مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٤ مايو ٢٠١٨
ترمب يصفع إرهاب إيران

إن أفضل ما يمكن البدء به هو ما استهلَّ به الرئيس الأميركي دونالد ترمب كلمته، المبني على رأي المؤسسات الأميركية، بكل ما تحوي من إمكانيات ومتابعة ورصد، المتمثل في أن «إيران هي الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب. فهي تصدر الصواريخ الخطرة وتغذي الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكذلك تدعم الذين يحاربون عنها بالوكالة، والميليشيات الإرهابية مثل (حزب الله) و(حماس) و(طالبان) و(القاعدة)».

من السهل جدّاً أن نتعرف على الأبعاد الكارثية للاتفاق النووي الإيراني الضعيف، الذي انسحب منه أخيراً الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فيكفي أن نشاهد الأوضاع المتردية التي وصل لها الوطن العربي الآن بشكل خاص، والعالم بشكل عام؛ فحيثما حلَّت إيران حلَّ معها الفساد والعنف والإرهاب، ويتجلى ذلك بكل وضوح في الحالتين اليمنية والسورية، إذ خَلَّف الدعم الإيراني للجماعات المتطرفة والإرهابية في هاتين الدولتين كوارث إنسانية لم يعرفها الوطن العربي في تاريخه.

بالعودة للحقائق الموثقة، نجد أن تلك الجماعات الإرهابية ما كانت لتتمدد لولا الدعم الإيراني لها، وذلك الدعم ما كان ليستمر لولا وجود الاتفاق النووي، الذي فكَّ الخناق عن الأموال الإيرانية ومَنَحها الفرصة لتمويل مشروعها الشمولي، الذي توظف الجماعات الإرهابية لتحقيقه، سواء كانت تلك الجماعات، «حزب الله» في لبنان، أو «أنصار الله» (الحوثيين) في اليمن، ويبدو واضحاً تماماً ما خلَّفَته هاتان الجماعتان (على وجه التحديد) من مآسٍ إنسانية وكوارث فاجعة في البلدان العربية.

إذن، كانت العقوبات الاقتصادية المفروضة في السابق على إيران بمثابة القيد الذي كفَّ يدها عن التمدد ودعم جماعاتها الطائفية في الوطن العربي، وكان الاتفاق النووي البوابةَ التي أدخلتها مرة أخرى للدول العربية وجعلتها تتمدد وتنشر آيديولوجيتها المتطرفة في المنطقة. وبالتالي، فإن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني هو بمثابة تصحيح خطأ تاريخي كارثي قامت به إدارة أوباما، وإعادة تلك الدولة إلى الانشغال بنفسها وبأزماتها الداخلية من فقر وبطالة وتخلُّف، التي فشلت في حلِّها على مدى عقود طويلة.

سيناريو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أكثر إشراقاً مما نتوقع، وبكل تأكيد هو أفضل من السيناريوهات التي حدثت في الماضي؛ فبعد الهزيمة الساحقة التي طالت تنظيم داعش الإرهابي، لم يبقَ في المنطقة مما يهدد سِلمَها سوى الجماعات الطائفية التي تغذيها إيران، والتي لا يمكن أن تستمر دون الدعم المادي واللوجيستي من طهران. كما أنه من المتوقَّع أن تنشغل الإدارة الإيرانية في الأيام المقبلة بمواجهة كثير من التحديات الاقتصادية، إذ إنه من المرجَّح أن ينفد صبر المواطن الإيراني الذي يهتم لرغيف يومه، ويتطلع لحياة كريمة كبقية الدول المجاورة له، أكثر من اهتمامه بمغامرات قادتها العبثية، التي أخذت الداخل الإيراني والعربي لكثير من الكوارث، وأدَّت إلى انتشار الفقر والتخلف والبطالة، وتزايد الإرهاب والعنف والكراهية بين أبناء الطوائف المختلفة.

علينا أن نتفاءل كثيراً بالتطورات الأخيرة التي شهدها هذا الملف، وأن نعلم أن تلك البلاد التي لطالما عبثت بأمن جيرانها وسعت لتصدير آيديولوجيتها المغيبة، قد عادت إلى حجمها الطبيعي، وبالتالي سيصبح العالم أكثر سلاماً وأمناً وتعايشاً بعد أن غادرته الطائفية وداعموها.

وأخيراً، أرى أنه من المهم الإشارة إلى رسالة ترمب للشعب الإيراني، التي قال فيها: «إن شعب أميركا يقف معكم. لقد انقضت الآن أربعون سنة منذ أن استولت هذه الديكتاتورية على السلطة، وأخذت دولة كريمة رهينةً. إن معظم المواطنين الإيرانيين البالغ عددهم 80 مليون نسمة لم يعرفوا قطّ إيران التي ازدهرت بسلام مع جيرانها وقادت إعجاب العالم». وأعتقد أن كل الشعوب العربية تقف معها، في محنتها الحالية، من أجل الوقوف في وجه إرهاب النظام الحالي، وعيش حياة مدنية كريمة، بعيداً عن كل ابتزاز ومساومة وتخويف.

اقرأ المزيد
١٤ مايو ٢٠١٨
محتل ضد محتل في سوريا!

لمعرفة حجم المأساة التي تسبب فيها نظام بشار الأسد لبلاده يجب التمعن بدقة في المشهد الأخير الذي حصل بين القوات الإيرانية وإسرائيل على الأراضي السورية.

إسرائيل تحتل هضبة الجولان «السورية» وتستخدمها لإطلاق الصواريخ على الأراضي السورية، ومن ناحية أخرى هناك جيش إيراني غاشم يحتل أراضي سورية بأكملها ولديه أكثر من عشر قواعد عسكرية، ووجود عسكري يزيد على العشرة آلاف مقاتل، بالإضافة لآلاف آخرين من المرتزقة والميليشيات الطائفية الإرهابية المحسوبة عليه مثل حزب الله، وهو نفس النظام الذي كان يفتخر بأنه «يحتل» دمشق بالإضافة لبغداد وبيروت وصنعاء. وأصبح المشهد الحزين المؤلم «محتل» يقاتله «محتل» من وعلى أراضٍ سورية ساهم في خسارة الأراضي نظام «محتل» لشبعه.

هذه هي حقيقة المشهد وتوصيفه الصريح بعيداً عن ترديد الشعارات الثورية القومية ولا غيرها. إسرائيل محتلة وكذلك إيران ومن المهم جداً أن يتم التعامل معهما بنفس النظرة وبذات المكيال. سوريا يحكمها نظام تعود على تسليم زمام الأمور في شكل الاحتلال المستمر سواء في شكل إسرائيل أو الاحتلال الجديد في شكل إيران أو التحكم الكامل في شكل روسيا. ما حصل في المشهد الأخير في سوريا من اشتباكات صاروخية بين إسرائيل وميليشيات إيرانية هو دليل جديد على فقدان النظام السوري لأي شرعية واحترام ومصداقية وجدارة، وأن كل جبروته وتسلطه دوماً ما يكون بحق شعبه الأعزل في المقام الأول.

قاسم سليماني الإرهابي المعروف الذي يقود فرقة الحرس الثوري الإيراني الذراع الميليشياوية الإرهابية لنظام إيران هو الآمر الناهي على القوات الموجودة لمساندة نظام بشار الأسد، ولديه سلطة مطلقة على عدد كبير من المطارات والقواعد العسكرية يقوم منها بالعمليات الإرهابية وفيها يقوم بتخزين أجهزته وأسلحته وعتاده العسكري، تنقل إليها أسلحة تقليدية وكيماوية تستخدم ضد الشعب السوري وتهديد الجيران بها. لا قيمة هنا للقرار الرئاسي من بشار الأسد ولا من أجهزة مخابراته ولا من الجيش المحسوب عليه.

سوريا انحدرت سياسياً لمستويات مخيفة ولأجل الحفاظ على نظام الطائفة العائلي تم التضحية بالسيادة والعروبة والأخوة، كلها تحولت إلى شعارات قابلة للبيع وقابلة للسخرية وقابلة للخلاص منها. وبقدر ما كان المشهد الأخير أليماً بأن يكون المعتدي والمعتدى عليه أطرافاً محتلة للأراضي السورية، إلا أنها نتائج طبيعية لوضع خاطئ في ظل نظام مجرم فرط في كرامة الأرض وسيادة الشعب، وبالتالي وصلت الأمور إلى ما آلت إليه اليوم. بعيداً عن كل شعار عاطفي يؤجج المشاعر، سوريا لا يعتدى عليها من إسرائيل «فقط»، سوريا تم تسليمها بالكامل لنظام عمل لأكثر من أربعة عقود على فصل سوريا عن محيطها العربي وعلى معاداة جيرانها بشتى الطرق والأساليب وعلى «احتلالها» من الداخل بشكل شمولي كامل.

نظام مسخ، مدعي عروبة ولكنه فارسي الهوى، مدعي العلمانية ولكنه طائفي الهدف. هذا المشهد الاقتتالي بين إسرائيل وإيران هو ترجمة ونتيجة طبيعية وواقعية لماضٍ مرير وواقع وحاضر أليم لا بد من مواجهته والاعتراف بوجوده والتعامل معه كما هو، ولا نجعل الشعارات الجوفاء تعمي الأعين وتصم الآذان وتغيب العقول لتسلب منا الحقيقة.

بعيدا عن عويل الثورجية والقومجية وجب الاعتراف بأن مواجهة المحتل ضد المحتل سببها نظام مختل. نقطة على السطر. فخار يكسر بعضه كما يقول المثل الشامي العتيق.

اقرأ المزيد
١٤ مايو ٢٠١٨
مستقبل الجاليات العربية في تركيا بعد الانتخابات

في أحد مؤتمراتها الجماهيرية في مدينة مرسين، قالت رئيس الحزب الجيد ميرال أكشنار إن الدينة تستضيف 200 ألف لاجئ سوري ما “خفض من مستوى المعيشة” فيها. وبعد أن حمّلت “سياسات اردوغان الخاطئة” مسؤولية هذا العدد من اللاجئين السوريين، وعدت المشاركين في اللقاء الجماهيري بأنه في حال انتخابها رئيساً “سنفطر جميعاً في رمضان القادم – 2019 مع أشقائنا السوريين في سوريا”.

تصريح أعاد للذهن وعود رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيتشدار أوغلو في انتخابات 2015 بإعادة السوريين إلى بلادهم، وجدَّد المخاوف لدى السوريين بخصوص وجودهم ومستقبلهم في تركيا بعد الانتخابات التركية وفق سيناريوهاتها المتوقعة. ففوز المعارضة قد يعني تنفيذ هذه التهديداته، بينما فوز اردوغان قد يعني نفوذاً أكبر لحزب الحركة القومية الذي لا يشارك الأخير رؤيته بخصوصهم.

ينسحب الأمر على وجود مختلف الجاليات والتيارات العربية في تركيا، ويضع الكلَّ العربي أمام نفس سؤال “ما بعد الانتخابات”، لكن التركيز الأكبر على السوريين باعتباره عددهم الكبير (أكثر من 3 ملايين)، وما يتضمنه ذلك من تحديات اجتماعية وأمنية وسياسية واقتصادية، وموقف بعض الأحزاب من الملف السوري والعلاقة مع الأسد، وملف تجنيس بعض السوريين الذي تعارضه الأخيرة.

في محاولة الإجابة على هذه التساؤلات، ينبغي أولاً الإشارة إلى أن الانتخابات الرئاسية هي الأهم والأكثر تأثيراً باعتبار انتقال البلاد لتطبيق النظام الرئاسي. صحيح أن الانتخابات البرلمانية تحتفظ بأهميتها وحساباتها الخاصة، لكن على الأقل فيما يتعلق بالوجود السوري والعربي في تركيا، فإن الأمر متعلق بالرئاسية أكثر من البرلمانية.

وهنا، ثمة احتمالات ضئيلة جداً لحصول مفاجأة، حيث من المتوقع أن يحسمها اردوغان من الجولة الأولى. ولئن احتيج إلى جولة إعادة، فلا يبدو أن هناك فرصة حقيقية لتأييد كافة أطياف المعارضة المرشح المنافس له، والذي سيكون على الأغلب محرّم إينجة مرشح حزب الشعب الجمهوري[i]، ما يعني استمرار السياسات الحالية.

وأما الانتخابات البرلمانية فالحسابات فيها أكثر تعقيداً، وتحتمل عدة سيناريوهات، بما فيها إمكانية حصول تحالف الأمة المشتمل على أربعة أحزاب معارضة على أغلبية بسيطة في مواجهة تحالف الشعب، خصوصاً إذا ما استطاع حزب الشعوب الديمقراطي دخول البرلمان ثم تحالف معه[ii].

هذا الاحتمال القائم، وإن كانت فرصه ضعيفة، قد يعني نظرياً إمكانية خروج تشريعات من البرلمان بخصوص تنظيم التواجد السوري والعربي على الأراضي التركية. لكن من ناحية عملية، فمن الصعب توقع توافق كل هذه الأحزاب على كافة القضايا، وبالتالي من الصعوبة بمكان الحديث عن تحالف مستقر بينها بعد الانتخابات، وهو ما يعني أن المخاطر المتعلقة بالملف السوري والعربي في تركيا ضعيفة، وهي بالتأكيد ليست أولية هذه الأحزاب.

الأهم بعد كل هذه المقدمات أن فكرة “إعادة السوريين إلى أراضيهم” التي تهدد بها بعض أطياف المعارضة ليست أمراً يسيراً يمكن لأي رئيس أو حكومة قادمة محاولة تفعيلها. فعودة ثلاثة ملايين سوري إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم قرار يرتبط بالموقف الدولي وحل الأزمة السورية وتطورات الوضع الميداني وعملية إعادة الإعمار، وغيرها الكثير من العوامل التي تجعل قراراً كهذا شبه مستحيل وفق الظروف الحالية.

وأما ما يتعلق بفكرة سحب الجنسية من السوريين المجنسين وفق الاستثناء القانوني، فإن هذا الاحتمال الممكن قانونياً صعب جداً عملياً، ولا يفعّل إلا في ظروف خاصة جداً مثل الخيانة العظمى والعمليات الإرهابية. كما أنه قرار يتخذ فردياً وليس جماعياً، فضلاً عن أنه من صلاحيات الحكومة التي سيشكلها الرئيس.

من جهة أخرى، يبدو لي أن هناك مبالغة في التخوف من شراكة العدالة والتنمية مع الحركة القومية، واحتمالية أن تنفذ رؤية الثاني لا الأول على السوريين، خصوصاً في ظل بعض التسريبات التي تحدثت عن رغبة الحركة في منصب وزارة الداخلية. ذلك أنه:

أولاً، النظام الذي سيطبق هو الرئاسي، ومؤسسة الرئاسة هي التي ستطبق رؤيتها وبرامجها وتختار للوزارات من يفعل ذلك، وليس العكس.

ثانياً، حزب الحركة القومية هو الطرف الأصغر والأضعف في تحالفه مع العدالة والتنمية، ومدى قدرته على الضغط على الأخير مرتبط بنسبة التصويت له في الانتخابات، والتي يتوقع ألا تتخطى العتبة الانتخابية (%10). بمعنى أن الحركة القومية سيدخل البرلمان بفضل الحزب الحاكم، ما سيجعله الطرف الأضعف في الحكومة والسياسات والقرارات.

ثالثاً، وزير الداخلية الحالي من التيار القومي في حزب العدالة والتنمية، ويطبق السياسات المرسومة من قبل اردوغان والحزب.

لكن، كل ما سبق لا يعني بحال أنه لن تطرأ متغيرات على الوجود السوري/العربي في تركيا، بل لعل جزءاً من هذه التغييرات قد بدأ فعلاً. إذ يمكن رصد التالي:

أولاً، متغيرات السياسة الخارجية التركية منذ 2015 وفق استحقاقات الأمن القومي التركي وأولوياته، وشمل ذلك عدة ملفات في مقدمتها القضية السورية.

ثانياً، هناك مساعٍ حكومية في الشهور الأخيرة لضبط وتقنين تواجد الجاليات العربية على أراضيها، التي أتت في ظروف استثنائية ووقت قصير، مما سبب أحياناً بعض الأخطاء والهنات وشيء من الفوضى، ولذا تريد أنقرة لهذا الملف أن يكون أكثر قانونيةً واستقراراً وانسجاماً مع الواقع التركي.

ثالثاً، تعتمد تركيا في الخطاب والممارسة فكرة “إعادة من يريد من السوريين” إلى الشمال السوري تحديداً، باعتبارها مناطق آمنة وبعيدة عن سيطرة النظام وفيها بنية تحتية اعتنت بها تركيا بشكل خاص. وهذه سياسة مرشحة للاستمرار، لكن ليس على قاعدة إجبار السوريين على المغادرة، ولكن على تسهيل عودة من يريد منهم.

رابعاً، تتبع تركيا منذ 2015 سياسة “تكثير عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم” مع مختلف الدول، ما يعني احتمال تطور العلاقات مع بعض الدول والأنظمة. تطور كهذا إن حصل، أو حين يحصل، سيكون له بطبيعة الحال تداعيات على الجاليات العربية المقيمة في تركيا، ولكن على قاعدة الضبط والتقنين والتأطير وليس الطرد والإجلاء.

في المحصلة، ليس من المتوقع فوز أي مرشح معارض في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعني بالضرورة استمرار سياسات اردوغان والعدالة والتنمية بخصوص التواجد العربي والسوري في خطوطه العريضة. وأما الانتخابات البرلمانية فقد تفرز خريطة حزبية في البرلمان تفرض إعادة النقاش في بعض الجزئيات المتعلقة بهم. وبالتالي، فلا تغييرات جذرية في هذا السياق من قبيل الترحيل أو سحب الجنسيات أو ما شابه.

لكن ذلك لا يعني أنه لن تطرأ تغيرات معينة على هذا الوجود لجهة ضبطه وتنظيمه وترتيبه، استمراراً لبعض السياسات القائمة حالياً واستحداثاً لبعض القرارات والسياسات المرتبطة بالعهد الجديد وظروفه وسياقاته. وأما إن حصلت مفاجأة ضخمة من قبيل فوز أحد المعارضين بالرئاسة أو فوز المعارضة بأغلبية كبيرة في البرلمان، فتلك نتائج ستحتاج حينها لتقييم أوسع ونقاش أعمق، ولعل ذلك من أهم أسباب دعاء الجاليات العربية لاردوغان والعدالة والتنمية وتأييدهم لهما في الانتخابات.

وبكل الأحوال، ينبغي على الجاليات والنخب العربية في تركيا ترتيب أمورها ذاتياً وبالتعاون مع السلطات التركية، لتجنب أي ارتدادات سلبية وأيضاً لتطير هذا الوجود لمصلحة الطرفين[iii].

اقرأ المزيد
١٤ مايو ٢٠١٨
في أصل حظوة الأسد في الغرب والعالم

لا يوافق أغلب قادة دول العالم بشار الأسد على سياسته الدموية في سورية، ولا يقر بشرعية القتل الجماعي والتعذيب حتى الموت التي يطبقها وحلفاؤه للحفاظ على مواقعهم ومكتسباتهم، كما أن أحدا منهم لا يجهل العواقب الوخيمة للتغاضي عن استخدام الاسلحة الكيميائية، أو حصارات التجويع، أو القصف العشوائي على المدنيين بالبراميل المتفجرة، الغبية مثل من يأمر بإلقائها. لكنهم سمحوا بها جميعا، لأنهم كانوا يكرهون، بشكل أكبر، فكرة أن ينتزع السلطة في سورية طرفٌ لا يثقون بتعاونه، ولا يعرفون إذا ما كان سيضع الدولة السورية وأجهزتها في المستقبل في خدمة أهدافهم الأمنية والاستراتيجية، كما فعل الأسد الذي لم تكن لديه، في التعامل مع الدول الأجنبية، أية مبادئ وطنية أو دينية أو إنسانية، سوى مبدأ الاحتفاظ بالسلطة، واحتكارها للأبد وتوريثها لأبنائه.

وإذا كانت سورية تعني، في نظر موسكو وطهران، مسرحا لاستعراض القوة، وحقل مناورات استراتيجية وتقنية، ومعبرا للجيوش الإمبرطورية، وفرصة لمواجهة رخيصة التكاليف مع خصومهما، تجري على أرض غير أرضهم، وعلى حساب شعبٍ ليس شعبهم، فهي بالنسبة للغربيين أجهزة أمنية وشراكة استراتيجية في مواجهة الإرهاب الذي تم التسويق له وصناعته بوصفه خطرا أو مصدر مخاطر لا يمكن تقديرها، منذ زوال البعبع السوفييتي، مشروعا لحرب عالمية غير نظامية، عابرة حدود الزمان والمكان، يبرّر الإنفاق المتزايد على القطاع العسكري. وهو القطاع الذي يكاد يتحول أيضا إلى القطب الأبرز والأهم في منظومة الإنتاج الرأسمالي المعولم، بما يؤمنه من الحماية والاتساق لجميع القطاعات الأخرى، وإدارة عملية العولمة، وانتزاع جزء من الريوع العالمية لصالح الدولة التي تملك احتكار القوة أو السيطرة على النصيب الأكبر منها. وقد قدم الأسد الأب، وبعده الابن، أوراق اعتماده للجانبين بالاستمرار في التزود بالسلاح من روسيا، واستقبال أسطولها البحري في قاعدة روسية في طرطوس، ومن خلال التعاون الاستراتيجي على الصعيد الأمني وأجهزة المخابرات مع الأجهزة الغربية.

وبضمان رضى المعسكرين، أصبح من الممكن للنظام أن يتجاهل وجود الشعب السوري، وأن ينظر إليه كسقط متاع، ويخرجه من حساباته السياسية والاقتصادية تماما، ويراهن على سياسة قاطع الطريق، لابتزاز الدول المجاورة سياسيا، والدول الخليجية الغنية بالنفط ماليا واقتصاديا.


(1)
اكتشف الأسد بالتجربة، ومن خلال صراعه مع إسرائيل والغرب، وتفاعله معهما في الوقت نفسه، القيمة الكبرى لاستخدام مسألة الأمن إطارا للتعاون، ومن أجل الحصول على الدعم والقبول الدوليين. وخلافا لكثيرين من الزعماء في البلاد الفقيرة والصغيرة الذين شاركوا في توفير خدمات الأمن، ومعلوماته للدول الكبرى الحليفة أو الوصية أو الحامية لهم، مقابل بعض العوائد الاقتصادية أو السياسية، عرف الأسد كيف يحول الأمن إلى مجال استثمار مربح يتجاوز في فوائده ما يمكن أن يقدّمه التعاون مع الغرب في تقديم المعلومات أو التسهيلات، أو تنفيذ مهام التعذيب والقتل التي لا يستطيعون هم القيام بها في ظل أنظمتهم القائمة على احترام القانون. وتحويل الأمن/ الإرهاب إلى مجال استثمار، والتحكم بلعبته وتقنياته إلى رأس مال، يستغله لفرض إرادته على الآخرين، خصوما وأصدقاء معا، يعني أيضا إتقان تجارة التهديد وزعزعة الاستقرار وبث الرعب وترويع المجتمعات والدول، وسحب أكبر العوائد، الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية منها.

هكذا بدل أن يتعاون مع الآخرين، للقضاء على التطرّف والإرهاب، تخصص نظام الأسد في تصنيع التطرف والإرهاب. وفي الوقت نفسه، إنتاج مضادّاته، ليجعل الآخرين يطلبون مساعدته، ويعتمدون عليه ويدينون له. وبالتالي، وهذا هو المهم، أن يقبلوا منه، في مقابل المساعدة في المعلومات أو الكف عن استهدافهم بالإرهاب، كل ما يفعله في الداخل السوري وفي الإقليم. وهذا ما حصل عليه بالفعل. فلم يحاسب الأسد على أي جريمةٍ ارتكبها، لا بحق الشعب السوري، ولا بحق الشعوب المجاورة في لبنان وفلسطين والأردن والعراق. لقد نجح الأسد، أو نظامه بالأحرى، في أن يخلق سوقا خاصة به، لتصنيع الإرهاب وتوريده ومكافحته، وتحويله إلى بضاعة تمكّنه من أن ينتزع موقع الشريك الذي لا يستغنى عنه في الحرب على الإرهاب، بل أحد أبرز معلميها. والواقع أن الاقتصاد السياسي للإرهاب، تصنيعا وتوزيعا ومكافحةً، أصبح العمود الفقري والحامل الرئيسي لنظام الأسد، والقطاع القائد والأكثر مردودا سياسيا وأيدولوجيا وعسكريا فيه.

لم يكن استثمار الغرب الأهم والأكبر في نظام الأسد اقتصاديا أو سياسيا أو تقنيا أو علميا، فليس لهذا النظام قيمة في جميع هذه المجالات. لذلك لم تستفد سورية أبدا من مثل هذه الاستثمارات. ما كان يهم الغرب، وما وجد أن من الممكن لسورية الأسد أن تقدمه، وتكون طليعة فيه، هو قطاع الأمن بما يعنيه من مشاركة أجهزة الدولة السورية في مكافحة الإرهاب والتطرّف في الداخل والخارج، ومساعدتها على تطبيق الخطط الدولية المتعلقة به. وقد اقتنع الأسد الأب والابن بدرورهما و"رسالتهما" العالمية، وجعلا من سورية مختبرا لتطوير تقنيات صنع التطرّف والإرهاب، ومكافحته بشتى الوسائل المخابراتية والعنيفة، بما في ذلك إيجاد مجموعات إرهابية وإبادتها لكسب الصدقية في هذه الحرب، وواجهة لعرض بضاعتهم على الدول الأجنبية في الوقت نفسه.

وكما استخدموا شعار المقاومة لإسرائيل ذريعة لتجريد الشعب من حقوقه السياسية والمدنية، وحرمانه من أي مشاركة في تقرير مصيره ومصير بلده، استخدموا الحرب على الإرهاب وسيلة لتخدير النظام الدولي، وتحييده، ونيل صمته وسكوته عن الجرائم الداخلية والخارجية التي لم يكفّ النظام عن ارتكابها، للحفاظ على وجوده وتوسيع دائرة سيطرته ونفوذه وممتلكاته. هكذا تحول قطاع الأمن/ القمع إلى محور بناء العلاقات السورية الدولية. وكانت مذبحة حماة إحدى "الرسائل" الدموية التي أرسلها الأسد الأب إلى الغرب، المسكون بالخوف من عمليات التفجير الإرهابية الإسلامية، أوراق اعتماد في الحرب الدولية المعلنة على الإرهاب. وفي هذا السياق، كان الخلط بين التطرّف والإسلام من جهة، والمطابقة بين المعارضة السياسية وأي انتقاد لطريقة حكمه والإسلام أحد تقنيات هندسة العنف والإرهاب وشرعنتهما، حتى أصبح من المفروغ منه، في نظر النظام وأتباعه وأنصاره، أن جميع تظاهرات النقد والمساءلة والاحتجاج، مهما كانت أفكارها والقائمون عليها، حركات إرهابية متطرّفة لا نقاش في ضرورة القضاء عليها وسحقها بكل الوسائل.


(2)
باختصار، كان القضاء على التطرّف الإسلامي، ومن ورائه الإسلام "الحاضن" للتطرّف، هو العرض الرئيسي المغري الذي قدمه النظام السوري للغرب، ونجح من خلاله في أن يموضع نفسه في مركز مهم داخل استراتيجيته الدولية لمكافحة التطرّف والحفاظ على الأمن، وأن يحظى لقاء ذلك بثقة الغرب وتأييده، ويضمن لنفسه معاملةً خاصةً تجنّبه أي مساءلةٍ دوليةٍ سياسيةٍ أو قانونيةٍ أو أخلاقيةٍ عما يقوم به، وما يمارسه من انتهاكاتٍ غير مسبوقة للقانون وحقوق الناس. وبشراكته هذه مع الغرب ضد الارهاب، حظي الأسد بالمعاملة الخاصة التي جعلته مطلق اليدين في استخدام العنف في قمع مظاهر الاعتراض، أو الانتقاد السياسي في الداخل، حتى البسيط منها. بل لقد أصبح يبالغ متعمدا في الإفراط في العنف واستخدام أبشع الوسائل للتنكيل بالمعارضين وسجنهم المؤبد، وفي انتهاك كل القيم والأعراف والتقاليد المرعية عالميا، ليقنع الغرب بفائدة الرهان عليه عدوا موثوقا في الحرب على التطرّف الإسلامي والإسلام السياسي، مستعدا لتنفيذ جميع المهام الصعبة التي تتردد النظم السياسية التابعة لشعبٍ في استخدامها. وبقسوته في سحق الإسلاميين مهما كانوا، وإخضاع مجتمع المسلمين بالقوة والشوكة واجباره على احترامه، جيّر لحسابه جميع مشاعر الخوف من الإسلام والعداء للمسلمين الذي راكمتها في الغرب عقود طويلة من الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط، قبل الاستقلالات وبعدها.

ومما زاد من أهمية الأسد ونظامه في اقتصاد "الامن العالمي" ما سودته أجهزة مخابراته من إمساك قوي بمفاتيح أسرار قوى متطرفة وإرهابية عديدة صنعها بنفسه، أو نجح في اختراقها في منطقة الإرهاب الدولي الرئيسية، وذلك بالتوازي مع تفاقم مخاوف المجتمعات الغربية من اعتداءات المجموعات المتطرّفة الإسلامية، وخوف حكوماتها من عمليات زعزعة الاستقرار بعد تعرّض عواصمها لبعض التفجيرات التي لا يستبعد أبدا أن يكون قسمٌ منها من صنع الأجهزة الأمنية للدول المستثمرة في الإرهاب.

وأكثر فأكثر، تبدو الأنظمة الفاشية والتسلطية التي تجعل القمع في مركز نشاطها ومحور استثماراتها نموذجا مثاليا للنظم التي يجدر التحالف معها لمواجهة الإرهاب فحسب، وإنما أهم من ذلك لضبط حركة الشعوب، والوقوف في وجه تزايد حركات الهجرة والنزوح، بموازاة تطور الأزمة العالمية، وخوف الغربيين من تقويضها نظمهم الاجتماعية والسياسية، بعد أن تحولت قارتهم إلى جزيرة نعيم وسلام في محيطٍ هائجٍ تتقاذفه أمواج الفقر والبؤس وتفكك المجتمعات من كل جانب. وقد لاقى نموذج النظام السياسي المبنى على أولوية الأمن، قبل الدولة والقانون والاقتصاد والشعب، كما طوّره الأسد في إطار الدفاع عن سلطته ونيل حظوة عند الغرب المهدد، والذي جمع لأول مرة، وفي ظل دولةٍ لها مكانتها في النظام العالمي للدول، بين صنع الإرهاب ومكافحته، لاقى هوى عند كثيرين من قادة الدول الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تطمين الرأي العام، بعد تفجيرات برجي مركز التجارة في نيويورك في سبتمبر/ أيلول 2001، ووجدوا في النظام السوري المستعد لكل المهام ضالتهم المنشودة لتجاوز القيود المفروضة عليهم في بلدانهم، لمواجهة التطرّف الإسلامي خارج إطار القانون.

لذلك، عندما ينظر الغرب في اتجاه الأسد، لا يرى ما يفعله بشعبه من ويلات، وإنما يرى فيه بالعكس حليفا قويا، وفارسا صليبيا يعمل على ردع الإسلام، ووضع حد لصعوده الخطير وعنفه الجامح، وينظر إلى عنف الأسد وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها على شعبه عنفا "معقولا" إن لم ير فيه عنفا مفهوما ومشروعا ضد التطلعات الطغيانية والظلامية للاسلام الخارج من رقاده بثياب القرون الوسطى وأفكارها. يظهر الأسد في نظر الغرب، كما لم يخفه بطريرك موسكو كيرييل، كما لو كان أحد الملوك الصليبيين المتأخرين الذين يستحقون الدعم والتقدير والتشجيع، بدل الإدانة والانتقاد والمساءلة. بعد أن ارتقى بمقامه ودوره من المشاركة في الحرب ضد "الإرهاب الإسلامي"، من خلال التعاون الاستخباراتي، إلى المواجهة المسلحة والحرب الشاملة ضد "الإسلام القرسطوي" المتطرّف والمعادي للسلام العالمي، في سورية والمشرق، لم يعد ممكنا انتقاد الأسد، ولا من باب أولى محاسبته. ينبغي بالعكس تكريمه، وربما تحول في نظر بعض الطوائف في المستقبل إلى قدّيس، يحمل راية الانتقام من الإسلام والرد المستحق عليه. هذا يفسر استمرار الأسد في عمليات القتل المنهجي، وحرب الإبادة والتطهير الطائفي الرسمي والعلني، وبتعاون روسيا والغرب، من دون أن يتعرّض لأي نقد، كما يفسر السكوت على الغزو العسكري الرسمي لسورية من النظام التيوقراطي الإيراني، المدان فكريا وسياسيا وعسكريا في الغرب.


(3)
على أرضية الكفاح ضد حركات التطرّف الإسلامي، ومن وراء ذلك ضد الإسلام المشكوك بنيات أصحابه أكثر فأكثر، نشأ بين النظام السوري والغرب تفاهم خفي وعميق، ليس سياسيا وأمنيا فحسب، وإنما عاطفي أيضا، يشبه ما قام بين إسرائيل والغرب، وساهم حتى الآن في تبرير أعمالها وحروبها، وغض النظر عن بنية نظامها العنصري، وانتهاكاتها قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها جميعا، وصمت العالم عنها. وقد زادت أهمية هذا التفاهم مع الوقت، ومع تنامي روح المواجهة بين الإسلام والغرب، خلال العقود الخمسة الماضية، وأخذ النظام يظهر أكثر فأكثر، وكأنه قاعدة متقدمة للهجوم على الإسلام قوة جيوسياسية صاعدة، ومحارب عنيد وجريء لا يتعب، في احتواء مخاطر التطرّف الإسلامي، ولجم نزوعاته، بل مواجهته في العالم كله. وربما ساعد التكوين الأقلوي للنظام في تعزيز هذا الشعور الإيجابي تجاهها. لكن تكاد تكتشف أنظمة عربية عديدة اليوم فائدة التماهي مع هذا الدور، وهي تحاول أن تحل محل نظام الأسد في لبسه، وفي وراثة موقعه، فيما يشبه المشاركة في حربٍ صليبيةٍ مستحدثةٍ، ومتجددة على الإسلام.

ما يريده الغرب الذي اتحد مع الشرق الروسي والصيني والايراني في الحرب على الإرهاب، كل لمصالح مختلفة ولاستخدامات متباينة، في ما وراء السعي إلى الحفاظ على الأسد أو على حكم عائلته، هو المحافظة على الدور الذي رسمه الأسد لسورية، والمهمة التي أوكلها لها النظام الدولي، بوصفها مركزا مهما من مراكز رصد تطورات الإسلام السياسي ومواجهته، في المنطقة، وتجنيدها في الحرب العالمية على الإرهاب، والاستفادة من خبرتها في الحرب الدعائية والإعلامية أيضا ضد الإسلام المؤرّق والمهدّد، بمقدار ما هو ضعيف ومتخبط ومنقسم ومأزوم، وبالتالي الحفاظ على الدولة السورية باعتبارها جزءا من جهاز الأمن العالمي، أو على شروط إعادة إنتاجها جهاز أمن عامل، كما كانت في عهد بشار، ووضعها من جديد في خدمة أهدافه. وهذا ما يفسر التنصيب الدولي لبشار وريثا لأبيه، والاحتفاء به ورعايته الكبيرة من الدول الغربية جميعا، حتى بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري الكبرى التي عكست الانحراف الخطير في سلوك دولة جهاز الأمن، أو الدولة التي انحلت في أجهزة الأمن، وصارت تفكر بمنطقها وتخضع لحسابات رجالها، وتعيش على توزيع خدماتها الأمنية على النظم والدول والعالم. وهو ما يفسر أيضا تمسّك الغرب، على الرغم من الفظائع غير المسبوقة لنظام الأسد ضد شعبه، بنظام الأسد والحيلولة دون سقوطه، وصرف النظر عن تدخل إيران الخمينية العسكري الواسع، ثم روسيا ضد الشعب السوري، والإصرار أخيرا على أن يبقى الأسد جزءا من الحل في سورية المستقبل أو التهديد بتقسيمها.

لكن لا ينبغي أن نخطئ. ليس الأمن، لا في الداخل ولا في الخارج، هو الذي يشغل النظام السوري. إنه البضاعة التي يسوّق بها النظام نفسه، ويريد أن يستمد منها شرعيته في النظام الدولي وفي الداخل. ما يحرّكه ويشكل غاية جهده هو تأبيد السيطرة والتسلط على البلاد التي استعمرها، والمحافظة على الإمارة التي انتزعها بالقوة. وجوهر جهده لتحقيق ذلك هو، بالعكس تماما مما يعلنه، نشر الخوف والرعب وزعزعة الاستقرار على مستوى المجتمع، وفي ميدان العلاقات الدولية. يعمل النظام السوري كمشعل الحرائق الذي يشعل الحريق، ويصرخ: النجدة، ويقدم نفسه المتطوع الأول لإطفائه. ولذلك كانت وظيفة أجهزة الأمن زعزعة أمن المواطن واستقراره ومنعه من الشعور بالأمان أو الثقة أو الاطمئنان، وتعريضه لترويعٍ مستمر، يجبره على الاستسلام والتسليم بكامل حقوقه وأرزاقه. وهذا هو الحال أيضا مع نكتة مكافحة الأسد للإرهاب. إنه لا يشارك في مكافحته، إلا لتدفيع المجتمع الدولي ثمن التوسع في انتاجه. كأي جسم دخيل، لا أمل للنظام الأسدي الذي ليس نظاما، ولا سياسيا بأي معنى، ولكن عصابة منظمة بالمعنى الحرفي للكلمة تعمل على مستوى المنطقة، وتحت غطاء دولة رسمية وشرعية، في البقاء والنمو وسلب حقوق الناس وموارد الدولة ومراكمتها في جيوب رجاله، عبر المصارف العالمية، إلا ببث الفوضى والرعب والخراب وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والدولي معا. دولة الأسد أبعد ما تكون عن دولة الأمن. إنها دولة الرعب، أي الإرهاب الداخلي والخارجي. هذا هو رأسمالها الحقيقي، ومصدر نموها وتمكّنها وازدهارها وموتها أيضا.

اقرأ المزيد
١٣ مايو ٢٠١٨
هل هناك موقف عربي «أصلاً» تجاه إيران؟

الضربة الكبرى للرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق «السيئ» مع النظام الإيراني، أصابت جهات عدة في العالم بالصدمة وأدارت الرؤوس.

راهن الأوروبيون على اللعب على شخصية ترمب، والتأثير ببعض اللمسات الخاصة، مثلما فعل ماكرون الفرنسي في تودداته، وحاولت الألمانية ميركل الضغط على ترمب، وغيرهما فعل، لكن الرجل أهمل كل كلام الأوروبيين، كان قد أمهلهم من قبل وقتاً للضغط على الإيرانيين من أجل «تعديل» هذا الاتفاق المدمر، الذي يتفاخر به أوباما، وشبكاته العالمية، وجوهر التعديل الذي طلبه ترمب هو: إنهاء برنامج الصواريخ الباليستية، وإيقاف التدخلات الإيرانية الشريرة بمنطقة الشرق الأوسط. لم يفعل الأوروبيون شيئاً، أما لماذا «يستقتل» الأوروبيون على صون الاتفاق الإيراني؟ فحديث آخر.

اليوم أريد التعليق على الموقف العربي، إن كان يصحّ الحديث عن موقف عربي، هكذا بالإطلاق، تجاه الانسحاب الأميركي الهائل من الاتفاق الإيراني.

بالنسبة للسعودية والإمارات والبحرين، القصة واضحة، خطوة ترمب ممتازة وليس له منهم إلا التأييد، لأسباب تخص نظرة هذه الدول لطبيعة الخطر الإيراني، الذي أهمله قادة الدول التي وقّعت الاتفاق مع إيران، دون أي حضور عربي صيف 2015.
لكن ماذا عن بقية العرب؟

لدينا الموقف المصري، الذي عبّر عنه بيان الخارجية المصرية، لفتني فيه هذه الفقرة: «وتؤكد مصر على أهمية مشاركة الأطراف العربية المعنية في أي حوار حول مستقبل الأوضاع في المنطقة، وبصفة خاصة المرتبط باحتمالات تعديل الاتفاق النووي مع إيران».

ممتاز، لكن هل يشمل هذا الطلب حضور لبنان، والعراق، وسوريا، مثلاً؟

حسناً، هذه الدول، أو للدقة السلطات الحاكمة «الفعلية» لها، منحازة لإيران، بدرجات مختلفة، فكيف يمكن الحديث عن موقف عربي واحد إذن؟

لدينا الموقف الكويتي، المعبّر عنه أيضاً ببيان الخارجية الكويتية، وهو موقف «متوسط» لا هو بالمساند القوي لخطوة ترمب ولا هو بالمعارض الواضح... جاء في نصه بعد سوق مبررات الكويت لمساندة الاتفاق من قبل: «تحترم (الكويت) وتتفهم انسحاب أميركا». أما قطر التي تحتضن القواعد الأميركية العسكرية، وفي الوقت نفسه تتمتع بعلاقات ممتازة مع إيران، وبخاصة بعد مقاطعة الرباعية العربية لها، فهي في حيص بيص. جاء في بيان خارجيتها حول الخطوة الأميركية: «من مصلحة جميع الأطراف ضبط النفس والتعامل بحكمة وأناة مع الموقف ومحاولة تسوية الخلافات القائمة من خلال الحوار».

لا ندري ما المقصود هنا بالحكمة و«الأناة» المطلوبة!
صفوة القول، لا يوجد شيء اسمه موقف عربي موحد، بل يوجد مصالح عربية متعددة... وربما متناقضة، هذا هو الحال، أحببته أم لا.

اقرأ المزيد
١٣ مايو ٢٠١٨
هل تمّت انتخابات لبنان في سورية وإيران؟

 انتخب لبنان سلاح «حزب الله» في سورية، أي لم يعد شعار النأي بالنفس الذي عوّلت عليه حكومة لبنان على مدى سنوات المأساة السورية السبع ينفع أحداً، فمن شارك بترجيح كفة نوابه لابتداع شرعية لقرارات الحزب وسلاحه داخل لبنان وخارجه، يقول بملء صوته (الخائف والمخوَّف والمحكوم) والمصلحي «نعم» لمشاركتهم في قتل السوريين، هذه «الأصوات» التي هيأ لها الحزب أجواء الخوف والترهيب من خلال ممارساته خلال الحملة الانتخابية لمن يعارضه، جاءت لتعبر عن قصد أو من غير قصد عن «لا» لبرامج إصلاح طرحتها أصوات المجتمع المدني، وأصوات الباحثين عن طمأنة الغالبية السكانية لمستقبل أقل صخباً، وأكثر بحثاً عن حلول لحياة تنهار أساساتها، سواء الأمنية أم الخدمية أم المعيشية، ويتحول لبنان بموجبها إلى ساحة خلفية لحرب «حزب الله» في جبهته الأمامية سورية- وليس حديقة خلفية، حيث غيبت النفايات جماليات لبنان في معركة الصراع الحكومية-، ما يعني أن فرحة الانتخابات العائدة بعد غياب طويل بدّدتها أصوات زخات رصاص الذين يعلنون أنهم موجودون بقوة سلاحهم قبل النتائج وبعدها.

ربما، ليس من قبيل الصدفة، أنه لم يتم خلال سنوات الحرب السورية السبع تعطيل أي استحقاق انتخابي سوري - على رغم أنه ضمنياً هو استحقاق شكلي ليس أكثر- وجرى في ظروف قاهرة للسوريين، وفي ظل غياب أكثر من نصف الشعب السوري، وعدم تمكن نحو ستين في المئة من الموجودين داخل سورية من ممارسة حقهم الانتخابي، سواء بسبب خروج مناطقهم عن حكم النظام، أو تخوفهم من حالة الحرب القائمة، أو عدم رغبتهم في مشاركة النظام «أعراسه الديموقراطية» على وقع طبول الحرب، إلا أن النظام السوري عمل على تقديم نفسه كحاكم لدولة بكامل فعالياتها «الانتخابية» انتخابات رئاسية ومجلس الشعب، وقيادات حزب البعث، بل وزاد عليه تغييرات دستورية، ما يظهر أن النظام السوري الذي يخوض حرباً ضد السوريين المعارضين له لم يؤخر استحقاقاته الوهمية، في ذات الوقت الذي استطاع ومن خلال «حزب الله» حليفه وشريكه وممثله نيابياً في لبنان، أن يمارس تعطيلاً متعمداً للحياة البرلمانية، وانتخاباتها، لنحو دورتين متتاليتين، أنتج من خلالهما حكومة مقيدة في لبنان لمصلحة حليفه، ومن ثم حكومة معطلة خدمياً لقلب الطاولة على خصومه داخل لبنان، ضمن ما سمي حكومة النأي بالنفس.

اليوم فاز «حزب الله» في المجلس النيابي، وهذه حقيقة يستطيع اللبنانيون التعايش معها، بل وفلسفتها، بأنها قد تخدم مشروع لبننة الحزب، وإبعاده عن حاضنته إيران، إذا أراد أن يقود القرار والسلاح لبنانياً، ويمكن أن تكون مصيدة للحزب نفسه، المشتت بين حربه في سورية على السوريين، وحربه في لبنان على فكر وقيم الحرية والديموقراطية التي عاش واعتاش عليها لبنان «سويسرا الشرق» طويلاً، فهل سيرتدي حسن نصرالله وجهه اللبناني بعد هذا الفوز غير «المدني»، نازعاً الوجه الإيراني في حكمه القرار السياسي للبنان، أم سيبقي على وجهه الإيراني الذي خبرناه خلال هذه الحرب الطويلة له في سورية، وأدواره في قتل وتشريد وتهجير وتغيير خريطة مدنهم إدارياً وجغرافياً وديموغرافياً، ويصبح سلاحه هو صاحب القرار السياسي والعسكري في معركة الحكومة المقبلة؟

ثمة أسئلة تشعل المرارة في نفوس السوريين، كما في نفوس اللبنانيين الأحرار الذين خبروا معنى مأساة الحروب ومنعكساتها على الشعوب، والذين وقفوا ضد حملات ممثلي الكتل النيابية البرلمانية التي طالبت بترحيل السوريين من اللاجئين، في صيف 2017، الذين فروا من المقتلة التي يديرها «حزب الله» اللبناني في سورية وفق الأجندة الإيرانية، متناسين أن حضور اللاجئين القسري والطارئ في لبنان هو نتيجة حضور مبرمج وطائفي للحزب المنتخب اليوم في البرلمان اللبناني، ما يعني أن خلاص كل طرف اليوم من «لاجئين ولبنانيين متأزمين منهم» هو بعودة الطرف المسلح صاحب القرار بذهابه إلى سورية ليحارب أهلها، ليعود الطرف المجبر بلجوئه إلى لبنان إلى بلده بعد أن تستقر أسباب أمنه هناك، وفي أولها خلاصه من «حزب الله».

ربما يتحمل الصمت الانتخابي مسؤولية ضياع فرصة عودة لبنان إلى ديموقراطيته التي طالما حاولت الصراعات الطائفية والمصلحية الإخلال بموازينها والنيل منها، ومع ذلك لم تنجح كما هي الحال اليوم بصورة هذه الانتخابات التي اختارت السلاح على السلمية، وإيران بديلاً للحاضنة العربية، ما يجعل السؤال مشروعاً أمام المغيبين عن المشاركة في رسم صورة لبنان ما بعد الحرب في سورية، عمّن يتحمل مسؤولية ما بعد الانتخابات فيما لو تكلّل بصمت الداعمين لعملية التنمية التي يحتاجها لبنان، في ظل تسلط السلاح الحزبي الطائفي على القرار اللبناني السياسي والحكومي، وابتعاده ومعاداته محيطه العربي الداعم تاريخياً للبنان، وكيف لمن يرى أن لبنان جزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يعمل على صيانة استقلاله واستقراره وتنميته بعيداً من تبعيتها لولاية الفقيه؟

ما قالته «الانتخابات» في لبنان أن مشاركة «حزب الله» في القتال إلى جانب النظام في سورية ليس شأناً إيرانياً- سورياً، كما كان يحاول أن يدعي إعلان حكومة النأي بالنفس، إنما هو شأن سوري- إيراني في لبنان، وهو الآن لبناني وتحت غطاء انتخابي أراده النظام السوري ليعلن من جديد عودته إلى الساحة اللبنانية من باب الأغلبية النيابية، وهو الأمر الذي يضع التفاهمات الدولية -التي تعقد في أكثر من مكان- في دائرة الشك حول موقفها من التوسع الإيراني في المنطقة، وتحديداً الدور الأوروبي في الصمت على أدوارها في كل من لبنان وسورية والعراق واليمن، ويمهد لنزع أي تبعات حقيقية لعملية إعادة ملف الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الخمس الباقية في الاتفاق إلى طاولة التفاوض، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منه، أو استبداله بآخر يحد من إمكانات تطويرها صناعتها النووية وصواريخها.

خيارات اللبنانيين في الإحجام عن المشاركة الفعالة لإنتاج ما يمثل رغباتهم في العيش الهادئ والكريم ، ضمن محيطهم العربي، بعيداً من صراعات المنطقة، أنتجت خارطة جديدة لمراكز القوى المحلية الطائفية، وحجّم الأكثرية، ولا أعني بها أكثرية «الحريري»، وإنما أكثرية لبنان الحر والديموقراطي والوجه الحضاري للمنطقة العربية، وما تدني نسبة مشاركة العاصمة بيروت بهذه الانتخابات إلا تعبير هادر يرفض بنأيه عن الانتخابات ما آلت إليه بيروت، بسبب حرب خاضها حزب الله في سورية بعيداً من إرادتها، فأكلت من دماء أولادها، واعتاشت على أرواحهم، نعم هو إحجام بحجم الرفض لأن تبقى بيروت متأرجحة على ميزان الطائفية والمصلحية الإيرانية التي تضع حبالها حول عنق بيروت كما فعلت في بغداد ودمشق وأينما حلت بطائفيتها وعسكرها وسلاحها النووي.

اقرأ المزيد
١٣ مايو ٢٠١٨
ألمانيا وفرنسا مع إيران

اختبار صفارات الإنذار في عدد من المناطق السعودية ليس عملاً روتينياً وسط أجواء المنطقة المتوترة، واستمرار الإيرانيين في إطلاق الصواريخ الباليستية مستهدفة المدن السعودية المكتظة سكانياً، من خلال وكيلهم الحوثي في اليمن، يعبر عن حجم المخاطر التي تواجه الجميع.

مع هذا، ورغم انتشار العنف المنظم من قبل النظام الإيراني، فإن الحكومتين الألمانية والفرنسية تسوقان لفكرة السكوت على حروب إيران، واحترام الاتفاقية النووية معها. مستشارة ألمانيا ميركل وبشكل صريح، ولأول مرة، تتحدث عن تعزيز سياستها الدفاعية العسكرية بعيداً عن الولايات المتحدة، وتقول للرئيس الإيراني هاتفياً إنها ملتزمة بالاتفاق والتعاون مع إيران. أيضاً، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مع ميركل اختارا الانفصال عن واشنطن متعهدين للنظام في طهران بالمتاجرة معه، ومعلنين رغبتهما في الاستقلال بشكل أكبر عن حليفتهما الدائمة الولايات المتحدة.

المواقف المعارضة لقرار الرئيس الأميركي بنقض الاتفاق النووي مع إيران تطرح جملة تصورات تبدو إيجابية، لكنها في الحقيقة سلبية للغاية. قد يبدو تمسك فرنسا وألمانيا بالاتفاق على أنه أهون الشرين. يدعون أن موقفهم يعطي فرصة لإيران للتفكير والتعامل بإيجابية حتى لا تخسر أوروبا، بعد أن خسرت الولايات المتحدة. ألمانيا وفرنسا تسوقان موقفهما المنحاز إلى طهران على أنه من أجل منع النظام من العودة لبناء السلاح النووي وتعقيل سياساته.

إنما مقابل هذا الموقف المنفتح، لا يملك الألمان والفرنسيون ما يكفي لضمان سلوك طهران لا عسكرياً ولا اقتصادياً. وبالتالي يرسل البلدان إشارات خاطئة إلى المرشد الأعلى بأنه على حق في موقفه ضد واشنطن، وأنه ليس مطالباً بأي تصحيح في سياساته الإقليمية. نخشى أن رسالة ميركل - ماكرون هي التي ستدفع بمزيد من الفوضى والحروب في المنطقة.

ربما لا يكون الرئيس الأميركي، دونالد ترمب لبقاً، لكنه هنا على حق. الاتفاق النووي هو أسوأ صفقة في التاريخ المعاصر، ولا بدّ من تعديله. منطقة الشرق الأوسط، حتى بمقاييسها السيئة، لم تعرف حروباً وعنفاً وأخطاراً كالتي جاءت خلال وبعد توقيع الاتفاق. والمستقبل سيكون أسوأ ما دام النظام في إيران يرى أن القوى الكبرى تخلت عن أدوات محاسبتها. وما المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية في سوريا إلا نتيجة لذلك الاتفاق الذي منح النظام المال وسمح له بالانتشار، وتشعره أنه حر طليق في المنطقة. الأوروبيون يملكون حلولاً تضميدية لحروب ضخمة، مثل سوريا، بالتبرع بمزيد من الخيام والبطانيات، وهم هنا مخطئون.

سوريا ستولد مزيداً من القلاقل نتيجة الإخلال بموازين القوى في المنطقة. وكما حاولوا في ليبيا التي تقع في محيط أمنهم مباشرة، أمن جنوب أوروبا. لم تسعَ أوروبا، كمجموعة ولا كقوى منفردة، معالجة الحرب الأهلية في ليبيا إلا فقط بنشر البوليس البحري لمنع المهاجرين. النتيجة أن عدم وجود سلطة مركزية وعدم تمكين السلام هناك، أصبحت ليبيا معبراً للآلاف من الأفارقة المستعدين للموت غرقاً من أجل الهجرة إلى أوروبا. أوروبا بسياستها النائمة تريد واحداً من حلين؛ إما أن تتحمل الولايات المتحدة عبء المواجهة العسكرية أو ترك دول المنطقة تحترق. أوروبا ليست قادرة على اتخاذ أي قرار حرب، ولا تملك القدرة على الاتفاق على عمل عسكري مشترك، ولولا التدخل الأميركي في البوسنة لربما كانت الأزمة قائمة إلى اليوم في أوروبا نفسها!

هل يمكن أن يقدم لنا الألمان والفرنسيون تصورهم للحل لما تفعله إيران في العراق وسوريا وغزة واليمن؟ إنهم لا يفعلون غير السعي لبيع السلاح، لكنهم يرفضون إرسال قوات أو تقديم معلومات استخباراتية أو خدمات لوجيستية! ربما باستثناء قوة رمزية فرنسية في سوريا لا نستطيع أن نقول إنها تحدث فرقاً على الأرض!

لهذا، فإن انحناء الأوروبيين للنظام الإيراني هو على حساب الشعب الإيراني المتململ، وعلى حساب دول المنطقة التي صارت كلها أهدافاً لإيران، ولَم يعد أمامها سوى أن تستعد لحروب أوسع.

اقرأ المزيد
١٣ مايو ٢٠١٨
هل بات «حزب الله» يهيمن على لبنان؟

شاع هذا السؤال كثيراً في الأيام الماضية على خلفية قراءة نتائج الانتخابات النيابية التي شهدت تراجعاً عددياً في كتلة رئيس الحكومة سعد الحريري، وتحقيق «حزب الله» اختراقات سنيّة جدية في أكثر من منطقة، مع الإمساك التام بعدد النواب الشيعة في البرلمان.

سيكون من الصعب على الناظر من الخارج ألا يقفز إلى استنتاجات متسرعة؛ من نوع أن الانتخابات جعلت «حزب الله» يهيمن على لبنان، وسيكون من الصعب على من يعيشون في لبنان ألا يأخذوا مثل هذا الاستنتاج على محمل السخرية.

الحقيقة أن «حزب الله» لا يحتاج هذه الانتخابات ليقول للعالم إن جزءاً رئيسياً من قرار البلد بيده؛ بفعل قوة السلاح وسطوته... لم يكن ثمة ما يريد «حزب الله» أن يفعله قبل هذه الانتخابات وحال دونه عدم توفر العدد الكافي من النواب بحوزته! وليس ثمة ما يصعب على «حزب الله» أن يفعله بسبب توازنات لبنان الأهلية وسيكون قادراً عليه الآن لأنه فاز بنائب إضافي هنا أو مجموعة نواب هناك.

لنتصارح حول الديمقراطية اللبنانية! في لبنان بقايا نظام ديمقراطي، وبقايا دولة، وبقايا مؤسسات، وفي هذه البقايا ثمة من يقاوم للحفاظ على الحد الأدنى والأخير من هيكل النظام اللبناني ودولته ومؤسساته.

ولم تكن الديمقراطية مرة ضامناً للبنانيين؛ منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005 حتى اليوم، ولا كانت عائقاً أمام مشروع «حزب الله»؛ فقد فاز «تحالف 14 آذار» مرتين بالأكثرية البرلمانية في انتخابات 2005 و2009، ولم ينجح إلا في حالات نادرة في ترجمة أكثريته سياسياً في مواجهة مشروع «حزب الله». أقفل «حزب الله»، بصفته قائداً للمعسكر المضاد، البرلمان الذي لا يحوز فيه أكثرية لمدة سنتين بحجج واهية حول الميثاقية وغيرها من أكاذيب اللغو السياسي اللبناني... ثم غير الأكثرية باختطاف كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عام 2011 وإجباره على تسمية النائب السنّي نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة خلفاً للحريري بعد إطاحة حكومته. لا أسعفت الأكثرية «14 آذار»، ولا منعت «حزب الله» من المضي بخياراته الانقلابية، التي سيكتشف الحزب لاحقاً أنها غير ممكنة في لبنان، ودائماً بفعل التوازن الأهلي بين الطوائف، وسيعود رويداً رويداً إلى التفاهم مع الحريري!

سأغامر بالقول إن هذه الانتخابات بلا أي قيمة سياسية تذكر، سوى أنها تعيد بث بعض الروح في هيكل الدولة اللبنانية ومؤسساتها ونظامها السياسي، وتعيد تجديد «الثقة» الدولية بلبنان كبقايا دولة ممكنة الترميم في المشرق المنهار والمشتعل... وهذا مهم، لا سيما في ضوء برنامج الاستدانة الجديد الذي بدأه الحريري بالتفاهم مع رئيس الجمهورية لإبعاد لبنان عن حافة الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي التي يقف عندها الآن... التوازن الأهم هو التوازن خارج المؤسسات وليس داخلها؛ في صلب المجتمع وليس في قلب الدولة. وبهذا المعنى، فإن النتائج السياسية للحملة الانتخابية لسعد الحريري جاءت أهم بما لا يقاس بنتائج صندوقة الاقتراع.

جال الحريري في طول وعرض لبنان، في كل مناطق السنّة، من حاصبيا جنوباً إلى عكار شمالاً، مروراً بصيدا والبقاع وطرابلس وبيروت، بمشهدية شعبية غير مسبوقة لزعيم سنّي، بمن في ذلك والده. كرّس الحريري زعامته العابرة للمناطق اللبنانية ضمن الطائفة السنيّة، وهي سوية لا ينازعه عليها حتى من حققوا نتائج محلية كالنائب المنتخب عبد الرحيم مراد في البقاع، أو الرئيس نجيب ميقاتي في مدينة طرابلس، أو رجل الأعمال فؤاد مخزومي في بيروت.

وبخلاف النتائج في صناديق الاقتراع التي تحكم فيها قانون نسبي، وأدى إلى تراجع حسابي للحريري وليس سياسياً، فالواقع أن الكتلة السنيّة الكبرى في لبنان منحته ثقتها الشعبية، كما أعطته 60 في المائة من نواب السنّة في البرلمان؛ أي إنه وحده يمثل أكثرية الثلثين، بأسوأ قانون ممكن... دعك من أن القانون يمتحن التعدد السنّي والمسيحي في الاجتماع اللبناني ولا يعطي صورة دقيقة عن التعدد الشيعي بسبب أن الطائفة الشيعية في لبنان لا تزال عملياً، بفعل السلاح ودوره وسطوته، خارج مفاعيل الانتخابات الحقيقية، وهو ما يكرس قناعتي بانعدام الأهمية السياسية للانتخابات التي تجرى في ثلثي لبنان، فيما يبقى ثلث البلاد عملياً خارجها ولو مارس الاقتراع والصناديق والفرز وكل شكليات الانتخاب؛ إذ ليس من الطبيعي، وفق كل قواعد العلوم الإنسانية، أن طائفة تتعرض لامتحان إشراكها في الحروب السورية واليمنية والعراقية وغيرها بكل التكاليف المادية والبشرية المصاحبة، ولا ينعكس هذا الامتحان على المجتمع ولا يفرز أي تعدد منطقي حياله، إلا إذا كانت صناديق الذخيرة لا تترك لصناديق الاقتراع فرصة حقيقية لإبراز التعدد الموجود حكماً؛ أقله بسبب الطبيعة البشرية!

أما لماذا وافق الحريري على قانون يعرف سلفاً نتائجه عليه، فلأن المتغير الذي لا يزال يحكم هذا القرار وغيره هو تقطيع المرحلة الانتقالية التي تمر بها المنطقة من دون تفجير لبنان. أما مشكلة «حزب الله» فلم تعد مشكلة لبنانية... من لديه حل فليتفضل مشكوراً.

اقرأ المزيد
١٢ مايو ٢٠١٨
على ماذا يراهن ترامب في مواجهة إيران؟

في 8 مايو الحالي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني الذي توصّلت إليه إدارة أوباما مع النظام الإيراني بمشاركة عدد من القوى الدولية. لم يكتف الرئيس الأمريكي بذلك، بل تضمّنت القرار الرئاسي الذي وقّعه إعادة فرض العقوبات التي كان قد تمّ رفعها سابقا بموجب الاتفاق، كما أوصى بفرض عقوبات أخرى قاسية وهدّد الدول التي ستساعد إيران على فرض عقوبات أمريكية عليها هي الأخرى.

لم يكن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مفاجئاً، إذ أن ترامب كان قد حضّر الأرضية لذلك من خلال تصريحاته ومواقفه العلنية السابقة إزاء الاتفاق النووي الإيراني، لكن من غير المعروف حتى الآن عمّا إذا كانت هذه الخطوة مدروسة وتأتي في سياق أوسع أم أنها خطوة عشوائية. البعض فسّر الخطوة على أنها تحضير للحرب مع إيران، لكن القفز إلى هذا الاستنتاج يعوزه الكثير من الدلائل والإثباتات.

الهدف النهائي لترامب على الأرجح هو الدفع باتجاه التفاوض على اتفاق جديد يتلافى الثغرات التي كانت موجودة في الاتفاق القديم ويمنع إيران بشكل نهائي من الطرق المؤدية إلى القنبلة النووية، وليس خوض حرب مع إيران. بالطبع الجانب الإيراني سيرفض التفاوض، وترامب يعلم ذلك تماماً. مخاطباً أحد الصحفيين، قال الرئيس الأمريكي " الإيرانيون سيرفضون التفاوض من جديد، بالطبع سيقولون ذلك، ولو كنت أنا مكانهم لكنت قلت نفس الشيء أيضاً، في الأشهر القليلة الأولى" مضيفا "لكنّ سيتفاوضون، وإلاّ فان شيئا ما سيحصل، ونأمل أن لا تكون هذه هي الحالة".

إذا الحرب ليست الخيار الأوّل على الأقل، إن لم تكن بشكل مطلق وذلك لأنّ ترامب لم يذكرها أصلا. في هذا السياق، يعتقد الجانب الأمريكي أنّ إعادة فرض العقوبات على إيران وإتباعها بعقوبات قاسية سيؤدي في نهاية المطاف إلى الهدف المرجو وهو دفع طهران إلى طاولة المفاوضات. من حيث المبدأ، الإيرانيون لا يرفضون التفاوض عندما يكونوا في موقف صعب أو حرج، لكنّ مشكلتهم الآن أنّهم سيبدون في موقف ضعيف إن هم ذهبوا مباشرة إلى التفاوض مع ترامب.

أمّا مشكلتهم الثانية فهي أنّ الوضع الاقتصادي الإيراني في حالة حرجة، ولذلك فإن إعادة فرض العقوبات في هذا التوقيت بالذات سيتسبب لهم بالمزيد من المشاكل الداخلية، ولعل هذا ما يراهن عليه ترامب في حال عدم قدومهم إلى طاولة المفاوضات.

ولأنّ الوقت مهم جداً في هذه المعادلة، فان الجانب الإسرائيلي قام بهجوم استباقي على إيران في سوريا لتحذيرها من مغبّة محاولة استخدام أذرعها الإقليمية لكسب الوقت أو لمراكمة الأوراق قبل التفاوض من جديد، وبهذا تكون إيران قد دخلت في موقف حرج وخطر للغاية. سيظل بإمكان إيران بالبط استخدام أذرعها الإقليمية بطريقة أو بأخرى لكن الثمن سيكون مرتفعاً، كما انّهم لا يعرفون الكيفية التي سيرد بها ترامب وذلك لأّنه شخص غير مستقر ولا يمكن التنبؤ بتحرّكاتها كما كان عليه الأمر إبّان إدارة الرئيس أوباما.

هناك فسحة من الوقت تبلغ بضعة أسابيع وقد تمتد إلى ثلاثة أو ستّة أشهر قبل أن يتم بعدها إعادة فرض جميع العقوبات القوّية على ايران بشكل كامل، وحينها فقط يمكن القول بأنّ مفاعيل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي قد بدأت بالعمل وسنرى إذا ما كانت إيران تريد التفاوض بالفعل أم أنها تحضّر للحرب.

اقرأ المزيد
١٢ مايو ٢٠١٨
67 إيرانيّ؟ ربّما!

 بات واضحاً أنّ الإيرانيّين أُحرجوا فاضطرّوا إلى الردّ على الإسرائيليّين. صفعة بعد صفعة بعد صفعة، وليس لدى طهران إلاّ الكلام الكبير (وطائرة واحدة تمّ إسقاطها). بعد ذاك ردّ الإيرانيّون: اتّجهت صواريخهم وقذائفهم نحو إسرائيل فسقط معظمها في سوريّة. ما وصل منها إلى الدولة العبريّة اعترضه الإسرائيليّون وأسقطوه.

الأخيرون، العدوانيّون والتوسّعيّون تعريفاً، هم الذين ردّوا على ما لم يُصبهم. اغتنموا الفرصة التي انتظروها فضربوا، وفق ما قالوه، البنية العسكريّة الإيرانيّة في سوريّة. الإيرانيّون، بدل أن يكبّروا الفعل، كبّروا الكلام. شتموا الديبلوماسيّة وأكّدوا، للمرّة المليون، تعويلهم على «المقاومة». لكنّهم قالوا أيضاً شيئاً آخر: نحن لم نَضرب ولم نُضرب. السوريّون هم من فعلوا.

الفشل العسكريّ الذريع الذي كشف ضحالة الآلة الحربيّة الإيرانيّة، رافقه فشل ديبلوماسيّ تصنعه طهران بيدها. لقد شكّكوا بالأوروبيّين المتمسّكين بالاتّفاق معهم، تماماً على عكس ما فعله الإسرائيليّون الذين غازلوا الروس وقالوا إنّهم أطلعوهم على ما قاموا به. حصل هذا فيما كان بنيامين نتانياهو يزور موسكو.

النرجسيّة الجريح لدى الإيرانيّين تنفّر المحايدين وتتّهم العالم. إنّه جنون الوعي الإمبراطوريّ وقد انفلت من عقاله. إنّه الكلام الكبير وقد راح يتخبّط في الفعل الصغير.

تطوّرات الأيّام الأخيرة توحي أنّ إسرائيل تريد الحرب مع إيران. هذا ما سبق أن رأيناه مع مصر الناصريّة في 1967: قالت القاهرة مراراً وتكراراً إنّها ستحاربها، فيما هي تحارب في اليمن، لكنّ إسرائيل هي التي حاربتها وهزمتها. آنذاك، من موقعها العدوانيّ والظالم، ولأسباب لا صلة لها بمصالح العرب الذين احتلّتهم، أنهت الدولة العبريّة المشروع الإمبراطوريّ الناصريّ وقوّضت قوميّته العربيّة. أمّا إذا قدّمت إيران، التي تستغرقها حروبها في المنطقة، ذريعة أخرى لشهيّة الحرب الإسرائيليّة، فلا يُستبعَد حصول 67 إيرانيّ ينهي المشروع الإمبراطوريّ لطهران وإسلامه الراديكاليّ.

طهران، المنهكة اقتصاديّاً، حمت نفسها من احتمال كهذا بلسان التنصّل: نحن لسنا من فعل ذلك. والتنصّل يوحي أنّ المجابهة التي تمّت سوف تقتصر على رقعة جغرافيّة لا تتعدّاها. لكنّ اللسان الإيرانيّ الآخر الذي نطق بالمقاومة وبلعن العالم قد يفعل العكس.

في الحالة الأولى، سيكون التعديل الذي طرأ على اتّفاقيّة فضّ الاشتباك في 1974 طفيفاً يستطيع أن يحتمله ويستوعبه الوضع القائم. لكنّ المزاعم الإيرانيّة حول «تحرير القدس» لن تحتمله. الأيديولوجيا ستباشر انهيارها الذي قد يكون مديداً.

في الحالة الثانية، ستسقط على نطاق واسع وعابر للحدود اتّفاقيّة 1974، ويسقط في ذيلها القرار 1701. عندها، وتبعاً لما بات معروفاً عن قدرات إيران العسكريّة والاقتصاديّة، لن يكون من الصعب توقّع النتيجة.

المؤلم، فضلاً عن الأكلاف البشريّة، أنّ إسرائيل هي التي تتولّى تقويض الإمبراطوريّات ومشاريعها. إنّها بالطبع تفعل ذلك لأسباب تخصّها هي.

المؤلم أكثر أنّنا نحن، عبيد الإمبراطوريّات، لا نستطيع ذلك، وأنّنا، فوق هذا، قد لا نستطيع الإفادة من تقوّضها والبناء عليه. وربّما أفاد التذكير بأنّ هزيمة الناصريّة وقوميّتها العربيّة جاءنا بالإسلام الأصوليّ!

اقرأ المزيد
١٢ مايو ٢٠١٨
مع من تقف: إيران أم إسرائيل؟

سؤال محرج جداً لأنه ينقض كل المفاهيم التي بنيت عليها ثقافتنا السياسية. أمس ضربت إسرائيل خمسين موقعاً يديره الحرس الثوري الإيراني في سوريا، رداً على عشرة صواريخ أطلقها باتجاه إسرائيل، وقيل إنها رد على هجوم إسرائيلي سبقها بليلة.

وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد آل خليفة، تبرع بتفسير الموقف. كتب مغرداً في «تويتر»: «طالما أن إيران أخلّت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة، ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر». موقف الشيخ خالد عام، مع أي دولة تقف ضد جرائم إيران في المنطقة.

في السياسة، تتغير المواقف بحسب ضرورات المصلحة. ولو سألنا غالبية الشعب السوري لهتف مؤيداً إسرائيل في ضرب القوات الإيرانية وميليشياتها في سوريا. لا يوجد مبرر أقوى من الدفاع عن حق 600 ألف قتيل، وعشرة ملايين مشرد، من جرائم قوات إيران وحليفاتها.

فالمواقف مبررة وليست مقدسة دائماً، شيء من العقل وشيء من العاطفة. الموقف مع إيران لو أنها ساندت الفلسطينيين، مع إسرائيل عندما تضرب قوات إيران في سوريا، مع الفلسطينيين عندما تعتدي عليهم إسرائيل، مع حزب الله اللبناني الإيراني عندما كان يقول إنه يحرر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، مع إسرائيل عندما تضرب قوات حزب الله يوم استهدفت اللبنانيين، وعندما شاركت في قتل السوريين. مع المعتدى عليه ضد المعتدي.

هل يصعب فهم هذا المنطق؟ هذا هو الموقف العقلاني المطلوب في منطقة مجنونة. المؤدلجون وحدهم الذين ربما يعجزون عن قبوله، لكن لو سألت أي سيدة سورية أو لبنانية قتل ابنها من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني، فهي لن تتردد في الدعاء بالنصر لإسرائيل والدعاء على خصومها بالويل والخسران. وهذا لا يجعل الإسرائيليين على حق في احتلالهم الأراضي الفلسطينية ولا على حق في اضطهادهم الشعب الفلسطيني.

نحن أمام مرحلة مختلفة، وحرب جديدة من نوعها. لأول مرة إسرائيل وإيران تتقاتلان، ففي الماضي كانت الحرب بينهما بالوكالة. الآن الاقتتال مباشر وفوق أرض سوريا، وللمرة الأولى نرى الحرس الثوري، الذي طغى وتجبر في المنطقة، في العراق واليمن وسوريا، يدفع الثمن غالياً، ويعرف أنه تجاوز حدوده.

فالحرس الثوري حاول التنصل، كعادته في لبنان، مدعياً في بيان رسمي بأنه ليس مسؤولاً عن إطلاق الصواريخ العشرة على إسرائيل، ووضع اللوم على قوات الأسد، لكن الإسرائيليين لن يذهبوا إلى المحكمة، ولن ينتظروا لجان التفتيش الدولية. من دون الحاجة إلى دليل يعرفون أن قوات قاسم سليماني الإيرانية هي الفاعل، ولن يحميها الاختباء خلف قوات النظام السوري التي صارت صورة ولا تملك من أمرها شيئا.

ولا بد أن طهران وصلها خبر موقف نظام دمشق نفسه، الذي يقول الجنرال سليماني إنه مستعد للتضحية إلى آخر جندي إيراني من أجل الأسد، بأنه صار مستعداً أن يبيع سليماني والإيرانيين في أول صفقة سياسية، نتيجة التطورات العسكرية الجديدة. الأسد سيتعاون مع ينتصر من القوى على أرضه، وبدخول إسرائيل الحرب فإن إيران هي على الأرجح الخاسر الأكبر والروس لا يمانعون التطورات الجديدة.

الصورة تبدو أوضح اليوم من ذي قبل. الهدف هو إجبار نظام طهران على التراجع. الخطة شملت قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بتمزيق الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية. وتفعيل دور إسرائيل العسكري، بالهجمات الموجعة التي دمرت المواقع الإيرانية. وإقناع الروس بالحياد، بعد أن كانوا عادة يعترضون، جلسوا في كرسي المتفرج ولَم يعودوا يتحدثون عن التهديد بصواريخهم ضد هجمات إسرائيل. كلها تأتي لخدمة نفس الهدف بعد أن رفضت حكومة طهران الدعوات الدولية للعودة عسكرياً إلى ما وراء حدودها، والتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة وقلب حكوماتها.

اقرأ المزيد
١٢ مايو ٢٠١٨
مع سورية ضد الصهاينة ومع السوريين ضد بشار

كان محمد حسنين هيكل يقول إنه في السياسة الدولية، تمارس إسرائيل لعبة الشطرنج، فيما يلعب العرب"الطاولة"، تلك اللعبة التي تعتمد على الحظ، أكثر من اعتمادها على مهارات التفكير والتخطيط.

الآن، العرب لا يلعبون، لا طاولة ولا شطرنج، بل يكتفي معظمهم بالفرجة والتشجيع، فيما ينشط كبارهم في جمع ما يسقط من "زهر الطاولة" أو قطع الشطرنج تحت موائد اللاعبين الكبار.. ولن تعدم بعضاً منهم يقوم بدور"الجرسون" الذي يزود اللاعبين باحتياجاتهم من الماء والعصائر.

يداهمنا تصاعد الأحداث بشكل مجنون على الأراضي السورية العربية، فتجد بعض العرب منقسمين بين مشجع للكيان الصهيوني أو مؤيد لإيران، في لحظةٍ حالكة الظلام، تضيع فيها البوصلة، فتذوب الفواصل القيمية والأخلاقية بين العدو الصريح والجار المتعب، ويصبح مفروضاً عليك، وفق هذا المنطق المعوج، أن تفاضل بين العدو الصهيوني وطغيان النظام السوري، المدعوم إيرانياً، هذا إذا افترضنا أن ثمّة مواجهة عسكرية واقعة بين الطرفين.

يقول لنا التاريخ إن العرب عاشوا هذه اللحظة الكارثية من قبل، مع الغزو الأميركي للعراق، فكان التشظّي بين مدافع عن الغزو والاحتلال، بإطلاق، ومدافع عن الاستبداد والطغيان، من دون تحفظات أو حدود.

وكأنه ليس بالإمكان أن تكون ضد الغزو الأجنبي، وضد الطغيان المحلي، في الوقت ذاته، من دون أدنى محاولةٍ جادة لإيجاد مساحةٍ لدور عربي فاعل وعاقل ومسؤول يمنع كارثة تسليم كل شيء لإرادة المحتل، يعيد رسم خرائط الجغرافيا والإنسان، ثم يبدأ في تغيير معالم الحضارة والثقافة والمعتقد، ويشعل النار في العقل، قبل النفط العربي.

الآن، أنت أمام لحظة أشدَّ وطأةً وعتامة، إذ يتسابق العرب الرسميون على جائزة الأكثر ولاءً وتبعية للكيان الصهيوني الذي احتفل في القاهرة، عاصمة الإقليم الجنوبي، فيما عرف بدولة الوحدة، بالذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين واحتلالها، تحت حراسة ورعاية النظام الحاكم في مصر.

كان الاحتفال قبل ساعات من توجيه الضربات العسكرية إلى دمشق، عاصمة الإقليم الشمالي، من دولة الوحدة، كما يردّد الناصريون والقوميون، المستغرقون في الدفاع عن نظام، هو صناعة إسرائيلية بامتياز، في القاهرة، ونظام، هو صناعة إيرانية خالصة، في دمشق، لينفتح المشهد على لحظةٍ شديدة البؤس، يصاب فيها النظام وتابعوه بالخرس.

في نهاية العام الماضي، كانت لحظة مشابهة، حين وقعت مناوشاتٌ في الملعب السوري، أنتجت سؤلاً عبثياً على موائد الثرثرة العربية: لو حاربت السعودية، مدعومة أو متحالفة مع إسرائيل، حزب الله وإيران الآن، فمع من تقف؟

قلت في ذلك الوقت إن مجرد طرح السؤال يعبر عن حريقٍ هائل في الوعي، وخراب شامل في الوجدان العربي، وانهيار لقواعد المنطق والأخلاق ومرتكزات الهوية الحضارية والثقافية، إذ يعيش العرب  حالةً من الدونية الحضارية، غير مسبوقة في التاريخ، فخارجياً منبطحون في استجداء مخزٍ للمواقف الدولية، ضد بعضهم بعضا، حتى باتت تل أبيب تجد حرجاً في قبول طلبات المتطوعين لخدمة احتلالها وتمويله، وتعاني تخمةً تطبيعيةً تجعلها تأنف فتح الأبواب لمزيد من الخدم.. وفي الداخل، يحاربون ربيعهم ويقتلون أنبل ما فيهم، ويهدرون مقدّراتهم في مقاومة تيارات التغيير الديمقراطي، بمساعدة العدو الأول والأساس، الذي وقف سفيره في القاهرة يحيي قتلة الربيع العربي، ويسخر من ثورات الشعوب العربية، ويصنفها، كما مقاومة المحتل، إرهاباً، ويثني على ولي العهد السعودي الذي يصل الليل بالنهار، لكي يجعل العداء لإيران، الإسلامية الشيعية، قضية العرب المحورية، ويضغط على الفلسطينيين، لكي لا يزعجوا المحتل بمقاومتهم، ورفضهم تهويد القدس.

على الجهة المقابلة، ليس هناك ما يؤكد أن إسرائيل تريد إزاحة بشار الأسد، عدوها اللطيف المطيع، وحتى إذا افترضنا أن هناك حرباً إسرائيلية سورية، فإن حاكم سورية يدخلها وقد قدّم دعمه اللا محدود للعدو الصهيوني، قبل أن تبدأ، حيث، إن حصلت، سيدخل الحرب منقوصاً نحو نصف مليون مواطن سوري، قتلهم بيده، ونحو ستة ملايين آخرين، هجرهم، وهو يسحق الربيع الذي تكرهه وتحاربه إسرائيل، وتتمنى القضاء عليه قضاء مبرماً.

على أن ذلك كله لا يجعلك، إن وقعت الحرب، أن تقف على الحياد، أو تقول إن كليهما عدو، فالموقف الأخلاقي والحضاري أن تكون في الحرب مع سورية وإيران، إن هاجمتهما إسرائيل، وفي الثورة تكون مع الشعب السوري ضد بشار الأسد وطهران وتل أبيب، معاً.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان