رغم كثرة خلاف السوريين اليوم على أي قضية توضع على طاولة الحوار إلا أنه لا يختلف سوريان على أن الفصائلية كانت ولا تزال من أبرز العقبات لنجاح الثورة السورية وكأننا كسوريين لم نرَ مصير القضية الفلسطينية وقد أصبحت كرة متقاذفة في ملعب السياسة. والقضايا متى ما تنازعت على نصرتها الفرق تمزقت تمزق الفرقاء وتحولت مع الزمن من غاية للنضال إلى وسيلة تمكنٍ للفصائل.
وتعتبر أقرب ثورة شعبية ناجحة من حيث الزمان ثورة البشرة السوداء في جنوب أفريقيا ضد نظام التمييز العنصري الذي حقّر من شأن الزنوج والملونين ورفع من قدر البيض ذويي الأصول البريطانية فيها وبقراءة تاريخية سريعة لتلك الثورة التي لم تنطفئ شعلتها طيلة أربعين عاماً تقريباً سنلاحظ أنها ظلت ثورة واحدة ترفع شعاراً واحداً على قلب رجل واحد لم تفرقها مطامع ولا إديولوجيا طيلة تلك الأعوام على الرغم من أن المواطنين السود في تلك الفترة كانوا ممنوعين من التعلم والدارسة وأغلبهم أميّ لا يجيد القراءة ولا الاطلاع على تجارب الثورات الأخرى ولا الاستفادة من دروس التاريخ ولكن إصرارهم النابع من عقيدة صلبة وإيمان فطري بلغ حد اليقين بعدالة قضيتهم جعل النصر أمراً محتوماً لثورتهم بشقيها المدني والعسكري دون الحاجة لنشاطات التثقيف الثوري أو التمكين العقائدي وهذا لا يعني أن جنوب أفريقيا كانت كلها بمواقف ثورية متطابقة خلال الثورة لكن كانت الثورة بالنسبة لهم كسفينة البحر التائهة إما أن يتفق أهلها على طريقة حكيمة لقيادة دفتها أو تلتهم عواصف البحر ولا تترك لهم أثراً ولا مخبر.
إن دور التجمعات والنوادي الفكرية والإديولوجية يعتبر مهماً جداً في مرحلة ما قبل الثورة حيث تكون هذه النوادي الثقافية منظمة بطريقة تستطيع أن تنشط بشكل آمن ومحمي نوعاً ما في ظل استمرار الملاحقات الأمنية من قبل الأنظمة الاستبدادية وتعتبر النخبوية المفترضة لأعضائها عاملاً مهماً في جذب الناس للقضية وتوعيتهم بها وأذكر أبداً ما كتبه نيلسون مانديلا حول أكبر التحديات التي واجهت ثورته في البدايات والتي كانت في إقناع الأسود والملون أن له الحق في المساواة وكذلك الأمر في الشأن السوري فكم تعرض النشطاء المدنيون والمناصرون لحقوق الإنسان للضغوط الأمنية والاعتقال والتنكيل والتعذيب والاغتيال من أجل إقناع الناس بفرص نجاح نضالهم وأن ثورة شعبية ما قادرة على اجتثاث النظام من جذوره إن كانت رياح التغيير في المنطقة تميل لصالحها. ولكن ما إن تقوم الثورات حتى ينتهي عمل تلك النوادي وغرضها وتعتبر عائقاً كبيراً في تقدمها وبراءتها حتى يكتب النصر المبين لها.
ولعل الأسباب الداخلية لقبول قادة الثورة السورية في أول الأمر بالتشظي الفصائلي لا تحصر في مقال صغير كهذا ولكن كان من أبرزها إعجاب السوريون لفترة طويلة من الزمن بالبروباغاندا الدعائية لتجربتي حماس وحزب الله والتي تصور القادة على أنهم أسماء سيخلدها التاريخ وتحكي عنهم قصص الأطفال وكتب المدارس لعقود طويلة بالإضافة إلى اعتقاد أكثرهم أن أيام النظام باتت معدودة كما لم تتوقف أركوزات السياسة الغربية على التصريح بها وكأن الغرب يعني ما يقول حقاً وظن أولئك أن وجود فصيل منظم وقوي سيجعل كل المجتمع الدولي بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية وحتى غامبيا الأفريقية يتهافتون من أجل خطبة ودهم ودعمهم ليسدوا فراغ السلطة وهذا إن دل فيدل على سذاجة المنظرين للفرز الفصائلي وسطحية تجرتهم ولا أسوق الأدلة على ذلك إلا أن أدعو إلى النظر لواقع الثورة اليوم فلم يحصلوا على مجد خالد ولم يتبوؤوا مقاعد الرياسة والقيادة وأصبحت الفصائل اليوم محاصرة مجتمعياً وعسكريا وأمنياً وأضيق حصار مطبق على أطرافها هو حصار الفشل والخسارة العسكرية التي منيت بها حتى يومنا هذا.
بالطبع ساعد وعزز وفتح الطريق أمام الأمراض النفسية وجشع السلطة والسيطرة والمال لدى بعض القيادات الثورية في البدايات قلة الموارد الثورية والدعم المشروط وتهرب القادة من المسائلة عبر التدرع خلف فصائلية إديولوجية وعشائرية تبرر الزلات وتجمل الفعائل إلا أن الخلاف الإديولوجي وبكل تأكيد لم يكن سبباً في ذلك أغلب الأحيان كما يدعي القادة إنما كان وسيلة لحشد الجمهور والأنصار وإسدال الستائر عن الأعين والقلوب التي عميت عن رؤية واقع الثورة العسكري المتراجع يوماً بعد يوم.
وقد مرت الفصائل على مر ثورة الكرامة بالكثير من التغييرات الفكرية والقيادية وتغييرات في الأهداف والأدوات وهذا إن دل فإنه يدل على أن الفصائل السورية عبارة عن تجمعات مقاتلة تسعى نحو الفصائلية أكثر من كونها كما تدعي فصائل وحركات حقيقية سعت خلال هذه المراحل لمرات متتالية بتجربة الاندماج بعد أن بلغت الفرقة فيهم حد العظم وأصبحت مكاسب الفرقة لدى البعض أولى من المكاسب الثورية ففشلت كل تجارب الالتقاء وأصبح التفاوض مع العدو والاتفاق معه كما في اتفاق المدن الأربعة واتفاقيات الاستسلام والتهجير القسري أسهل من اتفاق إخوة الثورة والمصير فالاندماج يحتاج إلى تنازل إديولوجي كبير سيجعل من عناصر الفصائل المزعومة التي تم تربيتها إديولوجياً على مر سنوات تنفضّ من حول قياداتها بمجرد أن ترى منها تخلي بسيط عن الاديولوجيا الفصائلية وعقدة الفرقة الناجية والاندماج أيضا يتطلب تنازل حقيقي في القيادة ينزع الحصانة عن القادة ويدعوهم إلى التخلي عن أحلام الصغار في الرياسة هذه المرحلة كحد أدنى فضلاً عن أن تجارب الالتقاء كانت أشبه بلصق أجزاء مختلفة أو تركيب قطع البزل غير المتكاملة وعدم الشعور بالحاجة والضرورة لذلك بعد طمع كل فريق بمعسول الوعود من داعميه الذين لا يرون فيه أكثر من ورقة سياسية على طاولة القمار التفاوضي.
ختاماً: لا أظن أنه بالإمكان تغيير الكثير اليوم فالنفوس أوغلت بالتنافس الفصائلي والثقة بينهم أصبحت كصورة بيضاء وسوداء مغبرة مرمية في غرفة الخرداوات والقادة تورطوا أكثر في الأمر والداعمين لهم ازدادوا عداءً فيما بينهم ولكن أكثر ما يجب الاشتغال به اليوم شعبياً ونخبوياً هو البحث في احتمالات التكيّف مع الحالة الراهنة والاستفادة بالحدود القصوى من فرص توحيد قبلة البنادق والحفاظ على الأفراد والتركيز والاهتمام الأكثر بتطورات العمل السياسي والتفاوضي فالمرحلة القائمة الآن هي مرحلة تنظيف جيوب الملف العسكري بشكل ما فهوامش الإنجاز العسكري أصبحت ضيقة على الجميع والانتقال إلى طاولة المفاوضات الدولية والإقليمية والمحلية هو مآل الحال وآخر جولات الحرب السورية.
تشهد هذه الأيام تصعيدا واضحا في حدة الصراع العسكري الإسرائيلي- الإيراني، بالتزامن مع تصعيد إعلامي أميركي يستهدف إيران والاتفاق النووي الذي وقعته الإدارة الأميركية السابقة. و يبدو أن حدود هذا الصراع وأبعاده محصورة داخل الأراضي السورية، وبالشكل الذي يكفل للطرفين ممارسة خطاب النصر المعهود لديهما، من فرحة مأجوري إيران بردّها هي، أو حليفها الأسد، عبر قصف الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة الاحتلال بـ 20 قذيفة من داخل الأراضي السورية، إلى الفرح بإقدام الاحتلال على قصف مواقع سورية وإيرانية داخل سورية من أطراف وجهات معارضة للنظام السوري، والتي طالما غرقت في أحلام وأوهام تتحدث عن مكاسب سورية من الصراع الإيراني الإسرائيلي، أو عن أنه مؤشّر على نية المجتمع الدولي نقل سورية من دولة استبدادية إلى دولة ديمقراطية وحرّة. ولذلك لا بد من إيضاح هزلية هذا الصراع المزعوم أولاً، ومن التنبيه إلى تحملنا، نحن السوريين، وربما نحن العرب، آثاره وتبعاته السلبية التي لن تقتصر على قصف سورية وتدميرها، وربما قتل مدنييها إن تصاعدت حدة الاشتباكات.
فمن ناحيةٍ، لن نختلف على طبيعة النظامين، الإيراني والإسرائيلي، الإجرامية، تجاه شعوب المنطقة إجمالاً، سواء داخل سورية أو خارجها. وهناك أمثلة عديدة على ذلك لمن خانته الذاكرتان، القديمة والحديثة. إلا أن الصراع الراهن بينهما، وهو الأول من نوعه، ينطلق من أرضٍ عربيةٍ، بدلاً من أن يستهدف تدمير مراكز قوة النظامين، ما يشير إلى طبيعة الصراع الثانوية، أو غير التدميرية، فكلا النظامين لا يستهدفان تدمير الآخر، طبعا على فرض امتلاكهما هذه الإمكانية، وإنما يمثل الصراع مدخلاً لترتيب الأوضاع، السياسية والميدانية، ذات الصلة بينهما عبر الوسيط الروسي غالباً، وبالصورة التي تكفل للإيرانيين الحفاظ على خطاب العداء لأميركا وإسرائيل، حيث غالباً ما سوف يتم توسيع التفاهمات أو الإملاءات الأميركية والروسية، حتى تتضمن تعديل الاتفاق النووي، وضمان أمن الاحتلال على طول الحدود المشتركة مع سورية.
إذا يمكن اعتبار الصراع مقدمةً لتسويق التفاهمات المقبلة، والتي لن تصل إلى درجة إنهاء الوجود الإيراني داخل سورية، حيث لا يشكل الوجود الإيراني خطراً حقيقياً على أمن الاحتلال اليوم. إنما يكمن مصدر الخطر الحقيقي الذي تحتاج إسرائيل عرقلته وكبحه ومنعه في تعاون الشعبين العربي والإيراني وتآزرهما، وباقي مكونات المنطقة العرقية، من كردية وغيرها، فيما بينهم، من أجل تحرير المنطقة، والنهوض بها علمياً واقتصاديا. ولن يجد المجتمع الدولي والاحتلال وسيلة أفضل لإثارة النعرات الطائفية والمصلحية الضيقة من تلك التي تجسدها السياسة الإيرانية. لذا لسنا أمام رغبة إسرائيلية حقيقية في إنهاء الوجود الإيراني داخل سورية، وإن كانت هناك رغبات أميركية وروسية وإسرائيلية في إضعافه وضبطه، من أجل سهولة التحكم به، وضمان عدم خروجه عن السيطرة مستقبلاً، بما يخدم المصالح الأميركية والروسية والإسرائيلية. ولنا بالعلاقة الأميركية الإيرانية في العراق مثال واضح على قدرة هذه الأنظمة على خوض حروب إعلامية مشتعلة، وبعض الصراعات الميدانية الدموية، من دون المساس بأيٍّ من المصالح الميدانية لكل منها، وخصوصا المصالح الأميركية فيما يخص العراق، وبما يلبي جزءا يسيرا من المصالح الإيرانية الاقتصادية والأمنية، وبالصورة التي تضمن استمرار الخطاب الإيراني القائم على مواجهة الشيطان الأميركي، كما يحلو للنظام الإيراني وصفه.
ثم إن علينا الحذر من تحمّل الشعب السوري، وربما العربي، مستقبلا لجميع نتائج هذا الصراع العسكري، أو هذه التمثيلية السمجة، كونها تنطلق من ترتيب المصالح الدولية في سورية، من دون أي اعتبار لمصالح الشعب السوري. ونظراً إلى حجم الإجرام والدموية التي يتمتع بها الطرفان، الإسرائيلي والإيراني، والتي تهدد سورية والسوريين، بأنواع من القذائف والصواريخ والأسلحة المحرّمة دوليا، والتي ربما لم تختبرها الأرض السورية حتى اللحظة، كذلك لن يكترث الطرفان لأعداد الضحايا من السوريين، مدنيين كانوا أم عسكريين. أي أن تصاعد الأعمال العسكرية بين الإيرانيين والإسرائيليين سيلقي تبعاته على الداخل والشعب السوريين، من دون اكتراث لأعداد المدنيين الموجودين على مقربةٍ من أماكن المعسكرات والمقرّات الإيرانية، السرية منها والعلنية، والتي غالبا ما يتم تشييدها داخل أكثر المدن والبلدات السورية اكتظاظا بالسكان، فضلاً عن احتمال زج مئات الشباب السوريين الخاضعين لسلطة النظام اليوم في معارك تخدم الخطاب الإعلامي الإيراني، ولن تفضي إلى أي إنجاز حقيقي.
بمعنى أن السوريين سوف يتحملون وزر هذا الصراع أولا وأخيراً، ومن دون أي آثار إيجابية مستقبلية أو حاليةً، فلن ينتهي الاحتلال الإسرائيلي لأي من الأراضي العربية، كما لن ينتهي الوجود والنفوذ الإيراني في سورية، نظراً لنتائجه الإيجابية على كل من الأميركان والروس والإسرائيليين، من زيادة في المبيعات العسكرية الروسية والأميركية إلى دول المنطقة، إلى ترسيخ الانقسام الطائفي فيها، وهو ما يساهم في تفريق الشعوب، وإدخالها في صراعات جانبية، تحرفها عن مسارها الوطني والثوري. كما تقدم إيران خدمةً كبيرةً للاحتلال الروسي، تتمثل في تجنيب الروس تحمل تكاليف الاحتلال البشرية، عبر تنفيذ المليشيات والقوات الإيرانية لجميع أو غالبية المهام البرية التي يطلبها الروس، ما يحدّ من حاجة هؤلاء لإرسال أعداد كبيرة من قواتهم العسكرية البرية، لتكتفي روسيا ببعض الشركات الأمنية الخاصة، وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية.
نعم لا تمثل إيران وإسرائيل أي نموذج ديمقراطي أو إنساني أو حضاري لنا، ولمجمل شعوب المنطقة، وهو ما يدفع مسؤولين سوريين وعرب عديدين إلى التعلق بأوهام الخلاص من إحدى القوتين الإجراميتين عبر صراعهما الحالي، إذ غالبا ما يعتقد بعضهم أن للاحتلال رغبة في القضاء على إيران، أو كفّ يدها بالحد الأدنى، أو زعزعة قوتها ونفوذها. كما أن ضعفنا وتبعثرنا، وافتقادنا أدنى درجات التنظيم والتخطيط والعمل المشترك، حولنا إلى شعوب عاجزة عن استثمار أي صراعٍ بين القوى الإجرامية. هذا إن افترضنا أننا أمام صراع تناحري وإلغائي غير قابل للحل، من دون قضاء إحدى القوتين على الأخرى، أو من دون استنزاف قواهما العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالحد الأدنى، فكيف إن كنا أمام تمثيلية لصراع عسكري مسرحها سورية، ووقودها خيراتها ومدنيّوها.
بعد أن اقتصرت جولات أستانة السّابقة على رسم الخارطة العسكريّة على الجغرافيا السّوريّة، تنتقل اليوم إلى المسار السياسي، ولا سيما بعد وضوح خارطة السّيطرة وإنهاء جيوب المعارضة السّوريّة العسكريّة، وتأمين العاصمة دمشق، ونشر القوّات التّركية لنقطة المراقبة رقم 12، والأخيرة، في ريف جسر الشّغور، وتزامنها مع انسحاب المليشيات الشّيعيّة على مضض من بلدة الحاضر باتجاه جبل عزان، تنفيذاً لاتفاقات خفض التّصعيد.
وفي هذا السّياق الجديد، تتّضح أسباب استدعاء الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين لرأس النّظام السّوري بشار الأسد إلى سوتشي، فثمّة استحقاقات تقع على الجانب الروسي للمضي في المسار السياسي لأستانة. فقد أعلن بيان "أستانة 9" أنّ ممثلي روسيا وإيران وتركيا سيلتقون مع ممثلي المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا وأطراف النّزاع في سوريا، لمساعدة عمل اللجنة الدّستورية. فلقاء سوتشي الأخير (فيما نزعم) وضع خارطة المسار السّياسي القادم الذي سيركّز على مستقبل العمليّة السّياسيّة في سوريا، وفي مقدمتها الدّستور، ولذلك أمر بوتين الأسد بالموافقة على إرسال وفد الأمم المتحدة للعمل على صياغة الدّستور المقبل لسوريا وبحث العمليّة السّياسيّة.
وإحضارُ الأسد منفرداً إلى سوتشي يدلّل على أنّ ثمة أمرا ما يتعلق بجوهر العمليّة السّياسيّة والوضع السّوري يرسمه الرّوس، ولا يريدون لأحد أن يعرفَ مضمونه، على الأقل في المدى المنظور.
ولا يمكن فصل محاولات الانطلاق في المسار السّياسي عن المستجدات العسكريّة الأخيرة الحاصلة في سوريا. ففي الأيام الأخيرة، تمّ استهداف مواقع عسكريّة بالقرب من قاعدة التّنف شرق حمص يُعتقد أنّها تابعة لإيران، كما هزّت سبعة انفجارات عنيفة مطار حماة العسكري، مما أدى لأضرار كبيرة، وأدى لمقتل وجرح المئات، وقصفت الدّبابات الإسرائيلية مواقع لحزب الله في التلول الحمر في القنيطرة، وجرى الحديث عن انفجارات في مطار دير الزور العسكري. ويُعتقد أنّ إسرائيل تقف وراء كلّ هذه العمليات التي تستهدف الوجود الإيراني في سوريا.
ولعلّ إنهاء الوجود الإيراني في سوريا رغبة روسيّة أبلغها الرّئيس الرّوسي للأسد، وهذا يفسّر تصريح بوتين حول البدء بسحب القوّات الأجنبيّة من سوريا مع تقدّم العمليّة السّياسيّة، وليوضح المتحدث باسم الرّئاسة الرّوسيّة ديمتري بيسكوف لاحقاً أنّ ذلك لا يشمل الجنود الرّوس. ومن المؤكد أنّه لا يشمل الأمريكان، لعدم قدرة الروس على فعل شيء تجاههم، وربما يخرج الأمريكان طواعية في حال نجح الرّوس في إخراج إيران من المشهد.
وربما هذا ما يفسر أيضاً تجاهل روسيا للضربات الإسرائيليّة المُوجعة لإيران على الجغرافية السّوريّة، بل ومباركتها لها خفيةً، فقد كان نتنياهو صريحاً عندما استبعد سعي روسيا للحدّ من العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة في سوريا.
ويهدف الرّوس من إخراج إيران، والاستفراد بسوريا، والحصول على التأييد العربي والغربي لمشروعها السّياسي في سوريا؛ إدراكاً منها استحالة قدرتها على تحقيق الاستقرار والإعمار منفردة.
وعودةً للمسار السّياسي الذي يجترحه الرّوس بعيداً عن إيران، فإنّه لا يصبّ بالضّرورة في صالح القضيّة السّوريّة، وإن أسهم في إخراج المحتل الإيراني من سوريا. فلا فائدة تُرجى من إخراج المحتل الإيراني ما دامت سلطة الاستبداد "نظام الأسد" والمحتل الروسي موجودين، ويتحكمان بمصير سوريا شعباً وأرضاً.
وعليه، لا ينبغي التّطبيل لإخراج إيران من سوريا (رغم إيجابيات الخروج) على أنّه انتصار للثورة السّورية، بل هو رغبة روسيّة ومطلب إسرائيلي. فالرّوس لم يعارضوا أي عمل عسكري إيراني ضد الثّورة السّوريّة، في حين أكّد الوفد الرّوسي في محادثات أستانة أنّ بلاده ستمنع أي عمل عسكري في الجنوب السوري.
فالرّوس يعملون على أن يكون مسار أستانة السياسي شبيهاً بمسار أستانة العسكري أي مساراً يحقق مصالحهم بعيداً عن مصالح السّوريين، وعليه ينبغي الحذر من مساعي روسيا وأخذ العبرة من لقاءات أستانة العسكريّة التي حققّت مكاسب كبيرة لنظام الأسد لم يكن يحلم بها قبل ذلك، ناهيك عن تخريب النّسيج السّوري عبر عمليات التّهجير، بل والتّمهيد لتقسيم سوريا وطناً.
إن فرضَت الواقعيّةُ السياسيّة على المعارضة السّورية ولوج هذا المسار، فإنّ وطنيّتهم يجب أن تلزمهم الحفاظ على مطالب الثّورة الجامعة. فليس ثمّة ما نخسره إن رفضنا الرجوع لحظيرة الأسد أو القبول بالاحتلال الروسي.
مع خطاب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المقرر اليوم، يبدأ فصل جديد صعب وحاسم في العلاقات الأميركية - الإيرانية الشائكة منذ أربعة عقود. ويبدأ في موازاته فصل جديد صعب وحاسم في علاقات إيران بالمكون العربي في الشرق الأوسط. ولا غرابة أن يوصف الفصل الجديد بالأخطر، خصوصاً بعدما تأكد أن واشنطن تغيرت في حين تصرّ طهران على أنها لم تتغير.
ما سرّبته الخارجية الأميركية قبل الخطاب يكفي لترسيخ الانطباع الذي أشرنا إليه. لقد انتهت المرحلة التي بدأت مع إبرام الاتفاق النووي مع إيران في 2015. وانتهى أيضاً النجاح الاستثنائي الذي حققته طهران خلال المساومات التي أدّت إلى الإبرام. يتمثل هذا النجاح في تمكن إيران من جعل المفاوضات تقتصر على برنامجها النووي ومن دون التطرق إلى الهجوم الواسع الذي تشنه في الإقليم. أُصيب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بهاجس النجاح في إبرام اتفاق مع إيران فيما يخص ملفها النووي. وافق على الامتناع عن طرح مشكلة السلوك الإيراني. بلغ به الحرص على إبرام الاتفاق حد إخضاع السياسة الأميركية في سوريا لهاجس النجاح في التوقيع.
ما كان للمنطقة أن تدخل فصلاً جديداً صعباً اليوم لو نجح أوباما يومها في إبرام اتفاق شامل مع إيران يبدد مخاوف الدول المجاورة لإيران أو القريبة منها، ليس فقط من الحلم النووي الإيراني بل أيضاً من سياسة زعزعة الاستقرار التي انتهجها الانقلاب الكبير الذي أطلقته طهران في عدد من الدول العربية في المنطقة. واللافت أن إيران لم تحاول إخفاء حجم هذا الانقلاب بل فاخر عدد من جنرالاتها، وفي أكثر من مناسبة، بأنها باتت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في أربع دول عربية.
أوضحت الخارجية الأميركية أن خطاب بومبيو الأول حول السياسة الخارجية سيتضمن «خريطة طريق» للتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة من أجل التعامل مع «كل التهديدات» التي تشكلها طهران. وأكدت أن الولايات المتحدة تريد أن يضمن أي اتفاق جديد مع إيران «مسائل حول برنامجها النووي، والصواريخ وتكنولوجيتها، ودعم إرهابيين، والنشاطات العدائية والعنيفة التي تغذي حربين أهليتين في سوريا واليمن».
هذا يعني بوضوح أن واشنطن لم تعد في وارد تسوية المخاوف النووية، وغض النظر عن نشاطات زعزعة الاستقرار وتحركات الميليشيات الجوالة في الإقليم وترساناتها. وهذا يعني أيضاً أن إبداء مرونة في ملف من الملفات العالقة لم يعد يكفي لإبقاء الملفات الخلافية الأخرى بعيدة من طاولة المفاوضات ومتناول المفاوضين. وهكذا يبدو أن المطلوب من إيران ليس تعديل موقفها في موضوع واحد بل إعادة النظر في سياستها ككل، أي تغيير سلوكها.
كانت مسألة تغيير السلوك الإيراني حاضرة بوضوح في الخطاب الذي ألقاه الرئيس دونالد ترمب في الثامن من الشهر الحالي، وأعلن فيه الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. ففي معرض تبريره قرار الانسحاب أورد ترمب أسباباً أهمها منع طهران من الحصول على سلاح نووي، معتبراً إيران دولة راعية للإرهاب تواصل تجاربها الصاروخية الباليستية وتساند الإرهاب والميليشيات وتستهدف السفارات والجنود الأميركيين. واتهم طهران بتوظيف أموال حصلت عليها بموجب الاتفاق «في تطوير ترسانتها الصاروخية الباليستية ومساندة الإرهاب». وبعد إعلان قرار الانسحاب وقَّع ترمب أمراً رئاسياً للبدء بإعادة العمل بالعقوبات الأميركية المرتبطة بالبرنامج النووي للنظام الإيراني. ونبه إلى أن «كل بلد يساعد إيران في سعيها إلى الأسلحة النووية يمكن أن تفرض عليه الولايات المتحدة أيضاً عقوبات شديدة».
لم تستسغ الدول الأخرى الموقِّعة على الاتفاق قرار الرئيس الأميركي. شعر الجانب الأوروبي بالقلق على مصالحه والخوف من انزلاق المنطقة القريبة منه إلى هاوية عسكرية أشد هولاً. تمردت أوروبا ولوّحت بإنقاذ الاتفاق عبر ضمانات. لكن المؤشرات الأولى أوحت بأن الشركات الأوروبية الكبرى تميل إلى الانسحاب من إيران إذا كان بقاؤها هناك يقفل أبواب الأسواق الأميركية في وجهها.
المشاورات المتسارعة بين الدول المعنية أظهرت أن إنقاذ الاتفاق بالصيغة التي أُبرم فيها بات أمراً شديد الصعوبة. لا بد في عملية الإنقاذ من إجراءات مواكبة أو تعهدات. الدول الراغبة في إنقاذ الاتفاق لا تُقرُّ هي نفسها السلوك الإيراني الحالي، وتحديداً في موضوعَي الصواريخ الباليستية وتسليح الميليشيات. وهذا يعني أنه لا يمكن إنقاذ الاتفاق إلا بموافقة طهران على إحداث تغيير في سلوكها.
واضح أننا في بدايات فصل جديد صعب فيما يتعلق بملف إيران مع أميركا والمنطقة والعالم. فصل لا يمكن استبعاد هبوب الرياح الساخنة في بعض مراحله على غرار ما أوحت به الضربات الإسرائيلية العلنية على مواقع إيرانية في سوريا، خصوصاً بعد الصواريخ الإيرانية التي استهدفت مواقع إسرائيلية في الجولان. وإذا كانت روسيا نجحت حتى الآن في برمجة الضربات وإبعاد شبح المواجهة الشاملة، فإن اللعبة قد تفلت من أيدي من يحاولون التحكم في خيوطها.
يرجح أن تُثبت الأيام أن إيران ارتكبت خطأ كبيراً حين اعتبرت الاتفاق النووي انتصاراً يُظهر محدودية القدرة الأميركية، ويجيز الاستمرار في السلوك الإيراني السابق وتصعيده. وستُظهر أن الصواريخ الإيرانية في يد الحوثيين كانت خطأ فادحاً من جانب إيران التي أساءت تقدير ثقل من تستهدفهم. وقد تكون طهران أساءت أيضاً القراءة في معاني أن يكون القرار الأميركي في عهدة رجل اسمه دونالد ترمب يصعب التكهن بردود أفعاله والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه.
مع خطاب بومبيو اليوم تبدأ معركة السلوك الإيراني. وهي معركة أصعب على طهران من معركة البرنامج النووي. البرنامج نفسه هو جزء من النهج الذي يرفض أن تعود إيران دولة عادية وطبيعية لا تدّعي لنفسها حق الإمساك بالقرار في خرائط قريبة وبعيدة، وحق إحداث انقلاب كبير على توازنات تاريخية في المنطقة عبر الميليشيات والصواريخ.
محاولات الأوربيين تطمين إيران بتحقيق مصالحها، بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، هو في النهاية تطمينات ستفشل قطعًا، فالأوربيون يرتبطون مع الولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية قوية، وذات أولوية، وهي كما تقول الأرقام أضعاف المصالح التي تربطها بإيران، إضافة إلى أن الشركات الأوربية الكبرى لن ترضخ لأي ضغوط من حكوماتها للتعاقدات التجارية مع الإيرانيين إذا كانت هذه التعاقدات ستستفز الأمريكيين، فضلاً عن أن أمريكا هي الدولة المسيطرة سيطرة تامة على المعاملات المالية الدولية، وليس في مقدور أي دولة، بما فيها دول الاتحاد الأوربي، التجديف عكس ما يفرضه الأمريكيون من قيود، هذه حقيقة يعرفها الجميع. لذلك فإن الأنباء التي تصدر عن دول الاتحاد الأوربي، بأن هناك طريقة يقوم من خلالها الأوربيون بحماية شركاتهم العاملة في إيران فيما لو لم يرضخوا للقيود الأمريكية، هو ضرب من كلام لا يدعمه الواقع على الأرض.
الرئيس ترامب في تقديري هو من أقوى الرؤساء الذين حكموا الولايات المتحدة بعد الرئيس ريجان، وهو كما تقول الوقائع يسعى فعلاً لا قولاً إلى إعادة هيبة وهيمنة أمريكا وقوتها، وكل المؤشرات تقول إنه سينجح، كما أن إدارته تتكون من مجموعة من الصقور، الذين لم يجتمعوا قط في إدارة سابقة، ولعل ضعف وخنوع وتردد سلفه الرئيس أوباما أعطاه تميزًا واضحًا عنه، فكما يقولون: وبضدها تتميز الأشياء، وهو بلا شك نقيض في كل تفاصيل سياساته وتوجهاته مع الرئيس أوباما، ويحقق من النجاحات قدرًا كبيرًا، يجعل المواطن الأمريكي يشعر فعلاً أن ترامب ليس رئيسًا فحسب، وإنما زعيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وفي المقابل، إيران دولة تمارس كل الموبقات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وهذه المنطقة تعتبر منطقة حيوية ليس للولايات المتحدة فحسب، وإنما للغرب بشكل عام، والأوربيون رغم اختلافهم مع الولايات المتحدة في قرار انسحابه من الاتفاقية النووية، يتفقون مع الرئيس ترامب في نظرته لمثالب هذه الاتفاقية، التي أغفلتها الدول الست الكبرى، وتقر بأنها غير مكتملة، ما لم تعالج قضية الاتفاقية النووية بعد 2025، وقضية الصواريخ البالستية، إضافة إلى تمدد إيران في المنطقة العربية. وفي تقديري أنهم سيبقون نظريًا ضمن الاتفاقية، لكنهم سيسعون إلى الضغط على إيران لإدخال حلول لهذه القضايا الثلاث، وليس في يد إيران في النهاية إلا الرضوخ، وإلا فإن الحصار الأمريكي سيخنقها اقتصاديًا، بالشكل الذي يلغي شيئًا اسمه الجمهورية الإسلامية في نهاية المطاف. وفي رأيي أن الست الأشهر التي منحتها الحكومة الأمريكية للشركات العاملة في إيران لتسوية أوضاعها، هي من زاوية أخرى مهلة لإيران للتعامل العقلاني مع المأزق الذي وضعها فيه الرئيس ترامب، بعد انسحابه من الاتفاقية.
ومن يقرأ وضع إيران الحالي، فلن يجد أمامها من خيارات إلا الإذعان، فالأوراق جميعها في يد الولايات المتحدة، وكل المؤشرات التي تلوح في الأفق تؤكد أنها عازمة على تقليم أظافرها من خلال العقوبات الاقتصادية الخانقة، وقد بدأت هذه العقوبات بحصار أذرعتها في المنطقة، وهذه الأذرع سواء تلك الموجودة في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، إذا لم تجد تمويلاً ماليًا، ستضعف ثم تذبل وتموت، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن العقوبات الاقتصادية ستستنزف الاحتياطات الإيرانية، ما يجعل قدرتها على التحدي والصمود والمكابرة لن تطول كثيرًا، وبالتالي لن تستطيع الحفاظ على تمويل ميليشياتها وأعمالها العدائية في المنطقة العربية؛ وهذا في تقديري ما يخطط له الأمريكيون، ويعملون بجد على تنفيذه.
والسؤال: إلى متى سيصمد الإيرانيون؟.. لا أدري على وجه التحديد، أما الذي أنا متأكد منه، أنه ليس أمام إيران إلا خياران لا ثالث لهما، إما المكابرة ومن ثم السقوط الحتمي، أو الإذعان والنجاة.
يوم الجمعة الفائت تم تداول خبر مفاده أن طائرات إسرائيلية نفذت غارات على مطار مدينة حماة السورية. لم ينف أحد الخبر ولم يؤكده أيضاً. بقي الخبر مقتصراً على شهود عيان من المدينة، وعلى صورٍ التقطها مواطنون ولا يمكن التأكد من صحتها. لكن ما يجعل قابلية تصديق الخبر أكبر من قابلية عدم تصديقه، هو أن عشرات الغارات نفذها الإسرائيليون على مواقع النظام وحلفائه الإيرانيين ولم يُعلن عنها، عادت الوقائع وأكدتها، أو اعترفت بها لاحقاً الجهات المستهدفة.
والحال إن للصمت المضروب حول الغارات الإسرائيلية وظيفة على طرفي الجبهة. إسرائيل لا يبدو أن الإعلان عن مباشرتها المهمة وعن خطوات تنفذ في سياق تأديتها، مفيد لتحقيق «إنجازها»، وطهران ودمشق تتلقّيان الضربات وتفضلان الصمت عنها لكون الإعلان يملي رداً ليستا في وارد القيام به.
هذا مشهد من حرب بالغة الخبث. والخبث هنا يتبادله المتقاتلون على طرفي الجبهة. وإذا كانت طهران ودمشق غير معنيتين برأيٍ عام تصارحانه بما يجري، فإن الرأي العام الإسرائيلي الذي تغبطه «فعالية» جيشه، متواطئ مع حكومته على ممارسة هذا الخبث، وثقته بمؤسسته العسكرية والتي تبلغ مستوى يقبل بموجبه ممارستها صمتاً على مهمة خارج الحدود، لا تنتمي إلى قيم لطالما تباهى بها، وهي أن النظام السياسي يملي شفافية في العلاقة بين السلطة وبين أهلها.
لكن المفارقة هي في مكان آخر، ففي الوقت الذي صمتت فيه إسرائيل على تنفيذها عمليات كبرى وتدميرها بنى تحتية ومطارات وقواعد وأنفاقاً، رد النظام وحلفاؤه الإيرانيون مرة واحدة، وكان الهدف من الرد «كسر الصمت»، أي استعادة بعض من ماء الوجه حيال «رأي عام». لا قيمة عسكرية وميدانية للرد. بضعة صواريخ سقط معظمها في الأراضي السورية، وانعقدت في وعي المُخَاطبين «معادلة الردع». والمخاطبون ليسوا الإسرائيليين، بل من صار القصف الإسرائيلي اليومي يُثقل على «كراماتهم».
هذه من أغرب الحروب في العقود الخمسة الفائتة. حرب غير معلنة وغير مُفصحٍ عن قتلاها وعن خسائرها. قال الجيش الإسرائيلي أنه في جولة الغارات الأخيرة دمر معظم البنية التحتية للوجود الإيراني في سورية. هذا الإعلان على رغم أنه إفصاح نادر عن المهمة في سورية، يضاعف من غموض الحرب. من المفترض، إذا صحت ادعاءات الإسرائيليين، أن نكون حيال تغيير دراماتيكي. لكن هذا لا يبدو أنه حصل، وهو ما يدفع إلى محاولة تفسير أخرى للكلام الإسرائيلي.
ما يُفصح عنه من هويات قتلى هذه الحرب يُضاعف من غرابة المشهد. «حزب الله» يُقطّر إعلانه عن عدد قتلاه ويوزعهم على الأشهر حتى لا تظهر الخسائر مرة واحدة. إيران تُعلن عن «شهداء» من الحرس الثوري سقطوا في سورية «نصفهم من الإخوة الأفغان». وفي هذا الوقت تعلن الحكومة العراقية أنها دخلت إلى الأراضي السورية ونفذت فيها عمليات أمنية.
لا أحد يريد أن يعترف بمهمته في هذه الحرب. القتلى ليسوا مؤشراً على المشاركة وعلى التواطؤ. إسرائيل نادراً ما أعلنت عن غاراتها، وطهران أعلنت بصراحة أن لا قواعد عسكرية لها في سورية. ونحن حين تعبر الطائرات من فوق رؤوسنا تماماً في جبل لبنان متوجّهة إلى حمص أو حماة، علينا أن نفتح فايسبوك ونتعقب تدوينة ما، ونقول: «بعد أشهر ربما يكشف الأمين العام لـ «حزب الله» في أحد خطبه عن الغارة، ويُعلن أن ضباطاً إيرانيين قتلوا فيها، وهذه سابقة لها ما بعدها من تبعات». ونستمر في انتظارنا الطويل للتبعات من دون أن نجد ضالتنا.
لعله مما يبدو غريباً، قيام سلطةٍ ما تدّعي مشروعية وجودها، باستباحة ممتلكات «مواطنيها»، والأغرب من ذلك قيام السلطة بشرعنة سلوكها في ارتكاب الجريمة والسكوت عن القائمين بها، وسط سكوت عام عن تلك السياسة، بما يعني تكريسها سابقةً ونهجاً في السياسة والممارسة، بدل اعتبارها واحدة من الجرائم التي ينبغي محاسبة مرتكبيها، وإيقاع القصاص بهم.
وللحق، فإن سياسة نظام الأسد في استباحة ممتلكات السوريين، والمعروفة محلياً بـ«التعفيش»، تكاد تكون متفردة، خصوصاً إذا تم تمييزها عن عمليات المصادرة والاستيلاء التي يقوم بها بعض السلطات بما فيها نظام الأسد ضد أشخاص أو جماعات سياسية أو عصابات في إطار الحرب ضدهم.
وبالعودة إلى سياسة التعفيش في ممارسات نظام الأسد، يمكن القول إن بداياتها، ارتبطت بالاجتياح السوري للبنان في عام 1976، عندما دفع الأسد الأب قواته إلى الدخول إلى لبنان بحجة وقف الحرب الأهلية وإعادة الأمن إلى البلاد، فانخرطت تلك القوات في عملية تعفيش المناطق التي وصلت إليها، وأخذت تستولي على كل ما صار تحت يد ضباطها وجنودها من مناطق، استولت فيها على أموال ومفروشات وتجهيزات ومعدات، بل وصل الأمر إلى تحويل البيوت والمحال والمزارع، التي سيطرت عليها إلى خرائب بعد أن فككت الأبواب والنوافذ والأدوات والتمديدات الصحية والكهربائية ومواد الإكساء. وكان من المألوف رؤية القوافل العسكرية العائدة من لبنان وهي محمّلة بما تم تعفيشه.
وسمح التمرير الصامت في مستوياته المختلفة لجرائم نظام الأسد في التعفيش اللبناني، بانتقال هذه السياسة إلى الفضاء السوري، وكانت سنوات صراع النظام مع الجماعات الإسلامية المسلحة في الثمانينات الفرصة الأكبر لظهور تلك السياسة، حيث قامت قوات الجيش والأمن باستباحة مدن وقرى ولا سيما في الوسط والشمال السوري بينها حماة وجسر الشغور وحلب، وفيها قام ضباط وجنود الأسد بالاستيلاء على كل ما وصلت إليه أيديهم في البيوت والمحال والمزارع التي مرّوا عليها، وقد تكررت مشاهد القوافل العسكرية المحملة بما تم تعفيشه على نحو ما حصل سابقاً في لبنان.
ويعيدنا الحديث عن التعفيش في سياسة نظام الأسد إلى الانقلاب الفاشل الذي قاده رفعت الأسد على سلطة أخيه في عام 1984، والتي استدعى رفعت في إحدى مقدماتها اللبناني علي عيد، أحد أبرز أنصاره في طرابلس اللبنانية، وأبلغه بأنه وبالتزامن مع العملية الانقلابية، سوف يتم إطلاق يد الميليشيات التابعة له لمدة ثلاثة أيام في دمشق للاستيلاء على كل ما يمكن الوصول إليه، وقد أعدّ علي عيد في حينها، مجموعة من مائتي شخص للقيام بهذه المهمة، لكنْ تسرُّب الخبر إلى السلطات السورية، مكَّنها من اعتقالهم في الطريق إلى دمشق.
وثمة نوع خاص من التعفيش أبدعته أدوات النظام في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وهو الاستيلاء على رواتب ومخصصات الرتب الدنيا والحصول على أُعطيات عينية في المؤسستين من قبل الضباط والنافذين من صف الضباط، حيث درجت العادة مع وصول الأسد الأب إلى السلطة في عام 1970، على أن يقوم كبار الضباط بمنح العسكريين الصغار ولا سيما المجندين منهم إجازات بمقدار ما يدفعون من مال أو أُعطيات عينية، أو يؤدونه من خدمات للنافذين في الوحدات العسكرية والأمنية لدرجة وصلت إلى حد عدم الانخراط في الخدمة العسكرية بصورة كاملة.
وسط هذا الإرث في تجربة التعفيش، جدد نظام الأسد الابن سياسة أبيه بعد انطلاق ثورة السوريين في عام 2011، حيث تم إطلاق يد الجيش والأمن في استباحة المدن والقرى الخارجة عن سيطرة النظام، فبدأت عمليات السطو على ممتلكات السوريين من بيوت ومحلات ومزارع، وتعفيش ما فيها.
ولم يكن ذلك منفصلاً عن مجمل سياسة النظام ضد السوريين، بل كان جزءاً من منظومة القمع والإرهاب التي شملت القتل والاعتقال والتهجير وتدمير الممتلكات وسط تميز أهداف سياسة التعفيش بثلاثة أهداف أساسية؛ أولها منح ضباط وعناصر النظام حوافز مادية، تعزز هجماتهم على المناطق المعارضة وسكانها للحصول على مكاسب مادية. والثاني تصعيد عمليات التخويف للسوريين، لأن التعفيش لم يكن مقتصراً على المعارضين وأقربائهم، بل شمل الجميع دون استثناء. والهدف الثالث تصعيد النزعات الإجرامية، وجعل الاستيلاء على أموال السوريين من المعارضين وسكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام سلوكاً مبرراً بغطاء رسمي.
لقد صاغ الفاعلون الأساسيون في نظام الأسد مساراً عملياً لسياسة التعفيش. فبعد أن يتم طرد سكان المناطق المستولَى عليها من جانب قوات الأسد وميليشياته وحلفائه، يتم إغلاق تلك المناطق، ومنع عودة أي من السكان إليها بصورة نهائية، ثم يتخذ التعفيش واحداً من طريقين؛ أولهما أن يقوم المسؤول الأمني عن المنطقة بتعهيد تعفيشها إلى نافذين من الشبيحة مقابل عائد مادي يتسلمه سلفاً، وبهذا يستأثر المسؤول الأمني الذي غالباً ما يكون من كبار ضباط الجيش أو الأمن بالعائد الرئيسي للتعفيش، أو أن يفلت ضباطه وجنوده لتعفيش المنطقة مقابل حصة يدفعونها له، وفي هذه الحالة تعود فوائد التعفيش على الجميع من الأعلى إلى الأسفل.
لقد خلقت سياسة التعفيش بنية متكاملة، أحد أبرز وجوهها تشكيل نخبة من رجالات النظام الأمنيين والعسكريين تدير عمليات التعفيش، وفئة وسيطة من المتعهدين والوسطاء المرتبطين بالفئة الأولى، وفئة دنيا تقوم بعمليات التعفيش، وترحيل منتجاتها وتصريفها في الأسواق، كما تتضمن البنية المتكاملة أسواقاً منها أسواق علنية لعل الأولى فيها كانت «سوق السنة» في منطقة السومرية غرب دمشق، قبل أن تصبح أسواق التعفيش ظاهرة علنية في العديد من المدن الخاضعة لسيطرة النظام.
إن سياسة التعفيش، كما يرسمها نظام الأسد، وتنفّذها قواه الأمنية والعسكرية وميليشياته من الشبيحة، تشكل جزءاً أساسياً من نظام معاقبة السوريين وإخضاعهم، إضافة إلى أنها طريقة لسرقة ما لم تدمره حرب النظام، وتحويله إلى مغانم، ينتفع منها ضباط النظام وجنوده وشبيحته من أجل تعزيز ولائهم لنظامٍ فقد كل القيم الإنسانية والوطنية والأخلاقية، وصار من اللازم أن يحاسَب على جرائمه، ويغادر بطريقة أو بأخرى.
أخذ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خمساً وعشرين دقيقة ليلقي خطابه عن إيران، لكنني استغرقت قرابة الساعة وأنا أقرأه وأعيد القراءة.
الآن أرى أنني لست بحاجة لوقت إضافي للاستغراق فيه، فقد وصلت إلى نتيجة وهي أن الولايات المتحدة وجّهت ضربة على رأس إيران.
بذل خبراء الأمن القومي الأميركي الكثير من الوقت لاقتراح استراتيجيات جديدة على إدارة ترمب، وبعضها اقترح احتواء التمدّد الإيراني فقط، وبعضها الآخر اقترح صدّ التصرفات الإيرانية في الخارج، وبعضهم تحدث عن احتواء إيران فيما تصوّر بعضهم الآخر تغيير النظام.
ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي مختلف ويقوم على ضرب الرأس الإيراني وليس اللهو مع الأطراف مع حزب الله والحوثيين وغيرهم.
فهمت إدارة ترمب منذ حين أن إيران تستنزف العالم العربي وتشنّ حروباً بالواسطة، لا تخوض مواجهة على الإطلاق، لا تخسر محاربين، ولا تنخرط في مواجهة مباشرة بين دولة ودولة، بل تحرّك وتسلّح وتثير مجموعات محلية ضد الحكومات العربية وتقول إن المشكلة بين هذه الحكومات وأبناء شعبها.
أخذ الأمر سنوات من عهد الرئيس السابق باراك أوباما وأعضاء إدارته وهم يقولون إن الحوثيين يمنيون لديهم مطالب وليسوا عملاء لإيران. في آخر العام 2016 بدؤوا يقولون بخجل إن الحوثيين يتلقون دعماً من إيران.
إدارة ترمب تقول الآن على لسان بومبيو "في اليمن، دعم إيران ميليشيا الحوثي يضرم الصراع ويجوّع اليمنيين ويحتجزهم تحت تهديد الإرهاب".
كيف وصلت إدارة ترمب إلى هذه السياسة الشرسة ضد إيران؟
يعدّد بومبيو سلسلة من الحروب بالواسطة التي تشنّها إيران في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، بالإضافة إلى تشكيلها تهديداً لأمن دول الجوار من خلال برنامج الصواريخ الباليستية ورعايتها للإرهاب. وهنا اسمحوا لي بالعودة إلى استراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة في 18 ديسمبر 2017. تعتبر الوثيقة أن التجربة تشير إلى أن الدول المناوئة تتخلّى عن تهديداتها عندما ترى قوة الولايات المتحدة وقوة تحالفاتها.
في حالة إيران بشكل خاص فهمت إدارة ترمب أن عليها القول لإيران إن أميركا قوّية ولديها الإرادة وأن اللهو مع الأطراف هو لعبة إيرانية وأن واشنطن تنظر إلى راس الأخطبوط.
هذه هي المرّة الأولى منذ سنوات طويلة يسمع العالم العربي موقفاً أميركياً لا يلوم الضحية بل ينظر في عين الغول، لا يلوّح بهراوة، بل يلقي بالهراوة بضربة على الرأس.
ما سمعناه من إدارة دونالد ترمب عن سياستها تجاه إيران يفتح صفحة جديدة للتعاطي مع تهديدات إيران للأمن الإقليمي، وأيضاً يفتح صفحة الباب أمام سلام مع إيران جديدة لو كان لدى المرشد الإيراني الشجاعة للتخلّي عن عباءة الرعب ويقرّر أن تصبح إيران بلداً طبيعياً يعيش بسلام ويتركنا نعيش بسلام.
سرقات على حساب المهجرين وإيقاف مشاريع وفرض أتاوات حدث قديم جديد لم يتوقف رغم كل الحاجة والضغط الذي واجه المنظمات في الشمال السوري المحرر لتلبية حركات النزوح التي تفوق قدرة دول كبرى على استيعابها.
قضايا كبيرة تم التطرق إليها في تقارير إعلامية عدة يقودها مكتب المنظمات التابع لهيئة تحرير الشام ومايفرضه من اتاوات ضخمة على المنظمات والهيئات الإنسانية وماتسببه من عراقيل لعمل المنظمات والتي استغلت أيضاَ حركة التهجير الأخيرة لتحقيق الكسب على حساب حاجة المهجرين وعذاباتهم.
بعد مقتل المدعو "أبو يحيى" والذي كان يقود المجموعة المسماة بمكتب المنظمات عادت لترتيب نفسها وأوراقها من جديد لتقوم بأول إنجازاتها وهي ضرورة الحصول على ورقة لامانع من العمل في منطقة حارم من مكتب المنظمات وذلك للسماح للمنظمات بالعمل وهذا مايعطي المكتب معرفة أكبر مما تقدمه المنظمات في مناطق عملها والحصول على نسبة اتاوات ضخمة مع العلم ان المنظمات سابقا تقوم بأخذ نسبة 10%من واردات المشاريع المخصصة لها لتغطية مصاريفها واليوم تضطر المنظمات الى رفع النسبة الى أكثر من 60%لتقوم بدفع هذه النسب الضخمة لمكتب المنظمات مما يساهم بعراقيل كبيرة وحرمان الالاف من المهجرين من الحصول على حقوقهم.
اليوم يعمل المدعوون "أبو اسلام" (المسؤول عن المخيمات الحدودية) وأبو عبد العزيز (خليفة أبو يحيى)و أبو يزن (المسؤول عن إحصاء السيارات القادمة من معبر باب الهوى ومراقبة الشاحنات الخاصة بالمنظمات الاغاثية) والمدعو لقمان بمحاولات التفاف عديدة حول المنظمات من خلال الترغيب عن وجود مهجرين في مناطقهم ورقع أسماء وهمية ضخمة مع العلم أن الأسماء الموجودة لا تتجاوز 20%من المهجرين الحقيقين.
وعند عودة المنظمة للتوزيع تتفاجئ المنظمات بعدة أمور منها عدم وجود المهجرين الأصليين بسبب عدم استقرار النازحين في منطقة معينة خلال المرحلة الأولى إضافة الى وجود أسماء وهمية غير مستحقة أصلا او وجود أسماء ليست من المهجرين، أو من خلال الترهيب من خلال الضغط على المنظمات للحصول على اتاوة محددة او إيقاف المشروع المنفذ.
هذه القصص حدثت وبشهادات عديدة من المنظمات حيث عمل مكتب المنظمات على إيقاف مشاريع عديدة قدرت بملايين الدولارات نتيجة رفض بعض المنظمات دفع نسب خيالية لهذا المكتب ومنهم من رضخ لذلك الامر وذلك من خلال دفع هذه النسب تحت بند انه لايجوز إيقاف المشاريع بسبب الحاجة اليها وأين الحاجة لهذه المشاريع طالما انها تحسر من 50-60%من قيمتها نتيجة دفع الاتاوات الى مكتب المنظمات؟؟
جميعنا لاحظنا الاستجابة الضعيفة والخجولة لحملة الهجير الأخيرة والتي تجاوزت ال120 الف شخص ولم يتم تغطية نسبة 10%منها من الاحتياجات الأساسية وكان مبرر أغلب المنظمات انتظار الحصول على الموافقات لتنفيذ المشاريع ومن الظاهر أن أغلب الداعمين بدأ يشعر بالخوف الكبير خوفا من إدراج عملية تمويل المشاريع الإنسانية تحت بند تمويل الإرهاب وهذا ما وضع عراقيل كبيرة وضخمة في مناطق الشمالي السوري.
ومن لا يستطيع تصديق هذا الكلام او استيعابه من الممكن ان يتم نشر أسماء المنظمات حرفيا وكيفية التعاملات الحاصلة والتعاون مع مكتب المنظمات، ولكن السؤال الأبرز اليوم ما الذي سيفعله مكتب المنظمات في حال اجتمع الداعمين على إيقاف المنح والمشاريع بشكل كامل على مناطق الشمال السوري وهل سنشهد ثورة جديدة مرة أخرى بعد سبع سنوات من الثورة ولكن هذه المرة ليست ضد الظلم والمطالبة بالحرية وانما ثورة جديدة للجياع ضد تحرير الشام .....؟؟؟؟
وحده السوري لم يُستَفت في أي حل يريد لبلده. كل العابثين بقضيته أدلوا بدلوهم من دون أن يُستفتوا. والكل قالوا إن الحل للقضية السورية سياسي؛ ولكنهم، ما فعلوا إلا عكس ذلك. رداً على صرخات السوري الأولى بالحرية وبحكم القانون وبالعيش الكريم؛ تدرّج النظام بحلّه "السياسي" من البندقية الروسية إلى الدبابة، فميليشيات المرتزقة/ فالمقاتلات الحربية، فالصواريخ، فالسلاح الكيميائي، وصولاً إلى الاستعانة بالاحتلال الأجنبي لإيجاد "الحل السياسي" للقضية السورية!
تطلّع السوري الذي يبحث فعلاً عن حل سياسي لقضيته إلى أن يتكوّن جسد سياسي معارض، يمكّنه من التعبير عن تطلعاته، فتنطّع مزيج غريب عجيب من السوريين لإيجاد ذلك الجسد؛ فأتى مشوها عَبَثت في تكوينه كل الأحقاد والمصالح والأنانيات والمحاصصات والثأريات والمستحاثات والاختراقات والمخابرات؛ وكان فيه قلة من الصلّاح والراشدين. ومع ذلك كله، بقي هواه مدنياً سياسياً يبحث عن حل سياسي للقضية.
تغلبت العسكرة على الجميع؛ وارتاح النظام بسحب صرخة الحرية إلى ساحته العسكرية، وصبغها بالإرهاب؛ ليبرّر قتلها بإطلاق آلاف المتشددين الحربجيين من معتقلاته؛ ومعظمهم كان قد استخدمهم يوماً في ابتزاز أميركا في العراق، لتبرير قتلها العراقيين هناك؛ فكانت مساهمته الأكبر في إنتاج "داعش" و"ماعش" وجبهة النصرة، بعد أن انتشرت الألوية والفصائل والفرق بكل أنواع التسميات من فجر الجاهلية إلى حسن نصر الله وحزب الله في الضفة الأخرى. منسوب الدم والدمار والفرار من النار حَشَرَ الأمم المتحدة، وتحيَّزت مجبَرةً إلى جانب السوري؛ وبدفع من جسد مشوه آخر أُطلِق عليه اسم "أصدقاء سورية"؛ ليبدأ البحث عن "حل سياسي"؛ فكان مؤتمر جنيف، بعد ما يقارب العامين على المقتلة السورية. كان الكل يرفضه، إيمانا بالمعادلة الصفرية: إما أنت، أو أنا. "النظام" ملتزم بشعاره [الأسد أو لا أحد]، و"المعارضة": {سورية لا تعيش بالأسد}.
أضحى الشغل الشاغل للوزير الروسي، لافروف، تلبيةً لرغبة منظومة الأسد وإصرارها على الحل العسكري، الدعم العسكري للنظام، وإفراغ أي قرار دولي يدعو إلى حل سياسي من مضمونه. أما الشغل الشاغل للوزيرة الأميركية، هيلاري كلينتون، وبعدها جون كيري، فكان أيضاً الحديث عن حل سياسي ودعم العسكرة في المعارضة، شريطة ألا تهزم النظام؛ ليصار إلى تعهيد الملف السوري، بعد سحب ترسانة النظام الكيميائية، إلى روسيا. وهنا انصبَّ عمل لافروف على مقاربة القرارات الدولية انتقائياً؛ كأن يعمل على نسف مصداقية المعارضة أو المعارضات السياسية باعتبار لقاء تمَّ في موسكو (منصة) معارضة، وآخر جرى في مكان آخر (تيار) معارضة؛ .. إلخ. ومن ناحية روح القرارات الدولية المتمثل بوقف العسكرة، وتحديداً بند "وقف إطلاق النار"، باجتزائه وتشويهه في أستانة لـ "مناطق خفض تصعيد" لم تكن إلا عملية التقاط أنفاس لاستمرار الحل العسكري، تماماً كما يريد نظام الأسد؛ وتريد موسكو وطهران.
من هنا، جاء إقحام ممثل بوتين نسخة من "دستور لسورية" في أول اجتماعات أستانة. رأت روسيا أن الحل السياسي في إيجاد دستور لسورية، وهي تعرف أن الدستور لم يُحترَم يوماً في سورية إلا بما يخدم نظام الطغمة. وعندما لم تنجح روسيا بذلك، وبعد أن استنفدت كل ما تريده، ويريد النظام عسكرياً من أستانة؛ انتقلت بالقضية الدستورية إلى "سوتشي"، في محاولة للإجهاز على مسار جنيف والقرارات الدولية. جاء ذلك، بعد أن سحبت تركيا إلى الساحة الأستانية عبر إغرائها بنكرزةٍ للغرب. وتمّمتها باشراك إيران "ضامنا" في تحالفٍ غير مقدّس تحتاجه الأخيرة. وبذا حولتهما إلى ضامنين لـ"اتفاقات أستانة" المسمومة.
استمر النهج العسكري. خفَّ منسوب الدم، لأنه لم يعد هناك سكان ليُقتلوا. نصف سورية أضحى في الشتات. زادت الجغرافيا التي يسيطر عليها "النظام" بفعل روسي - إيراني؛ و"النظام" فقط واجهة لذلك [التحرير أو الانتصار]. من جانبها، تضع أميركا يدها على ثلث البلاد المفيد وتركيا على جزء، والجزء الأكبر المرعوب الخائف المدمر روحياً واقتصادياً تحت السيطرة الفعلية الروسية - الإيرانية والشكلية الأسدية.
وهكذا فإن أسطوانة الحل السياسي المشروخة التي يجري الحديث عنها لا يمكن تفصيلها على مقاس روسيا وإيران والنظام؛ بل لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار أميركا وإسرائيل وتركيا وفرنسا وإنكلترا والأردن والسعودية و.. و.. و... أما المنسيّ في حل سياسي كهذا، والذي لا يُستفتى، ولا يُؤخَذ رأيه، فيبقى ذلك الإنسان السوري الذي يريد حلاً سياسياً حقيقياً. ومن هنا، لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي إلا إذا تمت العودة إلى جوهر القضية السورية: {{شعب يريد الحرية، يتوق للعيش في بلد واحد تحت سقف القانون، يختار من يتعاقد معه للحكم، كأي شعب يستحق العيش الكريم}}. وهنا الفرق الحقيقي بين مَن يحمل أمانة شعب ينشد الحرية؛ يريد لسورية وشعبها أن يعودوا إلى سكة الحياة، عبر حل سياسي مُشَرِّف من جانب؛ ومن يحمل "أمانة" الحفاظ على كرسي الدم المستبد الذي لا تستطيع قوة في العالم إزاحة ملفات الإجرام عن كاهلة وإعادة تأهيله. يأتي الحل السياسي بتوافق دولي وسوري عبر تفعيل إرادة دولية صادقة، تعمل على تطبيق القرار الدولي الذي ينص على انتقال سياسي تقوده هيئة حكم انتقالية سورية، تُدعم دولياً لإيجاد بيئة آمنة سليمة موضوعية، تمكّن كل السوريين من وضع بلدهم على سكة الحياة ثانية.
ما المرحلة التالية مع إيران؟ حتى وإن اعتقدت أن الرئيس ترمب قد ارتكب خطأ بالانسحاب من الاتفاق النووي، كما هو رأيي أنا، فليست هذه نهاية القصة. إلى أين يأخذنا ذلك الطريق الوعر؟
المقلق في الشأن الإيراني هو أنه ما من أحد في تلك الإدارة يملك إجابة مقنعة. فقد أوضح تحرك ترمب أنه لم يكن نتاج استراتيجية مدروسة.
يبدأ الطريق القادم بالحاجة إلى سياسة واضحة تجاه المستقبل في إيران، وليس تلك النغمة الغامضة بتغيير النظام التي كثيراً ما سمعناها.
وقد تكون هناك نقطة انعطاف قادمة لإيران بعد وفاة المرشد علي خامنئي، الذي بلغ من العمر 78 عاماً، لكن ربما يحدث ذلك بعد سنوات. ستتسبب وفاته بحدوث الكثير من المخاطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة بالقدر الذي ستتاح فيه الفرص أمامها. فقط فكّرْ في إيران في عهد صدام حسين.
في التعامل مع إيران، يجب أن تبدأ السياسة الحكيمة بتقييم واقعيٍّ لحال تلك الدولة. فقد زرت طهران مرتين، وكنت في كل مرة أُصدم فيها بأمرين؛ الأول هو أن إيران مجتمع حديث وراقٍ وشعبها يبغض علماء الدين الذين يديرون سياسة البلاد. والثاني هو أن شعبها يتطلع لأن يكون طبيعياً ويريد أن تنتهي كوابيسه الثورية.
كان هذا تفكيراً استراتيجياً عقلانياً بالنسبة إلى الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما، حيث منح الفرصة للتطبيع وللنمو التدريجي في ظل قيادة الرئيس حسن روحاني المعتدلة نسبياً. لكن من ضمن نقاط ضعف الاتفاق النووي، هو أن روحاني لم يستطع يوماً كبح حملة التدمير الإقليمي التي تشنها قوات «الحرس الثوري».
يجب أن تراهن السياسة الحكيمة تجاه إيران على الشعب، لا على النظام. يجب أن تتفادى حرباً مغامرة تجعل العراق يبدو كأنه نزهة. يجب أن تساعد تلك السياسة في بزوغ نجم إيران الديمقراطية القوية المستقرة بوصفها مصلحة أميركية قومية. ويجب أن تسعى هذه السياسة إلى تسوية نهائية بين إيران ما بعد الثورة والسعودية الحديثة.
المتطلب الثاني المهم هو تجنب التصويب على أوروبا في الوقت الذي يجب أن نهدف فيه إلى إيران. فأخطر نتيجة لسياسات ترمب هو أنها ربما تدفع باتجاه المواجهة مع أوروبا بأن تجعل شركاتها تختار بين إبرام الصفقات مع إيران ومع الولايات المتحدة. ربما يعتقد بعض أنصار ترمب أن ذلك ينطوي على الكثير من الذكاء، لكنه ليس كذلك. فمن شأن ذلك أن يضعف الإرادة من دون غرض مفيد، وربما نخسر في المحاكم الدولية.
المهمة الثالثة هي التخطيط للاستقرار الاقتصادي في إيران وفي منطقة الخليج. فإيران تحتال لتصدير نفطها أينما أُتيحت لها الفرصة، ويسعى التجار في الأسواق إلى إخراج أموالهم من البلاد، ولذلك ستضعف عملة البلاد، وسترتفع نسبة البطالة وستعم الفوضى. ربما يعتقد ترمب أنه سيستفيد من الفوضى الاقتصادية، وربما يستفيد مع مرور الوقت بالفعل. لكن في الوقت الحالي فإن آخر ما يحتاج إليه الشرق الأوسط هو وجود دولة فاشلة أخرى، خصوصاً إذا ما وسّعت من نطاق حربها الطائفية في العراق وسوريا واليمن، لينفلت بعدها الزمام.
لقد ضمن ترمب تقريباً عدم عودة الأوضاع إلى طبيعتها في إيران قريباً. وبالانسحاب من الاتفاق النووي، وضع ترمب إيران في إناء ليغلي ببطء. ربما يرغب ترمب في تعديل سلوك إيران من دون حرب، لكن ما من مؤشرات تقول إن هناك خطة لتحقيق ذلك أو استراتيجية لإنهاء الحرب في سوريا واليمن.
ولسوء الحظ فإن العام الأول لترمب في الحكم أقنعه بأن نهجه التمزيقي ناجح، ويعتقد أن تنمّره لكوريا الشمالية قد آتى ثماره بالضبط كما حدث في حربه الكلامية التجارية مع الصين. ولذلك فقد قلب الاتفاق النووي الإيراني أيضاً رأساً على عقب. أهم جوانب رهان ترمب على إيران هو أنه يذكّرنا بقرار الرئيس السابق جورج دابليو بوش غزو العراق عام 2003.
في استعراضها للأزمة القائمة نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي «5+1»، ذهبت مجلة «إيكونوميست»، العدد الماضي، إلى القول إن هذه الأزمة قد تقود إلى حرب. وأخذاً بتاريخ تلك المطبوعة ومنهجيتها في الاستقصاء، فإن الافتراض قد يكون جدياً، وقد يعتمد في الأسابيع والأشهر المقبلة على طريقة لعب الأطراف لمعطيات هذه الأزمة؛ معالجة أو مصادمة. كما وصف العملية حسين موسويان، القريب من النظام الإيراني، في مقالة سريعة له على موقع مجلة «فورين أفيرز»، بأنها «كارثة استراتيجية».
أمامنا على الأقل نظريتان تتجاذبان أطراف المعادلة، لتفسير ما بعد الخروج من الاتفاق، ودور مجموع اللاعبين فيها؛ الأصليين والثانويين:
الأولى تقول إن أي «ثورة» في العصر الحديث، في وقت ما تتحول إلى «دولة»، وإلى هذه النظرية ذهبت أطراف عدة في الغرب لسبر طريق «الاسترضاء» للنظام الإيراني، وقد كان على رأس الاسترضاء ما اتخذته إدارة الرئيس باراك أوباما من خطوات، أقنعت شركاءها في الغرب والشرق، حيث توصلت إلى اتفاق يوليو (تموز) 2015، لأن ذلك الاتفاق قد يرضي «غرور» النظام الإيراني، ويسمح لقوى «معتدلة» على مر زمن معقول، بأن تتصدر المشهد السياسي وتضبط تصرف النظام، بعد الاطمئنان إلى نيات إيجابية من الغرب للتحول إلى الدولة المسؤولة، وإن البديل، تقول تلك النظرية، أي المقاطعة والضغوط، سوف يدفع «كل الشعوب» الإيرانية لتأييد النظام، فيكسب المتشددون!
حقيقة الأمر أن إدارة أوباما لم «تكتشف» ذلك الطريق. لقد جرب الغرب، هذه المرة ممثلاً في فرنسا، ومنذ زمن، أن يسير مع تلك النظرية، في لقاء كمال خرازي ودومينيك دو فليبان، عام 2003، وكان كلاهما وزيراً للخارجية، حصل شيء من الاتفاق، كان ذلك في الثلث الأخير لولاية السيد محمد خاتمي، ولكن لم يكن الأول، وتوصل الجانبان وقتها إلى أن تقوم فرنسا بكبح المعارضة الإيرانية على أراضيها وتوسيع العلاقات الاقتصادية، فقد راهن كثير من ساسة الغرب على «احتمال اعتدال» النظام الإيراني في فترة حكم ثلاثة على الأقل من رؤساء الجمهوريات السبعة الذين وصلوا إلى سدة الرئاسة، إلا أن كل تلك المحاولات كانت بقعاً عمياء باءت بالفشل، لسبب جوهري، هو الطبيعة الآيديولوجية المبني عليها النظام الإيراني، وهي طبيعة لا تقبل بشكل عام المرونة، حيث تحمل قناعة متأصلة بأن أعمالها موجهة من الرب، وأي ليونة تعني انهيارها في نهاية المطاف.
النظرية الثانية ترى أنه بعد كل هذا التاريخ الطويل من الحكم الآيديولوجي في إيران ذي الطبيعة القطعية، فإن الشعوب الإيرانية لن تتصرف كما تصرفت في حرب السنوات الثماني (1981 – 1988) أي التحلق حول النظام وقت الشدة، وحتى ذلك الوقت الذي امتزج فيه الشعور القومي بالآيديولوجي، كان وراء التحلق أعمال زجرية وقمعية وشعارات، جعلت من المعارضين للنظام أو المترددين «خونة يجب سحقهم»، وهذا ما تم في التصفيات والمذابح الهائلة والموثقة «مجازر» في أدبيات كثيرة، بعد انتهاء الحرب مباشرة. وتذهب هذه النظرية للقول إن طائفة كبيرة من الشعوب الإيرانية لم تعد مقتنعة بالنظام، والدليل أنها انتفضت بعد إعلان انتخاب محمود أحمدي نجاد للمرة الثانية عام 2009، وقد كان هتاف المتظاهرين مترجماً إلى العربية: «اسمع اسمع يا أوباما... انت معاهم والا معانا»! ومنذ أشهر في مدينة أصفهان، وهي مدينة محافظة، خرجت مظاهرات تقول: «عدونا هنا... كذب أن يقال أميركا». أما في مدينة كازرون، فقد كان هتاف المتظاهرين: «لا تدفعونا إلى أن نحمل سلاحنا».
هذا الشعور الشعبي المعارض والمتنامي من الطبيعي أن يتوسع بعد 4 عقود من السياسات المؤدية إلى حروب وفقر وصرف أموال في الخارج على وكلاء تابعين، ونشوء جيل مختلف تماماً، يتذكر آباؤه الحكم ما قبل الديني على أنه حلم جميل! من هنا، فإن أي صراع قادم كبير وحاسم، ولن يجد النظام مؤيدين كثراً له في الداخل، بل ربما يكونون مرحبين بزيادة الضغوط الخارجية للتخلص من النظام.
المناورة التي يتبناها النظام في الوقت القصير تعتمد على عدد من الخطوات، منها محاولة جلب الدول الغربية إلى صفِّه في الصراع مع الولايات المتحدة، وهي محاولة قد تفيد جزئياً في المدى القصير، أما في المديين المتوسط والطويل، فإن شروطاً ما سوف تُقدم إلى طهران من أجل تنازل ما في الملفات المطروحة ثمناً لذلك التأييد. ومن جانب آخر، فإن المصالح التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة أكبر وأهم في المديين المتوسط والطويل من أي مصالح اقتصادية تربطها مجتمعة بإيران. وقد سمع وزير الخارجية الإيراني كلاماً في زيارته الأخيرة لأوروبا يقول: «نحن نفهم المشكلة، ولكن...»، ولن تذهب روسيا، التي تعاني من ضغوط ومقاطعة اقتصادية غربية، بعيداً مع طهران. أما الصين التي تسعى جاهدة للتعاون في ملف كوريا الشمالية مع الولايات المتحدة، فإن مصالحها هناك أكبر من أن تربطها بالوقوف مع النظام الإيراني. حدود المناورة إذن تضيق على النظام الإيراني، بل وحتى الكلام الدعائي تجاه إسرائيل، عرف الجميع حدود مناورة النظام الإيراني في هذا الملف، فإرسال صواريخه من سوريا «حفظاً لماء الوجه» ليس للأراضي الإسرائيلية؛ بل إلى الجولان فقط! يعني «حدود القدرة»، أما التهديد بعودة التخصيب، فإن الكلام فيه شيء من اللغو، لأن ذلك سوف يقطع مع أوروبا إن حدث، وربما روسيا والصين، ولن يكون للجميع حجة للدفاع عن ذلك الموقف، أي إنه كمثل إطلاق النار على النفس، وسوف يحتم ردود فعل قد لا تكون محسوبة لدى النظام أو حتى متوقَّعة. بقي استخدام بعض العرب الموالين لطهران في كل من سوريا والعراق واليمن وبعض الجيوب المنتشرة في أماكن أخرى، من أجل إثارة بعض الشغب، وهو احتمال ممكن لأن الدم العربي رخيص في نظر النظام الإيراني، كما ثبت مراراً، إلا أن هذا الاستخدام سوف يكون محدود الأثر ومكلفاً في الوقت نفسه.
وفي النهاية؛ الطريق المفتوح هو العودة إلى التفاوض، الذي له قاعدة ثلاثية كما هو معلن: لا سقف زمنياً للعودة إلى التخصيب الكثيف - لا تطوير للصواريخ الباليستية - لا للتدخل في الجوار. هذه الشروط تسقط نظرية السيد علي خامنئي: «نحارب في الجوار حتى لا نحارب في طهران»!
البنوك الدولية وشركات الشحن وكثير من الشركات العالمية، بدأت تعيد حساباتها بعد التطورات الأخيرة تجاه طهران، لأن قرار الانسحاب من الاتفاق، تضمن أيضاً مقاطعة كل الدول والشركات التي سوف تتعامل مع طهران بعد فترة سماح قصيرة؛ التومان الإيراني (كان يسمى «ريالاً» ثم عاد إلى «تومان») شهد تراجعاً كثيفاً في سعره، مع ارتفاع كبير في التضخم، الذي يؤثر على معيشة قطاع واسع من الشعوب الإيرانية، حتى التحول إلى اليورو، من خلال تصرف شكلي لا معنى حقيقياً له، لم ينقذ صرف التومان من التدهور.
من جهة أخرى، فإن حركة المقاومة الإيرانية للوضع القائم متجذرة لدى الشعوب الإيرانية، وذلك عامل يمكن حسابه في انتظار التحول المتوقع جراء العزلة الاقتصادية. وعلى الرغم من القصور الذاتي لـ«الديمقراطية» الإيرانية، حيث يقوم مجلس غير منتخب (مجلس صيانة الدستور) بتمرير أو وقف أي تشريعات صادرة من البرلمان «وهو بذاته محدود الترشح له»، فإن الانتخابات البرلمانية 2020 والرئاسية 2021، سوف تكون محطات لمعرفة تغير المزاج الشعبي الإيراني كمؤشر على تأثير المقاطعة، ومن هنا حتى الأربع والعشرين شهراً المقبلة، ليس أمام النظام في طهران إلا القبول بالتفاوض من جديد أو مواجهة العالم! إلا أن حقيقة تبقى؛ هي أن هذه الأزمة متدحرجة وقابلة للتغيرات الجذرية في كل يوم.
آخر الكلام:
يوم 10 مايو (أيار) الحالي أرسلت القوات الإيرانية 30 صاروخاً من الأراضي السورية على هضبة الجولان! 4 وقعت على أرض فضاء، والباقي فجّرتها القبة الحديدية في الجو! دليل آخر على القصور، وأن تكرار الكذبة عدداً من المرات لا يحولها إلى حقيقة!