران الديمقراطية القوية المستقرة بوصفها مصلحة أميركية قومية. ويجب أن تسعى هذه السياسة إلى تسوية نهائية بين إيران ما بعد الثورة والسعودية الحديثة.
المتطلب الثاني المهم هو تجنب التصويب على أوروبا في الوقت الذي يجب أن نهدف فيه إلى إيران. فأخطر نتيجة لسياسات ترمب هو أنها ربما تدفع باتجاه المواجهة مع أوروبا بأن تجعل شركاتها تختار بين إبرام الصفقات مع إيران ومع الولايات المتحدة. ربما يعتقد بعض أنصار ترمب أن ذلك ينطوي على الكثير من الذكاء، لكنه ليس كذلك. فمن شأن ذلك أن يضعف الإرادة من دون غرض مفيد، وربما نخسر في المحاكم الدولية.
المهمة الثالثة هي التخطيط للاستقرار الاقتصادي في إيران وفي منطقة الخليج. فإيران تحتال لتصدير نفطها أينما أُتيحت لها الفرصة، ويسعى التجار في الأسواق إلى إخراج أموالهم من البلاد، ولذلك ستضعف عملة البلاد، وسترتفع نسبة البطالة وستعم الفوضى. ربما يعتقد ترمب أنه سيستفيد من الفوضى الاقتصادية، وربما يستفيد مع مرور الوقت بالفعل. لكن في الوقت الحالي فإن آخر ما يحتاج إليه الشرق الأوسط هو وجود دولة فاشلة أخرى، خصوصاً إذا ما وسّعت من نطاق حربها الطائفية في العراق وسوريا واليمن، لينفلت بعدها الزمام.
لقد ضمن ترمب تقريباً عدم عودة الأوضاع إلى طبيعتها في إيران قريباً. وبالانسحاب من الاتفاق النووي، وضع ترمب إيران في إناء ليغلي ببطء. ربما يرغب ترمب في تعديل سلوك إيران من دون حرب، لكن ما من مؤشرات تقول إن هناك خطة لتحقيق ذلك أو استراتيجية لإنهاء الحرب في سوريا واليمن.
ولسوء الحظ فإن العام الأول لترمب في الحكم أقنعه بأن نهجه التمزيقي ناجح، ويعتقد أن تنمّره لكوريا الشمالية قد آتى ثماره بالضبط كما حدث في حربه الكلامية التجارية مع الصين. ولذلك فقد قلب الاتفاق النووي الإيراني أيضاً رأساً على عقب. أهم جوانب رهان ترمب على إيران هو أنه يذكّرنا بقرار الرئيس السابق جورج دابليو بوش غزو العراق عام 2003.
في استعراضها للأزمة القائمة نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي «5+1»، ذهبت مجلة «إيكونوميست»، العدد الماضي، إلى القول إن هذه الأزمة قد تقود إلى حرب. وأخذاً بتاريخ تلك المطبوعة ومنهجيتها في الاستقصاء، فإن الافتراض قد يكون جدياً، وقد يعتمد في الأسابيع والأشهر المقبلة على طريقة لعب الأطراف لمعطيات هذه الأزمة؛ معالجة أو مصادمة. كما وصف العملية حسين موسويان، القريب من النظام الإيراني، في مقالة سريعة له على موقع مجلة «فورين أفيرز»، بأنها «كارثة استراتيجية».
أمامنا على الأقل نظريتان تتجاذبان أطراف المعادلة، لتفسير ما بعد الخروج من الاتفاق، ودور مجموع اللاعبين فيها؛ الأصليين والثانويين:
الأولى تقول إن أي «ثورة» في العصر الحديث، في وقت ما تتحول إلى «دولة»، وإلى هذه النظرية ذهبت أطراف عدة في الغرب لسبر طريق «الاسترضاء» للنظام الإيراني، وقد كان على رأس الاسترضاء ما اتخذته إدارة الرئيس باراك أوباما من خطوات، أقنعت شركاءها في الغرب والشرق، حيث توصلت إلى اتفاق يوليو (تموز) 2015، لأن ذلك الاتفاق قد يرضي «غرور» النظام الإيراني، ويسمح لقوى «معتدلة» على مر زمن معقول، بأن تتصدر المشهد السياسي وتضبط تصرف النظام، بعد الاطمئنان إلى نيات إيجابية من الغرب للتحول إلى الدولة المسؤولة، وإن البديل، تقول تلك النظرية، أي المقاطعة والضغوط، سوف يدفع «كل الشعوب» الإيرانية لتأييد النظام، فيكسب المتشددون!
حقيقة الأمر أن إدارة أوباما لم «تكتشف» ذلك الطريق. لقد جرب الغرب، هذه المرة ممثلاً في فرنسا، ومنذ زمن، أن يسير مع تلك النظرية، في لقاء كمال خرازي ودومينيك دو فليبان، عام 2003، وكان كلاهما وزيراً للخارجية، حصل شيء من الاتفاق، كان ذلك في الثلث الأخير لولاية السيد محمد خاتمي، ولكن لم يكن الأول، وتوصل الجانبان وقتها إلى أن تقوم فرنسا بكبح المعارضة الإيرانية على أراضيها وتوسيع العلاقات الاقتصادية، فقد راهن كثير من ساسة الغرب على «احتمال اعتدال» النظام الإيراني في فترة حكم ثلاثة على الأقل من رؤساء الجمهوريات السبعة الذين وصلوا إلى سدة الرئاسة، إلا أن كل تلك المحاولات كانت بقعاً عمياء باءت بالفشل، لسبب جوهري، هو الطبيعة الآيديولوجية المبني عليها النظام الإيراني، وهي طبيعة لا تقبل بشكل عام المرونة، حيث تحمل قناعة متأصلة بأن أعمالها موجهة من الرب، وأي ليونة تعني انهيارها في نهاية المطاف.
النظرية الثانية ترى أنه بعد كل هذا التاريخ الطويل من الحكم الآيديولوجي في إيران ذي الطبيعة القطعية، فإن الشعوب الإيرانية لن تتصرف كما تصرفت في حرب السنوات الثماني (1981 – 1988) أي التحلق حول النظام وقت الشدة، وحتى ذلك الوقت الذي امتزج فيه الشعور القومي بالآيديولوجي، كان وراء التحلق أعمال زجرية وقمعية وشعارات، جعلت من المعارضين للنظام أو المترددين «خونة يجب سحقهم»، وهذا ما تم في التصفيات والمذابح الهائلة والموثقة «مجازر» في أدبيات كثيرة، بعد انتهاء الحرب مباشرة. وتذهب هذه النظرية للقول إن طائفة كبيرة من الشعوب الإيرانية لم تعد مقتنعة بالنظام، والدليل أنها انتفضت بعد إعلان انتخاب محمود أحمدي نجاد للمرة الثانية عام 2009، وقد كان هتاف المتظاهرين مترجماً إلى العربية: «اسمع اسمع يا أوباما... انت معاهم والا معانا»! ومنذ أشهر في مدينة أصفهان، وهي مدينة محافظة، خرجت مظاهرات تقول: «عدونا هنا... كذب أن يقال أميركا». أما في مدينة كازرون، فقد كان هتاف المتظاهرين: «لا تدفعونا إلى أن نحمل سلاحنا».
هذا الشعور الشعبي المعارض والمتنامي من الطبيعي أن يتوسع بعد 4 عقود من السياسات المؤدية إلى حروب وفقر وصرف أموال في الخارج على وكلاء تابعين، ونشوء جيل مختلف تماماً، يتذكر آباؤه الحكم ما قبل الديني على أنه حلم جميل! من هنا، فإن أي صراع قادم كبير وحاسم، ولن يجد النظام مؤيدين كثراً له في الداخل، بل ربما يكونون مرحبين بزيادة الضغوط الخارجية للتخلص من النظام.
المناورة التي يتبناها النظام في الوقت القصير تعتمد على عدد من الخطوات، منها محاولة جلب الدول الغربية إلى صفِّه في الصراع مع الولايات المتحدة، وهي محاولة قد تفيد جزئياً في المدى القصير، أما في المديين المتوسط والطويل، فإن شروطاً ما سوف تُقدم إلى طهران من أجل تنازل ما في الملفات المطروحة ثمناً لذلك التأييد. ومن جانب آخر، فإن المصالح التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة أكبر وأهم في المديين المتوسط والطويل من أي مصالح اقتصادية تربطها مجتمعة بإيران. وقد سمع وزير الخارجية الإيراني كلاماً في زيارته الأخيرة لأوروبا يقول: «نحن نفهم المشكلة، ولكن...»، ولن تذهب روسيا، التي تعاني من ضغوط ومقاطعة اقتصادية غربية، بعيداً مع طهران. أما الصين التي تسعى جاهدة للتعاون في ملف كوريا الشمالية مع الولايات المتحدة، فإن مصالحها هناك أكبر من أن تربطها بالوقوف مع النظام الإيراني. حدود المناورة إذن تضيق على النظام الإيراني، بل وحتى الكلام الدعائي تجاه إسرائيل، عرف الجميع حدود مناورة النظام الإيراني في هذا الملف، فإرسال صواريخه من سوريا «حفظاً لماء الوجه» ليس للأراضي الإسرائيلية؛ بل إلى الجولان فقط! يعني «حدود القدرة»، أما التهديد بعودة التخصيب، فإن الكلام فيه شيء من اللغو، لأن ذلك سوف يقطع مع أوروبا إن حدث، وربما روسيا والصين، ولن يكون للجميع حجة للدفاع عن ذلك الموقف، أي إنه كمثل إطلاق النار على النفس، وسوف يحتم ردود فعل قد لا تكون محسوبة لدى النظام أو حتى متوقَّعة. بقي استخدام بعض العرب الموالين لطهران في كل من سوريا والعراق واليمن وبعض الجيوب المنتشرة في أماكن أخرى، من أجل إثارة بعض الشغب، وهو احتمال ممكن لأن الدم العربي رخيص في نظر النظام الإيراني، كما ثبت مراراً، إلا أن هذا الاستخدام سوف يكون محدود الأثر ومكلفاً في الوقت نفسه.
وفي النهاية؛ الطريق المفتوح هو العودة إلى التفاوض، الذي له قاعدة ثلاثية كما هو معلن: لا سقف زمنياً للعودة إلى التخصيب الكثيف - لا تطوير للصواريخ الباليستية - لا للتدخل في الجوار. هذه الشروط تسقط نظرية السيد علي خامنئي: «نحارب في الجوار حتى لا نحارب في طهران»!
البنوك الدولية وشركات الشحن وكثير من الشركات العالمية، بدأت تعيد حساباتها بعد التطورات الأخيرة تجاه طهران، لأن قرار الانسحاب من الاتفاق، تضمن أيضاً مقاطعة كل الدول والشركات التي سوف تتعامل مع طهران بعد فترة سماح قصيرة؛ التومان الإيراني (كان يسمى «ريالاً» ثم عاد إلى «تومان») شهد تراجعاً كثيفاً في سعره، مع ارتفاع كبير في التضخم، الذي يؤثر على معيشة قطاع واسع من الشعوب الإيرانية، حتى التحول إلى اليورو، من خلال تصرف شكلي لا معنى حقيقياً له، لم ينقذ صرف التومان من التدهور.
من جهة أخرى، فإن حركة المقاومة الإيرانية للوضع القائم متجذرة لدى الشعوب الإيرانية، وذلك عامل يمكن حسابه في انتظار التحول المتوقع جراء العزلة الاقتصادية. وعلى الرغم من القصور الذاتي لـ«الديمقراطية» الإيرانية، حيث يقوم مجلس غير منتخب (مجلس صيانة الدستور) بتمرير أو وقف أي تشريعات صادرة من البرلمان «وهو بذاته محدود الترشح له»، فإن الانتخابات البرلمانية 2020 والرئاسية 2021، سوف تكون محطات لمعرفة تغير المزاج الشعبي الإيراني كمؤشر على تأثير المقاطعة، ومن هنا حتى الأربع والعشرين شهراً المقبلة، ليس أمام النظام في طهران إلا القبول بالتفاوض من جديد أو مواجهة العالم! إلا أن حقيقة تبقى؛ هي أن هذه الأزمة متدحرجة وقابلة للتغيرات الجذرية في كل يوم.
آخر الكلام:
يوم 10 مايو (أيار) الحالي أرسلت القوات الإيرانية 30 صاروخاً من الأراضي السورية على هضبة الجولان! 4 وقعت على أرض فضاء، والباقي فجّرتها القبة الحديدية في الجو! دليل آخر على القصور، وأن تكرار الكذبة عدداً من المرات لا يحولها إلى حقيقة!
جاءت العقوبات الأميركية والخليجية قبل أيام على شخصيات جديدة من «حزب الله» اللبناني (عسكرية وسياسية) لتعيد التذكير بأنّ السياسة الأميركية ماضيةٌ قُدُماً في مواجهة إيران وتنظيماتها في المنطقة. ومع أنّ هذه الإجراءات كانت متوقَّعةً بعد الانتخابات اللبنانية والعراقية، فإنّ اللبنانيين والعراقيين على حدٍ سواء، لا يزالون منهمكين بتقاسم الأنصبة والمراكز والسلطات على وقع نتائج الانتخابات التي زادت الأمر غموضاً!
وإذا شئنا الدقة، فإنّ التقديرات الإسرائيلية والإيرانية لنتائج الانتخابات اللبنانية كانت متطابقة. فحسن نصر الله والمسؤولون الإيرانيون والمتحدثون الإسرائيليون، كل هؤلاء قالوا إنّ طهران كانت من خلال حزب الله تسيطر عسكرياً على لبنان، وهي تسيطر الآن سياسياً للمكاسب الانتخابية التي حقّقها الحزب. نصرالله والإيرانيون يعتبرون «الانتصار الانتخابي» رداً على مزاعم القهر الذي يصيب السنة والمسيحيين تحت وطأة السلاح. إذ صوَّت للحزب هذه المرة سنّة ومسيحيون، وحصّل مرشح الحزب في بيروت أصواتاً تفضيلية أعلى من أصوات سعد الحريري! لذلك قال نصرالله إنّ بيروت هي بيروت المقاومة، وفوَّض لميليشياته الاحتفال بالسلاح في شوارعها طوال ثلاثة أيام. وعلى هذه الاستباحة علقت إسرائيل بأنّ الحزب هو من يحكم لبنان، لذا فإنّ مقاتلته الآن وليس غداً لا تحرِّر الحدود الإسرائيلية من التهديد فقط بل وتحرر اللبنانيين من سطوة الحزب!
لكنّ إسرائيل لا تزال تتوقع نشوب الحرب من سوريا أو في سوريا، على أساس أنّ قواعد إيران هناك جديدة، بينما هي قديمةٌ في لبنان، وسبق أن ضربتها إسرائيل أكثر من مرة دون أن تزول! وبينما يسلِّم خبراء عسكريون إسرائيليون بأنّ ضرب قواعد إيران في سوريا ضروري، فإنهم لا يزالون يعتبرون قواعد الحزب في لبنان أخطر عليهم.
الأميركيون والإسرائيليون يسعَون لحربٍ عاجلة، بغض النظر عن التوصيفات هل هي شاملة أم محدودة. وتصرفاتهم تدل على ذلك: بالإغارات الإسرائيلية على سوريا عبر الأجواء اللبنانية، وكانوا قد قالوا الأسبوع الماضي إنهم أنْهَوا قواعد إيران هناك، وعادوا يقولون الآن: بل هناك قواعد باقية. ثم إنّ الولايات المتحدة ما خرجت من الاتفاق النووي وحسْب، بل قالت إنها تريد مكافحة النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، والمهدِّد لإسرائيل، والداعم للإرهاب. وجاءت أخيراً قضية العقوبات على «حزب الله». وهناك تنافُسٌ بين إيران وأميركا الآن على تشكيل حكومتي لبنان والعراق بعد الانتخابات. إيران تعتبر وجودها داخل الحكومات العربية درعاً لها ورهينة، والولايات المتحدة تعتبر الوجود الإيراني في الحكومات مزعزعاً للاستقرار، فمن الذي يعلّق الجرس؟ فقبل سوريا وبعد سوريا هناك 150 ألف صاروخ إيراني في لبنان وعلى مقربة نسبية من الحدود مع إسرائيل. وهذه الصواريخ لن تُزال لا بـ «الاستراتيجية الدفاعية» من جانب حكومة لبنان الضعيفة، ولا بـ «النوايا الحسنة» من جانب إيران! إنما هناك عاملٌ جديدٌ طرأ. هو أن إيران، وبسبب هجمات ترامب المتكررة، وإغارات إسرائيل المتتالية، ما عادت في مواقع الهجوم والقدرة على الابتزاز، كما في أيام أوباما.
لذلك فالذي أُقدّره أنّ إيران لن تردَّ الآن على التصعيد الأميركي والإسرائيلي بهجوم مضادّ، بل وإثباتاً للمسالمة، ستردّ بالشكوى والتظلم، وبالذهاب إلى الروس والصينيين والأوروبيين ليقفوا معها في النووي وغير النووي. وهي متحالفة مع الروس في سوريا وسيتوثق هذا التحالف كلما اتجه الرئيس ترامب لمخاصمة العالم أجمع صوناً وتدريعاً للولايات المتحدة ولازدهارها الاقتصادي.
والتقدير أيضاً أن لا تقاوم إيران قيام حكومات معتدلة في لبنان والعراق، إنما هل يُرضي ذلك كله الولايات المتحدة.. وإسرائيل؟ ستمضي الولايات المتحدة وإسرائيل قُدماً في المطالبة بخروج الإيرانيين من سوريا، وتفكيك صواريخ «حزب الله» في لبنان، وهذا الأمر لن يجد استجابة من إيران بالطبع. لذلك فقد تصبح الحرب لا مفرَّ منها لتحقيق مكاسب نوعية أو لدفع الأخطار القائمة. وروسيا وحدها هي من تستطيع إلى حدٍ بعيد منْع نشوب نزاعٍ واسع بالتأثير على كل من إسرائيل وإيران، فهل تفعل؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع القادمة.
تحتار في تحديد السبب الذي دفع البعض، فور انتهاء الانتخابات البرلمانية اللبنانية، إلى المبالغة والقول بعودة النفوذ السوري إلى لبنان. هل يكمن في حصول رجالات من عهد الوصاية الأمنية على بضعة مقاعد نيابية؟ أم في ادعاء «حزب الله» أنه حقق فوزاً كاسحاً في تلك الانتخابات؟ أم السبب هو التشفي من زعماء لبنانيين تعاطفوا مع ثورة السوريين ولم يتسنّ لهم النجاح؟ أم ربما محاولة لإحلال رغبات وأوهام مدفونة مكان الوقائع، ومناجاة مرحلة ذهبية من تمدد النفوذ الإقليمي للنظام السوري، يحدوها ما يحققه الأخير وحلفاؤه من تقدم عسكري على حساب جماعات المعارضة؟!
بداية ومع الاعتراف بأن خريطة المقاعد النيابية والاصطفافات البرلمانية قد تغيرت، وبأن ثمة أكثرية ذهبت نظرياً لمصلحة «حزب الله»، يصعب في ظل التركيبة الطائفية اللبنانية والتوازنات القائمة إقليمياً ودولياً، وما وصل إليه الوضع السوري من ضعف وارتهان، ترقب تحولات نوعية تحدثها هذه الانتخابات لفائدة السلطة السورية أو تمهد لعودة دورها المؤثر في الحياة السياسية والأمنية اللبنانية، وإذا كان ثمة تحذير وخوف من دور جديد للنظام السوري إقليمياً وفي لبنان، فإنهما يتأتيان من احتمال تقدم حاجة روسيا في توسل هذا النظام لخوض معارك حضورها ونفوذها في المنطقة، أو ربما من نهج سلطوي عتيق يستسهل التدخل والتحرش في لبنان وغير لبنان، لتحويل الأنظار عن ارتكاباته الداخلية وعمق أزماته المتفاقمة، مستعيناً بفائض قوة من جماعات عسكرية سلطوية خلفها الصراع وصارت عبئاً عليه.
واستدراكاً، فإن من يدعي أن نتائج الانتخابات اللبنانية صبت في مصلحة دمشق ودورها الإقليمي، يغفل أو يتغافل عن ثلاث حقائق؛ أولها، أن العملية الديمقراطية في لبنان وأياً تكن نتائجها تشكل حصانة للدولة وحافزاً لمكونات المجتمع كي تعبر عن ذاتها، ما يحاصر تفرد أي طرف في الهيمنة، ويحجم موضوعياً التدخلات الخارجية وخاصة من جانب النظام السوري الذي خبره اللبنانيون جيداً وعانوا منه طويلاً ولديهم من المظالم والذكريات المؤلمة معه ما يكفي لحضهم على مواجهته ومنع عودته إلى بلادهم. وثانيها، حدود دور الندوة النيابية، وأياً كانت توازناتها، في المشهد السياسي اللبناني ما دام سلاح «حزب الله» حاضراً، وما دامت لديه القدرة على تهديد وابتزاز هيئات المجتمع ومؤسسات الدولة ومحاصرتها، مثلما كان الحال عندما عطل لسنوات دور البرلمان والحكومة. وثالثها، إن من يستحق الإشارة إلى فرصته في قطف ثمار هذه الانتخابات، إنْ كانت هناك ثمار، ليس النظام السوري، بل إيران التي تعتبر تمدد «حزب الله» في مؤسسات الدولة اللبنانية إحدى الوسائل المضافة لتعزيز نفوذها الإقليمي، في حين لا يرى من يراهن على عودة النفوذ السوري من البوابة الإيرانية، أو لا يريد أن يرى، التباين النسبي في المصالح والحسابات بين دمشق وطهران، وتالياً بين «حزب الله» والنظام السوري، ولعلها لا تزال طازجة الانتقادات التي وجهها أحد أعضاء لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني عن سلبية الموقف السوري من الغارات الإسرائيلية على مواقع «الحرس الثوري»، وتمنين نظام دمشق بأن طهران هي من أنقذه ومنع سقوطه!
صحيح أن لسوريا موقعاً مفصلياً في منطقة حساسة من العالم لم تعرف الاستقرار بسبب التنافس الشديد للهيمنة عليها، وصحيح أن الانقلابات العسكرية التي حصلت فيها وتناوبت على السلطة منذ الاستقلال عام 1946 كانت محصلة لصراع القوى العربية والعالمية للسيطرة على هذا البلد والتحكم بموقعه ودوره، وصحيح أن السلطة نجحت، خلال العقود الأخيرة، في نقل سوريا من ساحة نزاع وملعب لمشروعات الآخرين واختباراتهم إلى لاعب رئيس في المنطقة، وبات لها نفوذ ودور يتجاوزان حدودها في ملفات كثيرة، أهمها فلسطين ولبنان، حتى صار نظام دمشق أشبه بقبلة للنخب اللبنانية والفلسطينية، عنده الحل والربط، وعلى يده تقرر النتائج وشروط معالجة أي حدث أو توتر، لكن الصحيح أيضاً أن معظم معالم تلك الصورة قد اختفت اليوم وتغيرت الأوزان والمواقف والاصطفافات، وبتنا أمام صورة جديدة لبلاد تئن تحت الخراب والدمار وأعداد ما فتئت تزداد من الضحايا والمعتقلين والمفقودين والمشردين، تحدوها استباحة غير مسبوقة لوطن استسهلت أطراف دولية وإقليمية العبث بمكوناته ومقدراته وتوظيفه كورقة لتحسين الموقع واستنزاف الآخر.
لقد ساهمت الثورة السورية، وبلا شك، في إشغال النظام عن أدواره الإقليمية ودفعته للالتفات إلى همومه الداخلية، لكن انحسار نفوذ النظام السوري في المنطقة، لمن يحلو له تحميل المسؤولية لثورة السوريين، كان سابقاً لها، ربطاً بتداعيات الاحتلال الأميركي للعراق وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وتقدم مصلحة غربية وعربية في تخليص النظام من دور إقليمي عانوا منه كثيراً، وربطاً بتنامي حصة النفوذ الإيراني في المشرق العربي على حساب حليفه السوري، لكن يبقى السبب الأهم هو النهج العقيم للسلطة السورية في تأكيد دورها وفرض هيمنتها إقليمياً، وإصرارها على الأساليب الأمنية ومنطق القوة والغلبة في إنتاج القوى والمواقع على حساب صحة الوضع الداخلي وعافيته.
إن السوريين يدركون مدى المسؤولية التي يتحملها النظام عما حل بالبلاد عندما أنكر الأسباب الحقيقية لثورتهم وصم أذنيه إزاء كل الدعوات لإبقاء الصراع وحلوله في الإطار الوطني، واعتمد منذ اللحظة الأولى القوة المفرطة والعنف المنفلت، متوغلاً إلى نهاية الشوط في سفك الدماء وتدمير البلاد وتحطيم مقدراتها، وفاتحاً الباب لاستجرار أي دعم خارجي يضمن بقاءه وامتيازاته، بما في ذلك استيلاد ما أمكنه من قوى التطرف الإسلاموي لتشويه الثورة السورية وعزلها، ويدركون أيضاً أن لا مصلحة لهم في التدخل بشؤون الآخرين واللعب بأوراق النفوذ الإقليمي التي كلفتهم كثيراً ومكنت الاستبداد من خنق أرواحهم وخياراتهم، وأنهم بتحررهم من العنف والقهر والفساد، هم وحدهم القادرون على وقف تحويل بلادهم إلى ساحة لصراعات الآخرين.
في تصريح لافت لمستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، أعرب أن الولايات المتحدة الأميركية مستعدّة لفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي لن تلتزم حكوماتها بمطالبة الرئيس دونالد ترامب بوقف التعامل التجاري والمالي مع إيران، إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي رعته دول 5+1 في العام 2015. ويحمل هذا التصريح إنذاراً قوياً للدول الأوروبية المناهضة والمستاءة من الموقف الأميركي من أجل البدء جدياً بالتفكير في صياغة اتفاق جديد صارم يقطع الطريق على طهران لجهة طموحات أنشطتها النووية العسكرية، ويضع قيوداً على برنامجها الصاروخي العابر للقارات، ويلجم دعمها الجماعات الإرهابية العابرة الحدودَ التي تستخدمها مخلباً لزعزعة استقرار دول المنطقة ومحاولة السيطرة على سياساتها ومقدراتها.
وفي حين تبدي الدول الأوروبية الراعية للاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) امتعاضاً شديداً من التشدد الأميركي، يبدو أنها بدأت تبحث عن طرق خلفية بحيث تساعد شركاتها التي لديها تعاملات تجارية مع إيران في الإفلات من العقوبات الأميركية، وهي قد تكون على شكل إعفاءات استثنائية أو طلب تأجيل للخروج من العقود والالتزامات مع الشركات الإيرانية لضبط الخسائر المتوقعة والمقدرة بمئات البلايين.
ولو افترضنا أن الولايات المتحدة ستخفف من قبضة تشددها من أجل ضمان مصالح حلفائها الأوروبيين، إلا أن الأمر القطعي وغير القابل لأي تعديل البتة هو قائمة الثوابت الأميركية التي طالبت بها واشنطن غريمتها طهران، وعلى رأسها: تخلّي إيران عن مواقفها العدوانية من جيرانها في منطقة الشرق الأوسط، ووقف دعمها «حزب الله» الذي كان الشريك الأساسي في دعم آلة بشار الأسد العسكرية الموجهة ضد المدنيين من أبناء سورية، ووقف شحنات الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ الباليستية التي ترسلها للجماعات الحوثية في اليمن لتقويض الاستقرار في دول الخليج، لا سيما في المملكة العربية السعودية، وأخيراً وليس آخراً إنهاء الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة وحلفائها والامتناع الفوري عن تهديد السفن العسكرية الأميركية في الخليج العربي وبحر عدن والتوقف عن ترديد شعارات تدمير إسرائيل والخطاب التحريضي ضدها.
لكن، ما هي المنعكسات في الطرف الآخر من المعادلة الصعبة على مترتبات الانسحاب الأميركي المدوّي من اتفاق فيينا؟
لا يخفى على القارئ الحصيف للمشهد السياسي الدولي أن إيران تعي تماماً مأزق الأوروبيين، وأنه لا يمكنهم أن يقدموا لها الكثير بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق رغم إعلانهم عن تمسكهم به. فالدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني ستجد صعوبات كبيرة في التعامل مع طهران في المستقبل القريب وذلك مرده للعقوبات الكبيرة التي ستفرضها الولايات المتحدة على إيران حيث ستطاول دورة المال للشركات التي تتعامل معها. وإيران تعي تماماً أن حلفها الإقليمي المصلحي والمحدد مع تركيا وروسيا لا يمكنها صرفه خارج الحدود السورية البتة، وهو مرتبط بحالة تقترب من التسوية السياسية بين الدول الضامنة الثلاث في مؤتمرات آستانة المتلاحقة، ودائماً على حساب الحق السوري الذي غدا مرتهناً لدى الدول. وأن الولايات المتحدة يمكنها أن تخترق ذاك الحلف الثلاثي في أي وقت تشاء، وليس تاريخ الضربة العنيفة التي وجهتها للمواقع العسكرية الإيرانية في سورية بتاريخ 15 نيسان (أبريل) ببعيد.
أما إسرائيل، حليف أميركا، فقد سارعت وضربت بقوة المواقع العسكرية الإيرانية وراداراتها في العمق السوري بعد ساعة واحدة فقط من إعلان الانسحاب الأميركي من الاتفاق الإيراني، وهي برأيي ضربة تهدف سياسياً إلى توجيه رسالة قوية لطهران بأنها مستعدة لمنازلتها في سورية متى شاءت، وتهدف عسكرياً إلى تنظيف سورية من الوجود العسكري الإيراني استعداداً لمواجهة مباشرة وشاملة مع طهران وعلى أرضها.
فصل المقال: هل ترتدع طهران وتقرأ وتستفيد من درس بيونغ يانغ النووي، أم هي ماضية في صلفها الذي ستدفع ثمنه غالياً، ثمناً لا نريده للشعب الإيراني الذي لا حول له ولا قوة!
ستة من قادة «حزب الله» أصبحوا على القوائم المحظورة في ست دول خليجية وأميركا. خلفية الموضوع مهمة أيضاً.
ففي مثل هذا الشهر من العام الماضي افتتح المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب، في أعقاب مذكرة التفاهم الموقعة بين دول الخليج والولايات المتحدة في الرياض أثناء زيارة الرئيس دونالد ترمب.
صحيح أن الستة المحظورين لا يملكون حسابات بنكية سعودية أو غيرها من دول الخليج ولا يزورونها، ولا حتى الولايات المتحدة، إنما الحظر هو جزء من سياسة مواجهة تهدف إلى التضييق على إيران ووكلائها في المنطقة.
وسبق إعلان القائمة السوداء هذه إعلان وقف نشاطات مؤسسات مالية رصدت في الإمارات كانت تحول الأموال إلى إيران، وكذلك قبل أيام قليلة تم وضع بنك البلاد العراقي على القائمة المحظورة، وفق بيان من وزارة الخزانة الأميركية التي هي أيضاً عضو في المركز الدولي.
ويمكن أن ننظر إلى قائمة الستة من «حزب الله» على أنها تعبر عن التفريق بين لبنان و«حزب الله»، رغم أن الحزب يسعى دائماً إلى الجمع بين الكيانين وجعل ستة ملايين رهينة يدفعون ثمن أي عقوبات توقع به.
التنسيق القائم بين الدول السبع ضد نشاطات إيران قديم نسبياً، لكنه أصبح أقوى بعد إلغاء الالتزام الأميركي بالاتفاقية النووية، حيث إن واشنطن انخرطت فعلياً في العقوبات الاقتصادية التي توقفت خلال السنوات الثلاث الماضية.
إيران تملك السلاح والميليشيات وتنخرط في القتال في عدد من دول المنطقة وخارجها، وفي مقابل هذا لا تريد الدول المضادة أن تدخل معها على المستوى والأسلوب نفسهما في نشر العنف. هذه الدول مع كثير من الدول الحليفة الأخرى أسلحتها اقتصادية وتقنية ومعلوماتية. ما تتعرض له العملة الإيرانية من شبه انهيار في سعرها جاء بعد إعلان واشنطن تفعيلها العقوبات الاقتصادية. بين السلاحين والحربين سنرى الحكومة الإيرانية في أزمة خطيرة أكثر من الدول التي تعاديها.
والذين ينتقدون عادة ما يعتبرونه تخاذل دول المنطقة وأن عليها أن تواجه إيران بسلاحها، سلاح العنف والحرب، قد لا يدركون أن سلاح الاقتصاد والمقاطعة بمشاركة دول كبرى هو أنجع وأمضى. فإيران تعتمد بشكل أساسي على مداخيلها النفطية بتمويل حروبها في سوريا واليمن، وهي تتولى تمويل «حزب الله» بنحو سبعمائة مليون دولار سنوياً، وتدفع معظم ميزانيات تنظيمي «حماس» في غزة والحوثي في اليمن. باستثناء سوريا فإن الجيش والحرس الثوري الإيرانيين لا يقاتلان مباشرة. يرسلان المال والسلاح والمدربين، وبالتالي نحن على أبواب حرب مختلفة.
لست من الذين انطلت عليهم يوما أكذوبة "النظام العربي" حول فلسطين التي زعمت أنها "قضيته المركزية"؛ ولم يصدّقها غير سذج العامة من العرب وبهاليلهم.
لو كانت فلسطين حقا "قضية العرب المركزية"، لتمحورت علاقاتهم ومواقفهم ومصالحهم حولها، ولتمت رؤية كل شأن من شؤونهم، وعلاقة من علاقاتهم الداخلية والخارجية، بدلالتها، ولما تعاملوا معها خلال نيف وقرن باعتبارها مشكلة ثقيلة الوطأة فرضت نفسها عليهم، لا بد من إبقائها برانية بالنسبة لنظمهم، وإبقاء شعب فلسطين غريبا عن شعوبها، كي لا يدسّ الفلسطينيون أنوفهم في شؤونها، ويتحولوا إلى صاعقٍ يفجّر ما في أوضاعها من ديناميت سياسي واجتماعي.
بما أن فلسطين لم تكن يوما "قضية العرب المركزية"، فقد رأت نظمهم فيها قبل عام 1948 مصدر خطر يتحدّى قدراتها، وتفاعلت معها بالحد الأدنى من الالتزام، وسط صراخ "قومي" يصم الآذان، وتحاشت الانخراط الجدّي في معركتها، لاعتقادها أن عائده السياسي سيكون كارثيا عليها، وأن من الأسلم تحاشيه بجعل الصراع على فلسطين مسألة تخصّ شعبها وحده، فإن حدث واضطروا لخوضها، فليكن همهم إبقاء دورهم فيها محدودا. وهكذا كان، فقد همش العرب دورهم الفلسطيني في مؤتمر بلودان وحرب 1948، وحولوا اتفاقيات الهدنة إلى سلام أمر واقع مع إسرائيل، وصولا إلى منع فلسطينيي بلدان اللجوء من ممارسة حقهم في النضال من أجل وطنهم، انطلاقا من أراضيها، واعتبارهم مسألة أمنية لا بد أن تضبطها أجهزة القمع.
ما أن توهمت نظم العرب أنها وضعت فلسطين وقضيتها على الرف، حتى نقلتها حرب 1967 إلى داخلها، حين تفلسطنت هي نفسها من خلال اجتياح إسرائيل ما كان تحت الحكم الأردني من فلسطين، وصحراء سيناء المصرية، وأهداها حافظ الأسد الجولان عبر بيان بثته إذاعة دمشق. دخلت مفاعيل القضية الفلسطينية إلى داخل البلدان العربية، وظهرت فداحة التعامل معها بوصفها مسألةً برّانية، والاعتقاد بأن القبول بإسرائيل أمراً واقعاً أنقذ النظم العربية من المصير الفلسطيني. بيد أن النظم لم تتعلم شيئا من هزيمتها، ولذلك ركّزت جهدها على استعادة وضعها قبلها، بالثمن الذي تطلبه واشنطن وإسرائيل، وبما أن هزيمتها كانت بنيوية وراسخة، فإنها تعايشت معها، كما يفعل نظام الممانعة السوري منذ نيف ونصف قرن، ولا يجد وزراء خارجية الدول العربية ردا على مقتل وجرح آلاف الفلسطينيين في غزة غير الاستعانة ب "المجتمع الدولي" إياه الذي يستمتع منذ سبعة أعوام بذبح السوريين.
يهرب النظام العربي مرة جديدة من التزاماته تجاه فلسطين وشعوبه، ويطمر قضيتها في رغاء كلامي تافه، بينما تمتد قبضة الصهاينة عبر الحدود لتمسك بخناق "أمةٍ" غيبها حكامها حتى غدت افتراضية، قرر وزراء خارجيتها التعبير عن عجزهم عن التصدّي لإسرائيل خلال اجتماعهم في جامعة الدول العربية، بإجراء استخارة دولية بشأن ما عليهم عمله "للقضية المركزية" التي يتفرّجون منذ أسابيع على شعبها، وهو يذبح بيد جيش إسرائيل، لمجرد أنه لم يفقد ذاكرته بعد، وقرّر التظاهر على أرضه، ليذكّر بحقه في العودة إلى وطنٍ كانت "الشرعية الدولية" قد أقرّته رسميا قبل سبعين عاما، من دون أن تفعل شيئا لتطبيقه، بينما وجد الرئيس عبد الفتاح السيسي الجرأة في نفسه أخيرا على فتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزه خلال شهر رمضان، في مقابل إغلاقة خلال الأشهر الأحد عشر الباقية من السنة، على الرغم من أنه معبر دولي يعني إغلاقه استكمال وإحكام حصار إسرائيل للقطاع وشعبه، ورفض فك هذا الحصار عنه، بما في ذلك من انصياع للعدو واستهانة بدماء وحقوق شعب عربي، وقع المواقف العربية عليه أشد إيلاما من رصاص إسرائيل القاتل!
بعد أسبوعٍ عاصفٍ في السماء السورية، عاد الهدوء إلى العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، وربما قريبا يجري التوصل إلى توافق بينهما، وسقطت أوهام كثيرين ممن اعتقدوا أن الحرب بين الدولتين قادمة لا محالة. ولا يخفى أنه من دون تشجيع إسرائيل، وغض نظرها، ما كانت طهران قادرةً على التمدّد في سورية، ومراكمة السلاح والقواعد العسكرية فيها، سبع سنين متواصلة، فتل أبيب تعرف أنه من دون طهران ما كان من الممكن لعملية التدمير المنظم لسورية، دولةً وشعبا، أن تستمر أو تحصل.
محور الصراع الذي تفجر اليوم بين طهران وتل أبيب يدور حول قطف ثمار هذه الحرب التي شنت بالتعاون ضمنا بين طهران وروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة على سورية، وحوّلتها إلى فريسةٍ، تتنازعها ضواري المنطقة والعالم.
وعلى الرغم من عنتريات نتنياهو الاستهلاكية، ليس لإسرائيل مصلحة في شن الحرب على إيران ونزع سلاحها، باستثناء السلاح النووي الذي تريد الاحتفاظ باحتكاره في الإقليم. فهي بحاجة إلى طهران، للإبقاء على الحرب القومية والطائفية بين العرب والفرس، والسنة والشيعة، وتسعيرها، وتحييد عموم المنطقة عقودا طويلة مقبلة. لكن مصلحتها الأساسية تكمن في منع طهران من أن تستفيد من انهيار سورية لفتح جبهة حرب مناوشاتٍ وتسللٍ على حدود الجولان، تستخدمها، كما كان الأمر في جنوب لبنان قبل حرب 2006، للضغط على إسرائيل والغرب من جهة، ولتبرير سياساتها التوسعية في المشرق العربي واحتلالها سورية، والإبقاء على أسطورة "عقيدة المقاومة" التي تستند إليها في بناء شرعية نظامها، أعني عقيدة مقاومة الصهيونية والغرب، حية وفاعلة ثانيا، وللتغطية أخيرا على فشل سياستها الاجتماعية والاقتصادية، وتنامي التوترات في الداخل الإيراني نفسه ثالثا.
ولأن أحدا لا يريد التصعيد ولا الحرب، وإنما حصة أكبر من الفريسة السورية، وهذا ما أكد عليه الطرفان بتصريحاتٍ علنية، جاءت الضربة الإسرائيلية ردا على صواريخ طهران على الجولان، كما وصفها محللون عسكريون إسرائيليون، متزنة، لا قوية ولا ضعيفة. ولترك باب التفاوض مفتوحا، قللت طهران أيضا من أهمية الضربة الإسرائيلية، واعتبرت أنها ليست معنية بها، وإنما كان هدفها سورية. ولذلك بدل أن ترد عليها عسكريا، أصدرت بيانا يدين انتهاك سيادة دمشق وحرمة أراضيها وحقها في الرد.
وفي السياق ذاته، قرّرت روسيا إيقاف صفقة تسليم صواريخ إس 300 لدمشق، كما نقلت صحيفة إزفيستيا الروسية عن فلاديمير كوجين، مساعد الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال إن "لدى الجيش السوري بالفعل كل ما يحتاجه".
إذا كانت طهران تريد من احتلالها سورية ضمّها إلى الهلال الشيعي، والوصول بحدود إمبراطوريتها الموهومة حتى شاطئ المتوسط، والتموضع، إذا أمكن، على حدود إسرائيل، لتبرير جميع مشاريعها السياسية والجيوسياسية والطائفية، فإن ما تسعى إليه إسرائيل، في هذه المواجهة العسكرية السياسية معا، هو أن تمنع طهران من تحقيق هدفها الثاني، وعدم السماح لها باستخدام العمليات العسكرية، ولو المحدودة، لتعكير صفو الأمن الإسرائيلي. لكن إسرائيل لا تمانع في أن تبقى طهران في سورية، وتشغل كل ميادين النشاط فيها، بل إنها تشجع عليه. وكل ما يهمها تأمين شريط حدودي على مدى 40 كلم من حدودها، خال من الوجود الإيراني، بالإضافة إلى القضاء على مخازن الأسلحة الاستراتيجية الإيرانية التي تهدد أمنها. أي تطبيق ما ضمن لها الأمن والاستقرار، بعد توقيع التفاهم في جنوب لبنان في 2006، والذي قضى على عمليات حزب الله تماما في شمال فلسطين المحتلة، ودفع مقاتلي هذا الحزب إلى المشاركة في احتلال سورية بعد سنوات قليلة من "البطالة الجهادية".
السؤال: هل ستقبل طهران التراجع عن طموحاتها المعلنة بجعل جنوب سورية بديلا لجنوب لبنان، والتخلي عن فذلكة المقاومة التي تشكل موردها الوحيد لنيل الشرعية لمشروعها التوسعي والإمبراطوري والاستبدادي معا لدى الرأي العام العربي والإيراني؟ في اعتقادي نعم. ليس لطهران أي مصلحةٍ في أن تصعد وتدفع إلى الحرب. هي تقول علنا إنها تحتل سورية لتمنع عن نفسها الحرب وليس العكس. سوف تفاوض طهران على ما يمكن أن تبتلعه من الفريسة السورية، وهو أكبر بكثير مما يعتقد كثيرون، اقتصاديا واستراتيجيا واجتماعيا. هكذا تكون نغمة "المقاومة" قد حققت أهدافها، وحولت سورية إلى منطقة نفوذ إيرانية، بينما ستؤدي الحرب مع إسرائيل إلى إخراجها منها.
لكن، مهما كان الحال، سواء قبلت طهران تقاسم النفوذ من مستوى أدنى في سورية مع إسرائيل والدول الأخرى، بمفاوضات علنية أو سرية لا فرق، فقد جاء موقف النأي بالنفس الهزيل الذي اتخذته في المواجهة الأخيرة مع تل أبيب، وتحميلها المسؤولية فيها لحلفائها السوريين، لتكشف حقيقة سياسات المقاومة التي تدّعيها وغاياتها الحقيقية. وقد كانت الحصيلة الفعلية لهذه السياسات التي تتاجر بالمقاومة لتحقيق غايات مناقضة لها تماما:
• تدمير سورية التي تشكل قاعدة العمل الوطني العربي لمواجهة إسرائيل في أي نظام قادم لا يراهن على بقائه عن طريق ضمان أمن إسرائيل.
• تسميم علاقات الدول والشعوب في المنطقة بإشعال الحروب الأهلية الطائفية والقومية، في سورية ولبنان والعراق واليمن، وتمزيق نسيج شعوبها الوطني، لتمكين طهران من اختراقها وسوق شبابها في مليشيات مرتزقة بالآلاف على معارك استعادة عظمتها الإمبراطورية الدارسة.
• تقويض نظام الدولة والقانون في المشرق، لصالح إطلاق قوى المليشيات والجيوش الخاصة التي لا تخضع سوى لإرادة أمرائها وتأويلاتهم الدينية أو ولاءاتهم القبلية.
• تقديم الذريعة للدول الكبرى للتدخل في المنطقة، واستباحة سيادة بلدانها وتوسيع حضورها العسكري والأمني، كما لو أن الأمر تحول إلى عودة حكم الوصاية الأجنبية في عمومها.
• دفع نظم عربية عديدة خائفة على نفسها من الاجتياح الإيراني إلى الارتماء على إسرائيل، ومد جسور التحالف السري معها، والإجهاز على تفاهم الحد الأدنى الذي كان قائما بين دولها للحفاظ على مقاطعة إسرائيل، وعدم التفريط بالحقوق الفلسطينية.
• بدل أن تساهم سياسة "المقاومة" الطائفية التي نظمتها طهران وحلفاؤها في تحرير القدس، سرعت في عملية إلحاقها باسرائيل، وعطلت أي مساع إقليمية لمواجهة سياسة ترامب العدوانية.
• وكانت الحصيلة النهائية لكل ما ذكر نصرا مجانيا مدوّيا لإسرائيل، على المستوى الجيوسياسي والسياسي والمعنوي، لم تعرفه منذ إنشائها في 1948، ولم تكن تحلم به في أي احتمال.
هكذا أصبح بإمكان تل أبيب أن تطمح إلى لعب دور رئيسي في رسم مستقبل النظام الإقليمي الجديد، على حساب تفكّك المنطقة، وتدهور العلاقات الإقليمية بين دولها، وتنامي مشاعر العداء في ما بين شعوبها ومجتمعاتها. وهي التي تطمح إلى أن تحتل الموقع الذي خسرته طهران، بسبب سوء اختياراتها، قوة إقليمية شريكة الدول الكبرى في تقرير مصير المشرق ومصير بلدانه. ومنذ الآن، أصبحت تل أبيب الدولة الوحيدة التي تنسق مع القوتين الكبريين، روسيا وأميركا، وتضع شروطها في عملية ترتيب أوضاع سورية الجديدة النازفة، وتقاسم مناطق النفوذ فيها.
في المقابل، لم يبق لطهران التي حولت إسرائيل من بلد معزول وأجنبي في المنطقة إلى واحدة من الدول القليلة المقرّرة، مع أميركا وروسيا، لمستقبلها، من دور تحفظ لنفسها فيه بعض المكانة الإقليمية سوى تكملة سياسة إسرائيل، ومدّها بعوامل القوة والشرعية، من خلال النشاط الوحيد الذي أظهرت البراعة فيه، والذي ينسجم مع تفكير نخبتها السياسية الطائفية العقيمة القائمة: تسعير الخلافات والنزاعات القومية والدينية والسياسية داخل مجتمعات المنطقة، وفي ما بين شعوبها، وإشعال الحروب الداخلية وتمويلها، على حساب تحرّر الشعب الإيراني، واحترام حقوقه وازدهاره.
جاءت نتائج الانتخابات العراقية مفاجأة سيئة لإيران؛ هي بدأت التدخل في المنطقة من البوابة العراقية، وليل الأحد الماضي سارت المظاهرات في بغداد تهتف: «إيران بَرّه بَرّه، بغداد صارت حرة».
المنطقة هي إحدى «الأدوات» بين أيدي إيران لتخفيف الضغط الدولي عنها، ثم هناك تطلعها إلى النفوذ. هي تظن أن إسرائيل تسيطر على المنطقة، وتريد أن تحل محلها، تدرك أن العراق لا يزال تحت التأثير الأميركي، لهذا تركز على محور المقاومة الذي يضم بنظرها: إيران، وسوريا، ولبنان («حزب الله») والحوثيين في اليمن، وتريد بالتالي تقوية هذا المحور. تتطلع إيران إلى أن تصبح «قوة عظمى» في المنطقة للوقوف في وجه النفوذين الأميركي والروسي.
قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني يريد أن تغادر أميركا العراق وسوريا لأنها تشكل شوكة في خاصرته. ولأن إيران تريد إظهار أن لديها القوة وليس النفوذ فقط، فإنها تدعم الحوثيين بالصواريخ لإطلاقها على المملكة العربية السعودية، تريد أن يكون لها عمق استراتيجي وتبعد الحرب عن حدودها. ترى أن قوتها في المنطقة ستأتيها بمنافع اقتصادية ضخمة كإعادة بناء سوريا واليمن. الملاحظ أن كثيراً من دول المنطقة في عداد أصدقائها، باستثناء السعودية ودولة الإمارات. أما سوريا والعراق، فقد بدآ يظهران عضلاتهما. خطة إيران التمسك بلوحة التحكم (Control Panel)؛ إذا أرادت الضغط على السعودية تحرك الحوثيين. هي تريد أن تكون لها نقطة عسكرية في اليمن ضد السعودية والبحر الأحمر، لأنه من الأفضل لها أن تقاتل السعودية من اليمن وتبقى في حال ارتياح؛ تمد الحوثيين بالصواريخ، وهذا خرق فاضح للقرار الدولي رقم 2216 الذي يمنعها من إرسال الصواريخ إلى اليمن. عندما أسقطت الدفاعات السعودية صاروخاً أطلقه الحوثيون على الرياض، عقدت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي مؤتمراً صحافياً كشفت فيه جزءاً من شظايا ذلك الصاروخ وعليه اسم «SBIG»، وهو نوع من الصواريخ الإيرانية، فاضطرت الأمم المتحدة إلى إرسال خبراء إلى إيران للتحقيق، فجاءوا بتقرير كامل. لم يقولوا إن إيران خرقت القرار الدولي، بل «لم تمنع» تصدير الصواريخ. ورغم ما تصنعه إيران للحوثيين، فإنها لا تستطيع السيطرة عليهم بالكامل، كما تفعل مع «حزب الله» في لبنان.
تنفي إيران دائماً أن صواريخها للهجوم، لكنها تصدرها إلى الحوثيين، كما تصدر لهم كيفية التصنيع، وهذا يسمح لها بالنفي، وتوفر لهم المال؛ إذ إنهم لا يملكون المال؛ وهذا معروف.
النقاط العسكرية الأخرى التي تركز عليها إيران منها 3 ضد إسرائيل؛ الأولى: «حماس» و«الجهاد الإسلامي». حركة «حماس» تبحث دائماً عن سيد، والسيد الآن هو إيران، فغزة بالنسب لها هي الأصغر والأسهل.
النقطة الثانية هي «حزب الله» الذي يقول إنه لبناني، إنما في الواقع هو ذراع إيرانية، توفر له إيران السلاح والمال والصواريخ والقدرة على التصنيع، وتسيطر عليه بالكامل على عكس وضعها مع الحوثيين اليمنيين.
أما النقطة الثالثة؛ ففي عام 2011 جاءت إيران لمساعدة بشار الأسد: قتل كثير من الإيرانيين في تلك السنة؛ نحو 700، اضطرب المرشد «الأعلى» علي خامنئي، فطلب من سليماني إدخال «حزب الله»، ثم بدأت بتشكيل ميليشيات شيعية أفغانية وباكستانية ومقاتلين شيعة من خارج سوريا، من هنا جاء قول السيد حسن نصر الله في إحدى خطبه إن جيوشاً عربية وشيعية ستأتي إلى لبنان للحرب مع إسرائيل!
الآن يمكن القول إنه صار لإيران قوات متحركة ولها عملاؤها، إنما في السنتين الأخيرتين رأيناها تدخل مباشرة في المواجهة؛ إذ بعدما أقدم «داعش» على الهجوم على مجلس الشورى الإيراني، أطلقت إيران صاروخاً فوق العراق مداه 700 كلم لقصف مخيم لـ«داعش» في سوريا. بهذا أظهرت ما تملكه من قوة. وفي 10 فبراير (شباط) الماضي أرسلت إيران طائرة «درون» من سوريا عبر الأردن باتجاه إسرائيل، وكان هذا إظهاراً للقدرات الإيرانية، بعدها أسقط السوريون طائرة «F16» إسرائيلية. أما الـ«درون» الإيرانية فكانت تحمل متفجرات واعتمدت في تصميمها على طائرة الـ«درون» الأميركية التي كانت إيران أسقطتها.
ويقول لي خبير عسكري غربي إن المنطقة كانت على بعد دقائق من الحرب، بسبب الـ«درون»، ولو أن الحرب اشتعلت لدارت في سوريا، ولهذا صرنا نرى الأسد الآن أكثر حذراً، فهو يعرف قوة إسرائيل، وأنه إذا تحولت سوريا إلى ساحة حرب، فإن إسرائيل ستهاجم أنظمة وقواعد الدفاع الجوي السورية.
في الأشهر الأخيرة صار الأسد يتحدى الإيرانيين، لأنه يكفي سوريا الحروب الدائرة فيها، فإذا طلبوا عملية عسكرية معينة يحيلهم إلى روسيا.
يقول محدثي إن روسيا لا تريد الحرب ولها مصالح، أما طلباتها من كل الأطراف المشاركة في الحرب السورية فهي: عدم مهاجمة القوات الروسية في سوريا. حياة الروس يجب أن تكون محمية. أيضاً: لا تأخذوا المنطقة إلى الحرب، ثم الإبقاء على بشار الأسد في السلطة. هو الآن يساعدهم، أما إذا تحداهم فسيتخلون عنه.
يريد الروس وجوداً لهم في المنطقة، والمعادلة المطروحة في نظرهم: إسرائيل لأميركا وسوريا لروسيا.
من ناحيتها، تريد إيران قواعد عسكرية وبحرية في سوريا. روسيا تمنعها من ذلك. وما دام لا أحد يصيب الروس، فروسيا لا تتحرك. وكنا رأينا في 9 مايو (أيار) الحالي الرد الإسرائيلي على قواعد إيرانية في سوريا. ليلة القصف احتجت إيران بأن إسرائيل تقصف قواعدها العسكرية في سوريا، في اليوم التالي تراجعت وقالت إن الصواريخ العشرين التي أطلقت على إسرائيل أطلقها السوريون.
الأدوات التي تملكها إيران هي قوات «فيلق القدس». إنها رمح المؤسسة الإيرانية الأمنية، تأسست لحماية وتصدير الثورة. عام 1998 أصبح قاسم سليماني قائدها؛ بدأ في بناء البنية التحتية خارج إيران للهجمات الإرهابية. عام 2011 كان عام التحول. لم يعد يفكر في البنى التحتية؛ إذ صار «فيلق القدس» جيشاً يقاتل فعلياً في العراق، ثم في سوريا. وصار مقاتلوه يملكون أسلحة متطورة وطائرات «درونز» وصواريخ ويسيطرون على الميليشيات الشيعية، لكن الـ«درون» التي حلقت فوق إسرائيل أطلقها «الحرس الثوري»، وحافظ «فيلق القدس»، على الميليشيات الشيعية التي صارت تربطها «أخوة السلاح» رغم اختلاف اللغات. هذه صارت تتقن القتال بالسلاح الروسي، وإذا وقعت حرب مستقبلية بين إسرائيل ولبنان وسوريا، فستكون هذه الفرق الشيعية منخرطة فيها.
تبقى قصة نقل الأسلحة... هناك 10 رحلات أسبوعياً من طهران إلى دمشق. شركة «ميهان إير» يملك جزءاً منها «الحرس الثوري» و«إيران إير». كانت الرحلات تنقل المدنيين وتكون محملة بالأسلحة، لكن في الأشهر الأخيرة اختلف الوضع، فالرحلات الجوية بحاجة إلى استمارات تملأ، ثم هناك الرادارات، وصار التهريب صعباً، فروسيا تسيطر على الأجواء السورية. لجأت إيران إلى الممر البري، ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لوحظت كثرة قوافل الشاحنات التي تخرج من إيران وتعبر الصحراء العراقية والسورية، إلى العراق وسوريا ولبنان. الممر يعطي إيران النفوذ الواسع. ثم هناك تهريب السلاح عبر البحر، وهذا صار يشكل مشكلة لإيران، إذ كانت لسنوات تستعمل قناة السويس حتى كشفت إسرائيل عن صفقة من الأسلحة الإيرانية المرسلة إلى «حماس». الآن تستعمل إيران البحر، إلا أن البواخر تتعرض لضغوط حتى تمنع نقل الأسلحة الإيرانية إلى اليمن.
المشكلات صارت تتراكم على إيران، داخلياً الوضع سيئ؛ الرئيس دونالد ترمب انسحب من الاتفاق الذي وقعه بدماء السوريين الرئيس السابق باراك أوباما. دفعت ثمن تدخلها في سوريا بقصف قواعدها هناك، بعد قصف قواتها في قاعدة «T4»، ثم إن الأمم المتحدة نشرت تقريراً ضدها.
في إحدى حلقات «حرب النجوم» يقول الطفل لوالدته: «لا أريد للأشياء أن تتغير». فتجيبه: «لا يمكنك إيقاف التغيير تماماً كما لا يمكنك منع الشمس من المغيب». لقد بدأت الشمس تغيب تدريجياً عن الحكم في إيران.